مسألة دعوى تكرار النزول هل تصح ؟

إنضم
25/04/2003
المشاركات
264
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر العلماء – رحمهم الله - أنه إذا تعددت الروايات في سبب النزول فإنها لاتخلوا من ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن تكون جميع الروايات غير صريحة ؛ فتحمل حينئذ على أنها من قبيل التفسير وليس المراد ذكر سبب النزول .
الحالة الثانية : أن يكون بعضها صريح وبعضها غير صريح ؛ فالمعتمد حينئذ هو الصريح .
الحالة الثالثة : أن يكون الجميع صريحا ، وهذه لها حالات :
1- أن يكون أحد الروايات صحيحا والآخر غير صحيح ؛ فالمعتمد حينئذ الصحيح .
2- أن يكون الجميع صحيحاً ، وهنا يكون الجمع إن أمكن ، وإلا فالترجيح إن أمكن ، وإلا حمل على تعدد النزول وتكراره . [ انظر : مباحث في علوم القرآن للشيخ مناع القطان ، ص : 92 ]

والسؤال هو : هل تصح دعوى تكرار النزول ؟
يلاحظ أن دعوى تكرار النزول إنما لجأ إليها المتأخرون فراراً من ترجيح أحد الروايات على الأخرى .
والحقيقة أن هذه الدعوى لا تثبت أمام الدراسة والتحقيق ، ومما يرد هذه الدعوى :
1- أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم القول بتكرار نزول شيء من آي القرآن .
2- أن في القرآن آيات تكرر نزولها وكتبت مكررة ، إما في سورة واحدة ، أو في عدة سور ، وقد تتكر مع تغاير يسير في الللفظ .
مثال الأول : قوله تعالى : } تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ { [ البقرة : 134 ، 141]
ومثال الثاني : قوله تعالى : } وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ [ يونس : 48 ، الأنبياء : 38 ، النمل : 71 ]
ومثال الثالث : قوله تعالى : } يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{ [ التوبة : 32] وقوله تعالى : } يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ { [ الصف : 8 ]
وعليه فإن دعوى تكرار النزول دون تكرار اللفظ لا يعضدها دليل .
علماً بأن هذه الدعوى ليست محل اتفاق بين العلماء فهناك من توقف فيها مثل الشيخ مناع القطان رحمه الله ، والدكتور فضل عباس وغيرهما .
وهذه المسألة لا زالت تحتاج إلى مزيد من التحقيق والدراسة ، ولعل من له اطلاع حول هذه المسألة أن يفيدنا بما عنده .والله تعالى أعلم .
 
بسم الله

المسألة التي أشرت إليها أخي أحمد وفقك الله بحثها الأستاذ الشيخ محمد بن عبد الرحمن الشايع في كتابه نزول القرآن الكريم بتوسع ، وذكر القولين في هذه المسألة ، وأدلة كل قول ، ثم درس بعض النماذج التي قيل بتكرار نزولها ، وعرض بالتفصيل لأقوال المفسرين في تكرار نزول كل مثال ، ثم قال في خاتمة بحثه لهذه المسألة : ( ونتبين مما سبق أنه أمكن الترجيح بين ما ورد من روايات مختلفة في أسباب نزول بعض السور والآيات ، تلك الروايات التي كانت الدافع الأقوى للقول بتكرار النزول لتوهم عدم إمكان الجمع بينها أو ترجيح أحدها . وبهذا الترجيح وما تقدم من أدلة يتبين ضعف القول بتكرار النزول ، وعدم صحته ، وسقوط حجته ، وانتفاء حاجته . والله أعلم .) انتهى كلام الشيخ الشايع وفقه الله . ينظر كتابه المشار إليه اعلاه ص80-113
 
بسم الله والحمد لله وبعد:
فإشارة إلى تساؤل زميلي الشيخ أحمد القصير حول مسألة تكرار النزول يسرني أن أبدأ مشاركتي في هذا الملتقى المبارك بالمشاركة في إجابة هذا التساؤل فأقول :
قد تأتي روايات مختلفة في سبب نزول آية معينة وهذا أمر معروف ووارد ومعرفة الموقف الصحيح تجاه هذه الروايات وكيفية التوفيق بينها من أنفع ما يكون للناظر في كتب أسباب النزول خاصة وكتب التفسير والحديث وغيرها. كثيرا ما تورد أسباب نزول مختلفة لنزول آية معينة .
وفي هذه الحال ينبغي النظر إلى تلك الروايات وتمحيص سبب النزول من غيره وذلك حسب المراحل التالية :

المرحلة الأولى : النظر في صحة وثبوت الروايات الواردة في سبب النزول فيعتمد الصحيح ويطرح ما سواه . ومثال على ذلك سبب نزول سورة الضحى فقد ورد فيها عدة روايات والصحيح في سبب نزولها ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث جندب بن سفيان رضي الله عنه ( رقم 4950).
وأما ماورد من روايات أخرى فهي لاتصح مثال ما اخرجه الطبراني عن حفص بن سعيد القرشي عن أمه عن أمها ( المعجم الكبير 24/249رقم 636 ) قال ابن حجر في الفتح بعد إيراده لهذا الحديث وذكر أيضا روايات أخرى في ذلك وعقبها بقوله وكل هذه الروايات لا تثبت ( فتح الباري 8/710) .

المرحلة الثانية : بعد التأكد من صحة الروايات ينظر في صيغة التعبير عن السبب فإما :
أ) أن تكون جميع الروايات غير صحيحة في السببية فلا منافاة إذ المراد التفسير وليس المراد ذكر السبب إلا إن قامت قرينة على واحدة بأن المراد بها السببية .
ب) أن تكون إحدى الروايات صريحة في السببية والأخرى غير صريحة فالمعتمد ما هو صريح فيكون هو السبب وغير الصريح يكون من قبيل التفسير وأنه داخل في حكم الآية .ومثاله سبب نزول ( نساؤكم حرث لكم ) ورد عن ابن عمر عمر قوله أنزلت في إتيان النساء في أدبارهن وورد عن جابر التصريح بسبب خلافه فالمعتمد رواية جابر ( مجموع الفتاوى 13/340)

المرحلة الثالثة : إذا كانت الروايات مختلفة وكلها صريحة صحيحة فينظر إلى زمان حدوث تلك الوقائع فإن كانت متقاربة ويمكن نزول الآية عقيب تلك الأسباب فيتحمل الآية على أنها نزلت بعد تلك الأسباب جميعا قال ابن تيمية (وإذا ذكر أحدهم لها سببا نزلت لأجله وذكر الآخر سببا فقد يمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب) الفتاوى 13/340) قال الشنقيطي ( المقرر في علوم القرآن أنه إذا ثبت نزول الآية في شيء معين ثم ثبت بسند آخر صحيح أنها نزلت في شيء معين غير الأول وجب حملها على أنها نزلت فيهما معا فيكون لنزولها سببان) أضواء البيان 6/529.
ومثال ذلك سبب نزول قوله تعالى ( والذين يرمون أزواجهم ) النور 6ـ9 فقد ورد أنها نزلت في هلال بن أمية وورد أنها نزلت في عويمر العجلاني والروايتان صحيحتان وصريحتان في السببية ومختلفتان لذا ( جمع بينهما بأن أول ما وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت في شأنهما في وقت واحد ...ولا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النزول ) فتح الباري 8/450.

المرحلة الرابعة : إذا لم يمكن الجمع بينهما وذلك لتباعد الزمن فيلجأ إلى القول بتكرار النزول قال ابن تيمية ( وإذا ذكر أحدهم لها سببا نزلت لأجله وذكر الآخر سببا... فقد تكون نزلت مرتين مرة لهذا السبب ومرة لهذا السبب ) مجموع الفتاوى 13/340.
ومثاله سبب نزول قوله تعالى ( ويسألونك عن الروح ) فقد ورد عن ابن مسعود ( البخاري ح 7297) وورد عن ابن عباس ( الترمذي التفسير باب 18 ح 3140) وكلاهما سبببان صحيحان وصريحان لا يمكن الجمع بينهما للبعد الزمني فلا مجال إلا بالقول بأنها نزلت مرة بمكة ومرة نزلت بالمدينة .
قال ابن كثير ( .. وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية ، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك ) تفسيره 3/64) وقال ابن حجر ( ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول ) الفتح 1/30. أما السيوطي ( الإتقان 1/91) فإنه يجعل مرحلة قبل المرحلة الرابعة وهي الترجيح بين الروايات ولكن القول بالترجيح بين الروايات الصحيحة الصريحة مرجوح لما فيه من إهدار لبعض الروايات الصحيحة ومن المقرر أن إعمال الدليلين خير من إهمال أحدهما .
قال ابن حجر الفتح8/451( الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح ) .
ولا يحكم بتكرر النزول إلا بعد التدرج في المراحل الثلاث السابقة إذ الأصل عدمه فلا يلجأ إليه إلا اضطرارا جمعا بين الروايات .

وتكرار النزول أمر واقع شرعاً وممكن عقلا بل له فوائد وحكم منها :
1) تعظيم شأن هذا المنزَّل.
2) تذكير الله لعباده بالحكم خوف نسيانه.
3) التأكيد على الحكم السابق وبيان أن الآية داخلة فيه .
4) تنبيه الله لعباده ولفت نظرهم إلى ما في تلك الآيات المكررة من الوصايا النافعة .(البرهان للزركشي 1/29ومناهل العرفان 1/121 ) قال السيوطي ( أنكر بعضهم كون الشيء من القرآن يتكرر نزوله كذا رأيته في كتاب الكفيل بمعاني التنزيل وعلله بأنه تحصيل ما هو حاصل لافائدة فيه وهو مردود بما تقدم من فوائده ) الاتقان 1/103,
قال الزركشي(وقد ينزل الشيء مرتين تعظيما لشأنه وتذكيرا به عند حوث سببه خوف نسيانه ) البرهان 1/29
بهذا يتضح أن تكرار النزول أمر وارد ولكن لايحكم به إلا بعد مراحل ثلاث سابقة .
والقول بتكرار النزول قال به عدد من المحققين كابن تيمية وابن حجر و الزركشي والسيوطي وغيرهم كما سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك .
وأما قول القطان( والقول في تكرار النزول وتعدده فيه مقال وفي النفس منه شيء)مباحثص 91 فأقول إن إعتراضه ليس عليه دليل بل الحكمة ظاهرة كما سبق والله أعلم ، ورحم الله علماء المسلمين .
 
ما نقله الاخ ناصر الصائغ من كلام العلماء، والإشارة إلى الحكم من نزوله محل نقاش
أولا: لو كان من الحكم تعظيمه لكان الأولى بتكرار النزول أعظم آية في كتاب الله تعالى، وهي آية الكرسي، وليس بين الروايات من قال بهذا.
ثم ما أشير إليه، لم نجد بين الأمثلة ما تتوافرفيها المعاني المذكور
ثانيا: دافع العلماء للقول بهذا وجود أكثر من رواية في سبب النزول، وتعذر الجمع، ولم تكن الأمثلة كافية لهذا وبخاصة بعد المناقشة، فزوال السبب كاف للعدول عنه.
ثالثا : هناك من قام بدراسة الروايات دراة حديثية ولم يجد أي مثال صحيح ينطبق على القاعدة.
 
انا لا اعلم احدا حرر المسالة على وجه يشفى غلة الباحثين مثل ما حررها شيخنا العلامة فضل عباس في كتابه اتقان البرهان في علوم القران
واعلموا اكرمكم الله انه كتب فصلا في اسباب النزول لم يسبقه الى كثير مما فيه احد
فلينظر فيه من يرغب في تحرير مسائل اسباب النزول
على ان هذا الكتاب سيصدر في طبعة جديدة بها تدارك لكثير من الاخطاء وفيه اضافات كثيرة
والكتاب الان في دار النفائس في صف جديد نسال الله تعالى ان يعجل بفرجه
 
من الواضح أن مقصود العلماء من تكرار النزول ليس النزول الجديد للآية أو تكرار نزولها بالمعنى الحرفي للكلمة، ولذا أرى أن تكرار النزول المشار إليه المقصود به عدة أمور:-
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ليبتدر أمرا في الدين من تلقاء نفسه "ولو تقول علينا بعض القاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين" (الحاقة:44-46) وهو بانتظاره الوحي الذي نزل منجما يدحض شبهة من يقول بأنه مؤلف القرآن ويثبت أن القرآن من عند الله لفظا ومعنى.
2- نزول جبريل عليه السلام بالآية مرة ثانية على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعني نزولا منفصلا مستقلا وإلا لكان بالأحرى أن نقول عن المرات التي عرض جبريل عليه السلام القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم انها تعد تكرارا للنزول، وإنما اصطلح عليها علماء القرآن والتفسير والحديث بأنها "عرض القرآن" ومنها العرضة الأخيرة قبيل وفاته عليه الصلاة والسلام التي عرض فيها القرآن كله مرتين.
3- ومن ثم يكون نزول جبريل عليه السلام بالآية على المصطفى صلى الله عليه وسلم بالآية في معرض الحادثة يكون تذكيرا للرسول صلى الله عليه وسلم بالحل من قبيل "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" (الذاريات: 55) ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول المؤمنين في أمته. كما أنها دعوة إلى عامة المؤمنين لأن يتدبروا القرآن ويبحثوا فيه عما يصلح به دينهم ودنياهم " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" النساء:59. كما قال تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله" الشورى:10.
4- بالإضافة إلى التذكرة للرسول الله صلى الله عليه وسلم، من شأن عرض الآية على المصفى عليه الصلاة وأزكى السلام تعليمه أبعادا وحيثيات أخرى لمعناها الشرعي والعقدي، ثم يُفَصِّلها المصطفى صلى الله عليه وسلم لأصحابة ويحكم بها فيما عرض لهم أو لأحدهم ويصير حكما ثابتا عندهم يعملون به فيما بعد، وهذا يدل بما لا يقبل الشك أن وحي القرآن لم يشمل اللفظ وحسب بل يضم المعنى كذلك، فالقرآن وحي من عند الله تعالى بلفظه وحكمه ومعناه.

والله أعلى وأعلم

والله الهادي إلى سبيل الرشاد
 
عودة
أعلى