أبو فهر السلفي
New member
- إنضم
- 26/12/2005
- المشاركات
- 770
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
إيه أيها الأسد المظلوم ؛ألصق المجازيون بك بلايا كثيرة...
قال أبو عبد الله البصري المعتزلي : ومثل ما نقل من موضوعه , قول القائل : رأيت الأسد , وهو يعني الرجل الشجاع. ا هـ ولعله كان أول من قال ذلك من المتكلمين , واتبعه الباقلاني, وأبو الحسين البصري المعتزلي , وعبد القاهر الجرجاني , وأبو حامد الغزالي , وابن عقيل الحنبلي, والرازي , والسكاكي , وابن الحاجب , والعز بن عبد السلام , والخطيب القزويني , وغيرهم كثير , حتى صار الأسد هو أول ما يذكره المتأخرون في الحقيقة والمجاز , يقولون : هو حقيقة في السبع , مجاز في الرجل , فهو يدل على السبع من غير قرينة , ولا يدل على الرجل إلا بقرينة .
هذا الباطل...فأين الحق(؟؟)
1- لفظ أسد ليس في القرآن.
2- وروى البخاري , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر , وفر من المجزوم كما تفر من الأسد )), وروى البخاري , أن أسامة بن زيد أرسل إلى علي لما خرج إلي صفين , يقول له : لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه , ولكن هذا أمر لم أره ... الحديث , وروى الإمام أحمد , عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن , فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد , فبينا هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر , ثم تعلق رجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد , فانتدب له رجل بحربةٍ فقتله...)) الحديث في قضاء على بينهم وإجازة النبي صلى الله عليه وسلم قضاءه , وروى الإمام أحمد حديثاً في نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان , وفيه : حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً , وروى ابن ماجة حديثاً طويلاً في ذكر الدجال , وفيه : الوليدة الأسد فلا
يضرها , والأسد في تلك الأحاديث كلها هو السبع المعروف .
أما الأسد في كلام العرب يراد به الحيوان المعروف =فكثير في كلامهم ،ولم نستطع تبين أنهم أرادوا الحيوان المعروف إلا بالقرائن على ما ترى..وسأضع تحت القرائن الدالة على إرادة الحيوان المعروف خطاً..
1- قال تعالى: ((كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة)).
2- لذاك أهيب عندي إذ أكلمه ...وقيل إنك منسوب ومسؤول
من ضيغم من ضراء الأسد محذرة ... ببطن عثر غيل دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراذيل
إذا يساور قرناً لا يحل له ... أن يترك القرن إلا وهو مفلول
منه تظل حمير الوحش ضامزة ... ولا تمشي بواديه لأراجيل
يقول كعب بن زهير : إن رسول اله صلى الله عليه وسلم كان أهيب عنده من ذلك الأسد .
3- ونَلْبَسُ للْعَدُوِّ جُلودَ أُسْدٍ ... إِذا نَلْقاهُمُ وجُلودَ نُمْرِ
4- يذل له العزيز وكل ليث ... حديد الناب مسكنه العرين
5- يمْشُونَ في حلَقِ الحديدِ كمَا مشَتْ ... أسُدُ الغَريفِ بكُلِّ نحْسٍ مُظْلِمِ.
6- وشبابٌ كأنَّهُمْ أسدُ غيلٍ ... خالَطَتْ فَرْدَ حدِّهِمْ أحلامُ
7- دربوا كما دربت أسود خفية ... غلب الرقاب من الأسود ضواري
8- أريحيّاً أمضى على الهولِ منْ ... ليثٍ هموسِ السُّرى أبي أشبالِ
9- أشدُّ حفيظةً من ليثِ غابٍ ... تخالُ زئيرهُ اللجبَ اللهاما
10- أجرأُ مِنْ ذي لِبْدَةٍ هَمَّاسِ ... غَضَنْفَرٍ مضَبَّر رهَّاس
مَنَّاعِ أخْيَاس إلى أخْيَاس ... كأنَّمَا عيناهُ في مِراس
شعاعُ مِقْبَاسٍ إلى مِقباس
10- ولأَنتَ أَشجَعُ حِينَ تتَّجِهُ ال ... أبطالُ مِنْ لَيْثٍ أبي أَجْر
والأسد في تلك الأشعار هو السبع , وقيل في وصفه أشعار أخرى غير ذلك , وكان أبو زيد الطائي يكثر وصفه , وروى الجمحي , عن أبي الغراف , أن أبا زبيد أنشد في مجلس عثمان بن عفان رضي الله عنه قصيدة له ووصف فيها الأسد , فقال له عثمان : تالله تذكر السد ما حييت , والله إني لأحسبك جباناً هداناً , فقال ك كلا يا أمير المؤمنين , ولكني رأيت منه منظراً أو شهدت منه مشهداً لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي , ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم , فقال عثمان : قطع الله لسانك , فقد رعبت قلوب المسلمين . ا هـ مختصراً , وروى أبو الفرج , عن شعبة , قال : قلت للطرماح بن حكيم : ما شأن أبي زبيد وشأن الأسد ؟ فقال : أنه لقيه بالنجف , فلما رآه سلح من فرقة , وقال مرة أخرى : فسلخه , فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت
وأما الأسد في كلام العرب لا يريدون به الحيوان المعروف =فهو بين ظاهر في كلامهم ولم يُستدل على أنهم لم يريدوا الحيوان المعروف =إلا بالقرائن،كما أنه لم يُستدل على أنهم ارادوا الحيوان المعروف إلا بالقرائن...
ومن الأمثلة الظاهرة المشهورة لهذا:
1- وقال أبو بكر الصديق , لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه
2- وروى الإمام أحمد وغيره من حديث الحسن البصري عن سمرة بن جندب , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يوشك أن يملأ الله أيديكم من العجم , ثم يكونون أسداً لا يفرون فيقتلون مقاتلكم , ويأكلون فيئكم )) وروى عن الحسن مرسلاً , وهو حديث ضعيف لا يحتج به في الدين , ولا يوثق بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه قد يقبل شاهداً في العربية , فهو يوثق بإسناده إلى الحسن البصري , والحسن كان بعض أئمة العربية يكتب كلامه ويستشهد به , فذلك الحديث ليس حجة في الدين , ولكنه قد يقبل شاهداً في العربية , والأسد في هذين الحديثين هو : الرجل الجريء الذي لا يفر .
3- قال حسان : قد آن أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه.. ففي ذلك الحديث شبه حسان بن ثابت رضي الله عنه نفسه بالأسد الذي هو السبع , فقال : إلى هذا الأسد الضارب بذنبه , ولولا قوله : الضارب بذنبه , لم يتبين أنه أراد السبع , ولو قال : إلى هذا الأسد , وسكت , لكان يمدح نفسه بأنه أسد من الرجال , ولم يك في كلامه تشبيهاً .
وَلَقدْ خَشِيتُ بِأَنْ أمُوتَ، ولم تَكُنْ ... للحَرْبِ دائرةٌ على ابنَيْ ضَمضَيم
الشّاتِمَيْ عِرْضِي، ولم أشتِمْهُمَا، ... والنّاذِرَيْنِ إذا لم أَلْقَهُما دَمي
أُسْدٌ عَلَيَّ وفي العَدُوّ أَذِلّةٌ ... هذا لَعَمرُكَ فِعْلُ مولى الأَشْأَمِ
وقول الشاعر:
وتقولُ جعثنِ إذ رأتكَ مقنعاً ... قبّحتَ منْ أسدٍ أبي أشبالِ
وقول الشاعر:
إنّي أنا البحرُ غَمراً لستَ جاسرَهُ ... وسَبِّيَ النارَ دونَ البحر تستعِرُ
ما زلتَ تنتجعُ الأصواتَ مُعترضاً ... تروحُ في اللُّومِ مُشتقّاً وتبتكِرُ
حتى استثَرتَ أبا شِبلَينِ ذا لِبَدٍ ... وزُبْرَةٍ لم تُواطي خَلْقَها الزُّبَرُ
وأنا أعدل عن الأمثلة المشهورة التي قد يُمثل بها لهذه القضية إلى مثال دقيق من كلام العرب وهو من أروع الشعر وأدقه وأحلاه وهو قول زهير بن أبي سلمى:
لَعَمْري لَنِعْمَ الحيُّ جَرَّ عَلَيْهِمُ ... بما لا يُؤاتِيهِمْ حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَمِ
وكانَ طَوَى كَشحاً على مُسْتَكِنَّةٍ ... فَلاَ أَبْدَاهَا وَلَمْ يَتَجَمْجَمِ
وَقَالَ: سَأَقضِي حَاجَتي ثُمَّ أَتَقَّي ... عَدُوِّي بِأَلْفٍ مِنْ وَرائيَ مُلْجَمِ
فَشَدَّ وَلَمْ يَنْظُرْ بُيُوتاً كَثِيرَةًلَدَى... حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ
لَدَى أَسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ ... لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ
جَرِيءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ ... سَريعاً وإلاّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ
وقوله : شاكي السلاح , أي سلاحه شائكة , حديدة ذو شوكة , ومقاذف : مرامي , ويروى : مقذف , وهو الغليظ الكثير اللحم , واللبد : جمع لبدة : وهي زبرة الأسد , وهي شعر متراكب بين كتفي السد إذا أسن : والأظفار : السلاح , يقول : سلاحه تام حديد , وقال الأعلم والخطيب التبريزي : أراد بقوله : لدى أسدٍ , الجيش , وقال الزوزني : البيت كله صفة حصين بن ضمضم , ووافقه البغدادي في موضع من (( خزانة الأدب )) , فقال : وهو الصواب ثم خالفه في موضع آخر ,
فقال : والمراد بالأسد الحارث بن عوف المري , وسواء قاله في حصين أم الحارث أم الجيش كله ,
فالأسد فيه رجل أو رجال .
فالأسد هنا ورغم ذكر اللبد ليس المراد به الحيوان المعروف ،وإنما المراد به الجيش الذي سيحاربهم يقوده حصين ،أو هو حصين نفسه،وجعل الأسد لفظاً والمثل المراد منه الجيش له نظائر في كلام العرب ذكرها الشراح تحت هذا البيت....
وقال زهير بن أبي سلمى في قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثه المري :
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل
بخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا
عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابع بيض لا تخرقها النبل
وقال عنترة بن شداد :
وخيل قد زحفت لها بخيل عليها الأسد تهتصر اهتصارا
وإنما عليها الرجال .
وقال امرؤ القيس :
قولا لدودان عبيد العصى ما غركم بالأسد الباسل
ودودان : قبيلة من بني أسد , أبوها دودان بن أسن بن خزيمة , وكان ابو امرئ القيس إذا غضب على أحد منهم أمر بضربه بالعصا , فسموا عبيد العصا , أي لا ينقادون إلا على الضرب والهوان , وأراد بالأسد الباسل أباه , وقيل : أراد نفسه . ا هـ
وقال سحيم بن وثبل الرياحي في قصيدة يفخر فيها بنفسه :
وهمام متى أحلل إليه يحل الليث في عيص أمين
ألف الجانبين به أسود منطلقة بأصلاب الجفون
وهمام هو عمه , والعيص : الشجر الكثيف الملتف , والجفون : جمع جفنٍ , وهو قراب السيف , ولعله أراد بأصلاب الجفون سيورها , وإنما ألف به رجال .
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في قصيدة , قيل : إنه قال أولها في الجاهلية , ثم وصلها بعد في الإسلام , يصف الخمر :
ونشربها فتتركنا ملوكا وأسداًما ينهنهنا اللقاء
وقالعروة بن أذينة الكناني :
لنا عز بكرٍ وأيامها ونصر قريش وأنصارها
وما عز من حان في حربهم بضغم الأسود وتهصارها
وقال عمر بن لجأ في قصيدة يرد بها على جرير :
ومجال معركة غنمنا مجدها لقي الأسود بها الغضاب أسوداً
وإنما لقي بها الرجال رجالاً .
وقال :
وأهون من عضب اللسان بنت له أسود وسادات بناء مشيداً
وإنما بنت الرجال .
وقال عبد الله بن أبي تغلب الهذلي , في قصيدة يرثى بها من أصيب بالطاعون من هذيل بمصر والشام :
فجعلنا بهم وبأمثالهم من أهل الغناء فأمسوا رماما
جماجم كانوا من أهل الحميم وفي البأس كانوا أسوداً جماما
وقال الفرزدق يهجو جريراً :
ود جرير اللؤم كان عانياً ولم يدن من زأر الأسود الضراغم
وإنما أراد بالأسود نفسه وقومه
وقال جرير في قصيدة يهجو بها الفرزدق :
نحن الملوك إذا أتوا في دارهم وإذا لقيت بنا رأيت بنا رأيت أسوداً
وقال في قصيدة يهجو بها عمر بن لجأ :
قد جربت عركي في كل معترك غلب الأسود فما بال الضغابيس
وإنما عاركته الرجال .
وقال جميل بثينة :
وكانت تحيد الأسد عني مخافتي فهل يقتلني ذو رعاثٍ مطرف
و ذو رعاثٍ : ذو قرط , ومطرف : مخضب اليدين والأصابع : وهو يريد بثينة , يقول : كانت تحيد عنه الأسد من مخافته , فهل يقتلنه حب بثينة , وإنما تحيد عنه أسد الرجال , والأسد في تلك الأشعار كلها هو الرجل الجريء الذي لا يفر .
وقال الفرزدق في قصيدته التي مدح بها زين العابدين بن الحسين بن علي :
مشتقة من رسول الله نبعته طابت عناصره والخيم والشيم
سهل الخليفة لا تخشى بوادره يزينه خلتان الخلق والكرم
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجى ومعتصم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء ومختوم به الكلم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ويسترب به الغحسان والنعم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير خلق الله قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا أزمة أزمت والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
لا يقبض العسر بسطاً من أكفهم سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
فشبه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالغيوث في الأزمة , وبأسد الشرى في البأس , والشرى موضع تنسب إليه الأسد واكتفى به , لكان يمدحهم بأنهم أسد من الرجال , ولم يكن في كلامه تشبيهاً , فلما قال : والأسد أسد الشرى , بين بقوله أسد الشرى أي أسدٍ أراد . وأنه أراد التشبيه
وقال طرفة بن العبد :
وتشكي النفس ما أصاب بها فاصبري إنك من قومٍ صبر
إن تصادف منفساً لا تلفنا فرح الخير ولا نكبوا لضر
أسد غاب فإذا ما فزعوا غير انكاسٍ ولا هوج هذر
ويروي : أسد غيلٍ , وهو الشجر الملتف , والغاب والغيل هي مأوى الأسد , قال الأعلم : آسد ما يكون الأسد عندها , لأنه يحميها ويحمي أشباله ا هـ
فشبه حسان بن ثابت رضي الله عنه :
فطاروا شلالاً وقد أفزعوا وطرنا إليهم كأسد الأجم
والأجم : كذلك الشجر الكثيف الملتف .
وقال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه :
كأنهم في الوغى والموت مكتنع أسد ببيشة في أرساغها فدع
وبيشة : موضع تنسب إليه الأسد , فشبههم بالأسد التي تكون بذلك الموضع , وفي أرساغها فدع : فيها إعوجاج إلى ناحيةٍ , والأرساغ : جمع رسغ , والموت مكتنع قريب دانٍ .
وقال عروة بن أذينة الكناني :
صناديد غلب كأسد الغريف خضماً وهضماَ وضغماَ ضباثاَ
والغريف : الشجر الكثير الملتف
وقال الأحوص في قصيدة يمدح بها عمربن عبد العزيز رحمه الله .
حتى كأنك يتقى بك دوانهم من أسد بيشة خادر متبسل
وقال أنيف بن حكيم الطائي :
دعوا لنزار وانتمينا لطيءٍ كأسد الشرى إقدامها ونزالها
وقال كثير في قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان :
كأنهم آساد حلية أصبحت خوادر تحمى الخيل ممن دنا لها
وحلية مأسدة بناحية اليمن و والمأسدة : الأرض كثيرة الأسد .
وقال امرؤ القيس بن عمرو السكوني :
كأني غداة الروع من أسد زارة أبو أشبل عبل الذراع مجرب
وقال :
فلاقوا مصاعاً من أناسٍ كأنهم أسود العرين صادقاً لا يكذب
وزارة : موضع , والعرين : مأوى السد الذي يألفه .
وقال الأشهب بن رميلة :
أسود شرى لاقت أسود خفية تساقوا على لوحٍ دماء الأساود
وقال آخر :
أسود شرى لاقت أسود خفيةٍ تساقين سما كلهن خوادر
وقال آخر :
ونحن قتلنا الأسد أسد خفية فما شربوا بعداً على لذة خمراً
والخفية : غيضة ملتفة يتخذها الأسد عريناً , وهي : خفية الأسد .
وقال البريق بن عياضٍ الهذلي في قصيدة يرثى بها أخاه :
فما إن شابك من أسد ترج أبو شبلين قد منع الخدارا
بأجرأ جرأة منه وأدهى إذا ما كارب الموت استدارا
وشابك : قد اشتبكت أنيابه واختلفت , وترج : موضع باليمين قبل تبالة , وهي : بلدة خصبة .
وفي تلك الشعار كفاية , والتشبيه بالأسد الذي هو السبع , والتفضيل عليه في الجرأة والإقدام كثير من أشعار العرب , وفي تلك الأشعار كلها ذكر لفظ الأسد متبوعاً بما يدل على أنه السبع :
يقولون : أسد الشرى , وأسد غابٍ , وأسد غيل , وأسد خفيةٍ , وأسد بيشة , وأسد الأجم , وأسد ترج , وأسد الغريف , وأسد حلية , وأسد العرين , وأسد زارةٍ , وأسد أبو أشبال , وأبو شبلين , وما يشبه ذلك ويقاربه , وأكثر ما ينسبون إليه تلك الأسود : هو مواضعها التي تسكنها , ولم أجد شعراً عربياً يوثق به ذكر فيه لفظ الأسد إلا وفي الكلام ما يدل على ما أريد به , هل أريد به السبع أم أريد به الرجل الجريء الذي لا يفر , وذلك يدل على أن الأسد بلسان العرب ليس خاصاً بذلك السبع , ولو كان خاصاً به لم يحتج إلى أن يذكر معه ما يبين أي أسدٍ أريد به .
وقال قيس بن عيزارة أخو بني صاهلة في قصيدة يرثي بها أخاه الحارث بن خويلد :
وإذا جبان صدق روعة حبض القسي وضربة أخدود
ألفيته يحمي المضاف كأنه صبحاء تحمي شبلها وتحيد
صبحاء ملحمة جريمة واحدٍ أسدت ونازعها اللحام أسود
وحبض القسي : وقع الوتر , وضربة أخدود : كأنها شق في الأرض , والمضاف : الضعيف , وصبحاء : لبؤة لونها يضرب إلى البياض والحمرة , وتحيد : تروغ , وملحمة : تطعم ولدها اللحم , وجريمة واحدٍ : كباسة واحدٍ , كأنه يقول : ليس لها غير ذلك الشبل الواحد , وأسدت : كبلت وصارت أسداً , فهو يقول : إذا فزع الجبان وفر من وقع الرمي والضرب , وجدت أخاه الحارث بن خويلد يحمي الضعيف كأنه لبؤة صبحاء ليس لها إلا شبل واحد تحميه وتطعمه اللحم , فهي كلبة أسدة تنازع الأسود اللحم حتى تطعمه شبلها .
ويورى من شعر مغلس بن لقيط :
إذا رأيا لي غفلةً أسداً لها أعادي والأعداء كلبى كلابها
وقالت ليلي الأخيلية في قصيدة ترثي بها توبة بن الحمير الخفاجي :
طوت نفعها عنا كلاب وآسدت بنا أجهليها بين غاوٍ وشاعر
وقال عبيد بن الأبرص يصف ظبياً :
مرابضه القيعان فرداً كأنه إذا ما تماشيه الظباء تطيح
فهاج به حي غداة فآسدوا كلاباً فكل الضاريات شحيح
ويروى :
فهاج له حي غداة فأوسدوا كلاباً فكل الضاريات يسيح
وقال أبو زيد في (( نوادره )) : يقال أغريت فلاناً بصاحبه إغراء , وآسدت بينهما إيساداً , إذا حملت كل واحدٍ منهما على صاحبه حتى غري به أي لزق به غرىً شديداً . ا هـ , وقال الأزهري في (( تهذيب اللغة )) : يقال : آسدت بين القوم , وآسدت بين الناس , وآسدت بين الكلاب , إذا هارشت بينها , وقال أبو عبيد , آسدت الكلب إيساداً : إذا هيجته وأغريته وأشليته ودعوته , وقال رؤبة : ترمي بنا خندف يوم الإيساد . ا هـ , وقال الجوهري : وآسدت الكلب وأوسدته : أغريته بالصيد , والواو منقلبة عن الألف . ا هـ
وقال زهير بن مسعود يصف ثوراُ وحشياً طاردته كلاب صيدٍ :
فنال شيئاً ثم هاجت به مؤسدة فيهن تدريب
وقال الأزهري : والمؤسد : الكلاب الذي يشلي كلبه , يدعوه ويغريه بالصيد . ا هـ .
وقال مهلهل بن ربيعة :
إني وجدت زهيراً في مآثرهم شبه الليوث إذا استأسدتهم أسدوا
يقول : إذا أغريتهم وهيجتهم كانوا أسداً , وقال الصنعاني : : استؤسد : هيج , وقال الأزهري : قال الليث : واستأسد فلان : أي صار في جرأته كالأسد . ا هـ , وكذلك قال أبو عبيد في (( غريب الحديث )) , يقال : قد أسد الرجل واستأسد بمعنى واحد . ا هـ ولا شاهد على ذلك من كلام العرب , وقول مهلهل بن ربيعة : وإذا استأسدتهم أسدوا , يدل على خطئه , والصواب : استأسد : هيج وأغرى , واستؤسد : هيج واغرى .
وقال عامر الخصفي المحاربي في قصيدة يرد بها على الحصين بن الحمام المري :
وكنا نجوما كلما انقض كوكب بدا زاهر منهن ليس بأقتما
بدا زاهر منهن تأوي نجومه إليه إذا مستأسد الشر أظلما
ومستأسد الشر : الذي يغري به ويهيجه , وهو يعني به في ذلك البيت الليل .
وقال أبو النجم يصف نباتاً :
حتى تحنى وهو لما يذبلِ
مستأسداً ذبانه في غيطلِ
يقول للرابدِ أعشبت انزلِ
ويروى : مستأسد بالرفع , وذبانه : ذبابه , وعيطل : غيضة , وهو الشجر الملتف , وقال الأزهري : قال أبو عبيد عن الأصمعي : إذا بلغ النبات والتف , قيل : قد استأسد , وأشد قول أبي النجم .
ا هـ وقد استأسد : قد أغرى وهيج , وهو في قول أبي النجم : مستأسد ذبانه , يقول : إن ذلك
النبات لما طال وانحنى ولما يذبل بعد أغرى الذباب وهيجه فلزق الذباب به وكثر عليه , وقال أبو العباس ثعلب في (( مجالسه )) : استأسد الأسل , إذا ارتفع , وكل شيء استأسد فهو مرتفع , وأنشد قول أبي النجم ( ) . ا هـ , والأسل : عيدان تنبت طوالاً دقاقاً , وليس في قولِ أبي النجم ولا غيره شاهداً على أن كل شيءٍ استأسد فهو مرتفع , ولكن استأسد : أغرى وهيج .
وقال الأخطل :
بمستأسدٍ يجري الندي في رياضةِ سقته أهاضيب الصبا فمديمها
قال السكري : المستأسد : الملتف من الكلأ المكتهل ا هـ , والكتهل : الذي تم طوله .
وقال ذو الرمة :
فاكتهل النور بها واستأسدا ولو نأى ساكنها فأبعدا
فاستأسد النبات : أغرى , وإنما يكون ذلك إذا تم واكتهل ولما يذبل بعد .
وقال ابن الأثير في (( غريب الحديث )) : ومنه حديث لقمان بن عاد : خذ مني أخي ذا الأسد , والأسد مصدر أسد يأسد أسداً , أي : ذو القوة الأسدية .ا هـ , ونقله ابن منظور في (( لسان العرب )) , وذلك الحديث لم أجده بعد مسنداً , وكثير مما يستشهد به أصحاب الغريب ليس محفوظاً عند المحدثين , وفي (( لسان العرب )) : وأسد آسد على المبالغة , وأسد بين الأسد نادر , ونسب بعض ذلك إلى ابن الأعرابي .
فالعرب يقولون : أسداً للرجل الجريء الذي لا يفر , ويقولون : أسداً للسبع المعروف , وما قبله وبعده من الكلام يبين أي أسدٍ أرادوا به , وأكثر ما ينسبون إليه األسد من السباع هي مواطنها التي تسكنها , وقد سمى العرب أبنائهم أسداً , وأسيداً , وأسيداً , وأسيداً , ومن قبائلهم أسد , وهم بنو أسد بن خزيمة , وحمزة بن عبد المطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أسد الله , ويقولون : أسد الرجل , وأسدت اللبؤة , وأسد الكلب , إذا أقدم وجرئ وكلب فصار أسداً , ويقولون : آسد بين الناس إيساداً , أغرى بينهم , وأسد وآسد وأوسد الكلب : أغراه بالصيد وهيجه وأشلاه , والواو في أوسد منقلبة عن الألف الثانية في آسد , وهو من اختلاف ألسنة العرب في نطق الهمزتين المتتاليتين في أول اللفظة , ويقولون : كلاب مؤسدة : آسدها المؤسد , ويقولون : استأسد القوم : أغراهم وهيجهم وأغضبهم , واستؤسد : هيج , وقالوا ليل مستأسد الشر , وقالوا للنبات إذا تم واكتمل فأغرى : مستأسد , واستأسد .
ولا حجة على أن العرب كانوا أولاً يقولون الأسد لذلك الأسد من السباع خاصة , ثم نقلوه بعد ذلك للرجل , واشتقوا من أسد وآسد وغيرها , ولسان العرب القديم الأول لم يحفظ لنا , ولا انزل الله كتابه به , ولا ندري أي شيء كان السد بذلك السان الأول , والذي حفظ لنا , وأنزل الله كتابه به , هو لسان العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم منهم , و أولئكم كانوا يقولون الأسد : للرجل والسبع , فقولهم : إنه وضع أولاً للسبع ثم نقل للرجل , هو زعم باطل , لا حجة له.
قال أبو عبد الله البصري المعتزلي : ومثل ما نقل من موضوعه , قول القائل : رأيت الأسد , وهو يعني الرجل الشجاع. ا هـ ولعله كان أول من قال ذلك من المتكلمين , واتبعه الباقلاني, وأبو الحسين البصري المعتزلي , وعبد القاهر الجرجاني , وأبو حامد الغزالي , وابن عقيل الحنبلي, والرازي , والسكاكي , وابن الحاجب , والعز بن عبد السلام , والخطيب القزويني , وغيرهم كثير , حتى صار الأسد هو أول ما يذكره المتأخرون في الحقيقة والمجاز , يقولون : هو حقيقة في السبع , مجاز في الرجل , فهو يدل على السبع من غير قرينة , ولا يدل على الرجل إلا بقرينة .
هذا الباطل...فأين الحق(؟؟)
1- لفظ أسد ليس في القرآن.
2- وروى البخاري , عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر , وفر من المجزوم كما تفر من الأسد )), وروى البخاري , أن أسامة بن زيد أرسل إلى علي لما خرج إلي صفين , يقول له : لو كنت في شدق الأسد لأحببت أن أكون معك فيه , ولكن هذا أمر لم أره ... الحديث , وروى الإمام أحمد , عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن , فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد , فبينا هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر , ثم تعلق رجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد , فانتدب له رجل بحربةٍ فقتله...)) الحديث في قضاء على بينهم وإجازة النبي صلى الله عليه وسلم قضاءه , وروى الإمام أحمد حديثاً في نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان , وفيه : حتى ترتع الإبل مع الأسد جميعاً , وروى ابن ماجة حديثاً طويلاً في ذكر الدجال , وفيه : الوليدة الأسد فلا
يضرها , والأسد في تلك الأحاديث كلها هو السبع المعروف .
أما الأسد في كلام العرب يراد به الحيوان المعروف =فكثير في كلامهم ،ولم نستطع تبين أنهم أرادوا الحيوان المعروف إلا بالقرائن على ما ترى..وسأضع تحت القرائن الدالة على إرادة الحيوان المعروف خطاً..
1- قال تعالى: ((كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة)).
2- لذاك أهيب عندي إذ أكلمه ...وقيل إنك منسوب ومسؤول
من ضيغم من ضراء الأسد محذرة ... ببطن عثر غيل دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحم من القوم معفور خراذيل
إذا يساور قرناً لا يحل له ... أن يترك القرن إلا وهو مفلول
منه تظل حمير الوحش ضامزة ... ولا تمشي بواديه لأراجيل
يقول كعب بن زهير : إن رسول اله صلى الله عليه وسلم كان أهيب عنده من ذلك الأسد .
3- ونَلْبَسُ للْعَدُوِّ جُلودَ أُسْدٍ ... إِذا نَلْقاهُمُ وجُلودَ نُمْرِ
4- يذل له العزيز وكل ليث ... حديد الناب مسكنه العرين
5- يمْشُونَ في حلَقِ الحديدِ كمَا مشَتْ ... أسُدُ الغَريفِ بكُلِّ نحْسٍ مُظْلِمِ.
6- وشبابٌ كأنَّهُمْ أسدُ غيلٍ ... خالَطَتْ فَرْدَ حدِّهِمْ أحلامُ
7- دربوا كما دربت أسود خفية ... غلب الرقاب من الأسود ضواري
8- أريحيّاً أمضى على الهولِ منْ ... ليثٍ هموسِ السُّرى أبي أشبالِ
9- أشدُّ حفيظةً من ليثِ غابٍ ... تخالُ زئيرهُ اللجبَ اللهاما
10- أجرأُ مِنْ ذي لِبْدَةٍ هَمَّاسِ ... غَضَنْفَرٍ مضَبَّر رهَّاس
مَنَّاعِ أخْيَاس إلى أخْيَاس ... كأنَّمَا عيناهُ في مِراس
شعاعُ مِقْبَاسٍ إلى مِقباس
10- ولأَنتَ أَشجَعُ حِينَ تتَّجِهُ ال ... أبطالُ مِنْ لَيْثٍ أبي أَجْر
والأسد في تلك الأشعار هو السبع , وقيل في وصفه أشعار أخرى غير ذلك , وكان أبو زيد الطائي يكثر وصفه , وروى الجمحي , عن أبي الغراف , أن أبا زبيد أنشد في مجلس عثمان بن عفان رضي الله عنه قصيدة له ووصف فيها الأسد , فقال له عثمان : تالله تذكر السد ما حييت , والله إني لأحسبك جباناً هداناً , فقال ك كلا يا أمير المؤمنين , ولكني رأيت منه منظراً أو شهدت منه مشهداً لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي , ومعذور أنا يا أمير المؤمنين غير ملوم , فقال عثمان : قطع الله لسانك , فقد رعبت قلوب المسلمين . ا هـ مختصراً , وروى أبو الفرج , عن شعبة , قال : قلت للطرماح بن حكيم : ما شأن أبي زبيد وشأن الأسد ؟ فقال : أنه لقيه بالنجف , فلما رآه سلح من فرقة , وقال مرة أخرى : فسلخه , فكان بعد ذلك يصفه كما رأيت
وأما الأسد في كلام العرب لا يريدون به الحيوان المعروف =فهو بين ظاهر في كلامهم ولم يُستدل على أنهم لم يريدوا الحيوان المعروف =إلا بالقرائن،كما أنه لم يُستدل على أنهم ارادوا الحيوان المعروف إلا بالقرائن...
ومن الأمثلة الظاهرة المشهورة لهذا:
1- وقال أبو بكر الصديق , لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه
2- وروى الإمام أحمد وغيره من حديث الحسن البصري عن سمرة بن جندب , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يوشك أن يملأ الله أيديكم من العجم , ثم يكونون أسداً لا يفرون فيقتلون مقاتلكم , ويأكلون فيئكم )) وروى عن الحسن مرسلاً , وهو حديث ضعيف لا يحتج به في الدين , ولا يوثق بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه قد يقبل شاهداً في العربية , فهو يوثق بإسناده إلى الحسن البصري , والحسن كان بعض أئمة العربية يكتب كلامه ويستشهد به , فذلك الحديث ليس حجة في الدين , ولكنه قد يقبل شاهداً في العربية , والأسد في هذين الحديثين هو : الرجل الجريء الذي لا يفر .
3- قال حسان : قد آن أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه.. ففي ذلك الحديث شبه حسان بن ثابت رضي الله عنه نفسه بالأسد الذي هو السبع , فقال : إلى هذا الأسد الضارب بذنبه , ولولا قوله : الضارب بذنبه , لم يتبين أنه أراد السبع , ولو قال : إلى هذا الأسد , وسكت , لكان يمدح نفسه بأنه أسد من الرجال , ولم يك في كلامه تشبيهاً .
وَلَقدْ خَشِيتُ بِأَنْ أمُوتَ، ولم تَكُنْ ... للحَرْبِ دائرةٌ على ابنَيْ ضَمضَيم
الشّاتِمَيْ عِرْضِي، ولم أشتِمْهُمَا، ... والنّاذِرَيْنِ إذا لم أَلْقَهُما دَمي
أُسْدٌ عَلَيَّ وفي العَدُوّ أَذِلّةٌ ... هذا لَعَمرُكَ فِعْلُ مولى الأَشْأَمِ
وقول الشاعر:
وتقولُ جعثنِ إذ رأتكَ مقنعاً ... قبّحتَ منْ أسدٍ أبي أشبالِ
وقول الشاعر:
إنّي أنا البحرُ غَمراً لستَ جاسرَهُ ... وسَبِّيَ النارَ دونَ البحر تستعِرُ
ما زلتَ تنتجعُ الأصواتَ مُعترضاً ... تروحُ في اللُّومِ مُشتقّاً وتبتكِرُ
حتى استثَرتَ أبا شِبلَينِ ذا لِبَدٍ ... وزُبْرَةٍ لم تُواطي خَلْقَها الزُّبَرُ
وأنا أعدل عن الأمثلة المشهورة التي قد يُمثل بها لهذه القضية إلى مثال دقيق من كلام العرب وهو من أروع الشعر وأدقه وأحلاه وهو قول زهير بن أبي سلمى:
لَعَمْري لَنِعْمَ الحيُّ جَرَّ عَلَيْهِمُ ... بما لا يُؤاتِيهِمْ حُصَيْنُ بْنُ ضَمْضَمِ
وكانَ طَوَى كَشحاً على مُسْتَكِنَّةٍ ... فَلاَ أَبْدَاهَا وَلَمْ يَتَجَمْجَمِ
وَقَالَ: سَأَقضِي حَاجَتي ثُمَّ أَتَقَّي ... عَدُوِّي بِأَلْفٍ مِنْ وَرائيَ مُلْجَمِ
فَشَدَّ وَلَمْ يَنْظُرْ بُيُوتاً كَثِيرَةًلَدَى... حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ
لَدَى أَسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ ... لَهُ لِبَدٌ أَظْفَارُهُ لَمْ تُقَلَّمِ
جَرِيءٍ مَتَى يُظْلَمْ يُعَاقِبْ بِظُلْمِهِ ... سَريعاً وإلاّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ
وقوله : شاكي السلاح , أي سلاحه شائكة , حديدة ذو شوكة , ومقاذف : مرامي , ويروى : مقذف , وهو الغليظ الكثير اللحم , واللبد : جمع لبدة : وهي زبرة الأسد , وهي شعر متراكب بين كتفي السد إذا أسن : والأظفار : السلاح , يقول : سلاحه تام حديد , وقال الأعلم والخطيب التبريزي : أراد بقوله : لدى أسدٍ , الجيش , وقال الزوزني : البيت كله صفة حصين بن ضمضم , ووافقه البغدادي في موضع من (( خزانة الأدب )) , فقال : وهو الصواب ثم خالفه في موضع آخر ,
فقال : والمراد بالأسد الحارث بن عوف المري , وسواء قاله في حصين أم الحارث أم الجيش كله ,
فالأسد فيه رجل أو رجال .
فالأسد هنا ورغم ذكر اللبد ليس المراد به الحيوان المعروف ،وإنما المراد به الجيش الذي سيحاربهم يقوده حصين ،أو هو حصين نفسه،وجعل الأسد لفظاً والمثل المراد منه الجيش له نظائر في كلام العرب ذكرها الشراح تحت هذا البيت....
وقال زهير بن أبي سلمى في قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثه المري :
إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم طوال الرماح لا ضعاف ولا عزل
بخيل عليها جنة عبقرية جديرون يوماً أن ينالوا فيستعلوا
عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابع بيض لا تخرقها النبل
وقال عنترة بن شداد :
وخيل قد زحفت لها بخيل عليها الأسد تهتصر اهتصارا
وإنما عليها الرجال .
وقال امرؤ القيس :
قولا لدودان عبيد العصى ما غركم بالأسد الباسل
ودودان : قبيلة من بني أسد , أبوها دودان بن أسن بن خزيمة , وكان ابو امرئ القيس إذا غضب على أحد منهم أمر بضربه بالعصا , فسموا عبيد العصا , أي لا ينقادون إلا على الضرب والهوان , وأراد بالأسد الباسل أباه , وقيل : أراد نفسه . ا هـ
وقال سحيم بن وثبل الرياحي في قصيدة يفخر فيها بنفسه :
وهمام متى أحلل إليه يحل الليث في عيص أمين
ألف الجانبين به أسود منطلقة بأصلاب الجفون
وهمام هو عمه , والعيص : الشجر الكثيف الملتف , والجفون : جمع جفنٍ , وهو قراب السيف , ولعله أراد بأصلاب الجفون سيورها , وإنما ألف به رجال .
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في قصيدة , قيل : إنه قال أولها في الجاهلية , ثم وصلها بعد في الإسلام , يصف الخمر :
ونشربها فتتركنا ملوكا وأسداًما ينهنهنا اللقاء
وقالعروة بن أذينة الكناني :
لنا عز بكرٍ وأيامها ونصر قريش وأنصارها
وما عز من حان في حربهم بضغم الأسود وتهصارها
وقال عمر بن لجأ في قصيدة يرد بها على جرير :
ومجال معركة غنمنا مجدها لقي الأسود بها الغضاب أسوداً
وإنما لقي بها الرجال رجالاً .
وقال :
وأهون من عضب اللسان بنت له أسود وسادات بناء مشيداً
وإنما بنت الرجال .
وقال عبد الله بن أبي تغلب الهذلي , في قصيدة يرثى بها من أصيب بالطاعون من هذيل بمصر والشام :
فجعلنا بهم وبأمثالهم من أهل الغناء فأمسوا رماما
جماجم كانوا من أهل الحميم وفي البأس كانوا أسوداً جماما
وقال الفرزدق يهجو جريراً :
ود جرير اللؤم كان عانياً ولم يدن من زأر الأسود الضراغم
وإنما أراد بالأسود نفسه وقومه
وقال جرير في قصيدة يهجو بها الفرزدق :
نحن الملوك إذا أتوا في دارهم وإذا لقيت بنا رأيت بنا رأيت أسوداً
وقال في قصيدة يهجو بها عمر بن لجأ :
قد جربت عركي في كل معترك غلب الأسود فما بال الضغابيس
وإنما عاركته الرجال .
وقال جميل بثينة :
وكانت تحيد الأسد عني مخافتي فهل يقتلني ذو رعاثٍ مطرف
و ذو رعاثٍ : ذو قرط , ومطرف : مخضب اليدين والأصابع : وهو يريد بثينة , يقول : كانت تحيد عنه الأسد من مخافته , فهل يقتلنه حب بثينة , وإنما تحيد عنه أسد الرجال , والأسد في تلك الأشعار كلها هو الرجل الجريء الذي لا يفر .
وقال الفرزدق في قصيدته التي مدح بها زين العابدين بن الحسين بن علي :
مشتقة من رسول الله نبعته طابت عناصره والخيم والشيم
سهل الخليفة لا تخشى بوادره يزينه خلتان الخلق والكرم
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجى ومعتصم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم في كل بدء ومختوم به الكلم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم ويسترب به الغحسان والنعم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير خلق الله قيل هم
لا يستطيع جواد بعد غايتهم ولا يدانيهم قوم وإن كرموا
هم الغيوث إذا أزمة أزمت والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
لا يقبض العسر بسطاً من أكفهم سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا
فشبه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بالغيوث في الأزمة , وبأسد الشرى في البأس , والشرى موضع تنسب إليه الأسد واكتفى به , لكان يمدحهم بأنهم أسد من الرجال , ولم يكن في كلامه تشبيهاً , فلما قال : والأسد أسد الشرى , بين بقوله أسد الشرى أي أسدٍ أراد . وأنه أراد التشبيه
وقال طرفة بن العبد :
وتشكي النفس ما أصاب بها فاصبري إنك من قومٍ صبر
إن تصادف منفساً لا تلفنا فرح الخير ولا نكبوا لضر
أسد غاب فإذا ما فزعوا غير انكاسٍ ولا هوج هذر
ويروي : أسد غيلٍ , وهو الشجر الملتف , والغاب والغيل هي مأوى الأسد , قال الأعلم : آسد ما يكون الأسد عندها , لأنه يحميها ويحمي أشباله ا هـ
فشبه حسان بن ثابت رضي الله عنه :
فطاروا شلالاً وقد أفزعوا وطرنا إليهم كأسد الأجم
والأجم : كذلك الشجر الكثيف الملتف .
وقال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه :
كأنهم في الوغى والموت مكتنع أسد ببيشة في أرساغها فدع
وبيشة : موضع تنسب إليه الأسد , فشبههم بالأسد التي تكون بذلك الموضع , وفي أرساغها فدع : فيها إعوجاج إلى ناحيةٍ , والأرساغ : جمع رسغ , والموت مكتنع قريب دانٍ .
وقال عروة بن أذينة الكناني :
صناديد غلب كأسد الغريف خضماً وهضماَ وضغماَ ضباثاَ
والغريف : الشجر الكثير الملتف
وقال الأحوص في قصيدة يمدح بها عمربن عبد العزيز رحمه الله .
حتى كأنك يتقى بك دوانهم من أسد بيشة خادر متبسل
وقال أنيف بن حكيم الطائي :
دعوا لنزار وانتمينا لطيءٍ كأسد الشرى إقدامها ونزالها
وقال كثير في قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان :
كأنهم آساد حلية أصبحت خوادر تحمى الخيل ممن دنا لها
وحلية مأسدة بناحية اليمن و والمأسدة : الأرض كثيرة الأسد .
وقال امرؤ القيس بن عمرو السكوني :
كأني غداة الروع من أسد زارة أبو أشبل عبل الذراع مجرب
وقال :
فلاقوا مصاعاً من أناسٍ كأنهم أسود العرين صادقاً لا يكذب
وزارة : موضع , والعرين : مأوى السد الذي يألفه .
وقال الأشهب بن رميلة :
أسود شرى لاقت أسود خفية تساقوا على لوحٍ دماء الأساود
وقال آخر :
أسود شرى لاقت أسود خفيةٍ تساقين سما كلهن خوادر
وقال آخر :
ونحن قتلنا الأسد أسد خفية فما شربوا بعداً على لذة خمراً
والخفية : غيضة ملتفة يتخذها الأسد عريناً , وهي : خفية الأسد .
وقال البريق بن عياضٍ الهذلي في قصيدة يرثى بها أخاه :
فما إن شابك من أسد ترج أبو شبلين قد منع الخدارا
بأجرأ جرأة منه وأدهى إذا ما كارب الموت استدارا
وشابك : قد اشتبكت أنيابه واختلفت , وترج : موضع باليمين قبل تبالة , وهي : بلدة خصبة .
وفي تلك الشعار كفاية , والتشبيه بالأسد الذي هو السبع , والتفضيل عليه في الجرأة والإقدام كثير من أشعار العرب , وفي تلك الأشعار كلها ذكر لفظ الأسد متبوعاً بما يدل على أنه السبع :
يقولون : أسد الشرى , وأسد غابٍ , وأسد غيل , وأسد خفيةٍ , وأسد بيشة , وأسد الأجم , وأسد ترج , وأسد الغريف , وأسد حلية , وأسد العرين , وأسد زارةٍ , وأسد أبو أشبال , وأبو شبلين , وما يشبه ذلك ويقاربه , وأكثر ما ينسبون إليه تلك الأسود : هو مواضعها التي تسكنها , ولم أجد شعراً عربياً يوثق به ذكر فيه لفظ الأسد إلا وفي الكلام ما يدل على ما أريد به , هل أريد به السبع أم أريد به الرجل الجريء الذي لا يفر , وذلك يدل على أن الأسد بلسان العرب ليس خاصاً بذلك السبع , ولو كان خاصاً به لم يحتج إلى أن يذكر معه ما يبين أي أسدٍ أريد به .
وقال قيس بن عيزارة أخو بني صاهلة في قصيدة يرثي بها أخاه الحارث بن خويلد :
وإذا جبان صدق روعة حبض القسي وضربة أخدود
ألفيته يحمي المضاف كأنه صبحاء تحمي شبلها وتحيد
صبحاء ملحمة جريمة واحدٍ أسدت ونازعها اللحام أسود
وحبض القسي : وقع الوتر , وضربة أخدود : كأنها شق في الأرض , والمضاف : الضعيف , وصبحاء : لبؤة لونها يضرب إلى البياض والحمرة , وتحيد : تروغ , وملحمة : تطعم ولدها اللحم , وجريمة واحدٍ : كباسة واحدٍ , كأنه يقول : ليس لها غير ذلك الشبل الواحد , وأسدت : كبلت وصارت أسداً , فهو يقول : إذا فزع الجبان وفر من وقع الرمي والضرب , وجدت أخاه الحارث بن خويلد يحمي الضعيف كأنه لبؤة صبحاء ليس لها إلا شبل واحد تحميه وتطعمه اللحم , فهي كلبة أسدة تنازع الأسود اللحم حتى تطعمه شبلها .
ويورى من شعر مغلس بن لقيط :
إذا رأيا لي غفلةً أسداً لها أعادي والأعداء كلبى كلابها
وقالت ليلي الأخيلية في قصيدة ترثي بها توبة بن الحمير الخفاجي :
طوت نفعها عنا كلاب وآسدت بنا أجهليها بين غاوٍ وشاعر
وقال عبيد بن الأبرص يصف ظبياً :
مرابضه القيعان فرداً كأنه إذا ما تماشيه الظباء تطيح
فهاج به حي غداة فآسدوا كلاباً فكل الضاريات شحيح
ويروى :
فهاج له حي غداة فأوسدوا كلاباً فكل الضاريات يسيح
وقال أبو زيد في (( نوادره )) : يقال أغريت فلاناً بصاحبه إغراء , وآسدت بينهما إيساداً , إذا حملت كل واحدٍ منهما على صاحبه حتى غري به أي لزق به غرىً شديداً . ا هـ , وقال الأزهري في (( تهذيب اللغة )) : يقال : آسدت بين القوم , وآسدت بين الناس , وآسدت بين الكلاب , إذا هارشت بينها , وقال أبو عبيد , آسدت الكلب إيساداً : إذا هيجته وأغريته وأشليته ودعوته , وقال رؤبة : ترمي بنا خندف يوم الإيساد . ا هـ , وقال الجوهري : وآسدت الكلب وأوسدته : أغريته بالصيد , والواو منقلبة عن الألف . ا هـ
وقال زهير بن مسعود يصف ثوراُ وحشياً طاردته كلاب صيدٍ :
فنال شيئاً ثم هاجت به مؤسدة فيهن تدريب
وقال الأزهري : والمؤسد : الكلاب الذي يشلي كلبه , يدعوه ويغريه بالصيد . ا هـ .
وقال مهلهل بن ربيعة :
إني وجدت زهيراً في مآثرهم شبه الليوث إذا استأسدتهم أسدوا
يقول : إذا أغريتهم وهيجتهم كانوا أسداً , وقال الصنعاني : : استؤسد : هيج , وقال الأزهري : قال الليث : واستأسد فلان : أي صار في جرأته كالأسد . ا هـ , وكذلك قال أبو عبيد في (( غريب الحديث )) , يقال : قد أسد الرجل واستأسد بمعنى واحد . ا هـ ولا شاهد على ذلك من كلام العرب , وقول مهلهل بن ربيعة : وإذا استأسدتهم أسدوا , يدل على خطئه , والصواب : استأسد : هيج وأغرى , واستؤسد : هيج واغرى .
وقال عامر الخصفي المحاربي في قصيدة يرد بها على الحصين بن الحمام المري :
وكنا نجوما كلما انقض كوكب بدا زاهر منهن ليس بأقتما
بدا زاهر منهن تأوي نجومه إليه إذا مستأسد الشر أظلما
ومستأسد الشر : الذي يغري به ويهيجه , وهو يعني به في ذلك البيت الليل .
وقال أبو النجم يصف نباتاً :
حتى تحنى وهو لما يذبلِ
مستأسداً ذبانه في غيطلِ
يقول للرابدِ أعشبت انزلِ
ويروى : مستأسد بالرفع , وذبانه : ذبابه , وعيطل : غيضة , وهو الشجر الملتف , وقال الأزهري : قال أبو عبيد عن الأصمعي : إذا بلغ النبات والتف , قيل : قد استأسد , وأشد قول أبي النجم .
ا هـ وقد استأسد : قد أغرى وهيج , وهو في قول أبي النجم : مستأسد ذبانه , يقول : إن ذلك
النبات لما طال وانحنى ولما يذبل بعد أغرى الذباب وهيجه فلزق الذباب به وكثر عليه , وقال أبو العباس ثعلب في (( مجالسه )) : استأسد الأسل , إذا ارتفع , وكل شيء استأسد فهو مرتفع , وأنشد قول أبي النجم ( ) . ا هـ , والأسل : عيدان تنبت طوالاً دقاقاً , وليس في قولِ أبي النجم ولا غيره شاهداً على أن كل شيءٍ استأسد فهو مرتفع , ولكن استأسد : أغرى وهيج .
وقال الأخطل :
بمستأسدٍ يجري الندي في رياضةِ سقته أهاضيب الصبا فمديمها
قال السكري : المستأسد : الملتف من الكلأ المكتهل ا هـ , والكتهل : الذي تم طوله .
وقال ذو الرمة :
فاكتهل النور بها واستأسدا ولو نأى ساكنها فأبعدا
فاستأسد النبات : أغرى , وإنما يكون ذلك إذا تم واكتهل ولما يذبل بعد .
وقال ابن الأثير في (( غريب الحديث )) : ومنه حديث لقمان بن عاد : خذ مني أخي ذا الأسد , والأسد مصدر أسد يأسد أسداً , أي : ذو القوة الأسدية .ا هـ , ونقله ابن منظور في (( لسان العرب )) , وذلك الحديث لم أجده بعد مسنداً , وكثير مما يستشهد به أصحاب الغريب ليس محفوظاً عند المحدثين , وفي (( لسان العرب )) : وأسد آسد على المبالغة , وأسد بين الأسد نادر , ونسب بعض ذلك إلى ابن الأعرابي .
فالعرب يقولون : أسداً للرجل الجريء الذي لا يفر , ويقولون : أسداً للسبع المعروف , وما قبله وبعده من الكلام يبين أي أسدٍ أرادوا به , وأكثر ما ينسبون إليه األسد من السباع هي مواطنها التي تسكنها , وقد سمى العرب أبنائهم أسداً , وأسيداً , وأسيداً , وأسيداً , ومن قبائلهم أسد , وهم بنو أسد بن خزيمة , وحمزة بن عبد المطلب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أسد الله , ويقولون : أسد الرجل , وأسدت اللبؤة , وأسد الكلب , إذا أقدم وجرئ وكلب فصار أسداً , ويقولون : آسد بين الناس إيساداً , أغرى بينهم , وأسد وآسد وأوسد الكلب : أغراه بالصيد وهيجه وأشلاه , والواو في أوسد منقلبة عن الألف الثانية في آسد , وهو من اختلاف ألسنة العرب في نطق الهمزتين المتتاليتين في أول اللفظة , ويقولون : كلاب مؤسدة : آسدها المؤسد , ويقولون : استأسد القوم : أغراهم وهيجهم وأغضبهم , واستؤسد : هيج , وقالوا ليل مستأسد الشر , وقالوا للنبات إذا تم واكتمل فأغرى : مستأسد , واستأسد .
ولا حجة على أن العرب كانوا أولاً يقولون الأسد لذلك الأسد من السباع خاصة , ثم نقلوه بعد ذلك للرجل , واشتقوا من أسد وآسد وغيرها , ولسان العرب القديم الأول لم يحفظ لنا , ولا انزل الله كتابه به , ولا ندري أي شيء كان السد بذلك السان الأول , والذي حفظ لنا , وأنزل الله كتابه به , هو لسان العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم منهم , و أولئكم كانوا يقولون الأسد : للرجل والسبع , فقولهم : إنه وضع أولاً للسبع ثم نقل للرجل , هو زعم باطل , لا حجة له.