الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد ...
فهذه مسائل متنوعة لم ألتزم فيها الترتيب حول قراءة سورة ق على المنبر يوم الجمعة...
المسألة الأولى: استشكال لطيف
سمعت أستاذنا مشهور بن حسن آل سلمان في مناسبات عدة أنه استشكل في فترة معينة أمرا: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إن طول صلاة الرجل ، وقصر خطبته ، مئنة من فقهه . فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة ) أخرجه مسلم، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الجمعة بسبح والغاشية، وكذلك ثبت عنه قراءة سورة ق في خطبة الجمعة، والمعلوم أن قراءة سورة ق مع مقدمات الخطبة من ذكر خطبة الحاجة وما يختم به وقد يزاد عليها بأشياء أخرى كل ذلك أطول من قراءة سبح والغاشية في الصلاة، ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أفقه البشر وخيرهم... فكيف تكون صلاته أطول من خطبته..
يقول أستاذنا: وبقي هذا الإشكال حتى سألت شيخنا أبا عبدالرحمن محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله ، فأجاب قائلا: إنما يزول الإشكال بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قيامه وركوعه وسجوده كان على السواء، وبهذا فهو يقرأ الحمد وسبح، ثم يركع بمقدارها، ثم يرفع بمقدارها .... الخ وبالتالي تكون صلاته أطول من خطبته
قلت: والمسألة بحاجة لمزيد من التحرير حول فقه قراءة سورة ق على المنبر لعله يأتي قريبا بإذن الله
والمعلوم أن قراءة سورة ق مع مقدمات الخطبة من ذكر خطبة الحاجة وما يختم به وقد يزاد عليها بأشياء أخرى كل ذلك أطول من قراءة سبح والغاشية في الصلاة، ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أفقه البشر وخيرهم. فكيف تكون صلاته أطول من خطبته ؟.
لا يوجد أى اشكال فى المسألة ، فالحديث لم يقل : " فأطيلوا الصلاة عن الخطبة " حتى يلزم منه أن نجعل الصلاة أطول من الخطبة
وانما الحديث يقول : " فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة "
وهذا لا يلزم عنه أن تكون الصلاة أطول من الخطبة ، ومن هنا فلا يوجد اشكال
بارك الله فيكما وأحسن إليكما وزادكما علما وفهما ....
أحتاج أن أقف عدة وقفات للإجابة عن مشاركات ومداخلات إخواني، ولأن النهار قارب على الرحيل والمؤذن يستعد للأذان أكتفي الآن بالتعليق على استدراك أخينا العليمي المصري حفظه الله ..
أما قوله (لا يوجد أي إشكال) ففيه نظر، لكن أقدم بمقدمة يسيرة لبيان ذلك، فأقول وبالله تعالى أصول وأجول:
ينبغي أن يعلم أن النص الشرعي له سمات تميزه عن سائر الكلام، وممن أحسن وأبدع من تكلم بما لا مزيد عليه في هذا الباب ومتعلقاته: الإمام الشاطبي رحمه الله في الموافقات، والإمام ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين ..
ومن سمات النص أو شروط الفهم الصحيح له أنه لا بد أن يفهم النص الشرعي على وجه يقبل العمل، وكل فهم لا يتصور فيه العمل بالنص ويؤدي لتعطيله فهو فهم أجنبي عن النص ولا أساس له من الصحة ...
الحديث المذكور نصص فيه على أمرين:
1- إطالة الصلاة
2- تقصير الخطبة
ولم يرد بالحديث ما يبين الميزان الذي توصف به الخطبة بالقصيرة وكذا الصلاة بالطويلة، فاحتجنا إذا إلى ما يبين هذا الميزان ويكشفه ..
وليتنبه أنه في سياق واحد جمع بين "الإطالة والتقصير" ولم يميز بينهما فإن لم يأتي دليل إضافي يبين ميزان الخطبة ويفرقه عن ميزان الصلاة فيبقى الإطلاق واحدا، وعليه فيدل بذاته أن تكون الصلاة أطول من الخطبة ..
وقد جاء الميزان الذي تعرف منه طول الصلاة يوم الجمعة مما ثبت من قراءة سبح والغاشية، فصار هو الميزان الذي من خلاله نستطيع أن نفهم هذا الحديث على وجه يقبل العمل ...
ألا ترى أن الطول والقصر يختلف من حال لحال، ومن شخص لشخص، فقد تكون ساعة في أحوال معينة فترة قصيرة، بينما في أحوال أخرى ومن خطيب أخر تكون طويلة جدا ... فلا ضابط للطول والقصر عند الإطلاق إلا إن جاء ما يقيدهما، وذكرهما في محل واحد يجعل الفهم يلقى على ميزان واحد، إلا أن يأتي دليل إضافي، وحيث لم يرد فالأصل بقاء ما كان على ما كان.
ولتأكيد ما سبق يقال أيضا: أنه قد ثبت الأمر بالتخفيف بالصلاة، وهذا يؤيد الإشكال السابق وحقيقته، فكيف يؤمر بالتخفيف تارة والتطويل تارة (مع إطلاق الأمر فلا يقال ورد التطويل أحيانا كالأعراف في المغرب) والجواب أن يقال إذا يحمل التطويل فيها على أمر نسبي وهو خطبة الجمعة!! (والأصل الجمع لا الترجيح فلا يقال تخصص الجمعة بزيادة طول وإن كان هذا محتملا كما ذكره ابن القيم في تعليقه على السنن) فهذا يجعلنا نقول أن المراد من الحديث جعل الصلاة أطول من الخطبة
وهذا هو الذي فهمه بعض الشراح، فعلى سبيل العجلة:
قال الإمام النووي في شرحه: ( وليس هذا الحديث مخالفا للأحاديث المشهورة في الأمر بتخفيف الصلاة لقوله في الرواية الأخرى : وكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا ; لأن المراد بالحديث الذي نحن فيه أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلا يشق على المأمومين وهي حينئذ قصد أي معتدلة والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها )
أعود الان لأعلق على ما ذكره الأخ الفاضل حجازي الهوى حفظه الله ..
قال الأخ: هل يلزم من تطويل الخطبة لحاجة معينة أن الخطيب ليس بفقيه؟
أقول أما إطالة الخطبة أحيانا لظروف معينة فلا بأس به، وقد ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من هديه أن يتخول أصحابه بالموظة خشية السآمة، ولكن ثبت عند مسلم "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا أحفظنا" فحصول ما يخالف القاعدة في مرة أو مرتين لسبب معين لا يناقض القاعدة، ألا ترى أن هديه صلى الله عليه وسلم في القراءة في صلاة المغرب أن تكون من قصار المفصل، ولكن ثبت أنه صلى المغرب بالطور، وكذا بالأعراف، فيبقى الأصل التخفيف فيها، مع استحباب التطويل أحيانا، ويقال في الخطبة كما قيل هنا فلا بأس أن يطول الخطيب أحيانا إن رأى حاجة لتبيين أحكام معينة لنازلة نزلت بالمسلمين ونحوه، على أن يكون غالب حاله التخفيف وبالله التوفيق.
أما السؤال الثاني للأخ حجازي الهوى فقد سبق بيانه في ردي على مشاركة أخينا العليمي.
أما سؤاله الثالث فمحله في المسألة الثانية من مسائل هذا الموضوع بإذن الله لحاجته لشيء من التأصيل والتفصيل والله الهاذي إلى سواء السبيل.