محمود عبد الصمد الجيار
New member
بسم الله الرحمن الرحيم
مسايرة العالم.. مع فهم القديم فهماً جيداً
[لقاء أجرته مجلة «العلم الثقافي» بتونس، صفحة: 1 - 2، العدد 563، الجمعة 17 رجب 1401 هـ - 22 ماي 1981 م]
س - قارنتم في كتابكم الأخير )النحو العربي والدرس الحديث( بين مناهج النحاة العرب القدامى ومناهج المحدثين في الغرب، فما[...] نقطة الاختلاف والاقتران التي توصلتم إلى ملاحظتها؟ج - في الكتاب الذي أشرت إليه وهو )النحو العربي والدرس اللغوي الحديث( ركزت على فكرة أساسية، وهي أن بعض الناس يتصورون أننا يمكن أن نكتفي بالنحو العربي، ونقتصر عليه وحده، دون أن نتصل بما يجد في العالم من محدثات علمية، والبعض الآخر يتصور أنه ينبغي أن ندفن هذا النحو العربي القديم إلى الأبد، وأن نأخذ ما يأتي به الغربيون دون أن نلتفت إلى هذا الذي كان أي التفات، ونطبق على اللغة العربية هذا الجديد، لذلك حاولت أن أقدم هذا النوع من المقارنة لا من أجل المقارنة، ولكن لأؤكد أن الحياة الإنسانية لابد أن تعتمد على ما عندها أولاً، وعليها أيضا ألا تغمض عينها على كل ما يحدث في العالم، وأن تتصل به وتعرفه وأن تتمثله، وأن يصدر عنها بعد ذلك أي تطور صدورا داخليا ممتزجا بمكوناتها الذاتية، وعملية المقارنة أدت إلى أن الناس يستعجلون الحكم على الأشياء، [و] النحوالعربي صار هو صلب الحديث حينما بدأ يظهر في العالم العربى. كان أول شيء صنعه باحثون معاصرون، أنهم نقدوا النحو العربي، لم يحدث في هذا الشأن عمل بناء إيجابي في دراسة اللغة، لكن كل أو معظم الجهود تركزت في توجيه اللوم والنقد للنحو العربي من خلال علم اللغة الحديث أو البنائية على وجه الخصوص في الوقت، أوعلم اللغة الوضعي كما يسميه بعض الناس، وبعد ذلك تبين أن علم اللغة التحويلي التوليدي حين ظهر وجدنا أن ما كان يعيبه المحدثون ومن بين آثار هذا الاستعجال أن علم اللغة [و] النحو التحويلي والتوليدي وما بين النظريات من الاختصار والإيجاز والتفصيل حتى تكون في متناول القارئ، والقصد هنا واضح جدا، وهو أنه إذا كنا فعلا نلاحق العالم، ونحاول أن نسير معه، وأننا بهذه الملاحظة يمكن أن نفهم قديمنا فهما جيدا، وأن نتقدم ونتطور.
س- نلاحظ عند مؤرخي اللغة الغربيين، عندما يؤرخون لدرس لغوي يبدأون بالهنود والصينيين واليونان والعصور الغربية الأوروبية كلها، لكن نلاحظ إهمالا بالنسبة لجهود العرب في الدرس اللغوى؟
فهل هذا الإهمال عند مؤرخي الدراسات اللغوية نتيجة جهل بالعطاء العربي في هذا الميدان، أو نتيجة كبرياء الغرب واستعلائه؟ أو نتيجة إحساس الغرب بتفاهة ما قدمه العرب؟
ما رأيك في غياب الدراسات العربية فيما كتبه الغرب؟ ولتأخذ أي كتاب «جورج مونا» في كل الجهود اللغوية، لا نجد فيها ما يبرز الجهد العربي في هذا الميدان؟
- للسؤال قيمة، رغم أنه قد يبدو للناس مسألة غير لغوية، لكنني أعتقد أن له قيمة وموجه لإخواننا الذين يقولون، علينا أن نلقي بكل القديم من تراثنا جانبا.. هذه القيمة تأتى من أين؟ أنا لا أقول إن الأوروبيين يجهلون النحو العربي أو يتجاهلونه، ومن هذا الجهل أو التجاهل لم يكتبوا عن النحو العربي ضمن تاريخهم لدرس اللغة في العالم؛ بل أقول، لماذا أرخ الغربيون الدرس اللغوي؟ لماذا؟ في الواقع أن هذه المسألة بعد اكتشاف «السنسكرتية» في القرن الثامن عشر مما وجه الدراسات اللغوية في الغرب توجيها مختلفا جدا عما كان قبل «السنسكرتية» عندما كانت دراسة اللغات الأوروبية تتم في ضوء اللاتينية، لكن بعد السنسكرتية بدأت عملية المقارنات وإعادة التشكيل وصياغة اللغات الأولى محاولة لتَتبُّع اللغات الأوروبية والعودة بها إلى أصولها الأولى، يعني الدراسات التاريخية أو التعقبية إلى غير ذلك.. السنسكرتية جعلت الأوروبيون يدركون أن اللغة الأوروبية ليست هي وحدها قائمة بذاتها، وإنما هي تتصل بمثيلات لها دما ولحما وقرابة، هي السنسكرتية، أي لغات أخرى غير موجودة في القارة الأوروبية نفسها، ومن هنا جاءت فكرة تقسيم اللغات إلى سلالات وعائلات لغوية، فبدأ اللغويون الغربيون يتهمون بهذه الدائرة بالذات، وهي دائرة اللغات الهندية الأوروبية، وانصب اهتمامهم على هذا.. وتاريخهم للدراسات اللغوية إنما كان في الواقع تاريخا لجهود الهنديين، لذلك نجدهم يتحدثون عن اليونان القدماء، عن الهنود، عن أوروبا في العصور الوسطى، عن مختلف المدارس اللغوية.. يعني أن هؤلاء الناس حين أرادو أن يؤرخون للدرس اللغوي كأنهم كانوا يريدون أن يقولوا: إننا نريد أن نؤرخ للدرس اللغوي في اللغات الهندية الأوروبية، وعملية الجهل يمكن أن تكون واردة في الحقيقة، لأن بعضهم غير مطلع على ما كتبه العرب في النحو، ويمكن أن يكون هذا بشيء من التحفظ، فعلى الأقل يجب أن نعلن أن كتاب سيبويه نفسه قد ترجم إلى اللغة الألمانية، وهو شيء غريب حقا.. أنا أعتقد أن المدرسة التحويلية التوليدية قد أشارت من بعيد حتى لا تعطي للمسألة قيمتها.
إن الدراسة للرواية العربية التي نسميها بالدراسة الكلاسيكية فيها أشياء كبيرة جدا، يمكن لو أنها طبعت لأدت إلى التقدم العلمي الكبير.. أقول هذا عن مسألة كيف يتجاهلون، ودورنا هو أن نبرز الدور العربي في فهم اللغة البشرية في العالم.
س- هل أفهم من هذا أنكم تدعون إلى إحياء النحو العربي بمعنى العودة إلى دراسته بالطرق القديمة، أم بمعنى استخدام الأدوات الحديثة في فهمه ودراسته؟
ج - أريد أولاً أن أفرق بين شيئين للقارئ العادي حتى لا يكون هنا تخصص، أن هناك فرقا كبيرا بين تعليم النحو، ودراسة النحو، فتعليم النحو أعتقد أنه حتى الآن مازال يسير في النظام القديم، لكن بطريقة صحيحة، بطريقة سهلة وعملية، ويمكن جدا أن يكون هذا النحو العربي في متناول الناس جميعا.. نحن ندعو لدراسة النحو العربي القديم دراسة كاملة وشاملة، بحيث يكون ميدان النحو واضحا جدا في أذهاننا، حتى لانحكم عليه حكما إلامن داخله، لكن شرط أن نكون على وعي بكل مايحدث الآن.. أنا لا أريد أن أطبق ماجاء به تشومسكي أو أطبق ما جاء به غيره على النحو العربي لكن لابد من الوعي بكل ما يحدث وأنا اقرأ.
ولابد أن تكون العيون مفتوحة، وليست هذه مسألة تطبيق، لأن كل شيء لابد أن يقرأ في ظروفه، لكن بأدوات تساعد على فهمه، وأعتقد أن أي حديث يمكن أن يساعد على فهم القديم لكن بدون الناس مهما أن تلبس الفكر العربي القديم أي لباس حديث ليس هذا هو المقصود.
س- هناك فرق بين أن ندرس النحو العربي أو أي نحو آخر بمنهاج حديث أو قديم، هذا يمكن أن نسميه تاريخا النحو، وبين علم اللغة الذي يقتصر على وصف حالة معينة أو لغة مجتمع معين في فترة خاصة، بمعنى أن هناك فرقا بين أن نقرأ تاريخ النحو وبين القيام بعملية وصف لما هو موجود في مجتمع من المجتمعات.
ج - يعنى إذا وصفنا اللغة في وقت بذاته كما يمكن أن يحدث الآن فهذا يؤدي فعلا إلى أننا نستغني عن النحو العربى القديم.. ويمكن أن نطبق منهاجا في دراسة اللغة العربية في دراسة لهجة من اللهجات الأخرى، لكن الذي أقصده هو أننا بدراستنا للنحو العربي القديم لا باعتباره تاريخا فحسب، ولكن باعتباره شيئا موجودا حمل هذه اللغة، هذه القرون الطويلة وبدراستنا له سنتمكن من تأسيس نظرية لغوية يمكن أن ندرس بها اللغة العربية في مستوياتها المعاصرة.
س- يعنى دراسة النحو العربي هي مادة ضرورية ومساعدة وأنها صلب اللغة.
ج - لا نستطيع أن نقول إنها صلب اللغة، كما أنني لا أريد أن أقول بأن علم اللغة هو صلب النحو.
س- بماذا يمكنكم تكوين الدرس اللغوى العربي المعاصر؟
ج - أهم ما يمكن أن نقوله هو أننا نقدر كل الجهود التي تمت في هذا الشأن حتى الآن في محاولة وصلنا بعلم اللغة الحديثة، وفي محاولة الدراسات التاريخية وغير التاريخية لمجهود العرب القدامى، لكنني أريد فقط أن أركز على السنوات الأخيرة، أريد فقط أن أركز على السنوات الأخيرة لأنه قبل هذه السنوات كان الاتجاه في العالم العربي طبعا في أجزاء من العالم العربي، وفي نطاق ضيق جدا هو الاتصال بعلم اللغة الحديث كما هو واضح في البنائية، وهذا العمل كما قلت كان في معظم إنتاجه محاولة نقد النحو العربي القديم وفي السنوات الأخيرة استمر هذا الاتجاه النقدي للنحو العربي القديم ولم يكتف بالنقد بل أحيانا يشير إلى فكرة الإلغاء التام، والذي يحصل الآن في جامعات المشرق وبخاصة في مصر، من حسن الحظ أن هناك كثيرا من التنبيه لهذه القضايا، يقوم على ضرورة الإفادة من علم اللغة الحديث في دراسة اللغة العربية في فترات زمنية مختلفة متعاقبة، حتى نتمكن من فحص النحو العربي القديم في ضوء النصوص، محاولة تتبع التطور الحقيقي للغة العربية على مستوى الألفاظ والجمل والدلالات، وأنا أعتقد أن هذا الاهتمام سيؤتي ثماره عما قريب.
س- يطرح في وسط الدارسين اللغويين العرب مشكل المصطلح، فنلاحظ أنه بقدرما تختلف البلاد العربية من النواحي الجغرافية في المصطلح اللغوي عند نقله من الغرب إلى اللغة العربية، كما نلاحظ هذا الاختلاف أيضا حتى على مستوى الأفراد فى البلد الواحد، وتعدد هذا المصطلح بين شرق العالم العربي وغربه وبين عدد كبير من الباحثين فى هذا الميدان لاشك أن له خطرا، ما رأيكم في هذا الموضوع؟
ج - من الواضح أولاً أن اختلاف الباحثين في المصطلح يرجع إلى قضية أساسية جدا في طريقة البحث العلمي في البلاد العربية، لأنها تفتقد افتقادا كاملا للمنهج العلمي الشامل الذي نقصد به وجود روح الفريق أو روح الجماعة، في البحث اللغوي أو في البحث العلمي عموما، لأننا جميعا نبحث منعزلين، كل شخص يبحث وحده في صومعته الخاصة دون أن يتصل بأحد وفجأة نجد أن كتابا ظهر دون أن يكون هناك اتصال بين الناس، ودون أن تكون هناك حلقات بحث ومناقشة لتطوير المسائل وللوصول إلى نوع من الاتفاق على مصطلح معين، أو لا يهتم العالم العربي مثلا حين ينتج شخص ما كتابا معينا وفيه بعض المصطلحات لا يهتم أحد بالدعوة إلى بحث أو إلى مائدة مستديرة أو حلقة دراسية لكى نفحص هذه المصطلحات التي جاء بها ونحكم عليها أو نطورها.. فكرة روح الجماعة والتخطيط العام الشامل في البحث العلمى في البلاد العربية للأسف الشديد صعبة التحقيق، لأن هناك مآت الكلمات في هذا الشأن فما بالك بالمصطلحات الدقيقة لبعض الأشياء الصغيرة في علم اللغة، والمسألة يمكن حلها بإدراك العرب بأنه لابد من الانتباه إلى منهج للحصول على المعرفة، والمنهج هو ضرورة تشجيع الناس، وممارسة البحث الجماعي، وهذا لايمكن أن يتم إلا بالتنسيق بين الجامعات ومعاهد العلم ومراكز الأبحاث في البلد الواحد، ثم في البلاد العربية، لأنه من غير المعقول أن نجد الباحثين في الجامعة الواحدة لا يعرف الواحد منهم فيما يفكر الآخر، ولايعرف أفراد هذه الجامعة فيما يفكر أفراد الجامعة الأخرى، وما خططهم العلمية، وأظن أنه لابد من تطبيق فكرة الندوة كما هو الشأن الآن في جامعة محمد الخامس لعقد ندوات حول موضوع معين يتم اعدادها قبل فترة، وتستمر هذه الندوات بخطط واضحة ومضبوطة وعلى العالم العربي أن يعلم أن دراسته للغة ليست مسألة مهمة، لأنهم مع الأسف يتصورون أن مراكز الأبحاث ينبغي أن تهيئ وتعد للأشياء الخاصة بالتنمية، مثل الكيمياء والعلوم الأساسية ويتصورون أن دراسة اللغة غير مهمة في عملية التنمية في الدولة وأنها خاصة بالاقتصاد، ويمكن أن نشير إلى أن تشومسكي وأصحابه يعملون في معهد خاص بالتكنولوجيا، فلابد أولا من توافر روح الفريق، ورصد ميزانيات مادية كافيه لتشجيع الأبحاث اللغوية.
س - تطرقتم في الكلمة السابقة إلى الحديث عن الندوى التي انعقدت أخيرا بالرباط. فما انطباعاتكم حول هذه الندوى، خصوصا أنها قد طرحت قضية المصطلح أيضا، خلاف مصطلحات بين أشخاص، وكل واحد يدعي أنه صاحب مصطلح معين وحول مصطلح مستعمل في المغرب ومصطلح غير مستعمل في المشرق، المهم هو تقديم انطباعات عامة حول هذه الندوة.
ج - أعدها الندوة الأولى في العالم العربي على هذا المستوى من التحدي، أي ندوة تعتقد حول البحث اللغوي في العصر الحاضر، والواقع أن كثيرا من الموضوعات التي قدمت في الندوة كانت موضوعات لكثير من الجهات العربية تعد من أحدث الموضوعات اللغوية يعني دراسة وسائل الاتصال والنحو التحويلي والتوليدي.. في الواقع أن هذه المسائل حتى الآن لم تعرض على هذا النطاق في أية جامعة عربية، وأن هناك جانبا كبيرا جدا جديرا بالتنويه، كما كان هناك عدد مهم من الذين يقبلون على هذه الندوة، وأنا أعتقد أن هذا لايمكن توافره في أي جزء من العالم العربي، يعني لايمكن في مثل هذه الندوة المتخصصة أن نجد مثل هذا العدد المهتم والفاهم لما يسمع والمستعد للمناقشة لما يسمع.. وطبعا هناك جوانب أخرى غير جيدة، من عدم وجود الوقت الكافي في الإعداد لأن الوقت الكافى مسألة ضرورية حتى يكون الموضوع ناضجا ومعروفا لدى المختصين قبل الوقت الكافي، حيث تكون الحصيلة النهائية حصيلة علمية سليمة، والشيء الثاني يبدو أنه ليس خاصا بهذه الندوى بل له علاقة بروح النقاش عموما في الجامعات لأن البعض لايعرفون متى يناقشون ولاكيف يناقشون، بل هناك محاولة لضرورة النقاش وهذا طبعا له جانب إيجابي وجانب سلبي يمكن أن يعطل الأمانة العلمية، لأنه ليس المهم هو أن نتناقش، ولكن كيف نتناقش، وما الهدف من النقاش؟ حتى نصل إلى تطوير العملية العلمية، لكن الندوة تعد عملا رائدا وأرجو أن تكون هذه التجربة منطلقا نحو تطوير الدرس اللغوي عند العرب.
س- سؤال أخير أريد أن أطرحه عليكم في هذا اللقاء.. هو حول مشاريعكم إذا كان لكم مشروع لغوي أنتم بصدد إنجازه أو مقبلون على إنجازه في ميدان اللغة؟
ج - من نعمة الله أن هناك مشاريع كثيرة لأن هناك مشكلات وأسئلة كثيرة تلح على الإنسان ونحاول أن نجد الطاقة والوقت والجهد لتنفيذها إما بنفسه أو عن طريق إخوانه وأصدقائه وتلاميذه بالتعاون، ومن بين المشروعات التي نحاول إنجازها دراسة طبيعية بنية اللغة العربية في أزمنة متعاقبة، وأبحاث أخرى مفيدة جدا ويمكن أن تكون لها نتائج طيبة وعلى الصعيد الشخصي أنا أعمل الآن في تقديم مجالات الدرس اللغوي الحديث في دراسة كثير من نصوص التراث، وأقصد أننا لانجعل باب البحث اللغوي مقصورا على نوع معين من الدراسة كدراسة النحو مثلا أو دراسة كتاب بذاته أو دراسة تصور الناس أنها مسألة انتهي منها ما عدا المغرب العربي هو الذي لم يدرس، وبعض جهات الأندلس فمثلا من جملة الأشياء التي نحاول تقديمها في دراسة النصوص القديمة وآمل أن ينجز هذا البحث في الوقت القريب، دراسة الكنيسك يعني علم استخدام الحركة الجسمية في التوصيل اللغوي، مثلا استخدام الذراع، والحاجب، أوالذقن، أو الأذن، إن هذا الاستخدام ليس مسألة غريزية، إنما هو مسألة عرقية اجتماعية كاللغة بالضبط، وهو الآن يدرس في داخل التوصل اللغوي على أن الكلام الذي تقوله معناه لايتحدد من منطوق الألفاظ وحده، إنما بأشياء كثيرة أخرى منها استخدام الحركة الجسمية، فما هذه الأبحاث التي يمكن أن نؤديها على مستوى العالم العربي في بيآت عربية معينة حتى نعرف طريقة نظام الاتصال في هذه المجتمعات وقد بدأت بالبحث في التراث وذلك بفحص الحديث النبوي الشريف فوجدت أن الرسول عليه الصلاة والسلام استخدم في الحديث أعضاء الجسم في التواصل في الكلام، فالحديث لاينبغي أن ندرسه فقط من منطوق الكلام، لذلك حاولت أن أجمع في الحديث الشريف كاستخدامه لأصابعه حين يقول:«المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ المرصُوصِ يَشُدُّ بعضُه بعضا» ثم عقد بين يديه يعني جعل أصابع يديه متشابكة مع بعضها، للدلالة على فكرة الرص يمكن أن يكون ألى جوار بعضه، وليس فكرة للتشابك التي عبر عنها بالأصابع، ومثلا كأن يكون مضطجعا ونهض وقال:«أَلا وقول الزورِ» ،، كان مضطجعا ونهض، هذه الحركة الجسمية هي التي يمكنها أن تعطي البعدالحقيقي للمعنى والدلالة للحديث الذي لايمكن فهمه فقط عن طريق الالفاظ بل مما جاء به الرواة وصفا لحركة الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان يكتب الحديث، وقد وجدت أحاديث كثيرة يستخدم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الإصبع الواحد، والإصبعين، والأصابع الثلاثة، واليد فقط، والذراع، واستخدم الأذن، والخد، واستخدم الكتف، والفخذ، يعني ضرب على فخذه وقال.. إلى غير ذلك، وقد جمعت هذا وصنفته وأرجو أن يكون مثالا أو نموذجا لدراسة النصوص لمحاولة الوصول إلى الدلالة وفتح مجالات جديدة في الدراسة اللغوية في استخدام علم اللغات في فهم شيء من التراث.