محمد الربيعة
New member
- إنضم
- 18/04/2003
- المشاركات
- 116
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
الغرض العام للسورة.
سورة البقرة لعظمها فقد جاءت لتحقيق غرض عظيم ، وبالتأمل الثاقب في السورة نجد أن غرضها الأساسي وسياقها العام هو:
((إعداد الأمة للخلافة وتكليفها بالشريعة وتبليغها ، بعد تخلي بني إسرائيل عنها )).
فالسورة تهدف إلى إعداد الأمة للخلافة في الأرض وتهيئتها لتلقي أحكام الشريعة وتطبيقها ونشرها في الأرض.
قال صاحب الظلال في تحرير هذا السياق: "هذه السورة تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها، وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض، بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم عليه السلام، صاحب الحنيفية الأولى،وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم"([1]).
وبتأمل ثاقب في نزول السورة، واستعراض لمضمونها نجد أن هذا الغرض ظاهر فيها بجلاء. و يتأكد ذلك من عدة وجوه:
أولاً: نزول السورة، فالسورة هي أول ما نزل في المدينة، واستمر نزولها حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ أن آخر الآيات نوزلاً منها، فهي إذاً قد استغرقت المرحلة المدنية كلها، وهذا له دلالة ظاهرة في غرض السورة، وهي أنها تهدف إلى الإعداد لقيام الدولة المسلمة وتهيئة المؤمنين لذلك ، خاصة وأن اليهود كانوا في المدينة .
ثانياً: افتتاح السورة بتعظيم شأن الكتاب وبيان مقصده الأعظم، وفي هذا الاستفتاح ترسيخ لمقام القرآن في نفوس المؤمنين وتعظيم له، لتتلقاه الأمة بالقبول والتعظيم. ولا يمكن للأمة أن تتلقى ما في القرآن على الوجه الأكمل إلا إذا عظمت هذا القرآن وعرفت مقامه وقدره.
ثالثاً: أنه عرض في أول السورة لقصة آدم في استخلافه في الأرض ، وهو أصل البشرية وأول مستخلف ، والمقصود في ذلك ذكر أصل الخلافة في الأرض وامتدادها إلى أمة محمد r ، ويؤكد ذلك التصريح بلفظ الخلافة بقوله تعالى { إني جاعل في الأرض خليفة } .
رابعاً : أنه عرض في السورة لموقف بني إسرائيل وهم المستخلفون قبل أمة محمد r ، وجرى السياق في ذكر حالهم مع أنبيهم ، وسوء تلقيهم لأوامر الله تعالى وتكليفه لهم بأمانة الدين، كل ذلك دلالة على أسباب سلب الخلافة منهم و تحذيراً للأمة المحمدية من سلوك سبيلهم، وإطلاعها على مواضع الزلل والخلل التي وقع فيها أهل الكتاب من قبلهم ليتجاوزوها، وذلك جار في سياق إعداد المؤمنين وتهيئتهم، وهم من تمام رعاية الله تعالى لهذه الأمة وكمال رحمته تعالى بها.
خامساً : بيان الأصل الثاني للبشرية وهو إبراهيم ، إشارة إلى وراثة الأمة لملته وقبلته ، وكل ذلك دليل على تفضيل الأمة واستقلالها، وتهيئتها لتتلقى هذا التشريف بالاستجابة والقبول وتحمل هذه الأمانة بصدق.
سادساً : جاء موضوع القبلة في السورة ليكون علامة على انتقال الخلافة من بني إسرائيل إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك ورد في وسط آيات القبلة قوله تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس } وهذه الجملة دالة صريحاً على منح هذه الأمة المحمدية الخيرية والخلافة في الأرض .
سابعا : كون السورة تميزت بإظهار أعظم خصائص كمال الشريعة وهي اشتمالها على الرحمة والتيسير والتخفيف، مع مراعاة المصالح وحفظ الحقوق كما تقرر، وهذا مؤكد على أنها تهدف إلى تربية الأمة وتهيئتها لتلقي هذه الشريعة والاستجابة لأوامر الله تعالى فيها.
ثامناً : كون السورة اشتملت على الحض والتأكيد على أمر الجهاد والإنفاق، وهذان الأصلان من أعظم ما تقوم به الدولة ويتحقق بهما التمكن والاستقلال. وقد جاء الحض عليهما متفرقاً في السورة وبأساليب متعددة. عرض من خلاله لقصة بني إسرائيل في طلبهم للقتال ثم تخليهم عنه، تحذير للأمة من مشابهتهم. وترغيب لها على الصبر والتزام أمر نبيها.
تاسعاً : ختم السورة بالشهادة والإشادة بالمؤمنين على إيمانهم بما أنزل إليهم من الكتاب، واستجابتهم التامة وقبولهم لما تضمنه الكتاب من التشريع والتكليف. بقوله تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ثم ختمت هذه الخاتمة بدعاء المؤمنين بما يدل على طلب العفو والتخفيف والرحمة، وكان آخر دعاء المؤمنين فيها قولهم { أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} إشارة إلى كمال استجابتهم واستعدادهم لحمل الأمانة وتبليغها. وهذا محقق للسياق السورة العام وكونها في بناء التشريع الأساسي للدولة المسلمة، وتهيئة الأمة لتلقي هذا التشريع وتبليغه.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ((في ظلال القرآن)) (1/28) باختصار.
سورة البقرة لعظمها فقد جاءت لتحقيق غرض عظيم ، وبالتأمل الثاقب في السورة نجد أن غرضها الأساسي وسياقها العام هو:
((إعداد الأمة للخلافة وتكليفها بالشريعة وتبليغها ، بعد تخلي بني إسرائيل عنها )).
فالسورة تهدف إلى إعداد الأمة للخلافة في الأرض وتهيئتها لتلقي أحكام الشريعة وتطبيقها ونشرها في الأرض.
قال صاحب الظلال في تحرير هذا السياق: "هذه السورة تدور حول موقف الجماعة المسلمة في أول نشأتها، وإعدادها لحمل أمانة الدعوة والخلافة في الأرض، بعد أن تعلن السورة نكول بني إسرائيل عن حملها، ونقضهم لعهد الله بخصوصها، وتجريدهم من شرف الانتساب الحقيقي لإبراهيم عليه السلام، صاحب الحنيفية الأولى،وتبصير الجماعة المسلمة وتحذيرها من العثرات التي سببت تجريد بني إسرائيل من هذا الشرف العظيم"([1]).
وبتأمل ثاقب في نزول السورة، واستعراض لمضمونها نجد أن هذا الغرض ظاهر فيها بجلاء. و يتأكد ذلك من عدة وجوه:
أولاً: نزول السورة، فالسورة هي أول ما نزل في المدينة، واستمر نزولها حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ أن آخر الآيات نوزلاً منها، فهي إذاً قد استغرقت المرحلة المدنية كلها، وهذا له دلالة ظاهرة في غرض السورة، وهي أنها تهدف إلى الإعداد لقيام الدولة المسلمة وتهيئة المؤمنين لذلك ، خاصة وأن اليهود كانوا في المدينة .
ثانياً: افتتاح السورة بتعظيم شأن الكتاب وبيان مقصده الأعظم، وفي هذا الاستفتاح ترسيخ لمقام القرآن في نفوس المؤمنين وتعظيم له، لتتلقاه الأمة بالقبول والتعظيم. ولا يمكن للأمة أن تتلقى ما في القرآن على الوجه الأكمل إلا إذا عظمت هذا القرآن وعرفت مقامه وقدره.
ثالثاً: أنه عرض في أول السورة لقصة آدم في استخلافه في الأرض ، وهو أصل البشرية وأول مستخلف ، والمقصود في ذلك ذكر أصل الخلافة في الأرض وامتدادها إلى أمة محمد r ، ويؤكد ذلك التصريح بلفظ الخلافة بقوله تعالى { إني جاعل في الأرض خليفة } .
رابعاً : أنه عرض في السورة لموقف بني إسرائيل وهم المستخلفون قبل أمة محمد r ، وجرى السياق في ذكر حالهم مع أنبيهم ، وسوء تلقيهم لأوامر الله تعالى وتكليفه لهم بأمانة الدين، كل ذلك دلالة على أسباب سلب الخلافة منهم و تحذيراً للأمة المحمدية من سلوك سبيلهم، وإطلاعها على مواضع الزلل والخلل التي وقع فيها أهل الكتاب من قبلهم ليتجاوزوها، وذلك جار في سياق إعداد المؤمنين وتهيئتهم، وهم من تمام رعاية الله تعالى لهذه الأمة وكمال رحمته تعالى بها.
خامساً : بيان الأصل الثاني للبشرية وهو إبراهيم ، إشارة إلى وراثة الأمة لملته وقبلته ، وكل ذلك دليل على تفضيل الأمة واستقلالها، وتهيئتها لتتلقى هذا التشريف بالاستجابة والقبول وتحمل هذه الأمانة بصدق.
سادساً : جاء موضوع القبلة في السورة ليكون علامة على انتقال الخلافة من بني إسرائيل إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك ورد في وسط آيات القبلة قوله تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس } وهذه الجملة دالة صريحاً على منح هذه الأمة المحمدية الخيرية والخلافة في الأرض .
سابعا : كون السورة تميزت بإظهار أعظم خصائص كمال الشريعة وهي اشتمالها على الرحمة والتيسير والتخفيف، مع مراعاة المصالح وحفظ الحقوق كما تقرر، وهذا مؤكد على أنها تهدف إلى تربية الأمة وتهيئتها لتلقي هذه الشريعة والاستجابة لأوامر الله تعالى فيها.
ثامناً : كون السورة اشتملت على الحض والتأكيد على أمر الجهاد والإنفاق، وهذان الأصلان من أعظم ما تقوم به الدولة ويتحقق بهما التمكن والاستقلال. وقد جاء الحض عليهما متفرقاً في السورة وبأساليب متعددة. عرض من خلاله لقصة بني إسرائيل في طلبهم للقتال ثم تخليهم عنه، تحذير للأمة من مشابهتهم. وترغيب لها على الصبر والتزام أمر نبيها.
تاسعاً : ختم السورة بالشهادة والإشادة بالمؤمنين على إيمانهم بما أنزل إليهم من الكتاب، واستجابتهم التامة وقبولهم لما تضمنه الكتاب من التشريع والتكليف. بقوله تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ثم ختمت هذه الخاتمة بدعاء المؤمنين بما يدل على طلب العفو والتخفيف والرحمة، وكان آخر دعاء المؤمنين فيها قولهم { أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} إشارة إلى كمال استجابتهم واستعدادهم لحمل الأمانة وتبليغها. وهذا محقق للسياق السورة العام وكونها في بناء التشريع الأساسي للدولة المسلمة، وتهيئة الأمة لتلقي هذا التشريع وتبليغه.
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) ((في ظلال القرآن)) (1/28) باختصار.