أنزلت هذه المسألة قبل ما يقارب الأسبوعين لعلي أحظى بإجابة شافية. وقد كنت أنزلتها هنا فنقلت إلى المنتدى المفتوح ولا تزال. وها أنا أكرر طرح المسألة نظراً للأهمية وما يترتب عيلها من نتائج على مستوى الأخذ والرد:
((الحديث الذي انفرد به الراوي لماذا هو حجة في الدين؟ هذا السؤال يلح علي كحديث نفس. ومعلوم أن الشهادة في أمور الدنيا تحتاج إلى عدلين، فما بالنا لا نأخذ بشهادة العدل الواحد في أمور الدنيا ونلزم به الناس في أمور الدين؟
أقول هذا لما لاحظت من أن حديث الواحد قد يتناقض مع سياق القرآن الكريم، وعلى الرغم من ذلك نلتزم الأخذ به حتى لا نكون ممن يقدّم العقل على النص. وحقيقة الأمر أنه خبر الواحد في مقابلة العقل.
خلاصة ما أريده من الأخوة الكرام أن يبينوا أدلة العلماء في التفريق بين الشهادة والرواية، أقصد الأدلة النصية. ولكم جزيل الشكر)).
اقرأ في هذا الموضوع كتاب حجية خبر الواحد للشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله
وكتاب أخبار الآحاد وحجيتها للقاضي برهون
وكتاب الصواعق المرسلة لابن القيم رحمه الله
وأقول لصاحب الموضوع:
إن لكل علم أهلاً ، وفي كل علم مسائل وأصول معلومة لا يختلف فيها أهله، ومسائل أخرى يختلفون فيها
ومن هذه المسائل المعروفة لدى أهل العلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم قبول خبر الواحد بشروطه المعتبرة لدى أهل الرواية.
فالذي أوصيك به - أخي الكريم - أن تنظر في منهج أولئك الأئمة النقاد في خبر الواحد وتعرف حجتهم ثم تتبعهم على منهجهم فإنهم كانوا على الحق والهدى
ولو أن رجلاً لا علم له بالطب تكلم في الأمراض وعلاجها بما يخالف أصلاً من أصول الطب المعروفة لدى أهله لم يكن لقوله قبولاً ولا حظاً من النظر
فكذلك من تكلم في مسألة من المسائل الأصول في علم الحديث بما يخالف ما عليه أهل هذا العلم لم يكن لقوله قبولاً ولا حظاً من النظر
ولأختصر عليك المقال سأذكر لك زبداً من أقوالهم تكفيك عما وراءها ، وتعرفك بمنهج أهل الحديث في هذا الأمر الجلل، وتنبيك عن بدعية التشكيك في خبر الواحد ، وتشنيع الأئمة على من يطعن في الأسانيد بهذه الطريقة.
قال الخطيب البغدادي رحمه الله: (وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا). الكفاية (1/129).
وقال الحافظ النووي رحمه الله: (أجمع من يُعتد به على الاحتجاج بخبر الواحد ووجوب العمل به، ودلائله من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وسائر الصحابة ومن بعدهم أكثر من أن يحصر). شرح صحيح مسلم (14/131(
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: (وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعا وديناً في معتقده، على ذلك جماعة أهل السنة والجماعة) التمهيد (1/8)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( و أما القسم الثاني من الأخبار , فهو ما لا يرويه إلا الواحد العدل ونحوه , ولم يتواتر لفظه ولا معناه , ولكن تلقته الأمة بالقبول عملا به , أو تصديقا له , كخبر عمر بن الخطاب رضى الله عنه (( إنما الإعمال بالنيات )) .... وأمثال ذلك , فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين . أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع , وأما الخلف فهذا مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة)
قلت:
وكان عليه عمل الصحابة رضي الله عنهم
ومن ذلك:
o عمل عمر بخبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس
o وعمل عمر بن الخطاب بخبر عبد الرحمن بن عوف أيضاً في قصة الطاعون
o وعمل علي رضي الله عنه بخبر المقداد بن الأسود في حكم المذي
وللتفرد أحوال وأحكام لدى أهل العلم بالحديث ، والكلام السابق هو على تفرد من تقبل روايته بشروطها المعتبرة لدى أهل العلم بالحديث
أما تفرد من لا تقبل روايته فلا يحتج بها
وكذلك تفرد الثقة بما يخالف من هو أوثق منه غير مقبول
وتفصيل ذلك مذكور في موضعه في كتب علوم الحديث فراجعه إن شئت.