مدارسة في تفسيرالقرطبي ( 4 )

إنضم
22/05/2003
المشاركات
61
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
قال القرطبي عند تفسير قوله تعالى : {قالت أخراهم لأولاهم } الأعراف 38 مانصه [ اللام في (لأولاهم) لام أجل ، لأنهم لم يخاطبوا أولاهم ولكن قالوا في حق أولاهم ربنا هؤلاء أضلونا ...] 7/205 ط: دار الكتب المصرية ، فما معنى لام الأجل ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا ..
 
لام ( أجل ) هذه هي لام التعليل .
قال السمين الحلبي في الدر المصون 5/315 [بتحقيق أحمد الخراط] : ( وقوله : {لأولاهم} اللام للتعليل ، أي لأجل ، ولا يجوز أن تكون التي للتبليغ كهي في قولك : قلت لزيد افعل . ...) إلخ كلامه

أرجو أن يكون الجواب واضح .
 
الأخ محمد القحطاني ، جزاك الله خيرا ، ولكن كيف يكون المعنى إذا كانت اللام تعليلية ؟ وألا يشكل عليه الآية التي بعدها وهي قوله تعالى {وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا ....} الآية ، حيث استخدم ضمير الخطاب ، وكأن السياق يوحي بالمخاطبة بين اثنين ؟
 
بسم الله

أخي محمد ؛ لو أنك رجعت إلى الدر المصون لزال عنك الإشكال ؛ لأنه ذكر أن اللام في قوله : {وقالت أولاهم لأخراهم ...} للتبليغ لأن الخطاب فيها ظاهر .

وللفائدة ؛ فقد نقل الزركشي في البرهان في علوم القرآن عن ابن مالك ضابطاً في نوع اللام التي تأتي بعد القول ، فقال :

وذكر ابن مالك وغيره ضابطا في اللام المتعلقة بالقول ، وهو : إن دخلت على مخاطبة القائل فهي لتعدية القول للمقول له نحو : ( وقولوا لهم قولاً معروفاً ) [النساء : 8] ، فإن دخلت على غير المخاطب القائل فهي للتعليل كقوله تعالى : ( وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا ) [ آل عمران :156 ] ، وقوله : ( الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا ) [ آل عمران : 168] ، وقوله : ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب ) [ النحل :116] ، وقوله : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا إن يشاء الله ) [ الكهف : 23-24] وهو كثير . انتهى كلامه . 4/294 بتحقيق المرعشلي .

ولزيادة الإيضاح أنقل كلام الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير عن هذه اللام ؛ قال : واللاّم في: {لأولاَهم} لام العلّة، وليست اللاّم التي يتعدّى بها فعل القَول، لأنّ قول الطائفة الأخيرة موجَّه إلى الله تعالى، بصريح قولهم: {ربنا هؤلاء أضلونا} إلخ، لا إلى الطّائفة الأولى، فهي كاللاّم في قوله تعالى:{وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه}
انتهى 5/122
 
الأخ محمد جزاك الله خيرا ، ماالمعنى إذا قلنا بأن اللام تعليلية ؟
 
المعنى كما قال السمين الحلبي : قالت أخراهم لأجل أولاهم ، أي في شأن أولاهم . فالخطاب منهم لربهم في شأن الأمة السابقة التي أضلتهم .

وقال الزمخشري : ومعنى لأولاهم: لأجل أولاهم؛ لأن خطابهم مع الله لا معهم . انتهى

وقال الرازي : «اللام» في قوله: {لاِخْرَاهُمْ } لام أجل، والمعنى: لأجلهم ولإضلالهم إياهم {قَالُواْ رَبَّنَا هَـؤُلآء أَضَلُّونَا } ؛ وليس المراد أنهم ذكروا هذا القول لأولاهم، لأنهم ما خاطبوا أولاهم، وإنما خاطبوا الله تعالى بهذا الكلام. انتهى
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وبعد:
فجزى الله الأخوة المشاركين في هذه المطارحة خير الجزاء على الفوائد النفيسة، وقد قرأت ما كتب وجواب فضيلة الشيخ محمد وفقه الله وليأذن لي بالمشاركة ،
فقد ظهر لي ( والله أعلم ) أن اللام ليست لام من أجل؛ بل هي لام التعدية وذلك للقرائن التالية:
1- تفسير السلف رحمهم الله، فإنه ظاهر في أن المقصود مخاطبة الأمة الأولى للأخرى ومن ذلك قول الطبري رحمه الله تعالى، في تفسير الآية:
وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة يقول الله تعالى ذكره فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فاداركوا قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تقدمتها وكانت لها سلفا وإماما في الضلالة والكفر لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك ودعونا إلى عبادة غيرك وزينوا لنا طاعة الشيطان فآتهم اليوم من عذابك الضعف على عذابنا ونقل رحمه الله عن السدي مثل ذلك،
وهذا هو المشهور،
2- أن هذا هو الأصل في اللام التي تأتي بين القول والمقول


3- أن الصارف الذي اعتمده الزجاج ومن بعد الزمخشري ومن قلدهم بعد كالبيضاوي ،لجعل لام التعدية لام من أجل : هو أن الخطاب لله تبارك وتعالى، وهذا صارف ليس بظاهر
إذ هناك فرق بين الدعاء والخطاب المجرد،
تأمل مثلا هذا الحديث
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أريد سفرا فزودني قال زودك الله التقوى قال زدني قال وغفر ذنبك قال زدني بأبي أنت وأمي قال ويسر لك الخير
فهذا خطاب للرجل بالدعاء له
ودعاء لله عز وجل
ولاحظ أن الكلام هنا من جهة المعنى لا من جهة نحوية
صحيح: أن الجملة من جهة نحوية لا يمكن أن تكون للخطاب والغيبة معا،
ولكنني أقول:
إنهم بدل أن يخاطبونهم بقولهم: زادكم الله ضعفا من النار
قالوا لهم ربنا هولاء فهذا التفات،
واللام على وجهها،
وهذا كلام يحتاج إلى مصابرة تصوره فأرجو ذلك
وتأمل قول الخزاعي وهو يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بكر في الوقعة التي كانت سبب الفتح
يارب إن ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا
فالقصيدة يخاطب بها الرسول صلى الله عليه وسلم والنداء لله عز وجل،
4-أن تشبيهها بقوله تعالى: ( وقالوا لأخوانهم إذا ضربوا في الأرض)
وقوله تعالى (الذين قالوا لأخوانهم وقعدوا) ليس بصحيح إذ أن في الآيتين ما يدل على عدم وجود المخاطب، ففي الأول قوله تعالى : (( لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا )) وهذا صريح في عدم مخاطبتهم لهم ،وفي الثانية قوله تعالى : ( ماقتلوا )، وأما في الموضع محل الإشكال فإنهم موجودون معهم في النار وليس هناك مانع من مخاطبتهم سوى صورة الالتفات في الدعاء
5- أن السياق يدل عليه، حيث دلت الآية أن الغاية التي حصل عندها الخطاب هو هو التتابع والاجتماع، ولولا أنه حصل الخطاب بينهم لما كان لهذه الغاية معنى والله تعالى أعلم بمراده وأستغفر الله من القول بغير علم،
مع دعواتي لكم بالتوفيق
أخوكم، عبدالله بن بلقاسم بن عبدالله
 
فائدة:
قال المالقي رحمه الله تعالى:
في معاني اللام غير الزائدة العاملة خفضا:
أن تكون بمعنى من أجل نحو : جئتك للإحسان ، ورعيتك لرعيي، قال الشاعر:
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها لدى الستر إلا لبسة المتفضل
أي : من أجل نوم، قال الشاعر
تسمع للجرع إذا استحيرا للماء في أجوافها خريرا
أي من أجل الجرع.
ويقال لذه اللام لام العلة ولام السبب،أهـ من ( رصف المباني في حروف المعاني) ص 298-299
 
عودة
أعلى