أبو المنذر المصري
New member
- إنضم
- 09/07/2004
- المشاركات
- 8
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما بعد
فهذه نبذة مختصرة عن تفاضل آي القرآن ، أسأل الله أن ينفع بها
أفرد الإمام الزركشي رحمه الله ، هذه المسألة ببحث مستقل في كتابه "البرهان في علوم القرآن" ، وذكر الآراء التي قيلت في هذه المسألة :
أولا : قال البعض بأنه ، لا فضل لبعض القرآن على بعض ، لأن الكل كلام الله ، وكذلك أسماؤه تعالى لا تفاضل بينها ، واحتجوا بأن الأفضل يشعر بنقص المفضول ، وكلام الله حقيقة واحدة لا نقص فيه ، وهذا رأي ابن كلاب رحمه الله ، ومن تبعه كأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر الباقلاني رحمهما الله ، وكان هذا الرأي بمثابة رد فعل لقول المعتزلة بخلق القرآن ، حيث ظنوا أن الرد عليه ، يستلزم القول بأن كلام الله معنى واحد قائم بذاته ، مجرد عن الصيغة (وهو ما عبره عنه بالكلام النفسي) ، لا فضل لبعضه على بعض ، بل وذهبوا إلى أن هذا المعنى المجرد عن الصيغة مسموع دون أن يكون هناك كلام ، وهذا من الإفتراضات المستحيلة ، إذ أنهم يعلقون إدراك الشيء بالحواس على وجوده ، فكل وجود عندهم ، يصح تعلق الإدراكات كلها به ، وهذا بطبيعة الحال ، مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة ، الذين يقولون بأن القرآن كلام الله ، تكلم به سبحانه وتعالى بصوت وحرف ، وأنه سبحانه وتعالى يتكلم بما شاء وقتما شاء ، فهو بإعتبار أصله ، صفة ذات ، وبإعتبار آحاده ، صفة فعل تتعلق بمشيئة الله عز وجل ، كما قرر ذلك ابن عثيمين رحمه الله ، ويقولون أيضا ، بتفاضل كلام الله عز وجل ، وأن بعضه أفضل من بعض ، كما سيأتي إن شاء الله .
وممن نقل الزركشي رحمه الله ، قوله بهذا الرأي ، من أهل السنة والجماعة ، مالك رحمه الله ، حيث قال : وروي معناه عن مالك ، قال يحيى بن يحيى : تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ، وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها ، وهذا ما أنقله ، والعهدة على راويه (وهو الزركشي رحمه الله ، في البرهان (1/438) طبعة مكتبة دار التراث) ، ولا أدري هل هذا يعني أن مالك رحمه الله ، قد خالف أهل السنة في هذه المسألة ، أم أنه يمكن تخريج كلامه على أصول أهل السنة ، والله أعلم .
ونقل أيضا ، قول ابن حبان رحمه الله ، وهو من أئمة أهل السنة والجماعة المعتبرين ، حيث قال في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه : (ما أنزل الله في التوارة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، إن الله لا يعطي لقاريء التوارة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقاريء أم القرآن إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه) ، قال : وقوله : أعظم سورة ، أراد به في الأجر ، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض .
ثانيا : وقال قوم بالتفضيل لظواهر الأحاديث ، ثم اختلفوا :
فقال البعض بأن الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب بحسب إنفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها عند ورود أوصاف العلا ، وهذا قول ، على ما يبدوا مشابه لقول ابن حبان رحمه الله .
وقال البعض ، بأن الفضل يرجع لذات اللفظ ، فما تضمنه قوله تعالى : (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ، وآية الكرسي وآخر سورة الحشر ، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ، ليس موجودا مثلا في قوله تعالى : (تبت يدا أبي لهب وتب) ، وما كان مثلها ، فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها ، لا من حيث الصفة ، ويرجح الزركشي رحمه الله هذا الرأي بقوله : وهذا هو الحق .
ومضمون هذا الكلام مماثل لرأي شيخ الإسلام رحمه الله ، في هذه المسألة ، حيث قال ، في جواب أهل العلم والإيمان ، بأن الكلام له نسبتان : نسبة إلى المتكلم به ، ونسبة إلى المتكلم فيه ، فهو يتفاضل بإعتبار النسبتين وبإعتبار نفسه أيضا ، فإن (قل هو الله أحد) و (تبت يدا أبي لهب) كلاهما كلام الله تعالى ، وهما مشتركان من هذه الجهة ، لكنهما متفاضلان من جهة المتكلم فيه ، المخبر عنه ، فالآيات الأولى كلام الله وخبره الذي يخبر به عن نفسه ، وصفته التي يصف بها نفسه ، وكلامه الذي يتكلم به عن نفسه تعالى ، والآيات الثانية كلام الله الذي يتكلم به عن بعض خلقه ، ويخبر به ويصف به حاله ، وهما في هذه الجهة متفاضلان ، بحسب تفاضل المعنى المقصود بالكلامين . اهـ ، وكلام الشيخ عز الدين (الذي نقله الزركشي رحمه الله) ، يؤيد كلام ابن تيمية السابق ، حيث قال : كلام الله في الله أفضل من كلام الله في غيره ، فـ (قل هو الله أحد) ، أفضل من (تبت يدا أبي لهب) ، وعلى ذلك بنى الغزالي كتابه المسمى "جواهر القرآن" ، وقد اختار القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله ، هذا الرأي ، واستدل بحديث : (إني لأعلمك سورة هي أعظم السور في القرآن ، قال : (الحمد لله رب العالمين) ، وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا أبي ، أتدري أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قال : قلت : (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ، قال : فضرب في صدري وقال : ليهنك العلم أبا المنذر ، ومن مجموع هذه الآراء يتبين رجحان هذا القول ، والله أعلم .
ولكني ، للأمانة العلمية ، أنقل رد أحد المخالفين ، وهو القاضي شمس الدين الخويي ، كما ذكره الزركشي رحمه الله ، حيث قال : كلام الله أبلغ من كلام المخلوقين ، وهل يجوز أن يقال بعض كلامه أبلغ من بعض ؟ ، جوزه بعضهم لقصور نظرهم ، وينبغي أن يعلم أن معنى قول القائل : هذا الكلام أبلغ من هذا الكلام ، أن هذا في موضعه له حسن ولطف ، وذاك في موضعه له حسن ولطف ، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه ، فإن من قال : إن (قل هو الله أحد) أبلغ من (تبت يدا أبي لهب وتب) يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب ، وبين التوحيد والدعاء على الكافرين ، وذلك غير صحيح ، بل ينبغي أن يقال : (تبت يدا أبي لهب وتب) دعاء عليه بالخسران ، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه ! وكذلك في (قل هو الله أحد) ، لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها ، فالعالم إذا نظر إلى (تبت يدا أبي لهب وتب) في باب الدعاء بالخسران ، ونظر إلى (قل هو الله أحد) ، في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول : أحدهما أبلغ من الآخر ، وهذا القيد يغفل عنه بعض من لا يكون عنده علم البيان .
فهذه نبذة مختصرة عن تفاضل آي القرآن ، أسأل الله أن ينفع بها
أفرد الإمام الزركشي رحمه الله ، هذه المسألة ببحث مستقل في كتابه "البرهان في علوم القرآن" ، وذكر الآراء التي قيلت في هذه المسألة :
أولا : قال البعض بأنه ، لا فضل لبعض القرآن على بعض ، لأن الكل كلام الله ، وكذلك أسماؤه تعالى لا تفاضل بينها ، واحتجوا بأن الأفضل يشعر بنقص المفضول ، وكلام الله حقيقة واحدة لا نقص فيه ، وهذا رأي ابن كلاب رحمه الله ، ومن تبعه كأبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر الباقلاني رحمهما الله ، وكان هذا الرأي بمثابة رد فعل لقول المعتزلة بخلق القرآن ، حيث ظنوا أن الرد عليه ، يستلزم القول بأن كلام الله معنى واحد قائم بذاته ، مجرد عن الصيغة (وهو ما عبره عنه بالكلام النفسي) ، لا فضل لبعضه على بعض ، بل وذهبوا إلى أن هذا المعنى المجرد عن الصيغة مسموع دون أن يكون هناك كلام ، وهذا من الإفتراضات المستحيلة ، إذ أنهم يعلقون إدراك الشيء بالحواس على وجوده ، فكل وجود عندهم ، يصح تعلق الإدراكات كلها به ، وهذا بطبيعة الحال ، مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة ، الذين يقولون بأن القرآن كلام الله ، تكلم به سبحانه وتعالى بصوت وحرف ، وأنه سبحانه وتعالى يتكلم بما شاء وقتما شاء ، فهو بإعتبار أصله ، صفة ذات ، وبإعتبار آحاده ، صفة فعل تتعلق بمشيئة الله عز وجل ، كما قرر ذلك ابن عثيمين رحمه الله ، ويقولون أيضا ، بتفاضل كلام الله عز وجل ، وأن بعضه أفضل من بعض ، كما سيأتي إن شاء الله .
وممن نقل الزركشي رحمه الله ، قوله بهذا الرأي ، من أهل السنة والجماعة ، مالك رحمه الله ، حيث قال : وروي معناه عن مالك ، قال يحيى بن يحيى : تفضيل بعض القرآن على بعض خطأ ، وكذلك كره مالك أن تعاد سورة أو تردد دون غيرها ، وهذا ما أنقله ، والعهدة على راويه (وهو الزركشي رحمه الله ، في البرهان (1/438) طبعة مكتبة دار التراث) ، ولا أدري هل هذا يعني أن مالك رحمه الله ، قد خالف أهل السنة في هذه المسألة ، أم أنه يمكن تخريج كلامه على أصول أهل السنة ، والله أعلم .
ونقل أيضا ، قول ابن حبان رحمه الله ، وهو من أئمة أهل السنة والجماعة المعتبرين ، حيث قال في حديث أبي بن كعب رضي الله عنه : (ما أنزل الله في التوارة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، إن الله لا يعطي لقاريء التوارة والإنجيل من الثواب مثل ما يعطي لقاريء أم القرآن إذ الله بفضله فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ، وأعطاها من الفضل على قراءة كلامه أكثر مما أعطى غيرها من الفضل على قراءة كلامه) ، قال : وقوله : أعظم سورة ، أراد به في الأجر ، لا أن بعض القرآن أفضل من بعض .
ثانيا : وقال قوم بالتفضيل لظواهر الأحاديث ، ثم اختلفوا :
فقال البعض بأن الفضل راجع إلى عظم الأجر ومضاعفة الثواب بحسب إنفعالات النفس وخشيتها وتدبرها وتفكرها عند ورود أوصاف العلا ، وهذا قول ، على ما يبدوا مشابه لقول ابن حبان رحمه الله .
وقال البعض ، بأن الفضل يرجع لذات اللفظ ، فما تضمنه قوله تعالى : (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم) ، وآية الكرسي وآخر سورة الحشر ، وسورة الإخلاص من الدلالات على وحدانيته وصفاته ، ليس موجودا مثلا في قوله تعالى : (تبت يدا أبي لهب وتب) ، وما كان مثلها ، فالتفضيل إنما هو بالمعاني العجيبة وكثرتها ، لا من حيث الصفة ، ويرجح الزركشي رحمه الله هذا الرأي بقوله : وهذا هو الحق .
ومضمون هذا الكلام مماثل لرأي شيخ الإسلام رحمه الله ، في هذه المسألة ، حيث قال ، في جواب أهل العلم والإيمان ، بأن الكلام له نسبتان : نسبة إلى المتكلم به ، ونسبة إلى المتكلم فيه ، فهو يتفاضل بإعتبار النسبتين وبإعتبار نفسه أيضا ، فإن (قل هو الله أحد) و (تبت يدا أبي لهب) كلاهما كلام الله تعالى ، وهما مشتركان من هذه الجهة ، لكنهما متفاضلان من جهة المتكلم فيه ، المخبر عنه ، فالآيات الأولى كلام الله وخبره الذي يخبر به عن نفسه ، وصفته التي يصف بها نفسه ، وكلامه الذي يتكلم به عن نفسه تعالى ، والآيات الثانية كلام الله الذي يتكلم به عن بعض خلقه ، ويخبر به ويصف به حاله ، وهما في هذه الجهة متفاضلان ، بحسب تفاضل المعنى المقصود بالكلامين . اهـ ، وكلام الشيخ عز الدين (الذي نقله الزركشي رحمه الله) ، يؤيد كلام ابن تيمية السابق ، حيث قال : كلام الله في الله أفضل من كلام الله في غيره ، فـ (قل هو الله أحد) ، أفضل من (تبت يدا أبي لهب) ، وعلى ذلك بنى الغزالي كتابه المسمى "جواهر القرآن" ، وقد اختار القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله ، هذا الرأي ، واستدل بحديث : (إني لأعلمك سورة هي أعظم السور في القرآن ، قال : (الحمد لله رب العالمين) ، وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا أبي ، أتدري أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قال : قلت : (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ، قال : فضرب في صدري وقال : ليهنك العلم أبا المنذر ، ومن مجموع هذه الآراء يتبين رجحان هذا القول ، والله أعلم .
ولكني ، للأمانة العلمية ، أنقل رد أحد المخالفين ، وهو القاضي شمس الدين الخويي ، كما ذكره الزركشي رحمه الله ، حيث قال : كلام الله أبلغ من كلام المخلوقين ، وهل يجوز أن يقال بعض كلامه أبلغ من بعض ؟ ، جوزه بعضهم لقصور نظرهم ، وينبغي أن يعلم أن معنى قول القائل : هذا الكلام أبلغ من هذا الكلام ، أن هذا في موضعه له حسن ولطف ، وذاك في موضعه له حسن ولطف ، وهذا الحسن في موضعه أكمل من ذاك في موضعه ، فإن من قال : إن (قل هو الله أحد) أبلغ من (تبت يدا أبي لهب وتب) يجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب ، وبين التوحيد والدعاء على الكافرين ، وذلك غير صحيح ، بل ينبغي أن يقال : (تبت يدا أبي لهب وتب) دعاء عليه بالخسران ، فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه ! وكذلك في (قل هو الله أحد) ، لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها ، فالعالم إذا نظر إلى (تبت يدا أبي لهب وتب) في باب الدعاء بالخسران ، ونظر إلى (قل هو الله أحد) ، في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول : أحدهما أبلغ من الآخر ، وهذا القيد يغفل عنه بعض من لا يكون عنده علم البيان .