مسائل في المجاز (6) اختلاف الألسنة...

إنضم
26/12/2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16


(6)

اختلاف الألسنة..

1- نقل الألفاظ إلى غير ما كانت تدل عليه هو اختلاف الألسنة , لا الحقيقة والمجاز
قال الله تعالى تعالى : ((ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)) , وألسنة الناس تختلف في الأحرف التي ينطقون بها , وهو ما يسمى علم الأصوات , وفي الألفاظ المفردة , وهو التصريف أو الصرف , وفي أوجه تأليف الألفاظ وجمع بعضها إلى بعض , وهو النحو , وفيما تدل عليه الألفاظ المفردة والمؤلفة , وهو علم الدلالة, وتكلم المستشرق الألماني برجشتراسر في اختلاف الألسنة , وسمَّاه التطور اللغوي , وتبعه على ذلك د. رمضان عبد التواب وغيره ( 1) , وأخذوا تلك التسمية من كلام دارون وأصحابه في التطور , وكلامهم كله باطل , وقول الله تعالى هو الحق المبين , والألسنة لا تتطور , ولكنها تختلف .
وأسرع ما تختلف فيه الألسنة هو ما تدل عليه الألفاظ , فاللفظة الواحدة قد تدل بلسان قوم على غير ما تدل عليه بلسان قوم آخرين , ويختلف ما تدل عليه اللفظة الواحدة بلسان نفس القوم من قرن إل قرن , وقد يحدث ذلك الاختلاف في قرن واحد منهم , وقد يحدث في قرون متقاربة , وكلما كان أولئك القوم أكثر عزلة عن غيرهم , قل اختلاف لسانهم من قرن إلى قرن , وظلت أكثر ألفاظهم تدل بلسان القرن اللاحق على نفس ما كانت تدل عليه بلسان القرن السابق , وأعظم ما تختلف به الألسنة هو اختلاط الأمم , ونقل الكتب من لسان إلى لسان , فالناس ينقلون الألفاظ كثيراً إلى غير ما كانت تدل عليه عند غيرهم , وبذلك النقل تختلف ألسنتهم , ولا يظل اللسان بعد ذلك النقل لساناً واحداً , ولكنه يصير ألسنة مختلفة , وإذا نقل رجلٌ لفظة أو ألفاظاً إلى غير ما تدل عليه عند قوم اختلف لسانه عن لسانهم , وحدث لسان جديد , وقد يكون ذلك الرجل شاعراً أو خطيباً , أو كاتباً وقد يكون سيداً مطاعاً أو عامياً وقد يتبعه على ذلك اللسان الجديد قومه , أو تتبعه طائفة من الناس فلسان كل قوم أو رجل هو ما تدل عليه الألفاظ في كلام ذلك الرجل وأولئك القوم , ولا ريب أن لكل قوم أولاً اتبعوه على لسانه , فإذا علم ذلك الأول نسب اللسان إليه , وإذا نسي وبعد العهد به ينسب اللسان إلى أولئك القوم .
ونقل الألفاظ إلى غير ما كانت تدل عليه قد يكون خطأ أو جهلاً باللسان الأول , أو خلطاً بينه وين لسان آخر , وبين لسان آخر , وقد يكون عمداً , واللفظة قد تنقل من العموم إلى الخصوص , فتصير خاصة بعد ما كانت عامَّة , وتنقل من الخصوص إلى العموم , فتصير عامَّة بعدما كانت خاصة , وتعزل عن الإضافة بعدما كانت تذكر إلا مضافة , أو تضاف إلى غير ما كانت تضاف إليه وتقرن به وقد يزاد فيما تدل عليه شيء أو أشياء أو تنقل من شيء إلى غيره , وقد يكون ما نقلت إليه يشبه ما كانت له أو يقاربه , فيسمي الشيء باسم ما يشبهه , أو باسم مكانه , أو ما يجاوره , أو يتصل به ويسمى الكل باسم البعض , أو البعض باسم الكل , وكل ما ذكروه من المجازات والاستعارات فهي أوجه من ذلك النقل , وقد تنقل اللفظة إلى شيء لا يشبه ما كانت له ولا يقاربه , وقد يكون ما نقلت إليه أبعد شيء عما كانت عليه , وذلك النقل كله خطأه وعمد لا ميزان له , ولا يجري طريقة واحدة , بل قد يكون ما نقلت اللفظة إليه أبعد شيء عما كانت له , ولو كان نقل الألفاظ إلى غير ما كانت تدل عليه له بميزان يوزن به , أو له طريقة واحدة أو طرق معدودة يجري عليها , لكان ما نقلت إليه اللفظة باللسان الآخر , يدلُّ على ما كانت له باللسان الأول , ولكن ذلك النقل لا ميزان له , ولا يجري على طريقة واحدة , ولا طرق معدودة , وهو يكون بأوجه من العمد والخطأ لا سبيل إلى حصرها , فما نقلت اللفظة إليه باللسان الآخر لا يهدي إلى ما كانت له باللسان الأول , ولا يدل عليه , والمتكلم بلسان قوم لا يعني إلا ما تدل عليه الألفاظ بلسان أولئك القوم , ولا يخطر بقلبه ما تدل عليه بلسان قوم آخرين لا قبلهم ولا بعدهم , وإذا كان اللسان الأول محفوظاً , علم ما كانت تدل عليه الألفاظ أولاً , وما نقلت إليه بعد ذلك , وأما إذا كان اللسان الأول ليس محفوظاً , فلا يعلم ما كانت تدل عليه الألفاظ أولاً , ولا يدري أنقلت أم لم تنقل , فذلك النقل لا سبيل إلى علمه إلا في لسانين محفوظين , أحدهما قبل الآخر .
ولسان العرب الذي حفظه الله تعالى لنا هو لسان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم قومه صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن لسان أولئك العرب كان يختلف عن لسان العرب القديم الأول قبلهم , ولسان العرب قبلهم لم يحفظ لنا , فلا ندري ما كانت تدل عليه الألفاظ بلسان العرب الأول , ولا ما نقل منها إلى غير ما كان يدل عليه , ولا ما لم ينقل , ولو حفظ لسان العرب الأول لم ينفع في دين الله شيئاً , والله تعالى أنزل كتابه وبعث نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وليس بلسان العرب قبلهم ولا بعدهم , فما تدل عليه الألفاظ في كتاب الله تعالى وحديث رسوله هو ما كانت تدل عليه عند أولئك العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وليس ما ما كانت تدل عليه قبلهم .
فإذا كانت العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم , يقولون أسدٌ لذلك السبع , ويقولون أسدٌ للرجل الجرئ الذي لا يفر , فلا تدري بأيهما تكلموا أولاً , ولا سبيل إلى العلم به , لا بنبأ صادق , ولا ببرهان , فإن لسان العرب القديم الأول ليس محفوظاً , وما ثقلت اللفظة إليه بلسان الآخر , لا يهدي إلى ما كانت له بلسان الأول , ولئن قلنا إنها كانت قبلهم تدل على أحدهما دون الآخر , فلقد صارت بلسانهم تدل عليها جميعاً , وصاروا يقولون : أسد للسبع والرجل سواءً , فلا تدل تلك اللفظة على أحدهما دون الآخر إلا بينة من كلام المتكلم أو حاله , والمحفوظ من كلامهم يشهد بذلك وسيأتي ذكره إن شاء الله , فقولهم : إنها وضعت للسبع , ثم نقلت للرجل , فهي حقيقة في السبع , مجازٌ في الرجل , زعم باطلٌ , وقولهم : إنها تدل على السبع بغير قرينة , ولا تدلُّ على الرجل إلا بقرينة , زعم باطل مثله , ولابدَّ لهم من هذين الزَّعمين في كل لفظة يدَّعون فيها حقيقة ومجازاً , وكلاهما زعم باطل لا حجّة لهم به , وإذا صارت اللفظة بلسان قوم تدل أكثر من دلالة , فلابدَّ أن يكون في كلام المتكلم أو حاله ما يبيِّن ما أراده بها , وسواءٌ أراد بها ما كانت له أوَّلاً , أو ما نقلت إليه بعد ذلك , وسواءٌ علمنا ما كانت له أولاً , وما نقلت إليه بعد ذلك , أم لم نعلمه .
2- اختلاف ألسنة العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعده
وألسنة العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ألسنة كثيرة مختلفة , وليس لسان العرب واحداً من لدن معد بن عدنان إلى آخر الدهر , ولا ألسنة غيرهم من الأمم , وألسنة العرب القدماء قبل النبي صلى الله عليه وسلم ليست محفوظةً , ولو وُجد منها شيء , فلا يعلم ما يدل عليه إلا ظناً ؛ وكذلك كل لسان ذهب القوم الذين كانوا يتكلمون به , ثم وجد منه شيء قليل بعدهم مكتوباً , فلا يعلم ما كان يدل عليه عندهم إلا ظناً ؛ وحدثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ألسنة كثيرة , ونقل كثيرٌ من ألفاظ العرب إلى غير ما كان يدل عليه , فإن العرب بعد النبي صلى الله عليه وسلم خالطوا كثيراً من الأمم غيرهم , وتكلم بلسانهم من ليس منهم من المستعمرين من العجم والموالي , وكل من نشأ بين لسانين أخطأ فيه وغيره , ولم يزل ينزع به إلى لسانه الأول , ونقلت إلى العربية كثير من كتب الفلاسفة وغيرها , والذين نقلوا تلك الكتب لم يكونوا عرباً , فخلطوا كثيراً من ألفاظهم وكلامهم بكلام العرب وكلامهم إلى غير ما كان يدل عليه , وأحدثت طائفة من الكتاب والشعراء مذهب البديع , وأخذوه من كتاب العجم وشعرائهم وتوسعوا في الاستعارات , فنقلوا كثيراً من ألفاظ العرب وكلامهم إلى غير ما كانت تدل عليه , وتكلموا بما لم تتكلم به العرب , والمتكلمون من المعتزلة وغيرهم أخذوا كثيراً من ألفاظ الناقلين لكتب الفلاسفة ومن ألفاظ المتكلمين من اليهود والنصارى وغيرها من الأمم , وخلطوها بكلام العرب , ونقلوا كثيراً منه إلى غير ما كان يدل عليه وكانوا من العجم والموالي , وكذلك النحويون نقلوا كثيراً من ألفاظ العرب إلى غير ما تدل عليه , وكثير من ألفاظ النحويين تدل على نفس ما تدل عليه عند المعتزلة , وأكثر النحويين من البصريين والكوفيين ومن بعدهم كانوا معتزلة , وزعم كثيرٌ منهم أنهم كانوا لا يخلطون بين كلامهم في المنطق والفلسفة وكلامهم في النحو , وهو زعم باطلٌ , وكلامهم في النحو يكذبه , وما يدل عليه لفظ الاسم والصفة والعلة وغيرها عند النحويين هو نفس ما يدل عليه عند المعتزلة , والفقهاء من أهل الرأي والحديث , والصوفية وغيرهم من الخاصة والعامة , كلهم تكلموا بما لم تكن تتكلم به العرب , ونقلوا ألفاظ العرب إلى غير ما كانت تدل عليه , وحدثت ألسنة أخرى عربية مولدة , وكثرت تلك الألسنة واختلط بعضها ببعض وصارت اللفظة الواحدة تدل عند كل طائفة منهم على غير ما تدل عليه عند غيرهم , وقد تدل اللفظة في كلام رجل على غير ما تدل عليه عند غيره من الناس كلهم , وينقل ذلك الرجل تلك اللفظة إلى شيء لم يسبقه إليه أحدٌ , ولا تبعه عليه أحدٌ , فيكون ما تدل عليه بلسان ذلك الرجل خاصة غير ما تدل عليه بلسان غيره من الناس كلهم , وتلك الألسنة المحدثة كلها عربية أخرى غير لسان العرب الذي نزل القرآن به .
وتلك الألسنة المحدثة المولدة كانت قريباً من عهد النبي صلى الله عليه وسلم , ولعل بعضها حدث أوائله في آخر المائة الأولى , وقال أبو سليمان الخطابي في كتابه ((بيان إعجاز القرآن)) : أخبرني الحسن بن عبد الرحيم , عن أبي خليفة , عن محمد بن سلام الجمحي , قال : قال أبو عمرو بن العلاء : اللسان الذي نزل به القرآن , وتكلمت به العرب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عربية أخرى غير كلامنا هذا (2 ) . اهـ , وهو في طبقات الشعراء لابن سلام , وقال ابن سلام بعده : قال أبو عمرو بن العلاء : ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا (3 ) اهـ ؛ وقال الخطابي : وقد زعم بعضهم أن كلام العرب كان باقياً على نجره الأول وعلى سطح طبعه الأقدم , إلى زمان بني أمية , ثم دخله الخلل , فاختل منه أشياء , قال : ولهذا صار العلماء لا يحتجون بشعر المحدثين , ولا يستشهدون به , كبشار بن برد , والحسن بن هانئ , ودعبل , والعتَّابي , وأحزابهم من فصحاء الشعراء والمتقدمين في صنعة الشعر , وإنما يرجعون في الاستشهاد إلى شعراء الجاهلية , وإلى المخضرمين منهم , وإلى الطبقة الثالثة التي أدركت المخضرمين , وذلك لعلمهم بما دخل الكلام في الزمان المتأخر من الخلل , والاستحالة عن رسمه الأول ( 4) اهـ وقال ابن برهان في كتابه ((الوصول إلى الأصول)) : وأما كلام الشافعي , وأبي حنيفة رضي الله عنهما فلا يحتج به ؛ لأن الحجة إنما تثبت بأقوال العرب والفصحاء الأقحاح الأفصاح , الذين أنطقتهم طباعهم , فأما من أخذ اللغة عن العلماء وتلقف من الأدباء , وقال ما قال عن الاجتهاد , فقوله لا يكون حجة , بل لابد من النظر في دليله(5 ) يعني لا يكون حجة في العربية وعلم لسان العرب , قال الشاطبي في كتابه ((الموافقات)) : ووجه آخر وهو أن كثيراً مما ليس بمحتاج إليه في علم الشريعة قد أدخل فيها وصار من مسائلها , ولو فرض رفعه من الوجود رأسا لما اختل مما يحتاج إليه في الشريعة شيء , بدليل ما كان عليه السلف الصالح في فهمها , دع العرب المحفوظة اللسان , كالصحابة ومن يليهم من غيرهم , بل من ولد بعدما فسد اللسان , فاحتاج إلى علم كلام العرب , كمالك والشافعي وأبي حنيفة ومن قبلهم أو بعدهم , وأمثالهم , فلما دخلت تلك الأمور وقع الخلاف بسببها , ولو لم تدخل فيها لم يقع ذلك الخلاف , ومن استقرأ مسائل الشريعة وجد منها في كلام المتأخرين عن تلك الطبقة كثيراً , وقد مر في المقدمات تنبيه على هذا المعنى (6 ) .اهـ وكلام أئمة العربية في ذلك كثير معروف .
3- لسان العرب الذي نزل القرآن به , هو لسان العرب قوم النبي
صلى الله عليه وسلم
فما تدل عليه الألفاظ في كتاب الله تعالى , وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم هو ما كانت تدل عليه في كلام أولئك العرب , قوم النبي صلى الله عليه وسلم , وليس ما كانت تدل عليه قبلهم , ولا ما صارت تدلُّ عليه بعدهم , ولا يفقه أحدٌ في الدين حتى يعلم ما كانت تدل عليه تلك الألفاظ عند أولئك العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم ما تدل عليه الألفاظ عندهم من كلام أئمة العربية الموثوق بهم , وما تشهد به مواضع تلك الألفاظ في كتاب الله تعالى , وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات وحفظت ألفاظها , وأشعار العرب وأمثالهم التي يوثق بعربيتها ورواتها وكلام كل قوم المحفوظ عنهم يفسر بعضه بعضاً , ويبين ما تدل عليه الألفاظ عندهم , وإذا جمعت مواضع اللفظ في كلام قوم أو كثير منها ما يدل عليه عندهم , وما اختلف فيه أئمة العربية , فتلك الشواهد تدل المجتهد على الصواب فيه إن شاء الله تعالى .
وكل من فسر شيئاً من القرآن والحديث بغير ما كان يدل عليه عند العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ فيه ؛ والمتكلمون من المعتزلة وغيرهم فسروا كثيراً من القرآن والحديث بأهوائهم , وبما تدل عليه الألفاظ عند الفلاسفة والناقلين عنهم , وليس بما تدل عليه عند العرب , فأخطأوا واختلفوا , وضلوا وأضلوا كثيراً من الناس , وكان لسان الفلاسفة والناقلين عنهم هو أضر الألسنة للمتفقهين ؛ وروي عن الشافعي رحمه الله أنه قال : ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب , وميلهم إلى لسان أرسطوطاليس (7 ) . (7 ) .

==========================

الحواشي:

( 1 ) ((التطور النحوي للغة العربية)) محاضرات ألقاها برجشتراسر في جامعة القاهرة 1929 م ونشرها د. رمضان عبد التواب , و((التطور اللغوي مظاهره وعلله وقوانينه)) د. رمضان عبد التواب
( 2) ((بيان إعجاز القرآن)) ضمن ثلاث رسائل ص 45, 46
( 3) ((طبقات فحول الشعراء)) 1/10-11
(4 ) ((بيان إعجاز القرآن)) ص 46
( 5 ) ((الوصول إلى الأصول)) 1/347
( 6 ) ((الموافقات)) 3/96
( 7) صون المنطق والكلام : (1/47- 48) .
 


(6)

اختلاف الألسنة..

1- نقل الألفاظ إلى غير ما كانت تدل عليه هو اختلاف الألسنة , لا الحقيقة والمجاز
قال الله تعالى تعالى : ((ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)) , وألسنة الناس تختلف في الأحرف التي ينطقون بها , وهو ما يسمى علم الأصوات , وفي الألفاظ المفردة , وهو التصريف أو الصرف , وفي أوجه تأليف الألفاظ وجمع بعضها إلى بعض , وهو النحو , وفيما تدل عليه الألفاظ المفردة والمؤلفة , وهو علم الدلالة, وتكلم المستشرق الألماني برجشتراسر في اختلاف الألسنة , وسمَّاه التطور اللغوي , وتبعه على ذلك د. رمضان عبد التواب وغيره ( 1) , وأخذوا تلك التسمية من كلام دارون وأصحابه في التطور , وكلامهم كله باطل , وقول الله تعالى هو الحق المبين , والألسنة لا تتطور , ولكنها تختلف .


[align=center]الأخ كاتب المقال

هبك توافق من أنكر المجاز أفيجوز لك أن تستخدم تعريفه لغير ما استُعمل له؟

وهبك فعلت ذلك أفيجوز لك أن تفسر القرآن بمحض الرأي، وتحتج بالآية على غير ما هي له؟

أصلحك الله وإيانا

أنت في ملتقى أهل التفسير فلا يليق بك أن تضع فيه مثل هذا الكلام المُلقى على عواهنه

ومثل هذا المقال المتهاوي، فإن فيه استخفافاً بعقول القراء بله المتخصصين، ،

وددت من الإخوة المشرفين حذف المقال برمته وإبلاغ كاتبه على الخاص

نسأل الله السلامة[/align]
 
[align=center]الشيخ الفاضل عبد الرحمن صالح....أطمع منكم في حجة ينقاد لها الرأي....أما ما ذكرتم فلا يليق بمقامكم....[/align]
 
بمناسبة ما دار في حلقة الإعجاز اليوم وأترك وجه الدلالة للقراء..
 


(6)

اختلاف الألسنة..

1 3- لسان العرب الذي نزل القرآن به , هو لسان العرب قوم النبي
صلى الله عليه وسلم
فما تدل عليه الألفاظ في كتاب الله تعالى , وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم هو ما كانت تدل عليه في كلام أولئك العرب , قوم النبي صلى الله عليه وسلم , وليس ما كانت تدل عليه قبلهم , ولا ما صارت تدلُّ عليه بعدهم , ولا يفقه أحدٌ في الدين حتى يعلم ما كانت تدل عليه تلك الألفاظ عند أولئك العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم ما تدل عليه الألفاظ عندهم من كلام أئمة العربية الموثوق بهم , وما تشهد به مواضع تلك الألفاظ في كتاب الله تعالى , وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات وحفظت ألفاظها , وأشعار العرب وأمثالهم التي يوثق بعربيتها ورواتها وكلام كل قوم المحفوظ عنهم يفسر بعضه بعضاً , ويبين ما تدل عليه الألفاظ عندهم , وإذا جمعت مواضع اللفظ في كلام قوم أو كثير منها ما يدل عليه عندهم , وما اختلف فيه أئمة العربية , فتلك الشواهد تدل المجتهد على الصواب فيه إن شاء الله تعالى .
وكل من فسر شيئاً من القرآن والحديث بغير ما كان يدل عليه عند العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ فيه.
: (1/47- 48) .

أخانا الفاضل أبا فهر

كلامك يحتاج إلى توضيح حقيقة ففيه الكثير من الخلط والتناقض فانظر إلى كلامك المقتبس أعلاه وانظر إلي قولك:

"ولسان العرب الذي حفظه الله تعالى لنا هو لسان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم قومه صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن لسان أولئك العرب كان يختلف عن لسان العرب القديم الأول قبلهم , ولسان العرب قبلهم لم يحفظ لنا , فلا ندري ما كانت تدل عليه الألفاظ بلسان العرب الأول , ولا ما نقل منها إلى غير ما كان يدل عليه , ولا ما لم ينقل , ولو حفظ لسان العرب الأول لم ينفع في دين الله شيئاً , والله تعالى أنزل كتابه وبعث نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وليس بلسان العرب قبلهم ولا بعدهم , فما تدل عليه الألفاظ في كتاب الله تعالى وحديث رسوله هو ما كانت تدل عليه عند أولئك العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وليس ما ما كانت تدل عليه قبلهم."

فقل لي كيف نفرق بين لسان العرب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولسان العرب بعده؟

وإذا أشكل علينا فهم المعنى في الكتاب أو السنة فكيف نفسره؟

أرجو أن تعيد القراءة لتكتشف الخلط أو توضح لنا الأمر وجزاك الله خيرا.
 
[align=center]الأخ الكريم..

إذا وجدت خلطاً فقل هاهنا موضع الخلط وهاهنا وجهه ..

أما إذا كنت تستفسر عن مذهب محاورك وفقه كلامه = فنح عنك الخلط وإخوانه جانباً..

في انتظار الخلط فصيحاً...

أو الاستفسار فصيحاً
..[/align]
 
الأخ الفاضل

أما الخلط فتقول في أول كلامك:
"وأخذوا تلك التسمية من كلام دارون وأصحابه في التطور , وكلامهم كله باطل , وقول الله تعالى هو الحق المبين , والألسنة لا تتطور , ولكنها تختلف ."

ثم تقول بعد:

"ولسان العرب الذي حفظه الله تعالى لنا هو لسان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم قومه صلى الله عليه وسلم , ولا ريب أن لسان أولئك العرب كان يختلف عن لسان العرب القديم الأول قبلهم , ولسان العرب قبلهم لم يحفظ لنا , فلا ندري ما كانت تدل عليه الألفاظ بلسان العرب الأول"

فهل تطورت لغة العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عن لغة العرب قبله؟ أم تحورت ؟ أم تبدلت؟ أم ماذا حدث؟

وكذلك ما الذي حدث للغة العرب بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم ....؟

وهناك الكثير من الأسئلة حول الموضع ولكن هذه البداية ، وعسى أن نظفر منك بالجواب وجزيت خيرا.
 
[align=center]يا مولانا أنت إلى الآن تبدأ مشاركتك بعبارة الخلط ولا تبين وجه الخلط ولا أجد أنا في كلامي خلطاً ولا في تعليلك للخلط = دليلاً على الخلط (إن كان في كلامك ثم تعليل للخلط أصلاً )

ثم تثني باستفسارات من غير بيان للخلط وتطلب الإجابة...وهذا حشف وسوء كيلة...

طلبي إليك :

إما أن تقول : خلطت حينما زعمت كذا وكذا بينما الحق كذا وكذا وقد خلطت الحق بالباطل...

وإما أن تحذف لفظ الخلط وتكتفي باستفساراتك في باقي الموضوع = فتجد الجواب لديك محضراً..[/align]
 
[align=center]يا مولانا أنت إلى الآن تبدأ مشاركتك بعبارة الخلط ولا تبين وجه الخلط ولا أجد أنا في كلامي خلطاً ولا في تعليلك للخلط = دليلاً على الخلط (إن كان في كلامك ثم تعليل للخلط أصلاً )

ثم تثني باستفسارات من غير بيان للخلط وتطلب الإجابة...وهذا حشف وسوء كيلة...

طلبي إليك :

إما أن تقول : خلطت حينما زعمت كذا وكذا بينما الحق كذا وكذا وقد خلطت الحق بالباطل...

وإما أن تحذف لفظ الخلط وتكتفي باستفساراتك في باقي الموضوع = فتجد الجواب لديك محضراً..[/align]

غفر الله لي ولك دع عنك مسألة الخلط وأجب عن الأسئلة السابقة ومعها هذا السؤال:
هل عربيتنا اليوم مختلفة عن العربية زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟
وإذا كان الجواب بنعم فكيف نخاطب بلغة قد تغيرت وتبدلت أو تطورت أو اختلفت؟
وماذا عن من لم يأت بعد
والله يقول:
" وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ"؟
 
أحسن الله إليك وبارك الله فيك أن لنت بيد أخيك ...وإنما أردت العجلة بجواب حسن صنيعك...هاروح أشتري إفطار لهذه الأفواه الجائعة ثم ألبي طلبك بِإذن الله..
 
[align=center]هل عربيتنا اليوم مختلفة عن العربية زمن النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب : نعم .بل عربية أحمد والشافعي تختلف عن العربية الأولى.

وإذا كان الجواب بنعم فكيف نخاطب بلغة قد تغيرت وتبدلت أو تطورت أو اختلفت؟

كما يُخاطب الأعجمي بالعربية وأي حرج في هذا ؟؟

فيُطلب من الجميع طلب فقه هذا اللسان الأول..


وماذا عن من لم يأت بعد؟

كمن أتى قبل ..كل يجب عليه طلب الهدي الأول واللسان الأول..

والله يقول:

" وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ"؟

وما علاقة هذه الآية بمحل النزاع ؟؟


أخانا الكريم :

نزل القرآن بعربية القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم..وتلك العربية تختلف عن عربية جرهم وعاد وثمود وتختلف عن عربية أحمد والشافعي وتختلفان جميعاً عن عربية أحمد رامي وعائض القرني .

وهذا الاختلاف بين الألسنة محل اتفاق عند فقهاء اللغات جميعاً ونص عليه الله سبحانه في كتابه...

وأنت ربما جهلت تماماً معنى ألفاظ نص بالروسية..

وأنت ربما جهلت تماماً معنى ألفاظ نص بالعربية (ولا أظنك ستحوجني للتمثيل) ..

وربما أدركت بعضاً وفاتك بعض من نص إنجليزي ..وربما أدركت بعضاً وفاتك بعض من نص عربي.

والإنجليز اليوم يعجزون عن فهم نص شكسبيري بدون شرح ..

ونحن قد نعجز عن فهم نص عربي بدون شرح..

وغاية الأمر أن القرآن المحفوظ هو الذي ضيق دائرة اختلاف الألسنة العربية وهو الذي وسع من دائرة الاشتراك في الألفاظ والدلالات ولولا القرآن المحفوظ = لما فقه عرب اليوم من لسان العرب قرن النبي شيئاً يذكر...

فمن بعد قرن النبي صلى الله عليه وسلم = استحدثوا ألفاظاً لم يك يعرفها العرب قرن النبي .

واستحدثوا دلالات لألفاظ كانت موجودة..

ووسعوا وضيقوا دلالات ألفاظ كانت موجودة...

وكل هذا هو من اختلاف الألسنة...

والله خاطبنا باللسان الأول ..وواجب على العرب بعد هذا اللسان الأول ما هو واجب على الأعاجم = من طلب فقه هذا اللسان الأول .

الآن تأمل هذا النص من كلام ابن سلام ثم اعرض استشكالاتك ثانية = تجد الجواب..

قال محمد بن سلام : (( قال أبو عمرو بن العلاء : ما لسانُ حمْير وأقاصي اليمن لساننا ولا عربيتهم عربيتنا.
قال ابن سلام : فكيف بها على عَهْد عاد وثمود )).
[/align]
 
[align=center]

وغاية الأمر أن القرآن المحفوظ هو الذي ضيق دائرة اختلاف الألسنة العربية وهو الذي وسع من دائرة الاشتراك في الألفاظ والدلالات ولولا القرآن المحفوظ = لما فقه عرب اليوم من لسان العرب قرن النبي شيئاً يذكر...

فمن بعد قرن النبي صلى الله عليه وسلم = استحدثوا ألفاظاً لم يك يعرفها العرب قرن النبي .

واستحدثوا دلالات لألفاظ كانت موجودة..

ووسعوا وضيقوا دلالات ألفاظ كانت موجودة...

وكل هذا هو من اختلاف الألسنة...

.
[/align]

هل تقصد أن القرآن الكريم حفظ لغة العرب المستخدمة زمن التنزيل؟

وأن لغة العرب تطورت وتحورت بعد ذلك وأصبحت دلالات الألفاظ اليوم مختلفة عنها بالأمس؟

إذا كان الجواب بنعم هل يمكن ذكر أمثلة على ذلك ؟ لأنه بالأمثلة تتضح الأمور.
 
[align=center]بارك الله فيك : لا يوجد شيء من ألفاظ اللسان الأول التي يحتاج إليها في الدين إلا وهو موجود معلوم بيانه في الوحي وكلام العرب المحفوظ..

قصدي : أن القرآن المحفوظ المنقول عبر القرون هو الذي حفظ اللسان الأول أن يضيع كما ضاعت كل الألسنة التي كانت معاصرة له..

لاشك أن لسان العرب الأول قد اختلف ودخلته ألسنة أخرى وتغيرت دلالات الألفاظ والأمثلة كثيرة جداً ..

ومنها :

1- لفظ السيارة في اللسان الأول هل دلالته هي نفس دلالته في لساننا اليوم ؟

2- الشيء الذي يُعقل به كان اسنه في اللسان الأول : القلب وصار اسمه في الألسنة بعده : العقل.

3- استعمل الناس في الألسنة بعد اللسان الأول لفظ الإباحة للدلالة على المعنى الأصولي المعروف ،ولا أثر لهذا اللفظ في اللسان الأول.

4- استعمل الناس لفظ السنة للدلالة على المستحب لا يكادون يستحضرون غيرها.

5- وهذا تضييق لدلالة اللفظ في اللسان الأول.

6- [الصحيح والحسن والموضوع والمطلق والمقيد والمشترك ] وغيرها كثير كلها من ألفاظ الألسنة بعد اللسان الأول ولا تعرف في اللسان الأول تدل على هذه المعاني.

والباب الذي يولج منه لاختلاف الألسنة هو باب التوليد..

.والتوليد نوعان:

الأول : استعمال اللفظ العربي القديم بإزاء معنى لا تعرفه العرب الأولى ومثاله : استعمال لفظ الذرة للدلالة على المعنى الفيزيائي المعروف.وهو التوليد الدلالي.
الثاني : تركيب لفظ الحروف العربية تركيباً لا تعرفه العرب الأولى سواء عرفوا المعنى الذي وضع هذا اللفظ بإزاءه أم كان اللفظ والمعنى جميعاً مولدين.كلفظة الإباحة ولفظة أرسطوطاليس.وهو التوليد اللفظي.

وثم أنواع أخر تتعلق بتضييق وتوسيع الدلالة القديمة يمكن طلبها من كتب علم الدلالة..

وكل ذلك توليد ليس هو من كلام أهل اللسان الأول..ولا يُقال هو من لسانهم إلا على طريق الكذب والمين..
[/align]
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ما تفضل به الأخ : أبو فهر حفظه الله تعالى واضح وبين وهو معروف في الدراسات اللسانية ، ولكن السؤال المهم هو : ما تأثير هذا التغيير والتداخل اللساني في توسيع وتضييق الدلالات اللفظية في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وخاصة عند تعذر وجود تفسير مكتمل لكتاب الله تعالى في قرن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
يضاف إلى ذلك أن التغير اللساني الذي ذكر أبو فهر لا شك أنه نسبي بمعنى أنه يتم بصفة تدريجية وهذا يخلق إشكالا تفسيريا آخر وهو ما الموقف من أقوال الذين ولدوا في قرن النبي صلى الله عليه وسلم ، فكل يوم كان يموت أناس ويولد آخرون ، والتغير اللساني التدريجي كان مستمرا مع الوقت .
والله تعالى أعلم.
 
أحسنت يا شيخ إبراهيم..

وهذا الجزء المتعلق بالتدريج والذين ولدوا بل وعن درجة الاختلاف بين لسان التابعين والصحابة = هو من محال الاجتهاد ،ولي تصور عنه ليس هنا وقت بيانه،لكن الذي لا ينبغي أن نتناقش فيه هو هذه النظرية المتفق عليها عند علماء اللسانيات كما تفضلت..
 
الأخ الفاضل أبا فهر

لعلك تدرك أكثر مني أن الكلام في هذا الباب يحتاج إلى قدر كبير من الدقة ، وأظن أن من أهداف هذا المنتدى هو محاولة الوصول إلى فهم صحيح لكتاب الله بقدر الإمكان ، والكلام في مثل هذا الموضوع الدقيق إذا لم يكن مبني على قواعد سليمة فإنه يزيد من شقة الخلاف ويبتعد بالقارىء عن الهدف الذي يتطلع الموقع إلى تحقيقه.

من خلال ما سطرته أخانا الكريم أفهم أنك تقول بتطور اللغة أو تغيرها وتحورها من زمن إلى آخر ، ونقاشي معك هو محاولة لبيان أثر هذا التطور أو التغير أو التحور على فهم كتاب الله تعالى.

وأنا أتفق معك أن الله حفظ لغة العرب ـ اللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن ـ بأصلي الدين: القرآن والسنة ، وهذا الحفظ أثره باق وبخاصة في لغة العلم والتأليف والفهم والممارسة لأحكام الدين.
وما ذكرته أنت من أن هناك ألفاظا مستحدثة فلا أظن أن لها ذلك الأثر في تغير الفهم لكتاب الله أو لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدليل ما ذكرته من أمثلة: السيارة ، والذرة.
وعليه فما ذكرته في أول مقالك سواء من كلامك أو ما نقلته عن بن برهان والشاطبي يحتاج أن ينقل من الحيز النظري إلى العمل والتطبيق حتى تتضح للمسألة للقراء على مختلف مداركهم.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والسعادة في الدارين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
بارك الله فيك..

1- القول باختلاف الألسنة ليس قولي بل هو إجماع علماء اللسانيات.

2- أثر هذا التغير عظيم جداً وأنا مثلت بأمثلة للتوضيح والتقريب فقط ولم أتطرق للأمثلة التي جرت جنايات كالعقل والقياس والمجاز والتأويل والحقيقة والكراهة والاسم والعلم والظن والفقه والإيمان ونحوها ؛كي لا أفتح مجالات نزاع أخرى.
 
وتكلم المستشرق الألماني برجشتراسر في اختلاف الألسنة , وسمَّاه التطور اللغوي , وتبعه على ذلك د. رمضان عبد التواب وغيره ( 1) , وأخذوا تلك التسمية من كلام دارون وأصحابه في التطور , وكلامهم كله باطل , وقول الله تعالى هو الحق المبين , والألسنة لا تتطور , ولكنها تختلف .

أخي أبا فهر ، ائذن لي بتعليق مختصر على هذه الجزئية.

نعم تكلم برجشتراسر عما ذكرت ، وسماه ما ذكرت ، ولكن عنوان كتابه "التطور النحوي" ، وليس اللغوي كما قد يتبادر إلى أذهن البعض. كذلك نعم تبعه رمضان عبد التواب رحمه الله ولكن تبعه في ماذا ؟ فإني أراك - ولا تؤاخذني - جازفت بالإطلاق وجمعت السيء مع الحسن ثم عممتهما بحكم واحد هو غاية في التعميم بقولك "وكلامهم كله باطل". نعم أصل التسمية ناشيء عن تلك الحقبة التي انتشرت فيها نظرية دارون ولكن المبدأ الذي تقوم عليه نظرية دارون كما أراده هو مبدأ مقيّد ألا وهو "التطور من أجل الترقي" ، وتبعه على ذلك مئات العلماء في أكثر من حقل ، حتى في العلوم الإجتماعية والطبيعية وكذلك اللسانية ، ومبدأ التطور المدفوع بقوة الترقي ير ى أن كل شيء في الوجود كان بدائياً وفوضوياً : اللغة ، الإنسان ، الكائنات ، العلوم والمعارف ، بل حتى الكون ثم أخذ في التطورالتلقائي - لأنهم ينكرون الخالق - باتجاه التنظيم والكمال (Progress towards perfection) كما يقولون ...والكلام يطول في هذا المقام ولكن الخلاصة أمران :
الأول : وهو الأهم أن الدكتور رمضان عبدالتواب لم يتبنى إطلاقاً هذا التطور بهذه الصورة ، فهو لم يلمح ولم يصرح أن الإنسان أو لغته تطورا تطوراً داروينياً أي من العي والعجز عن الكلام إلى هذا التعقيد والتنوع اللغويان. وهذا الإتجاه يسمى بالاتجاه التلخيصي (reductionistic) وموجزه أن "اللغة البشرية نشأت في الأساس من محاكاة الأصوات الطبيعية ، ثم ارتقت بارتقاء عقلية الإنسان وتقدم الحضارة ، وهي في ذلك نمط من أنماط النظرية التلخيصية التي ترى بأن نمو الفرد يلخص نمو الإنسان ، ومن ثم فالتطور الذي يحدث للطفل حين ينتقل من مرحلة الصراخ والإنفعالات إلى مرحلة النطق البطيء غير المكتمل ، ثم يصل إلى مرحلة اللغة الكاملة - يماثل التطور الذي حدث للإنسان فلغة الإنسان البدائي تماثل لغة الطفل الأول مثلما تماثل لغة الإنسان الحالي لغة الراشدين"[1]. هذا هو الفرض المغلوط للتطور ولم يتبناه الدكتور رمضان ولم يقصده وإنما قصد بالتطور التغير المستمر الذي ينال اللغات عبر الأزمان ، وقد بين هذا بنقولاته المفيدة في أول كتابه (التطور اللغوي ، ص 10 -14) [2]، وأما جمع كلامه مع كلام برجشتراسر في سلة واحدة ثم وصمهما بحكم واحد فتجن على الدكتور رحمه الله الذي سائر كتابه من ص 24 إلى آخره شاهد على منهجه ومدعم بالأدلة والنقولات الرصينة ، فكلامه كله عن التغير المستمر لا عن حالة نقص وتخلف تترقى مع مرور الوقت إلى حالة كمال وتقدم.
الأمر الثاني: أن علماء التطور المتأخرين أنكروا على دارون مبدأه المذكور وعلى رأسهم عظيمهم وكبيرهم المعروف بـ ستيفن جي جاود (Stephen Jay Gould) الذي بين فساد هذا المبدأ ، وبين أن التطور موجود ولكنه على شكل افقي لا عمودي ، أي ليس باتجاه كمال مستقبلي مزعوم بل باتجاهات مختلفة ومتباينة تختلف باختلاف الظروف والأحوال [3]، وهذا بالضبط هو معنى التطور الذي سلكه رمضان عبدالتواب ، بمعنى التغير والتبدل المستمرين ، لأن اللغة كما يقول "ظاهرة اجتماعية" (التطور اللغوي ، ص9)...ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

أما الحديث حول الحقيقة والمجاز فقد ناقشتك في غير هذا الموضع.

= = = = = = = = = = = == = = =
[1] سيكولوجية اللغة ، ص 17. وقد تمسك الدكتور أنيس إبراهيم رحمه الله بطرف من هذا المنهج في تصويره لنشأة اللغة (انظر:في علم اللغة العام ، عبدالصبور شاهين ، ص77). وهو منهج خطأ ولكن التخطئة تحتاج إلى تفصيل أيضاً ، وإلا فآدم قد تلقى وتفوه بأرقى لغة ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) ، وكذلك ابني آدم إذ قربا قرباناً ، فقد تحدثا بمعان لغوية راقية ومجردة بعكس ما ذهب إليه الدكتور أنيس من أن الإنسان الأول إنما تكلم للهو واللعب مع قلة معنى.
[2] ولا تغتر ببعض ألفاظه هنالك مثل : تتطور ، تترقى ، تنمو ، الخ فإن منهجه في سائر الكتاب شاهد جلي على غير ما توهم به هذه الألفاظ لأول وهلة.
[3] Gould, Stephen J. (1996) The Shape of Life. Art Journal, Vol. 55, No. 1, Contemporary Art and the Genetic Code, (Spring), p. 44, Published by: College Art Association
 
كلامي عن المتابعة في أصل التسمية وقد خالفناهم نحن بتسميتنا ولم أزعم أنهم وافقوا صاحب أصل الأنواع في تمام النظرية. قلنا : ((وأخذوا تلك التسمية))..

وإن أوهم كلامنا غير هذا = فأعتذر عنه.
وردك علي في المجاز قد رددت عليه وفيه موضع لم تجب فيه سؤالي حتى الآن..

وأنا أستفيد منك يا مولانا فعلق براحتك...

جمعنا الله على الخير وهدانا للحق...
 
جزاك الله خيرا. نعم كان كلامك موهم جداً بقولك (كلامهم كله باطل) ، وعذرك على العين والرأس. أما سؤال المجاز فإني تركته لأني قد أجبت عما هو أهم وأولى منه في نظري ولذلك تركته تركاً للتطويل في ذلك الوقت الذي كتبت فيه كثيراً حتى مللت من التكرار.
 
كلامي عن المتابعة في أصل التسمية وقد خالفناهم نحن بتسميتنا ولم أزعم أنهم وافقوا صاحب أصل الأنواع في تمام النظرية. قلنا : ((وأخذوا تلك التسمية))..

حتى التسمية لا ضير فيها إذا اختلفت المناهج والنوايا ، ومجرد تبني التسمية لا يقضي ببطلان الكلام واستواء مضمونه مع مضمون غيره.
 
ليس هذا من أصول منهجي ..بل التسمية تضر لمجرد المشابهة هذه واحدة..والثانية = العدول عن الاسم الذي سماها الله به (عندي)..ولا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير..وقد شرحتُ هذا من قبل في مقال منفصل..
 
نعم تضر ، والضرر نسبي يختلف باختلاف الأشخاص ، ونشوء كلمة "تطور" كاصطلاح هو نفسه من نتائج "اختلاف الألسنة" ، إذا أخذنا كلمة "اختلاف" على ظاهرها الذي هو الإطلاق. فسبب "اختلاف" الألسنة ، استعمل قوم "تطور" واستعمل قوم آخرين غيرها.
 
عودة
أعلى