مدخل إلى تحقيق كتب التراث

إنضم
09/08/2011
المشاركات
162
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
39
الإقامة
مصر
مدخل إلى تحقيق كتب التراث​
إعــــــــــــداد
يوسف الســــــــــناري​
تحقيق النص معناه: قراءته على الوجه الذي أراده عليه مؤلفه، أو على وجه يقرب من أصله الذي كتبه به هذا المؤلف. وليس معنى قولنا ))يقرب من أصله)) أننا نخمن أية قراءة معينة، بل علينا أن نبذل جهدا كبيرا في محاولة العثور على دليل يؤيد القراءة التي اخترناها.([1])
جاء أول ظهور لمصطلح ((المخطوط)) كاسم بعد ظهور المطبعة وكان من قبل يسمى كتابا والمخطوط العربي وهو الكتاب الذي كتب بخط اليد ، باللغة العربية فيخرج منه الرسائل والعهود والمواثيق، والكتاب المخطوط جسم يتكون من النص وهو متن الكتاب وخوارج النص وهو كل ما لا علاقة له بالكتاب أو بمعنى أدق كل ما لم يكتبه مؤلف المتن فيدخل فيه السماعات والتملكات والبلاغات والمطالعات وغيره ذلك من مظاهر توثيق الكتاب المخطوط فعلم خوارج النص ويسمى أيضا الكوديكولوجيا بمعني علم الكتاب وهي كلمة مشتقة من كلمة لاتينة بمعنى دراسة الكتاب أو علم الكتاب ويسمى أيضا علم الاكتناه كما سماه د. قاسم السامرائي في كتابه علم الاكتناه وهذا العلم أعني خوارج النص أهتم به الغرب اهتماما كبيرا إلى الغاية فهم دراسة وتكلموا في كل ما يحمله الكتاب المخطوط وعلى عناصر صناعته وجعلوها أربعة:
1- الكاغد(الورق).
2- المداد (الحبر).
3- القلم(الخط).
4- التسفير(التجليد).
فهم تكلموا على كل ما حمل النص وسموه حوامل النص وهي الورق والبردي والرق وغير ذلك، وكذلك هذا العلم يهتم بمظاهر توثيق النص بالأخص حرد المتن وهي آخر ما يوجد في المخطوطة من اسم الناسخ وتاريخ النسخ ، وهذا مهم جدا لدارسة النص وتحديد تاريخ النص إذا لم يكن موجودا وكذلك مكان كتابته إذا لم يصرح به الناسخ، فدراسة خوارج النص نستطيع عن طريقها معرفة تاريخ النص ومكان كتابته بوسائل علمية معرفة ، حتى إنه يمكن استخراج الممحى من النص والمكشوط ، وغالبا ما يكون الممحى اسم المالك القديم ، وباستخراج اسمه قد يكون مشهورا فيعرف ترجمته فيعرف تاريخ النص أو قرب كتابته .
وهذا العلم أعني علم المخطوطات يبحث في عدة أشياء مهمة، ينبغي لمن تصدى للتحقيق معرفتها وهي:
1- تاريخ المخطوط من حين كتبه مؤلفه إلى حين تناقلته الأيدي بالقراءة والتملك والمطالعة أي رحلة المخطوط من يد إلى يد.
2- صناعة المخطوط : وقد ذكرنا أنها أربعة .
3- مظاهر توثيق وتقييم المخطوطات ويدخل في ذلك السماعات والبلاغات والمطالعات والتملكات وغير ذلك من علامات التوثيق.
4- ترميم المخطوطات وصيانتها.
5- فن فهرسة المخطوطات، وهو علم قائم بنفسه.
6- تحقيق المخطوطات ونشرها.
فهذه الأشياء هي لب هذا العلم العظيم
صفات المحقق:
1- الإحساس بقيمة التراث العلمي والفكري .
2- الحب والتعلق بتراثنا المخطوط .
3- الخبرة والتمرس بتحقيق المخطوطات .
4- أن يكون المحقق على علم ودراية بموضوع الكتاب.
5- الأمانة العلمية التي تقتضي تحرير النص وتصحيحه.
6- الإلمام الواسع باللغة العربية.
7- الصبر والأناة .
8- سعة الاطلاع على كتب التراث ومصادره.
9- معرفة مناهج التحقيق العلمي.
10- معرفة مصادر هذا العلم .
11- معرفة مناهج المحققين.
خطوات تحقيق كتب التراث :
1- الخطوة الأولي:
معرفة هل الكتاب المراد تحقيقه حقق من قبل أم لا ، ويعرف ذلك بالكتب التي تنص على المحقق من كتب التراث، وسيأتي التعريف بها، فإذا كان الكتاب حقق من قبل فينظر هل هذه الطبعة مطابقة لمواصفات التحقيق العلمي أم لا ؟ فإن كانت مطابقة للتحقيق العلمي الصحيح فأعرض عنها واشتغل بغيرها .
كيف أعرف هل هذا الكتاب طبع من قبل أم لا ؟ .
1- بسؤال أهل الخبرة المشتغلين بتحقيق كتب التراث وهم كثر ولله الحمد .
2- بالبحث عنه في شبكة الانترنت ، فهو مفيد في ذلك .
3- بالبحث عنه في الكتب التي تنص علي المطبوع من كتب التراث.
مسوغات إعادة طبع كتاب حقق من قبل :
1- أن يكون الكتاب طبع دون مراعاة لأصول التحقيق وقواعده.
2- أن يكون الكتاب حقق على نسخة واحدة مع وجود نسخ أخرى غفل عنه المحقق أو تكاسل عن إحضارها .
3- أن يكون المحقق وقع في أوهام تؤدي إلى تشويه الكتاب ، أو أخطأ في تحقيق عنوان الكتاب أو نسبه إلى غير مؤلفه
4- أن يكون المحقق غير أمين قد تلاعب بمتن الكتاب بالتحريف المتعمد .
5- أن يكون المحقق الجديد قد عثر على نسخ أخرى نفيسة لم يعثر عليه المحقق الآخر.
6- أن يخرج الكتاب دون دراسة علمية تخدم الكتاب وكذا خروجه دون فهارس فنية، وكشافات .
2-الخطوة الثانية :
معرفة أماكن نسخ الكتاب المراد تحقيقه:
لابد لمن أراد أن يحقق كتابا أن يعرف أماكن نسخ الكتاب الذي شرع في تحقيقه ، وترتيب النسخ على حسب النفاسة .
3-جمع النسخ.
((لعل من البديهي أنه لا يمكن بوجه قاطع أن نعثر على جميع المخطوطات التي تخص كتابا واحدا إلى على وجه تقريبي. فمهما أجهد المحقق نفسه للحصول على أكبر مجموعة من المخطوطات فإنه سيجد وراءه معقبا يستطيع أن يظهر نسخا أخرى من كتابه، وذلك لأن الذي يستطيع أن يصنعه المحقق، هو أن يبحث في فهارس المكتبات العامة، على ما بها من قصور وتقصير؛ وهو ليس بمستطيع أن يبحث فيها كلها على وجه التدقيق، فإن عددها يربى على الألف في بلاد الشرق والغرب، ويبقى عليه بعد ذلك المكتبات الخاصة, وليس يمكن المحقق أن يدعى إلماما تامًّا بما فيها، أو يفكر في استيعاب ما تتضمنه من نفائس المخطوطات.
فليس وراء الباحث إلا أن يقارب البحث مقاربة مجتهدة، بحيث يغلب على ظنه أنه قد حصل على قدر صالح مما يريد.))
انظر:تحقيق النصوص ونشر الكتب (ص39)
4-فحص النسخ ، ودراستها .
5-معرفة منازل النسخ ودرجاتها .
6-معرفة أي النسخ أقدم وأكمل .
7-مقابلة النص وإثبات فروق ما بين النسخ في الحواشي .
8-التعليق على النص وله مدارس .
9-صنع مقدمة للكتاب ودراسة تخدم الكتاب .
10-صنع الفهارس الفنية والكشافات.
11- عملية التحقيق بكل ما ينطوي تحته من تثبت من مؤلف الكتاب واسم المؤلف، وتحقيق متن الكتاب.
12-مرحلة الإخراج والنشر.
ما هو الكتاب المحقق ؟
يجيب على هذا العلامة المحقق عبد السلام هارون في كتابه تحقيق النصوص (ص42) فيقول: الكتاب المحقق هو الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه ، وكان متنه أقرب ما يكون إلي الصورة التي تركها مؤلفه. انتهي كلامه رحمه الله.
ثم قال : وعلي ذلك فإن الجهود التي تبذل في كل مخطوط يجب أن تتناول البحث في الزوايا التالية:
1- تحقيق عنوان الكتاب .
2- تحقيق اسم المؤلف.
3- تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
4- تحقيق متن الكتاب حتى يظهر بقدر الإمكان مقاربا لنص مؤلفه.
فعلى هذا ينبغي للمحقق أن يكون حذرا في التحقق من هذه العناصر الأربعة، وفي ذلك كتب تفيد الباحث في التحقق من ذلك. سيأتي الكلام عليها.
ثم إن الغالب على نسخ المؤلفين أنها مفقودة،وغالبا ما يجتمع لدينا من الكتاب الواحد نسخ متعددة تتفاوت فيما بينها تفاوتا شديدا، ويصبح نشر أي منها على حاله لا يصح ؛لأن لكل نسخة خصائصها فإذا أردنا أن نحقق أي كتاب وجب علينا أن نجتهد للحصول على النص الذي خرج من تحت يد المؤلف، أو قريب منه ، وهذا هو الذي يقصد بتحقيق المخطوطات.انظر: كتاب : المخطوط العربي، د. عبد الستار الحلوجي .ط. الدار المصرية اللبنانية (ص287) بتصريف
وعلى كل فتحقيق النص الذي فقد منه نسخة المؤلف ليس إلا محاولة للاقتراب من النص الذي تركه المؤلف وافتقدناه.
تنبيهات:
1- ليس من مهمة المحقق تقويم النص أو تصحيح المعلومات الواردة به.
2- ليس من مهمته استكمال النقص الوارد في النص، إلا إذا كان النص لا يستقيم دون إضافة، ينبغي أن ينبه على ذلك ويضعها بين معكوفتين.
3- من مهمته التنبيه على الأخطاء العلمية في النص دون الإملائية واللغوية ، إلا إذا كان النص بخط المؤلف تترك كما هي؛ لأنها جزء من ثقافيته ، وينبه على الصواب في الحاشية.
4- من مهمته ربط أجزاء الكتاب بعضه ببعض، وذلك بوضع إحالات مما له علاقة بالموضوع مما سبق أو مما سيأتي.
5- التنبيه على الخلافات المهمة بين النسخ وترك الفروق التي لا تفيد .
خطوات تصحيح العنوان:
هذا الأمر خطير جدا ، أعني تصحيح عنوان الكتاب وليس بالأمر الهين ،فيجب على المحقق أن يتخذ كل الوسائل الصحيحة في معرفة العنوان الصحيح للكتاب، ويذكر الدكتور الحلوجي أن أقدم المخطوطات التي بأيدينا تدل على أن العرب لم يعرفوا صفحة العنوان في أول عهدهم بصناعة الكتب، وأن العنوان كان يأتي في المقدمة وفي نهاية المخطوط، وكانوا يتركون الصفحة الأولى بيضاء خوفا من أن تصاب الصفحة بالتلويث أو الطمس،إذا لم يجلد الكتاب، أو رغبة منهم بأن تترك هذه الصفحة في الزخارف والحليات، وكان النساخون هم الذين يقومون بنسخ الكتب عن أصولها ويضيفون عنوان الكتاب واسم مؤلفه على الصفحة الأولى في بعض الأحيان، وكان بعضهم ينسخ الكتب دون أن يضيق شيئا، وبعد ذلك أتى من يضيف العناوين بخط مخالف لخط النسخة ومتأخر عنه.([2]) فيستفاد من كلامه حفظه الله أن المحقق لا يسلم بما يكتب على صفحة العنوان فأنها غالبا يكون كاتبها هم النساخ كما أخبر بذلك الدكتور.
و اسم المؤلف غالبا ما يذكر في المقدمة، وفي حالة فقد أجزاء من المقدمة أو حدث طمس بها أو وجد اسم العنوان على الكتاب دون مؤلفه أو العكس، في هذه الحالة يلزم الرجوع إلى الكتب الببليوجرافية التي تحصي أسماء المؤلفين والمؤلفات، فإذا كان عندي اسم المؤلف وأريد التثبت من عنوان الكتاب فيرجع إلى كتاب: الفهرست للنديم، وإلى كتاب مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، لطاش كبرى زاده وإلى كتاب هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي.
إذا كانت المعلومات المتاحة هي عنوان الكتاب وأريد التثبت من صحته ومعرفة مؤلفه فيمكن الرجوع إلى كتاب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خلفية وذيله إيضاح المكنون لإسماعيل البغدادي، أما إذا فقدت المقدمة وكذا اسم الكتاب واسم المؤلف فلا هناك سبيل إلا قراءة النص وتحديد موضوعه، والتمرس بأساليب المؤلفين وخصائصهم ، والرجوع إلى الكتب الموسوعية التي قد تكون نقلت نصوصا عن هذه الكتاب وسمته أو ذكرت مؤلفه .انظر: المخطوط العربي، عبد الستار الحلوجي ،(ص292-293) بتصريف.
سأذكر الآن الخطوات العلمية المتبعة في تصحيح العنوان وما هي درجاتها. ملخصا إياها من كتاب الشيخ المحدث حاتم الشريف، في كتابه وسائل معرفة العنوان الصحيح ، فيقول حفظه الله:
1- أن نجد للكتاب نسخة بخط المؤلف، وعلى واجهة الكتاب وطرته عنوانه بخط يده، هذه أقوى الوسائل .
2- التصريح باسمه في المقدمة بقوله (( وسميته كذا)) وهذه أقل من الأولى لأنه ليس هو موضعه الحقيقي.
3- أن يسمى الكتاب في ثنايا الكتاب ، بعد مقدمته .
4- أن يسمى الكتاب في طرة نسخة خطية معتمدة كالتي قرئت على المؤلف أو القريبة من زمنه أو المقابلة على عالم ، أو المتداولة بين العلماء .
5- أن يسمى المؤلف كتابه في مصنف آخر له .
6- أن يسمى الكتاب في خاتمته ، مثال: تم كتاب كذا أو يسمى في سماعاته بشرط ألا يكون بخط المؤلف .
7- البحث في كتب الفهارس والبرامج (قلت: هذا المصطلح ظهر في المغرب وهو بمعنى الكتب التي يذكر فيه الشيخ الكتب التي حملها عن مشايخه مثل : برنامج ابن أبي الربيع، والرعيني ووادي آشى ، وبرنامج شيوخ المجاري وغيرهم وهي كثيرة ظهرت في المغرب ومع ذلك فأغلبها مفقود أو لم يطبع .
انظر: كتب برامج علماء الأندلس لدكتور عبد العزيز الأهواني ، نشره في مجلة معهد المخطوطات (1/91-122)وكذا انظر كتاب : فهارس علماء المغرب،د.عبد الله الترغي) وكذا البحث في كتب الأثبات والمشيخات والمعاجم ، قلت : وهي كلها بمعني واحد.
8- النظر في ترجمة المؤلف الذي أحقق كتابه عند جميع من ترجم له من كتب التراجم، والنظر في ذكرهم عنوان الكتاب، وليعلم أن التراجم لم تستقص كل كتب المؤلف، فقد يكون للمؤلف كتب ولم ينص عليها من ترجم له فكن على ذكر من ذلك وفي هذا يقول الدكتور رمضان عبد التواب رحمه الله:((عدم ذكر الكتاب في كتب التراجم والطبقات، لا يصح وحده أن يكون مؤديا إلى الشك في نسبة الكتاب إلى مؤلفه؛ إذ لم تدع كتب التراجم يوما أنها أحصت جميع مؤلفات العلماء الذين يرد لهم ذكر فيها)).
9- الاطلاع الواسع على المكتبة الإسلامية بعامة وعلى كتب ذلك الفن بخاصة.
10-التذوق الدقيق لأسلوب المؤلف الكتابي . انتهى كلامه رحمه الله بتصريف
فهذه خطوات تحقيق عنوان الكتاب.
ماذا يفعل المحقق لو كانت صفحة العنوان مفقودة أو مطموسة؟
الإجابة على ذلك تكون من وجوه:
1- أن يقرأ المحقق الكتاب فلعله يظفر في ثنايا الكتاب باسم كتاب للمؤلف ،مثل: أن يقول المؤلف: وقد فصلت ذلك في كتاب كذا كما كان يفعل ذلك شيخ الإسلام ، وبعنوان الكتاب الثاني يبحث عن مؤلفه ثم ينظر إلى موضوع الكتاب الذي يحققه ويرجع إلى ترجمة المؤلف فلعله يجد الكتاب مصرحا بعنوانه في الترجمة ، ويذكر ذلك في دراسة الكتاب .
2- أن يظفر المحقق بنصوص كثيرة للكتاب في كتب أهل العلم ممن جاء بعده ونقل منه وصرحوا باسمه .
3- أن يكون له خبرة بأسلوب المؤلف، وبهذه الخبرة يتوصل إلى العنوان الصحيح .
سمعت أستاذي د عبد الستار الحلوجي يقول: إن صفحة العنوان هي أضعف وثيقة في جمع البيانات ،هذا بالنسبة للمخطوط، بخلاف الكتاب المطبوع فإن أقوى وثيقة لجمع البيانات هي صفحة العنوان .
مفاد هذا الكلام هل المحقق إذا وجد ظهرية الكتاب فيه عنوان الكتاب هل يعتمده المحقق بسرعة، أم أنه ينبغي عليه ألا يسلم ذلك إلا بالبحث في كتب الببليوجرافيات ( الكتب التي تذكر الكتب بعناوينها )؟
الإجابة على هذا تكون بذكر قصة حدثت معي في دار الكتب المصرية ،وهي كنت ذهبت إلى دار الكتب للبحث عن كتاب فبينما أنا أتصفح الحاسوب وجدت عنوان كتاب (( بيان علل سنن أبي داود)) فقلت: في نفسي هذا الكتاب لم أراه مطبوعا ففرحت لذلك قلت في نفسي :عثرت عليه فطلبت منهم إحضار هذا الكتاب فحينما أتوا بالكتاب أول ما وقعت عيني عليه عرفت أنه علل الدارقطني ففرحت أكثر لماذا؟ لأنه قلت في نفسي : إذن هذا الجزء غاب عن المحقق للعلل وظننت أني عثرت عليه ، ولكن قلت بدلا ما أصور الكتاب كله أصور الورقة الأولى والأخيرة وحينما أذهب إلى بيتي أطابق المخطوط بالمطبوع حتى لا يصير الحلم خيالا ، ولكن فوجئت بأن الاسم في الغاشية أي أخر ورقة في الكتاب المخطوط وتسمى أيضا حرد المتن مطموسة ، فأخذتها وذهبت إلى بيتي فأول ما دخلت أسرعت على الكتاب المطبوع من العلل وكان في مسند عائشة رضي الله عنها فلما طابقت المخطوط بالمطبوع فوجئت أنه مصفوف أي موجود في المطبوع وصار الحلم خيالا عشته والحمد لله ولكن أستفدت من هذه القصة فوائد جمة:
1- التثبت وعدم التسرع .
2-عدم الثقة بما يوجد على صفحة العنوان حتى أراجع المصادر التي ذكرت الكتاب .
3-الاجتهاد في هذا العلم العظيم ولذا بعد هذا القصة دخلت معهد المخطوطات .
4- معرفة أن في فئة الوراقين جهالا لا علاقة لهم بهذا العلم.
إذا الشاهد من هذه القصة التثبت وعدم التسرع في نسبة العنوان أو الكتاب إلى مؤلف بوجود ذلك في صفحة العنوان والله الموفق.
وأنا أدعو إخواني بدخول معهد المخطوطات ، فإنه معهد عظيم الشأن عريق ، ويدرس فيه العمالقة الكبار في هذا المجال.
منازل النسخ (درجات النسخ):
إن أقدار النسخ للكتاب الواحد تتفاوت جدا، فمنها ما لا قيمة له أصلا في تصحيح نص الكتاب، ومنها ما يعول عليه ويوثق به، ووظيفة المحقق الماهر أن يعرف قدر كل نسخة ويقيمها، ويفاضل بينها وبين سائر النسخ، متبعا في ذلك عدة قواعد منها:
1- أن النسخة الكاملة أفضل من النسخة الناقصة.
2- أن النسخة الواضحة أحسن من غير الواضحة.
3- أن النسخة القديمة أفضل من الحديثة.
4- أن النسخ التي قوبلت بغيرها أحسن من التي لم تقابل, وكذا التي عليها تعليقات العلماء وسماعاتهم،ولكن لهذه القواعد شواذ، ([3]).
إذا نسخ المخطوطات للكتاب الواحد تتفاضل كأي شيء ، ونتعرف الآن على منازل النسخ ودرجاتها .
فما هي أعلى النسخة؟
الجواب على هذا يكون بهذا التسلسل:
1- النسخ التي كتبها المصنف بيده (المبيضة:الكتاب الذي نقحه) وتسمي النسخة الأم أو الأصل.
ما حكمها إذا وجدت؟
تجب كل النسخ ولا يجوز تركها ولو كانت في الصين ، ولكن لا تهمل النسخ الأخرى لأنه لعله تكون النسخ الأم فيها طمس أو أرضة أو نقص فيستكمل الباقي من النسخ الأخرى، وقد اهتهم العلماء قديما بالنسخ الأصول، وللأخ الباحث تام الجبالي كتاب في جمع هذه النسخ ، وللعلم نسخة المؤلف قليلة .
2- المسودة النسخ التي لم ينقحها المصنف إذا لم نجد المبيضة.
3- النسخة التي نقلت من نسخة المؤلف.
4- النسخة التي أملاه المؤلف .
5- النسخة التي كتبها عالم ثقة.
6- النسخة التي كتبت في عصر المؤلف.
7- النسخة التي عليها تعليقات العلماء .
وفي هذا يقول الشيخ عبد السلام هارون:
((أعلى النصوص هي المخطوطات التي وصلت إلينا حاملة عنوان الكتاب واسم مؤلفه، وجميع مادة الكتاب على آخر صورة رسمها المؤلف وكتبها بنفسه، أو يكون قد أشار بكتابتها، أو أملاها، أو أجازها؛ ويكون في النسخة مع ذلك ما يفيد اطلاعها عليها أو إقراره لها)). تحقيق النصوص ونشر الكتب (ص29)
ويقول أيضا
((وتلي نسخة الأم النسخة المأخوذة منها، ثم فرعها ثم فرع فرعها)) نفس المصدر(ص29)
نسخة المؤلف تسمى النسخة الأم أو الأصل أو النسخة العالية، ما عداها تسمى نسخة ثانوية أي فرعية، بشرط أن يوجد معها الأصل أما إذا عدم الأصل فإن أوثق النسخ يرتب حسب الأقدم، وفي هذا يقول الشيخ عبد السلام هارون:
((وهذا الضرب الثاني (يعنى غير نسخة المؤلف) من المخطوطات يعد أصولا ثانوية إن وجد معهما الأصل الأول؛ وأما إذا عدم الأصل الأول فإن أوثق المخطوطات يرتقي إلى مرتبته، ثم يليه ما هو أقل منه وثوقا.)) نفس المصدر(30)
ما هي النسخ الثانوية؟
النسخ الثانوية للكتاب:
النسخ الثانوية هي النسخ الفرعية وهذه النسخ لها أهمية عظيمة في ضبط النص إذا غابت نسخة المؤلف عنا وهي كثيرا ما تغيب، ويمكن إجمال النسخ الثانوية في نقاط هي:
1- الشرح إذا احتوى على المتن فهو عبارة عن نسخة أو إبرازة للكتاب، والشرح الذي لا يذكر فيه إلا بعض كلمات المتن شأنه شأن النسخة الناقصة.
2- الترجمة: ومما يقرب من النسخة الترجمة إلى لغة غير لغة الأصل، وأنفس التراجم ما صدر عن رجل يعرف اللسانين معرفة تامة، يفهم العربية ومادة العلم الذي يترجم فيه فهما كاملا، لا يغر معنى الأصل ولا أسلوبه بل يتبعه محافظا عليه ما مكنته اللغتان، وهذا الجنس من الترجمة نادر جدا ، وبخاصة في تراجم اللغة العربية، فالترجمة بمنزلة نسخة ثانوية للأصل، وأهم التراجم ما يفقد أصله، فتقوم الترجمة مقام الأصل.
3- المختصر.
4- النبذ.
5- نظم الكتاب المنثور.
6- اقتباس ما يوجد من آثار الكتاب الواحد في كتاب آخر(نقول العلماء عن الكتاب بمنزلة نسخ أخر له).
7- وكذلك كل نسخة وجد أقدم منها أو أفضل منها أو وجد أصلها.
يقول الدكتور رمضان عبد التواب رحمه الله: ويعد من النسخ الثانوية كذلك: الشروح المتضمنة للمتون،و كذلك الاقتباسات في الكتاب عن غيره، أو اقتباسات غيره منه، فكتاب (( المفصل في النحو)) للزمخشري، يعد من نسخه الثانوية، ما يوجد من متنه في شرح ابن يعيش النحوي له، وكتاب (( احن العوام للزبيدي يعد من النسخ الثانوية ما اقتبسه هو عن كتاب سيبويه، وما نقله عنه الصفدي في كتابه((تصحيح التصحيف وتحرير التحريف)) ص73 مناهج تحقيق التراث.
قلت: وهذه النقولات مهمة جدا في ضبط النص في غياب النص الأصلي فقد تجمع هذه الاقتباسات وتخرج مرتبة في صورة الكتاب الأصلي الذي فقد نصه0
و هناك ضابط عام هو مراعاة النسخة الأقدم ، لكنه ضابط نسبي؛لأنه قد نجد نسخة حديثة وكاتبها عالم ضابط والقديمة كاتبها جاهل يكثر فيها من السقط والتحريف فلا شك تقدم الأحدث ، وكذلك قد نجد الحديثة أكمل من القديمة فلا شك تقدم الحديثة، ولنضرب على ذلك مثلا ذكره المستشرق الألماني براجسترسر في كتابه ((نقد النصوص ونشر الكتب )) قال في (ص14) :
كتاب ((اللمع في التصوف) للطوسي (ت378) له نسختان : أحدهما كتبت في سنة 548هجريا ، والأخرى في سنة 683 هجريا، والقديمة غير كاملة في الظاهر فيها نقص في مواضع كثيرة تبلغ ثلث الكتاب، فبنى الناشر طبعته على النسخة الحديثة، ولم يستعمل القديمة إلا في تصحيح النص. انتهى كلامه بتصريف.
ويؤخذ من كلامه أن النسخة القديمة لا تهمل بل يحتفظ بها في التحقيق لضبط النص.
و العلماء جعلوا ضابطا عاما وهو مراعاة النسخة ذات التاريخ الأقدم
فلا يجوز علميا أن تكون نسخة المؤلف موجودة و تذهب تحقق النسخة التي كتب في عصره ،فإذا فعلت هذا كان تحقيقه طللا (هدرا) فينبغي عليك أن تراعي هذه الضوابط التي وضعها علماء هذا الفن ، وهناك أمر ينبغي التنبه له وهو إذا كنا نحقق كتابا له عدة نسخ منها نسخ نقلت من نسخة وتوجد عندنا هذه النسخة التي نقلت منها النسخ الأخرى فإننا نستبعد هذه النسخ في التحقيق ،فإن كل نسخة أصلها موجود عندنا لا نعتد بها في تصحيح النص، ولكن كيف يعرف أن هذه النسخ نقلت من نسخة عندنا؟
يعرف ذلك بوجود نفس الأخطاء والتصحيفات .
ولكن لهذه القاعدة شواذ وهي أنه كثيرا ما ينقص من النسخة الأصلية نص يوجد في النسخة الناقلة منها ، ففي هذه الحالة لا تهمل هذه النسخة ويستكمل النص منها، ولا تعتبر قيمة النسخة الناقلة إلا فيما نقص من النسخة الأصلية ، وقد تكون النسخة الناقلة قد قورنت بنسخة أخرى غير الأولى، فلا شك في اعتبار النسخة الثانية.
تنبيه :
1- قد نجد في حرد المتن ( آخر ورقة في المخطوط) الناسخ المضلل حينما ينسخ الكتاب ينسخ عبارة المؤلف نفسه التي هي قوله: تم الكتاب علي يد مؤلفه كذا ،فيكتبه هذا الوراق كما هي دون أن يبين أن الناسخ هو فيظن القارئ أنه أمام نسخة عريقة كتبها المؤلف بيده ولكنه عند البحث ومعرفة خطوط العلماء يكتشف أنه قد لبس عليه ، ففي هذه الحالة ينبغي أن يتثبت في نسخ المؤلفين ،ومعرفة خطوطهم تبين هذا الكلام صحيح أم لا.
2- قد تجد في حرد المتن عبارة للناسخ يقول فيها في فراغه من نسخ الكتاب : كتبه لنفسه .
فإذا وجدت هذه الكلمة فاعلم أن كاتبها إما أن يكون عالما أو طالب علم وليس وراقا همه نسخ الكتاب ليحصل على ثمن نسخه ، وهذا يدل على أن هذه النسخة التي كتبها عالم أو طالب علم نسخة مصححة بعيدة عن كثرة السقط والتحريف ، فاعلم هذا فهو ينفعك، والله الموفق إلى سبيل الرشاد.
3- عادة ما إذا مات صاحب النسخة عرضها ورثته للبيع في سوق الوراقين فإذا وجدت في صفحة العنوان عبارة (( دخل في نوبة كذا،أو كتبه لنفسه ،أو تملكه بالبيع الشرعية الصحيح ،أو تملكه أو انتقل إلي فلان أو انسلك في سلك فلان)) فاعلم أن من يذكر بعد ذلك من اسم فهو مالكها فابحث عنه لعله يكون عالما أو طالب علم ، وهذا التملك مهم كما سيتأتي بيانه في علامات توثيق المخطوطات .
4- قد تجد عبارة النسخة الخزائنية في بعض المخطوطات فهذه النسخ هي التي كتبت للسلاطين والملوك والأمراء أو كبار العلماء أي في خزائنهم الخاصة بهم ويعرف ذلك بعدة عبارات هي: يكتب عليه لخزانة كذا أو لأجل كذا أو تحفة ،أو برسم الخزانة ، أو بصيغ أخرى.
5- ((وهنا أمر قد يوقع المحقق في خطأ جسيم، وهو أن بعض الغافلين من الناسخين قد ينقل عبارة المؤلف في آخر كتابه، وهي في المعتاد نحو "وكتب فلان" أي المؤلف؛ ثم لا يعقب الناسخ على ذلك بما يشعر بنقله عن نسخة الأصل، فيظن القارئ أنها هي نسخة المؤلف. وهذه مشكلة تحتاج إلى فطنة المحقق وخبرته بالخط والتاريخ والورق)) تحقيق النصوص ونشر الكتب (ص29)
6- هناك نوع من النصوص وجدت في ثنايا كتب أخرى ، مثل شرح ابن أبي الحديد في شرح لنهج البلاغة ضمنه كتب كثيرة ليست له وكذا البغدادي في خزانة الأدب، فما حكم هذه النسخ هل تعد نسخا ثانوية ؟
يجيب على هذا السؤال الشيخ عبد السلام هارون فيقول:
وهناك نوع من الأصول هو كالأبناء الأدعياء، وهي الأصول القديمة المنقولة في أثناء أصول أخرى؛ فقد جرى بعض المؤلفين على أن يضمنوا كتبهم -إن عفوا وإن عمدًا- كتابا أخرى أو جمهورًا عظيمًا منها.
ومن هؤلاء ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة، فقد ضمن ذلك الشرح كتبا كثيرة، أذكر منها وقعة صفين التي أمكنني أن أستخرجها نسخة كاملة لا ينقصها إلا نحو عشرين صفحة من نحو 350 صفحة بعد أن قضيت في ذلك قرابة الشهر. (ص30)
ويقول أيضا:
ولعل أظهر مثال للأصول المضمنة ما أورده البغدادي صاحب خزانة الأدب، فقد أودعها كثيرا من صغار الكتب النادرة، منها كتاب فرحة الأديب لأبي محمد الأسود الأعرابي، وكتاب اللصوص لأبي سعيد السكري؛ كما تضمن قدرا صالحا من كتب النحو وكتب شرح الشواهد النحوية. نفس المصدر (ص30)
فما حكم هذه النسخ الموجودة في ثنايا كتب أخرى ؟
يقول الشيخ عبد السلام هارون:
وهذا النوع من الأصول لا يخرج كتابا محققًا، وإنما يستعان به في تحقيق النص. وقد تهدى بعض الأدباء إلى نصوص من كتاب العثمانية للجاحظ ونشرها مع الرد عليها لأبي جعفر الإسكافي، نقل ذلك كله من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد. وكنت أحسب أن النصوص تمثل على الأقل نموذجا من الأصل، ولكن عندما وقعت إلى نسخة العثمانية المخطوطة تيقنت أن ما فعله ابن أبي الحديد لا يعدو أن يكون إيجازا مخلا لنص الجاحظ بلغ أن أوجزت صفحتان منه في نحو ستة أسطر. نفس المصدر (ص31)
ويقول أيضا:
فنشر أمثال هذه النصوص ودعوى أنها محققة، يعد خطأ جسيما في فن التحقيق وفي ضمير التاريخ.
أقول :هذا الكلام يحتاج إلى توضيح وتفصيل إذا كانت هذه النصوص موجودة في ثنايا كتاب ولا يوجد منها نسخ أخرى إلا المضمنة في بعض الكتب ففي هذه الحالة ليس لنا بد في إخراج الكتاب ولو كان يوجد في بعض كتب الموسوعات و لو كان النص مختصرا أو أوجزه مصنفه للضرورة أما إذا وجدنا نسخا للكتاب فيكون هذا مسوغا لإعادة نشره مرة أخرى .
وحجة الشيخ عبد السلام هارون أن المتقدمين كانوا ينقلون النصوص وتكون لهم الحرية التامة في التصرف فيها وترجمتها بلغتهم، بمعنى أنهم قد يتصرفون في النقل بالمعنى، فلا يصح نشر هذه النصوص بدعوى أنها محققة وفي هذا يقول رحمه الله:
وكذلك كان يفعل الأقدمون، ينقلون النصوص أحيانا وتكون لهم الحرية التامة في التصرف فيها وترجمتها بلغتهم أيضا إلا إذا حققوا النقل ونصوا على أن هذا هو لفظ المنقول، فيقولون مثلا: "انتهى بنصه"، فتكون مسئوليتهم في ذلك خطيرة، إذ حملوا أنفسهم أمانة النقل.
نفس المصدر (ص31)
مشكلة المسودة وكيفية معرفتها:
((وهنا تعرض مشكلة المسودات والمبيضات، وهو إصلاح قديم جدا. ويراد بالمسودة والنسخة الأولى للمؤلف قبل أن يهذبها ويخرجها سوية. أما المبيضة فهي التي سويت وارتضاها المؤلف كتابا يخرج للناس في أحسن تقويم.)) انظر: تحقيق النصوص نشر الكتب (ص32)
كيف يعرف المحقق هل هذه النسخة مسودة أم مبيضة؟
((ومن اليسير أن يعرف المحقق مسودة المؤلف بما يشيع فيها من اضطراب الكتابة، واختلاط الأسطر وترك البياض، والإلحاق بحواشي الكتاب، وأثر المحو والتغيير.. إلى أمثال ذلك.
ومسودة المؤلف إن ورد نص تاريخي على أنه لم يخرج غيرها كانت هي الأصل الأول مثال ذلك ما ذكره النديم من أن ابن دريد صنع كتاب أدب الكاتب على مثال كتاب ابن قتيبة، ولم يجرده من المسودة،
وأما مبيضة المؤلف فهي الأصل الأول، وإذا وجدت معها مسودته كانت المسودة أصلا ثانويا استئناسيا لتصحيح القراءة فحسب.
هل وجود خط المؤلف على النسخة دليل على أنها النسخة التي ارتضاها ونقحها؟
يجيب على هذا الشيخ عبد السلام هارون فيقول:
أن وجود نسخة المؤلف لا يدلنا دلالة قاطعة على أن هذه النسخة هي عينها النسخة التي اعتمدها المؤلف، فإننا نعرف أن بعض المؤلفين يؤلف كتابه أكثر من مرة، وإذا استعملنا لغة الناشرين قلنا: إنه قد يصدر بعد الطبعة الأولى طبعة ثانية. فالمعروف أن الجاحظ ألف كتابه البيان والتبيين مرتين كما ذكر ياقوت في معظم الأدباء وقد ذكر أن الثانية "أصح وأجود". وكتاب الجمهرة لابن دريد قال ابن النديم4: "مختلف النسخ كثير الزيادة والنقصان، لأنه أملاه بفارس وأملاه ببغداد من حفظه، فلما اختلف الإملاء زاد ونقص". ثم قال: "وآخر ما صح من النسخ نسخة أبي الفتح عبد الله بن أحمد النحوي، لأنه كتبها من عدة نسخ وقرأها عليه". وهذه سابقة قديمة في جواز تلفيق النسخ.
فهذا يبين لك أيضا أن نسخة المؤلف قد تتكرر، ولا يمكن القطع بها ما لم ينص هو عليها. وليس وجود خطه عليها دليلا على أنها النسخة الأم، بل إن الأمر كله أمر اعتباري لا قطعي.
وكثيرًا ما تتعرض كتب المجالس والأمالي للتغيير والتبديل، والزيادة من التلاميذ والرواة.
وبعض المؤلفين يؤلف الكتاب الواحد على ضروب شتى من التأليف، قد يشرح الكتاب الواحد ثلاث مرات شرح صغير ووسط وكبير.
انظر: تحقيق النصوص ونشر الكتب ، عبد السلام هارون.(ص32-36) باختصار وتصريف.
الخطوة الثالثة: فحص النسخ:
هذه الخطوة مهمة جدا في التحقيق العلمي وسوف نتعرف الآن على ما الذي يدرس في عملية فحص النسخ، فنبدأ مستعينين بالله رب العالمين.
لو قلنا: ما الذي يدرس في عملية فحص النسخ؟
الجواب: الذي يدرس في عملة الفحص هو الكيان المادي للمخطوط، والكيان المادي للمخطوط له عناصر أربعة هي:
1- الكاغد (الورق)
2- المداد ( الحبر)
3- القلم (الخط)
4- التفسير مصطلح يستخدمه المغاربة بمعنى (التجليد)
فهذه العناصر الأربعة للكيان المادي للمخطوط الذي هي عناصر صناعة المخطوط التي تسمى في الغرب (الكوديكولوجيا) ويمسى أيضا (خوارج النص) وهذا العلم قد ظهر في الغرب وهو يدرس كل مالا علاقة له بالنص أي متن الكتاب فهو يدرس الخط والحبر والتجليد والورق ومظاهر التوثيق المتعلقة بالكتاب مثل : البلاغات والسماعات والمقابلات والتملكات .، وكذلك رحلة المخطوط من حيث ألفه المؤلف إلى أن تناقلته الأيدي بالشراء والقراءة .
1- إذا الذي يدرسه المحقق في تحقيق كتابه هو نوع الورق ،وبهذه الدراسة يتمكن من تحقيق عمرها ، ولا ينخدع بما يثبت عليها من تواريخ قد تكون مزيفة، وكذلك يدرس الحبر والخط ، وكذلك التعقيبة الكلمة التي تكون في آخر الورقة للدلالة على أن الصفحة التي تليها تبدأ بها وهذه هي علامات الترقيم في هذه العصور بها يعرف الكتاب كاملا أم لا ، وكذلك يدرس اطراد الخط فقد تكون نسخة ملفقة وكذلك يدرس عنوان الكتاب وما يحمله من تملكات وسماعات إجازات وقراءات ، وكذلك يدرس النسخة هل كاملة أم ناقصة وقلنا : يعرف ذلك بالتعقيبة، وكذلك يدرس المحقق حرد المتن وما يكتب عليه من اسم الناسخ وتاريخ النسخة وأحيانا مكان النسخ،
وفي هذا يقول الدكتور رمضان عبد التواب: ((ويحسن بالمحقق أن يدرس النسخ المخطوطة للكتاب قبل جمعها أولا، عن طريق وصف الفهارس لها؛ فقد يرى مثلا من هذا الوصف أن بعض مخطوطات الكتاب قد نقل عن بعضها الآخر، وعندئذ فلا داعي للحصول عليها كلها، بل يكفي في هذه الحالة استخدام الأمهات فحسب، إلا إذا كان بعض النسخ الحديثة ، قد كتبها علماء معروفون، أو سمعت على علماء مشهورين؛ ففي هذه الحالة لابد من الحصول على هذه النسخ كذلك.
وإذا كان الكتاب نسخة وحيدة، فلا يضير تحقيقه بالاعتماد على هذه النسخة وحدها.
إما إذا كان للكتاب أكثر من مخطوطة، فمن الخطورة الاعتماد على نسخة واحدة من نسخه؛ لأننا لا نضمن أن تكون هذه النسخة مستوفية لكل النص الذي كتبه مؤلف الكتاب)). ص65
وفي هذا يقول الشيخ عبد السلام هارون:

((يواجه فاحص المخطوطة جوانب شتى يستطيع بدراستها أن يزن المخطوطة ويقدرها قدرها.
1- فعليه أن يدرس ورقتها ليتمكن من تحقيق عمرها، ولا يخدعه ما أثبت فيها من تواريخ قد تكون مزيفة. ومما يجب التنبه له أن ليست آثار العث
والأرضة والبلى تدلى دلالة قاطعة على قدم النسخة، فإننا نشاهد تلك الآثار في مخطوطات قد لا يتجاوز عمرها خمسين عامًا، كما رأينا بعضًا من المخطوطات الحديثة يزورها التجار بطريقة صناعية حتى يبدو روقها قديما باليًا. ويرى القفطي1 أن ابن سينا صنع ثلاثة كتب أحدها على طريقة ابن العميد، والثاني على طريقة الصاحب، والثالث على طريقة الصابي، وأمر بتجليدها وأخلاق جلدها، لتجوز بذلك على أبي منصور الجبان. ولا ريب أن هذا التزييف قصد به المزاح، ولكنه يدلنا على أن التاريخ يحمل في بطونه دلائل على حدوث التزييف.
2- وأن يدرس المداد فيتضح له قرب عهده أو بعد عهده.
3- وكذلك الخط، فإن لكل عصر نهجا خاصا في الخط ونظام كتابته يستطيع الخبير الممارس أن يحكم في ذلك بخبرته.
4- وأن يفحص اطراد الخط ونظامه في النسخة، فقد تكون النسخة ملفقة فيهبط ذلك بقيمتها أو يرفعها.
5- وعنوان الكتاب وما يحمل صدره من إجازات وتمليكات وقراءات.
6- كما أنه يجد في ثنايا النسخة ما يدل على قراءة بعض العلماء أو تعليقاتهم.
7- وأن ينظر إلى أبواب الكتاب وفصوله وأجزائه حتى يستوثق من كمال النسخة وصحة ترتيبها. وكثير من الكتب القديمة يلتزم نظام "التعقيبة"، وهي الكلمة التي تكتب في أسفل الصفحة اليمنى غالبا لتدل على بدء الصفحة التي تليها، فيتتبع هذه التعقيبات يمكن الاطمئنان إلى تسلسل الكتاب.
8- وأن ينظر في خاتمة الكتاب لعله يتبين اسم الناسخ وتاريخ النسخ وتسلسل النسخة.
وهذه هي أهم الجوانب الجديرة بعناية الفاحص، وقد يجد أمورا أخرى، تعاونه على تقدير النسخة، فلكل مخطوط ظروف خاصة تستدعي دراسة خاصة.))
انظر: تحقيق النصوص ونشر الكتب (ص40-41)

مقدمات تحقيق النص:
1- التمرس بقراءة النسخة ومعرفة حال الناسخ وطريقته ومنهجه ، فإن لكل ناسخ طريقة.
2- التمرس بأسلوب المؤلف ، وأدنى صوره أن يقرأ المحقق الكتاب المرة بعد المرة .
3- الإلمام بالموضوع الذي يعالجه الكتاب حتى يتمكن المحقق من فهم النص.
كتب مساعدة على ضبط النص:
1- كتب المؤلف نفسه المخطوط منها والمطبوع.
2- الكتب التي له علاقة بالموضوع.
3- الكتب التي شرحت الكتاب واختصرته وهذبته.
4- الكتب التي استقت من الكتاب وكان من مواردها .
5- الكتب المعاصرة للمؤلف والتي تعالج نفس الموضوع أو قريبا منه.
6- المراجع اللغوية وهو المقياس الذي به تسبر صحة النص.
7- المراجع العلمية الخاصة بموضوع الكتاب .
مرحلة التعليق على النص أو تخريج النصوص:
قيل قديما: حلية الدفاتر: اللحق في حواشيها، والمغاربة يقولون: الدرر في الطرر. كتب الطرر: كتب التعليقات التي تكون لطلاب العلم يسجل فيها التلميذ ما يحمله عن شيخه في مجالسه. وقيل للخوارزمي عند موته: ما تشتهي؟
قال: النظر في حواشي الكتب.
كتابة الحواشي والهوامش:
يقصد بالحاشية: الفراغ الموجود على جانبي الصفحة، وهو شيء يختلف عن الهامش الذي يكون في أسفل الصفحة. وفراغ الحواشي مهما كان كبيرا، فإنه محدود المساحة، على العكس من فراغ الهوامش، الذي يمكن للكاتب أن يتحكم في مساحته بحسب حاجته.
وثقافة المحقق تظهر في تعليقاته التي يكتبها في تحقيقاته فالهوامش التي يصنعها المحقق تدل على ثقافته وحسن فهمه للنص، ومعرفته الكاملة بالمكتبة العربية.
تخريج النصوص: تخريج النصوص هو البحث لها عما يؤيدها ، ويشهد بصحتها في بطون الكتب ، وهو أمر ضروري جدا؛ فقد يبدو النص واضحا مفهوما،وعندئذ يتكاسل المحقق في أمر مراجعته وتخريجه في المصادر المختلفة، للتأكد من صحة مضمونه.، والنصوص التي ينبغي تخريجها في الكتاب المحقق كثيرة ومتنوعة ومن أهمها ما يلي:
1- القرآن الكريم: ولا يصح أن يثق المحقق بحفظه لكتاب الله العزيز، فإن بعض آياته تتشابه وكثيرا ما يحدث فيها السهو والخلط، لدي بعض المؤلفين أو النساخ، ويستعان في تخريج النصوص القرآنية من مواضعها من المصحف ببعض الفهارس التي صنعها العلماء لآيات القرآن الكريم، ومن أهمها(( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم)) لمحمد فؤاد عبد الباقي.
وينبغي ألا يسارع المحقق إلى تخطئة نص الآية في المخطوط الذي أمامه، بناء على ما في المصحف الذي بين أيدينا، بل عليه أن يبحث عنه في كتب القراءات المختلفة، ومن أهمها: كتاب (( السبعة في القراءات)) لابن مجاهد، و((التيسير في القراءات السبع)) لأبي عمرو الداني، و((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري، و((إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر))للدمياطي، ولا يغفل البحث في كتب القراءات الشاذة،مثل: كتاب((مختصر في شواذ القرآن))لابن خالويه،و (( المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات))لابن جني.

ويشير في تخريجه للقرآن الكريم إلى اسم السورة ورقمها ورقم الآية.مثلا))سورة البقرة2/112) وقد يهمل رقم السورة ، وهو الجاري الآن.
2- الأحاديث: كذلك تخريج الأحاديث من الأمور التي يلزم المحقق الاهتمام بها،حتى يطمئن إلى سلامتها من التصحيف والتحريف .
3- الأمثال: والأمثال العربية مما ينبغي تخريجه في كتب الأمثال المختلفة لكي يطمئن المحقق إلى سلامة روايتها، وضبط كلماتها، ومن هذه الكتب المعتبرة)) مجمع الأمثال)) للميداني،و(( المستقصى)) للزمخشري،و ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري،و(( فصل المقال)) لأبي عبيد البكري، و(( أمثال العرب)) للمفضل الضبي، و(( الأمثال)) لمؤرج السدوسي.
4- الأشعار: أما تخريج الأشعار، ومراجعة المصادر المختلفة في تحقيق أبيات الشعر، فشئ ضروي، ولابد أن يرجع المحقق إلى ديوان الشاعر إن كان له ديوان، وإلا رجع إلى ما روى من أشعاره في المجاميع الشعرية المختلفة، كالأصمعيات، والمفضليات، وجمهرة أشعار العرب للقرشي، وحماسة أبي تمام، وحماسة البحتري والحماسة البصرية، وحماسة ابن الشجري ،وتمتلئ المصادر العربية بالمقطوعات الشعرية، والأبيات المفردة، والرجوع إليها أمر ضروري للوقوف على الروايات المختلفة، والشروح والمصاحبة، وتقويم ما اعوج من نص المخطوط الذي أمام المحقق.
4- الأعلام: ولا بد من تخريج الأعلام الواردة في النص، من أسماء الأشخاص والأماكن، والبلدان، للتأكد من صحتها، وخلوها من التصحيف والتحريف والسقط؛فإن الأعلام ينتابها من الخلل الشيء الكثير على أيدي النساخ.
وهكذا لابد للتحقيق العلمي من تحقيق النص والتعليق عليه فالتحقيق ليس مهمة يسيرة، بل لابد فيه من معرفة واسعة بالمصادر العربية، وطريقة استخدامها، والإفادة منها في تصحيح النص، حتى يقترب من أصله الذي كتبه المؤلف، والمحقق الأمين قد يقضي ليلة كاملة في تصحيح كلمة، أو إقامة عبارة، أو تخريج حديثا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تخريج بيت من الشعر أو البحث عن صحة علم من الأعلام في بطون كتب التراجم والطبقات.([4])
للتعليق على النص مناهج ومدارس لابد من التنبيه عليها وبيان المذاهب فيها ولكن ليعلم القارئ أن الذي ذكرته من تخريج الآيات والأحاديث والأمثال والأشعار والأعلام ضروي.
وكذلك عليه أن يخرج مصادر المؤلف ما دامت موجودة مخطوطة كانت أو مطبوعة، وعليه أن يشير في هوامشه إلى صنيع المؤلف في نصوص هذه المصادر، وهل كان ينقلها نقلا حرفيا في دقة وأمانة؟ أم أنه كان يتصرف فيها بالنقص منها والزيادة عليها؟ ويكفي في الحالة الأولى الإشارة إلى مكان ورود النص في مصدره. أما الحالة الثانية، فإنها تستدعي من المحقق نقل النص، ووضعه في الهامش، لكي يتمكن الباحث من المقارنة بين النص الأصلي، وما صنعه به المؤلف المقتبس له. ولا يصح الاعتماد في تخريج النصوص على المصادر الثانوية مع وجود المصدر الأصلى فلا يصح الاعتماد في تخريج نص لابن جني على كتاب (( الأشباه والنظائر)) للسيوطي مثلا، مع وجود كتاب ابن جني وإمكان الاطلاع عليه؛ إذ يعد كتاب(( الأشباه والنظائر )) للسيوطي، مصدرا ثانويا في حالة وجود كتاب ابن جني، ولا بأس من الإشارة إلى المصدر الثانوية مع الأصلي أما الاعتماد عليه وحده، فإن ذلك قد يضر غاية الضرر. ويكتفي في مصادر التخريج في الهوامش بذكر اسم الكتاب مختصر ؛ فإن كان مكونا من أجزاء ،ذكرنا الجزء والصفحة و فصلنا بينهما بشرطة مائلة على النو التالي: (عيون الأخبار2/116) ويرى الدكتور رمضان عبد التواب أنه لا داعي لذكر اسم مؤلف الكتاب إلا إذا كان اسم الكتاب مشتركا بين مؤلفين، فإن على المحقق أن يذكر في كل مرة اسم المؤلف إلى جانب اسم كتابه؛ مثل:( الكامل للمبرد2/75) و( الكامل لابن الأثير4/125) وهذا في حالة إذا كان المحقق يستخدم الكتابين في عمله. مناهج تحقيق التراث ص163-165
وللعلم ينبغي أن يذكر مصدر كل كلمة تكتب في الهامش ، إذا كانت رأيا خاصا للمحقق أو الباحث.
نبه الدكتور رمضان عبد التواب على بعض الأخطاء المنتشرة في عند المحققين ويراه الدكتور أنها بدعة لم يكن عليها السلف والبدعة عنده بمعناه اللغوي لا الشرعي ، فيحسن بنا التنبيه عليها وهي كما يلي:
1- ذكر اسم المؤلف أولا، وبعده اسم كتابه ؛فيقال : ( ابن قتيبة: عيون الأخبارج2 ص116) وهذه بدعة لم يعرفها العرب القدامى في مؤلفاتهم، وإنما هي وافدة علينا من الغرب.
2- ومن البدع كذلك ما ينادي به بعض الباحثين، ويحاول غرسه في عقول طلاب الدراسات العليا، وهو ضرورة أن توضع بيانات هذا المصدر أو ذاك كاملة، عند ذكره لأول مرة في الكتاب المحقق أو الرسالة العلمية؛ فيقال مثلا: ( القلقشندي: قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان_ تحقيق إبراهيم الإبياري_ القاهرة 1963م).
3- ومن البدع التي شاعت أنه إذا تكرر الرجوع إلى مصدر معين ، أشار إليه المحقق أو الباحث في هوامشه بعبارة((المصدر السابق))أو المصدر نفسه أو المصدر ذاته ، وكل هذا نقل حرفي لما عند علماء الغرب . وقد أرجع الدكتور رحمه كراهية ذلك إلى ما ينشأ عنها من ضرورة النظر إلى هامشين، بدلا من هامش واحد. وقد يكون الهامش الأول في صفحة والثاني في صفحة وكذلك إذا كثر النقل عن مصدر واحد وكثرت الصفحات بين الهامشين.
4- ومن البدع المنقول من الغرب في ذكر المصادر في الهوامش كذلك : الفصل بين كل مصدر وآخر بفاصلة؛ وبديلها في العربية الواو. مناهج تحقيق التراثص165-168
منهج الدكتور رمضان عبد التواب في تحقيق كتب التراث يمكن أن يلخص فيما يلي:
1- صرح الدكتور في أكثر من موضوع في كتابه مناهج تحقيق التراث بأنه ينبغي من حشد أكبر قدر من مصادر التخريج ، حتى يطمئن المحقق إلى أن النص المختار صحيح لا يرقى إليه شك و قد ذكر الدكتور أنه قد درج جماعة من المحققين القدماء على الاستقصاء في تخريج النصوص الشعرية ، والتنبيه إلى جمهرة المواضع التي ورد فيها هذا البيت أو ذاك، في المصادر التي بين أيديهم وذكر الدكتور لهذا التخريج المستقصي فوائد قد تفيد
الباحث أو المحقق لأنه قد يكون في مصدر فيه خلل أو اضطراب ففي الرجوع إلى أكثر من مصدر لعله يجد مصدرا خاليا من التشويش والاضطراب وهذا المنهج قد ذكر الدكتور أنه نادي به منذ عدة سنوات مضت أعني الإكثار ما أمكن من ذكر المصادر،لا الإكثار من النقل عن هذه المصادر . انظر: كتابه مناهج تحقيق التراث(ص113،وص163،وص170)
وبينما رأيت د. عبد المجيد دياب صرح بنقد هذا المنهج لما عمل معه في تحقيق كتابه وذكر أنه لم يفعل الدكتور ذلك إلا في الكتب الصغيرة أما الكتب الكبيرة فرآه يقتصر على مصدر أو مصدرين فيقول : ومن التعليقات غير المفيدة : وهناك نمط من التحقيق يأخذ نفسه باستقصاء الشواهد الشعرية فيتتبع البيت في الكثير جدا من المراجع التي قد تبلغ الخمسين مرجعا للبيت الواحد رأيته أول ما رأيته في كتاب (قواعد الشعر) لثعلب بتحقيق الدكتور رمضان عبد التواب.انظر: تحقيق التراث العربي لعبد المجيد دياب. (ص249)
ثم يذكر أن الدكتور تخفف من هذه المصادر لما عمل معه في كتاب كبير فلما سأله الدكتور عن سبب استقصاء المراجع قال: هو متأثر في ذلك بصنيع الأستاذ المحقق عبد العزيز الميمني الراجكوتي في تحقيقاته.
وقد رد على هذا المنهج وقال : إنه لا يروج على بعض شيوخ المحققين ويرى أن الأصوب عدم إثقال الهوامش بما لا يضيف جديدا في تحقيق النص. ولكن الحق يقال إن تعداد المصادر قد يفيد الباحث إذا أضاف جديدا وقد يلفت نظره ويضع يده على مراجع لم تعهد له في مثل هذا الموقف وهذا من أهم الأمور التي ينتظرها شادي التحقيق بل حتى من تمرسوا به وعرفوا مواطنه.
نفس المرجع ص250-251
2- يرى الدكتور عدم ذكر الاختصارات للكتب وإن استخدمه العلماء القدماء فيقول:وأما اختصار أسماء في حروف ، فهو أمر لا نرتاح إليه كثيرا، وإن مال إليه قديما جماعة من المحدثين.ص168.
في هذه المسألة مدرستان :
1- مدرسة ترى أن التحقيق هو ضبط النص فقط وإخراجه صحيحا ولا ترى إثقال الحواشي بالتعليق ، وعلى رأس هذه المدرسة المستشرقون ومن اتبعهم .
2- المدرسة الثانية :ترى أن من الواجب على المشتغل بتحقيق الكتب التعليق على النص، دون إثقال الحواشي بالتعريفات والتعليقات المشهورة ، وارتأى الدكتور بشار عواد هذا الرأي في كتابه ((ضبط النص والتعليق عليه))وقال:إن نشر النص مجردا من كل مراجعة وتعليق لا يصلح لتحقيق المخطوطات العربية وعلل لذلك بأسباب:
1- ندرة النسخة الخطية الصحيحة الخالية من التصحيف والتعريف.
2- أغلب المخطوطات العربية كثيرة التصحيف والتعريف.
3- أغلب المخطوطات لم تصل إلينا بخطوط مؤلفيها ، بل بخطوط نساخ فيهم الجاهل وفيهم العالم .
4- أن غالب المؤلفين لم يعجموا كتبهم.
فكل هذه الأسباب جعلته يرى أن الواجب التعليق على النص بما يستحقه من إبانة غريب وإيضاح مبهم .
ونصح الدكتور بشار عواد،في كتابه المسمى آنفا بعدة أمور:
1- تنظيم مادة النص .
2- ضرورة التعليل عند ترجيح كلمة على كلمة، لماذا اختار كلمة عن كلمة أخرى.
3- عند الرجوع إلى توثيق نقل يتعين على المحقق الرجوع إلى الطبعات المحققة تحقيقا صحيحا ؛ لأن بعض الطبعات السيئة تشوه النص فلا يوثق منها.
4- تقييد النص بالحركات: أي ضبط المشكل من النص،وكذا إذا كانت النسخة مضبوطة بالشكل فإن أداء هذا الضبط أمانة يتعين على المحقق أدائها ، بمعنى إذا كان الناسخ ضبط كلمة ينبغي على المحقق أن يشر إلى ذلك، كما نص على ذلك الشيخ عبد السلام هارون في كتاب (تحقيق النصوص)ص79 وهذا نصه (( إن أداء الضبط جزء من أداء النص))انتهي .
5- التعريف بالمبهم المغمور ، وترك المشهور.
6- التخريج الحكيم دون إثقال في ذلك واستقصاء المصادر .
7- نقد النص، لمن تأهل لذلك وقدر عليه ولكن بالدليل.
8- الإشارة إلى الموارد التي اعتمد عليه المؤلف، صرح بها أم أغفل.
9- متابعة الكتب التي نقلت من النص فهي تعد نسخا أخرى للكتاب.
فهذه أبزر الأشياء التي نبه عليه الأستاذ الكبير بشار عواد في كتابه ضبط النص والتعليق عليه.
التعليق علي النص:
التعليق على النص يشمل الكلمات الغريبة، والتعريف بالمبهم من الأسماء والبلدان والكتب ، تخريج الأحاديث والأشعار، مقارنة النص بالكتب التي تناولت النص، وإن لم يطلع عليه المؤلف ، نقد النص ، وبيان الأوهام التي وقع فيها المؤلف، وبيان الصحيح بالأدلة .
خطوات جمع نصوص كتاب مفقود:
إذا كان هناك كتاب مفقود وأردنا أن نجمع نصوصا لهذا الكتاب المفقود ، فما هي القواعد العلمية المتبعة في هذا الصدد ؟
نقول ولله الحمد : الإجابة عن هذا السؤال تكون مبثوثة في بئيرة (ذخيرة) كتاب فذ لم أر مثله وأظنه فريدا ألاوهو كتاب ((القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية)) للدكتور : حكمت بشير ياسين.ط مكتبة المؤيد، الرياض.
وقد قرأت هذا الكتاب وسوف ألخصه لك أخي القارئ مجملا ثم أشرع في التفصيل فإليك البيان:
1- البحث في كتب الإجازات والمسموعات الموجودة في كتب السماعات والأثبات والبرامج والمشيخات والفهارس.
2- البحث في الكتب الموجودة لمصنف الكتاب المفقود.
3- البحث في الكتب التلاميذ، وتلاميذ التلاميذ ، ومن بعدهم.
4- البحث في الكتب الخاصة بفن الكتاب المفقود.
5- البحث في الكتب التي صنفت في موضوع الكتاب المفقود.
6- البحث في الكتب التي استلت من الكتاب وهي (كتب المختصرات ، المنتخبات ، التهذيبات، المختارات ، العوالي، الأمالي ، الردود، الزوائد، الفوائد)
7- البحث في الكتب التي احتوت الكتاب بالكامل (( الشروح، الحواشي ، الترجمات ))
8- البحث في رواة الكتاب وفي كتبهم فغالبا ما يفتخر راوي الكتاب بروايته للكتاب فيذكر نصوصا له.
9- البحث في كتب أهل المؤلف إن وجد ،و في كتب أهل بلده وأهل مذهبه فغالبا ما تجد نصوصا له.
10- البحث في كتب التخريجات.
11- في كتب الموارد والمصادر والفهارس .
12- النظر في كتب الأطراف .
13- البحث في الكتب المسندة المتأخرة عن الكتاب المفقود.
انتهت القواعد من كتاب القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من كتب التراث.
وأنصح إخواني بقراءته فهو كتاب فذ يفيدك في قراءة أي كتاب ملئ بنصوص من كتب مفقودة، فإن أي كتاب يحمل نصوصا من كتب مفقودة ينبغي ألا يهمل .
والآن يأتي التفصيل :
الخطوة الأولي: البحث في كتب الإجازات والمسموعات الموجودة في كتب السماعات والأثبات والبرامج والمشيخات والفهارس.
إذا بحثنا في كتب الإجازات والسماعات نجد الذي قد سمع الكتاب أو أجيز فيه غالبا ما يذكر نصوصا لهذا الكتاب الذي أجيز فيه يفتخر بذلك إذا كان من أهل التصنيف ، فنجمع هذه النصوص حينئذ في بطاقات مرتبة منظمة.
مثال : الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس قد روى كتبا كثرة قد أجيز فيها، فإذا رجعنا إلى مصنفاته نجد قد ذكر نصوصا كثيرة عن هذه الكتب التي أجيز فيها.
وفي هذه الطريقة فوائد منها: معرفة رواة كتب التراث فإن كل كتاب في الكتب القديمة له إسناد .
أهم الكتب(كتب البرامج والفهارس) التي تذكر الكتب بأسانيدها :
1- فهرس ابن خير الإشبيلي : من أوسع الكتب في ذلك .طبع عدة طبعات ،منها طبعة بيروت ، منشورات دار الآفاق الجديدة، وكذلك حققه :إبراهيم الأبياري ، طبعة :دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني
2- فهرس ابن عطية، صاحب التفسير ، حققه محمد أبو الأجفان ومحمد الزاهي ،ط دار الغرب الإسلامي ، بيروت.
3- فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات : للشيخ الكبير : عبد الحي الكتاني ،ط دار الغرب الإسلامي .
4- برنامج ابن جابر الوادي آشي:حققه محمد الحبيب الهيلة ، نشره مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى.
5- برنامج المجاري: للمجاري ، حققه :محمد أبو الأجفان ، ط دار الغرب الإسلامي
6- صلة الخلف بموصول السلف : للروداني ، حققه : محمد حجي.
7- التقييد لمعرفة رواة الكتب والسنن والمسانيد ، لابن نقطةـ 629ت.
وغيرهم كتب كثيرة فهذه الكتب تذكر رواة الكتب ، وبعد ذلك نبحث هل لهم مصنفات؟ فإذا كان له مصنفات فسوف تجد بإذن الله في كتبهم نصوصا عن الكتاب الذي أجيز فيه أو رواه.
الخطوة الثانية:
2-البحث في الكتب الموجودة لمصنف الكتاب المفقود.
وهذه الخطوة تجعلنا نستقرئ كل كتب المصنف ، ونبحث فيها عن نص لهذا الكتاب المفقود وترتب هذه النصوص .
الخطوة الثالثة:
3-البحث في الكتب التلاميذ، وتلاميذ التلاميذ ، ومن بعدهم.
هذه الحالة تجعلنا نرجع إلى ترجمة المؤلف والبحث عن تلاميذه الذين لهم مصنفات وهذه القاعدة تنفع كثيرة في الكتب المسندة ككتب التفسير والحديث ، وكذلك غيرها.
مثال : ابن القيم في كتبه كثيرا ما ينقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد جمع الشيخ محمد بن القاسم المستدرك على مجموع الفتاوى بهذه الطريقة استقرأ كتب ابن القيم وقارن النصوص غير الموجودة في الفتاوى ،و كذلك الروايات الشفوية التي سمعها ابن القيم من شيخه في مجالسه فيقول مثلا : سمعت : شيخ الإسلام يقول : كذا ،أو قال لنا في مجلس، فجمعه الشيخ ابن القاسم.
وهذه طريقة من الطرق.
الخطوة الرابعة:
5- البحث في الكتب الخاصة بفن الكتاب المفقود.
وهذه القاعدة مهمة جدا التي إذا طبقت سيكون فيها نفع كثير وهي تنقسم إلى قسمين:
1- كتب الموسوعات: فتجرد الموسوعات ، وتدرس مواردها .
2- كتب غير موسوعية.
الطريقة الخامسة :
البحث في الكتب التي صنفت في موضوع الكتاب المفقود.
الطريقة السادسة:
البحث في الكتب التي استلت من الكتاب وهي (كتب المختصرات ، المنتخبات ، التهذيبات، المختارات ، العوالي، الأمالي ، الردود، الزوائد، الفوائد). هذه الطريقة تجعلنا نبحث عن مختصر للكتاب المفقود أو مهذب ، وهذا لابد لمن أراد جمع نصوص لكتاب مفقود.
الطريقة السابعة:
البحث في الكتب التي احتوت الكتاب بالكامل (( الشروح، الحواشي ، الترجمات))
هذه الطريقة تجعل الباحث ينظر في الكتب المترجمة والشروح والحواشي للكتاب المفقود وبعدها يأتي التنقيب.
الطريقة الثامنة:
البحث في رواة الكتاب وفي كتبهم فغالبا ما يفتخر راوي الكتاب بروايته له فيذكر نصوصا له.
لابد للباحث عن كتاب مفقود من النظر في ترجمة المؤلف،وخصوصا من أفرد للمصنف كتابا في سيرته وترجمته مثل: كتاب العقود الدرية، لابن عبد الهادي، فإن ابن عبد الهادي قد ذكر كلاما كثيرا في هذا الكتاب عن ابن تيمية بل قد ذكر فصولا من كتبه ،رحمه الله .
الخطوة التاسعة:
البحث في كتب أهل المؤلف إن وجد ،و في كتب أهل بلده وأهل مذهبه فغالبا ما تجد نصوصا لهذا الكتاب المفقود، في كتبهم.
الخطوة العاشرة:
البحث في كتب التخريجات.
فحينما يقوم المصنف بالتخريج فيحاول أن يستقصي الطرق ، وإذا كان العالم موسوعيا فغالبا فإنه ينقل عن كتب كثيرة ، قد يكون فيها شيء من نصوص كتابنا.
من أهم كتب التخريج:
1- تخريج أحاديث الأم للبيهقي.
2- نصب الراية، للزيلعي.
3- تخريج أحاديث الكشاف ، للزيلعي
4- المغني عن حمل الأسفار، للعراقي.
5- التلخيص الحبير لابن حجر.
كل هذه الكتب مشحونة بنصوص عن كتب مفقودة.
الخطوة الحادية عشرة:
البحث في كتب الموارد والمصادر والفهارس(أعني فهارس الكتب التي تكون في الكشافات).
النظر في كتب الموارد يوفر على الباحث الجهد ؛ لأنه ينص في المورد على أن الكتاب قد اقتبس عن الكتاب المفقود كذا وكذا موضعا ،
وبالتالي يأتي الباحث مقمشا هذه المواضع دون قرأت الكتاب كله.
كتب الموارد ما زالت بكرا تحتاج إلى جهد طلبة العلم فهي قليلة ،
ومن أهمها :
1- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد .د . أكرم ضياء العمري ، دار طيبة ، الرياض.
2- موارد السيوطي في الدر المنثور ، د. عامر حسن صبري ، وقد نشره في مجلة جامعة العين بالإمارات.
3- طبع حديثا موارد السيوطي في الإتقان.
4- موارد ابن القيم في كتبه ،د. بكر أبو زيد، دار العاصمة.
5- موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق.
6- موارد البلاذري عن الأسرة الأموية في أنساب الأشراف ، د. د محمد جاسم، مكتبة الطالب الجامعي ، مكة.
7- موارد ابن حجر في الإصابة ، د. شاكر عبد المنعم.
وكذلك النظر في فهرس الكتب الذي يكون في الكشافات فهو يعد موردا صغيرا، فهو يغني الباحث عن قراءة الكتاب .
الخطوة الثانية عشرة:
النظر في كتب الأطراف .
فإن كتب الأطراف تذكر كتبا كثيرة لم تصل إلينا ، ومن أجمعها : كتاب السيوطي الجامع الكبير .
الخطوة الثالثة عشرة:
البحث في الكتب المسندة المتأخرة عن الكتاب المفقود.
ككتب التفسير، والعقيدة والحديث.
وبهذا يكون قد انتهيت من عرض هذه القواعد ، ملخصا إياها من كتاب((القواعد المنهجية في التنقيب عن المفقود من الكتب والأجزاء التراثية))للشيخ د. حكمت ياسين، فجزى الله مؤلفه خير الجزاء.
نصائح وتوجهات :
أتمن من إخواني بأن يوجهوا عنايتهم بهذا الأمر البكر الذي لو تبناه محقق أمين يحترق قلبه على المفقود من كتب التراث لكان أولى له من أن يحقق كتابا قد حقق من قبل ، فلو أنه طبق هذه القواعد على كتاب مفقود من كتب التراث فأحيا الله به كتابا كان معدودا في الموتى ، لكان فيه نفع للمكتبة الإسلامية وللمسلمين ما الله به عليم.
وكذلك أنصح إخواني بالاشتغال في كتب الموارد أعني أنه يأخذ كتابا موسوعيا و يستقرأه ويخرج من مصادر المؤلف الكتب التي نص عليها، وينبه على المفقود منها ، لكان هذا العمل عملا مباركا إن شاء الله له و شكره عليه العلماء من المسلمين فهذه الفكرة ما زالت بكرا كما قلت، وكان هذا خدمة للمسلمين.
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد المبلغ عن ربه كلام ربه ، وعلى أبوينا إبراهيم وإسحاق.
جمع النسخ واستيفاؤها:
كيف نحصل على نسخة خطية من كتاب نريد تحقيقه؟
في ذلك طريقتان :
1- دخول المكتبات والتنقيب فيها وهي كثيرة جدا.
2- الاطلاع علي فهارس المخطوطات المنشورة، وهي كثيرة جدا.
ولكن هناك مشكلة في الفهارس وهي وجود أخطاء مضللة للباحث، وكذلك هنالك مشكلة أخرى أن هناك مكتبات كثيرة لم تفهرس حتى الآن ، كما أخبر بذلك شيخ المفهرسين الشيخ عصام الشنطي ،بل إنه صرح بأن ثلثي المكتبة الإسلامية لم تفهرس ، ولا نعرف عنها شيئا. انظر: أدوات التحقيق المصادر العامة. (ص15)
ومن ثم ليس وراء الباحث إلا الرجوع إلى كتب الببليوجرافيات و التنقيب فيها عن كتابه المنشود .
1-الكتب التي تذكر النسخ وتعرف بأماكنها:
أهم كتابين في ذلك هو كتاب : تاريخ الأدب العرب ، للمستشرق الألماني بروكلمان ، وقصد بالأدب التراث العربي بكل فروعه ، والكتاب الثاني تاريخ التراث العربي للسزكين ، وسنشرع الآن بالتعريف بهما ، فنقول:
كتاب تاريخ التراث العربي :
قضى بروكلمان نحو: خمسين عاما يعمل في هذا الكتاب ، يجمعه من كتب فهارس المخطوطات على ما فيها من قصور وأوهام ، فكل ما وقع فيه المفهرس من أخطاء وقع فيها بروكلمان، فجمع في كتابه نحو:عشرين ألف مخطوطة ، وهي لا تشكل جزءا صغيرا من كتب التراث .
منهج بروكلمان في كتابه:
1- التزم في كتابه الترتيب الزمني غير الموضوعي ، فقسمه على العصور والدول مبتدئا بالعصر الجاهلي ، ومنتهيا سنة (1900م)، كان يذكر في كل عصر ودولة المؤلفين حسب الموضوعات .
2- كان يذكر في ترجمة كل مؤلف عدة أمور:
1- ترجمته .
2- مصادر الترجمة.
3- الكتب التي ألفها .
4- مواضع هذه الكتب في مكتبات العالم ،وأرقامها فيها.
5- يبن ما طبع منها.
6- يذكر الشروح والحواشي والتعليقات.
7- استبعد الأعمال المجهولة.
8- استبعد ما ألف باللغة العربية عن الديانة المسيحية واليهودية،المتصلة بالعبادات.
9- كان يضع أمام الحروف اللاتينية ما يقابله بالعربي .
ما عيب علي بروكلمان:
تعود سلبيات هذا الكتاب في عدة أمور :
1- أنه بمنهجه هذا قد جزأ وحدة الموضوع ، فيذكر في أبواب منفصلة الشعر الجاهلية والشعر في عصر الرسول الكريم وصدر الإسلام والشعر عند الأمويين ، وهكذا إلى آخر العصور والدول.
2- ما وقع فيه من أخطاء نتيجة اعتماده على الفهارس المطبوعة على ما فيها من أخطاء ، ولم ينزل إلى المكتبات بنفسه .
3- توزيع مادة الكتاب بين جزءين أصليين ، وملاحق ثلاثة أضخم من الكتاب.
الكتاب الثاني :
كتاب تاريخ التراث العربي:
أحس سزكين بالنقص والأخطاء التي وقع فيها بروكلمان ، فأراد أن يستدرك عليه في كتاب،فنزل بنفسه إلى المكتبات واطلع على المخطوطات، لكن ما فعله جعله يحدد فترة زمنية لكتابه يقف عندها (430هجريا)، فيحتاج الباحث بعد هذه الفترة إلى الرجوع إلى كتاب بروكلمان.
منهج سزكين في كتابه:
1- رتب كتابه على الموضوعات ، فيذكر كتب علوم القرآن ثم الحديث وهكذا.
2- كان يذكر في كل علم مقدمة تمهيدية له ، يتحدث فيها عن نشأته وتطوره.
3- كان يضيف في كل مخطوطة يذكرها رقمها في المكتبة ، وسنة نسخها وعدد أوراقها وأجزائها ، وهذه إضافة لها قيمة عالية عند الباحثين.
4- حدد فترة زمنية يقف عندها (430هجريا)
ما أضافه سزكين على بروكلمان:
1- استوعب ما قام به بروكلمان.
2- صحح أخطاءه وأوهامه.
3- أضاف مخطوطات جديدة لم يذكرها بروكلمان .
4- أضاف ذكر سنة النسخ وعدد الأوراق وهذا عمل مهم جدا للباحثين.
ولكن كل هذا لم يجعل عمله وافيا ، فتعقبه باحث تركي ألا وهو رمضان شِشِن ، فألف كتابا ،سماه (( نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا))بعد أن زار نحو: 150 مكتبة تركية ، ذكر فيه نحو:1500 مخطوطة غفل عنها سزكين في كتابه.
ولكن عمل سزكين يعد أوفي من عمل بروكلمان في حدود الفترة التي حددها ، ويحتاج الباحث كما قلت آنفا إلى أن يرجع بعد هذه الفترة إلى كتاب بروكلمان ، فهذا يدل الباحث على أنه لا غنى له عن الكتابين ، والتنقيب فيهما عن كتابه الذي يرجو تحقيقه.
2-الكتب التي تنص على المطبوع من كتب التراث:
هذه الكتب مهمة جدا للباحث الذي يشتغل بتحقيق كتب التراث، فهي تطلعه على المحقق من كتب التراث ، وسوف أذكر الآن أهم الكتب التي تنص على المطبوع من كتب التراث، فأنصح الباحث أن يقتنيها .
1- الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي 1900-1925م ،لعايدة نصير، ط. القاهرة ، قسم النشر بالجامعة الأمريكية، 1983م.
2- الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي 1926-1940م.، لعايدة نصير،نفس الناشر ، سنة 1980م.
3- اكتفاء القنوع بما هو مطبوع ، لدوارد فانديك ، طبع في القاهرة، بمطبعة الهلال عام 1313هجريا.
4- معجم المطبوعات العربية والمعربة .ليوسف سركيس .
5- جامع التصانيف الحديثة ، له أيضا، طبع في القاهرة.
6- معجم المخطوطات المطبوعة . د. صلاح الدين المنجد ، مدير معهد المخطوطات سابقا.
7- ذخائر التراث الإسلامي ، لعبد الجبار عبد الرحمن. وهو مدير مكتبة جامعة البصرة في العراق، أصدر كتابه في جزءين.، ضمنه ما طبع ونشر في شتى العلوم من بدء التأليف إلى عام 1980م، وهو كتاب مهم جدا، ونادر.
8- المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع، ل د. محمد عيسى صالحية ، وقد طبع في خمسة، وكان قد فقد الجزء الرابع من في الحرب على الكويت ، وطبع حديثا بإعداد :محمد أحمد المعصراني، تقديم د. فيصل الحفيان.، وقد صدر عن معهد المخطوطات مستدركان: الأول صنعه : هلال ناجي ، والثاني: د.عمر عبد السلام تدمري.
9- معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية منذ دخول المطبعة إليها حتى عام 1980م.أعده د.أحمد خان. نشر في الرياض بالتعاون مع معهد المخطوطات.
10- معجم المطبوعات النجفية منذ دخول الطباعة إلى النجف. لمحمد هادي الأميني ، مطبعة النعمان ، النجف،1966م.
11- مطبوعات الموصل منذ 1861-1970م. عصام محمد محمود، الموصل،1971م.
12- مطبوعات البصرة من دخول الطباعة إليها 1889-1970م، ليوسف السالم.
13- دليل المطبوعات المصرية من سنة 1940حتى1956م. لأحمد محمد منصور وآخرين، الجامعة الأمريكية، القاهرة ،1975م.
14- معجم المطبوعات السعودية،شاكر عبد السلام العناني،وزارة المعارف، الرياض،1393هجريا.
15- جمهرة تصانيف العرب،دليل الباحث إلى المطبعة من تراث العرب حتى القرن الرابع الهجري، إعداد: أحمد خليل الشال ، ط دار السقيفة مكتبة السنة ، بورسعيد.
16- فهرسة الكتب النحوية المطبوعة، عبد الهادي الفضلي، مكتبة المنار، الأردن.
17- دليل مؤلفات الحديث الشريف المطبوعة القديمة والحديثة، دار ابن حزم، بيروت .
18- معجم تاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم المخطوطة والمطبوعة. إعداد على الرضا ، أحمد طوران،دار العقبة ، تركيا ، وهو كتاب مهم جدا.
19- معجم المطبوعات العربية .علي جواد الطاهر
20- جامع الشروح والحواشي، عبد الله الحبشي ، المجمع الثقافي أبو ظبي،2003م.
وغيرها الكثير، ولكن كل هذه الكتب لابد معها من سؤال أهل التخصص والخبرة الذين وهبوا أنفسهم لقتو ([5])هذا التراث العظيم، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.
النديم وكتابه الفهرست:([6])(هذه الفقرة ملخصة من مقال أستاذنا د. عبد الستار الحلوجي).
لا نعرف عن حياته شيئا غير أنه كان وراقا في بغداد في القرن الرابع الهجري ، ينسخ الكتب ،ويصححها ويجلدها ويبيعها ، وكان كثير من العلماء يحترفون هذه الحرفة لشرفها ورفعتها ،وإن ذمها بعضهم فهذا الذم يرجع إلى الناسخ الجاهل الذي يكثر من السقط والتحريف في نسخه ، أما إذا كان ضابطا في نسخه عالما لما ينسخه فلا شك في أن عمله هذا عمل رفيع، الشاهد هذه الحرفة جعلت النديم يسجل أسماء الكتب المصنفة التي رآها أو نسخها .
ولكن كان النديم شيعيا معتزليا،وهذا ظاهر في كتابه فهو يسمي أهل السنة الحشوية والعامة وكتب التراجم في عصره أهملته لذلك ولم تترجم له فقد أهمله الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وغيره من المترجمين ، ولعل ذلك يكون بسبب تشيعه واعتزاله،وهو أول عمل ببليوجرافي يصل إلينا ولا يعني ذلك أنه أول من جمع أسماء الكتب ، فقد سبقه إلى هذا العمل جابر بن حيان (ت200) وقد أشار هو في الفهرست أنه نقل فهرسته في كتابه.
كم عدد الكتب التي ذكرها النديم في الفهرست؟
قرابة 6400كتاب ، نص على ذلك الدكتور : صلاح الدين المنجد في كتاب ((قواعد فهرسة المخطوطات العربية))(ص38)
منهج النديم في الفهرست :
كيف رتب النديم كتابه ؟
إن الناظر في كتابه يجد أنه قد رتبه على الموضوعات ، ولكن كان يسميها مقالات ، فيجعل لكل علم مقالة ، مثل : مقالة النحويين واللغويين مقالة الشعراء ، مقالة الفقه والفقهاء، وهكذا، فهو لم يرتبه على الترتيب الأبجدي في ذكر أسماء العلماء .
كان النديم يذكر مشاهير المصنفين في عصره ويذكر بعد ذلك أسماء الكتب التي صنفوها، فالمبدأ العام الذي كان النديم يحتكم إليه في ترتيب العلماء هو الشهرة فكان يذكر المشاهير أولا.
نلخص منهجه فنقول:
1- رتب كتابه على الموضوعات.
2- كان يقدم الأشهر في المصنفين.
3- يحرص على تحديد الكتب التي رآها أو طالعها، يقول مثلا: رأيته ، طالعته.
4- ينبه على المفقود من الكتب في عصره يقول مثلا: هذا الكتاب لم يوجد.
5- يحدد حجم الكتاب ، يصفها لنا، ذكرا عدد أوراقه.
6- أحيانا يقيم الكتاب .
7- يذكر موارده عن الكتاب ،بقوله : قرأت بخط ابن مقلة (خطاط معروف) .
8- يستعمل الإحالات إذا ذكر أحدا في موضعين.
ما عيب على النديم في كتابه:
1- يذكر أشخاصا ليسوا مصنفين ،فهم ليست لهم مؤلفات على الإطلاق ومع ذلك يذكرهم، وموضوع الكتاب هو ذكر المصنفين ومصنفاتهم.
2- أنه أحيانا لا يذكر عناوين الكتب ، مكتفيا بالموضوع مثالا: يقول : وله كتاب في الفقه أو اللغة، دون أن يحدد اسمه، ومعلوم أن العنوان ركن أساسي من أركان الوصف الببليوجرافيا لا يصلح بدونه.
3- أنه أقحم في الكتاب ما لا علاقة له به كالحديث عن فضل القلم والخط ومدح الكلام العربي ، هكذا قاله أستاذنا د. عبد الستار الحلوجي في مقاله ابن النديم وكتابه الفهرست ([7])، ولكن لعله يكون مقدمة لما سيشرع فيه كبراعة الاستهلال التي في علم البلاغة، ومعلوم أن من أركان صناعة علم المخطوط كما ذكره لنا الدكتور أربعة:
1- الخط.
2- القلم.
3- الحبر.
4- التجليد.
فلعله يكون تكلم عن هذه الأشياء كدلالة عما سوف يتكلم عنه.
ثم رجح الدكتور أن هذا الكتاب أعني الفهرست للنديم أما أن يكون جزءا منه قد فقد، أو يكون النديم سوده ولم يبيضه، ورجح حفظه الله ذلك لعدة أمور:
1- ما في الكتاب من ذكر الاسم دون أن يذكر مصنفا له، فهو يقول : وله من الكتب 000000 ويأتي البياض دون اسم كتاب.
2- ما نجده من نقص أسماء الكتب .
3- سقوط أجزاء من النص.
4- تقديم وتأخير في الكتاب كان النديم ينوي تعديله.
5- وجود نصوص قلقة في الكتاب ، وكأنه كان يريد الرجوع إليها.
6- وجود أخطاء نحوية وإملائية إلى جانب أخطاء في الأسلوب.
كل هذا جعل علامة التراث د. عبد الستار الحلوجي حفظه الله يرجح أن هذه النسخ التي وصلت إلينا مسودة لم ينقح النديم، ومع ذلك فلعل النديم يكون قد نقح ما في الكتاب ولم يصل إلينا تبيضه، ومع هذا كله فإن كتابه هذا يعد عملا ضخما في صناعة الببليوجرافيات، فلا يعني من ذكر هذه السلبيات تقليل العمل بل سيظل هذا العمل فريدا في بابه ، يكفي أنه أول عمل وصل إلينا من تراثنا .
كتب توثق نسبة الكتاب إلى مؤلفه وكذا العنوان:
قلنا : إن جهود المحقق ينبغي أن تصرف في تحقيق ثلاثة أشياء :
1- عنوان الكتاب.
2- نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
3- تحقيق متن الكتاب.
كما نص على ذلك الشيخ عبد السلام هارون في كتابه تحقيق النصوص(ص42)
فما هي الكتب التي توثق نسبة الكتاب إلى مؤلفه وكذا العنوان؟.
أقول: الكتب التي توثق عنوان الكتاب ونسبته إلى المؤلف هي:
1- كتب التراجم.
2- كتب الببليوجافيات.
3- كتب المؤلف نفسه الأخرى.
4- كتب العلماء الثقات.
ومن أهم كتب التراجم في ذلك كتب الوفيات، مثل كتاب ((وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ))لابن خلكان (ت681)، وكذا كتاب ((فوات الوفيات))لابن شاكر الكتبي (ت764)وكتاب ((الوافي بالوفيات)) لصلاح الدين الصفدي .وكذا كتب التراجم ومن أهما كتاب ((سير أعلام النبلاء للذهبي ))(ت748) وكذا كتاب ((هدية العارفين)) لإسماعيل باشا البغدادي(ت1920) وكتاب ((الأعلام )) للزكلي(ت1976) وكتاب ((معجم المؤلفين)) للكحالة .
ومن أهم كتب الببليوجافيا كتاب ((كشف الظنون))للحاج خلفية(ت968)، وكتاب(إيضاح المكنون)لإسماعيل باشا البغدادي، وكتاب ((الفهرست للنديم))(ت380) فهذه هي أهم الكتب التي بها يتوصل إلى توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه ، وكذا توثيق العنوان.
وكذلك كتب المؤلف الأخرى فإذا ذكر المؤلف الكتاب في كتبه الأخرى فيعد هذا من أفضل أنواع التوثيق، وكذلك لو ذكره عالم من العلماء الثقات في كتبه بأن يقول: وله من الكتب كذا، أو قال فلان في كتاب كذا ، ويسميه .
فهذه من بعض مظاهر توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه و عنوان الكتاب .
مرحلة الإخراج والنشر:
هذه المرحلة تكون بعض الفراغ من تحقيق النص ، فينبغي أن يكون معدا إعدادا جيدا من حيث تنظيم الفقرات وترقيم الحواشي واستخدام علامات الترقيم وضبط الغريب ، وأن يخرج الكتاب بدراسة علمية تمهد للقراءة موضوع الكتاب وموارد المؤلف التي استقى منها ، ويذكر فيه أهمية الكتاب ومنهج المؤلف فيه.
هل يصح أن ينشر المخطوط كما هو مصورا؟
الجواب:نعم ،و هذه المسألة لها أسباب فما هي الأسباب التي تجعلنا ننشر كتابا مخطوطا كما هو مصورا.
مسوغات نشر مخطوطة كما هو:
1- إن لم يوجد للكتاب المخطوط إلا نسخة واحدة واضحة الكتابة، فلا بأس من نشرها، إذا ألحق الناشر بها كل ما يحتاج إليه من الهوامش والفهارس، وكذا الدراسة.
2- إذا كان لا يوجد للكتاب إلا نسخة واحدة صعبة القراءة ولا يوجد من يتجاسر على تصحيح نصه ويجتهد في شرحه، وكانت الحاجة ماسة إلى الانتفاع به.
3- أن يكون الكتاب كبير الحجم، كثير التكاليف الطباعية، والحاجة ضرورية لنشره وإن وجدت منه أكثر من نسخة،وذلك مثل كتاب الأنساب للسمعاني الذي نشره مرجليوث صورة شمسية لإحدى نسخه وهي مع ذلك ليست أرفعها قيمة، فإذا كان الكتاب كبير الحجم ويستغرق في طبعه سنوات يجوز نشره كما هو للحاجة في الانتفاع به، ولقد جرت الهيئة المصرية العامة للكتاب بهذه الطريقة في بعض نشراتها ككتاب (جمع الجوامع أو الجامع الكبير)للسيوطي بعد أن قدم له ووضع له فهارس فنية تخدم القارئ في الكتاب.
فإذا خرج المخطوط بفهارس ودراسة تحقق نسبته إلى المؤلف مستخدما كل الوسائل العلمية الصحيحة والشروط التي وضعها علماء هذا الفن فيسمى هذا تحقيقا عليما،مطابقا للشروط التي وضعها العلماء.([8])
شروط ينبغي توافرها في المحقق:
1- معرفة تامة بالمصادر والمراجع العامة لتراثنا العظيم، وكيفية الاستفادة منها.
2- يحتاج المحقق لضبط النص إلى العلم والخبرة.
3- العلم باللغة العربية مهما كان تخصص الكتاب ، والعلم بالموضوع الذي يعالجه المخطوط.
4- يحتاج إلى المعرفة بأسلوب المؤلف وخصائصه ولوازمه.
5- يحتاج المحقق إلى المعرفة بأنواع الخطوط، ورموز الكتابة وعلامات الاختصارات والإلحاق والإهمال والتمريض والتقديم والتأخير.
6- الاطلاع على كل ما دار حول الكتاب من شرح واختصار وحاشية وتذييل ورد وهكذا، وأفضل كتاب في ذلك كتاب جامع الشروح والحواشي لعبد الله الحبشي.
7- أن يمرن نفسه على القدرة على قراءة الخطوط، فهو من العلوم الأساسية لدراسة المخطوطات.
8- أن يكون واسع الاطلاع في العلوم الشرعية، والثقافات الأخرى.
9- أن يكون ملما بفقه اللغة.
10- أن يكون متقنا لمناهج البحث العلمي، وكذا مناهج التحقيق العلمي.
11- أن يكون مدركا لتطور الخط العربي وألوانه عبر العصور المختلفة.
12- أن يكون على علم بدلالات الألفاظ.
13- أن يكون على علم بنوع المداد والحبر والورق والخط.
مرحلة المقابلة:
لمرحلة المقابلة طريقتان :طريقة اختيار نسخة اتخذها أصلا في التحقيق العلمي، وأجعل النسخ الأخرى نسخا ثانوية-فرعية- وأثبت فروق النسخ الثانوية المهمة في الهامش ولا يثبت كل فرق لا قيمة له، وطريقة المستشرقين هي أن يجمع القراءات المختلفة على هامش النسخة، ويقف عند هذا الحد.
الطريقة الثانية: طريقة التلفيق بين النسخ، بمعنى لا اتخذ أصلا أجعلها في متن الكتاب وأجعل النسخ الأخرى نسخ ثانوية، ولكن اختار من النسخ التي بين يدي الذي يترجح لي أنه من كلام المؤلف وأضعه في متن الكتاب، وحجة من قال بهذه الطريقة أن نسخة المؤلف غائبة فأنا أضع في النص ما أراه أنه من كلام المؤلف، وهذه الطريقة تسمى بالتلفيق بين النسخ،أو النص المختار،وقد نبه على صحة هذه الطريقة عبد المجيد دياب فقال: وفي رأيي كما في رأي الكثير من المحققين المعاصرين أنه إذا لم توجد نسخة المؤلف(الأم)يستحسن أن تعتبر النسخ التي بعد ذلك كلها أصولا يكمل بعضها بعضا، والمقابلة بين النسخ المختلفة من الكتاب يؤدي إلى اختيار الصيغة الصحيحة، إثباتها في صلب النص عند نشره، ثم توضع فروق النسخ الأخرى في هامش الصفحة،مع الإشارة إلى هذه النسخ برموز معينة ، يختارها المحقق ويشير إليها في مقدمة تحقيقه للكتاب، وعند المقابلة لا يوضع في هذا النص المختار معكوفات [....] إلا إذا كانت زيادة خارجة عن النسخ، أي من عند المحقق، أومن مرجع آخر غير النسخ وهذا هو ماعليه العمل الآن.([9]) ولكن رأيت من العلماء من وصف هذه الطريقة أعني طريقة التلفيق بين النسخ بأنها مخالفة للمنهج الأمثل في التحقيق ومخالفة لما عليه أئمة السلف في التحقيق ووصف ما قاله د. عبد المجيد دياب بأن ما عرضه يفتقر إلى الدقة وما اختاره يخالف النهج الأمثل ذكر ذلك د. عبد الله عسيلان في كتابه (( تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل)) وهذا نص كلامه:
(( بعض المحققين قد يلجأ إلى مخالفة هذا النهج الأمثل أي لا يختار أصلا معتمدا من بين النسخ بل يعمد إلى عدم التمييز بين النسخ والوصول من خلال قراءتها المختلفة إلى نص مختار، وإن قيده بعضهم بعدم وجود نسخة المؤلف غير أن هذا النهج ليس مأمونا على إطلاقه ، وهو نوع من التلفيق، ويطلق عليه براجستراسر النص الاختياري، وأشار إلى أن الالتجاء إليه لا يكون إلا اضطرارا، وذلك إذا لم يبق للكتاب نسخة كاملة أو كانت الروايات ممزوجة في النسخة نفسها ويفضي بنا الحديث هنا إلى قضية تحتاج إلى إيضاح وبيان في مرحلة المقابلة وهي قضية التلفيق التي لها صلة بهذه الفقرة، ومع أهمية هذه القضية لم أجد من وقف عندها وقفة متأنية؛ بل كل من كتب في منهج التحقيق يشير إليها إشارات عابرة أو يخلط بين مفهومها في مجال اللغة والبلاغة، أو لا ينتهي فيها إلى شيء محدد، أو بين واضح(قال الدكتور في الحاشية محيلا إلى كتاب (( تحقيق التراث لعبد المجيد دياب(ص249-250) وقال : وما عرضه هناك يفتقر إلى الدقة، وما اختاره يخالف النهج الأمثل الذي عليه أئمة السلف إلى جانب ما يعتوره من الاضطراب والخلط والتشويه لروح النص) انتهت الحاشية.
ثم قال استكمالا لنص كلامه: فعبد السلام هارون نجده يتعرض لهذه القضية بإشارة عابرة حين قال)): وقد يقتضيه التحقيق أن يلفق بين روايتين تحمل كل منهما نصف الصواب ونصف الخطأ فهو جدير أن يثبت من ذلك ما يراه، على ألا يغفل الإشارة إلى الروايات كلها، ففي ذلك الأمانة وإشراك القارئ في تحملها. انتهى
وكما ترى فليس الأمر واضحا هنا بالنسبة لقضية التلفيق والموقف منها؟
وهل يعني هذا أن التلفيق إنما يكون بين روايتين تتصفان بأن كلا منهما يحمل نصف الصواب ، ونصف الخطأ.
ويعرض برجستراسر لهذه القضية بشكل يعد أكثر وضوحا حين أشار مرة إلى ما يفيد منع التلفيق إلى جانب تعريف له حين قال: (( ومن أصول النشر منع التلفيق، وهو أن يجمع القارئ وجوها وطرقا مختلفة فينتقل من قراءة إلى أخرى.)) ثم في مرة أخرى أشار إلى نوع آخر من التلفيق تحت عنوان خاص بذلك والذي يبدو هنا أنه يقصد التلفيق بمفهومه عند اللغويين والبلاغيين ويوضح ذلك تعقيبه بقوله:
وذلك نوع من المجاز سماه اللغويين بالتلفيق)).
وقسمه إلى قسمين : موجب ومنفي ، وأراد كما يظهر الإفادة منه في تقويم النص وتصحيحه ، واعتمد له مقياسا وهو أن الكلمتين فيه تأتيان متضادتين. مثل : من أطاع ،وعصى. (( الخواص من العرب والعوام)) وطبق ذلك على عبارة وردت في كتاب الرد على ابن المقفع وهي (( فعلا وعبثا)) ومن خلال مفهوم التلفيق يرى في العبارة خطأ ويترجح لديه أن الصحيح عينا، وإلى جانب ذلك نراه يشير في موضع آخر أيضا إلى خطورة الالتجاء إلى التلفيق في حال إهمال اعتماد أصل للتحقيق.
وبعد هذا العرض يظهر لي أن التلفيق في مجال تحقيق المخطوطات إنما هو أن يخرج المحقق نصا مشتملا على روايات وقراءات من عدة نسخ، كأن تؤخذ كلمة أو أكثر من نسخة ص أو نصا من نسخة ح وهكذا بحيث يظهر لنا نص ملفق من نسختين أو أكثر وفرق بين هذا المفهوم في مجال تحقيق المخطوطات وبين ما يعنيه التلفيق عند اللغويين أو البلاغيين ، وقد منع بعض اللغويين وشراح الشعر وقوع نوع من التلفيق في رواية الأشعار بمفهومه عندهم ذكر السيوطي عن أبي سعيد السكري في شرح شعر هذيل ما يشير إلى امتناع التلفيق في رواية الأشعار (.......)
وقد يقول قائل: إن المحقق ربما وجد نفسه مضطرا في بعض الأحيان إلى التلفيق أثناء المقابلة بالنسخ الأخرى بين روايتين أو في فصل ، أو صفحة على ضوء ما يظهر له من وضوح في جهة دون أخرى، أو من تأرجح بين الخطأ والصواب في الروايتين فأقول: إن هذا الأمر على هذا الإطلاق غير مقبول أو مستساغ في التحقيق بل ربما كان أحيانا نوعا من العبث بالتراث وتشويها لمعالم الأصول التي جاءت إلينا عن مؤلفيها والتي نستهدف من وراء التحقيق إخراجها على الصورة التي تمت على يد المؤلف دون زيادة أو نقص وتبديل وتغيير والتلفيق المطلق الذي يبرز لنا ما يسمى بالنص المختار بلا قيد أو شرط يتنافى مع هذا الهدف لما فيه من مزالق الظنة بإقحام أمور في النص قد لا تكون منه أصلا لاحتمال أن تكون مقحمة أيضا على النسخة التي كانت مصدرا من مصادر التلفيق لذا أرى أن النهج الأمثل يقتضي ألا يلجأ إلى التلفيق إلا في حدود ضيقة ، وعند الضرورة القصوى ، وفي غياب النسخة المعتمدة التي لها من المقومات ما يؤهلها لأن تكون أصلا، أما إذا كانت النسخ التي بين أيدينا ناقصة، ويعتورها ما يعتورها من الخروم والاضطراب والقصور من حيث قيمتها التاريخية فهنا يمكن للمحقق أن يقوم بدراسة هذه النسخ دراسة متأنية فإذا وجد من بينها نسخة تصلح أن تكون أصلا أجرى المقابلة على الطريقة المألوفة بإثبات الفروق بين النسخ في حاشية التحقيق، وإذا لم يجد هذه النسخة وكانت الفروق بين النسخ كثيرة زيادة ونقصا ، وتصحيفا وتحريفا ولم يجد المحقق بدا من التلفيق لجأ إليه ، غير أن هذا الموقف يتطلب الشيء الكثير من الدقة والعلم والدراية والخبرة بأساليب المؤلف ، وبما يكون مقحما على النسخ بفعل بعض النساخ، أو من اطلع على النسخ وذلك لكي لا نثبت في النص المختار من النسخ المتعددة إلا ما يترجح لدينه أنه من قول المؤلف بعد الدراسة والتأمل.)) انتهى كلامه بنصه.
انظر: كتاب تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل . د. عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان .
وكذلك وصف هذه الطريقة د.صلاح الدين المنجد بأنها طريقة لا يؤمن معها الزلل إلا إذا كان الناشر متمكنا في معرفة مصنف الكتاب ولغته وأسلوبه ومعرفة الكتاب نفسه.
ونصح د.صلاح الدين المنجد المبتدئين بالبعد عن هذه الطريقة واعتماد نسخة ومقابلتها على النسخ الأخرى وترجيح الرواية الجيدة.([10])،وكذلك وجدت المستشرق برجستراسر يمنع ذلك فقال: ((من أصول النشر منع التلفيق، وهو أن يجمع القارئ وجوها وطرقا مختلفة فينقل من قراءة إلى أخرى)).([11])
ولكن يرى الشيخ عبد السلام هارون أنه قد يقتضيه التحقيق أن يلفق بين النسخ تحمل كل منهما نصف الصواب، ونصف الخطأ وفي هذا يقول رحمه الله:
((وقد يقتضيه التحقيق أن يلفق بين روايتين تحمل كل منهما نصف الصواب ونصف الخطأ فهو جدير أن يثبت من ذلك ما يراه، على ألا يغفل الإشارة إلى الروايات كلها، ففي ذلك الأمانة وإشراك القارئ في تحملها.)) تحقيق النصوص ونشر الكتب (ًص73).
وكذلك قال في حالة وجود أكثر من نسخة بعد وفاة المؤلف فيقول: ((ففي حالة اختلاف الإبرازات-النسخ- يجب على الناشر أن يختار إبرازة واحدة للكتاب ولا يمزجها بغيرها، ولو فعل لأحدث شيئا لم يكن موجودا من قبل،لأن وظيفته العلمية هي المحافظة على كل ما يروي بدون استثناء.انتهى كلامه([12])
ومرحلة المقابلة مهمة جدا لأنها أولا من سنن العلماء وكان الشيخ حامد الأنصاري كثيرا ما يراه طلبة العلم وهو يقابل النسخ ، وكان يقول : إلا لم تقابل فارم في المزابل.وكان العلماء يعلمون أن الناسخ مهما أتي من الدقة والأمانة، لابد وأن يقع في بعض الأخطاء ، فلذلك كانوا يقابلون المخطوطات لإخراج نص أقرب ما يكون إلى ما قاله مؤلفه إن لم يكن هو،وأعظم عملية مقابلة تمت في كتب التراث هي مقابلة صحيح البخاري الذي قام بها العالم الكبير اليونيني بحضرة ابن مالك النحوي صاحب الخلاصة أي الألفية،وجماعة من العلماء الكبار،في عدة مجالس بلغت واحدا وسبعين مجلسا، وكان اليونيني يقابل بأصل الحافظ أبي ذر، والحافظ الأصيلي، والحافظ أبي القاسم الدمشقي ونسبت النسخة إليه بعد فيقال ((النسخة اليونينية)) فعملية المقابلة مهمة جدا، وهناك مسألة مهمة ينبغي أن يتنبه إليها في مرحلة المقالة وهي مقابلة نقول العلماء عن الكتاب الذي أحققه فإن نقول العلماء عن الكتاب بمنزلة نسخ أخرى له، وكذلك ينبغي أن أنظر في نقل هذا العالم الذي نقل من هذا الكتاب من أي نسخة نقل وأي نسخة اعتمد عليها في النقل
وكان الأقدمون يوجبون منع التلفيق بين الروايات، وكذلك منع أهل اللغة والأدب التلفيق بين الروايات، مثال: قول أبي ذؤيب:
دعاني إليها القلب إني لأمره سميع فما أدري أرشد طلابها
فإن أبا عمر رواه بهذا اللفظ(( دعاني وسميع))، ورواه الأصمعي بلفظ (عصاني) بدل (دعاني) وبلفظ(مطيع) بدل (سميع)فيمتنع في الإنشاد ذكر (دعاني) مع (مطيع)أو (عصاني) مع (سميع)؛لأنه من باب التلفيق.([13])وكان من العلماء من كان يشعر أن من واجب العالم اختيار أحسن القراءات وإيثارها على غيرها وقد أخذ بهذا الرأي الأستاذ الكبير الميمني في سمط اللآلئ، وكذا الأستاذ الكبير أحمد شاكر في تحقيقاته للشعر والشعراء، ويجري على ذلك الآن المحققون المعاصرون.([14])
طريقة المقابلة:
المقابلة بين النسخ المختلفة من الكتاب، تؤدي إلى اختيار الصيغة الصحيحة، أو التي تبدو أنها هي الصواب، وإثباتها في صلب النص عند نشره ، ثم توضع فروق النسخ الأخرى في هامش الصفحة مع الإشارة إلى هذه النسخ برموز معينة يختارها المحقق، ويشير إليها في مقدمة تحقيقه للكتاب. انظر: مناهج تحقيق التراث.، رمضان عبد التواب ص120
وقد تكشف المقابلة أحيانا عن الخلل في ترتيب أوراق هذا المخطوط، فلابد عندئذ من إعادة ترتيب الأوراق في هذه النسخ المختلة الترتيب.
يقول المستشرق الألماني برجسراسر: (( المقابلة نوعان:مشافهة، ومعاينة.والطريقة الأولى مألوفة في الشرق ، وهي أن يقرأ الواحد في النسخة الواحدة، على آخر يقابل في نسخة أخرى.
والمعاينة مألوفة في الغرب، وهي أن يقرأ الواحد قطعة من النسخة الواحدة ويحفظها، ثم يقرأها في النسخة الثانية))([15]).
منهج المقابلة:
1- إذا كان المؤلف نقل نصوصا من مصادر ذكرها، فتعارضْ هذه النصوص على أصولها ويشار في الحاشية ،بإيجاز إلى ما فيها من زيادة ونقص، كأن يقال هذا النص في كتاب كذا باختلاف في اللفظ أو بزيادة أو غير ذلك،فإذا كان ذكر نصوصا ولكن لم يذكر مصادره فإن استطعت أن تعرف هذه المصادر ترد كل نص إلى مصدره كان أحسن، وأدعى إلى الاطمئنان إلى صحة النص وفي هذا يقول الدكتور رمضان عبد التواب: ((من أهم وسائل تحقيق النص مراجعته على مصادره التي استقى منها المؤلف مادته العلمية،وإهمال ذلك يؤدي إلى كثير من الأوهام والخلل في تحقيق النص، والإبقاء على ما أصابه من تحريف وتصحيف، أو سقط واضطراب))ص99 ((مناهج تحقيق التراث)) وكذلك يجب على المحقق الرجوع إلى المؤلفات التي ألفت في نفس الموضوع الذي أحقق فيه كتابه فإن كان كتابا في النحو راجعت مسائله في كتب النحو وهكذا وفي هذا يقول الدكتور رمضان عبد التواب:
((كما يجب على المحقق الرجوع إلى المصادر التي نقل عنها المؤلف يلزمه كذلك مراجعة المؤلفات المماثلة للكتاب الذي يحققه، فإن كان يحقق كتابا في النحو العربي، راجع مسائله في كتب النحو المختلفة،أو كتابا في الفقه الشافعي،راجع الكتب المتخصصة في موضوعه،أو كتابا في الطب ، لم يغفل التراث الطبي عند العرب؛فإن كل ذلك يعين على تحقيق النص على خير وجه، وقد كان القدماء من علمائنا يصنعون ذلك. ص102 .
ويقول أيضا: مراجعة النقول عن الكتاب والحواشي والشروح: يفيد كثيرا في تحقيق النص، أن يرجع المحقق إلى الاقتباسات المتأخرة عن الكتاب، في بطون المؤلفات المختلفة ، غير أن الحذر هنا ضروري جدا؛ لأن بعض المؤلفين يسقطون في اقتباساتهم ما لا يهمهم من عبارات الكتب التي يستخدمونها، أو يعيدون صياغة العبارة أحيانا بما يتفق مع السياق الذي يضعونها فيه. ولكن مهما كان من أمر الصورة التي آل إليها الاقتباس هنا وهناك، فإنه قد يلقي الضوء على ما التبس من عبارة المخطوطة، أو أصابه التصحيف والتحريف على أيدي النساخ، في مختلف الأزمنة)). ص106
2- تهمل الإشارة إلى خطأ النساخ، فلا ينبه المحقق عليها ,إذا كان هناك خطأ فهو أولى من تخطئة المؤلف،هذا في حالة غياب نسخة المؤلف، وقد ينسب الخطأ إلى المؤلف إذا أجمعت النسخ على نفس الخطأ الإملائي أو النحوي، أو تكرر نفس الخطأ في النسخة فينسب إلى المؤلف.
3- إذا أخطأ المؤلف في لفظ أو اسم ينبه المحقق على ذلك ولكن في الحاشية، ويثبت النص كما هو.

4- عند اختلاف الروايات يثبت في المتن ما يرجح صحته بعد دراسة يقوم بها المحقق، ولا يجوز له إذا أجمعت النسخ على نص لا يجوز له مخالفته إلا بدليل قاطع على ذلك.
5- عند وجود زيادة ليست في النسخة التي اتخذتها أصلا تضاف هذه الزيادة إلى النسخة الأصل ويشار إلى ذلك في الحاشية، ولكن هذا إذا تحقق الناشر أنها من أصل الكتاب.
6- إذا وجدنا عند المقابلة أن هناك نسخا نقلت من نسخة واحد فإننا نستبعد هذه النسخ.
7- يسمح للمحقق إضافة حرف أو كلمة سقطت من المتن، ولكن يضعا بين معكوفتين.
8- إذا كان في النسخ خرم أو بياض وكان هذا نقلا فأنه يستكمل من مصدره وينبه على ذلك في الحاشية ،وإلا لم يكن نقلا فلا يجوز أن يجتهد ويضع في النص ما يقتضيه السياق.
9- إذا كان الأصل مشكولا حوفظ عليه وأداؤه من الأمانة، وكذا يحافظ على تقسيم المؤلف وترتيبه للكتاب.
10- يجوز إذا لم يكن الكتاب مبوبا أن يعنون المحقق الأبواب ولكن يضع ذلك بين معكوفتين.
11- ينبغي عليه أن يبين العلاقات بين النسخ بعضها ببعض فمثلا كل النسخ التي تحتوي في نفس المواضع على نفس الأغلاط تعد نسخا منقولا عن بعض ،أو نقلت كلها عن نسخة كانت توجد فيها هذه الأغلاط وليس من المعقول أن يرتكب نساخ مختلفون وهم ينقلون وكل منهم في ناحية عن الأصل الخالي من الأغلاط نفس الأغلاط التي وقعت بينهم تماما.
12- الاتفاق في الأغلاط دليل على الاتفاق في المصدر، فتطرح كل النسخ الناقلة ويكتفى بالأصل التي نقلت منها أو يكتفى بنسخة واحدة إذا لم يكن الأصل موجودا.
13- النص الأقصر هو الصحيح في الغالب بعني أننا إذا عثرنا على قراءتين إحداهما مسهبة والثانية موجزة لزم أن نؤثر الثانية، لأن الأقرب إلى الاحتمال أن يدخل الناسخ في النص ما ليس منه طلبا لشرحه، وهذا الاحتمال صحيح.
14- النص الأصعب هو الصحيح في الغالب، بمعنى أننا إذا وجدنا قراءتين إحداهما تفهم بصعوبة والأخرى تفهم بسهولة ، رجحنا الأولى في الغالب.
15- ينبغي أن تكون المقابلة مرتين ، وإذا كان النص عظيم الشأن تكررت المقابلة مرارا، والمألوف أن تكون المقابلة مرتين، مرة قبل نقد النص وتصحيحه ومرة عند الطبع.
وأذكر القارئ أنه في أثناء عملية المقابلة لايثبت كل فرق لا معنى له وكذلك أخطاء النساخ لا تذكر، وكذلك الأخطاء التي يدرك القارئ أنها سبق لسان لا تثبت مثل عبدالله بن غمر وقال عبد الله مسعود وهكذا، فإثبات هذه الفروق يعد عبثا، والمستشرق كانوا يهتمون بكل فرق لعدم سلامة فطرتهم بالعربية وتذوقها
تنبيه:
1- إذا كان مؤلف الكتاب قد اقتبس شيئا من كتاب آخر والأصل موجود- أي المصدر الذي نقل منه- عندنا فيبغي أن يحذر المحقق كل الحذر من إدخال أي زيادة يجدها في الأصل بدون الرجوع إلى الكتاب، فيمكن أن يكون المؤلف قد أتي بها من حفظه ، وقد وجدت المالكية في كتبهم ينقلون في كتبهم من كتب أخرى بالمعنى، ووظيفة المحقق هي الرجوع إلى ما كتبه المؤلف، وإلى من نقل عن الكتاب الذي بين يديه فنقل العلماء عن الكتاب بمنزلة نسخ أخرى له.
2- أحيانا يبدو في النص زيادة قلقة، إذا تأملها المحقق علم أنها زيادة من ناسخ جاهل كانت في الهامش في غير النص فأدخلها هو في المتن.
3- في بعض الأحيان، ينسب الكتاب إلى غير مؤلفه، في شيء من المخطوطات التي وصلت إلينا، والمحقق الفطن هو الذي يستطيع بالبحث والتدقيق، اكتشاف الخطأ في هذه النسبة. ص75 مناهج تحقيق التراث.
4- تفحص مادة الكتاب، وما فيه من الروايات عن الشيوخ والحوادث التاريخية، مما يعين على الحكم الصائب، في موضوع نسبة الكتاب إلى صاحبه وفي هذا يقول المحقق الكبير عبد السلام هارون: وتعد الاعتبارات التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح الكتاب وتزييفها، فالكتاب الذي تحشد فيه أخبار تاريخية تالية لعصر مؤلفه الذي نسب إليه جدير بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف.ص43 تحقيق النصوص ونشر الكتب.
5- يتعين على المحقق أن يتمرس بخطوط المخطوطات التي يستخدمها حتى لا يقرأها بالطريقة التي تعود عليها في إملاء عصره هو، أو يقرأ الخط المغربي بطريقة المشارقة، فيخلط القاف بالفاء . ص78 مناهج تحقيق التراث.
6- لابد من الإلمام بمصطلحات القدماء في الكتابة ، وإلا خلط النص بغيره مما ليس منه أو أسقط ما هو جدير بالثبوت، أو أساء الضبط،؛لأنه لم يعرف طريقة الناسخ في ذلك ، فإنه إذا لم يعرف علامات التضبيب في مناهج القدماء، أدخل في النص ما ضرب عليه الناسخ لأنه ليس منه. وإذا غفل عن علامة (( اللحق)) أو (( الإحالة)) ظن ما على حواشي النسخة شروحا أو إضافات من النساخ، وهي من صلب النص الذي يحققه. كما أن محافظة النساخ على جمال الهامش واستوائه، كان يلجئهم أحيانا إلى إفراد بعض حروف الكلمة في الحاشية، بعيدا عن آخر السطر، حتى لا تبدو الكلمة خارجة في سطرها عن بقية سطور الصفحة، ولو جهل المحقق ذلك لظن الكلمة ناقصة الحروف، وهي كاملة. ص87 مناهج تحقيق التراث.
معالجة النصوص:
ترجيح الروايات:
تجلب إلينا مخطوطات المؤلف الواحد صورا شتى من الروايات، وفي كثير من الأحيان نجد بعض النسخ قد انفردت بزيادات لا نجدها في النسخ الأخرى فهذه الزيادات مما ينبغي أن يوضع تحت الفحص والخبرة ليحكم المحقق بمدى صحتها وانطباقها على سياق النسخة وأسلوب المؤلف. ولينظر فيها طويلا فقد تكون نتيجة لخطأ الناسخ، فبعض المسرفين من النساخ يمزج صلب الأصل الذي نقل عنه بالحواشي التي أضيفت عليه من قبل القراء أو المالكين.)) تحقيق النصوص ونشر الكتب (ص72)
((وأما العبارات الأصيلة التي تزيد بها بعض النسخ على الأخرى، ويؤيدها الفحص، فهي جديرة بالإثبات.
والعبارات المعتلة التي تحمل الخطأ النحوي مرجوعة، أجدر بالإثبات منها عبارة النسخة التي لا تحمل هذا الخطأ. كما أن التي تحمل الخطأ اللغوي أو يستحيل معها المعنى، أو ينعكس، أو يستغلق فهمه، هي رواية مرجوحة، أحق منها بالإثبات رواية النسخة السالمة من هذه العيوب.
وهذا كله في النسخ الثانوية. أما النسخ العادية فإن المحقق حرى أن يثبت ما ورد فيها على علاته، خطأ كان أو صوابًا، على أن ينبه في الحواشي على صواب ما رآه خطأ، حرصًا على أمانة الأداء.)) نفس المصدر (72-73)
أسباب وقع الاختلافات بين النسخ:
1- أن تكون هذه الاختلافات أجراها المؤلف بنفسه في حياته،ولكن بعض العلماء كان إذا صنف كتابا، وهذا الكتاب قد شاع وظهر للناس كان لا يغير فيه شيئا حتى لا يحدث بلبلة.
2- أن يكون الاختلاف ناشئا من المستملي بمعني أحيانا المصنف يملي كتابه على طلابه وكان يضيف في المرة الثانية أو في كل مرة إضافات جديدة، ويحمل عنه بعض التلاميذ الرواية الأولى، ويحمل عنه الرواية الأخرى تلاميذ جدد، كموطأ الإمام مالك ظل يمليه أربعين سنة وهو يعدل في بعض أبوابه وينقح في أحاديثه.
3- الإصلاحات التي كان يجريها العلماء الذين كانوا يقرءون الكتاب، أو من النساخ.
التصحيف والتحريف:
يقول الدكتور محمود الطناحي: إن قضية التصحيف والتحريف من أخطر قضايا تحقيق النصوص؛ لأنها تتصل بسلامة النص، وتأديته على الوجه الذي تركه عليه مؤلفه، وهي الغاية التي ليس وراءها غاية، من تحقيق النصوص وإذاعتها.
وقد يتسامح في بعض جوانب التحقيق الأخرى، مع أهميتها، كتوثيق النقول، وتخريج الشواهد، وصنع الفهارس الفنية، ولكن أن يترك اللفظ مصحفا أو مزالا عن جهته، فهذا مما لايتسامح فيه، ولا يعفى عنه.
وقد عرف العلماء التصحيف والتحريف بتعريفات شتى، أعدلها وأقربها ما قيل من أن التصحيف: هو تغيير في نق
الحروف أو حركاتها، مع بقاء صورة الخط، كالذي تراه في كلمات مثل: نَمََت، ونِِمت ،ولعله ولعلة والعذل والعدل والعيب والعتب وعباس وعياش وحمزة وجمرة والثوري والتوزي.
والتحريف: هو العدول بالشيء عن جهته، قال تعالى: (( من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) وقال (( وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
وبعضهم لا يفرق فيقول: إن الكلمتين مترادفتان عند جمهرة القدماء من علماء العربية، إذ يستعملان عندهم بعنى التغيير في الحروف .
ويقول د. رمضان عبد التواب :إن أول من فطن من القدماء إل التفرقة بين الكلمتين هو: أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري ( ت سنة284هجريا) الذي صنف كتابا بعنوان(( شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف)) وأطلق كلمة: التصحيف على ما أصابه التغيير بالنقط من الكلمات. ص124
أنواع التغيير الحادث في النص على أيدي النساخ نوعان:
1- تعمدي.
2- اتفاقي.
أسباب وقوع التصحيف والتحريف في المخطوطات :
1- عدم دراية الناسخ بنوع الخط الذي ينسخه.
2- السماع الخاطئ ، وأكثر ما يكون عند الإملاء ويمسى التصحيف السمعي.
3- الفهم الخاطئ.
4- تشابه رسم الحروف وتساويها عددا، مع إهمال النقط، فتتشبث العين بنطق للكلمة أو الجملة ، لا تجد عنه مصرفا ثم يحاول الكاتب أو القارئ أن يجد لما كتب أو نطق وجها.
5- اختلاف الخط العربي، بين مشرقي ومغربي.
6- عدم المعرفة بلغات القبائل.
7- قرب الحروف وبعدها في الكلمة الواحدة، أو الكلمتين،فتهجم العين على الكلمتين، فتقرأهما كلمة واحدة، أو تلتقط جزءا من الكلمة الواحدة فتقرأه كلمة مستقلة.
8- خفاء معنى الكلمة عند الناسخ، أو القارئ، فيعدل بها إلى كلمة مأنوسة، تؤدي المعنى، على وجه يتمشى مع السياق.
9- الجهل بغريب كلام العرب، والجهل بأنماط التعبير عند القدماءـ وبسياق الكلام
10- الجهل بمصطلحات العلوم.
11- الجهل بأسماء الكتب، ويقع فيها تصحيف كثير.
12- الإلف، وهذا باب للتصحيف واسع يدخل منه الوهم إلى كثير مما يقرأ الناس ويكتبون، وأكثر ما يكون في الأعلام والأنساب.
علاج باب التصحيف والتحريف:
علاج هذه الظاهرة الخطيرة لا يكون إلا بمعرفة دقيقة بأسرار اللغة وخصائص مفرداتها وتراكيبها وتصرف هذه المفردات والتراكيب في كلام العرب، ثم إلمام كاشف بتاريخ هذه الأمة العربية،وأحوال رجالها وكتبها ومصطلحات علومها، وكل ما يمت إليها بسبب،وهذا لازم لكل من يشتغل بتراث الأمة ويستوي فيه من ينشر نصا أو يقيم درسا.
هذه المادة مختصرة من كتاب الشيخ الدكتور محمود الطناحي من كتابه ((مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي)) فيه مقال (( التصحيف والتحريف)) (285-316)
قد تنبه العلماء قديما إلى خطورة التصحيف فيقول الزمخشري: (( التصحيف قفل ضل مفتاحه)).
واصطنعوا وسائل شتي لصون الكلام منه، ويأتي في مقدمة هذه الوسائل ضروة التقييد والضبط والإعجام.
ولهم في الضبط طريقتان : الأولى ضبط القلم، كأن يكتب على المفتوح فتحة، وعلى المرفوع ضمة، وتحت المجرور كسرة، فإذا كان في الحرف ضبطان رسموهما، وكتبوا بحرف صغير،((معا)) وأمعن بعضهم في الدقة، فرسم تحت الحاء المهملة حاء صغيرة، وتحت الدال المهملة نقطة، وتحت السين المهملة ثلاث نقط، وفوق الحرف المخفف كلمة ))خِف)) إلى آخر هذه المصطلحات التي يعرفها من أدم النظر في المخطوطات القديمة.
الطريقة الثانية: ضبط العبارة، وهو أن يصف الكاتب حروف الكلمة التي هي مظنة التصحيف، بما ينفي عنها الاشتباه بأخواتها التي تتفق معها في الرسم، فيقول مثلا في العتب : بالعين المهملة والتاء الفوقية والباء الموحدة وبذلك لا تتصحف بكلمة الغيث، وهذه الطريقة أدق ضبطا وأقوم سبيلا،إذ كان الضبط بالقلم عرضة للمحو أو التغيير.
ومما يتصل بهذه الوسائل :أنهم كانوا يلجئون إلى مخالفة المعروف في اللغة ليتوقوا وقوع غيرهم في التصحيف والخطأ.
ومن ذلك أيضا أنهم كانوا يشرحون الكلمة الواضحة الظاهرة؛ لأنها مظنة تصحيف.
كتب التصحيف والتحريف:
((ومن أقدم كتب التصحيف والتحريف ما صنعه أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري 293-382 وقد طبع نحو نصفه بمصر سنة 1326 ثم طبع كاملا بتحقيق الأستاذ عبد العزيز أحمد سنة 1383. وما صنعه الحافظ علي بن عمر الدارقطني المتوفى سنة 385 ذكره ابن الصلاح والنووي وابن حجر والسيوطي.
ومما يصح أن يجعل بين كتب التصحيف والتحريف كتاب التنبيهات على أغاليط الرواة، لعلي بن حمزة البصري المتوفى سنة 375 وإن كان لم يسم كتابه بما يدل على ذلك. وكذا كتاب التنبيه على حدوث التصحيف لحمزة ابن الحسن الأصفهاني.
تاريخه:
وتاريخ التصحيف والتحريف قديم جدًّا، وقد وقع فيه جماعة من الفضلاء من أئمة اللغة وأئمة الحديث حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: "ومن يعرى من الخطأ والتصحيف)). تحقيق النصوص ونشر الكتب .عبد السلام هارون(ص69-70)
المكملات الحديثة:( تحقيق النصوص ونشر الكتب )(ص83-85)
لم يكن هم الناشر القديم إلا أن يعمل على إكثار نسخ المخطوطة، بأن يسوقها إلى المطبعة لتنسخ المئين منها والآلاف، إلا فريقا من هؤلاء الناشرين أخذوا أنفسهم بالعناية بفنهم فراعوا الأمانة والدقة، واتجهو إلى حسن الإخراج وتوضيح النص بالقدر الذي كانو يحسنونه.
ولقد كان لجمهرة العلماء المستشرقين فضل عظيم في تأسيس "المدرسة الطباعية الأولى" للتحقيق والنشر. وقلت "الطباعية" لأني أعلم أن تحقيق النصوص ليس فنا غريبا مستحدثا، وإنما هو عربي أصيل قديم، وضعت أصوله أسلافنا العرب منذ زاولوا العلم وروايته، من الحديث والشعر والأدب وسائر فنون الثقافة؛ وكان نشاطهم في ذلك ظاهرًا ملء السمع والبصر.
وقد أدى إلينا المستشرقون هذه الأمانة الفنية نقلًا عن العرب، ظهر لهم روائع النشر أمثال النقائض، وديوان الأعشى، وكامل المبرد، وشرح المفضليات. ثم كان أكبر وسيط عربي في نقل هذا الفن عن المستشرقين، هو المرحوم العلامة "أحمد زكي باشا" الذي لم يقتصر جهده على أن ينقل هذا الفن فحسب، بل أشاع معه كذلك استعمال علامات الترقيم الحديثة التي كان لها أثر بعيد في توضيح النصوص وتيسير قراءتها وضبط مدلوها. وأشاع معها كذلك ضروبًا من المكملات الحديثة للنشر العلمي، من أظهرها:
1- العناية بتقديم النص ووصف مخطوطاته.
2- العناية بالإخراج الطباعي.
3- صنع الفهارس الحديثة.
4- الاستدراكات والتذييلات.
1- تقديم النص:
1- ويقتضي ذلك التعريف بالمؤلف، وبيان عصره وما يتصل بذلك من تاريخ. وقد كان الناشرون القدماء يعنون بهذا بعض العناية، وربما اقتصر جهدهم على نقل نص من كتاب معين يتضمن هذه الترجمة. وكثيرًا ما وضعوا تلك الترجمة في صفحة العنوان أو في صفحة الخاتمة.
2- ويقتضي كذلك عرض دراسة خاصة بالكتاب وموضوعه وعلاقته بغيره من الكتب التي تمت إليه بسبب من الأسباب.
3- وتقديم دراسة فاحصة لمخطوطات الكتاب، مقرونة بالتحقيق العلمي الذي يؤدي إلى صحة نسبة الكتاب والاطمئنان إلى متنه. وجدير بالمحقق أن يشرك القارئ معه بأن يصف له النسخ التي عول عليها، وصفًا دقيقًا يتناول خطها، وورقها، وحجمها، ومدادها، وتاريخها، وما تحمله من إجازات وتمليكات، ويتناول كذلك كل ما يلقي الضوء على قيمتها التاريخية، وهو إن قرن ذلك بتقديم بعض نماذج مصورة لها كان ذلك أجدر به وأولى.
وقد جرت العادة أن يصور في ذلك وجه الكتاب وبعض صفحاته، ولا سيما صفحته الأولى والأخيرة؛ لأنها أدق الصفحات في التعبير عن تقدير المخطوطات.
ومن المستحسن ألا يقدم كل أولئك إلى المطبعة إلا بعد الفراغ من طبع نص الكتاب، وذلك لتيسير الإشارة من المقدمة إلى ذلك النص، وليتمكن المحقق من تتميم دراسته على ضوء النسخة الأخيرة التي تخرجها المطبعة.
2- العناية بالإخراج الطباعي:
ويتناول ذلك القول في إعداد الكتاب للطبع، ومعالجة تجارب الطبع معالجة دقيقة.
إعداد الكتاب للطبع:
وهي ناحية خطيرة من نواحي النشر، إذ إن لهذا الإعداد أثره البالغ في ضبط العمل وإتقانه، فالأصل المعد للنشر يجب أن يكون دقيقًا مراجعًا تمام المراجعة، مراعي في كتابه الوضوح والتنسيق الكامل. ويكون ذلك:
1- بكتابة النسخة بعد التحقيق والمراجعة، بالخط الواضح الذي لا لبس فيها ولا إبهام.
2- وأن يكون مستوفيًا لعلامات الترقيم التي سيأتي الكلام عليها.
3- وأن يزود بالأرقام التي يحتاج إليها الباحث.
5- وأن يتجنب الناشر التعقيدات الطباعية.
تحقيق النصوص ونشر الكتب (83ص-85)
الفهارس الفنية والكشافات:
إن تحقيق أي كتاب وطبعه دون فهارس فنية يعتبر جناية على الكتاب وعلى القارئين؛ لأن الفهارس مفاتيح الكتب ولا يستطيع باحث أن يهتدي إلى ما يريده إذا لم يكون هناك فهارس حتى يقرأ الكتاب كل مرة أو العثور عليها عن طريقة الصدفة،ولذلك صنع الفهارس الفينة أصبح ضرورة علمية ملحة ، فينبغي على من تصدى لتحقيق كتب التراث معرفة صنع الفهارس ولا يحقق أي كتاب بدونها لأن إذا أخرج الكتاب دون فهارس فيعتبر هذا العمل عملا ناقصا وكان مسوغا لإعادة طبع الكتاب مرة أخرى.
يقول الشيخ عبد السلام هارون:
((وللفهارس المقام الأول بين هذه المكملات، إذ بدونها تكون دراسة الكتب -ولا سيما القديمة منها- عسيرة كل العسر. فالفهارس تفتش ما في باطنها من خفيات يصعب التهدى إليها، كما أنها معيار توزن به صحة نصوصها، بمقابلة ما فيها من نظائر قد تكشف عن خطأ المحقق أو سهوه.
وقد أصبح عصرنا الحديث المعقد في حاجة ملحة إلى اختزال الوقت وإنفاق كل دقيقة منه في الأمر النافع.)) تحقيق النصوص ونشر الكتب (ص92)
((طرق صنع الفهارس:
أمثل الطرق لصنع الفهارس طريقتان:
1- طريقة الجذاذات، يكتب فيها ما يراد فهرسته, ثم يرتب ترتيبًا هجائيًّا على أوائل الكلمات ثم ثوانيها ثم ثوالثها وهكذا.
ويهيأ لفرز هذه الجذاذات صندوق خاص، مقسم إلى بيوت صغيرة يحمل كل بيت منها اسم حرف من حروف الهجاء.
ولهذه الطريقة عيبان:
أولهما: احتمال فقد بعض الجذاذات.
والثاني: أنها عمل أشبه ما يكن بالعمل الآلي.
2- طريقة الدفتر المفهرس، الذي يخصص لكل حرف من الحروف أوراقًا خاصة، ويخصص سطر منها أو أكثر لكل مادة من مواد ذلك الحرف بحسب ما يتوقعه المفهرس.
وهذه الطريقة أضبط من سالفتها، إذ تكون مواد الفهرس تحت المراقبة الدقيقة والمقارنة المستمرة. ولكنها لا تستغنى عن الطريقة الأولى ولا سيما في الفهارس الكبيرة، إذ يضطر المفهرس إلى كتابة جذاذات للترتيب فحسب، بعد أن يضع على كل جذاذة رقما مطابقا للرقم الذي وضعه في الدفتر إزاء كلمتها؛ ليجعله دليلا له في كتابة الفهرس بعد ترتيبه.)) نفس المصدر (ص 94)
الاستدارك والتذييل:
يقول الشيخ عبد السلام هارون:
((ولا يعدو الأمر مهمًا أجهد المحقق نفسه وفكره في إخراج الكتاب، أن تفوته بعض التحقيقات أو التوضيحات، أو يزل فكره أو قلمه زلة تقتضي المعالجة. ففي باب الاستدراك والتذليل الذي يلحق غالبا بنهاية الكتاب، مجال واسع لتدارك ما فات محقق الكتاب أو شارحه، أو مازل فيه فكرة أو قلمه، وبعض الناشرين لا يحل هذا الأمر محله من العناية، ليسدل ثوب الجلال على كتابه، فيزعم لنفسه بتركه هذا الاستدراك أن كتابه قد سلم من الخطأ فكان بذلك كالنعامة، إذ تخفي رأسها زاعمة أن أحدا لن يراها لأنها لا تراه!
إن الخطأ في معالجة النصوص أمر مشترك بين العلماء جميعا، لا إثم ولا حوب ولكن كتما الخطأ فيه الإثم، والتقصير في أداء الأمانة. ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل! )). نفس المصدر(ص99)
ثبت المراجع:
من الواجب وضع ثبت للمراجع في آخر الكتاب يحلق بالفهارس سواء مراجع المحقق أو مراجع المؤلف وموارده، ويبن المحقق فيه اسم المؤلف واسم الناشر وتاريخ الطبع و النشر.
الصعبات التي تواجه المحقق وطرق معالجتها:
1- رداءة المخطوط، من حيث نوع الخط الذي كتب به، كالخط المغربي، أو الأندلسي،علاجها أن يجمع المحقق أكبر عدد مستطاع من نسخ الكتاب الذي يعالجه ويقابل بعضها ببعض مقابلة دقيقة كاملة مستوعبة.
2- رداءة المخطوط من حيث التصحيف والتحريف الذي يقع فيه من كاتبه ، وعلاجها أن يعمد إلى تقليب مخطوطاته وتكرار قراءتها حتى يألف خطها ويعرف الاتجاه العام فيها، وكذلك بأن يكون ذا خبرة بما يتعرض له الكلام من التصحيف والتحريف الكتابي والسماعي زهز من خير وسيلة لمعالجة التصحيف والتحريف أعني الحذق بالتصحيف والتحريف..
3- رداءة المخطوط من حيث تعرضه إلى عوامل البلى والتآكل ،أو انطماس بعض كلماته ،وعلاجها أن يرجع المحقق إلى المراجع التي يظن أن المخطوط استقى منها، أو التي يرجح أنها قد استقت منه، ويستعين في التحقيق بمقابلة هذه على تلك، ومراجعة كل منهما على الأخرى.
4- غرابة الموضوع الذي يعالجه المخطوط، ولاسيما إذا لم يجد المحقق نظيرا لمخطوطه في موضوعه، وعلاجها أن يتأني في فهم النص ويغلب جانب الشك على جانب اليقين فهو الأصل في التحقيق أي سوء الظن بالنفس واتهام النفس لا النص.
5- غرابة المخطوط في لغته،وعلاجها أن يكون للمحقق صلة تامة بدراسة أسلوب المؤلف فيما ترك من آثار أخرى., وأن يكون ذا معرفة وثيقة بعصر المؤلف أي العصر الذي ألف فيه المخطوط لا الذي كتب فيه، وكذلك المعجمات اللغوية وأمهات المراجع العلمية .









(1) انظر: مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين.د. رمضان عبد التواب.ط. مكتبة الخانجي.(ص5)

(1)انظر: المخطوط العربي،د.عبد الستار الحلوجي.(ص157)

(1)انظر:أصول نقد النصوص ونشر الكتب،للمستشرق الألماني:برجستراسر،ط دار الكتب. (ص14)

(4) انظر: مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين د. رمضان عبد التواب،ط. الخانجي.(ص108-117) بتصريف واختصار.


(1)القتو : هو الخدمة ،يقال : قتا القوم خدمهم والمقاتية هم الخدام والواحد مقتوي ، قال عمرو بن كلثوم : تهددنا وتوعدنا رويدا متى كنا لأمك مقتويين . أي خداما . انظر : لسان العرب ، مادة قتا.

(2) كان منذ وقت قريب يقال : ابن النديم ، ولكن محقق كتاب الفهرست رضا تجدد وجد نسخة عليها اسمه ((النديم)) وكذا في الطبعة الجديدة التي حققها أستاذي د. أيمن فؤاد السيد، صحح اسمه.

(3)انظر: كتابه : المخطوطات والتراث العربي، د.عبد الستار الحلوجي.ط. الدار المصرية اللبنانية.(143-160). ويعد هذا الكلام اختصارا له، فجزاه الله خيرا عما يفعله لتراثنا المجيد.

(6)انظر: تحقيق التراث العربي، عبد المجيد دياب،(ص237)بتصريف.وكذا انظر(أصول نقد النصوص ونشر الكتب)، لبرجستراسر،(112).

(7)انظر:منهج تحقيق التراث، لعبد المجيد دياب،(ص226)

(8)انظر:قواعد تحقيق المخطوطات،صلاح الدين المنجد.ط.دار الكتب الجديد،بيروت.(ص17)

(9)انظر: أصول نقد النصوص، برجستراسر،(ص27)

(10)انظر: نفس المصدر،(ص27).

(9)انظر: تحقيق التراث العربي،د.عبد المجيد دياب. ط. دارالمعارف. (ص63)

(10)انظر: نفس المصدر السابق.(ص67)

(11)انظر: أصول نقد النصوص ونشر الكتب،(ص96)
 
عودة
أعلى