مسألة في التحرُّج من الاستدراك على العلماء وأثره:

إنضم
25/01/2013
المشاركات
94
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
مصر
مسألة في التحرُّج من الاستدراك على العلماء وأثره:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله؛ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده المصطفى ونبيُّه المجتبىصلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه أجمعينَ. وبعد؛
قضيَّة التحرَّج من الاستدراك على الأئمة العلماء بما صحَّ به الدليل وساغ به النَّظرُ، والتُزِم فيه بالأدب الواجب مع أمثالهم من الأكابر = مما يضرُّ ولا يفيدُ. وقد بسطتُ المسألة - قديمًا - بعض البسط في بحث: «تنقيح المنظومات العلميَّة بين حاجة الدارسين والتوقف في الاستدراك على العلماء». ثمَّ أثار شجونَها بعضُ ما طالعتُه في أحد الموضوعات التي يجري فيها النقاش بالملتقى المبارك في الوقت الحالي. فكان أن كتبتُ هذه المسألة على عجالة بنيَّة إضافتها هنالك، ثمَّ توقفتُ أن أضيفها؛ حتَّى لا يخرج الموضوع عن مضمونه، وآثرت أن أفرد لها موضوعًا مستقلًّا، لتحظى ببعض المباحثة الهادئة. وبالله التوفيق.
قال الحافظ الذهبي في ترجمة الإمام الحافظ علم الدين السخاويّ رحمه الله: [معرفة القرّاء الكبار 2/ 633 ط الرسالة].
قال القاضي في "وفيات الأعيان" [3/ 341]: رأيتُه مرارًا راكبًا بهيمة إلى الجبل وحوله اثنان وثلاثة يقرءون عليه، دفعة واحدة في أماكن من القرآن مختلفة، وهو يرد على الجميع.
قلت (الذهبي): ما أعلم أحدًا من المقرئين ترخَّص في إقراء اثنين فصاعدًا، إلا الشيخ علم الدين، وفي النفس من صحة تحمُّل الرواية على هذا الفعل شيءٌ؛ فإن الله تعالى ما جعل لرجل من قلبين في جوفه.
ولا ريب في أنَّ ذلك أيضًا خلاف السنة، لأنَّ الله تعالى يقول: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] .
وإذا كان هذا يقرأ في سورة، وهذا في سورة، وهذا في سورة، في آن واحد، ففيه مفاسد؛ أحدها: زوال بهجة القرآن عند السامعين.
وثانيها: أنَّ كلَّ واحد يشوش على الآخر، مع كونه مأمورًا بالإنصات.
وثالثها: أن القارئ منهم لا يجوز له أن يقول: قرأتُ القرآن كله على الشيخ وهو يسمع، ويعي ما أتلوه عليه، كما لا يسوغ للشيخ أن يقول لكل فرد منهم: قرأ عليَّ فلان القرآن جميعه، وأنا أسمع قراءته. وما هذا في قوة البشر.
قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان من وسع سمعه الأصوات [يشير إلى قصة المجادِلة]، وإنما يصحح التحمل إجازة الشيخ للتلميذ، ولكن تصير الرواية بالقراءة إجازة، لا سماعًا من كل وجه.
قال الإمام الحافظ ابن الجزري مُعلِّقًا: [الغاية 1/ 570 ط برجستراسر]
قال الذهبي: وفي نفسي شيء من صحة الرواية على هذا النعت؛ لأنه لا يتصور أن يسمع مجموع الكلمات. قلت: بل في النفس مما قاله الذهبي شيء ألم يسمع وهو يرد على الجميع مع أنَّ السخاويَّ لا نشك في ولايته، وقد أخبرني جماعة من الشيوخ الذي أدركتهم عن شيوخهم أنَّ بعض الجنِّ كان يقرأ عليه.
قلت: بل في النفس من كلام الإمام ابن الجزري رحمه الله شيءٌ؛ فإنَّ الإمام الذهبيَّ بنى اعتراضه على أدلَّة نقلية صحيحة الثبوت صريحة الدلالة، وقد أشار إلى غيرها عرضًا بذكر التشويش مثل أحاديث النهي عن المنازعة بالقرآن، والنهي عن أن يجهر بعضهم على بعض بالقرآن، وبالإشارة إلى أنَّ المقصود من قراءة القرآن تدبُّره وتحصيل بهجته... ونحو ذلك، ثمَّ بناه على أدلَّة عقلية وطَّأ لها بمعهود سنَّة الله عز وجل في خلقه. فكان على الإمام ابن الجزري أن يؤكِّد على الأصل الذي ذهب إليه الإمام الذهبيّ، وهو أنَّ على المقرئ أن يتفرَّغ لقارئ واحدٍ، ثمَّ يتناوبون عليه واحدًا واحدًا.. هذه هي السنَّة والشرع الذي صحَّت به الأدلَّة، والأصل الذي يستقيم عليه بناء الأحكام وتأصيلها، فإذا فعل ذلك جاز له أن يعتذر عن الإمام السخاويّ بما شاء من الاعتذارات؛ فتكون مقبولة كتبريرٍ لفعل الإمام السخاوي لا لتأسيس الأحكام عليها، على أنَّه يبقى خلاف السُّنَّة والأصل والمعهود، وليقبل هذه التبريرات مَن شاء أو ليرفضها.
أما أن تؤسس بما قاله ابن الجزري رحمه الله الأحكام ويرجَّح به؛ فهذا هو الذي فيه النَّظر. ويبقى أنَّ كلامَ العلماء وفِعلُهم غايته أن يُستدلَّ له لا أن يُستدَلَّ به.
ولننظرْ أثر كلام ابن الجزري السابق في بعض طلّاب العلم المعاصرين:
1- فضيلة الشيخ الحبيب القارئ إبراهيم الجرمي حفظه الله
قال الشيخ – حفظه الله – في رسالته : (فوائد ولطائف القراء من كتاب غاية النهاية ص 53 حاشية 3)؛ معلِّقًا على كلام ابن الجزري المذكور: «يعني ابن الجزري: ما دام السخاوي يردُّ عليهم فقد سمعهم أما وقد سمعهم فقد تحقق السماع ومن ثمَّ تحقق أخذ الطلبة عنه. والصواب ما قاله ابن الجزري، وهذا بشرط أن يكون المقرئ بعلم وضبط وأخذ السخاوي)» ا.هـ.
ولو سلَّمنا بهذا الشرط - مع أنَّه غير مُسلَّم - فيصير كلام ابن الجزري صوابًا في الاعتذار عن فعل السخاوي لا في تأسيس الحُكم الذي صوَّبه الشيخ الجرمي حفظه الله.
2- فضيلة الدكتور دخيل بن عبد الله الدخيل حفظه الله
في كتابه النافع الماتع: (إقراء القرآن الكريم: منهجه وشروطه وأساليبه وآدابه ص ص 227-229) تحت بحث مسألة: (عدد القراء على القارئ) بعد أن ذكر قصة الإمام السخاوي وذكر قصتين أخريين شبيهتين بها عن الإمام أبي بكر بن عيّاش وعن مكي بن أبي ريَّان بن شبّة الماكسيني (ت 603هـ) ؛ قال: «الرأي المختار هو ما قاله ابن الجزري، وهذا بشرط تمكن الشيخ من حفظه، وأن يكون ذا خبرة طويلة بأحوال الطلاب، والأماكن الصعبة التي يمكن وقوع الخطأ فيها وكأن يكون المقرئ بعلم وضبط وأخذ السخاوي» ا.هـ. فجعله فضيلة الدكتور هو الرأي المختار تأسيسًا على تصويب اعتذار ابن الجزري عن فعل علم الدين السخاويّ، وقصتين أُخريَيْنِ، مع أنَّه ذكر نصًّا في حكايته للمذهب الثاني غير المختار عنده (ص 228)؛ قال: « إذا ابتدأ بالأخذ عليهم أقرأهم واحدًا واحدًا، فبذلك جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ....» فانظر كيف يُرجَّح مذهبٌ بناءٍ على قصص فردية إن صحَّت كلُّها فهي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وبناء على قول إمامٍ جليلٍ يعتذِر به عن فعل إمامٍ آخر. في مقابل تضعيف ما جاءت به السنَّة، وما شهد له العقل والمنطق والواقع. على أنَّه كان يلزم أن يقال على ما ذهبوا إليه: الرأي المختار عدم جواز هذا الفعل لمخالفته للسُّنَّة والجبلَّة التي جبل الله الناس عليها؛ إلا أن يكون فاعله يرى من نفسه أنَّه كأبي بكر بن عيَّاش وعلم الدين السخاويّ. والله المستعان.
فائدة
قال فضيلة الشيخ الدكتور يحيى الغوثاني حفظه الله في كتابه (كيف تحفظ القرآن الكريم ص 163): استماع الشيخ لأكثر من طالب في وقت واحد: وذلك بأن يكلف الشيخ ثلاثة أو أربعة من طلبته بالمراجعة، فيقرؤوا سوية كل واحدٍ يراجع سورة تختلف عن الثاني، بصوت متوسط الارتفاع والشيخ يسمع للكلّ ويصحِّح لهم بدون أي اختلاط، وذلك لتمكن الشيخ من حفظه وخبرته الطويلة بأحوال الطلاب، والأماكن الصعبة التي يمكن وقوع الخطأ فيها، وقد رأيت ذلك في بعض الحلقات الباكستانية.
وهذه الطريقة إن كانت تجوز في مجال المراجعة فلا ينبغي إقرارها في مجال القراءة على الشيخ لأجل الإجازة والرواية عنه؛ لما في ذلك من خشية فوات حرفٍ أو كلمة. وختمة الإجازة ينبغي أن تكون مضبوطة على الشيخ حرفًا حرفًا بالتجويد والإتقان والترتيل والإحسان» ا.هـ.
وظاهر كلام الشيخ حفظه الله يدلُّ على أنَّه يقول بجوازها في المراجعة دون الإجازة، فإن كان ما فهمتُه من كلامه صحيحًا؛ فإنَّ القول بجوازها في المراجعة فيه نظرٌ؛ لأنَّ المقصودَ في المراجعةِ ضبط الحروف استظهارًا ولفظًا، فلا تختلفُ عن مقصودٍ الإجازة إلا في بعض دقائق التجويد والرواية وفي مرتبة القراءة، على أنَّ مرتبة القراءة الشائعة في المراجعة (سميّتُها الحدر المفهم في موضوع آخر) = تضيف مزيدًا من الصعوبة على الشيخ المتابِع، ثمَّ إنَّ القول بأنَّ أربعة من الطلّاب أو حتى ثلاثة أو اثنين يقرؤون في الوقت نفسه في سور مختلفة والشيخ يضبط قراءتهم كلَّهم = لمما يُتعجب منه، ولا نماري في أنَّ فضيلة الشيخ الغوثاني- حفظه الله - قد رآه؛ فهو مُصدَّقٌ، ولكنَّ السؤال: هل تأكَّد فضيلة الشيخ أنَّ المشايخ الباكستانيين المذكورين يضبطون ذلك فعلًا؟ وكيف تأكَّد؟ وهل اتّبع منهجية سليمة لهذا التأكُّد؟ ليته يذكر لنا ذلك. وإن كان ذلك كذلك؛ فنحن – في حلقات التحفيظ – في حاجة إلى أن نكتسب تلك المهارة؛ لنتمكَّن من إدارة الوقت بمزيدٍ من الكفاءة. والمتخصِّصون في التعليم القرآنيّ يعلمون أنَّ معضلة الوقتِ وإدارته من أخطر مشكلات التعليم القرآنيّ وأهمِّها وأحراها بتوجيه البحث والنّظر.
على أنَّ العلماء المتخصصين في أبحاث المخ والذاكرة والذكاءات المتعددة يقطعون بأنَّ ذلك مستحيلٌ؛ لأنَّ هذه الأفعال تثير المراكز نفسها من المخِّ، فيحصل التداخل، ولا يستقيم أن يأتي المرءُ في الوقت نفسه أكثر من عمل يعتمد كلٌّ منها على نوعٍ واحد من خلايا المخّ المنظِّمة لذلك النشاط. وقد أثبتوا ذلك بأبحاث تجريبية. وما كان بهذه الصفة لا يُدحَض إلا بكلام علمي تجريبيٍّ منهجيٍّ. والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
 
أحسنت يا دكتور محمود باثارة موضوع حساس جدا وهو الاستدراك على العلماء والتحرج منه.
واخترتَ(الاستماع الآني لتلاوات متعددة) انموذجا
نعم يطرق السمع أصوات متعددة في لحظة واحدة ولكن الدماغ يستجيب لأقواها وقعا وتأثيرا فاذا توالت الاصوات واختلفت شدتها بنفس الوقت سيغيّر الدماغ (المركز السمعي) استجابته وسيختل نظام رد فعله سلبا او ايجابا.
نحن لا ننفي بقدرة القادر ان يكون ذلك واقعا لا منطقيا ولا علميا فان لأولياء الله شأن مع ربهم لا كشؤون العوام، فقد يعطيهم من الخواص والقابليات ما لا تستطيع الافهام الساذجة تحمله، ولكن عمليا كيف نثبت ذلك لأنفسنا وللآخرين فان جاءنا اليوم من يقول بقابليته على الدخول في جوهر الشمس قلنا له تفضل واحترق قبل ان تصلها بكيلومترات. مع اننا لا ننفي ان الله قادر على ان لايحرقه وليس هذا موضع خلافنا انما نتكلم عن السنن الكونية التي لم يبدلها الله جل وقدر وعلا وقهر.
ومن قال بقابليته على متابعة التالين للقرآن ورصد أخطائهم بلحظة واحدة قلنا له نعم انت تتابع الاول فيخطيء فتكلمه ثم تتابع الثاني فيخطيء فتكلمه وهكذا وخلا فترة تكلمك مع الاول يخطيء الثاني فتشير له بالسكوت فبلا شك سيفوتك من ذا وذاك ما لا تستطيع تداركه فضلا عن العشوائية والتخبط وذهاب الهيبة التلاواتية وحرمان الجميع من الملاحظات النافعة لهم جميعا.
هذا مع افتراض انهم يقرأون بطبقة صوتية واحدة اما اذا فاق بعضهم بعضا بها فائتني بالملكين الصالحين عن اليمين والشمال يدونان لك ما اخطأوا فيه وما أصابوا.

أجدد تقديري العالي لاختيار الدكتور محمود لموضوع حساس وهذا باب قل من يطرقه وندر من يسلكه.
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
روعة من الاخين الكريم الاستاذ محمود و الاستاذ كريم و الله في قمة الابداع
و على هذا ما رايكم بشخ يقرا ثلاثين شخصا جمع كبير للصغرى مثلا يقول للاول اقرا ثم اذا وقف يقول للثاني اكمل ثم اذا وقف يقول للثالث اقرا و هذا حتى يختم القران و لم يقرا كل شخص سوى جزء او اقل بقليل او اكثر بقليل ثم يقول الشيخ لهم اجزتكم و يكتب سمعت القران كاملا من كلا واحد -غريييييييييييييييب-
 
عودة
أعلى