مسائلُ في العَوْد

إنضم
25/01/2013
المشاركات
94
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وبعد.
وبعد؛ فإنَّ علم الوقف والابتداء من أشرفِ علوم القرآن وأَجَلِّها؛ لِتعلُّقِه بأدائه تلاوةً وترتيلًا، وبمعناه تفسيرًا وتأويلًا، فهو درَّة العقد بين علوم الترتيل والتأويل، وقد بلغ اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به أنَّه كان يُعلِّمه الصحابة رضي الله عنهم؛ فعن ابن عمررضي الله عنهما قوله: «لقد عشنا برهة من دهرنا، وإنَّ أحدَنا لَيُؤتَى الإيمانَ قبل القرءان، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلَّمُ حلالَها وحرامَها، وما ينبغي أن نقف عنده منها، كما تتعلمون أنتم اليوم القرءان. ولقد رأينا اليوم رجالًا يُؤتى أحدهم القرءان قبل الإيمان؛ فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته، ما يدري ما أمره ولا زجره، ولا ما ينبغي أن يُوقف عنده منه، ينثره نثر الدَّقَل»[1].
وناهيكَ بقول أبي حاتم: «مَن لم يعرفِ الوقفَ لم يَعلمِ القرءانَ»[2]. وصَدَقَ؛ لأنَّ الوقف فرعٌ عن المعنى، فمَن لم يعرف الوقفَ دلَّ على أنَّه لم يُحسِن معرفة المعنى ولم يُحسن التوقيع عن مُراد الله، والذي لا يعرف المعنى فلن يُحسِنَ الترجمة عنه بالأداء، فلا روايةَ ولا درايةَ.
لا عَجَبَ إذًا من هذا الاهتمام البالغ من السلف بهذا العلم الجليل، وهو ما وَرِثَه عنهم علماءُ الأمة، فظهر في كثرة مؤلفاتهم في هذا العلم؛ يجمعون أصوله، ثمَّ يستقصون آيات القرآن لفظًا لفظًا؛ مُبيِّنين ما يجمل الوقف عليه من ذلك وما يقبح. وهذا المنهج هو الـمُتَّبع في تصنيف القراءات – مع الفارق – إذ يبدأون بأصول القُرَّاء، ثمَّ يتتبَّعون حروف الخلاف في سائر القرآن فيما يُعرف بالفرش. فدلَّ ذلك الصنيعُ على وضوح الرؤية في أذهان العلماء: أنَّ معرفة الوقف والابتداء ربَّما لا تقل أهميَّة عن معرفة أصول القرَّاء وخلافهم.
والوقف والابتداءُ صنوان لا يفترقانِ، تضبطهما قواعدُ واحدةٌ، ويتعاطاهما الدَّارس بمنهجٍ واحدٍ، وإن بدا أنَّ هناكَ تغايُرًا في درسهما لغير الـمُدقِّق، قد يرجع إلى كثرة القوانين والمصطلحات والتقسيمات التي وضعها علماء الوقف والابتداءِ. ومن هنا كان اجتهاد الباحثِ لمحاولة إرجاع تلك التقسيمات إلى نظريةٍ واحدةٍ، تسهِّل الصعب، وتقرِّبُ البعيد، وتوضِّح الغامضَ، وتختصرُ كثيرًا من الحواشي؛ بضمِّ النظائر، وابتكار العلاقاتِ.
ومسألة (العَوْد) التي نبحثها من المسائل التي حَالَ وضوحُها لدى المتخصصين من تقريبها للعامَّة، فقُتِلتْ بسيف البداهة، ونَظرَ إليها البعضُ على أنَّها لا تفتقرُ إلى التوقُّفِ عندها، وإفرادها بالبحث. ولكنَّ الناظر إلى التطبيقِ العمليِّ لقراءة بعض مشاهير القرَّاء؛ فضلًا عن مغموريهم، وأئمة المساجد الراتبينَ الرسميينَ = يرى خللًا عمليًّا، حقيقٌ بأن يُعالجَ بالبحثِ.
ولو لم يكنْ هذا الخللُ العمليُّ؛ فإنَّ التنظير لهذه المسألة من خلال النظريَّة الجامعة للوقف والابتداء تقتضي بأن يُتناول كلُّ موضوعات الوقف والابتداءِ؛ لتكتمل الصورةُ، وتستوي الثمرةُ. ولعلَّ لأحدِ السببينِ ارتباطًا بالآخر؛ إذ إنَّ الخلل العمليَّ الملحوظَ في تطبيق الوقف والابتداءَ يشي بقصور في التنظيرِ، وفي التقريبِ العمليِّ؛ اكتفاءً بوضع بعض العلامات في المصحفِ، وهي وإن عالجتْ جزءًا كبيرًا من البُعد التطبيقيِّ للوقف والابتداء؛ فإنها قصرتْ عن بعض موضوعاته وجزئياته.
وقد تناولتُ موضوع (العَوْدِ) في سبع مسائل؛ هي:
المسألة الأولى: معنى العود لغة واصطلاحًا.
المسألة الثانية: متى يلجأُ القارئُ إلى العود؟
المسألة الثالثة: درجات العود وأقسامه.
المسألة الرابعة: متى يكون ترك العَوْدِ أَوْلَى من العود؟
المسألة الخامسة: العَوْدُ ورؤوس الآي.
المسألة السادسة: العَوْدُ والتحزيب في الصلاة.
المسألة السابعة مهارة العَوْدِ ومقوِّمات إتقانه.
والله أسأل أن يُوفِّقنا إلى العلم النافع والعمل الصالح وأن يهدينا إلى الطيِّب من القول، والحلال من الرزق، وأن يرزقنا القبول والإخلاص، وأن يثبتنا على ما يُرضيه عنَّا.
***


[1] رواه البيهقي في السنن الكبرى (ح 5496)، والحاكم في المستدرك (ح 101) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علة، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي بقوله: على شرطهما ولا علة له. والدَّقَل: رديءُ التمر ويابسُه وما ليس له اسمٌ خاصٌّ؛ فَلِيُبسِه ورداءته لا يجتمع، ويكونُ منثورًا.
[2] ينظر: الكامل (ص131)، لطائف الإشارات لفنون القراءات (1/ 249).

حمِّل البحث كاملًا من المرفقات
 
أحسنت احسنت احسنت يا دكتور محمود:
بحث قيم جداً.
دكتورنا الغالي ذكرت هذه العبارة:
((وإن كان الاصطلاح بمصطلح (المفهوم) أَوْلى من (الحَسَن) من وجهة نظر الباحث؛ لاعتباراتٍ مذكورةٍ في غير هذا الموضع.))

أرجومنك -استاذنا- إتحافنا بموضع ذكر تلك الاعتبارات المذكورة فيه ، فانا اشاطرك الرأي بخصوصه.
انتظر على احر من الجمر.
 
أخي الكريم محمد عبد الله آل الأشرف: بارك الله فيكم، وجزاكم كلَّ خير، ورزقنا وإياكم الإخلاص والقبول.
أخي الفاضل د.كريم جبر منصور: أحسن الله إليكم، وأجزل لكم الأجر والمثوبة، ورضيَ عنكم وأرضاكم...
هذا الأمر عالجتُه بفضل الله وتوفيقه في دراسة مصطلحية مطوَّلة لمصطلحات باب الوقف والابتداء... وقد نُشِر منها أبحاث مفردة، والبقيَّة تحت الطبع أو المراجعة، وقسمٌ منها لم يزل مخطوطًا بعدُ.
وأختصر لفضيلتكم شيئًا من أوجه الاعتراض على مصطلح (الحسنِ)، وما الحاجةُ لاستبدال مصطلح (المفهوم) به...

أوجه الاعتراض على استخدام مصطلح (الحَسَنِ)
الوجه الأوَّل: أنَّ المعنى اللغويّ للحُسْنِ أربى من المعنى الاصطلاحيّ:
قال العماني في المُرشد (1/12)
«أقسام الوقف: وهي خمس درجات فأعلاها رتبة هي التام ثمَّ الحسن ثم الكافي ثم الصالح ثم المفهوم. وهذه ألقابٌ استعملها أبو حاتم في كتابه، ولم يجعل كل لقب منها مقصورًا على معنى بعينه، ولكنه قصد سائر الألقاب معنى واحدًا، وهو أنَّ الوقف يصلح في ذلك الموضع الذي يعبر عنه بلقب من هذه الألقاب. فأمَّا نحن فقد ميزنا بينها ورتَّبناها مراتب، وجعلنا لها منازل؛ فوسمنا أعلاها منزلًا بالتمام ثمَّ ما بعده بالحسن ثمَّ بالكافي ثم بالصالح ثم بالمفهوم ؛ على الترتيب الذي قدَّمتُ لك ذكره؛ ليعرف القارئ منازلها فيتخيرها على خير ومعرفة.
وهذه العبارات - وإن كانت دالة على مراتب الوقوف في الحسن - فإنها على سبيل المقاربة والحسن والكافي مقاربان والتمام فوقهما، والحسن يقارب التمام، والصالح والمفهوم قريبان أيضًا، والجائز دونهما في الرتبة.
وكان ابن الأنباري يعبر بالحَسَنِ عمَّا وسمه أبو حاتم بالكافي، وإنما أراد مخالفته في العبارة. وعبارة أبي حاتم عندي أحسن وأليق بالمقصود؛ لأنَّ أسماء الصفات يجب أن تقتضيَ موصوفاتها في العبارة، وتدلَّ على الحدث وتتضمنه؛ ألا ترى أنَّك إذا قلتَ (ضاربٌ) فإنما يعني من وجد منه الضرب؟ وقد يضمن الضرب لفظ ضارب؛ فكذلك إذا قلت (تامٌّ وحسنٌ وكافٍ) فضمنت هذه الصفات الحدث الذي هو التمام والحسن والكفاية. وقد وجدنا أعلاها منزلةً هو الوقف التام، والتمام هو الكمال في الصفات وأن لا يحتاج معه إلى زيادة، فينبغي أن يعبِّر عمَّا تقصر درجته عن التمام بعبارة تدل على ذلك النقصان وهو الكافي؛ لأنَّ الكفاية هو القدر الذي يسعُك وهو دون التمام؛ ألا ترى إلى قول الشاعر:
يكفي الفتى حُليِّقٌ وقُوتُ ما أكثر القوتَ لمن يموتُ
فعبر عن القدر الذي له فيه بلغة بالكفاية، ولا يقال لمن ملك حُلَيِّقًا وقوتًا: (قد تمَّ أمره)؛ إنما يقال لمن ملك المئين والألوف قد تمَّ أمره؛ قال أبو العتاهية:
أبغي الكثير إلى الكثير مضاعفًا ولو اقتصرتُ على القليل كفاني
فجعل الكفاية في القليل، ولا يقال لمن ملك القليل من المال قد تمَّ أمره؛ لأنَّ التمام من الأمور هو النهاية في التوسع. وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يعبر عن الذي نقصت درجته عن التمام بالكافي؛ لأنَّه أليق به، ولا يعبر عنه بالحسن؛ لأنَّ الحسن هو التامُّ بعينه ولا فرق بينهما، ألا ترى أنهم قالوا: (فلانٌ حسنُ الحال)؛ إذا كثر نعمه وتمت أحواله وزادت درجته على من له كفاية وبُلغة؟
فهذا الذي ذكرته يدل على أنَّ العبارة التي اختارها أبو حاتم رحمه الله تعالى أليق بالمقصود؛ إذ المقصود بهذه العبارة هو الوقف الذي دون التمام والعبارة التي اختارها ابن الأنباري رحمه الله ليست بمرضية إن كان قصد بها الوقوف النازلة عن الدرجة العليا التي هي دون التامة، وإن كان قصد بالحسن الوقوف التامة وعبر عنها تارة بالتمام وتارة بالحسن فقد جعل الوقوف كلها ناحًا [بابًا] واحدًا، وجعلها كلها تامة لا فرق بين سائرها، ويكون بذلك مخالفًا لأهل هذه الصنعة فيما يختارونه وليس بمرضٍ؛ لأنَّ تعاقُب العبارة على التسمية لمسمى واحدٍ مما يوقع اللبس، فإن قال: هذه عبارات على سبيل الوضع لا تتضمن الحدث كأسماء الأعلام زيد وعمرو قلنا هذا أيضًا ليس بشيءٍ لأن القوم قصدوا بهذه العبارات الفرق بين درجات الوقف ومنازلها في المعنى ولم يقصدوا بها ما قصدوا به الأسماء الأعلام فوجب أن تدل هذه العبارات على منازلها ودرجاتها لتوافق أغراضهم وما أظنه أراد إلا مخالفة أبي حاتم في العبارة فقط، ومقصوده بالحسن هو الوقف في درجة تقصر عن التمام كقصد أبي حاتم بالكافي أنه درجة دون الدرجة العليا، فأما أنا فإني جعلت التامَّ على ضربين ما علت رتبته وسميته بالتام وما قصرت رتبته قليلًا وسميته بالحسن وما كان دونهما فهو كافٍ».ا.ه
تعليق على كلام العماني:
وهو كلام في غاية الجودة والنفاسة، يتوجَّه اعتراضه الأساسيُّ فيه على جَعِل مُصطلح (الكافي) فوق (الحَسَنِ) إلى المعنى اللغوي لكلٍّ منهما؛ فالمعنى اللغوي للثاني (الحَسَن) أربى من المعنى اللغوي للأوَّل (الكافي) وأوفر، فكيف يُعبَّر بالأوفى على الأدنى، وكيف يُعبَّر بالأقلِّ على الأعلى؟!
وحين تعلم أن اعتراض العماني واقعٌ مع أنَّ كليهما يعبِّر عن درجة من التمام أو الكفاية فكيف إذا كان الاصطلاح المستقر الآن يستخدم الحسنَ للتعبير عن إحدى مراتب الوقف الناقص؟! فلا شكَّ أن المعنى اللغوي للحُسْنِ يربو كثيرًا على المعنى الاصطلاحيِّ؛ بما يفوق طاقة التخصيصِ أو القَصْرِ؛ بل يُحرف المعاني اللغوية ويجرفها بضَرْبٍ من التطوُّر الدلاليِّ الممجوج عرفًا وذوقًا؟
تنبيه: ينبغي أن يُعلم أنَّ اصطلاح العماني وإن كان في غاية النفاسةِ – كما قدَّمنا – فإنَّ التطبيق العمليَّ لاصطلاح الوقف والابتداء يمكن أن يستقيم بالاقتصار على درجتين من التمامِ هما التامُّ والكافي، وعلى أوَّل درجات النقصان التي يُعبَّر عنها في غالب الاصطلاح الآن بـ(الحسن) والأوْفَقُ أن يُعبَّر عنها بـ(المفهوم)، وهو ما فعله العماني ومن قبله النحَّاس في مواضع من القطع والائتناف وإن كان لا يطَّرد له التطبيق. فلا داعي لاستخدام مصطلح (الصالح)، ولا (الحسن).
ومن أعدل ما رأيتُ في تقسيم الوقف والابتداء مذهب النكزاوي ومن وافقه قال [الاقتداء:190]: «والذي ارتضيته أنَّ الوقف ينقسم إلى أربعة أقسام: تامّ وكافٍ ومفهوم وما لا ينبغي الوقف عليه حالة الاختيار».

الوجه الثاني: أن الحُسْن ومشتقاته يستخدم كثيرًا كحكاية لُغويَّة في تبيين الوقوف وشرحها، وقد تختلط الحكاية اللغوية بالعبارة الاصطلاحية؛ فلا يُعرف المقصود؛ وخصوصًا لغير المتخصِّصين.
والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جدًّا أكتفي بما قاله الدانيُّ - رحمه الله – في المكتفى (ص99): «ومن قرأ ((إنه عمل غير صالح)) بكسر الميم وفتح اللام ونصب الراء لم يبتدئ بذلك ولم يقف على ما قبله؛ لأن المراد ابن نوح عليه السلام. ومن قرأ ((إنه عمل غير صالح)) بفتح الميم ورفع اللام وتنوينها ورفع الراء فله أيضًا تقديران: أحدهما أن يراد ابن نوح كالأولى بتقدير: أنه عمل غير صالح. فعلى هذا أيضًا لا يوقف على ما قبله ولا يبتدأ به. والثاني أن يراد السؤال بتقدير: إن سؤالك إياي أن أنجي كافرًا عمل غير صالح. وهو تقدير أبي عمرو بن العلاء وغيره. فعلى هذا يحسن الوقف على ما قبله والابتداء به؛ لأنّه ينقطع مما قبله».
وعلى اصطلاح الداني نفسه كان يجب أن يستخدم (يكفي الوقف) بدل (يحسن الوقف)، ولكنَّه استخدم الأخير من باب الحكاية اللغوية لا الاصطلاحية، وفيه إيهام. والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم. والحمد لله رب العالمين.
 
الاصطلاح المستقر الآن يستخدم الحسنَ للتعبير عن إحدى مراتب الوقف الناقص؟! فلا شكَّ أن المعنى اللغوي للحُسْنِ يربو كثيرًا على المعنى الاصطلاحيِّ؛ بما يفوق طاقة التخصيصِ أو القَصْرِ؛ بل يُحرف المعاني اللغوية ويجرفها بضَرْبٍ من التطوُّر الدلاليِّ الممجوج عرفًا وذوقًا؟
أجدت قولا وفعلا
الكامل ما كان تاما او كافياً، على تفاوت في درجة الكمال.
الناقص ما كان مفهوما او مرفوضا(ما لاينبغي الوقف عنده اختيارا).
والحسن يقابله القبح ، والتام والكافي والمفهوم كله حسن وغيره قبيح.
وكل ما صلح الوقف عليه يقابله ما ساء الوقف عنده وقبحَ.

بورك فيك .
 
عودة
أعلى