مدارسة حول فقرة من تفسير الماتريدى .. رجاء الافادة من المشايخ

إنضم
04/09/2008
المشاركات
24
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
يقول الماتريدى فى تفسير سورة النحل :
ثم قوله ( والله جعل لكم من انفسكم ازواجا ) وقوله فى اية اخرى ( قوا أنفسكم ) وقوله ( ولا تقتلوا انفسكم )ونحوه ذكر الانفس فى كله .. ثم لم بفهم من الخطاب من هذا كله معنى واحدا وشيئا واحدا وان كان فى حق اللسان واللغة واحدا وان كان فى كل غير ما فهموا فى اخر. فهذا يدل أنه لا تفهم الحكمة والمعنى فى الخطاب بحق ظاهر اللسان واللغة ولكن بدليل الحكمة المجعولة فى الخطاب . ومن اعتقد فى الخطاب الظاهر حسم باب طلب الحكمة فيه والمعنى لأنه يجعل المراد منه الظاهر

فقد اشكلت على عبارة ( الحكمة المجعولة فى الخطاب ) هل يريد بها السياق بمعنى انه لا يجب النظر عند تفسير النص القرانى الة اللغة والظاهر فقط ولكن لا بد معهما من اعتبار السياق .
وقد حللت العبارة بهذا الشكل : الخطاب فيه حكمة . والحكمة هى وضع الشيء فى موضعه . فالخطاب القرانى كل كلمة فيه موضوعة فى موضعها الذى به تختلف لو وضعت فى موضع اخر والا لانتفت الحكمة . فالكلمة لها معنى فى سياقها يختلف ذالك المعنى لو وضعت فى سياق اخر اذ موضعها فى كل يختلف بحسب الحكمة . ارجو من الاخوة الاكارم تصويب الفهم او تسديده ..
 
ظاهر الكلام، أنه جعل [الحكمة المجعولة في الخطاب]، أمرا زائدا على ما تقتضيه الأوضاع والدلالات اللغوية. وجعل معرفة هذه الحكمة عليها المدار والمعول في رصد الدلالات المختلفة، والتمييز بينها في لغة الكتاب.
ويبدو لي أن الحكمة في قوله [الحكمة المجعولة في الخطاب] يريد بها المقصد المجعول في الكلام، ويكون المعنى: أنه ينبغي أن يكون نظر المفسر متجها إلى المقصود من القول، وأن النظر إليه يعين في تبين دلالات الألفاظ، أما النظر المجرد عن اعتبار المقصد، فهو حري أن يجعل صاحبه متخبطا في تفسير المعاني، بحيث تشتبه عليه،
ويؤيد هذا قوله بعد ذلك:
ومن اعتقد فى الخطاب الظاهر حسم باب طلب الحكمة فيه [ أي الحكمة المتوخاة التي قصدها المتكلم] والمعنى لأنه يجعل المراد منه الظاهر.
والله أعلم بالصواب.
 
جزاكم الله خيرا أستاذنا الدكتور : عدنان أجانة

قرأت كلامكم واستفدت منه ..

ثم عرض لى قوله بعد ذالك فى سورة النحل أيضا 3/119 و120 عند قوله تعالى ( فإذا قرأت القران فاستعذ بالله )قال رحمه الله :

(( ثم فى هذه الاية وفى غيرها من قوله ( فإذا قمتهم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) لم يفهم أهلها منها التعوذ على ظاهر المخرج ولكن فهموا على مخرج الحكمة لأن ظاهر المخرج أن يفهم التعوذ بعد الفراغ من القراءة وكذالك يفهم من الامر بالقيام الى الصلاة الوضوء بعد القيام اليه ثم لم يفهموا فى هذا ونحوه هذا ولكن فهموا إذا أردت قراءة القران فاستعذ بالله وكذالك فهموا من قوله ( إذا قمتم ) أى اذا اردتم القيام الى الصلاة فاغسلوا كذا ، ولم يفهمواكل قيام إنما فهموا قياما دون قيام أى اذا ارتم القيام الى الصلاة وأنتم محدثون .
وفهموا من قوله ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض ) وفهموا من قوله ( فإذا طعمتم فانتشروا )وكذالك فهموا من قوله ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله )الفراغ منها .
دل أن الخطاب لا يوجب المراد والفهم على ظاهر المخرج ولكن على مخرج الحكمة والمعنى
))أهـ

والسؤال سيدى : هل الكلام المذكور يؤيد ما ذكرتموه من أن المراد من ( الحكمة ) : المقصود من الكلام أو يجعل المراد منها فى كلامه رحمه الله ما هو مرادف للمعنى فتكون الحكمة من الكلام هى بعينه معناه أو يرشح ما قلته سابقا من أن المراد منها السياق ؟
واذا كان يؤيد ما ذكرتموه أرجو التوضيح ؟ واذا لم يكن فكيف يفهم الكلام السابق الذى نقلته من قبل ؟

مع خالص الاحترام
 
شكر الله لكم حضرة الباحث الفاضل، والنص الذي نقلتموه مشكورين، فيه مشابهة للنص الأول الذي سألتم عنه، والفكرة فيهما واحدة، وهي أن الإمام الماتريدي يجعل عملية فهم الدلالة تعتمد على أمر زائد على مقتضى اللفظ وحده، ويجعل الفهم السليم لآي الكتاب، هو المعتمد على الدلالة اللغوية، مع ما تقتضيه الحكمة والمعنى، وعطفه المعنى على الحكمة، مؤذن بأن بينهما علاقة وطيدة، وإذا اعتبرنا أن الأصل في العطف أن يقتضي المغايرة، كانت الحكمة عنده دالة على غير المعنى،
وأظن أن هذا النص الذي ذكرتم، يؤيد ما قلته سلفا من أن الحكمة تشبه أن تكون عنده بمعنى القصد من الكلام.
ودليل ذلك انه ذكر أمثلة لم يأت فيها التفسير على وفاق الظاهر، بل على المعنى والقصد.
وتأمل قوله "مع تصرف في النص" : (فإذا قمتهم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) لم يفهم أهلها منها ظاهر المخرج،[أي ظاهر التركيب] ولكن فهموا على مخرج الحكمة [أي القصد المراد من الكلام] لأن ظاهر المخرج [أي ظاهر التركيب اللغوي] يقتضي: أن يفهم من الامر بالقيام الى الصلاة، الوضوء بعد القيام إليه. ثم لم يفهموا [أي أهل التفسير] فى هذا [التركيب] ونحوه هذا [المعنى] ولكن فهموا[معنى آخر لا يدل عليه التركيب وهو] إذا قمتم أى: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا كذا، ولم يفهموا كل قيام إنما فهموا قياما دون قيام، أى إذا اردتم القيام الى الصلاة وأنتم محدثون.اهـ
إذا كيف فهم المعنى من الآية؟ فهم المعنى عندما اعتبرنا قصد الشارع وحكمته من هذا القول، وأنه لا يريد به إيقاع الوضوء بعد الصلاة، بل إيقاع الوضوء قبل الصلاة.
فالماتريدي رحمه الله بهذا البيان، يحيلنا على كيفية فهم الدلالة من آي الكتاب، وعلى أي وجه تكون، كما يحيلنا على آلية مهمة جدا، وهي معرفة القصد، الذي بموجبه تتأطر عملية الدلالة وتستقيم.
ومما يساعد على هذا المذهب: أن الماتريدي يعرف التفسير بأنه:[القطعُ على أن المرادَ من اللفظ هذا، والشهادةُ على الله سبحانه وتعالى أنه عنَى باللَّفظِ هذا]
وكأني به في كتابه التفسير، يؤصل لكيفية استنباط الدلالة على وجه يحصل معه القطع، ولما كان ذلك غير ممكن اعتمادا على التراكيب اللغوية فقط، نص في مواضع من كلامه، على أهمية اعتبار القصد، أو الحكمة من الخطاب، لتضمن سلامة التفسير، من التعسف والحمل على غير المراد.
أما فيما يتعلق بالسياق، ففكرة السياق كانت قبل الإمام الماتريدي بزمن، وكانت مطبقة باعتبارها منهجا فعالا في كشف الدلالة وتحديدها، وقد اعتمد المفسرون قديما على بعض الظواهر السياقية، كالأشباه والنظائر وأسباب النزول، والمناسبات، ونحو ذلك.
ويمكن إدراج اعتبار القصد من الكلام، في السياق المقاصدي، وهو: النظر إلى الآيات القرآنية من خلال مقاصد القرآن والرؤية القرآنية العامة للموضوع.
والله أعلم
 
جزاكم الله خيرا استاذنا

اذا:
فالحكمة المجعولة فى الخطاب والتى يفهم التركيب/ الظاهر فى ضوئها أو من خلالها هى = المقصود من الكلام ..

اذا كان كذالك :
فكيف نصف العلاقة بين المقصود من الكلام ومعنى الكلام ؟
 
[فكيف نصف العلاقة بين المقصود من الكلام ومعنى الكلام ؟]
أما القصد، فهو الإطار الذي يحدد المعنى ويوجهه. وأما المعنى فهو ما يفهم من التركيب والعبارات، على ضوء القصد.
وفكرة القصد تجدها جلية عند النحاة، الذين اشترطوا القصد في الكلام،
قال ابن آجروم: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع.
فدل قوله المفيد على ما كان مفيدا للمعنى.
وقوله: بالوضع على ما كان مقصودا.
فيكون القصد هو الغرض الذي قصد المتكلم الإبانة عنه، بألفاظ وعبارات تفهم منها معان معينة،
وتعرف مقاصد القرآن الكريم، بتتبع مجاري عاداته في الاستعمال، وبتتبع النظائر،
[ وإذا رجعنا إلى نص الماتريدي، نجده يقول:" وفهموا من قوله ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض ) وفهموا من قوله ( فإذا طعمتم فانتشروا )وكذالك فهموا من قوله ( فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله )الفراغ منها"] اهـ
فقد استحضر بعض النظائر، ليثبت بها عادة من عادات القرآن في التعبير.
ثم إن المعنى قد يكون صحيحا والقصد باطلا، ومن هذا الباب الكلمة المشهورة من قول علي رضي الله عنه: "كلمة حق أريد بها باطل" فمعنى ما قالوه من تحكيم الشرع معنى صحيح في نفسه، لكن عارضه قصد باطل.
فالقصد إذا هو الذي يضمن لنا سلامة المعنى، ومقاصد كل كلام بحسبه.
والله أعلم.
 
شكر الله لكم استاذنا الفاضل

ان كلامكم عن فكرة القصد من الكلام التى اعتبرها الماتريدى رحمه الله وجعل التفسير مبنيا على اساسها أو هى على الاقل معلم من معالم منهجه فى التفسير نبهنى الى طريقة يذكرها الماتريدى كثيرا فى تفسيره للايات ويستخدم فى ذالك لفظة ( التخريج ) فيقول مثلا : يخرج على العتاب أو يخرج على التوبيخ أو التذكير ويذكر ما أسميته أنا خلال قراءتى لتفسيره تأويل التأويل أى ما يؤول اليه الكلام بعد تفسيره ....

ولإكمال هذه المدارسة الممتعة أسألكم -سيدى - سؤالين :
الاول :

قلتم فضيلتكم :
فالماتريدي رحمه الله بهذا البيان، يحيلنا على كيفية فهم الدلالة من آي الكتاب، وعلى أي وجه تكون، كما يحيلنا على آلية مهمة جدا، وهي معرفة القصد، الذي بموجبه تتأطر عملية الدلالة وتستقيم.
ومما يساعد على هذا المذهب: أن الماتريدي يعرف التفسير بأنه:[القطعُ على أن المرادَ من اللفظ هذا، والشهادةُ على الله سبحانه وتعالى أنه عنَى باللَّفظِ هذا]
وكأني به في كتابه التفسير، يؤصل لكيفية استنباط الدلالة على وجه يحصل معه القطع، ولما كان ذلك غير ممكن اعتمادا على التراكيب اللغوية فقط،

الا ترى معى استاذنا أن معرفة قصد المتكلم أمر نسبى جدا - وفيه قدر كبير من الاجتهاد واعمال العقل - بخلاف الظاهر الذى يبنى على قواعد ودلالات لغوية معلومة فالقطع بالمعنى بمجرد الظاهر أوثق منه بناء على فكرة قصد المتكلم ، فكيف يؤصل لكيفية استنباط الدلالة على وجه يحصل معه القطع مع ذالك ؟

الثانى : اذا اردنا التوسع فى فكرة قصد المتكلم وأهميتها فى فهم المراد بحيث يكون فهمك السامع مطابقا للواقع ونفس الأمر .. فما المراجع التى يمكن الرجوع اليها غير المراجع اللغوية ؟

لك تحياتى واحترامى
 
معرفة قصد المتكلم ليس بالأمر النسبي جدا كما ذكرتم، بل هو إلى الضبط والظهور أقرب منه إلى الخفاء والنسبية.
وبيان ذلك ان معرفة قصد المتكلم هو الغرض الأعلى الذي يسعى إليه من يفسر نصا معينا، ومثال ذلك من التفسير، أن المفسر لكي يصل إلى المقصود من الآية، فهو ينظر في ألفاظها وتراكيبها، وما يستدعيه ذلك من النظر في النحو واللغة ومناهج الاستنباط. لكن أهم ما يفعله، أو ينبغي أن يفعله المفسر، هو التنبه إلى المفردات التي ذكرت في الآية، ودلالتها في القرآن كيف هي؟ أي كيف يستعملها القرآن؟ [واعتبر في هذا الباب بفن الأشباه والنظائر] مع استصحاب مقاصد القرآن، ومناسبات الآيات.
وأنت خبير بأن مثل هذا النظر، كفيل أن يوصل الناظر إلى مقصود القرآن، ضامن مصداقية أوفر للتفسير، وحظا أكبر من السداد.
بمعنى آخر: أن مقصود المتكلم، يساعد في فهمه عناصر متعددة، لغوية ومقامية، تعمل مجتمعة على رصد المقصود، وبيان المراد. واجتماع هذه العناصر هو الذي يعطيها قوة القطع.
أما إذا أردتم التوسع فى فكرة قصد المتكلم وأهميتها فى فهم المعنى. فإنك واجد من كتب الأصول وعلوم القرآن أبوابا تعينك على هذا، كما أن الكتب المؤلفة في هذه المباحث مفيدة مثل كتاب:
مقاصد القرآن للدكتور عبد الكريم حامدي.
وإن شئت أن تستعين بما كتب في هذا المجال في الدراسات اللسانية المعاصرة، فأفضل من وقفت له على بحث في هذا المجال: الدكتور محمد محمد يونس علي في كتابه "علم التخاطب الإسلامي" ففيه فصل نافع عن هذا الموضوع بخصوصه. كما يمكن أن تستعين بما كتبه "بول غرايس" أيضا في نظرية الاستلزام التخاطبي، فهي مفيدة في هذا الباب.
لكن مراجع الأصول وعلوم القرآن، هي الأقرب لموضوعك لأنها تتحدث عن مقاصد القرآن وطرائق خطابه بالأساس.
ودمتم بخير.
 
جزاكم الله خيرا الاستاذ الدكتور الفاضل
فقد استفدت من المدارسة معكم .. وقد وجدت جزءا كبيرا من بغيتى حول فكرة قصد المتكلم مما سطره علماؤنا رحمهم الله فى علم المعانى خاصة عند حديثهم عن الخبر وأغراض الخبر وأضربه والانشاء بنوعيه الطلبى وغير الطلبى وما يتضمنه من أمر ونهى واستفهام والاغراض البلاغية لكل منها .. الخ .. وبالجملة فعلم المعانى تكفل بهذه المهمة على أحسن ما يكون أما الدراسات اللسانية المعاصرة فما زلت أطالع فيها وان كنت أشك فى اتيانها بجديد عما سطر فى علم المعانى .. ولله الحمد أولا واخرا ..

ولكم منى أجمل التحية مع رجاء التواصل معكم فى مدارسات أخرى
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الأعمال
ورمضان كريم
 
الاستاذ الفاضل

يقول الماتريدى عند قوله تعالى ( والله يعلم وانتم لا تعلمون ) من سورة النور : أى يعلم حقائق الأشياء وانتم لا تعلمون حقائقها وفيه : دلالة تعليق الحكم بالظواهر دون تعليقه بالحقائق

فكيف يتسق هذامع ما قاله سابقا ؟
 
السلام عليكم ورحمة الله.
قول الماتريدي في قوله تعالى: ( والله يعلم وانتم لا تعلمون) : أى يعلم حقائق الأشياء وانتم لا تعلمون حقائقها. وفيه [ أي وفي هذا الخبر الذي تضمتنه الآية وجه من الدلالة مستفاد منها. وهو:] دلالة تعليق الحكم بالظواهر،دون تعليقه بالحقائق [أي أن الحكم قد يتعلق بظاهر الشيء وما يبدو منه، دون أن يتعلق بحقيقته. ويدل على هذا قصة أصحاب الإفك التي تخرص فيها المتخرصون، وعلق الحكم فيها ناس على ما بدا لهم من الظاهر، تماشيا مع مقولة المنافقين والمرجفين. ولكن هذا الحكم كان عريا عن الصواب، بعيدا عن الحق، لأن حقيقة الأمر هو عفة الصديقة وطهارتها، وعفة بيت النبوة وعصمته من هذه السفاسف.
فجاء تأديب الله للمرجفين، بأنهم لم يعلموا حقيقة الأمر، وإنما جرى على لسانهم الإفك والبهتان، دون أثارة من علم. بل قصارى أمرهم هو التعلق بالظواهر. وليس لهم من معرفة الحقيقة شيء، وهذا كما قال تعالى: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا..)سورة الروم، فهؤلاء تعلق حكمهم بالظواهر، ولم يتعلق بالحقائق.
وراجع تفسير الماتريدي لآية الروم التي سلف ذكرها. وانظر ما يقول هناك.
هذا ما فهمته من كلام الماتريدي رحمه الله.
ودمتم.
 
لآ أدرى .. أنا فهمت شيئا آخر وهو أنه يصح تعلق الحكم بالظاهر فقط خاصة وأنه لم يعلق بعده بشيئ ( وفيه دلالة تعليق الحكم بالظواهر دون تعليقه بالحقائق ) .. وسكت
بمعنى : أن من علق الحكم على الظاهر فقط دون علمه بالحقيقة التى وراء الظاهر فهو معذور و تعليقه الحكم على الظاهر فقط صحيح ولا شيئ فيه طالما لا يعلم الحقائق أو لم تصل اليه بدليل أن الحد لم يقم على من خاض فى الافك الا بعد نزول الايات

فما رأيكم أستاذنا الفاضل فى هذا ؟
 
شكر الله لكم،
ولكن الذي منعني من أن أذهب هذا المذهب في الرأي،
أن نظم الآية دال على إثبات العلم لله، ونفيه عن الناس،
(والله يعلم وأنتم لا تعلمون) وما دام قد نفى العلم عنهم، فهذا حكم بنفي مصداقية هذا العلم، ونفي ما يترتب عليه من أحكام، والله أعلم
وإن كان ظاهر كلام الماتريدي يقتضي ما ذكرته.
وأرجو إن كان في كلام الماتريدي تتمة أن تنقلها فلعل فيها فضل بيان.
أما تعلق الحكم بالظاهر، فهذا أمر عليه العمل في كثير من أبواب الفقه، وقد أصلوا له بما أخرجه البخاري وغيره: "إنما أقضي بنحو مما أسمع".
ومنه الخبر المشهور على الألسنة: "نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر". لكنه لا يثبت عند اهل العلم بالنقل.
ويبقى النظر في كلام الماتريدي هل يحتمل هذا المعنى، وبالمدراسة يتضح المحتمل إن شاء الله.
ودمتم.
 
أستاذنا الفاضل

ليس فى كلام الامام الماتريدى تتمة فلم يزد عما ذكرته هنا

نعم العلم الحقيقى عند الله وهو منفى عن الناس فى ظاهر الآية لكن لا تنتفى كل معرفة أو علم ليس مصدره الله تعالى ولا ينتفى ما يترتب عليه من أحكام وشواهد ذالك كثير لا يحصى

وأظن أن الامام رحمه الله يريد أن يقول : ان حقائق الأمور وان كانت عند الله فانه اذا لم يأت بيان عن الله فعندها يصح تعليق الحكم على الظاهر . أما إن أتانا البيان عنه تعالى بخلاف ما يظهر لنا فعندها ينبغى التسليم لأمره تعالى وان كان بخلاف الظاهر لأنه تعالى ( يعلم وأنتم لا تعلمون )

فهل توافقون على ذالك بارك الله بكم ؟
 
نعم حضرة الباحث المحترم،
الأمر على ما وصفت. ولكن ينبغي أن نتنبه هنا إلى مقامين مختلفين.
المقام الأول: وهو الذي وردت فيه الآية، وهو الحكم المستند إلى الظاهر الذي لا سند له ولا حجة، وإنما هو قول ملقى بلا بينة، وحكم بلا برهان. وتقول وافتيات، وإلقاء بالتهم ووصم الأبرياء بها رجما بالغيب، وتخرصا وافتراء. فهذا المقام، هو الذي جاء التأديب الإلهي فيه بقوله تعالى: (والله يعلم وأنتم لا تعلمون). فكانت هذه الآية تكميما للأفواه المتخرصة، وحفظا للمجتمع المسلم أن تعصف به الشائعات المبنية على ظاهر متوهم.
المقام الثاني: وهو الاعتماد على الظاهر المبني على القرائن والاعتبار بالأحوال، فهذا أمر زكته الشريعة واعتبرته، بل وبنت عليه كثيرا من أحكام الفقه والقضاء والمعاملات، وهذا يخالف ما تقدم من المقام الأول، من كونه ليس اتكالا على الظاهر فقط. بل هو اعتبار لما يصحب الظاهر من قرائن من شأنها أن يحتج بمثلها، وإعمال لها في تقوية الظواهر التي تصاحبها.
وبهذا تكون الآية واردة في سياق التأديب ووضع السياج الحامي لبيضة المجتمع المسلم.
بينما يحمل غيرها من الآيات القاضية باعتماد الظواهر،على اعتبار ما يصاحبها من قرائن وأمارات. وتوظيفها في تقوية الظاهر.
ودمتم بخير.
 
الأستاذ الفاضل :

جاء فى تفسير الماتريدى الامام عليه الرحمة ما يعد توضيحا وشرحا وبيانا لمقولته السابقة وذالك بعد ايات فى نفس السورة حيث جاء عند قوله تعالى ( فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا ) .. ما يلى

( وفى قوله تعالى " وكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا " دلالة القول بعلم العمل على ظاهر الأسباب دون تحقيق العلم به حين قال " ان علمتم فيهم خيرا " وإنما يوصل ما ذكر من الخير بأسباب تكون لهم على نحو ما ذكروا فيه من الحرفة والوفاء وأداء الأمانة وأمثاله . وتلك أسباب توصل الى الخير على أكبر الظن والعلم لا على الحقيقة . وفيه دلالة العمل بالاجتهاد على ما يرى بهم من مظاهر الأسباب . والله أعلم ) انتهى

وقوله الأخير : ( وفيه دلالة العمل بالاجتهاد على ما يرى بهم من مظاهر الأسباب ) يؤكد ما قلتموه فضيلتكم من وجوب التفرقة بين ما يبنى على الظاهر مع وجود قرينة دالة من جهة وما لا قرينة عليه من جهة أخرى .. اذ اجتهاد المجتهد فى الحكم الشرعى لا يكون من الهواء أو اتيا من الفراغ بل لأدلة كثيرة تشبعت بها نفس المجتهد من علم بمقاصد الشرع وتخريج على مسائل اخرى .. الخ

وبناء على ذالك يكون معنى العبارتين : صحة العمل يالظاهر ما توفرت القرائن ..

فما قولكم ؟
 
نعم ذلك كذلك.
وما ذكرته –مشكورا- يفسر ما سبق. وهو اعتماد الأسباب الظاهرة، واعتبار القرائن والأحوال. التي تفضي إلى غلبة الظن ورجحانه.
والظن المعمول به في هذا الباب. هو المبني على الأسباب الحقيقية وليس المتوهمة، وعلى الأسباب التي من شأنها أن يحتج بها في تلك المسألة بخصوصها. وأن يكون النظر فيها صادرا ممن عنده أهلية النظر في الأسباب ومراتبها. فإذا ما اعتبر هذا فإن الحكم المبني على الظن المعتمد على هذه الأسباب، حكم معتبر شرعا. وقد بنوا عليه كثيرا من أبواب الفقه كما تقدم. وفي كلام الماتريدي رحمه الله بعض الأمثلة على الأسباب الموجبة للظن الغالب في باب مكاتبة الأرقاء.
لكن يبقى النظر في الآية المتقدمة (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فيحمل على محمل التأديب، والإرشاد إلى التثبت والأناة، وعدم التسرع في الأخذ بالظواهر،
ودمتم بخير.
 
"وبناء على ذالك يكون معنى العبارتين : صحة العمل يالظاهر ما توفرت القرائن"

نعم، هذا التوجيه صحيح.
حيث يحمل كلام الماتريدي، في تفسير الآية الأولى، القاضي باعتماد الظواهر، وهو كلام عام، يحمل على التفصيل الذي ذكره في آية المكاتبة.
 
الاستاذ العزيز
ورد كلام فى تفسير الماتريدى استشكل على جدا ولا أدرى حقيقة فى أى اطار يمكن أن يوضع .. أورده لكم هنا للاستفادة منكم

فى تفسر سورة النمل عند قوله تعالى ( إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) قال :

{ وقال فى اية أخرى ( إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ) .. وقال فى اية أخرى ( إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ )
ذكر على التقديم والتأخير على اختلاف الالفاظ والحروف ، والقصة واحدة ، والممتحن بذالك موسى لا غيره . فهذا يدل أن ليس على الناس تكلف حفظ الالفاظ والحروف بلا تقديم ولا تأخير ولا تغيير بعد أن أصابوا المعنى المودع فيها ، أعنى فى الالفاظ ، وحفظوها من غير تغيير يدخل فى المعنى المودع ، اذ قصة موسى هذه وغيرها من قصص الأنبياء صلوات الله عليهم ذكرت فى الكتاب على التقديم والتأخير على اختلاف الالفاظ والحروف فى كثير من الاحكام فى الشهادات والاخبار وغيرها ، انما عليهم اصابة المعنى } أهـ
 
السلام عليكم ورحمة الله.
ما ذكره الإمام الماتريدي، رحمه الله، هو جواب منه لسؤال وارد على القصة، تقديره: ما وجه إيراد قصة موسى عليه السلام، في مواضع من الكتاب، بعبارات مختلفة، مع أن القصة واحدة؟
وجوابه رحمه الله في محله. وبيان ذلك.
أن الأصل في اللفظ أنه جيء به لغرض الإفهام، فهو سيلة لا غاية. وما دام الأمر كذلك فينبغي أن ينزل عند هذه المنزلة ولا يتعداها.
ومما تقتضيه هذه المنزلة، أن لا يطلب اللفظ لذاته، وأن يكون النظر متوجها إلى المعنى مصروفا إليه، لا يثني الناظر عن المعنى اللفظ الموضوع له، وإلا دخل الضيم على المعنى وذهب من تفهمه مقدار ما انصرف إلى اللفظ من النظر.
وهذه القاعدة معمول بها في مواضع. وقد احتج لها الماتريدي رحمه الله، بقضية التكرار، التي كانت موجبة لاتحاد اللفظ بسبب اتحاد مخرجها. لكن لما جاء الأمر على خلاف ذلك، كان ذلك دليلا على ما ذكره الماتريدي رحمه الله من عدم الاعتداد باللفظ متى ما فهم المعنى.
وقريب من هذا قول الأصوليين: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.
 
وما ذكره الماتريدي رحمه الله، يجري على سنن العرب في الخطاب ومعهودها في الكلام، وقد قرر هذه القاعدة بتفصيل الإمام أبو إسحاق الشاطبي في موافقاته: فإنه ذكر عند حديثه عن أمية الشريعة، وأن معانيها تنزل على المعاني الجمهورية المشتركة، المعهودة من لسان العرب، قال رحمه الله:[ج2ص68 طبعة دراز]
"معهود العرب أن لا ترى الألفاظ تعبدا عند محافظتها على المعاني، وإن كانت تراعيها أيضا، فليس أحد الأمرين عندها بملتزم، بل قد تبنى على أحدهما مرة، وعلى الآخر أخرى، ولا يكون ذلك قادحا في صحة كلامها واستقامته.
ثم ذكر أن من أدلة ذلك: أن العرب من شأنها الاستغناء ببعض الألفاظ عما يرادفها أو يقاربها، ولا يعد ذلك اختلافا ولا اضطرابا إذا كان المعنى المقصود على استقامة، والكافي من ذلك نزول القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ، وفي هذا المعنى من الأحاديث وكلام السلف العارفين بالقرآن كثير، وقد استمر أهل القراءات على أن يعملوا بالروايات التي صحت عندهم مما وافق المصحف، وأنهم في ذلك قارئون للقرآن من غير شك ولا إشكال، وإن كان بين القرائتين ما يعده الناظر ببادئ الرأي اختلافا في المعنى؛ لأن معنى الكلام من أوله إلى آخره على استقامة لا تفاوت فيه بحسب مقصود الخطاب، كـ: {مَالِكِ} و "مَلِكِ" [الفاتحة: 4]. ...إلى كثير من هذا لأن جميع ذلك لا تفاوت فيه بحسب فهم ما أريد من الخطاب، وهذا كان عادة العرب.
ألا ترى ما حكى ابن جني عن عيسى بن عمر، وحكى عن غيره أيضا، قال: سمعت ذا الرمة ينشد:
وظاهر لها من يابس الشخت واستعن///عليها الصبا واجعل يديك لها سترا
فقلت: أنشدني: "من بائس"، فقال: "يابس" و"بائس" واحد.
فأنت ترى ذا الرمة لم يعبأ بالاختلاف بين البؤس واليبس، لما كان معنى البيت قائما على الوجهين، وصوابا على كلتا الطريقتين، وقد قال في رواية أبي العباس الأحول: "البؤس واليبس واحد"، يعني: بحسب قصد الكلام لا بحسب تفسير اللغة.

وعن أحمد بن يحيى، قال: أنشدني ابن الأعرابي:
وموضع زير لا أريد مبيته///كأني به من شدة الروع آنس
فقال له شيخ من أصحابه: ليس هكذا أنشدتنا، [وإنما أنشدتنا]: "وموضع ضيق" فقال: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا ولا تعلم أن الزير والضيق واحد؟!
وقد جاءت أشعارهم على روايات مختلفة، وبألفاظ متباينة، يعلم من مجموعها أنهم كانوا لا يلتزمون لفظا واحدا على الخصوص، بحيث يعد مرادفه أو مقاربه عيبا أو ضعفا، إلا في مواضع مخصوصة لا يكون ما سواه من المواضع محمولا عليها، وإنما معهودها الغالب ما تقدم." اهـ


وهذا كلام نفيس، يفسر لنا ما قصده الماتريدي رحمه الله، وينسجم مع فكرة القصد التي تقدمت، وأن لا عبرة للمباني، إذا ما عرفت المقاصد والمعاني.
فهذا هو الإطار الذي يمكن أن نضع فيه كلام الماتريدي، وهو منسجم مع فكرته التي دعا إليها، وهي: مراعاة الحكمة من القول، دون النظر المجرد في الألفاظ.
هذا ما بدا لي من تفسير كلام الماتريدي والله أعلم.
ودمتم بخير.
 
لقد تبادر الى ذهنى معنى فاسدا لا اعتقد ان الامام الماتريدى قصده الا وهو : جواز قراءة وحفظ القران بالمعنى .. وهو أمر فى غاية الخطورة والفساد وهو ما جعلنى استشكل هذا الكلام ولو رجعت الى كلامه الذى نقلته لك غير مامور لشعرت بذالك

لكم منى الود والاحترام
 
ما فهمتموه من كلام الماتريدي رحمه الله غير وارد.

لأن القرآن متعبد بلفظه، وهذه قاعدة مقررة عند جميع أئمة الإسلام، ولم يقل أحد بجواز قراءة القرآن بالمعنى والتصرف فيه، والماتريدي يعلم هذا ولا شك، لكونه مما يعلم ضرورة في أصول الدين. وقوله الذي أشكل عليكم هو :" فهذا يدل أن ليس على الناس تكلف حفظ الالفاظ والحروف بلا تقديم ولا تأخير ولا تغيير بعد أن أصابوا المعنى المودع فيها"
فحديثه هنا حديث مرسل، لا يقصد به القرآن، بل يقصد به الاحتجاج بصنيع القرآن على جواز هذا الأمر، ولعل القاعدة الفقهية "العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني" يستند في تأصيلها إلى مثل ما قرره الماتريدي رحمه الله. فيكون تخريج القول على ما سبق النقل فيه من كلام الشاطبي رحمه الله. ويكون هذا هو الإطار الذي يندرج فيه كلام الماتريدي
والله أعلم.
 
بارك الله فيكم ونفعنا بكم

ولى عودة ان شاء الله تعالى ان لم يكن فى هذا ما يزعجكم
 
حياكم الله وبياكم. وباب المدارسة مفتوح لقاصديه. وأعانكم الله فيما أنتم بصدده من البحث.
 
عودة
أعلى