مختصرات التفاسير بين القبول والرفض.

إنضم
22/05/2010
المشاركات
381
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
مختصرات التفاسير بين القبول والرفض

الحمد لله وبعد .........................،

فإن المتابع للحركة العلمية في الآونة الأخيرة يجد أن طلبة العلم
والعلماء (في التفسير) وقفوا من المختصرات لكتب التفسير مواقف متعددة حسب مناهجهم ومشاربهم ولعلهم لا يخرجون عن هذه
الأقوال :
1ـ الرفض واعتبار أن هذه المختصرات مخلة بمقصود العلماء
المصنفين لهذه الكتب وأنها لا تراعي الأصول التي ارتضاها هؤلاء العلماء لأنفسهم بل وقد يصل أحيانا إلي حد التطاول !!
بدعوي التحقيق والمنهج العلمي وهلم جرا.........
2ـ القبول واعتبار أن هذه المختصرات يسرت علي الناس كثيرا
بل وعلي طلاب العلم أنفسهم وأن فيها مسايرة لبعض المناهج العلمية ! التي ظهرت أخيرا (في تنقية كتب التفسير من الدخيل!!!!
والإسرائيليات والموضوعات ,وهلم جرا.......................)
3 ـ وكالعادة ! المنهج الوسط الذي لم يقبل قبولا كاملا ولم يرفض رفضا تاما ..
والسؤال الآن ما هي ملامح هذا المنهج ؟ وما هي أقوم الطرق لاختصار التفاسير ؟ وهل كل تفسير يقبل الاختصار ؟
وهل يتساوي من اختصر تفسير الطبري كمن اختصر تفسير الرازي ؟!
وإذا رأي الإخوة أن يشاركوا في هذا الموضوع أضع بين
أيديهم النقاط الآتية :
1ـ قال العلامة الكبير ابن خلدون ـ رحمه الله ـ في المقدمة :
مامعناه : "ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها، ويدونون منها برنامجاً مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها، باختصار في الألفاظ، وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن، وصار ذلك مخلاً بالبلاغة، وعسراً على الفهم "
2ـ تاريخ اختصار التفاسير قديم فقد اختصر الإمام ابن زمنين
(ت : 399هـ) تفسير الإمام يحيي بن سلام (ت : 200هـ).
3ـ إن هذا البحث جدير بالعناية من حيث التاريخ ( تاريخ الاختصار في التفاسير) ، والضوابط المنهجية لاختصار التفاسير ، وتقويم بعض المختصرات.
4ـ هناك بحوث في نقد بعض المختصرات من جوانب علمية متعددة
(عقدية وفقهية وحديثية وغيرها ...) فهل هناك بحوث في نقدها من ناحية التخصص.
 
وجدت مشاركة للدكتور / محمد الفقيه ، وهذا نصها :

ظاهرة المختصرات في التراث الإسلامي

بقلم د. محمد الفقيه
"...مكان المختصرات الواضحة هو في بداية الطريق , ذلك حتى يؤسس نفسه تأسيسا صحيحاً , ثم ينصرف بعد ذلك للأمهات والمطولات فمن خلالها يتعلم الملكة ويتفق ذهنه للإبداع وكلما قرب من عهد السلف كانت أكثر بركة وتأثيراً , وإن كان عنده همة للحفظ فليصرفها للكتاب والسنة فهما أولى..."
لا يعتبر الاختصار في حد ذاته ممدوحا دائماً أو مذموما دائما , وإنما يمدح إذا حقق مقصد المتكلم , أما إذ1 قصر عن مقصد المتكلم فلا يكون ممدوحاً , وهو أحد القدرات الكلامية التي لا يتقنها كل أحد، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه بقوله : " أوتيت جوامع الكلم وخواتمه واختصر لي الكلام اختصارا" [أخرجه أبو يعلى في مسنده، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2864)] .

فكان صلى الله عليه وسلم يأتي بالألفاظ القليلة الجامعة لمعان كثيرة , وترى الحديث في كلمات معدودة وإن طال في بضعة أسطر ونادراً ما يتجاوز الصفحة الواحدة ثم تجد المعاني الغزيرة والفوائد الكبيرة المستقاة من الحديث الواحد. وقد كان الفصحاء يتبارون في الكلام المختصر الذي يسير على ألسنة الناس ويسهل حفظه وتداوله .

وحينما بدأ التأليف في العلوم الإسلامية كان نفس الاختصار حاضراً في أذهانهم وطرائق تأليفهم , وهذا الموطأ ألفه الإمام مالك ثم ما زال يختصر فيه ويهذب حتى استقر على حجمه المعروف بين أيدينا وقد كانت المصنفات في الحديث من أوائل ما صنف قبل أن تنفر من العلوم , كان المحدث يطوف أقطار الأرض لتتبع رواة الحديث وكتابة ما لديهم حتى تجتمع عنده أحاديث كثيرة , فإذا حط عصا الترحال في بلده أو بلد آخر يختاره , أخذ الأوراق الكثيرة التي جمعها أثناء رحلته الطويلة ولخصها ثم أخرجها في كتاب ينتفع به الناس , وهو يعلم أنه لو كتب ما اجتمع عنده لطال ذلك جداً وعسر على الطلاب تحصيله فضلاً عن دراسته , وتأمل في اسم صحيح البخاري " الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه " وكذا الترمذي " الجامع المختصر من السنن ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل " .

مع ما يذكر في تراجمهم من حفظ الواحد منهم لمآت الآلاف من الأحاديث إلا أنك ترى كتابه لا يتجاوز عشرة آلاف غالباً نتيجة للاختصار. ولم يأخذ الاختصار شكله الذي استقر عليه غالباً دفعة واحده بل تدرج شأنه شأن سائر فنون التصنيف في العلوم الإسلامية , ولذلك يصعب تأريخ ابتداءها تحديداً , بمن بدأت , وقد حدد ابتداءها الحجوي الثعالبي في القرن الرابع الهجري فقال : "إنه في القرن الرابع بدأت فكرة الاختصار والإكثار من جمع الفروع بدون أدلة , فبعد ما كانوا في القرن الثالث مصنفين مبتكرين كأسد بن الفرات و سحنون , وابنه , و البويطي , ومحمد بن الحسن , وأمثالهم , صار الحال في القرن الرابع إلى الشرح , ثم الاختصار والجمع , فانظر الفضل بن سلمه وابن أبي زمنين , وابن أبي زيد وال براذعي اختصروا " المدونة " في عصر متقارب , وهكذا نظراؤهم في عصرهم من المذاهب الأخرى كا لمزني حيث اختصر مذهب الشافعي , والاختصار لا يسلم صاحبه من آفة الإفساد والتحريف , فقد اعترض عبد الحق الاشبيلي مواضع من مختصر ابن أبي زيد القيرواني وال براذعي أفسدها الاختصار , وهكذا المزني اعترض عليه ابن سريج ... ولا يخفى أن الاشتغال بإصلاح ما فسد هو غير الاشتغال بالعلم نفسه , فالرزية كل الرزية في الاشتغال بالمختصرات" [الفكر السامي 2/ 146, 147].

ولعل هناك عدة عوامل ساهمت في ظهور المختصرات كفن من فنون التأليف وتطور الاهتمام بها حتى زاحمت المطولات في اهتمام العلماء وطلاب العلم حتى أصبحت مؤخراً العمدة في الدروس والطلب وحتى الفتوى . من هذه العوامل الحاجة التعليمية , فحينما يعاني العالم تدريس العلوم ويريد كتاباً يكون عليه مدار درسه خاصة لمن هم في مرحلة الطلب , يجد الصعوبة في التعامل مع المطولات , حيث يطول على المعلم والطالب تتبعه ويستوعب زمناً طويلاً في تدريسه , وكثير ما يكون المخاطب به شريحة العلماء , فلا يستطيع الطالب استيعاب معظمه , ويؤدي إلى تشتيته . فيستفيد إن استفاد معلومات ولا يستفيد علماً فيعمد العالم إلى وضع كتاب مدرسي يتوخى فيه الاختصار وتقريب المعلومة للتلميذ , بحيث إذا حفظه وفهمه كون لديه قاعدة تعليمية صلبة يستطيع أن يبني عليها ويتوسع من خلالها , وتكون معلوماته مركزة لا مشتته فيحصل للطالب التنقل في مدارج العلم حتى يصل للغاية المبتغاة .

ونرى هذا ماثلاً في كتب الموفق ابن قدامه المقدسي الحنبلي , حيث ألف أربعة كتب في المذهب الحنبلي راعى فيها التدرج من المختصر إلى المتوسط المذهبي إلى الموسوعة المقارنة ببقية المذاهب فألف العمدة ثم المقنع ثم الكافي ثم المغني , وكأن لكل كتاب من اسمه نصيب , يقول الموفق ابن قدامه في مقدمة العمدة
frown.gif
فهذا كتاب في الفقه اختصرته حسب الإمكان,واقتصرت فيه على قول واحد ليكون عمدة لقارئه , فلا يلتبس الصواب عليه باختلاف الوجوه والروايات) [العمدة مع شرح العمدة، ص 21] .

وأما (المقنع) فهو كتاب للمتوسطين أطلق في كثير من مسائله روايتين ليتدرب الطالب على ترجيح الروايات ,فيتربى فيه الميل إلى الدليل , ثم ( الكافي) وهو أوسع من المقنع فقد ذكر فيه الأدلة ليتأهل الطالب للعمل بالدليل , ثم كتابه الموسوعي (المغني) فقد أورد فيه المذاهب وأدلتها لتأهيل المشتغل به لدرجة الاجتهاد .فلم يكن الهدف عند المصنفين قديماً أن يكون المختصر هو النهاية إنما جعلوه مرحلة تأسيسية في الطلب حتى ينطلق الطالب بعد ذلك في العالم من قاعدة متينة , فالأساس المتين يؤهل الطالب لأن يكون متيناً في العلم , وعكسه الأساس المخلخل . ومنها ضعف الهمم المتتابع , فبعد ما كان هد ف الأوائل الإمامة رضي من بعدهم بمرتبة تلامذة الإمام ثم ما زالت الهمم في تناقص مما أقلق العلماء الكبار وجعلهم يتعاملون مع هذا الضعف بمصنفات متناسبة حتى لا يؤدي طول المصنفات إلى انصراف الناس عن العلم بالكلية.

يقول ابن الحاجب في مقدمة مختصره الشهير في أصول الفقه (مختصر المنتهى) : (فاني لما رأيت قصور الهمم عن الإكثار , وميلها إلى الإيجاز والاختصار صنفت مختصراً في أصول الفقه , ثم اختصرته على وجه بديع وسبيل منيع لا يصد اللبيب عن تعلمه صاد , ولا يرد الأديب عن تفهمه راد) [مختصر المنتهى مع شرحه رفع الحاجب 1/ 229] .ويصف ابن الجوزي حال تدهور الهمم في زمانه بكثير من الأسف فيقول : (كانت همم القدماء من العلماء علية, تدل عليها تصانيفهم التي هي زبدة أعمارهم إلا أن أكثر تصانيفهم دثرت لأن همم الطلاب ضعفت , فصاروا يطلبون المختصرات , ولا ينشطون للمطولات , ثم اقتصروا على ما يدرسون به من بعضها , فدثرت الكتب ولم تنسخ . فسبيل طلب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب التي قد تخلفت من المصنفات , فليكثر من المطالعة , فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره ويحرك عزيمته للجد , وما يخلو كتاب من فائدة وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم , لا نرى فيهم ذا همة عالية فيقتدي بها المبتدي , ولا صاحب ورع فيستفيد منه الزاهد , فالله الله عليكم بملاحظة سير السلف , ومطالعة تصانيفهم , وأخبارهم فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم) [صيد الخاطر ص 366] .ورحم الله ابن الجوزي كيف لو رأى زماننا .

ومنها أن يكون بطلب من الخلفاء والأمراء , فقد يحتاج إلى النظر في علم وتشغله مهام الخلافة والسياسة عن التفرغ للعلم فيطلب إلى أحد العلماء أن يضع له ملخصاً في ذلك العلم يجمع له مهماته حتى يحقق أقل قدر منه , وقد يطلبه لنشر هذه الكتب وتقريرها بين الناس عن طريقه . ويذكر الحموي أن الخليفة العباسي القادر بالله تقدم إلى أربعة من أئمة المسلمين في أيامه في المذاهب الأربعة أن يصنف كل واحد منهم مختصراً على مذهبه , فصنف له الماوردي (الإقناع) , وصنف له أبو الحسين القدوري مختصره المعروف بـ(الكتاب) على مذهب أبي حنيفة , وصنف له أبو محمد عبد الوهاب البغدادي مختصراً في المذهب المالكي وقدم له رابع مختصراً في مذهب الإمام أحمد لم يحضره اسمه , فعرضت على الخليفة , فخرج خادم الخليفة إلى الماوردي وقال له : يقول لك أمير المؤمنين : حفظ الله عليك دينك كما حفظت علينا ديننا [معجم الأدباء 15/54].

فكأن الخليفة رأى من حفظ الدين أن يطلب من أبرز عالم في كل مذهب أن يؤلف مختصراً في مذهبه ليحفظ به أصول ذلك المذهب وفيه حفظ للدين , وسبحان الله كان المختصر الذي كتب له القبول والانتشار منها هو مختصر القدوري .

ومنها شهرة الكتاب المراد اختصاره ومكانته في ذلك العلم , وقد تتابع اختصارات ذلك المختصر الذي يحظى بدوره بذيوع وانتشار ربما يفوق أصله . فالجميع يعلم مكانة كتاب (الأم) ومؤلفه في الفقه عموماً وفي المذاهب الشافعي على وجه الخصوص . وقد عمد إليه المزني تلميذ الشافعي فاختصره في مختصره الشهير جداً عند الشافعية فأكبو عليه حفظاً ودرساً وشرحاً حتى قيل : كان يوضع في جهاز العروس وقام بشرحه كبار علماء المذهب كالماوردي وأبي الطيب الطبري والجو يني وابن الصباغ وغيرهم , وكان من أعظم شروحه (نهاية المطلب في دراية المذهب) لإمام الحرمين الجو يني , وبلغ من مكانته أن سمي المذهب , وكأنه هو المذهب والمذهب هو , فأختصره تلميذه الغزالي في البسيط واختصر البسيط في الوسيط واختصر الوسيط في الوجيز وجاء الإمام الرافعي فشرح الوجيز في كتابه العظيم فتح العزيز الذي يعتبر النهاية في المذهب الشافعي واختصر الوجيز في المحرر وجاء النووي واختصر المحرر في المنهاج , وقد حظي المنهاج بشهرة عظيمة فاقت أصله فأكب عليه علماء الشافعية درساً وحفظاً وشرحاً واختصاراً وأصبح هو وشروحه العمدة في الدرس والفتوى , وممن اختصره زكريا الأنصاري في المنهج , فقيل اختصر الكتاب واسمه .

ومنها قلة ذات اليد لدى كثير من طلاب العلم فيختصر لهم الكتاب ليكونون اقدر على شرائه بالإضافة لندرة الورق والاعتماد على النساخ , فا الكتاب الكبير يستهلك أوراقا ً كثيرة وأوقاتاً طويلة في نسخه ويكون ثمنه باهظا , بعكس الكتاب الصغير .

ومنها مسايرة طبيعة الحركة العلمية , فقد يؤلف العالم المختصر لهذا الغرض فالطوفي مثلاً حينما اختصر(روضة الناظر) للموفق ابن قدامة في كتابه (البلبل) كان مجاراة للحركة العلمية مع أنه لم يكن مقتنعاً بأمور كثيرة في (الروضة) منها طريقته في الترتيب , ولكن لأن الحركة العلمية مهتمة بهذه النوع من التأليف اختصر كتاب (الروضة) لشهرته بين كتب الأصول عند الحنابلة [انظر مقدمة الشيخ عبد العال عطوة لشرح مختصر الروضة للطوفي 1/13].

ومنها إظهار البراعة في التأليف , ومعروف أن اختصار الكلام أصعب من الإسهاب فيه فيتبارى المؤلفون في وضع المختصرات القليلة الألفاظ الكثيرة المعاني وكلما كان أقدر على الاختصار نال هو ومختصره المكانة العالية , وعندما اختصر ابن الحاجب مختصرا الإحكام للآمدي في كتابه (منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل) تعجب العلماء وطلاب العلم من براعته الفائقة في الاختصار مع الاحتفاظ بالمعنى , فلما بلغه تعجبهم قال سأزيدهم عجباً , فاختصره في مختصره الشهير جداً في أصول الفقه المسمى (مختصر المنتهى) قال ابن كثير : وأصبح كتاب الناس شرقاً وغرباً وقد من الله علي بحفظه .وكان لتوقف الاجتهاد بما يسميه البعض قفل باب الاجتهاد وانتشار المذاهب وطغيانها وميل المتأخرين إلى المحافظة على علوم المتقدمين والمنافسة في ذلك وإغفال الإبداع أثر في وضع التأليف المختصرة التي تحفظ علوم السابقين .

وقد اختلفت المواقف حول المختصرات ومدى صلاحيتها في المناهج التعليمية وأثرها على التفكير سلباً أو إيجاباً .

فابن خلدون عابها بشدة في مقدمته فقال: (ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والإنحاء في العلوم يولعون بها ويدونون منها برنامجاً مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها باختصار في الألفاظ وحشو القليل منه بالمعاني الكثيرة في ذلك الفن , وصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسراً على الفهم , وربما عمدوا إلى الأمهات المطولة في الفنون للتفسير والبيان فاختصروها تقريباً للحفظ كما فعله ابن الحاجب في الفقه وأصول الفقه وابن مالك في العربية والخونجي في المنطق وأمثالهم وهو فساد في التعليم وفيه إخلال بالتحصيل , وذلك لأن فيه تخليطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه وهو لم يستعد لقبولها بعد وهو من سوء التعليم . كما أن فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ المختصرات تجدها لأجل ذلك صعبة عويصة , فيقطع في فهمها خطاً صالحا من الوقت, ثم بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات إذا تم على سداده ولم تعقبه آفة فهي فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة بكثرة ما يقع فيها من التكرار والإحالة المفيدين لحصول الملكة التامة , وإذا اقتصر على التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة , فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين فأركبوهم صعباً يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها) [مقدمة ابن خلدون ص 443] .ونجد ذم المختصرات كذلك في (المعيار المعرب 2/479) للونشريسي حيث يقول : (ولقد استباح الناس النقل من المختصرات الغريبة أربابها ونسبوا ظواهر ما فيها إلى أمهاتها . وقد نبه عبد الحق في تعقيب التهذيب على ما يمنع من ذلك لو كان من يسمع , وذيلت كتابه بمثل عدد مسائله أجمع , ثم تركوا الرواية فكثر التصحيف وانقطعت سلسلة الاتصال , فصارت الفتاوى تنفذ من كتب لا يدري ما زيد فيها مما نقص منها لعدم تصحيحها وقلة الكشف عنها ... ثم كان أهل هذه المائة عن حال من قبلهم من حفظ المختصرات وشق الشروح والأصول الكبار , فاقتصروا على حفظ ما قل لفظه ونزر خطه , وأفنوا أعمارهم في حل لغوزه وفهم رموزه ولم يصلوا إلى رد ما فيه إلى أصوله بالتصحيح , فضلاً عن معرفة الضعيف من ذلك والصحيح , بل هو حل مقفل , وفهم أمر مجمل , ومطالعة تقييدات زعموا أنها تستنهض النفوس , فبينا نحن نستكثر العدول عن كتب الأئمة إلى كتب الشيوخ , أبيحت لنا تقييدات الجهلة بل مسودات المسوخ) .وإذا أتينا لعصرنا وجدنا عدداً من العلماء والباحثين ذم المختصرات كأحمد أمين [انظر : صخر ألإسلام 4/214] ، والطاهر بن عاشور والشيخ علي الطنطاوي .

يقول الشيخ علي الطنطاوي في ذكرياته [2/43] : (وأثرت بعض المشايخ لما فقدت طريقتهم في الدعوة إليه وفي تلقين المتعلمين أحكام شريعته , وكانت في الحق أسوأ الطرق في التدريس في كتب ألفت على أسوأ الأساليب في التأليف , متن موجز إيجازاً مخلاً , كأن مؤلفه بخيل كلف بأن يرسله في برقية — إلى استراليا يغرم أجرتها من ماله , فهو يقتصد في الكلمات لتقل عليه النفقات وانظروا "جمع الجوامع" و "التحرير" في الأصول مثالاً على هذه المتون وقابلوا أسلوبه بأسلوب الغزالي في "المستصفى" كانت أكثر الكتب التي يعكفون عليها بعيدة عن البيان بعد الأرض عن السماء معقدة العبارة أعجمية السبك , وإن كانت عربية الكلمات , فيأتي من يوضح غامض المتن فيدخل جملة من عنده بين كل جملتين منه كما يرقعون اليوم الجلد المحروق من الآنسان بقطعة جلده السليم , فينتج الرتق أو يظهر الفتق وهذا هو الشرح . ويأتي من يضع لهذا الشرح حواشي وذيولاً يطوله فيها فيجمله أو يقبحه و يعطله , وهذه هي الحاشية) .
ويقول الطاهر ابن عاشور: (فكان سائر الناس ينظر إلى تأليف المشرق نظر المشوق ويتهافتون لتحصيلها , ولكن نشأتهم من ذلك ولع بحب الاختصار وبكثرة فخرجوا من جادة العلم إلى مناقشات اللفظ والتعقيدات , ومن العجب أن صار المؤلف يصرف جهده إلى أن تكون عباراته مضبوطة جارية على الصواب , لكنها غير واضحة في مراده , فكأنه يقتنع بكونها مؤدية للمراد في ذاتها بقطع النظر عن عسر استفادة مطالعها ذلك منها .

ويضيف : نشأت عقدة اللسان واستتار المسائل تحت الألفاظ واشتغال المؤلفين عن النقد والعناية باختزال حرف أو نقص كلمة كما فعل خليل , وابن ألسبكي , والمحلي , والخونجي , حتى صار الكاتبون ينتقدون صاحب الاختصار في بعض التراكيب بأنه لو قال كذا لكان أخصر فضعفت الأفهام , وتهيأت لشرح تلك المغلفات , وإضاعة بقية الأوقات , والخصومة في معاني الكلمات , هل تدل على ما قصده المؤلف أولا , فمن قائل نعم , ومن معترض بلا ومن ناقد للاعتراض ومنتصر , وبعد طول الزمان صرفت الأذهان عن الفائدة ونسي المؤلفون خطتهم فأصبحت لا ترى التأليف إلا مناقشات وخصومات في الألفاظ والعبارات , وفي ذلك يضيع عمر الطالب ويخور فكره , ويصبح رجلاً قادراً على المكابرة واللجاج بغير حجاج , فماذا بقي للعلماء من مجدهم القديم , انحصرت دائرة التأليف في نقل ما قاله المتقدمون , ترى تأليفاً يظهر بعد آخر , ولا تجد شيئاً جديداً أو رأياً أو تمحيصاً) [أليس الصبح بقريب ص 165, 167] .

ومن خلال النقولات السابقة نستطيع ارجاع نقدهم للمختصرات لعدة أسباب :• إخلال المختصرات بالبلاغة والتضحية باللفظة الفصيحة أو الجملة البلاغية لأجل الاختصار .

• فيها تخليط على المبتدي بتقديم نهايات العلم عليه قبل مقدماته , مع أن مرتبتها في نهاية الطلب لا في ابتدائه .

• أنها تنقل المتعلم من مسائل العلم الحقيقية التي لأجلها وجد إلى تتبع ألفاظ المختصرات , فتأخذ وقتاً طويلاً لفهمها أولاً وينشغل بإشكالاتها التي لا تنتهي ولا فائدة منها ثانياً .

• أن طريقة تعلم المختصرات تعتمد على التكرار حتى يرسخ المختصر في الذاكرة وهذا يؤدي لضعف الملكة وضمور الإبداع لديه .

• أنها تشغل عن الأمهات والكتب المطولات فيقتصر عليها في الدرس والفتوى وغير ذلك مما يحتاج إليه في ذلك العلم حتى تنسى المطولات والأمهات تماماً .
أما اتهام المختصرات ببعدها عن الفصاحة والبلاغة فهذا واضح في كثير منها فالمختصر همه اللفظ القليل الجامع لمعان كثيرة ولا يقتصر على هذا بل إذا احتمل الكلام منطوقاً ومفهوماً قدمه , وهذا مختصر خليل الشهير في الفقه المالكي يقال: فيه مائة ألف مسألة منطوقة ومثلها مفهومة , ولعل عذر مؤلف المختصر أن أساليب العلم وألفاظه تختلف عن أساليب العرب وعباراتهم الفصيحة , فلو أراد أن يركب كلاماًٍ علمياً بعبارات فصيحة وجمل بليغة لأدى ذلك أن يضحي بأحدهما إما بالعلم أو بالبلاغة وألفاظ العلم وأساليبه أبعد ما تكون عن البلاغة فهي تخاطب العقل بعكس الأساليب البلاغية التي تخاطب الروح والوجدان .

ولذلك عيب على البعض استعمال الألفاظ العلمية في الشعر حتى قيل فيها من باب التنقص منها "شعر فقهاء" يقول ابن خلدون : "أخبرني صاحبنا الفاضل أبو القاسم ابن رضوان كاتب العلاقة بالدولة المرينية , قال : ذاكرت يوماً صاحبنا أبا العباس ابن شعيب كاتب السلطان أبي الحسن وكان المقدم في البصر باللسان لعهده فأنشدت مطلع قصيدة ابن النحوي ولم أنسبها له , وهو هذالم أدر حين وقفت بالاطلال مالفرق بين جديدها والباليفقال لي على البديهة : هذا شعر فقيه , فقلت له : ومن أين ذلك ؟ قال : من قوله : ما الفرق, إذ هي من عبارات الفقهاء وليست من أساليب كلام العرب .

فقلت له : لله أبوك إنه ابن النحوي , وأما الكتاب والشعراء فليسوا كذلك لتخيرهم في محفوظهم ومخالطتهم كلام العرب وأساليبهم في الترسل وانتقائهم الجيد من الكلام" .

ويضيف : "ذاكرت يوماً صاحبنا أبا عبد الله بن الخطيب وزيرا لملوك بالأندلس من بني الأحمر وكان الصدر المقدم في الشعر والكتابة , فقلت له : أجد استصعاباً علي في نظم الشعر متى رمته مع بصري به وحفظي للجيد من الكلام من القرآن والحديث وفنون من كلام العرب وإن كان محفوظي قليلاً , وإنما أوتيت والله أعلم من قبل ما حصل في حفظي من الأشعار العلمية والقوانين التأليفية , فإني حفظت قصيدتي الشاطبي الكبرى والصغرى في القراءات , وتدارست كتابي ابن الحاجب في الفقه والأصول وجمل الخونجي في المنطق وبعض كتاب التسهيل وكثيراً من قوانين التعليم في المجالس فامتلأ محفوظي من ذلك وخدش في وجه الملكة التي استعددت لها بالمحفوظ الجيد من القرآن والحديث وكلام العرب , فعاق القريحة عن بلوغها , فنظر إلى ساعة معجباً ثم قال : لله أنت , وهل يقول هذا إلا مثلك" [المقدمة 480] .على أن هذا ليس على إطلاقه والمسألة ترجع إلى الملكة والقدرة على إنشاء كلام تحقق فيه سمات البلاغة كما أن من الفقهاء من استطاع الفصل بين كتابته في الشعر وباقي الفنون الأدبية وكتابته في أبواب العلم, وإن ساعده الكتاب المبسوط على استعمال البلاغة لم يساعده الكتاب المختصر. [انظر في ذلك أدب الفقهاء لعبد الله كنون].

أما تخليطها على المبتدئ حيث تلقي عليه غايات العلوم وهو لم يستعد لها فهذا ليس على إطلاقه ولا أظن غاية العلم إلا في القدرة على الاستدلال والنظر وهذا ما تسعفنا به المطولات ولا نستطيع أن نعطي المختصرات حكماً واحداً فهذا إمام الحرمين الجويني ألف مختصراً صغيراً جداً في أصول الفقه " الورقات " اقتصر فيه على التعريفات والمهم جداً في أصول الفقه وراعي فيه وضع الطالب المبتدئ حتى أنه تخلى عن تحقيق المسألة أو تقييدها حتى يفهم الطالب ما المسألة وحتى إن شراحه كثيراً ما يأخذون عليه إطلاقه وعدم تقييده أو خلطه وهذا لا يفوت عالماً محققاً كالجويني ولكن كان قصده فتح الباب أمام المبتدي ليتعرف شيئاً فشيئاً على أصول الفقه .

ولعل قصد ابن خلدون أن بعض المختصرات تلقي ثمرة الفكرة بدون مقدماتها واستدلالاتها التي يحتاجها الطالب قبل أن يصل إليها وهذا حق من هذه الناحية أما كونها تقضي على الملكة فهذا حقيقة والواقع العلمي لكثير من حفاظ المختصرات يشهد بهذا حيث يقوم بحفظ عدد من المختصرات ما بين منظوم ومنثور يقضي ربيع عمره وزهرة شبابه وتفتح طاقات عقله فيها فماذا بقي لشحذ الملكة وتنمية الإبداع ,ومن العجائب أن يوصي الطالب عند حفظ المختصرات أن يغلق باب الفهم والتفكير ويحفظ المعلومة كما هي فيحرم نفسه من أقل درجات التفكير وهو فهم المعلومة فماذا ترجي منه بعد ذلك , ويوصي بالإقلال من الحفظ والتكرار حتى يستقر في ذهنه فإذا كانت بعض المنظومات تتجاوز ألف بيت , ويوصي مثلاً لا يزيد عن حفظ بيتين في اليوم , ويتعين عليه أن يحفظ عدداً من المختصرات فكم سنة يحتاج حتى ينهيها , ثم يحتاج بعد ذلك لتكرارها بكثرة بين فترة وأخرى حتى لا ينساها فتصبح مشروعه العلمي الأوحد طوال عمره , فينصرف عن تنمية الإبداع وتكوين الملكة لديه , بل قد تموت كلية بسبب تعويد العقل على الحفظ وتمرينه على تلقي المعلومة بدون حتى أقل درجات التفكير وهو محاولة فهمها , وحتى يريحوا الطالب من عناء التفكير ويصرفوا همه إلى الحفظ كلية وضعوا له في كل فن مختصراً يحفظه ويستغني عن التفكير فيه , فطالما امتلك مختصراً في ذلك الفن فقد امتلكه من ناحيته ويكفي في رأيه أن يرد على أي استفسار ب" قال الناظم " ويردها من حفظه , وقد تربى عنده وهم أنه إذا ألقى محفوظه فهو يكفي حجة وبرهاناً وترى قيمة العالم تعلو أو تصغر لديهم بقدر محفوظاته , ولا يعترف بأحد مهما بلغ من العلم ما لم يكن لديه مستودعاً من المحفوظات يعرضه متى شاء كأحد محركات البحث السريعة , ولكن لو عرض عليه إشكال ليس في محفوظه لوجده عاجزا عن التعامل معه , فترى البعض مثلاً يحفظ ألفية ابن مالك الشهيرة في النحو ويحفظ أو يستظهر شروحها , وتراه في الدرس آية في عرض الأقوال والشواهد وغيرها ولكن لو عرضت له مسألة إعرابية لم تكن من محفوظه تراه يقف عاجزاً عنها لا يجد كيف يتعامل معها.

ومن المضحكات ما حصل في أحد البرامج الفضائية حيث كان الضيف أحد أساطين المختصرات , وكان المضيف يلقي له إشكالات يبثها الخصوم حول الإسلام , فكان يرد في كل ثقة على الإشكال : كيف وقد قال الناظم ويرد ما تجود به ذاكرته من محفوظات تتعلق بالموضوع، ويرى كأنه قد حل الإشكال بل وقضى عليه بما قال الناظم , والحافظ للكتاب من غير أن يفهمه لا يزيد أن يكون نسخة زائدة تسير على قدمين .وأما كون الاشتغال بالمختصرات يؤدي لانشغال الطالب بألفاظ المختصر أكثر من انشغاله بمسائل العلم ذاتها فهو صحيح إلى حد كبير جداً , وخاصة إذ أتبع المختصر بالاشتغال بالشروح والحواشي والتقريرات , وجلها منصب على ألفاظ المختصر , فتجد مثلاً في الشروح : لو قال كذا لكان أخصر , لو اختار التعريف الفلاني لكان أدق ، لم يتحرز في تعريفه ، أطلق في المسألة الفلانية , وهكذا , فيأتي المحشي فيعقب على الشارح كما عقب الشارح على المختصر , وكلها إشغال بالألفاظ أكثر من إشغالها بالمعاني , مما يتسبب في إرهاق الطالب وكد ذهنه بإشكالات قد لا تعود بفائدة ملموسة لذات العلم .

وعلاقة المختصرات بالحفظ غالبا لا بالفهم ،والفهم يأتي تبعاً للحفظ , لذلك يوصي الطالب عند حفظه للمختصر أن يتعاطى ألفاظه بدون فهم حتى يستطيع ضبط المتن .

وبعد هذا هل المختصرات عديمة الفائدة بل وضارة بالعلم والتحصيل كما يقول البعض أم هي الأساس الذي يحرم العلم من تجاوزه .

الحقيقة الحكم على المختصرات كان مبنياً على استقراء ناقص للشخصيات العلمية , فحينما يعلي البعض من شأن المختصرات وحفظها ويردد دوماً " احفظ فكل حافظ إمام " وكأن الإمامة والتقدم في العلم لا تأتي إلا بكثرة المحفوظ وكأن الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد في الفقه وسيبويه والكسائي في النحو مثلاً لم يتقدموا إلا بمحفوظا تهم ولولاها ما كانوا أئمة , وفي هذا مغالطة كبيرة , فإمامتهم ناتجة عن إفهامهم لا عن محفوظا تهم وإلا فقد عاصرهم وجاء من بعدهم من يزيد عنهم حفظاً . وقد قال أحدهم : ما يحفظه الشافعي زكاة حفظي أي لا يتجاوز خمسة بالمائة مما يحفظ , ومع ذلك أين مكانه من الشافعي , وهذا أبو حنيفة لم يعرف بكثرة محفوظا ته .

ومع ذلك نال الإمامة في الفقه حتى قال ابن سريج الشافعي لرجل بلغه أنه يقع في أبي حنيفة : يا هذا أتقع في رجل سلم له جميع الأمة ثلاثة أرباع العلم وهو لا يسلم لهم الربع , قال: وكيف ذلك ؟ قال : الفقه سؤال وجواب , وهو الذي وضع الأسئلة فسلم له نصف العلم , ثم أجاب عن الكل وخصومه لا يقولون إنه أخطأ في الكل , فإذا جعلت ما وافقوه مقابلاً بما خالفوه فيه سلم له ثلاثة أرباع العلم وبقي الربع بينه وبين سائر الناس [انظر : المبسوط 1/3] .

وربما أوقعهم في هذا الوهم ما يسمعون عن سعة محفوظات بعض الأئمة والعلماء الكبار . فيظنون أنها سبب رئيس في إبداعهم , فقوة حافظة هؤلاء جزء من قوتهم العقلية وربما تكون العبارة أقوم لو قيل : كل إمام حافظ .وحينما ينتقص البعض الآخر من شأن المختصرات ما يراه من نماذج قدمت صوره سيئة عن المختصرات وحفاظها , حيث ترى الواحد لا يستطيع أن يتجاوز المختصرات التي حفظها حتى في نفس التخصص , وما فائدة التعلم إن لم يمنح صاحبه قدرة على التعامل مع المعلومة وحل الإشكالات الواردة .

ولكن إذا كنا ننتقد المختصرات وحفاظها ورأينا السلبيات العديدة لهذه الطريقة , يا ترى هل قدمنا البديل المناسب ؟ ثم ما هي مخرجات هذا البديل هل أخرجت لنا فقهاء ومفكرين وباحثين على مستويات العلمية والبحثية ؟؟

الواقع أن بعض الجامعات استبدلت المختصرات وشروحها بالمذكرات وقد يقوم بصناعة المذكرة من لا إلمام له بذلك العلم , ثم يطلب من الطالب أن يتعامل مع المذكرة كما كان يتعامل مع المختصر يحفظها لأجل الاختبار , ثم تتبخر من ذاكرته بعد ذلك , ولو خبرته بعد ذلك لما رأيت عليه من اثر العلم إلا القليل ان وجد , وكل الذين برعوا من خريجي الجامعات إنما برعوا بجهودهم الذاتية لا بواسطة المذكرات والمناهج التي درسوا عليها , وانظر إلى مناهج البحث وإلى الأبحاث التي تقدم في أغلب جامعاتنا , إن مناهج البحث لا تعلم كيف يتعامل الباحث مع المعلومات والأفكار , إنما تعلمه الطريقة الشكلية التي يتم بها البحث حيث يتم تقسيم البحث وتجزئته تجزئة منكرة لا تعرف بعدها لماذا كتب وما هدف الكاتب من بحثه وما الفكرة التي يريد توصيلها للقارئ , ولذلك نادراً ما تظفر برسالة جامعية تروي الغليل في موضوعها وأكثر ما تشترى إما لبريق عنوانها أو لكونها خزانة جمعت الأقوال والأدلة في ذلك الموضوع, فتريح الباحثين من عناء البحث عنها .

وتعال إلى أكثر كتب الفكر والثقافة التي بين أيدينا تجد الكتاب يملأ الصفحات الطوال وتستطيع أن تختزل أفكاره في أسطر قليلة وفوق هذا لا وضوح في المعنى ولا بلاغة في اللفظ إلا ما ندر منها. فلا ينبغي أن نقتات على رفضنا للمختصرات ومحاربة المناهج القديمة في التعليم فإذا جئنا للبديل وجدنا المختصرات والطرق القديمة تقدم ما هو أفضل منه , والأهم دائما هو المخرجات , الثمرة , وكم من أناس يغطون ضعف فكرتهم بغطاء نقد الأفكار الأخرى فتتيه الرؤيا عن نقاط ضعفهم تحت غبار النقد الكثيف الذي يثيرونه حتى يشعروا الآخرين بالضعف وعدم الثقة بالنفس , ويبقون هم في المقدمة دائما ماذا قدموا ما هي مخرجاتهم ؟ هذا ينسي ويضيع في غمار النقد و الإحساس بالضآلة أمام هذا المنتقد , ولذلك ما لم نتعامل في حكمنا على أفكار الآخرين بمخرجاتهم سنبقى في دائرة النقد المزيف .وربما أحس البعض ممن احتقر المختصرات وحفظها بعد زمن أنه وإن كان قد درس في ذلك الاختصاص وقدم فيه عدداً من البحوث وربما كانت له فيه آراء مستقلة معترف بها من أرباب ذلك الاختصاص , إلا انه عند التدريس يعاني دائما ما لم يعد لكل درس عدته , ولا يستطيع إلغاء درس أو محاضرة ما لم تكن أوراقه وكتبه حاضرة أمامه , وربما ملأ الوقت بحشو كلام بعيد كل البعد عن ذلك العلم , وهي ظاهرة في الندوات والمحاضرات إلا ما قل منها , حيث يكثر المحاضر من الكلام من هنا وهناك ويخرج المستمع خالي الوفاض لم يستفد من هذا الكلام شيئاً .

وربما أصابته الهزيمة النفسية حينما يجد أحد الحفاظ الذين كان يسخر منهم يسرد كلامه في الدرس أو المحاضرة أو غيرها بكل ثقة ولو دعي للكلام ما احتاج إلى وقت لتحضيره , ولذلك عاد البعض على كبر لحفظ المتون بطريقة أصحابها , مع أن أعمارهم لا تسمح بذلك , وربما لن يستفيدوا إلا مزيد من ضياع الوقت , ولكن هذا نتيجة للمبالغة في نقد الفكرة , فالذي يبالغ في نقد شيء قد يتبناه لا حقاً , كذلك النقد بلا منهجية , النقد لمجرد النقد .

وأظن أن الخطأ يكمن في التعامل مع المختصرات من ناحيتين في التوسع في تأليفها مع أن الحاجة فيها للمبتدئين , والجهد المبذول في التأليف لو انصرف في غيرها لكان أولى . والمبالغة في أهميتها حتى أن لم يعرف بحفظ لا قيمة له ولا يكون معدوداً من العلماء .
مكان المختصرات الواضحة هو في بداية الطريق , ذلك حتى يؤسس نفسه تأسيسا صحيحاً , ثم ينصرف بعد ذلك للأمهات والمطولات فمن خلالها يتعلم الملكة ويتفق ذهنه للإبداع وكلما قرب من عهد السلف كانت أكثر بركة وتأثيراً , وإن كان عنده همة للحفظ فليصرفها للكتاب والسنة فهما أولى .
 
عودة
أعلى