مسائل سورة الإخلاص.

إنضم
18/01/2016
المشاركات
208
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
57
الإقامة
مصر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه.
***
الدرر ثمان والنكات حسان ولطائف البيان في سورة تعدل ثلث القرآن.
المسألة الأولى :
سبل الخلاص في سورة الإخلاص.
وقوله تعالى :
"
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)".
إن سئلنا من إلهكم.؟ قلنا : هو الله.
وإن سئلنا صفوه لنا .؟ قلنا : الله أحد .
وإن سئلنا انسبوه لنا.؟ قلنا : الله الصمد لم يلد ولم يولد.
وإن سئلنا هل له سمي أو شبيه أو عدل أو مثيل.؟ قلنا : لم يكن له كفوا أحد.
وأنواع التوحيد الثلاثة مجتمعة فيها:
توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية والأسماء والصفات فهي الوعاء الجامع لها.
فمن لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد كان أحد بحق، ومن كان كذلك كان الصمد بحق، ومن كان كذلك كان هو الله الحق
.
وهذه السورة بينهما وبين فاتحة الكتاب تجانس وترابط وتكامل،
في فاتحة الكتاب :
"
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ"
وفي سورة الإخلاص:
الرد على المغضوب عليهم الذين كفروا باسمه الصمد فقالوا مسه اللغوب بعد خلق السموات والأرض فتنزه بالصمد عن ذلك.
والرد على الضالين الذين كفروا باسمه الأحد فقالوا له ولد فتنزه بأحد لم يلد ولم يولد عن ذلك.
وأما الذين أنعم الله عليهم فلم يكن له عندهم كفوا احد.
وهي بحق سورة التوحيد الخالص.

المسألة الثانية
النفي والإثبات في الأسماء والصفات.
قوله تعالى :"ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " نظير قوله تعالى :"الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد".
كيف ذلك:
الأولى نفي بعده إثبات والثانية إثبات بعده نفي.
ليس كمثله شيء :نفي
وهو السميع البصير :إثبات
الله احد الله الصمد: إثبات
لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد: نفي
ويتحقق كمال الإثبات في الله احد الله الصمد السميع البصير
ويتحقق كمال النفي في ليس كمثله شيء لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.

المسألة الثالثة
ثلاث أسماء وثلاث صفات
وأثبتت سورة الإخلاص ثلاثة الأسماء:
الله،
أحد،
والصمد.
ونفت ثلاث صفات كذلك:
لم يلد،
ولم يولد،
ولم يكن له كفوا احد.
كمال الإثبات وكمال النفي.

المسألة الرابعة:
الوتر والإخلاص.
قوله تعالى:" لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ" هي ترجمة اسم الله الوتر حيث دلالة الكلمة على ملحظ القطع والبتر والفصل كما هو الفرد الفذ وبيانه:
جاء في تاج العروس:
وقال محمد بن سلام : سألتُ يونسَ عن قَوْلُهُ تَعالى : " ثم أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرَى " قال : متَقَطِّعةً مُتفوِتَةً . وجاءَت الخيلُ تَتْرَى إذا جاءَت مُتقَطِّعةً وكذلك الأنْبياءُ بيم كلِّ نبيَّيْن دهرٌ طويلٌ .أ.هـ
جاء في لسان العرب:
وقال أَبو هريرة لا بأْس بقضاء رمضان تَتْرى أَي متقطعاً .
وفي حديث الدعاء أَلِّفْ جَمْعَهُم وواتِرْ بين مِيَرِهم أَي لا تقطع المِيْرَةَ واجْعَلْها تَصِلُ إِليهم مَرَّةً بعد مرة.أ.هـ
وجاء في مختار الصحاح:
كذلك وَاتَرَ الكُتُب فَتَوَاتَرَتْ أي جاء بعضها في إثر بعض وِترا وِترا من غير أن تنقطع.أ.هـ
قلت:
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم من فاتته صلاة العصر فكأَنما وتر أَهله وماله أي قطعهم وبترهم.
والرجل الموتور الثأر: المقطوع المبتور الذي لا يأخذ بثأره أحد من أقاربه.
فقوله تعالى : :لم يلد ولم يولد" قطعت عنه النسبة فلم يتنسب لأحد سبحانه.
وقوله تعالى :"ولم يكن له كفوا أحد" قطعت عنه الشبه.
فكأنما سبحانه وتعالى انقطع بنسبه وشبهه عن أي أحد فلم يكن له بذلك كفوا أحد.
فتحققت باسم الله الوتر الفردانية الحقة له سبحانه وتعالى فهو فرد بمعنى أحد لكن منقطع عن النسب ومنقطع عن الشبه الموصوف بهما أي أحد غيره.
فثلاثة أحرف و ت ر كانت على إثرها اسم الله الوتر هو تمام الأسماء والصفات التسعة والتسعين ليكون هو دون غيره تمام المئة منها.
اللهم علمنا أسماءك وصفاتك بما أنت أهله من الجمال والكمال والجلال.

المسألة الخامسة:
ثلاثية النفي في سورة الإخلاص:
مواضع النفي ثلاثة :
الأول : لم يلد،
والثاني : لم يولد،
والثالث : لم يكن له كفوا أحد.
وقوله تعالى لم يلد نفي أن يكون له وريث فهو جل وعلا خير الوارثين كما جاء مفصلا : "وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ".
وقوله تعالى لم يولد نفي أن يكون له أول فهو الأول بلا ابتداء فلا شيء قبله سبحانه كما اخبر عن نفسه :"هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".
وقوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد بعد نفي الوريث ونفي أن يكون له أول ليتم كمال نفي الكفو له جل وعلا فالكفو هو القرين النظير المكافئ من كل وجه، فلا أحد كفو له سبحانه.
فتحقق بكمال النفي كمال الإثبات.
اللهم انا نشهد أن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.

المسألة السادسة:
قراءة في اسم أحد من سورة الإخلاص.
استعمل القرآن الكريم كلمة أحد على وتيرة واحدة حيث استخدم لها سياق التنكير والإفراد مطلقا، ولم تخالف سورة الإخلاص هذا الاضطراد في الاستعمال فأتت كلمة أحد مفردة في سياق النكرة أيضا في الموضعين منها:
الموضع الأول : الله أحد،
الموضع الثاني : كفوا أحد.
الأول في سياق مثبت والثاني منفي.
ولم يقبل التعريف بأل في الموضعين كما هو الحال مع الاسمين الآخرين الله والصمد.
تأمل :
أحد من المشركين
أحد من رسله
كأحد من النساء
أبا أحد من رجالكم
إحدى الحسنين
إنها لإحدى الكبر
أحد من العالمين
وما يعلمان من أحد
من البشر أحد.
وبالاستقراء والتتبع لمواضع الاستعمال تلحظ دلالة الكلمة على الإفراد وتلحظ دلالة العددية ولا تخطئ دلالة الكلمة على معنى العموم فيها فأحد تعني واحد من غير، ولهذا أتت أحد نكرة في سياق النفي في الموضع الثاني "ولم يكن له كفوا احد" لإفادة التخصيص الذي تضفيه ال التعريف بالدخول على الاسماء وبذلك استغني عن دخول ال في الموضع الاول منها فلم يقل الله الأحد .
فالله أحد لم يلد
والله أحد لم يولد
والله أحد لم يكن له كفوا أحد.
وهناك فرق جوهري بين واحد وأحد وهو أن الواحد يندرج تحت أحد والواحد أخص من أحد فبينهما عموم وخصوص من وجه فيصح القول بواحد من أحدكم ولا يصح أن يقال أحد من واحدكم.
فيكون سياق التنكير هنا أحد ابلغ من سياق التعريف الأحد.

المسألة السابعة:
الصمد ومحور الإخلاص وجوهره.
وقوله تعالى :"اللَّهُ الصَّمَدُ".
لما أخبر عن الله عز وجل بأنه أحد بقوله تعالى :"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" نفى عنه مظنة توهم الضعف والخور والافتقار للغير بأنه الله الصمد، فهو الحي القيوم بذاته، القائم على شئون عبيده وملكه، الذي لا تاخذه سنة ولا نوم ، ولا تغيره الحوادث، ولا تنال منه الدهور ، فلا يمسه اللغوب، ولا يلحقه الخور، ولا يقع منه الفتور، قوي شديد المحال، عزيز لا يغالب، المستغني بكمال ذاته عن غيره، وأن ما سواه مفتقر اليه ،الكامل في سؤدده وإحسانه، وهو الملجأ والملاذ لكل أحد، فهو يطعم ولا يطعم، ويجير ولا يجار عليه، الدائم الباقي بعد فناء خلقه، فهو الوارث لهم، رفيع الدرجات، ليس لاحد عليه امر فهو الكبير المتعال.
واستجمع اسمه الله الصمد صفات الحسن والكمال كلها فيه، وكان مرتكز الاسماء والصفات ومحور السورة عليه، فهم اسم متفرد ولم يذكر الا في موضع سورة الاخلاص وبه ثقل ميزانها.
ولجلال هذا الاسم وكماله لا يبعد أن يكون هو الاسم الأعظم أو منه يركب.
ألا ترى أنه اكتفى به فلم يذكر بعده اسما أو صفة غيره.

المسألة الثامنة:
البناء الصوتي والبناء الدلالي لاسم الله سبحانه وتعالى : الصمد.
الصمد من صمد يصمد صمودا والمصمد لغة في المصمت.
الصاد ، والميم، والدال هي بنية الاسم وجذر مادته اللغوية.
صفات الصاد:
الاستعلاء والإطباق والصفير من صفات القوة.
الهمس والرخاوة من صفات الضعف.
الإصمات من صفات الحيادية.
صفات الميم:
الجهر من صفات القوة والتوسط بين الرخاوة والشدة.
والاستفال والانفتاح والغنة من صفات الضعف.
والذلاقة من الصفات الحيادية.
صفات الدال:
الجهر والشدة والقلقلة من صفات القوة.
الاستفال والانفتاح من صفات الضعف.
الإصمات من الصمات الحيادية.
وتكون مجموع صفات القوة: الاستعلاء والإطباق والصفير والجهر والشدة والقلقلة.
ومجموع صفات الضعف: الهمس والرخاوة والاستفال والانفتاح والغنة.
والصفات الحيادية : الإصمات والذلاقة.
وأخيرا صفة التوسط بين الشدة والرخاوة للميم الوسطية كذلك.
فكيف أثرت هذه الصفات على دلالة الاسم هنا.؟
الاستعلاء : علو وفخامة ، والاطباق : قرب وإلصاق، والصفير : صوت وصيت، والجهر : ظهور وإعلان ، والشدة : قوة وثبات ، والقلقلة : جزالة وصدى ، والهمس : قرب وخفاء ، والرخاوة : سخاء ولين ، والاستفال : رقة ولطافة ، والاصمات : منعة وإحكام ،والذلاقة : سهوله وسرعة ، والانفتاح : رحابة وفسحة ، والغنة : ترنم وجمال ، والتوسط : قصد واعتدال.
وتنتج هذه دلالات :
السيِّد الذي ينتهي إِليه السُّودَد .
الدائم الباقي بعد فناء خَلقه.
الذي يُصمَد إِليه الأَمر فلا يُقْضَى دونه .
الذي ليس فوقه أَحد .
الذي صَمَد إِليه كل شيء .
الرَّفَيعُ من كل شيء .
الذي لا جوف له ولا يطعم.
والصلب الذي ليس فيه خور.
المقصودُ لقضاء الحاجات.
وغيرها مما يدور على معاني القوة والثبات والمتانة والقصد والالتجاء والرفعة والشرف.
والله أعلم.
 
المسألة التاسعة:
أسلوب التلقين : قل.
والتلقين يشعرك بقرب الملقي من المتلقي على التمكن والتثبت منه، وأن المتلقي لا شأن له بالمنطوق إنما هو بلاغ محض ورسالة مؤداة.
قل هو الله أحد...
والله أعلم.
 
المسألة العاشرة:
الكفء: المساوي.
والكفء: الأهل والحقيق والأجدر.
أنت كفء لكذا أي : أنت أهل لذلك وأحق وأجدر.
ولم يكن له كفؤًا أحد :فهو وحده أهل وأحق وأجدر ليكون هو أحد بذاته ولا يساويه في أحديته أحد لأنه لم يكن له كفؤًا أحد.
والله أعلم.
المسألة الحادية عشرة:
ولم يكن له : وما ينبغي له.
ولم يكن له كفوًا أحد : وما ينبغي له أن يكون له كفؤًا أحد.
فكما قال سبحانه وأخبرنا بأنه :"وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا"، فهو لم يلد ولم يولد ، وما ينبغي أن يكون له كفؤًا أحد لكماله وجلاله سبحانه.
والله اعلم
 
المسألة الثانية عشرة:
الضمائر.
هو: ضمير ظاهر منفصل.
الهاء من له : ضمير غيبة متصل.
وناسب استعمال الفصل في الأسماء بعد هو في مقام الإثبات فذكر الله أحد ، الله الصمد ولم يصلها بالعطف فلم تأت الله أحد والله الصمد ، بل فصل بينها مناسبة لضمير الفصل قبلها.
وناسب استعمال الوصل في الأفعال في مقام النفي فذكر لم يلد ولم يولد ولم يكن له ، مناسبة لاتصال ضمير الغيبة بعدها في له ، فلم يفصلها عن بعضها ، فلم تأت لم يد، لم يولد ، لم يكن ، وانما أتت معطوفة متصلة بالواو بينها .
فصل الأسماء ووصل الأفعال.
ويشير الضمير الظاهر الى اسمه الظاهر جل وعلا ، ويشير الضمير الغائب الى اسمه الباطن جل وعلا،
لتجتمع بذلك كل الأسماء والصفات التي تتعلق بعالم الغيب والشهادة بدلالة هذه الضمائر في سورة الإخلاص الكريمة.
وتم توظيف الضمائر في هذه السورة بين منفصلة ومتصلة بدقة وإحكام ، فالأول فصل بين مقام الإخبار قل الله أحد الى مقام البلاغ والتلقين قل هو الله أحد لأن الشأن هنا شأن عظيم لتعلقه بالأسماء والصفات والنفي والإثبات، فهو سبحانه أعلم بأسمائه وصفاته وأعلم بما يثبته لنفسه وما ينفيه عنها سبحانه وتعالى.
والثاني على أن أفعاله متصلة بأسمائه وليست منفصلة عنها.
والله أعلم.
 
المسألة الثالثة عشرة:
ما كان ولم يكن.
الفرق في الاستعمال بين ما كان له كفوا احد وبين لم يكن له كفوا احد هو استحضار نفي الكفء على الدوام باستعمال المضارع : لم يكن وإفادة الاستمرار والتجديد والاستقبال بخلاف الماضي ما كان ودلالتها على النفي جملة واحدة.
والله أعلم.
 
المسألة الرابعة عشرة:
أوجه نصب كفوا.
على اعتبار تعلق كفوًا بـ له وجهان :
الانتصاب على خبر يكن مقدم،
الانتصاب على الحالية.
ماذا لو اعتبرنا تعلق له بالصمد.؟
الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له أي : ليس له أن يلد وأن يولد لصمديته.
وأن يكون الكلام عند له تاما وشافيا وكافيا بهذا الاعتبار.
ويكون الوجه الثالث في كفوًا هو الانتصاب على الاختصاص أو مما يلزم حالة واحدة أو منصوب على المصدرية بفعل مقدر محذوف من جنسه أو المدح والثناء مما يكون وجها تقبله قواعد اللغة العربية في ذلك.
كفوًا أحد : تكفيه أحديته فهو أهل لها ، وليس أحد غيره مستحقا لها.
والله أعلم.
 
المسالة الخامسة عشرة:
ليس ولم يكن.
لم يكن له كفوا احد فيها معنى النفي المطلق مثل ليس مع زيادة معنى الاستحقاق في حصول النفي على سبيل أن ذلك أبعد وأنفى.
ليس له كفوا احد وحق له ذلك.
والله اعلم.
 
المسألة السادسة عشرة:
لم يلد ولم يولد.
لم يلد : ليس له والد ، وليس هو الوالد.
لم يولد : ليس هو الولد ، وليس له ولد.
وفيه إبطال عقيدة التثليث عند النصارى، " الأب والأبن وروح القدس " ، وذلك من أقصر طريق وأبلغ عباره.
فهو سبحانه وتعالى الله أحد ، ليس له والد ، وليس له ولد ، تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا.
والله أعلم.
 
المسألة السابعة عشرة:
الاقتصار والاختصار في الإخبار بالأسماء والصفات.
تكرار اسم الله تعالى في موضعين اثنين ، وإيثار الاقتصار في إسناد الإخبار عنه سبحانه وتعالى بأحد في الموضع الأول :"الله أحد " ، و بالصمد في الموضع الثاني : "الله الصمد" بطريقة الفصل بينهما "الله أحد الله الصمد" على نحو مغاير لإيثار الإسهاب في الإخبار عنه جل وعلا كما في أواخر سورة الحشر :"هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب ...." إلى آخر السورة ، ليدل على الإغناء والاكتفاء بهما ، وأن أحدهما تقوم مقام الأخرى إذا أضيفت الى ما بعدهما من ...صفات النفي على نحو :
قل هو الله أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ،
قل هو الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
ولم يؤثر استعمال الاسم الموصول الذي في وصل الإخبار كما هو الحال في سورة الحشر على نحو : الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد دلالة على الإغناء بالإخبار عنه جل وعلا بمقام النفي وحده أيضا :
قل هو الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.
ويكون كمال الإغناء في هذه السورة الكريمة واضحا جليا سواء تعلق بمقام الإثبات أم تعلق بمقام النفي فهو سبحانه وتعالى غني كريم.
ودلالة الإسناد إلى اسمه تعالى الله دون غيره على أن الخلق مفطورون مجبولون على معرفته جل وعلا :"ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله".
والله أعلم.
 
المسألة الثامنة عشرة:
أحد الأولى.
وتدور أحد في قوله تعالى :"قل هو الله أحد" بين أوحد ووحيد في الدلالة والاستعمال بإفادة التمكن وثبوت الأحدية بملحظ من الانتهاء والحد على ان هناك حدا ينتهى اليه في السؤال عن الله سبحانه وتعالى .
فلا يسأل عن ذاته بماهية ، ولا يسأل عن صفاته بكيف ، ولا يسأل عن أفعالة بلما.؟
وملحظ الاستواء في الأحدية فأحد بمعنى سوي كامل لا يلحقه نقص ولا عيب....
وملحظ المغايرة فأحد بمعنى غير دفعا للتوهم بما قد يخطر على البال فالله بخلاف ذلك.
وتستشعر كأن الهمزة في أحد كالهمزة في اسم التفضيل أعلى وأكبر على الإيهام والتوسع ، قل هو الله أحد وهذا الذي سوغ وقوعها نكرة هنا.
وأقرب المعاني في أحد أن تكون بمعنى واحد لكن على سبيل التفرد وكمال الوحدانية وجمع بينهما في الدعاء الشريف : "بأنك الواحد الأحد" بما يحقق تمايز أحدهما عن الآخر بوجه من الوجوه.
والله أعلم.
 
المسألة التاسعة عشرة:
أحد الثانية.
وقوع أحد في قوله تعالى :"ولم يكن له كفوا أحد" نكرة في سياق النفي ودلالته على العموم والشمول كما هو مقرر في علم الأصول يحمل على عموم وشمول النفي للمكافئة من أي أحد ومن أي وجه.
والمعنيان صحيحان مقبولان في تعلق جهة النفي :
الأول : لم يكن له أحد على قطع الانتساب اليه جل وعلا بأحد من خلقه من جهة الذات كنسبة الولد إليه تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
والثاني : ولم يكن له كفوا على قطع المشابهة بأحد من خلقه من جهة الصفات فليس كمثله شيئ وهو السميع البصير.
ويحصل كمال النفي بالجمع بين ما هو من جهة الذات وما هو من جهة الصفات وحينئذ يتعلق النفي بـ كفوا أحد معاً.
والله أعلم.
 
المسألة العشرون:
أداة النفي لم.
دلالة استعمال ولزوم أداة نفي واحدة في الثلاثة مواضع دون غيرها من أدوات النفي الأخرى المعروفة في اللسان العربي المبين مثل ما ولا وأخواتها ، وعدم التنوع في أدوات النفي بالجمع بينها وبين ما ولا على نحو ما ولد ولا يولد ولم يكن له كفوا أحد مما يرجح قصد استعمال لم على وجه الخصوص هنا.
وظاهر ذلك إفادة الجزم من وراء استعمال لم للنفي في أمور اليقينيات الكبرى التي تتصل بالذات والأسماء والصفات ما لا يكون في غيرها فكأن إفادة الجزم في حصول النفي هي المقصودة وليست الأداة بحد ذاتها ، وعلى إفادة الاعتقاد الجازم بمراحله الثلاثة علم وعين وحق اليقين في إثبات نفي ذلك واستحالته في حق الله سبحانه وتعالى.
والله أعلم.
 
المسألة الحادية والعشرون:
التنوين في أحد وحذفه.
وتقبل الأسماء النكرة المفردة غير المضافة التنوين بآخرها علامة دالة على التمكن والصرف وأنها معربة وغير مبنية.
وكذلك إذا كانت النكرة المفردة موصوفة جاز الابتداء بها ولحوق التنوين آخرها.
وقراءة أحد بالتنوين حالة الوصل فيه دليل على قصد الوصل طلبا لاتصال المعنى وترك الوقف على رأس الآية وأن التنغيم الصوتي الحادث بالتنوين يغني عن الإيقاع الصوتي الحادث بالوقف مراعاة للفاصلة.
والتنوين يقوي جانب المعرفة في أحد ويميل بها ناحية النكرة المخصوصة التي تقرب في دلالتها من معنى التعين في المعرفة.
أما القراءة بحذف التنوين في أحد طلبا للسهولة والخفة وهربا من استثقال التقاء الساكنين ويقوي جانب التوسع والعموم المقصود من تنكير أحد بهذا الاعتبار.
والقراءة بحذف التنوين حالة الوصل يقلل من الجرس الصوتي والتنعيم وحسن التقسيم والتجانس الحادث بالوقف على رأس الآية.
ويكون الوقف على رأس الآية مقدم في الأداء لمن ترك التنوين حالة الوصل.
والله اعلم.
 
المسألة الثانية والعشرون:
استتار الفاعل وحذف نائب الفاعل.
ودلالة استتار الفاعل في قوله تعالى :"لم يلد" ، وحذف نائب الفاعل في قوله تعالى :"لم يولد" هي التأكيد والتركيز على انتفاء حدوث الفعل نفسه من جهتيه الفاعل ونائبه ، وعدم صرف الذهن إلى أيهما بتاتا.
وكذلك الإضمار الواجب لفاعل قل في قوله تعالى :"قل هو..." ودلالته على ثبوت نبوته صلى الله عليه وآله وسلم ، فليس هناك مبلغ عن الله سبحانه وتعالى سوى رسوله الأمين وإسناد أمر تبليغ الرسالة إليه ، صلوات ربي وسلامه عليه.
والله أعلم.
 
المسألة الثالثة والعشرون:
الفواصل القرآنية.
التقديم والتأخير تعرفه الصنعة الإعرابية ، ويخرج في علوم البلاغة على أنه من باب الرعاية والاهتمام ونحوه ذلك ، ويخرج في العلوم القرآنية على أنه واحدة من جماليات النص القرآني من باب مراعاة الفاصلة الصوتية التي تبرز جزالة النظم ، وجمال الأداء ، وروعة الإيقاع ، وحسن التقسيم ، وتجانس المقاطع وغير ذلك.
وعلى هذا يوجه تقديم كفوا على أحد.
والله أعلم.
 
السلام عليكم
إذا أنزلت سورة أو آية تنزه الله عما يعتقده فريق من الناس فينبغي أن تأتي بصيغة الأمر (قل) ، تأمره أن يقول الحقيقة لمن يعتقد عكسها.
لو جاءت بصيغة خبرية بدون الأمر ب (قل) فقد يفهم منه كما لو المؤمنين لم يكونوا يعلمون إن كان الله واحدا أم هو ليس كذلك، ويفهم منه كما لو أن المؤمنين لا يعلمون أن الله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فجاءت السورة لتعلمهم ما لم يكن لهم به علم.
إذا فالسورة جاءت لتصحح عقيدة أهل ملة يعتقدون في الله ما هو منزه عنه، فالتصحيح يجب أن يكون مرفقا بالبينة لتحل المشكلة، إن لم توجد بينة تقنع الطرف المعارض بخطإه فلن تحل المشكلة وسيستمر في ادعاءه أنه على صواب ، ولن يوجد لا غالب ولا مغلوب.
إذا فمدعي الصواب لا يدعي أنه على حق إلا إذا كان معه دليل صحته (البينة) ،لذلك وجب أن تأتي سورة النصر قبل (قل هو الله أحد...)، فما النصر إلا بالبينة.
كذلك سورة الكافرون، ابتدأت ب (قل)، فالرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن يقول للكافرين (يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون)، والكافرون لسان حالهم يقول (لا نعبد ما تعبد)، إذا فكل طرف يرى أنه على الحق وخصمه على باطل، إن لم يأت أحدهما بالبينة على صحة دعواه فلن يكون هناك لا غالب ولا مغلوب، فلا بد من مجيء البينة لينتصر الحق على الباطل، لذلك جاءت بعدها سورة النصر (إذا جاء نصر الله والفتح).
 
المسألة الرابعة والعشرون:
توظيف الأسماء والصفات ومقاصد السور.
ولما استتر الله سبحانه وتعالى عن خلقه واحتجب عنهم ، جلى نفسه بأسمائه وصفاته وأفعاله الى خلقه ليعرفوه ويعبدوه وحده وهذا من كمال رحمته وبره واحسانه ولطفه بهم.
ولهذا كانت أحد والصمد تجلية لاسمه تعالى الله بهاتين الصفتين في قوله تعالى : "قل هو الله أحد الله الصمد" لأن مقام السورة مقام التعريف والإعلان عن صفات الإله الحق المستحق للعبودية دون غيره.
في حين أن سورة الفلق والناس المقام فيها مقام خفاء واحتجاب فلم يقع التصريح بظاهر اسمه الله جل وعلا ، فلم يقل أعوذ بالله رب الفلق ، ولم يقل أعوذ بالله رب الناس مثلا ، واكتفى بذكر رب الفلق ورب الناس دون الاسم الظاهر "الله" كما هو الحال في سورة الفاتحة :"الحمد لله رب العالمين" ، وفي ذلك مناسبة للسور ومضمونها وموضوعها أيما مناسبة.
ألا ترى أنك لو سئلت عن الله .؟ يكن جوابك أحد وصمد...
ولو سئلت عن رب الفلق ورب الناس .؟ يكن جوابك الله.
والله أعلم.
 
المسألة الخامسة والعشرون:
عد الآي .
عدت "لم يلد" آية على حدتها.
وفي هذا نكتة بديعة أن تكون جملة "لم يلد" مفسرة لجملة "الله الصمد".
فكأنه قيل ما الله الصمد.؟ فقيل لم يلد.
وتكون جملة "لم يلد" بدل اشتمال من جملة "الله الصمد".
جملة فعلية بدل من جملة اسمية على القول بجواز إبدال الجمل.
أو تكون جملة "لم يلد" خبرا للفظ الجلالة الله والصمد صفة أو بدل اشتمال من لفظ الجلالة الله.
ويكون التأويل على نحو : الله لم يلد ، الصمد لم يلد ، الله الصمد لم يلد ، الله الصمد ولم يولد.
والله اعلم.
 
المسألة السادسة والعشرون:
البدل وعطف البيان في الأسماء والصفات.
الأصل في البدل العوض والمكافئة.
وهذا حق في أسماء الله تعالى وصفاته فهي تغني بعضها عن بعض ، وتقوم بعضها مقام بعض ؛ لأنها كلها صفات كمال وجلال وجمال. وهذا ثابت بدلالة الكتاب والسنة المطهرة.
يقول الحق تبارك وتعالى :"قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " وهذا ظاهر في التخيير في حصول الإغناء والكفاية باسمه تعالى الله ، واسمه تعالى الرحمن ، أو غيرهما من الأسماء الحسنى والصفات العلى في الاستدلال على استحقاق العبودية لله وحده.
وما ورد في السنة في مسألة الأحرف السبعة: "ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب". ظاهر في الدلالة على ذلك.
وتتعدد أوجه البدل ، ومنها:
جملة : "الله الصمد" بدل من جملة : "الله أحد" أو عطف بيان.
ونوع البدل هنا بدل اشتمال أو بدل التباين على الإضراب في الإخبار فكأنه أضرب عن الإخبار بالله أحد فأخبر بالله الصمد بدلا عنها ، وهذا لا غضاضة فيه .
ومنها: لفظ الجلالة الله بدل من هو.
والله أعلم.
 
المسألة السابعة والعشرون:
الله : لفظ الجلالة وأصل الكلمة.
قيل أصله أ ل هــ ، وقيل و ل هـ ، وقيل ل ا هـ .والأخير أقرب الأقوال وأولاها بالصواب.
ومدار المعنى فيه على البريق واللمعان والتستر والعلو والارتفاع والمعرفة.
فالله سبحانه فطر خلقه على معرفته واستتر عنهم بحجابه وعلا وارتفع بأسمائه وصفاته.

لسان العرب.

ل و هـ.
الجوهري: لاهَ يَلِيهُ لَيْهاً تَسَتَّر، وجوَّز سيبويه أَن يكون لاهٌ أَصلَ الله تعالى؛ قال الأَعشى: كَدَعْوةٍ من أَبي رَباحٍ يَسْمَعُها لاهُه الكُبارُ أَي إلاهُه، أُدخلت عليه الأَلف واللام فجرى مَجْرَى الاسم العلم كالعبَّاسِ والحسَن، إلا أَنه خالف الأَعلام من حيثُ كان صفةً، وقولهم: يا ألله، بقطع الهمزة، إنما جازَ لأَنه يُنْوَى فيه الوقف على حرف النداء تفخيماً للاسم.
وقولهم: لاهُمَّ واللَّهُمَّ، فالميم بدل من حرف النداء؛ وربما جُمع بين البَدَل والمُبْدَل منه في ضرورة الشعر كقول الشاعر: غَفَرْتَ أَو عذَّبْتَ يا اللَّهُمَّا لأَن للشاعر أَن يرد الشيء إلى أَصله؛ وقول ذي الإصْبَع: لاهِ ابنُ عَمِّكَ، لا أَفْضَلْتَ في حَسَبٍ عَنّي، ولا أَنْتَ دَيَّانِي فتَخْزُوني أَراد: للهِ ابنُ عمك، فحذف لامَ الجر واللامَ التي بعدها، وأَما الأَلفُ فهي منقلبة عن الياء بدليل قولهم لَهْيَ أَبوكَ، أَلا ترى كيف ظهرت الياء لمّا قُلِبت إلى موضع اللام؟ وأَما لاهُوت فإن صح أَنه من كلام العرب فيكون اشتقاقه من لاهَ، ووزنه فَعَلُوت مثل رَغَبُوت ورَحَمُوت، وليس بمقلوب كما كان الطاغوت مقلوباً.

القاموس المحيط.
ل ا هـ.
لاهَ يَلِيهُ لَيْهاً: تَسَتَّرَ، وجَوَّزَ سِيْبَوَيْه اشْتِقاقَ الجلالةِ منها، وعَلاَ، وارْتَفَعَ.
وسُمِّيَت الشَّمْسُ إلهةً لارْتِفاعِها.
ولاهُوتُ: إن كان من كلامِهِم، فَفَعَلُوتُ، من لاهَ.

الصحاح في اللغة.
ل ي هـ.
لاهَ يَليهُ لَيْهاً: تَسَتَّرَ.
وجَوَّزَ سيبويه أن يكون لاهٌ أصلَ اسمِ الله تعالى.
وقولهم: يا الله: بقطع الهمزة، إنَّما جاز لأنه يُنْوى به الوقف على حرف النداء تفخيماً للاسم.
وقولهم: لاهُمَّ واللهُمَّ فالميم بدلٌ من حرف النداء.

مقاييس اللغة.
ل ا هـ.
اللام والألف والهاء. لاه اسمُ الله تعالى، ثم أدخلت الألف واللام للتعظيم. قال:
عَنِّي ولا أنت دَيَّاني فتَخْـزونـي لاهِ ابنُ عَمِّكَ لا أفْضَلْتَ في حَسَبٍ.
والله أعلم.
 
كلام نفيس ، وددت ان الكاتب يختصر لنا نسخه لتعمل مطويه تعم العالم الاسلامى والعالم باسره بكل اللغات ، والكاتب اجاد والسوره عظيمه لان موضوعها توحيد الله العظيم ، جزى الله الكاتب خير الجزاء وودنا ان يرفق ملف وورد حتى نستطيع اختصار المقاله لتناسب عموم الناس . ونرجو ذكر المراجع .
 
الحمد لله رب العالمين.
شكر الله لك د. أحمد شاكر ، وبارك فيكم.
وأسأل الله تعالى أن يتقبله عملا صالحا خالصا لوجهه الكريم.
وأنتصح بقولك وارفق ملف الوورد إن شاء الله تعالى بعد الفراغ من مسائل السورة المباركة بما يفتح الله به لنا تتممة للفائدة .
نسأل الله الكريم للجميع الهدى والسداد.
وتقبل تحياتي ومودتي وتقديري.
 
المسألة الثامنة والعشرون:
أحد وأصل الكلمة.
أحَدٌ أحَد هو الإله الواحد.
وما اشتهر في السيرة من إغاظة بلال بن رباح رضي الله تعالى عنه للمشركين من قريش بقوله : أحَدٌ أحَد يدل على أن أحد نكرة في اللفظ والصياغة ، معرفة في السياق والمعنى، وما ذلك إلا لعلمهم بمدلولها ومقتضاها.
وبهذا الاعتبار يجوز أن تكون أحد بدلا من اسم الجلالة الله ، بدل معرفة من معرفة وليس بدل نكرة من معرفة.
وتعجب قريش من أصل دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام وهو توحيد الله بالعبادة دون غيره كما جاء ذكره في قوله تعالى :"أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ" ، يدل على أن أحد معناها الإله الواحد ، برد أمر العبادة والتوجه بها إلى إله واحد وهو الله الملك الحق عن قصد وإرادة في ذلك.
والهمزة في أحد أصلية في بنية الكلمة وليست منقبلة عن واو ولا غيرها وهي مأخوذة من أحِد بمعنى عهد بالأمر إلى واحد،
واستأحَد بمعنى انفرد بالأمر واستقل به دون غيره ،
وأحَّدَ بمعنى ميز وأفرد. وتلحظ في أحد معنى عز وندر.
ويقويه ما ورد في السنة المطهرة من إرشاد النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه لمن أشار بإصبعيه في التشهد أثناء الصلاة بقوله :" أَحِّدْ أَحِّدْ " وأشار بالسبابة على جهة الأمر بحاء مشددة مكسورة ؛ تنبيها له على أن معبوده اله واحد .
وقوله جل وعلا :"إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ" ، ولم يقل : إنما الله واحد ، على أن أحد لها تعلق بالعبودية ولا بد.
ومن اللطائف هنا رسم الهمزة رأس عين مقطوعة قائمة على ألف من إقامة الوجه للدين حنيفا :"فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " ، ومن قطع العبادة عن غير الله وصرفها لله وحده فهو المستحق لها.
وأن التوحيد الخالص هو عين الأمر وعموده.
وأن أحد دلالتها على العبودية أولى منها على العددية.
أحد مكتف بنفسه ، مستغن بذاته ، مستقل بخلقه وأمره ، مستحق للألوهية وحده جل وعلا.
والله أعلم.
 
المسألة التاسعة والعشرون:
وجه المناسبة في تسمية السورة بسورة الإخلاص.
أخص معاني الإخلاص ثلاثة ثم اثنان.
الإخلاص : تخْليص وخُلوص وخَلاص.
التخليص : تصفية وتنقية.
والخلوص : نفاذ ووصول.
والخلاص : براءة وسلامة.
وهذه المعاني الثلاثة مجتمعة في سورة الإخلاص بتمامها.
تصفية وتنقية التوحيد من شوائب الشرك ، من قولهم خلص العسل واللبن إذا صفى من الكدر والقذر.
ونفاذ ووصول نور التوحيد للقلب بقطع العلائق عن الرب ، من قولهم خلص إليه إذا وصل إليه وأدركه.
وكذلك نور التوحيد لا يصل ولا ينفذ الى صاحبه الا اذا أزال وازاح العوائق والعلائق التي تحول دون صفاء رؤيته.
وبراءة وسلامة ذات الله سبحانه وتعالى مما افتري به عليه من النقص والعيب فهو القدوس السلام ، من قولهم خلص منه إذا سلم ونجا.
ثم المعنى الجامع لها وهو الانتقاء والاجتباء والاصطفاء هو الدين الخالص الذي ارتضاه الله لعباده والذي أتت به سورة الإخلاص بمقاصده ومعانيه ومعارفه وعلومه.
والعجيب هنا أن حرف الخاء استغرق واستوعب من حركات الإعراب إضافة إلى الخفض في الخلاصة:
الضم في الخلوص ، والفتح في الخلاص ، والسكون في التخليص ، وكذلك هذه السورة المباركة قد استغرقت واستوعبت عقيدة التوحيد كله وخلص بتمامه بمعنى لم يبق منه شيء بعد ، وهذا آخر معانيها : تمام انتهاء الشيء ونفاده.
والله أعلم.
 
المسألة الثلاثون.
كفوا وتوجيه وقف حمزة خاصة.
وقرئ لحمزة بضم الكاف وسكون الفاء وإبدال الهمزة واوا مفتوحة اتباعا للرسم وقفا هكذا : كُفْوَا واصطلح عليه وجه البدل وكذلك الوقف بحذف الهمزة ونقل حركتها للفاء الساكنة قبلها هكذا :كُفَا واصطلح عليه وجه الحذف.
وتوجيه الوقف على أن أصل الكلام وتقديره : له كفو ، جملة اسمية ، له مبتدأ ؛ لأنه في حكم المعرفة لإسناد حرف الجر اللام إلى ضمير الغيبة وكفو خبره ، ودخلت عليه يكن الناسخة فانتصب كفوا بها ، "يكن له كفوا" ، ثم دخلت لم النافية الجازمة على الجملة لتصبح "لم يكن له كفوا" ، ثم عطفت بالواو "ولم يكن له كفوا" ، وعودة هاء الضمير في "له" على ما قبله ، "الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا".
والوقف هنا على كلام تام وكاف وشاف لإفادة نفي الكفو لله جل وعلا أيا كان معنى الكفو هنا، سواء أكان بمعنى العِدل أم المثيل أم المكافئ أم الموافي أم غير ذلك مما يليق نفيه عن الله سبحانه وتعالى.
فكأنه قيل : لما لم يكن له كفوا ؟ ، فقيل : أحد ، كيف يكون له كفو ، أي : أحد ليس له كفوا على أن كمال أحديته تنفي عنه الكفو ، وهذا معنى دقيق ولطيف وحق في نفسه ، وتكون أحد جملة تفسيرية مستقلة بذاتها وشبهها بالاستئناف الابتدائي وغرضه البياني ووقوعها مرفوعة يقوي هذا الحمل في المعنى والتوجيه ويشد من أزره.
والله أعلم.
 
المسألة الواحدة والثلاثون:
وجه المناسبة بين سورة المسد وسورة الإخلاص.
تأتي سورة الإخلاص في ترتيب سور القرآن الكريم في المصحف الشريف بعد سورة المسد، فما وجه الربط بين السورتين الكريمتين.؟
لخصت سورة المسد عذاب رجل وامرأته....
الرجل سيصلى نارا ذات لهب ،
والمرأة في جيدها حبل من مسد.
والمسد ما يفتل به الحبل ويجدل منه كليف النخل والخوص والجلد ونحوه .
هذا في الدنيا وليس في الآخرة الا عذاب النار.
النار ذات اللهب من خصائصها أنها تلفح وتحرق وحبل المسد يطوق ويطبق.
*
ووصفت سورة الإخلاص الله جل وعلا بأنه أحد وصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد راسمة بذلك منهج التوحيد بمثابة طوق النجاة وسبيل الخلاص من عذاب الله والفوز بجنة ورضاه.
فما وجه الربط بين السورتين الكريمتين.؟
لهب النار وحبل المسد.
هناك مشترك لفظي صوتي بين الصمد والمسد ، كما أن هناك مشترك دلالي ومعنوي ، منها :
الصماد، والمسد، والمئزر، أوصاف ثلاث يجمعها الالتفاف:
الصماد ما يلف به حول الرأس ، والمسد ما يلف به جول الجيد ، والمئزر ما يلف به حول الخصر.
ولما ذكر النار ذات لهب والحبل من مسد أتى بعده بما يناسبه من وصف لفح الحر وهو معنى مشترك بين المسد والصمد فيهما.
تأمل:
والصَّمْدُ : تَأْثِير لَفْح الشَّمْسِ في الوجه يقال : صَمَدَته الشَّمْسُ أَي صَقَرَته بِلَفْحِها ولَوَّحَتْهُ حرارتُها.
وأتى بعده بما يفيد رباطة الجأش والقوة في الصماد من الصمد لمناسبته للحبل الممسود محكم الفتل والجدل.
والصِّمَاد : ما يَلُفُّهُ الإِنسانُ على رأْسِهِ من خِرْقةٍ أَو منديلٍ أَو ثَوبٍ دونَ العِمامةِ وقد صَمَّد رأْسَه تَصْمِيداً إذا لَفَّ مِن ذلك.
والمَسَدُ حبل من ليفٍ أَو خُوص أَو شعر أَو وبَر أَو صوف أَو جلود الإِبل أَو جلود أَو من أَيّ شيء كان.
وأتى بعده بما يفيد الديمومة والثبات في الصمد ما يقابل من مواصلة السير بالليل دوما في المسد.
وكذلك الإدآب والدوام والثبات والاستمرار معنى مشترك بين الصمد والمسد.
قال النابغة الذبياني يصف ناقةً:
مقذوفة بدخيسِ النَّحضِ بازلـهـا *** له صَرِيْفٌ صَرِيْفَ القعو بالمسد.
حبل ممسود أي : مشدود محكم الفتل والجدل.
وخلاصته:
الربط بين السورتين الكريمتين في المعاني المشتركة بين المسد والصمد من ناحية ، وبين اللهب والصمد من ناحية ثانية.
وكذلك استعمال لفظ الحبل على أن إخلاص التوحيد هو حبل النجاة في حين أن الشرك حبل الهلاك الذي يطوق صاحبه في النار .
*
وكما ناسب إنكار القوم دعوة التوحيد ووصفها بالأمر العجاب ، انظر:
ويقالُ لِلأَمْرِ المُتَفاقِم: إحدى الإِحَدِ.
وأتى بإحْدى الإِحَدِ، أي: بالأَمْرِ المُنْكَرِ العظيمِ.
إحدى الإحد : عظيمة العظائم ونادرة النوادر.
ناسب أن يذكر معه الوصف بأن الله أحد لا ند ولا مثيل ولا نظير ولا عدل يكافئه.
وإحْدَى الإِحَدِ، أي: لا مِثْلَ له، وهو أبْلَغُ المَدْحِ.
هذا الذي ظهر لي من رمزية حبل المسد في الدلالة على تطويق الشرك لصاحبه ولفح نار المصير المترتب عليه ، ورمزية الإخلاص في التوحيد حبل الله المتين الذي أمرنا أن نعتصم ونلتف حوله ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا...
التفاف هنا والتفاف هناك وشتان ما بين حبل الصمد وحبل المسد.
والله أعلم.
 
المسألة الثانية والثلاثون:
الإخبار المقلوب على نحو التشبيه المقلوب.
أحد في قوله تعالى : "الله أحد" خبر عن الله سبحانه وتعالى ، فهل يخبر عن أحد بأنه الله.؟
نعم، "أحدٌ الله" بتنوين أحد.
ويسمى هذا القلب في الإخبار عن الأعلام للمساواة فيما بينها، فيبدل المبتدأ خبرا ، والخبر مبتدأ.
ويكون التأويل حينئذ :"قل هو الله" إشارة إلى المسئول عنه.
"أحد الله" وصفه المخبر به عنه.
"الصمد لم يلد ولم يولد " نسبه المقطوع.
"ولم يكن له كفوا أحد" وتره المطلق.
ويكون هذا واحدة من أوجه إعجاز وجماليات النص القرآني وهي تعدد الحمل للسياق بما لا يغير المعنى الإجمالي ويحيله عن مقصده، ويكون لكل حمل وجه من البلاغة والإعراب.
وليس الأمر هنا من باب التقديم والتأخير المسوق لغرض بلاغي أو حسب ما تقتضيه صنعة وملحة الإعراب ، ولا من قبيل النكرة المخصوصة بالوصف مثلا.
المقام هنا مقام إخبار عن الله سبحانه وتعالى بنعوت الكمال وأوصاف الجلال والجمال ، فالخبر عند النحويين هو العمدة وما سواه فضل لا غير.
"أحد الله" ، أحد مبتدأ ، واسم الجلالة الله هو الخبر.
وتكون النكتة في الإخبار عن أحد بأنه الله على أن أحد علم مختص به، لا يسمى به غيره كاسمه الرحمن سبحانه وتعالى، لا أحد إلا الله.
ونظير هذا الوجه وجه البدل كما في مطلع سورة إبراهيم :"لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ" ؛ وصحة وجه البدل لأنه لا عزيز ولا حميد إلا الله وحده.
"قل هو الله * أحدٌ الله * الصمد لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد".
وتزاد نكهة الاستهلال في همزة أحد على هذا الوجه.
والله أعلم.
 
المسألة الثالثة والثلاثون:
المشتركات الدلالية للجذر الأصم: صم.
جذور: صَمَت، وصَمَل، وصَمَد:
ثبت واستقر وصام؛ فلا يَزُول، ولا يَحُول، ولا يَخُور.
المنعة وشدة البأس والقوة والتماسك:
يقال: فتنة صماء، وداهية صماء، وفتاة صماء، وحية صماء، وأرض صماء، وصخرة صماء، وقطاة صماء، واشتمالة صماء، وناقة صماء، وأذن صماء.
***
الصّمَد:
مَجْمَع الأسماء والصفات.
في سورة الإخلاص جاء إثبات الأحدية لله ونَفْي الوالد والولد ونَفْيِ الكُفْء له اسما وصفة، وقام الصمد في الإخبار عن الله مقام بقية الأسماء الصفات باسم جامع وصفة جامعة. الصمد هو حي وقيوم وسميع وبصير وعليم وقدير وخالق ورازق...؛ وإلا لمَا صَمَد الخلق إليه، ولَمَا صمد هو إلى خلقه.
*
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغرك وأتوب إليك.
 
#تغريدة رمضانية.
#خاتمة مطاف مسائل سورة الإخلاص:
سورة الإخلاص صفة الرحمن، تعدل ثلث القرءان؛ باعتبار أنه ثلث أسماء وصفات، وثلث عبادات وأحكام ومعاملات، وثلث قصص وأخبار ومواعظ.
جمعت سورة الإخلاص طرفا من كل ثلث؛ فهي أصل الثلث الأول، والثلث الأوسط مبني على تحقيق الإيمان به، والثلث الأخير حال الأمم وأخبارها حوله إيمانا وكفرا.
والله أعلم.
 
أعتذر إلى الأحبة؛ فلا أدري هل أتى ذكر لهذه المسائل في السابق أم لا، ونقلتها هنا من صفحتي على الفيس، وهي:
*
أفاد نفي الحال في قوله تعالى: "ولم يكن له كفوا أحد"؛ نفي الاستقبال، أي: ولن يكون له كفوا أحد، كما أفاد نفي الماضي كذلك، أي: ولا كان له كفوا أحد، فالله سبحانه وتعالى لا يعتريه الزمن؛ إنما الزمن باعتبار خطاب المكلف به؛ لأنه مخلوق يجري عليه الزمن، ويتغير به، ويؤثر فيه.
كان الله ولا شيء قبله؛ فهو الأول، ولم يكن له عند ذلك كفوا أحد، ويكون ولا شيء بعده؛ فهو الآخر، ولا يكون له عند ذلك كفوا أحد؛ فكان اختيار الحال في ظهور الكون ووجود المخلوقات؛ فهو كائن ولا شيء معه من مخلوقاته كفؤا له بعد أن أوجدهم من العدم.
والله أعلم.
*
أحد: هو الله أحد، ولم يكن له كفوا أحد.
الأحدية انتقاء واجتباء واصفاء من الواحدية، أي: هو الله أحد في قدرته، أحد في علمه، أحد في غناه، أحد في حكمته، أحد في ملكه، إلى آخر ذلك من أسمائه وصفاته جل وعلا؛ فهو أحد فيها كلها، لا يساويه ولا يكافئه فيها أي واحد من خلقه من الذين زعموا أنهم آحاد، ليسوا كفؤا له في أحديته سبحانه وتعالى، ولو اجتمعوا؛ لأنه أحد في كل شيء.
أحد: بلغ نهاية الحد من الأسماء والصفات، كمالا وجمالا وجلالا.
والله أعلم.
*
"وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"، "لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ":
ولم يكن له كفوا أحد؛ إذ ليس كمثله شيء،
وليس كمثله شيء؛ إذ لم يكن له كفوا أحد.
لم يكن له سبحانه وتعالى كفوا أحد بمثل شيء من أسمائه وصفاته،
وليس كمثله شيء في أحد أسمائه وصفاته؛ كأحد سميع بصير مثله.
والله أعلم.
 
* سياحة صرفية:
كُفَا، وكُفًى:
قرأ حفص: كفوا بضم الفاء وفتح الواو من غير همز، وحمزة وخلف ويعقوب بإسكان الفاء مع الهمزة في الوصل، فإذا وقف حمزة أبدل الهمزة واوا مفتوحة اتباعا للخطّ، والقياس أن يلقي حركتها على الفاء، والباقون بِضم الفاء مع الهمز.
تحبير التيسير.
قال أبو زيد: سمعت امرأة من عُقَيْل وزوجها يقرآن: "لم يَلِدْ ولم يُولَدْ ولم يكن له كُفىً أَحَدٌ"، فأَلقى الهمزة وحَوَّل حركتها على الفاء....
وقرأ حمزة كُفْأً، بسكون الفاء مهموزا، وإِذا وقف قرأ كُفَا، بغير همز.
واختلف عن نافع فروي عنه: كُفُؤاً، مثل أبي عمرو، وروي: كُفْأً، مثل حمزة.
لسان العرب.
كُفَا، وكُفىً: فُعَل، مثل زُبَر.
كُفْأً، وكُفْوًا: فُعْل، مثل صُفْر.
كُفُأً، وكُفُؤًا: فُعُل، حُمُر.
مشتركات بين الإفراد والجمع:
لم يكن له أنداد، ولم يكن له شركاء، وكذلك لم يكن له كُفَى، ولا كُفْوٌ، ولا كُفُوٌ، ولو اجتمعوا له، ولم يكن له أحد، ولم يكن له كفى أحد.
والله أعلم.
 
عودة
أعلى