د محمد الجبالي
Well-known member
هل يمكن أن يقوم المفعول المطلق مقام المفعول به؟
من المعلوم أن المفعول المطلق فَضلَة يمكن الاستغناء، أما المفعول به فركن أساسي في الجملة لا يمكن حذفه، فهل يمكن أن يَحِلَّ المفعول المطلق مَحَلَّ المفعول به ويقوم مَقامَه؟
دفعني إلى هذا السؤال رسالة من صديق ماليزي أزهري أرسل يسأل: جملة: (قلتُ قولا)
قِيل إن إعراب (قولا) مفعول مطلق لأنه مصدر مأخوذ من فعله.
وقِيل إن إعراب (قولا) مفعول به لأن الفعل (قال) مُتَعَدٍّ ويحتاج إلى مفعول به.
فما رأيكم؟
فأجبته جوابا لم يطمئن به قلبي
قلت: الوجهان صحيحان؛ لأن (قولا) مصدر للفعل (قال)، والاعتبار بِنِيَّةِ المتكلم، فإن قَصَدَ التوكيد، فإن (قولا) مفعول مطلق، وإن قصد الكلام والْمَقَالَة التي قالها، فإن (قولا) مفعول به.
وظل قلبي قَلِقاً بهذا الجواب، فأخذتُ أبحث في كتب إعراب القرآن فوجدتُ عَجَباً، وجدتُ العَلَّامَةَ محيي الدين درويش قد أعرب (قولا) في قول الله تعالى: ({وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا)} (البقرة:235) "مفعول مطلق ومعروفا صفة".
أما محمود صافي صاحب الجدول في إعراب القرآن فقد أعرب (قولا) "مفعول به منصوب، ومعروفا صفة".
هذا التضارب جعلني أبحث أيهما أَصَحُّ؟
أ(قولا) مفعول به باعتبار أنه لا يمكن حذفه، أم مفعول مطلق قام مقام المفعول به؟
ونظرتُ في القرآن فوجدتُ أن لتلك الآية نظائر منها قول الله عز وجل:
ولو أَمْعَنَّا النظر سنجد أننا لو أنكرنا وقوع (قولا) مفعول مطلق، فهذا يعني أن هذا الفعل من دون الأفعال لا يمكن أن يُصاغ منه مفعول مطلق، لأن كل فعل له مصدر، وكل مصدر يمكن أن يُصاغ منه مفعول مطلق في الكلام.
ودَعُونَا نتأمل معا الأوصاف التي وقعت وصفا لـ (قولا) في الآيات، إنها أوصاف مختلفة مقصودة كل وصف بحسب الْمَقام والحال وسياق الكلام، إذن التنوع مقصود، وهذا يناسب إعراب (قولا) في الآيات مفعول مطلق مبين للنوع.
وقد يَرُدُّ البعض كلامي هذا قائلا: لماذا لا تفترض أنها أوصاف للمفعول به، واختلفت الأوصاف باختلاف الحال والمقام والسياق؟
وأجيب: لستُ أختلف معك في ذلك، بل هو جائز، لكن ذلك لا يغني عن كون (قولا) يمكن أن يسقط عليها حكم المفعول المطلق المبين للنوع، أضِفْ إلى ذلك مَيْزَةً أخرى كائنة في المفعول المطلق ليست كائنة في المفعول به، ألا وهي إفادة التوكيد الموجودة في طبيعة صياغة المفعول المطلق مع كونه مُبَيِّناً للنوع.
وما أقصده أن (قولا) في الآيات السابقة تحتمل وجهين للإعراب، الأول: مفعول به، والآخر: مفعول مطلق، والعبرة في ذلك بِنِيَّةِ المتكلم.
سؤال آخر:
هل الفعل (قال) ومصدره (قولا) له حال خاصة في اللغة العربية؟
هل يوجد أفعال أخرى تشبه الفعل (قال) يحتمل مصدره الوجهين معا (مفعول به، ومفعول مطلق) في نفس السياق؟
تأملوا معي هذه الأفعال والجمل التي سيقت فيها:
أَفْهَمَ :
أَفْهَمَ المعلمُ الطالبَ إفهاما واضحا.
أَدْخَلَ:
أَدْخَلْتُ الضيفَ إدخالَ الْمُكْرَمِين.
لو تأملنا المفعول الثاني في الجملتين (إفهاما، وإدخال) سنجد أنه يحتمل وجهين، أحدهما مفعول به، والآخر مفعول مطلق مبين للنوع.
وقد يعترض البعض ويقول: يوجد مفعول به مقدر محذوف في الجملتين:
إن جاز أن تقدر مفعولا به في هاتين الجملتين، فإنه يجوز أن نقدر مفعولا به في مثل قولك: قلتُ قولا حسنا
والتقدير: قلت كلاما قولا حسنا
وعلى هذا لا تعرب (قولا) مفعولا به، بل تعرب مفعولا مطلقا
أخيرا:
هذه وجهة نظر خاصة، ورَأْيٌ خاص، لا أجزم بصحته، لكنه رَأْيٌ رأيته قد يُصِيب وقد يَخيب.
ولي ولكم أسأل الله السداد والرشد والرشاد
والله أعلم
د. محمد الجبالي
من المعلوم أن المفعول المطلق فَضلَة يمكن الاستغناء، أما المفعول به فركن أساسي في الجملة لا يمكن حذفه، فهل يمكن أن يَحِلَّ المفعول المطلق مَحَلَّ المفعول به ويقوم مَقامَه؟
دفعني إلى هذا السؤال رسالة من صديق ماليزي أزهري أرسل يسأل: جملة: (قلتُ قولا)
قِيل إن إعراب (قولا) مفعول مطلق لأنه مصدر مأخوذ من فعله.
وقِيل إن إعراب (قولا) مفعول به لأن الفعل (قال) مُتَعَدٍّ ويحتاج إلى مفعول به.
فما رأيكم؟
فأجبته جوابا لم يطمئن به قلبي
قلت: الوجهان صحيحان؛ لأن (قولا) مصدر للفعل (قال)، والاعتبار بِنِيَّةِ المتكلم، فإن قَصَدَ التوكيد، فإن (قولا) مفعول مطلق، وإن قصد الكلام والْمَقَالَة التي قالها، فإن (قولا) مفعول به.
وظل قلبي قَلِقاً بهذا الجواب، فأخذتُ أبحث في كتب إعراب القرآن فوجدتُ عَجَباً، وجدتُ العَلَّامَةَ محيي الدين درويش قد أعرب (قولا) في قول الله تعالى: ({وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا)} (البقرة:235) "مفعول مطلق ومعروفا صفة".
أما محمود صافي صاحب الجدول في إعراب القرآن فقد أعرب (قولا) "مفعول به منصوب، ومعروفا صفة".
هذا التضارب جعلني أبحث أيهما أَصَحُّ؟
أ(قولا) مفعول به باعتبار أنه لا يمكن حذفه، أم مفعول مطلق قام مقام المفعول به؟
ونظرتُ في القرآن فوجدتُ أن لتلك الآية نظائر منها قول الله عز وجل:
- {(وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)} [النساء: 5]
- {(فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)} [النساء: 9]
- {(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) } [النساء: 63]
- {(فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)} [الإسراء: 23]
- {(وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا}) [الإسراء:28]
- {(أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا)} [الإسراء: 40]
- {(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) } [طه: 44]
- {(فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)} [الأحزاب:32]
- {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)} [الأحزاب: 70]
ولو أَمْعَنَّا النظر سنجد أننا لو أنكرنا وقوع (قولا) مفعول مطلق، فهذا يعني أن هذا الفعل من دون الأفعال لا يمكن أن يُصاغ منه مفعول مطلق، لأن كل فعل له مصدر، وكل مصدر يمكن أن يُصاغ منه مفعول مطلق في الكلام.
ودَعُونَا نتأمل معا الأوصاف التي وقعت وصفا لـ (قولا) في الآيات، إنها أوصاف مختلفة مقصودة كل وصف بحسب الْمَقام والحال وسياق الكلام، إذن التنوع مقصود، وهذا يناسب إعراب (قولا) في الآيات مفعول مطلق مبين للنوع.
وقد يَرُدُّ البعض كلامي هذا قائلا: لماذا لا تفترض أنها أوصاف للمفعول به، واختلفت الأوصاف باختلاف الحال والمقام والسياق؟
وأجيب: لستُ أختلف معك في ذلك، بل هو جائز، لكن ذلك لا يغني عن كون (قولا) يمكن أن يسقط عليها حكم المفعول المطلق المبين للنوع، أضِفْ إلى ذلك مَيْزَةً أخرى كائنة في المفعول المطلق ليست كائنة في المفعول به، ألا وهي إفادة التوكيد الموجودة في طبيعة صياغة المفعول المطلق مع كونه مُبَيِّناً للنوع.
وما أقصده أن (قولا) في الآيات السابقة تحتمل وجهين للإعراب، الأول: مفعول به، والآخر: مفعول مطلق، والعبرة في ذلك بِنِيَّةِ المتكلم.
سؤال آخر:
هل الفعل (قال) ومصدره (قولا) له حال خاصة في اللغة العربية؟
هل يوجد أفعال أخرى تشبه الفعل (قال) يحتمل مصدره الوجهين معا (مفعول به، ومفعول مطلق) في نفس السياق؟
تأملوا معي هذه الأفعال والجمل التي سيقت فيها:
أَفْهَمَ :
أَفْهَمَ المعلمُ الطالبَ إفهاما واضحا.
أَدْخَلَ:
أَدْخَلْتُ الضيفَ إدخالَ الْمُكْرَمِين.
لو تأملنا المفعول الثاني في الجملتين (إفهاما، وإدخال) سنجد أنه يحتمل وجهين، أحدهما مفعول به، والآخر مفعول مطلق مبين للنوع.
وقد يعترض البعض ويقول: يوجد مفعول به مقدر محذوف في الجملتين:
- أَفْهَمَ المعلمُ الطالبَ إفهاما واضحا.
- أَدْخَلْتُ الضيفَ البيتَ إدخالَ الْمُكْرَمِين.
إن جاز أن تقدر مفعولا به في هاتين الجملتين، فإنه يجوز أن نقدر مفعولا به في مثل قولك: قلتُ قولا حسنا
والتقدير: قلت كلاما قولا حسنا
وعلى هذا لا تعرب (قولا) مفعولا به، بل تعرب مفعولا مطلقا
أخيرا:
هذه وجهة نظر خاصة، ورَأْيٌ خاص، لا أجزم بصحته، لكنه رَأْيٌ رأيته قد يُصِيب وقد يَخيب.
ولي ولكم أسأل الله السداد والرشد والرشاد
والله أعلم
د. محمد الجبالي