عمرو الشرقاوي
New member
مدخل إلي علم مناهج المفسرين
الحمـد لله وبعد ..........،
فهذا مدخل لعلم من أهم العلوم المتعلقة بالقرآن العظيم وهو علم مناهج المفسرين ، وقد أخذ هذا المدخل من محاضرة للعلامة الشيخ / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ـ حفظه الله تعالي ـ بتلخيص وتصرف وزيادة بعض الفوائد ، أسأل الله أن ينفع طلاب العلم بهذا المدخل وأن يجعله سلما لدراسة هذا العلم الشريف .
بسم الله الرحمن الرحيم....................،
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وهو القائل {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
الكلام عن مناهج المفسرين من العلوم المهمة لأنّ التفاسير لكتاب الله جلّ وعلا كثرت جدّا حتى بلغت أكثر من مائة تفسير موجود بين أيدينا اليوم ، والتفاسير المفقودة كثيرة ، والتي لم تطبع كثيرة أيضا ، ولا بدّ لطالب العلم الذي يحرص على معرفة معاني كلام الله جلّ وعلا أن يعلم مناهج المفسرين وطرائقهم حتى إذا راجع تفسيرا لأحد المفسرين يعلم مع ما يتميز به ذلك التفسير ويعلم منهج المؤلف حتى لا يضيع بين كثرة التفاسير.
· تعريف مناهج المفسرين :
المقصود بها الطرائق والخصائص التي يتميز بها التفسير والمناهج جمع منهج والمنهج والنّهج هو الطريق الملتزم.
وهذه المناهج متنوعة متعددة ومن المفسرين من يذكر شرطه في تفسيره ومنهم من لا يذكر ذلك .
· كيف تعرف مناهج المفسرين ؟
لمعرفة المنهج أحد طريقين:
الطريق الأول : أن ينص المفسر على شرطه في التفسير في أول تفسيره ، أو أن ينص عليه في مواضع متفرقة من تفسيره مع خطبة الكتاب ، فإذا نص على شرطه كما فعل ابن كثير والقرطبي وأبو حيان الأندلسي في كتابه البحر المحيط وهكذا .................
الطريق الثاني : أن يعلم عن طريق الاستقراء ،
والاستقراء كما هو معلوم قسمان:
1/ استقراء تام أو أغلبي.
2/استقراء ناقص .
والاستقراء حجة إذا كان تاما أو أغلبيا لأنه يكون دالا على صحة ما بحث بالاستقراء فإذا استقرأ تفسير من التفاسير وعرفت طريقة ذلك المفسر ـ مثلا ـ في العقيدة والحديث والنحو والإسرائيليات وغيرها واستقرأ ـ الباحث ـ ذلك استقراءا تاما بتتبع التفسير من أوله إلى آخره أو استقراءا أغلبيا فيقول : منهجه في التفسير كذا وكذا .....
أما إذا كان الاستقراء ناقصا قرأ في التفسير صفحة أو صفحتين أو ثلاثة أو مجلدا أو مجلدين ولم يستقرأ التفسير ـ استقراءا تاما أو أغلبيا ـ فلا يجوز أن يعتمد على ذلك الاستقراء الناقص إذ لابدّ لكون الاستقراء حجة أن يكون استقراءا تاما أو أغلبيا كما هو مقرر في موضعه من علم أصول الفقه.
وهكذا نعرف تلك المناهج عن طريق شرط المؤلف أو عن طريق الاستقراء التام أو الأغلبي .
وإذا لم يتمكن الباحث من الاستقراء ولم ينص المفسر علي شرطه فنعبر حينئذ بعبارة أخرى فنقول تميز التفسير الفلاني بكذا وكذا أو من خصائص التفسير الفلاني كذا وكذا ..
· التفسير في العصر الأول :
النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه القرآن على سبعة أحرف فثبت عنه بالتواتر عليه الصلاة والسلام أنّه قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) ونزول القرآن على سبعة أحرف يستفاد منه في التفسير فوائد كثيرة ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه من التفسير الشيء الكثير وإنما نقل عنه تفسير كثير من الآيات ولكنه ليس بالأكثر ، أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد نقل عنهم من التفسير أكثر مما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر آيات كثيرة بحسب الحاجة ففسر مثلا قوله جلّ وعلا {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} بأنّ الزيادة هي النظر لوجه الله الكريم جلّ وعلا ، وفسر قوله تعالى {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} بأن المغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى ، وكذلك فسر صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} بأنّ القوة الرمي ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((ألا إنّ القوة الرمي ألا إنّ القوة الرمي)).
· سبب القلة في مرويات التفسير عن النبي صلي الله عليه وسلم وكثرته عن الصحابة رضي الله عنهم :
1ـ أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يهابون سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2ـ أنهم كانوا يعلمون أكثر معاني كلام الله جلّ وعلا وذلك لأنّهم رضي الله عنهم شهدوا التنزيل ومشاهدة التنزيل ومعرفة أسباب النزول تورث العلم بمعاني الآيات ، كما هي القاعدة عند أهل العلم أنّ ((معرفة السبب يورث العلم بالمسبب)).
3ـ أنهم كانوا يلازمون النبي صلي الله عليه وسلم فمعرفتهم بالسنة أكثر من غيرهم والسنة ـ كما هو معلوم ـ مفسرة للقرآن.
4ـ ما يعلمونه من تنوع الأحرف وأنّ الآية يأتي لها تفسير في الحرف الآخر من القرآن ، فمثلا : قوله جلّ وعلا {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} في أولها قال :{ولا تقربوهنّ حتى يطهرن} فهل يكتفي في جواز إتيان المرأة الحائض أن تطهر أم لابدّ أن تغتسل ؟ فهذا له تفسير في القراءة الأخرى{ولا تقربوهنّ حتى يطّهرن ((بتشديد الطاء)) فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرجعون في الآية التي يحتاجون إلى تفسيرها إلى موضع آخر أو إلى قراءة أخرى فيتضح المعنى لهم وهم أهل تدبر للقرآن لامتثالهم قول الله جلّ وعلا: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
5ـ علمهم بلغة العرب لأنّ القرآن أنزل بلسان عربي مبين ومن سبل فهم هذا القرآن أن يكون المتدبر له على علم بلغة العرب قال جلّ وعلا: {وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم} وقال : ((نزل به الروح الأمين 0 علي قلبك لتكون من المنذرين 0 بلسان عربي مبين))
· التفسير في عهد الصحابة والتابعين : بعد عهده عليه الصلاة والسلام كثر التابعون واحتاج الناس إلى أن يفسر لهم القرآن , وسبب زيادة التفسير في عهد الصحابة عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الحاجة دعت إليه ، وذلك أنّ الصحابة كانوا يشهدون التنزيل ويعلمون كثيرا من السنة ويعلمون الأحرف وذلك بخلاف زمن التابعين فإنهم كانوا أقل في ذلك من الصحابة رضوان الله عليهم فلذلك احتاجوا إلي تفسير الصحابة رضي الله عنهم. ..
· مصادر الصحابة في التفسير :
مصادر الصحابة رضوان الله عليهم في التفسير عدة فمن مصادرهم :
1/ القرآن بأحرفه السبعة لأنّ القرآن مثاني يفسر بعضه بعضا .
2/ السنة فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم فسر لهم آيات تنصيصا وسنته تفسر لهم آيات كثيرة من القرآن لا على وجه التنصيص.
3/ أسباب النزول ، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه ((ما من آية أنزلت إلا وأنا أعلم متى أنزلت ، وأين أنزلت ، والله لو أنّ أحدا على ظهر الأرض عنده علم بالقرآن ، ليس عندي تبلغه المطي لرحلت إليه)) وقد كان من أعلم الصحابة بأسباب النزول وهكذا غيره.
4/ العلم بأحوال العرب التي كانوا عليها فإنّ من لم يعلم أحوال العرب التي كانوا عليها في عقائدهم ودياناتهم وتعبداتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وتجاراتهم ..............الخ ، فإنّه لن يحسن التفسير لأنه سيجعل التفسير يناسب قوما دون قوم (ومعرفة السبب تورث العلم بالمسبب) ، (والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) .
5/ سؤال بعضهم بعضا فإنّ ابن عباس سأل عمر رضي الله عنهم عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله جلّ وعلا : {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} فقال عمر : هما عائشة وحفصة.
6/ لغة العرب لأنّ القرآن أنزل بلسان عربي مبين ، ـ فمثلا ـ : عمر رضي الله عنه لما كان يتلو سورة النحل في يوم الجمعة على المنبر وقف مرّة عند قوله جلّ وعلا : {أو يأخذهم على تخوف فإنّ ربكم لرؤوف رحيم} فقال عمر: ما التخوف ؟ كأنّه أشكل عليه معنى التخوف في هذه الآية ، فقام : رجل من المسلمين فقال له يا أمير المؤمنين التخوف في لغتنا التنقص قال شاعرنا أبو كبير الهذلي :فهذا مدخل لعلم من أهم العلوم المتعلقة بالقرآن العظيم وهو علم مناهج المفسرين ، وقد أخذ هذا المدخل من محاضرة للعلامة الشيخ / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ـ حفظه الله تعالي ـ بتلخيص وتصرف وزيادة بعض الفوائد ، أسأل الله أن ينفع طلاب العلم بهذا المدخل وأن يجعله سلما لدراسة هذا العلم الشريف .
بسم الله الرحمن الرحيم....................،
الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا وهو القائل {ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
الكلام عن مناهج المفسرين من العلوم المهمة لأنّ التفاسير لكتاب الله جلّ وعلا كثرت جدّا حتى بلغت أكثر من مائة تفسير موجود بين أيدينا اليوم ، والتفاسير المفقودة كثيرة ، والتي لم تطبع كثيرة أيضا ، ولا بدّ لطالب العلم الذي يحرص على معرفة معاني كلام الله جلّ وعلا أن يعلم مناهج المفسرين وطرائقهم حتى إذا راجع تفسيرا لأحد المفسرين يعلم مع ما يتميز به ذلك التفسير ويعلم منهج المؤلف حتى لا يضيع بين كثرة التفاسير.
· تعريف مناهج المفسرين :
المقصود بها الطرائق والخصائص التي يتميز بها التفسير والمناهج جمع منهج والمنهج والنّهج هو الطريق الملتزم.
وهذه المناهج متنوعة متعددة ومن المفسرين من يذكر شرطه في تفسيره ومنهم من لا يذكر ذلك .
· كيف تعرف مناهج المفسرين ؟
لمعرفة المنهج أحد طريقين:
الطريق الأول : أن ينص المفسر على شرطه في التفسير في أول تفسيره ، أو أن ينص عليه في مواضع متفرقة من تفسيره مع خطبة الكتاب ، فإذا نص على شرطه كما فعل ابن كثير والقرطبي وأبو حيان الأندلسي في كتابه البحر المحيط وهكذا .................
الطريق الثاني : أن يعلم عن طريق الاستقراء ،
والاستقراء كما هو معلوم قسمان:
1/ استقراء تام أو أغلبي.
2/استقراء ناقص .
والاستقراء حجة إذا كان تاما أو أغلبيا لأنه يكون دالا على صحة ما بحث بالاستقراء فإذا استقرأ تفسير من التفاسير وعرفت طريقة ذلك المفسر ـ مثلا ـ في العقيدة والحديث والنحو والإسرائيليات وغيرها واستقرأ ـ الباحث ـ ذلك استقراءا تاما بتتبع التفسير من أوله إلى آخره أو استقراءا أغلبيا فيقول : منهجه في التفسير كذا وكذا .....
أما إذا كان الاستقراء ناقصا قرأ في التفسير صفحة أو صفحتين أو ثلاثة أو مجلدا أو مجلدين ولم يستقرأ التفسير ـ استقراءا تاما أو أغلبيا ـ فلا يجوز أن يعتمد على ذلك الاستقراء الناقص إذ لابدّ لكون الاستقراء حجة أن يكون استقراءا تاما أو أغلبيا كما هو مقرر في موضعه من علم أصول الفقه.
وهكذا نعرف تلك المناهج عن طريق شرط المؤلف أو عن طريق الاستقراء التام أو الأغلبي .
وإذا لم يتمكن الباحث من الاستقراء ولم ينص المفسر علي شرطه فنعبر حينئذ بعبارة أخرى فنقول تميز التفسير الفلاني بكذا وكذا أو من خصائص التفسير الفلاني كذا وكذا ..
· التفسير في العصر الأول :
النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه القرآن على سبعة أحرف فثبت عنه بالتواتر عليه الصلاة والسلام أنّه قال: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) ونزول القرآن على سبعة أحرف يستفاد منه في التفسير فوائد كثيرة ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه من التفسير الشيء الكثير وإنما نقل عنه تفسير كثير من الآيات ولكنه ليس بالأكثر ، أما الصحابة رضوان الله عليهم فقد نقل عنهم من التفسير أكثر مما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فالنبي صلى الله عليه وسلم فسر آيات كثيرة بحسب الحاجة ففسر مثلا قوله جلّ وعلا {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} بأنّ الزيادة هي النظر لوجه الله الكريم جلّ وعلا ، وفسر قوله تعالى {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} بأن المغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى ، وكذلك فسر صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} بأنّ القوة الرمي ففي الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((ألا إنّ القوة الرمي ألا إنّ القوة الرمي)).
· سبب القلة في مرويات التفسير عن النبي صلي الله عليه وسلم وكثرته عن الصحابة رضي الله عنهم :
1ـ أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يهابون سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2ـ أنهم كانوا يعلمون أكثر معاني كلام الله جلّ وعلا وذلك لأنّهم رضي الله عنهم شهدوا التنزيل ومشاهدة التنزيل ومعرفة أسباب النزول تورث العلم بمعاني الآيات ، كما هي القاعدة عند أهل العلم أنّ ((معرفة السبب يورث العلم بالمسبب)).
3ـ أنهم كانوا يلازمون النبي صلي الله عليه وسلم فمعرفتهم بالسنة أكثر من غيرهم والسنة ـ كما هو معلوم ـ مفسرة للقرآن.
4ـ ما يعلمونه من تنوع الأحرف وأنّ الآية يأتي لها تفسير في الحرف الآخر من القرآن ، فمثلا : قوله جلّ وعلا {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} في أولها قال :{ولا تقربوهنّ حتى يطهرن} فهل يكتفي في جواز إتيان المرأة الحائض أن تطهر أم لابدّ أن تغتسل ؟ فهذا له تفسير في القراءة الأخرى{ولا تقربوهنّ حتى يطّهرن ((بتشديد الطاء)) فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} والصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرجعون في الآية التي يحتاجون إلى تفسيرها إلى موضع آخر أو إلى قراءة أخرى فيتضح المعنى لهم وهم أهل تدبر للقرآن لامتثالهم قول الله جلّ وعلا: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.
5ـ علمهم بلغة العرب لأنّ القرآن أنزل بلسان عربي مبين ومن سبل فهم هذا القرآن أن يكون المتدبر له على علم بلغة العرب قال جلّ وعلا: {وما أرسلنا من رسول إلاّ بلسان قومه ليبين لهم} وقال : ((نزل به الروح الأمين 0 علي قلبك لتكون من المنذرين 0 بلسان عربي مبين))
· التفسير في عهد الصحابة والتابعين : بعد عهده عليه الصلاة والسلام كثر التابعون واحتاج الناس إلى أن يفسر لهم القرآن , وسبب زيادة التفسير في عهد الصحابة عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنّ الحاجة دعت إليه ، وذلك أنّ الصحابة كانوا يشهدون التنزيل ويعلمون كثيرا من السنة ويعلمون الأحرف وذلك بخلاف زمن التابعين فإنهم كانوا أقل في ذلك من الصحابة رضوان الله عليهم فلذلك احتاجوا إلي تفسير الصحابة رضي الله عنهم. ..
· مصادر الصحابة في التفسير :
مصادر الصحابة رضوان الله عليهم في التفسير عدة فمن مصادرهم :
1/ القرآن بأحرفه السبعة لأنّ القرآن مثاني يفسر بعضه بعضا .
2/ السنة فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم فسر لهم آيات تنصيصا وسنته تفسر لهم آيات كثيرة من القرآن لا على وجه التنصيص.
3/ أسباب النزول ، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه ((ما من آية أنزلت إلا وأنا أعلم متى أنزلت ، وأين أنزلت ، والله لو أنّ أحدا على ظهر الأرض عنده علم بالقرآن ، ليس عندي تبلغه المطي لرحلت إليه)) وقد كان من أعلم الصحابة بأسباب النزول وهكذا غيره.
4/ العلم بأحوال العرب التي كانوا عليها فإنّ من لم يعلم أحوال العرب التي كانوا عليها في عقائدهم ودياناتهم وتعبداتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وتجاراتهم ..............الخ ، فإنّه لن يحسن التفسير لأنه سيجعل التفسير يناسب قوما دون قوم (ومعرفة السبب تورث العلم بالمسبب) ، (والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) .
5/ سؤال بعضهم بعضا فإنّ ابن عباس سأل عمر رضي الله عنهم عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله جلّ وعلا : {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} فقال عمر : هما عائشة وحفصة.
تخوّف الرّحل منها تامكا فردا كما تَخَوَّف عودُ النّبعة السَّفِنُ *وابن عباس رضي الله عنه يقول: كنت لا أعلم معنى {فاطر السموات والأرض} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها ـ يعني ابتدأتها قبله ـ ففهم منها معنى فاطر السموات والأرض وابن عباس رضي الله عنهما له في الاحتجاج بالشعر واللغة الميدان الواسع..
واحتجاج الصحابة في التفسير بلغة العرب كثير في ذلك فتكون من مصادر الصحابة رضوان الله عليهم في التفسير.
· من مفسري الصحابة رضوان الله عليهم :
الصحابة رضوان الله عليهم توسعوا في التفسير وكان من أبرزهم في التفسير :
* عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : وكانت ولادته في شعب أبي طالب قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات بأن يعلمه الله التأويل وأن يعلمه الفقه فقال: اللهم فقهه في الدين اللهم علمه الحكمة اللهم علمه التأويل ، فبرز ابن عباس في التفسير كثيرا.
* عبد الله بن مسعود .
* عائشة.
* عمر.
* علي رضي الله عن الجميع .
فهؤلاء الخمسة يكثر النقل عنهم في التفسير ابن عباس وابن مسعود وعائشة وعمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
· فضل تفسير الصحابة : * تميزت تفاسير الصحابة بأنّها اشتملت على الألفاظ القليلة والمعاني الكثيرة ولهذا من أتى بعدهم إنما يحوم حول كلامهم ، ولهذا قال ابن رجب )) كلام السلف قليل كثير الفائدة وكلام الخلف كثير قليل الفائدة)) ، فمما يظهر في تفاسير الصحابة أنّها كلمات قليلة ولكن تحتها المعاني الكثيرة.
* تميزت تفاسير الصحابة بأنها سليمة من البدع سليمة من الضلال في الاعتقاد ، لأنهم أئمة المتقين وأئمة السلف وإليهم المرجع في التوحيد والعقيدة فتفاسيرهم لا غلط فيها ولا إشكال .
* تميزت بأنها يكثر فيها اختلاف تنوع ويقل فيها اختلاف التضاد ، واختلاف التنوع كما فسروا ـ مثلا ـ الصراط المستقيم فسره بعضهم بالقرآن ، وفسره بعضهم بالسنة ، وفسره بعضهم بالإسلام ، وهذه من اختلافات التنوع لأنّ القرآن والسنة والإسلام بعضها يدل على بعض ولا يتصور قرآن بلا سنة أو سنة بلا إسلام .
· من تلاميذ الصحابة في التفسير : لا شك أن كل صحابي له تلامذة أخذوا عنه ومن ذلك ،
* ابن مسعود رضي الله عنه (في الكوفة) له تلامذة أخذوا عنه التفسير كعبيدة السلماني والربيع بن خثيم والأعمش ومسروق وغيرهم .
* وابن عباس رضي الله عنه (في مكة) له تلامذة أخذوا عنه التفسير كعطاء بن أبي رباح وعكرمة وطاووس ومجاهد وقد عرض التفسير على ابن عباس ثلاث مرات يسأله عن التفسير ، ولهذا قال عدد من أئمة السلف ((إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به)).
· التفسير بعد عصر التابعين :
بعد التابعين أتى أتباع التابعين فتوسعوا في التفسير ومن ثمّ بدأ تدوين التفسير بعد أن كان ينقل حفظا ، ينقله الصحابة عن الصحابة ، وينقله التابعون عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نقله أتباع التابعين عن التابعين عن الصحابة ، ثم ظهر التدوين في التفسير ومن ذالك :
* تفسير السدي (إسماعيل بن عبد الرحمن الكبير).
* عبد الرحمن بن زيد بن أسلم غيرهما.......... .
ثم توسعت الكتابة في التفسير إلى أن وصلنا إلى تفاسير جمعت المأثور عن الصحابة وعن التابعين عن أتباع التابعين في التفسير مثل تفسير عبد بن حميد وتفسير عبد الرزاق وتفسير الإمام أحمد وتفسير ابن أبي حاتم وابن جرير الطبري هذه التفاسير دونت تفاسير الصحابة بالأسانيد ((وتسمى مدرسة التفسير بالأثر)).
· في خضم هذه الفترة ((القرن الثالث تقريبا)) بدأت كتابات مختلفة في تفسير القرآن الكريم ، ففي النحو نشأت مدارس نحوية :
1ـ نحاة البصرة : [سيبويه ومن معه].
2ـ نحاة الكوفة .
3ـ نحاة بغداد .........الخ .
والنحو معتمد على القرآن والمدرسة النحوية يؤثر نظرها النحوي في التفسير فصار هناك رأي في التفسير من جهة النحو ورأى في التفسير من جهة اللغة فصنفت عدة مصنفات كمعاني القرآن للأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى ... في كتب على هذا النحو .
ثم أتي فارس الميدان ابن جرير((إمام المفسرين)) فصنف كتابه ((جامع البيان)) وهو أعظم كتاب ألف في تفسير القرآن [بالإجماع] وبه عُدّ ابن جرير إمام الأئمة في التفسير ، وهو محمد بن جرير الطبري ـ رحمه الله تعالى ـ المولود سنة ـ 224هـ ـ والمتوفى سنة ـ 310هـ ـ صنف التفسير وجمع فيه ما تكلم عليه العلماء قبله في التفسير غلب عليه الأثر ، ولكنه اعتنى بالتفسير بالنحو ، والتفسير باللغة وغير ذلك................ .
· نوعي التفسير :
ظهرت مدرستان في التفسير : إحداهما مدرسة التفسير بالأثر والأخرى التفسير بالرأي.
* فمن تفاسير العلماء التي تنتمي إلى مدرسة التفسير الأثري تفسير الطبري ثم البغوي وابن كثير والدر المنثور إلى غير ذلك........
· التفسير بالرأي :
معناه :
هو التفسير بالاجتهاد والاستنباط.
والاجتهاد قسمان [أقسام الرأي] :
* اجتهاد محمود. * واجتهاد مذموم مردود على صاحبه وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث حسنها بعض أهل العلم وضعفها آخرون أنّه قال : ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) وفي لفظ قال : ((من فسر القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب)) ففيه ذم التفسير بالرأي لأنه إن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ، وفي الثاني أنه إن فسر القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب قال العلماء: هذا محمول على أنّ التفسير بالرأي إذا كان عن هوى وعن انحراف فإنّه يبوأ صاحبه مقعدا من النار ، فحملوا قوله عليه الصلاة والسلام : ((من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النّار)) بمن قال في القرآن برأيه الذي نشأ عن هوى لا عن أدلة صحيحة ، وذلك أنّ الصحابة اجتهدوا في التفسير ، وقالوا ـ في التفسير ـ بأشياء لم ينقلوها عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قلنا بذم جميع أنواع التفسير بالرأي ـ بالاجتهاد والاستنباط ـ يلزم من ذلك ذم الصحابة على اجتهادهم في التفسير وهذا باطل .
فيكون قوله عليه الصلاة والسلام: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) محمول على من فسره عن هوى ، كقول أهل الفرق المنحرفة كالمرجئة والقدرية والخوارج والمعتزلة والأشاعرة وأشباه هذه الفرق . وأما قوله عليه الصلاة والسلام : ((من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ وإن أصاب)) قال العلماء معناه : من قال في القرآن برأيه وكان رأيه عن جهل لا عن علم فوافق الصواب اتفاقا لا عن علم ويقين فهذا وإن أصاب المعنى الصحيح لكنه أخطأ ومتوعد لأنه تجرأ على القرآن ففسره بغير علم.
* ومدرسة التفسير بالرأي لها اتجاهان :
الأول : من فسر القرآن بالرأي الناشئ عن هوى كما فسرت المعتزلة والخوارج والإباضية والرافضة والأشاعرة والماتريدية القرآن بآرائهم وأهوائهم وتركوا تفاسير السلف إلى تفاسير محدثة فهؤلاء مذمومون لأنهم فسروا القرآن برأي لا دليل عليه ولا حجة فيه وإنما نشأ ذلك التفسير عن هوى فهذا رأي مذموم ومردود على صاحبه.
وتمثله عدة تفاسير من التفاسير المعروفة التي ينتمي أصحابها إلى شيء من الفرق التي ذكر بعضها.
الثاني: [من مدرسة التفسير بالرأي] من فسر القرآن بالاجتهاد والاستنباط ، وكان اجتهادهم واستنباطهم صحيحا ، وهذا إنما يسوغ إذا كمل لدي المفسر شروط جواز التفسير بالاجتهاد والاستنباط وقد تجمع الشروط التي بها يجوز للمفسر أن يفسر القرآن بالاجتهاد والاستنباط فيما يلي :
شروط التفسير بالرأي المحمود :
* الشرط الأول : أن يكون عالما بعقيدة السلف لكي يسلم من آراء الجهمية والخوارج والمعتزلة والقدرية والمرجئة ... إلى آخر تلك الفرق.
* الشرط الثاني : أن يكون عالما بالقرآن حافظا له يمكنه أن يفسر القرآن بالقرآن ـ وحبذا لو كان عنده علم بالقراءات ـ .
* الشرط الثالث : أن يكون عالما بالسنة حتى لا يجتهد في تفسير آية والتفسير فيها منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* الشرط الرابع : أن يكون عالما بأقوال الصحابة حتى لا يحدث تفسيرا علي خلاف تفسير الصحابة على خلافه ، وابن جرير رحمه الله من المهتمين بهذا فمثلا عند قوله جلّ وعلا في سورة الأعراف : {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} نقل عن الصحابة والتابعين أنّ المراد هنا بالضمير هنا في الآية آدم وحواء ، ونقل عن الحسن أنّه قال المراد بهم اليهود والنصارى من جهة الجنس ، قال ابن جرير : وهذا القول باطل وإنما حكمنا ببطلانه لإجماع الحجة من الصحابة على خلافه فيكون القول به محدثا على خلاف أقوال الصحابة فمن المهم للمفسر أن يراع أقوال الصحابة حتى لا يحدث قولا بخلاف أقوالهم .
* الشرط الخامس : أن يكون عالما بأحوال العرب ، حتى لا ينزل آيات القرآن على غير تنزيلها.
* الشرط السادس : أن يكون عالما باللغة العربية بنحوها ومفرداتها وصرفها وبعلم المعاني من علوم البلاغة ، والأفضل أن يكون هذا العلم بالقوة الذاتية ، وأما إن كان بالقوة القريبة ـ بالمراجعة والكتب ـ فلا بأس إذا استقامت له أصوله .
وهناك شروط أخر ذكرها طائفة من أهل العلم.
*** و يمكن أن نجمل التفاسير التي تنتمي لمدرسة التفسير بالرأي إلى أربع مدارس كبرى :
* المدرسة الأولى : فسرت القرآن بالنظر إلى العقائد ، وهذه مدارس متنوعة ، فكل أصحاب عقيدة خاضوا في تفسير القرآن على حسب اعتقادهم :
ـ فالرافضة لهم تفاسير في القرآن : تفسير الطبرسي وتفسير الطوسي وهلمّ جرا...........
ـ المعتزلة لهم تفاسير : تفسير الزمخشري .
ـ الأشاعرة لهم تفاسير كثيرة على هذا النحو مثل : تفسير أبي السعود و تفسير الرازي وأشباه هذه التفاسير.
ـ الماتريدية أيضا لهم تفاسير مثل : تفسير النسفي وتفسير الآلوسي روح المعاني .
هذا قسم فسروا القرآن من جهة العقيدة وقد يكون لهم اعتناء بأشياء أخر مثل الاعتناء بالفقه و اللغة .............الخ.
* المدرسة الثانية : مدرسة التفسير الموسوعي : ونعني به الذي لم يشترط صاحبه في تفسيره على نفسه نوعا من أنواع علوم بل تجده يطرق كلّ علم من علوم التفسير ، فهو يفسر القرآن بالأثر ، ويفسره بأسباب النزول ، ويفسره باللغة ، ويفسره بالأحكام الفقهية ، ويفسره بالأحوال العامة بالعلوم المختلفة {بالتاريخ بالفلك بالرياضيات إلى آخره........} ، ومن أشهر التفاسير التي تنتمي إلى هذه المدرسة (تفسير مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازي ، وتفسير الآلوسي (روح المعاني) فإنهم جمعوا فيها كل شيء حتى قيل عن تفسير الرازي : {فيه كل شيء إلا التفسير} .
* المدرسة الثالثة : التفاسير اللغوية وهذه يعتني أصحابها بالنحو ، والإعراب ، واللغة :
مثل تفسير أبي حيان الأندلسي (البحر المحيط) ومثل (إعراب القرآن) للنّحاس وأشباه هذه الكتب.
المدرسة الرابعة : التفاسير الفقهية وهي الموسومة بتفاسير {أحكام القرآن}.
وهذه المدرسة متنوعة بحسب المذاهب فالحنفية لهم تفاسير والشافعية لهم تفاسير وهكذا ....... فمثلا : من تفاسير الحنفية في ذلك (أحكام القرآن) للجصاص .
ومن تفاسير الشافعية "أحكام القرآن" لإلكيا الهراسي .
وللمالكية "أحكام القرآن" لابن العربي ، "وأحكام القرآن" للقرطبي
وللحنابلة "أحكام القرآن" لعبد الرزاق الرسعني ، وأحكام القرآن لابن عادل الحنبلي ..وهكذا............
*************** مدرسة جديدة :
هذه المدارس استمرّت على هذا المنوال وفي خضمها ظهر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ـ رحمهما الله ـ .
فشيخ الإسلام كان يفسر القرآن لكنه لم يؤلف تفسيرا مستقلا ، والذي كتبه ووجد في مجلدة مستقلة تفسير آيات أشكلت على المفسرين (كثر فيها الخلاف بين المفسرين ولم يتضح الراجح فيها) فاجتهد ـ رحمه الله ـ في حلّ ما أشكل عليهم في تفسيرها .
وقد ندم ـ رحمه الله ـ في آخر عمره أنه لم يجعل النصيب الأوفر في عمره للتفسير.
كذلك ابن القيم لم يفسر القرآن كله وإنما فسر آيات وسور أشكلت ، وقد بذلت جهود في جمع تفسير الشيخين ـ رحمهما الله تعالي ـ.
وامتاز تفسير الشيخين بالآتي :
أولا: أنهم اعتنوا بتفسير سور فيها التوحيد والعقيدة بعامة.
ثانيا: اعتنوا بتفسير آيات أشكل تفسيرها على العلماء من قبل.
· التفسير في العصر الحديث وقبله بقليل :
هذه المدارس ظلّت مستمرّة والخلف يقلدون من قبلهم فيها وهكذا إلى أن وصلنا إلى مشارف العصر الحديث .
ولمعرفة العصر الحديث نقول :
ـ إنّ العصر الحديث للتفسير يبدأ ببداية القرن الرابع عشر ((من ألف وثلاثمائة هجرية فما بعد)) ، وذلك لأنّ التفاسير فيما قبل هذا التاريخ سارت على نمط التفاسير قبل ذلك فمثلا : ـ قبل ذلك ـ ظهر تفسير الآلوسي سار على نحو ما سبقه ، وظهر تفسير الخطيب الشربيني على نحو ما سبقه ، وكذلك تفسير صديق حسن خان ، وتفسير الشوكاني "فتح القدير" ، فلم يظهر اختلاف كثير في مدارس التفسير حتى دخل العصر الحديث.
وفي العصر الحديث ظهرت تفاسير مختلفة ، ومتنوعة المشارب في التفسير وكان لذلك سبب ، وهذا السبب هو :
لما جاءت الحملات الصليبية على البلاد الإسلامية وبخاصة حملة ((نابليون)) على مصر ، وصاروا يضربون أصول العلوم الإسلامية ، نشأت ناشئة طلب منهم أن يذهبوا إلى فرنسا ليدرسوا فيها العلوم (الأدب !!! ، أو العلوم الحديثة ، وما شابه ذلك) ، وكان {الأزهر} إذ ذاك يمانع أن يرسل أحد من أبناء المسلمين إلى أوربا ، فصار هناك اقتراح أن يذهب مع كل طائفة عالم من علماء الأزهر حتى يشرف على أولئك الطلبة ويعلمهم ويحجزهم من الانحراف ، فذهب في مقدمة من ذهب بعض علماء الأزهر ((من غير تسمية)) ، وهؤلاء تأثروا بما عند الغرب وانبهروا بما عندهم من تقدم في الحضارة وكانت بلاد المسلمين ـ إذ ذاك ـ في تأخر مدني فعزا ـ هؤلاء ـ التأخر في ذلك الوقت إلى الدين ، واتباع الناس للكتب القديمة وأن ذلك هو السبب في تأخرهم عن التطور ؛ فظهرت أقوال تشكك في الإسلام ، وتشكك في القرآن ، وتشكك في السنّة .......إلى غير ذلك ، حتى صار ذلك شائعا في كثير من الناس ـ ضعاف النفوس ـ .
وبسبب تلك البعثات ظهرت مدارس اللغات ( الاعتناء باللغات الأجنبية ، والاعتناء بالآداب الغربية ، والاهتمام ببحوث المستشرقين ، ................. إلى غير ذلك ) .
فمن العلماء ـ وقتها ـ من نظر إلى هذا الداء ؛ فوجد أنّ سبيل إرجاع المسلمين إلى دينهم أن يعتني بتفسير القرآن تفسيرا عقليا يعظم القرآن في نفوس الناس حتى لا يبتعدوا عن الدين ، وظهر في هذا الوقت مدرسة {محمد عبده} أحد مشايخ الأزهر الكبار وأحد الذين اعتنوا بتفسير القرآن ، وامتدادا لمدرسته ظهر الشيخ {محمد رشيد رضا} الذي كتب ((تفسير المنار)) معتمدا في كثير منه على تفسير شيخه محمد عبده .
وكان من نتاج ـ الضعف النفسي ـ أن بعض العلماء صار يحمل القرآن على ما عند الغرب من العلوم ، فمثلا ؛ الآيات التي فيها ذكر لبعض المعلومات الفلكية ينزلونها على المكتشفات الحديثة ، وبالتالي يجعلونها دليلا على صحة القرآن ، وأنه سبق الغرب لتلك المكتشفات وهكذا........... .
ففسر القرآن تفسيرا عقليا خرج عن التفاسير السابقة ، وعن تفاسير السلف ، بل وعما يجوز ؛ لأجل أن لا يتشكك الناس في القرآن ، وأن يقبل الناس القرآن وأن يعظموا القرآن ............الخ .
وانهال الناس على الشيخ / محمد عبده ، يحضرون تفسيره لأنه جعل تفسيره للإصلاح ، وانحرف في أشياء كثيرة إذ جعل القرآن تبع للمكتشفات الغربية ، ومن المعلوم أنّ تلك المكتشفات أو النظريات تصلح في وقت وربما أتى ما هو أفضل منها فيبطل تلك النظرية الأولى وتصير غير صحيحة ، فحمل القرآن على النظريات العلمية لا يسوغ لأنه حمل للقرآن الذي هو حق ثابت لا يتغير بشيء قد يتغير ، ومن ذلك أيضا تفسير {طنطاوي جوهري}.
وفي خضم ذلك ظهر إنكار لبعض الغيبيات ، وفسر القرآن بتفاسير باطلة ، وظهر الانحراف في التفسير . (( وهذه هي المدرسة الأولي التي ظهرت في العصر الحديث )).
* المدرسة الثانية : مدرسة تفسير القرآن على هامش المصحف ، وكان هذا ممنوعا في الزمن الأول أن يجعل القرآن في هامش المصحف ، فهناك من اختصر تفسيرا كالطبري وجعله في هامش المصحف ، ومنهم من ألف تفسيرا لنفسه وجعله على هامش المصحف.......الخ .
* المدرسة الثالثة : مدرسة التفاسير الدعوية ، وكان لظهورها سبب وهو ظهور الفساد ، وبعد الناس عن الدين ، وتسلط الاستعمار والغزو الثقافي علي المسلمين وإبعادهم عن دينهم ، وظهرت هناك جماعات مختلفة في العالم الإسلامي العربي وغير العربي للدعوة لإرجاع الناس إلى الدين ، ولا شك أنّ الداعية يحتاج إلى أن يكون اعتماده على القرآن , ولهذا احتاجت تلك الدعوات إلى أن يفسر بعضهم القرآن ، فاعتنى كبار بعض أصحاب تلك الدعوات بتفسير القرآن وذلك المفسر ـ ولا بد ـ سيكون مراعيا لأسباب الدعوة التي ينتمي إليها فظهرت تفاسير موافقة لأصول جماعة التبليغ ، وجماعة الإخوان المسلمين ، وجماعة النور في تركيا وهكذا ...........
* وهذه الطريقة لها أخطاء لعدة أمور :
أولا : أنها مبنية على رأي مجرد من الأثر بل قد يكون مخالفا للأثر.
ثانيا : أنهم يخضعون نصوص القرآن للواقع فيجعلون الواقع هو الحاكم على القرآن ، ويجعلون الآيات تبعا لأحداث وتطورات الواقع .
ثالثا : بعض أصحاب هذه الطريقة يحكم على أمور لم تنجل بعد ويكون مبناها على أمور مستقبلية .
رابعا : تأثر بعضها بعقائد منحرفة تصدع بالعقيدة السلفية .
ومن أمثلة تفاسير هذه المدرسة تفسير المودودي "ترجمان القرآن" وتفسير " في ظلال القرآن " لسيد قطب ، وتفسير "الأساس في التفسير" لسعيد حوي وأشباه تلك التفاسير.
* المدرسة الرابعة : تفاسير المعاني للغات الأخرى وهي المسماة (ترجمات القرآن) وهي ترجمات لمعاني القرآن ـ والبعض يقول ترجمة القرآن ـ وهذا غلط لأن القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين لا يمكن لأحد أن يترجمه لأي لغة كانت والصواب أنها تراجم لمعاني القرآن .
* المدرسة الخامسة : مدرسة استنت بالمدارس القديمة ، وقد اهتمت بجوانب متعددة ،
ـ منهم من نظر إلى الأحكام الفقهية : كتفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن فإنّه اعتنى بالفقهيات جدا .
ـ منهم من اعتني باللغويات : كتفسير التحرير والتنوير ((للطّاهر بن عاشور)) .
ـ منهم من اعتني بنشر العقيدة الأثرية : كالأضواء وتفسير السعدي .
ـ منهم من اعتني بنشر العقائد الباطلة كتفاسير الرافضة ، وتفاسير الإباضية ، وتفاسير الخوارج ........ إلى غير ذلك .
فكل التفاسير القديمة جاءتنا من جديد..
***** وأخـــــــيـــرا :
فينبغي على طالب العلم المهتم بالقرآن إذا أراد أن يراجع تفسيرا من التفاسير ، أو أن يجعل في بيته تفسيرا لكتاب الله ـ جلّ وعلا ـ ؛ أن يحرص أتمّ الحرص على سؤال أهل العلم عن التفاسير ، لئلا يقع في الخطأ من حيث لا يدري .
وبـعـــــــــــد ................،
فهذا عرض موجز مختصر يمكن أن تعتبره مدخلا لمعرفة مناهج المفسرين.
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد..
الصحابة رضوان الله عليهم توسعوا في التفسير وكان من أبرزهم في التفسير :
* عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : وكانت ولادته في شعب أبي طالب قبل الهجرة بثلاث سنين ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات بأن يعلمه الله التأويل وأن يعلمه الفقه فقال: اللهم فقهه في الدين اللهم علمه الحكمة اللهم علمه التأويل ، فبرز ابن عباس في التفسير كثيرا.
* عبد الله بن مسعود .
* عائشة.
* عمر.
* علي رضي الله عن الجميع .
فهؤلاء الخمسة يكثر النقل عنهم في التفسير ابن عباس وابن مسعود وعائشة وعمر وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
· فضل تفسير الصحابة : * تميزت تفاسير الصحابة بأنّها اشتملت على الألفاظ القليلة والمعاني الكثيرة ولهذا من أتى بعدهم إنما يحوم حول كلامهم ، ولهذا قال ابن رجب )) كلام السلف قليل كثير الفائدة وكلام الخلف كثير قليل الفائدة)) ، فمما يظهر في تفاسير الصحابة أنّها كلمات قليلة ولكن تحتها المعاني الكثيرة.
* تميزت تفاسير الصحابة بأنها سليمة من البدع سليمة من الضلال في الاعتقاد ، لأنهم أئمة المتقين وأئمة السلف وإليهم المرجع في التوحيد والعقيدة فتفاسيرهم لا غلط فيها ولا إشكال .
* تميزت بأنها يكثر فيها اختلاف تنوع ويقل فيها اختلاف التضاد ، واختلاف التنوع كما فسروا ـ مثلا ـ الصراط المستقيم فسره بعضهم بالقرآن ، وفسره بعضهم بالسنة ، وفسره بعضهم بالإسلام ، وهذه من اختلافات التنوع لأنّ القرآن والسنة والإسلام بعضها يدل على بعض ولا يتصور قرآن بلا سنة أو سنة بلا إسلام .
· من تلاميذ الصحابة في التفسير : لا شك أن كل صحابي له تلامذة أخذوا عنه ومن ذلك ،
* ابن مسعود رضي الله عنه (في الكوفة) له تلامذة أخذوا عنه التفسير كعبيدة السلماني والربيع بن خثيم والأعمش ومسروق وغيرهم .
* وابن عباس رضي الله عنه (في مكة) له تلامذة أخذوا عنه التفسير كعطاء بن أبي رباح وعكرمة وطاووس ومجاهد وقد عرض التفسير على ابن عباس ثلاث مرات يسأله عن التفسير ، ولهذا قال عدد من أئمة السلف ((إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به)).
· التفسير بعد عصر التابعين :
بعد التابعين أتى أتباع التابعين فتوسعوا في التفسير ومن ثمّ بدأ تدوين التفسير بعد أن كان ينقل حفظا ، ينقله الصحابة عن الصحابة ، وينقله التابعون عن الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نقله أتباع التابعين عن التابعين عن الصحابة ، ثم ظهر التدوين في التفسير ومن ذالك :
* تفسير السدي (إسماعيل بن عبد الرحمن الكبير).
* عبد الرحمن بن زيد بن أسلم غيرهما.......... .
ثم توسعت الكتابة في التفسير إلى أن وصلنا إلى تفاسير جمعت المأثور عن الصحابة وعن التابعين عن أتباع التابعين في التفسير مثل تفسير عبد بن حميد وتفسير عبد الرزاق وتفسير الإمام أحمد وتفسير ابن أبي حاتم وابن جرير الطبري هذه التفاسير دونت تفاسير الصحابة بالأسانيد ((وتسمى مدرسة التفسير بالأثر)).
· في خضم هذه الفترة ((القرن الثالث تقريبا)) بدأت كتابات مختلفة في تفسير القرآن الكريم ، ففي النحو نشأت مدارس نحوية :
1ـ نحاة البصرة : [سيبويه ومن معه].
2ـ نحاة الكوفة .
3ـ نحاة بغداد .........الخ .
والنحو معتمد على القرآن والمدرسة النحوية يؤثر نظرها النحوي في التفسير فصار هناك رأي في التفسير من جهة النحو ورأى في التفسير من جهة اللغة فصنفت عدة مصنفات كمعاني القرآن للأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى ... في كتب على هذا النحو .
ثم أتي فارس الميدان ابن جرير((إمام المفسرين)) فصنف كتابه ((جامع البيان)) وهو أعظم كتاب ألف في تفسير القرآن [بالإجماع] وبه عُدّ ابن جرير إمام الأئمة في التفسير ، وهو محمد بن جرير الطبري ـ رحمه الله تعالى ـ المولود سنة ـ 224هـ ـ والمتوفى سنة ـ 310هـ ـ صنف التفسير وجمع فيه ما تكلم عليه العلماء قبله في التفسير غلب عليه الأثر ، ولكنه اعتنى بالتفسير بالنحو ، والتفسير باللغة وغير ذلك................ .
· نوعي التفسير :
ظهرت مدرستان في التفسير : إحداهما مدرسة التفسير بالأثر والأخرى التفسير بالرأي.
* فمن تفاسير العلماء التي تنتمي إلى مدرسة التفسير الأثري تفسير الطبري ثم البغوي وابن كثير والدر المنثور إلى غير ذلك........
· التفسير بالرأي :
معناه :
هو التفسير بالاجتهاد والاستنباط.
والاجتهاد قسمان [أقسام الرأي] :
* اجتهاد محمود. * واجتهاد مذموم مردود على صاحبه وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث حسنها بعض أهل العلم وضعفها آخرون أنّه قال : ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) وفي لفظ قال : ((من فسر القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب)) ففيه ذم التفسير بالرأي لأنه إن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ، وفي الثاني أنه إن فسر القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب قال العلماء: هذا محمول على أنّ التفسير بالرأي إذا كان عن هوى وعن انحراف فإنّه يبوأ صاحبه مقعدا من النار ، فحملوا قوله عليه الصلاة والسلام : ((من قال في القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النّار)) بمن قال في القرآن برأيه الذي نشأ عن هوى لا عن أدلة صحيحة ، وذلك أنّ الصحابة اجتهدوا في التفسير ، وقالوا ـ في التفسير ـ بأشياء لم ينقلوها عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قلنا بذم جميع أنواع التفسير بالرأي ـ بالاجتهاد والاستنباط ـ يلزم من ذلك ذم الصحابة على اجتهادهم في التفسير وهذا باطل .
فيكون قوله عليه الصلاة والسلام: ((من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)) محمول على من فسره عن هوى ، كقول أهل الفرق المنحرفة كالمرجئة والقدرية والخوارج والمعتزلة والأشاعرة وأشباه هذه الفرق . وأما قوله عليه الصلاة والسلام : ((من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ وإن أصاب)) قال العلماء معناه : من قال في القرآن برأيه وكان رأيه عن جهل لا عن علم فوافق الصواب اتفاقا لا عن علم ويقين فهذا وإن أصاب المعنى الصحيح لكنه أخطأ ومتوعد لأنه تجرأ على القرآن ففسره بغير علم.
* ومدرسة التفسير بالرأي لها اتجاهان :
الأول : من فسر القرآن بالرأي الناشئ عن هوى كما فسرت المعتزلة والخوارج والإباضية والرافضة والأشاعرة والماتريدية القرآن بآرائهم وأهوائهم وتركوا تفاسير السلف إلى تفاسير محدثة فهؤلاء مذمومون لأنهم فسروا القرآن برأي لا دليل عليه ولا حجة فيه وإنما نشأ ذلك التفسير عن هوى فهذا رأي مذموم ومردود على صاحبه.
وتمثله عدة تفاسير من التفاسير المعروفة التي ينتمي أصحابها إلى شيء من الفرق التي ذكر بعضها.
الثاني: [من مدرسة التفسير بالرأي] من فسر القرآن بالاجتهاد والاستنباط ، وكان اجتهادهم واستنباطهم صحيحا ، وهذا إنما يسوغ إذا كمل لدي المفسر شروط جواز التفسير بالاجتهاد والاستنباط وقد تجمع الشروط التي بها يجوز للمفسر أن يفسر القرآن بالاجتهاد والاستنباط فيما يلي :
شروط التفسير بالرأي المحمود :
* الشرط الأول : أن يكون عالما بعقيدة السلف لكي يسلم من آراء الجهمية والخوارج والمعتزلة والقدرية والمرجئة ... إلى آخر تلك الفرق.
* الشرط الثاني : أن يكون عالما بالقرآن حافظا له يمكنه أن يفسر القرآن بالقرآن ـ وحبذا لو كان عنده علم بالقراءات ـ .
* الشرط الثالث : أن يكون عالما بالسنة حتى لا يجتهد في تفسير آية والتفسير فيها منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* الشرط الرابع : أن يكون عالما بأقوال الصحابة حتى لا يحدث تفسيرا علي خلاف تفسير الصحابة على خلافه ، وابن جرير رحمه الله من المهتمين بهذا فمثلا عند قوله جلّ وعلا في سورة الأعراف : {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما} نقل عن الصحابة والتابعين أنّ المراد هنا بالضمير هنا في الآية آدم وحواء ، ونقل عن الحسن أنّه قال المراد بهم اليهود والنصارى من جهة الجنس ، قال ابن جرير : وهذا القول باطل وإنما حكمنا ببطلانه لإجماع الحجة من الصحابة على خلافه فيكون القول به محدثا على خلاف أقوال الصحابة فمن المهم للمفسر أن يراع أقوال الصحابة حتى لا يحدث قولا بخلاف أقوالهم .
* الشرط الخامس : أن يكون عالما بأحوال العرب ، حتى لا ينزل آيات القرآن على غير تنزيلها.
* الشرط السادس : أن يكون عالما باللغة العربية بنحوها ومفرداتها وصرفها وبعلم المعاني من علوم البلاغة ، والأفضل أن يكون هذا العلم بالقوة الذاتية ، وأما إن كان بالقوة القريبة ـ بالمراجعة والكتب ـ فلا بأس إذا استقامت له أصوله .
وهناك شروط أخر ذكرها طائفة من أهل العلم.
*** و يمكن أن نجمل التفاسير التي تنتمي لمدرسة التفسير بالرأي إلى أربع مدارس كبرى :
* المدرسة الأولى : فسرت القرآن بالنظر إلى العقائد ، وهذه مدارس متنوعة ، فكل أصحاب عقيدة خاضوا في تفسير القرآن على حسب اعتقادهم :
ـ فالرافضة لهم تفاسير في القرآن : تفسير الطبرسي وتفسير الطوسي وهلمّ جرا...........
ـ المعتزلة لهم تفاسير : تفسير الزمخشري .
ـ الأشاعرة لهم تفاسير كثيرة على هذا النحو مثل : تفسير أبي السعود و تفسير الرازي وأشباه هذه التفاسير.
ـ الماتريدية أيضا لهم تفاسير مثل : تفسير النسفي وتفسير الآلوسي روح المعاني .
هذا قسم فسروا القرآن من جهة العقيدة وقد يكون لهم اعتناء بأشياء أخر مثل الاعتناء بالفقه و اللغة .............الخ.
* المدرسة الثانية : مدرسة التفسير الموسوعي : ونعني به الذي لم يشترط صاحبه في تفسيره على نفسه نوعا من أنواع علوم بل تجده يطرق كلّ علم من علوم التفسير ، فهو يفسر القرآن بالأثر ، ويفسره بأسباب النزول ، ويفسره باللغة ، ويفسره بالأحكام الفقهية ، ويفسره بالأحوال العامة بالعلوم المختلفة {بالتاريخ بالفلك بالرياضيات إلى آخره........} ، ومن أشهر التفاسير التي تنتمي إلى هذه المدرسة (تفسير مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازي ، وتفسير الآلوسي (روح المعاني) فإنهم جمعوا فيها كل شيء حتى قيل عن تفسير الرازي : {فيه كل شيء إلا التفسير} .
* المدرسة الثالثة : التفاسير اللغوية وهذه يعتني أصحابها بالنحو ، والإعراب ، واللغة :
مثل تفسير أبي حيان الأندلسي (البحر المحيط) ومثل (إعراب القرآن) للنّحاس وأشباه هذه الكتب.
المدرسة الرابعة : التفاسير الفقهية وهي الموسومة بتفاسير {أحكام القرآن}.
وهذه المدرسة متنوعة بحسب المذاهب فالحنفية لهم تفاسير والشافعية لهم تفاسير وهكذا ....... فمثلا : من تفاسير الحنفية في ذلك (أحكام القرآن) للجصاص .
ومن تفاسير الشافعية "أحكام القرآن" لإلكيا الهراسي .
وللمالكية "أحكام القرآن" لابن العربي ، "وأحكام القرآن" للقرطبي
وللحنابلة "أحكام القرآن" لعبد الرزاق الرسعني ، وأحكام القرآن لابن عادل الحنبلي ..وهكذا............
*************** مدرسة جديدة :
هذه المدارس استمرّت على هذا المنوال وفي خضمها ظهر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ـ رحمهما الله ـ .
فشيخ الإسلام كان يفسر القرآن لكنه لم يؤلف تفسيرا مستقلا ، والذي كتبه ووجد في مجلدة مستقلة تفسير آيات أشكلت على المفسرين (كثر فيها الخلاف بين المفسرين ولم يتضح الراجح فيها) فاجتهد ـ رحمه الله ـ في حلّ ما أشكل عليهم في تفسيرها .
وقد ندم ـ رحمه الله ـ في آخر عمره أنه لم يجعل النصيب الأوفر في عمره للتفسير.
كذلك ابن القيم لم يفسر القرآن كله وإنما فسر آيات وسور أشكلت ، وقد بذلت جهود في جمع تفسير الشيخين ـ رحمهما الله تعالي ـ.
وامتاز تفسير الشيخين بالآتي :
أولا: أنهم اعتنوا بتفسير سور فيها التوحيد والعقيدة بعامة.
ثانيا: اعتنوا بتفسير آيات أشكل تفسيرها على العلماء من قبل.
· التفسير في العصر الحديث وقبله بقليل :
هذه المدارس ظلّت مستمرّة والخلف يقلدون من قبلهم فيها وهكذا إلى أن وصلنا إلى مشارف العصر الحديث .
ولمعرفة العصر الحديث نقول :
ـ إنّ العصر الحديث للتفسير يبدأ ببداية القرن الرابع عشر ((من ألف وثلاثمائة هجرية فما بعد)) ، وذلك لأنّ التفاسير فيما قبل هذا التاريخ سارت على نمط التفاسير قبل ذلك فمثلا : ـ قبل ذلك ـ ظهر تفسير الآلوسي سار على نحو ما سبقه ، وظهر تفسير الخطيب الشربيني على نحو ما سبقه ، وكذلك تفسير صديق حسن خان ، وتفسير الشوكاني "فتح القدير" ، فلم يظهر اختلاف كثير في مدارس التفسير حتى دخل العصر الحديث.
وفي العصر الحديث ظهرت تفاسير مختلفة ، ومتنوعة المشارب في التفسير وكان لذلك سبب ، وهذا السبب هو :
لما جاءت الحملات الصليبية على البلاد الإسلامية وبخاصة حملة ((نابليون)) على مصر ، وصاروا يضربون أصول العلوم الإسلامية ، نشأت ناشئة طلب منهم أن يذهبوا إلى فرنسا ليدرسوا فيها العلوم (الأدب !!! ، أو العلوم الحديثة ، وما شابه ذلك) ، وكان {الأزهر} إذ ذاك يمانع أن يرسل أحد من أبناء المسلمين إلى أوربا ، فصار هناك اقتراح أن يذهب مع كل طائفة عالم من علماء الأزهر حتى يشرف على أولئك الطلبة ويعلمهم ويحجزهم من الانحراف ، فذهب في مقدمة من ذهب بعض علماء الأزهر ((من غير تسمية)) ، وهؤلاء تأثروا بما عند الغرب وانبهروا بما عندهم من تقدم في الحضارة وكانت بلاد المسلمين ـ إذ ذاك ـ في تأخر مدني فعزا ـ هؤلاء ـ التأخر في ذلك الوقت إلى الدين ، واتباع الناس للكتب القديمة وأن ذلك هو السبب في تأخرهم عن التطور ؛ فظهرت أقوال تشكك في الإسلام ، وتشكك في القرآن ، وتشكك في السنّة .......إلى غير ذلك ، حتى صار ذلك شائعا في كثير من الناس ـ ضعاف النفوس ـ .
وبسبب تلك البعثات ظهرت مدارس اللغات ( الاعتناء باللغات الأجنبية ، والاعتناء بالآداب الغربية ، والاهتمام ببحوث المستشرقين ، ................. إلى غير ذلك ) .
فمن العلماء ـ وقتها ـ من نظر إلى هذا الداء ؛ فوجد أنّ سبيل إرجاع المسلمين إلى دينهم أن يعتني بتفسير القرآن تفسيرا عقليا يعظم القرآن في نفوس الناس حتى لا يبتعدوا عن الدين ، وظهر في هذا الوقت مدرسة {محمد عبده} أحد مشايخ الأزهر الكبار وأحد الذين اعتنوا بتفسير القرآن ، وامتدادا لمدرسته ظهر الشيخ {محمد رشيد رضا} الذي كتب ((تفسير المنار)) معتمدا في كثير منه على تفسير شيخه محمد عبده .
وكان من نتاج ـ الضعف النفسي ـ أن بعض العلماء صار يحمل القرآن على ما عند الغرب من العلوم ، فمثلا ؛ الآيات التي فيها ذكر لبعض المعلومات الفلكية ينزلونها على المكتشفات الحديثة ، وبالتالي يجعلونها دليلا على صحة القرآن ، وأنه سبق الغرب لتلك المكتشفات وهكذا........... .
ففسر القرآن تفسيرا عقليا خرج عن التفاسير السابقة ، وعن تفاسير السلف ، بل وعما يجوز ؛ لأجل أن لا يتشكك الناس في القرآن ، وأن يقبل الناس القرآن وأن يعظموا القرآن ............الخ .
وانهال الناس على الشيخ / محمد عبده ، يحضرون تفسيره لأنه جعل تفسيره للإصلاح ، وانحرف في أشياء كثيرة إذ جعل القرآن تبع للمكتشفات الغربية ، ومن المعلوم أنّ تلك المكتشفات أو النظريات تصلح في وقت وربما أتى ما هو أفضل منها فيبطل تلك النظرية الأولى وتصير غير صحيحة ، فحمل القرآن على النظريات العلمية لا يسوغ لأنه حمل للقرآن الذي هو حق ثابت لا يتغير بشيء قد يتغير ، ومن ذلك أيضا تفسير {طنطاوي جوهري}.
وفي خضم ذلك ظهر إنكار لبعض الغيبيات ، وفسر القرآن بتفاسير باطلة ، وظهر الانحراف في التفسير . (( وهذه هي المدرسة الأولي التي ظهرت في العصر الحديث )).
* المدرسة الثانية : مدرسة تفسير القرآن على هامش المصحف ، وكان هذا ممنوعا في الزمن الأول أن يجعل القرآن في هامش المصحف ، فهناك من اختصر تفسيرا كالطبري وجعله في هامش المصحف ، ومنهم من ألف تفسيرا لنفسه وجعله على هامش المصحف.......الخ .
* المدرسة الثالثة : مدرسة التفاسير الدعوية ، وكان لظهورها سبب وهو ظهور الفساد ، وبعد الناس عن الدين ، وتسلط الاستعمار والغزو الثقافي علي المسلمين وإبعادهم عن دينهم ، وظهرت هناك جماعات مختلفة في العالم الإسلامي العربي وغير العربي للدعوة لإرجاع الناس إلى الدين ، ولا شك أنّ الداعية يحتاج إلى أن يكون اعتماده على القرآن , ولهذا احتاجت تلك الدعوات إلى أن يفسر بعضهم القرآن ، فاعتنى كبار بعض أصحاب تلك الدعوات بتفسير القرآن وذلك المفسر ـ ولا بد ـ سيكون مراعيا لأسباب الدعوة التي ينتمي إليها فظهرت تفاسير موافقة لأصول جماعة التبليغ ، وجماعة الإخوان المسلمين ، وجماعة النور في تركيا وهكذا ...........
* وهذه الطريقة لها أخطاء لعدة أمور :
أولا : أنها مبنية على رأي مجرد من الأثر بل قد يكون مخالفا للأثر.
ثانيا : أنهم يخضعون نصوص القرآن للواقع فيجعلون الواقع هو الحاكم على القرآن ، ويجعلون الآيات تبعا لأحداث وتطورات الواقع .
ثالثا : بعض أصحاب هذه الطريقة يحكم على أمور لم تنجل بعد ويكون مبناها على أمور مستقبلية .
رابعا : تأثر بعضها بعقائد منحرفة تصدع بالعقيدة السلفية .
ومن أمثلة تفاسير هذه المدرسة تفسير المودودي "ترجمان القرآن" وتفسير " في ظلال القرآن " لسيد قطب ، وتفسير "الأساس في التفسير" لسعيد حوي وأشباه تلك التفاسير.
* المدرسة الرابعة : تفاسير المعاني للغات الأخرى وهي المسماة (ترجمات القرآن) وهي ترجمات لمعاني القرآن ـ والبعض يقول ترجمة القرآن ـ وهذا غلط لأن القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين لا يمكن لأحد أن يترجمه لأي لغة كانت والصواب أنها تراجم لمعاني القرآن .
* المدرسة الخامسة : مدرسة استنت بالمدارس القديمة ، وقد اهتمت بجوانب متعددة ،
ـ منهم من نظر إلى الأحكام الفقهية : كتفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن فإنّه اعتنى بالفقهيات جدا .
ـ منهم من اعتني باللغويات : كتفسير التحرير والتنوير ((للطّاهر بن عاشور)) .
ـ منهم من اعتني بنشر العقيدة الأثرية : كالأضواء وتفسير السعدي .
ـ منهم من اعتني بنشر العقائد الباطلة كتفاسير الرافضة ، وتفاسير الإباضية ، وتفاسير الخوارج ........ إلى غير ذلك .
فكل التفاسير القديمة جاءتنا من جديد..
***** وأخـــــــيـــرا :
فينبغي على طالب العلم المهتم بالقرآن إذا أراد أن يراجع تفسيرا من التفاسير ، أو أن يجعل في بيته تفسيرا لكتاب الله ـ جلّ وعلا ـ ؛ أن يحرص أتمّ الحرص على سؤال أهل العلم عن التفاسير ، لئلا يقع في الخطأ من حيث لا يدري .
وبـعـــــــــــد ................،
فهذا عرض موجز مختصر يمكن أن تعتبره مدخلا لمعرفة مناهج المفسرين.
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد..