منها: أنَّ آيات القرآن نفسها تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُأت معجزة مع تكرار طلب المشركين لذلك مرارً وتكرارً، بحجة أن المعجزة لو تحققت ولم يؤمن بها كفار قريش حلَّ عليهم العذاب، وأنه أكتفى بالقرآن معجزة له.
.
هذا القول يقصد به بعض آيات القرآن التي ربما فهم منها أن رسول الله لم تكن معه آية غير القرآن ، كهذه مثلا
(وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)
إلا أن هذا الفهم غير صائب فقد ثبت أن رسول الله جاء بآيات حسية للكفار غير القرآن وإن كان القرآن هو أعظم آية.
فيجب أن نفهم أمثال هذه الآية فهما صحيحا
والرد في نقطتين :
1- يجب أن نعلم أن ثمة آيات ألوهية وآيات ربوبية ، فآيات الألوهية هي الخوارق التي تخرق قوانين الطبيعة ، مثل القرآن ، عصا موسى ، انشقاق القمر ، عدم احراق النار ابراهيم الخ ،
مثلا ما حدث لأصحاب الكهف هذا أمر خارق لقوانين الطبيعة ، فقد ناموا ثلاثة قرون ، وكانت الشمس تزاور عن كهفهم ، وهي الي تسير وفق قانون طبيعي ، هذا إذا أمر خارق لذا نجد أن الله يقول عن هذا الأمر أنه أية من آيات الله (آية ألوهية)
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّه)
وثمة نوع آخر من الآيات وهي آيات الربوبية وهذه ليست خوارق لقوانين الطبيعة ، وإن كانت أيضا آيات ، مثل هذه الأمور التي ذكرها الكفار:
(أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ)
( أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا )
(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)
(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا)
(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا)
وأيضا طلبوا منه أن يأتي بعذاب كالذي وقع بالأمم السابقة ، وأيضا أن يأتي بالآخرة
(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)
2- الأمر الثاني : في قوله تعالى :(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ـ
هم لم يؤمنوا لعدم تحقق الشرط ، ولكن الشرط فيه أركان فأي الأركان لم يتحقق؟
- هل القرآن لم ينزل
- أم نزل على غير رجل
- أم نزل على رجل من قرية غير القريتين
- أم نزل على رجل من القريتين غير عظيم (في نظرهم)
في الحقيقة كل الشروط تحققت إلا الشرط الأخير ، فالقرآن نزل ، على رجل ، من القريتين ، ولكن غير عظيم من وجهة نظرهم.
لذا فالقرآن بين الشرط الذي لم يتحقق بأن أخره ، فلو قال (على رجل عظيم من القريتين) لكان المعنى أن رسول الله عطيم في نظرهم ولكن ليس من القريتين ، فالذي تأخر هو ما لم يتحقق في الشرط.
إن عرفت ذلك أعمله في قوله تعالى :
(وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ )
فهذا يعني أن الذي لم يقع من شرطهم ليس نزول الآية ، ولكن نوع الآية (ألوهيه = من الله ، أم ربوبية = من ربه) ، هم قالوا نحن لا نؤمن حتى تأتي آية ربوبية ، مثلا أن يحل بنا عذاب أو أن تكون عظيما أو أن يلقى إلك كنز إلى آخره ، وهذا لم يقع للأسباب التي ذكرها القرآن ردا عليهم ، ولكنهم لما طلبوا آيات ألوهية وقعت ، فحين طلبوا منه شق القمر حدث .
والأسباب التي منعت نزول آيات الربوبية قد ذكرها القرآن ، نذكر منها مثلا
لما طلبوا منه أن ينزل عليهم العذاب كما حدث للقرى التي أهلكها الله من قبل ، قال الله : (
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا )
- وهذا فيه معنيان ، الأول أنه لما كانت هذه الآيات ليست خوراق فإنهم سيكذبون بها ، ويقولون أنها مجرد كوارث طبيعية حلت بهذه الأقوام ليست لها علاقة بكونهم كفارا (
إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ)، والثاني أن هذا العذاب ما هو إلا تخويف للأمم التي تأتي من بعد الأمة الهالكة ، وأمة محمد هي آخر أمة ، فيهلكها ليخوف من؟! وليس بعدها أحد.
والله أعلم