محمد كالو
New member
- إنضم
- 30/03/2004
- المشاركات
- 297
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 18
- الإقامة
- تركيا
- الموقع الالكتروني
- www.facebook.com
نشأت إثر الفتن التي أثارها أعداء الإسلام فِرَقٌ تأثرت بالشبهات الدخيلة ، ونتيجة لانتصار كل فرقة ، نشأت الاتجاهات المنحرفة لتفسير القرآن الكريم ، حين سعت كل فرقة إلى لَيِّ أعناق النصوص وإخضاعها لاتجاهها المنحرف ، واختلقوا أحاديث ونسبوها إلى النبي r زيادة في تضليل الناس ، وفي سبيل نصرة ميولهم وأفكارهم .
فالمعتزلة يؤولون كل آية لا تتمشى مع مذهبهم كنفي رؤية الله تعالى ، والشيعة يحملون الآية على غير محملها ، لتوافق آراءهم كفكرة التقية التي يجعلونها أساس التعامل مع سواهم من المسلمين ، وأصحاب المذاهب النحوية الذين إذا رأوا آية تقرأ بقراءة ثابتة متواترة ، ولكنها لا تتمشى مع مذهبهم النحوي ، يؤولونها كما فعل الزمخشري في قراءة قوله تبارك وتعالى ] وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ, [ قد ردَّ عليه ابن المنير في » الانتصاف «.
من الاتجاهات المنحرفة في التفسير :
1 ـ أصحاب الفرق الضالة من الباطنية :
ومن الاتجاهات المنحرفة لتفسير القرآن الكريم ، اتجاه أصحاب الفِرَق الضالة من الباطنية ، كالقرامطة والإسماعيلية يؤولون النص الظاهر بالباطن ، كما أوَّلوا قول الله تعالى :
] وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ.
وقالوا : الآخرة التي يصير الناس إليها بعد الموت إنما هي انتقال الروح من حيوان إلى حيوان ، حتى يكون آخر ما يصيرون إليه من الأبدان السود المحترقة ، أو إلى الأبدان الصافية النورانية ، وهو ما يُعرف بتناسخ الأرواح ( التقمص.
2 ـ من الاتجاه المنحرف في التفسير اتجاه القصاص :
ومن الاتجاه المنحرف ما سلكه القصاصون ، الذين كانوا يضعون الأحاديث في التفسير والمواعظ ، وأكثرهم من الملاحدة والزنادقة ، ويضمنونها بما يريدون دسَّه على الإسلام من المعاني الباطلة والعقائد الفاسدة ، منهم عبد الكريم ابن أبي العوجاء الذي قتل وصلب في زمن المهدي ، قال ابن عدي : لما أخذ يضرب عنقه قال : وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل الحرام وفيه يقول بشار بن برد:
قل لعبد الكريم بابن أبي العوجاء بعت الإسلام بالكفر فوقا
لا تصلي ولا تصوم ،فان صمت فبعض النهار صوما رقيقا
ما تبالـي إذا شربت من الخمر عتيـقاً أو لا يكون عتيقا
3 ـ ومن الاتجاه المنحرف في التفسير أصحاب المنهج الفلسفي الكلامي :
ومن الاتجاه المنحرف في التفسير ، أصحاب المنهج الفلسفي الكلامي ، الذين جعلوا العقل أساساً لفهم النصوص القرآنية المتشابهة .
والمتشابه : تلك الآيات القرآنية التي استأثر الله تعالى بعلمها ، وجعلها سراً من أسرار كتابه .
كان الصحابة رضي الله عنهم إذا رأوا من يسأل عن المتشابه بالغوا في كفه ، تارة بالقول، وتارة بالضرب ، وتارة بالإعراض ، ولذلك لما قدم المدينة رجل يقال له صبيغ ( بوزن عظيم وآخره مهملة ) بن عسل ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه قال : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ ، قال : وأنا عبد الله عمر ، فضربه حتى أدمى رأسه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين ،قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي.
4 ـ انحراف منهج التفسير العلمي للقرآن الكريم :
الإمام فخر الدين الرازي من العلماء الذين طبق في تفسيره ( مفاتيح الغيب ) ما جدَّ في البيئة الإسلامية من ثقافة فكرية على آيات القرآن الكريم ، وقال : وربما جاء بعض الجهال والحمقى وقال : إنك أكثرت في تفسير كتاب الله تعالى من علم الهيئة والنجوم ، وذلك على خلاف المعتاد ... فيقال لهذا المسكين : إنك لو تأملت في كتاب الله تعالى حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته.
أما محمد ابن أبي الفضل المرسي ، فقد كان موقفه أن الله تبارك وتعالى جمع علوم الأولين والآخرين في القرآن الكريم ، ولم يحط بها علماً حقيقة إلا الله سبحانه وتعالى ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى به ، ثم ورث عنه سادات الصحابة وأعلامهم حتى قال ابن عباس t : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى .
وهذا المنهج الذي انتهجه ابن أبي الفضل المرسي في بيان اشتمال القرآن الكريم على هذه العلوم والفنون، غريب وبعيد عن مقصد القرآن الكريم وهدايته.
ثم جاء جلال الدين السيوطي فتابع من قبله من العلماء القائلين بأن القرآن يشتمل على علوم الأولين والآخرين ، فيسوق في كتابه : ( معترك الأقران في إعجاز القرآن ) الآيات والأحاديث والآثار وأقوال العلماء التي تدل على أن القرآن مشتمل على كل العلوم.
وكذلك بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي الذي يرى أنه يمكن استخراج كل شيء من القرآن ، ولذلك نجده ينقل في كتابه ( البرهان في علوم القرآن ) أقوال بعض الصحابة في هذا الشأن ، كما ينقل قول الإمام الغزالي الذي ذكره في كتابه ( إحياء علوم الدين ) حيث يعقد فصلاً خاصاً في حاجة المفسر إلى الفهم والتبحر في العلوم ، يقول فيه :
» كتاب الله بحره عميق ، وفهمه دقيق ، لا يصل إلى فهمه إلا من تبحر في العلوم ، وعامل الله بتقواه في السر والعلانية ، وأجلَّه عند مواقف الشبهات «.
ولما أصاب المسلمين ما أصابهم من جمود فكري في القرون الأواخر ، حتى قال الفيلسوف الفرنسي ( أرنست رينان في المجمع العلمي الفرنسي :
» إن العلم والدين الإسلامي لا يجتمعان « .
لذا قام بعض العلماء في العصر الحديث للدعوة إلى الانفتاح على العلوم العصرية ، للاستفادة منها فيما ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم .
منهم الشيخ محمد عبده الذي ترك تفسيراً لجزء » عمَّ « ألفه ككتاب مدرسي ، يقول في تفسيره لسورة الفيل : وفي اليوم الثاني فشا في جند الحبش داء الجدري والحصبة .
ثم ذكر رواية عكرمة : أن أول ما رؤيت الحصبة
والجدريببلاد العرب في ذلك العام.
ثم عقب على ذلك بقوله : هذا ما اتفقت عليه الروايات ويصح الاعتقاد به ... إلى أن قال : فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض ....وإن كثيراً من هذه الطيور الضعيفة يعد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر ، وأن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن ( بالميكروب )( ) لا يخرج عنها ( ).
وهذا الذي قاله محمد عبده في تفسيره لسورة الفيل ،عليه مآخذ منها :
ـ حديث الجدري والحصبة في هذا المقام مقحم ، لا ينبغي أن يعول عليه في تفسير سورة بدأها الله بصيغة التعجب والتعظيم لصنعه ، قال ابن الأثير : وقال كثير من أهل السير ، إن الحصبة والجدري أول ما رؤيا في العرب بعد الفيل ، وهذا مما لا ينبغي أن يعرَّج عليه ، فإن هذه الأمراض قبل الفيل منذ خلق الله العالم ( ) .
ـ أما قوله : هذا ما اتفقت عليه الروايات ، فغريب في باب العلم ، وعجيب في باب التفسير ، لأن الروايات لم تتفق على هذا ، فذكرت روايات : أنها أشبه بالوطاويط ، وبعضها ذكر أنها أشبه باليعاسيب وهي ذكور النحل ، وذكر بعضها أنها أشبه بالخطاف.
ـ لم يعرف في اللغة العربية واستعمالاتها إطلاق لفظ ( الطير ) على الحيوان المسمى
( بالميكروب ) .
ـ قوله : يجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض ، تحميل لآيات القرآن الكريم فوق طاقة أسال
ساليب العربية ، وفوق طاقة أفهام من نزل القرآن عليهم لتعجيبهم من شأن هذه الحادثة المبدعة إرهاصاً لمقدم بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين ( ) .
وممن نَهَج نَهْج التفسير العلمي للقرآن الكريم أيضاً ، الشيخ طنطاوي جوهري( ) ، الذي كان يؤمن بأن القرآن الكريم لا يفسر إلا بالعلم الحديث ، فألف تفسيراً للقرآن الكريم سماه : ( الجواهر في تفسير القرآن الكريم ) مزج فيه الآيات القرآنية بالعجائب الكونية ، وأمَّل من تفسيره هذا أن يشرح الله به قلوباً ويهدي به أمماً وتنقشع به الغشاوة عن أعين عامة المسلمين فيفهموا العلوم الكونية.
يبدأ طنطاوي جوهري في تفسيره بشرح الألفاظ ثم يتوسع في الفنون العصرية والعلوم الكونية ، وينقل عن التوراة والإنجيل كثيراً ، ويردُّ على بعض النصارى والمستشرقين ، ويستشهد بكلام بعض علماء الغرب ، وكثيراً ما يضع في تفسيره بعض الصور للنباتات والحيوانات ، ومناظر الطبيعة ، والتجارب العلمية ، والجداول الإحصائية .
فجاء تفسيره مزيجاً من علوم الأمم قديماً وحديثاً ، وربما وفق بين الآراء الحديثة والأفكار الدينية .
ومن أغرب ما تقرؤه في تفسيره انخداع الشيخ طنطاوي جوهري بدعوى علم تحضير الأرواح ، بل يؤمن به ويدافع عنه ، ويستنبطه من القرآن الكريم من قوله تبارك وتعالى : ] وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [ ( ) الآيات .
ويذكر إحياء الله تعالى لقتيل بني إسرائيل لما ضرب بشيء من لحم البقرة التي أمروا بذبحها فيقول :
وأما علم تحضير الأرواح فإن من هذه الآية استخراجه ، إن هذه الآيات تتلى والمسلمون يؤمنون بها حتى ظهر علم تحضير الأرواح بأمريكا أولاً ، ثم بسائر أوربا ثانياً .
ثم يذكر نبذة طويلة عن مبدأ ظهور هذا العلم ، وكيف كان انتشاره بين الأمم ، استغرق ذلك منه خمس صفحات .
هذا العلم الذي يدعى ( علم تحضير الأرواح ) علم كاذب ، وأغلب الظن أنها أرواح جن تكذب بادعائها أنها الأرواح المطلوب إحضارها ومكالمتها ، وكيف يمكن استحضار هذه الأرواح حقيقة وسلطانها بيد الله تعالى وحده ، قال الله تعالى : ] وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [ ( ) .
إن تفسير الجوهري يقال فيه كما قال الشيخ محمد حسين الذهبي : أنه موسوعة ضربت في كل فن من فنون العلم بسهم وافر ، مما جعل هذا التفسير يرصف بما وصف به تفسير الفخر الرازي فقيل : فيه كل شيء إلا التفسير ، بل هو أحق من تفسير الفخر بهذا الوصف وأولى به ( ) .
وعلى نهج طنطاوي جوهري مشى الباحث ( حنفي أحمد ) ( ) في كتابه » معجزة القرآن في وصف الكائنات « ويرى المؤلف أن من الواجب الاعتراف بالجهود الطيبة التي بذلها بعض أفاضل العلماء المعاصرين في كشف مكنون الآيات الكونية من أمثال الدكتور محمد أحمد الغمراوي والدكتور عبد العزيز إسماعيل والشيخ طنطاوي جوهري.
وأصدر الأستاذ عبد الرزاق نوفل ( ) عدة مؤلفات تدور حول التفسير العلمي منها ( القرآن والعلم الحديث ) و ( الله والعلم الحديث ) و ( الإسلام والعلم الحديث ) و ( بين الدين والعلم ) ، ويقول :
إن البشرية أوجدت في القرآن الكريم أوجه الإعجاز المختلفة البيانية والتشريعية والخلقية والإنسانية ، وفي عصر العلم وجد العلماء في آياته الشريفة معجزة علمية ضخمة يكفي لأن ينشر بها الإسلام في أوساط العلم والعلماء ، وفي كل مكان لا يعرف أهله لغة القرآن.
وفي الحقيقة لا يجوز لباحث المسارعة إلى الخوض في التفسير العلمي إلا بعد استيفاء شروطه وضوابطه ، وأهم شروطه :
1 ـ أن يكون التفسير العلمي للآيات الكونية مطابقاً لمعنى النظم القرآني.
2 ـ أن لا يخرج عن حد البيان إلى عرض النظريات العلمية المتضاربة.
3 ـ أن يتحقق الباحث من ثبوت القضايا العلمية التي يفسر بها معاني الآيات الكونية.
4 ـ أن لا يحمّل الآيات حملاً على النظريات العلمية.
5 ـ أن يلتزم بالمعاني اللغوية للآيات ، لأن القرآن عربي مبين .
6 ـ تجريد البحث عن جميع الاحتمالات المظنونة ، فلا تفسير إلا بما هو ثابت.
7 ـ جعل الآيات الكونية أصلاً في البحث لا تبعاً له
فالمعتزلة يؤولون كل آية لا تتمشى مع مذهبهم كنفي رؤية الله تعالى ، والشيعة يحملون الآية على غير محملها ، لتوافق آراءهم كفكرة التقية التي يجعلونها أساس التعامل مع سواهم من المسلمين ، وأصحاب المذاهب النحوية الذين إذا رأوا آية تقرأ بقراءة ثابتة متواترة ، ولكنها لا تتمشى مع مذهبهم النحوي ، يؤولونها كما فعل الزمخشري في قراءة قوله تبارك وتعالى ] وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ, [ قد ردَّ عليه ابن المنير في » الانتصاف «.
من الاتجاهات المنحرفة في التفسير :
1 ـ أصحاب الفرق الضالة من الباطنية :
ومن الاتجاهات المنحرفة لتفسير القرآن الكريم ، اتجاه أصحاب الفِرَق الضالة من الباطنية ، كالقرامطة والإسماعيلية يؤولون النص الظاهر بالباطن ، كما أوَّلوا قول الله تعالى :
] وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ.
وقالوا : الآخرة التي يصير الناس إليها بعد الموت إنما هي انتقال الروح من حيوان إلى حيوان ، حتى يكون آخر ما يصيرون إليه من الأبدان السود المحترقة ، أو إلى الأبدان الصافية النورانية ، وهو ما يُعرف بتناسخ الأرواح ( التقمص.
2 ـ من الاتجاه المنحرف في التفسير اتجاه القصاص :
ومن الاتجاه المنحرف ما سلكه القصاصون ، الذين كانوا يضعون الأحاديث في التفسير والمواعظ ، وأكثرهم من الملاحدة والزنادقة ، ويضمنونها بما يريدون دسَّه على الإسلام من المعاني الباطلة والعقائد الفاسدة ، منهم عبد الكريم ابن أبي العوجاء الذي قتل وصلب في زمن المهدي ، قال ابن عدي : لما أخذ يضرب عنقه قال : وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها الحلال وأحلل الحرام وفيه يقول بشار بن برد:
قل لعبد الكريم بابن أبي العوجاء بعت الإسلام بالكفر فوقا
لا تصلي ولا تصوم ،فان صمت فبعض النهار صوما رقيقا
ما تبالـي إذا شربت من الخمر عتيـقاً أو لا يكون عتيقا
3 ـ ومن الاتجاه المنحرف في التفسير أصحاب المنهج الفلسفي الكلامي :
ومن الاتجاه المنحرف في التفسير ، أصحاب المنهج الفلسفي الكلامي ، الذين جعلوا العقل أساساً لفهم النصوص القرآنية المتشابهة .
والمتشابه : تلك الآيات القرآنية التي استأثر الله تعالى بعلمها ، وجعلها سراً من أسرار كتابه .
كان الصحابة رضي الله عنهم إذا رأوا من يسأل عن المتشابه بالغوا في كفه ، تارة بالقول، وتارة بالضرب ، وتارة بالإعراض ، ولذلك لما قدم المدينة رجل يقال له صبيغ ( بوزن عظيم وآخره مهملة ) بن عسل ، فجعل يسأل عن متشابه القرآن ، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه قال : من أنت ؟ قال : أنا عبد الله صبيغ ، قال : وأنا عبد الله عمر ، فضربه حتى أدمى رأسه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين ،قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي.
4 ـ انحراف منهج التفسير العلمي للقرآن الكريم :
الإمام فخر الدين الرازي من العلماء الذين طبق في تفسيره ( مفاتيح الغيب ) ما جدَّ في البيئة الإسلامية من ثقافة فكرية على آيات القرآن الكريم ، وقال : وربما جاء بعض الجهال والحمقى وقال : إنك أكثرت في تفسير كتاب الله تعالى من علم الهيئة والنجوم ، وذلك على خلاف المعتاد ... فيقال لهذا المسكين : إنك لو تأملت في كتاب الله تعالى حق التأمل لعرفت فساد ما ذكرته.
أما محمد ابن أبي الفضل المرسي ، فقد كان موقفه أن الله تبارك وتعالى جمع علوم الأولين والآخرين في القرآن الكريم ، ولم يحط بها علماً حقيقة إلا الله سبحانه وتعالى ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى به ، ثم ورث عنه سادات الصحابة وأعلامهم حتى قال ابن عباس t : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى .
وهذا المنهج الذي انتهجه ابن أبي الفضل المرسي في بيان اشتمال القرآن الكريم على هذه العلوم والفنون، غريب وبعيد عن مقصد القرآن الكريم وهدايته.
ثم جاء جلال الدين السيوطي فتابع من قبله من العلماء القائلين بأن القرآن يشتمل على علوم الأولين والآخرين ، فيسوق في كتابه : ( معترك الأقران في إعجاز القرآن ) الآيات والأحاديث والآثار وأقوال العلماء التي تدل على أن القرآن مشتمل على كل العلوم.
وكذلك بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي الذي يرى أنه يمكن استخراج كل شيء من القرآن ، ولذلك نجده ينقل في كتابه ( البرهان في علوم القرآن ) أقوال بعض الصحابة في هذا الشأن ، كما ينقل قول الإمام الغزالي الذي ذكره في كتابه ( إحياء علوم الدين ) حيث يعقد فصلاً خاصاً في حاجة المفسر إلى الفهم والتبحر في العلوم ، يقول فيه :
» كتاب الله بحره عميق ، وفهمه دقيق ، لا يصل إلى فهمه إلا من تبحر في العلوم ، وعامل الله بتقواه في السر والعلانية ، وأجلَّه عند مواقف الشبهات «.
ولما أصاب المسلمين ما أصابهم من جمود فكري في القرون الأواخر ، حتى قال الفيلسوف الفرنسي ( أرنست رينان في المجمع العلمي الفرنسي :
» إن العلم والدين الإسلامي لا يجتمعان « .
لذا قام بعض العلماء في العصر الحديث للدعوة إلى الانفتاح على العلوم العصرية ، للاستفادة منها فيما ينفع المسلمين في دينهم ودنياهم .
منهم الشيخ محمد عبده الذي ترك تفسيراً لجزء » عمَّ « ألفه ككتاب مدرسي ، يقول في تفسيره لسورة الفيل : وفي اليوم الثاني فشا في جند الحبش داء الجدري والحصبة .
ثم ذكر رواية عكرمة : أن أول ما رؤيت الحصبة
والجدريببلاد العرب في ذلك العام.
ثم عقب على ذلك بقوله : هذا ما اتفقت عليه الروايات ويصح الاعتقاد به ... إلى أن قال : فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض ....وإن كثيراً من هذه الطيور الضعيفة يعد من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر ، وأن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن ( بالميكروب )( ) لا يخرج عنها ( ).
وهذا الذي قاله محمد عبده في تفسيره لسورة الفيل ،عليه مآخذ منها :
ـ حديث الجدري والحصبة في هذا المقام مقحم ، لا ينبغي أن يعول عليه في تفسير سورة بدأها الله بصيغة التعجب والتعظيم لصنعه ، قال ابن الأثير : وقال كثير من أهل السير ، إن الحصبة والجدري أول ما رؤيا في العرب بعد الفيل ، وهذا مما لا ينبغي أن يعرَّج عليه ، فإن هذه الأمراض قبل الفيل منذ خلق الله العالم ( ) .
ـ أما قوله : هذا ما اتفقت عليه الروايات ، فغريب في باب العلم ، وعجيب في باب التفسير ، لأن الروايات لم تتفق على هذا ، فذكرت روايات : أنها أشبه بالوطاويط ، وبعضها ذكر أنها أشبه باليعاسيب وهي ذكور النحل ، وذكر بعضها أنها أشبه بالخطاف.
ـ لم يعرف في اللغة العربية واستعمالاتها إطلاق لفظ ( الطير ) على الحيوان المسمى
( بالميكروب ) .
ـ قوله : يجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض ، تحميل لآيات القرآن الكريم فوق طاقة أسال
ساليب العربية ، وفوق طاقة أفهام من نزل القرآن عليهم لتعجيبهم من شأن هذه الحادثة المبدعة إرهاصاً لمقدم بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين ( ) .
وممن نَهَج نَهْج التفسير العلمي للقرآن الكريم أيضاً ، الشيخ طنطاوي جوهري( ) ، الذي كان يؤمن بأن القرآن الكريم لا يفسر إلا بالعلم الحديث ، فألف تفسيراً للقرآن الكريم سماه : ( الجواهر في تفسير القرآن الكريم ) مزج فيه الآيات القرآنية بالعجائب الكونية ، وأمَّل من تفسيره هذا أن يشرح الله به قلوباً ويهدي به أمماً وتنقشع به الغشاوة عن أعين عامة المسلمين فيفهموا العلوم الكونية.
يبدأ طنطاوي جوهري في تفسيره بشرح الألفاظ ثم يتوسع في الفنون العصرية والعلوم الكونية ، وينقل عن التوراة والإنجيل كثيراً ، ويردُّ على بعض النصارى والمستشرقين ، ويستشهد بكلام بعض علماء الغرب ، وكثيراً ما يضع في تفسيره بعض الصور للنباتات والحيوانات ، ومناظر الطبيعة ، والتجارب العلمية ، والجداول الإحصائية .
فجاء تفسيره مزيجاً من علوم الأمم قديماً وحديثاً ، وربما وفق بين الآراء الحديثة والأفكار الدينية .
ومن أغرب ما تقرؤه في تفسيره انخداع الشيخ طنطاوي جوهري بدعوى علم تحضير الأرواح ، بل يؤمن به ويدافع عنه ، ويستنبطه من القرآن الكريم من قوله تبارك وتعالى : ] وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [ ( ) الآيات .
ويذكر إحياء الله تعالى لقتيل بني إسرائيل لما ضرب بشيء من لحم البقرة التي أمروا بذبحها فيقول :
وأما علم تحضير الأرواح فإن من هذه الآية استخراجه ، إن هذه الآيات تتلى والمسلمون يؤمنون بها حتى ظهر علم تحضير الأرواح بأمريكا أولاً ، ثم بسائر أوربا ثانياً .
ثم يذكر نبذة طويلة عن مبدأ ظهور هذا العلم ، وكيف كان انتشاره بين الأمم ، استغرق ذلك منه خمس صفحات .
هذا العلم الذي يدعى ( علم تحضير الأرواح ) علم كاذب ، وأغلب الظن أنها أرواح جن تكذب بادعائها أنها الأرواح المطلوب إحضارها ومكالمتها ، وكيف يمكن استحضار هذه الأرواح حقيقة وسلطانها بيد الله تعالى وحده ، قال الله تعالى : ] وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [ ( ) .
إن تفسير الجوهري يقال فيه كما قال الشيخ محمد حسين الذهبي : أنه موسوعة ضربت في كل فن من فنون العلم بسهم وافر ، مما جعل هذا التفسير يرصف بما وصف به تفسير الفخر الرازي فقيل : فيه كل شيء إلا التفسير ، بل هو أحق من تفسير الفخر بهذا الوصف وأولى به ( ) .
وعلى نهج طنطاوي جوهري مشى الباحث ( حنفي أحمد ) ( ) في كتابه » معجزة القرآن في وصف الكائنات « ويرى المؤلف أن من الواجب الاعتراف بالجهود الطيبة التي بذلها بعض أفاضل العلماء المعاصرين في كشف مكنون الآيات الكونية من أمثال الدكتور محمد أحمد الغمراوي والدكتور عبد العزيز إسماعيل والشيخ طنطاوي جوهري.
وأصدر الأستاذ عبد الرزاق نوفل ( ) عدة مؤلفات تدور حول التفسير العلمي منها ( القرآن والعلم الحديث ) و ( الله والعلم الحديث ) و ( الإسلام والعلم الحديث ) و ( بين الدين والعلم ) ، ويقول :
إن البشرية أوجدت في القرآن الكريم أوجه الإعجاز المختلفة البيانية والتشريعية والخلقية والإنسانية ، وفي عصر العلم وجد العلماء في آياته الشريفة معجزة علمية ضخمة يكفي لأن ينشر بها الإسلام في أوساط العلم والعلماء ، وفي كل مكان لا يعرف أهله لغة القرآن.
وفي الحقيقة لا يجوز لباحث المسارعة إلى الخوض في التفسير العلمي إلا بعد استيفاء شروطه وضوابطه ، وأهم شروطه :
1 ـ أن يكون التفسير العلمي للآيات الكونية مطابقاً لمعنى النظم القرآني.
2 ـ أن لا يخرج عن حد البيان إلى عرض النظريات العلمية المتضاربة.
3 ـ أن يتحقق الباحث من ثبوت القضايا العلمية التي يفسر بها معاني الآيات الكونية.
4 ـ أن لا يحمّل الآيات حملاً على النظريات العلمية.
5 ـ أن يلتزم بالمعاني اللغوية للآيات ، لأن القرآن عربي مبين .
6 ـ تجريد البحث عن جميع الاحتمالات المظنونة ، فلا تفسير إلا بما هو ثابت.
7 ـ جعل الآيات الكونية أصلاً في البحث لا تبعاً له