بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
تمهيد:
منذ ألَّف أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الأندلسي (654هـ - 745هـ) تفسيره العظيم: "البحر المحيط"، وهذا التفسير طلبة الطلاب والعلماء، خصوصا في مباحثه النحوية واللغوية والبلاغية التي أهلته لاحتلال الصدارة بين التفاسير اللغوية. ومن مظاهر الاهتمام بهذه المباحث اللغوية أن تلاميذ أبي حيان ومعاصريه بدؤوا في حياته يفردون هذه المباحث في كتب مستقلة ويعلقون عليها موافقين أو مخالفين؛ فجرد ثلاثة من أصحاب أبي حيان، المباحث النحوية من "البحر المحيط"؛ كأنما استشعروا أن أبا حيان إنما أبدع في هذا الجانب، وأما في مباحثه الأخرى فهو كسائر المفسرين. ولن نستغرب هذا إذا تذكرنا أن أبا حيان - حسب عبارة الصفدي (في ترجمته في أعيان العصر وأعوان النصر) -: "كان أمير المؤمنين في النحو" "وعلى الجملة فكان إمام النحاة في عصره شرقا وغربا، وفريد هذا الفن الفذ بعدا وقربا، (..) خدم هذا العلم مدة تقارب الثمانين، وسلك من غرائبه وغوامضه طرقا متشعبة الأفانين". وإذا كان أبو حيان في "البحر المحيط" قد أكثر من مناقشة أبي البقاء العكبري وابن عطية والزمخشري، فإن أصحاب أبي حيان قد اتبعوا المنهج نفسه مع شيخهم، فناقشوه كما ناقش هو سلفه من المعربين.
مختصرات "البحر المحيط":
1 - النهر الماد من البحر:
لأبي حيان نفسه، لكنه خالف سائر المختصرين في أنه لم يقتصر في هذا الاختصار على المباحث النحوية، لكنه مع ذلك أشار إلى أنه يوليها اهتماما خاصا، كما يقول في مقدمته عن منهجه (النهر الماد من البحر: 1/4 – 12): "وبعد فإني لما صنفت كتابي الكبير، المسمى بـ"البحر المحيط" في علم التفسير، عجز عن قطعه لطوله السابح، وتفلت له عن اقتناصه البارح منه والسانح، فأجريت منه نهرا تجري عيونه، وتلتقي بأبكاره فيه عونه، لينشط الكسلان في اجتلاء جماله، ويرتوي الظمآن بارتشاف زلاله، وربما نشأ في هذا النهر، ما لم يكن في البحر، وذلك لتجدد نظر المستخرج للآليه، المبتهج بالفكرة في معانيه ومعاليه، وما أخليته من أكثر ما تضمنه البحر من نقوده، بل اقتصرت على يواقيت عقوده، ونكبت فيه عن ذكر ما في البحر من أقوال اضطربت بها لججه، وإعراب متكلف تقاصرت عنه حججه، وتفكيك أجزاء يخرج بها الكلام عن براعته، ويتجرد من فاخر بلاغته ونصاعته، وهذا النهر مده من بحر ليس له جزر، فيعسر ورده على من حظه من النحو نزر، لأن إدراك عويص المعاني، مرتب على تقدم معرفة المباني".
2 - الدر اللقيط من البحر المحيط:
للإمام أبي محمد تاج الدين أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي الحنفي النحوي (682 – 749هـ)، وهو من أصحاب أبي حيان، وقد ألف هذا الكتاب في حياة أبي حيان. يقول في مقدمته عن منهجه (الدر اللقيط: 1/ 4 - 11): "وبعد فهذا كتاب يشتمل على ذكر ما في كتاب شيخنا الأستاذ العالم الحافظ أبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الأندلسي نزيل القاهرة، أيده الله، في تفسير القرآن المسمى بـ"البحر المحيط"، من الكلام مع الإمام العلامة جار الله أبي القاسم محمود بن عمر بن محمود الزمخشري، والقاضي المفسر العالم أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي، رحمهم الله، والرد عليهما في ما ذكراه في كتابيهما في التفسير، والتنبيه على خطئهما في الأحكام الإعرابية، وتقرير ذلك أحسن تقرير، جردته منه لنفسي، وجعلته عمدة عند الوحشة لأنسي، إذ كان نخبة ما فيه، وزبدة ما يتضمنه من المعاني الشريفة ويحويه، وإن كانت فرائده تزهو على الزهر، وفوائده تزيد على عدد نقط القطر، وربما ذكرت فيه من فوائد الكتاب المذكور غير ذلك من ما يعم به النفع ويثلج الصدر". وإن كان ابن مكتوم قد يخرج عن "البحر المحيط" ويأتي بزيادات من عنده، كما يقول الصفدي (في ترجمة ابن مكتوم من أعيان العصر وأعوان النصر): "وملكت بخطه "الدر اللقيط من البحر المحيط" وهو في مجلدين، التقطه من تفسير شيخنا أثير الدين، وتكلم هو في بعض الأماكن وليس بكثر بعض شيء، فجاء كتابا جيدا".
3 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون:
للإمام شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بالسمين، (ت: 756هـ) وهو من أصحاب أبي حيان، وقد ألف هذا الكتاب في حياة أبي حيان أيضا، وقد تأثر فيه تأثرا بالغا بشيخه (انظر: الدر المصون (الدراسة) 1/79 - 80)، حتى قطع بعضهم بأن "الدر" هو تلخيص لـ"لبحر" مع زيادات، كما يقول التنبكتي (نيل الابتهاج: 43): "وتأليفه في إعراب القرآن في أربعة أسفار كبار لخصه من تفسير أبي حيان وزاده أشياء"، ويقول الإمام محمد الأمير (حاشية الأمير على المغني: 2/42): "أي: لخص كل منهما إعرابا [يعني: من "البحر المحيط"]، وهما الصفاقسي وشهاب الدين الحلبي المعروف بالسمين". ومن الدليل على أن "الدر" هو اختصار لـ"لبحر" أن السمين تبع أبا حيان في سهوه في مسألة "زبرا". كما سيأتي. لكن السمين لم يقتصر على الاختصار وإنما أكثر من مناقشة أبي حيان (انظر: الدر المصون (الدراسة): 1/81 - 96)، كما يقول ابن حجر (في ترجمة السمين في الدرر الكامنة: 1/55): "وله تفسير القرآن في عشرين مجلدة رأيته بخطه، والإعراب سماه: "الدر المصون"، في ثلاثة أسفار بخطه، صنفه في حياة شيخه وناقشه فيه مناقشات كثيرة، غالبها جيدة".
ولم يذكر محققو "البحر المحيط" (ط. دار الكتب العلمية: 1/93) "الدر المصون" بين اختصارات "البحر المحيط".
4 – إعراب القرآن الكريم:
للإمام برهان الدين إبراهيم بن محمد القيسي الصفاقسي (ت: 742هـ): وهو من أصحاب أبي حيان، وقد ألف هذا الكتاب في حياة أبي حيان أيضا، وهو أكثر اختصارا من "الدر المصون" (انظر: نيل الابتهاج: 43). ويتميز هذا الكتاب عن المختصرين السابقين بأن الإمام أبا حيان لم يرض عنه، بل انتقده انتقادا لاذعا، كما يروي الإمام أبو زكرياء السراج في فهرسه، عن الإمام منديل بن أبي عبد الله محمد بن آجروم الصنهاجي، أنه لقي أبا حيان فأملى عليه ما يلي: (نيل الابتهاج: 613 - 614): "يعلم واقفه أن شخصا يسمى إبراهيم الصفاقسي، وقف على نسخة سقيمة غاية [كذا] الرداءة والتصحيف والتحريف من كتابي "البحر المحيط"؛ فنقل منه مسائل في كتب [كذا] جمعه من الإعراب، وغيَّرَه، وزاد من كلام أبي البقاء، وإنما ذكر كلامي ليروج به كتابه، وأنا بريء من عهدة ما نقل عني؛ إذ لم ينقل كلامي بلفظه ولم ينتقه، وليس بأهل لفهم كلامي لضعفه جدا في العربية، مشتغل [كذا] بفروع مذهب مالك وشيء من أصول الفقه، مع صغر السن وعدم الأصيل [كذا] ومنشإ يعرفه من يعرفه، وقد عاتبته على ذلك".
وقد نقل الإمام ابن غازي كلام أبي حيان بالمعنى وجعل راويه هو أبا عبد الله بن آجروم لا ولده منديل، كما يقول: (نيل الابتهاج: 42 – 43): "ولما حج الأستاذ الأكبر أبو عبد الله بن آجروم الفاسي استجاز أبا حيان فأجازه، وكان من من أدرج في إجازته تعريفا لأهل الغرب، وقال: "إن فتى يقال له إبراهيم الصفاقسي لا يحسن النظر في العربية، وإنما يحسن شيئا من فقه مذهب مالك، قد تسور على ديواني "البحر المحيط"؛ فسلخ ما فيه من الإعراب بغير إذني وقولني فيه ما أقل، فإني بريء منه. أو ما هذا معناه".
وقد علق التنبكتي على خلط ابن غازي بين منديل وأبيه هنا بقوله (نيل الابتهاج: 614): "قلت: وتقدمت هذه الحكاية في ترجمة الصفاقسي عن أبي المترجم به هنا، وما هنا هو الصواب".
ثم علق ابن غازي على انتقاد أبي حيان لاختصار الصفاقسي لـ"لبحر المحيط"، بأن المغاربة لم يقتنعوا به، بل تقبلوا اختصار الصفاقسي بقبول حسن (نيل الابتهاج: 614): "ومع هذا فقد أعطاه الغرب [كذا] الأذن الصماء، وأكبوا على تصنيف الصفاقسي:
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا=ما لم يروا عنده آثار إحسان".
ويقول ابن غازي أيضا في كتابه: "المطلب الكلي في محادثة الإمام القلي" (نيل الابتهاج: 42): "ولقد كان شيخنا شيخ الجماعة الإمام الأستاذ أبو عبد الله الكبير يثني كثيرا على فهم الصفاقسي ويراه مصيبا في أكثر تعقباته وانتقاداته لأبي حيان". ويقول ابن مرزوق في الثناء على هذا الكتاب (نيل الابتهاج: 42): "سمعت من لفظه كتابه الذي أعرب فيه وأغرب في إعراب القرآن، وتحدث فيه مع شيخنا أبي حيان في أبحاثه". ويقول ابن فرحون في الثناء عليه (الديباج المذهب: 92): "وهو من أجل كتب الأعاريب وأكثرها فائدة".
ولم يذكر محققو "البحر المحيط" (ط. الكتب العلمية: 1/93) اختصار الصفاقسي بين اختصارات "البحر المحيط".
5 – المحاكمات أبي حيان والزمخشري:
للإمام أبي زكرياء يحيى بن محمد بن محمد بن عبد الله، الشاوي الملياني الجزائري (1030 - 1096هـ) نزيل مصر، يقول في مقدمته عن منهجه: "وبعد: فالكتاب قصدت فيه جمع اعتراضات الإمام ذي البيان، المشتهر بأبي حيان، على ابن عطية ومحمود الزمخشري، والتكلم معه بما يظهر للقريب والبعيد، وأسأل الله في ذلك التسديد". (انظر: الأعلام للزركلي: 8/169، والبحر المحيط ط. دار الكتب العلمية (الدراسة): 1/93).
وهكذا لم تقتصر الاختصارات النحوية لـ"لبحر المحيط" على تلاميذ أبي حيان؛ فهذا أحد المتأخرين يختصره اختصارا نحويا أيضا.
مختصران يتبعان أبا حيان في سهوه:
قال الإمام ابن هشام (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: 2/48): "وحصل للإمام فخر الدين في تفسير هذه الآية [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم] سهو؛ فإنه سأل: "ما الحكمة في تقديم "من دونكم" على "بطانة"؟ وأجاب بأن محط النهي هو "من دونكم" لا "بطانة"؛ فلذلك قدم الأهم. وليست التلاوة كما ذكر. ونظير هذا أن أبا حيان فسر في سورة الأنبياء كلمة "زبرا" بعد قوله تعالى: "وتقطعوا أمرهم بينهم"، وإنما هي في سورة المؤمنون، وترك تفسيرها هناك. وتبعه على هذا السهو رجلان لخصا من تفسيره إعرابا".
فمن هما هذان الرجلان اللذان اختصرا "البحر المحيط" وتبعا أبا حيان على هذا السهو؟
أبهم ابن هشام الرجلين، ولم يشأ أن يحددهما لنا؛ فأثار ذلك إشكالا لدى طلاب العلم والشيوخ؛ قال الإمام التنبكتي (نيل الابتهاج: 43): "وذكر الشيخ أبو عبد الله الرصاع التونسي في كلامه على آيات المغني أن الطلبة كثيرا ما يسألون عن ثاني الرجلين المذكورين، وأنه سأل عنه بعض شيوخه فلم يجبه".
واختلفت الآراء في تحديد المقصود بهذين الرجلين. مع ملاحظة أن ابن هشام نفسه (ت: 761هـ) من أصحاب أبي حيان أيضا، فهو لا شك يعني بالرجلين بعض زملائه أصحاب أبي حيان.
فالإمام ابن فرحون – وقد عاش في عصر أبي حيان وأصحابه (ت: 799هـ) - يرى أن إبراهيم الصفاقسي لم ينفرد بتأليف "إعراب القرآن"، بل شاركه في تأليفه أخوه القاضي شمس الدين محمد؛ وعليه فيكون الكتاب من تأليف شخصين، كما يقول ابن فرحون (الديباج المذهب: 92): "ومن تآليفهما "إعراب القرآن الكريم" وهو من أجل كتب الأعاريب وأكثرها فائدة جرده من "البحر المحيط". وتبعه محمد بن محمد مخلوف الذي يقول عن مؤلفات الصفاقسي (شجرة النور الزكية: 209): "وإعراب القرآن مشهور له وأخيه الشمس محمد".
فإذا كان "إعراب القرآن الكريم" من تأليف الأخوين الصفاقسيين، صح أن يكونا هما المقصودين بـ"الرجلين" في كلام ابن هشام. وهذا الرأي هو ما أخذ به الإمام ابن غازي؛ فهو يوافق ابن فرحون في نسبة الكتاب إلى الرجلين، بل صرح بأنهما هما المقصودان بكلام ابن هشام، كما يقول في كتابه: "المطلب الكلي في محادثة الإمام القلي" (نيل الابتهاج: 42): "وقد كان له أخ نبيل شاركه في تصنيف كتابه المجيد المذكور، كما نبه عليه صاحب "المغني" حيث نكت عليهما في إعراب "زبرا" في غير محله تبعا لأبي حيان".
لكن الإمام التنبكتي لم يوافقهم على هذا الرأي، بل رأى أن "إعراب القرآن الكريم" هو من تأليف إبراهيم وحده، ورأى أن السبب في نسبة الكتاب إلى الأخوين الصفاقسيين هو الفهم الخاطئ لكلام ابن هشام في "المغني"؛ بل الرجل الآخر الذي قصده ابن هشام هو السمين الحلبي، وعزا التنبكتي ذلك إلى هامش نسخة عتيقة من "المغني"، كما يقول ردا على رأي ابن فرحون وابن غازي (نيل الابتهاج: 43): "وليس ذلك بمعتمد، وقد تقدم من كلام ابن مرزوق وتلميذه ومن كلام الحافظ ابن حجر أن برهان الدين هو مؤلف "الإعراب". وإنما ثاني الرجلين الذي عناه ابن هشام: الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الحلبي المصري الشافعي الشهير بالسمين، أحد أكابر أصحاب أبي حيان، وتأليفه في إعراب القرآن في أربعة أسفار كبار لخصه من تفسير أبي حيان وزاده أشياء سماه "المصون" (..) فالرجلان اللذان عنى ابن هشام هما الصفاقسي والسمين، وكذلك رأيت اسمهما مقيدا على نسخة عتيقة من "المغني" بخط عتيق، والله أعلم". ونرى الموقف نفسه عند الإمام محمد الأمير؛ فقد نص على أن الرجل الآخر هو السمين الحلبي، كما يقول (حاشية الأمير على المغني: 2/42): "أي: لخص كل منهما إعرابا، وهما الصفاقسي وشهاب الدين الحلبي المعروف بالسمين".
ومن ما يدل على صواب ما قاله التنبكتي أن السمين قد وقع في هذا السهو تقليدا لأبي حيان، كما قال التنبكتي؛ فقد أعرب السمين "زبرا" في سورة الأنبياء، بل يفهم من كلامه أنه ينتقد أبا البقاء على ذكرها في سورة المؤمنين لا في سورة الأنبياء!! كما يقول (الدر المصون: 10/329): "نقله أبو البقاء في سورة المؤمنين. (..) ولم يتعرض له أبو البقاء في هذه السورة وتعرض له في المؤمنين"!!
أما "الدر اللقيط" فليس هو المقصود بلا شك؛ لأنه لم يتعرض للمسألة (6/336). (وانظر البحر المحيط (ط. دار السعادة): 6/338).
المراجع:
- الأعلام - تأليف: الزركلي (خير الدين) – دار العلم للملايين – بيروت – ط 11.
- أعيان العصر وأعوان النصر – تأليف: الصفدي (أبي الصفاء صلاح الدين خليل بن أيبك).
- البحر المحيط – تأليف: أبي حيان (أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي) - مطبعة السعادة بمصر – ط 1 – 1328هـ.
- البحر المحيط - تأليف: أبي حيان (أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي) – دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض. شارك في تحقيقه: د. زكريا عبد المجيد المنوفي، ود. أحمد النجولي الجمل – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – ط 1 – 1413هـ/1993م.
- حاشية الأمير على مغني اللبيب – تأليف: الأمير (محمد الأمير السنباوي المالكي) – بهامش مغني اللبيب.
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة – تأليف ابن حجر العسقلاني (شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي) – تحقيق: محمد سيد جاد الحق – دار الكتب الحديثة / مطبعة المدني – مصر – 1966م.
- الدر اللقيط من البحر المحيط – تأليف: ابن مكتوم القيسي (أبي محمد تاج الدين أحمد بن عبد القادر الحنفي النحوي) - بهامش البحر المحيط.
- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون – تأليف: السمين الحلبي (شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدائم) – تحقيق: د. أحمد محمد الخراط – دار القلم – دمشق.
- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب – تأليف: ابن فرحون (قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي المدني) – مطبعة السعادة – مصر - ط. 1 – 1329هـ.
- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية – تأليف: محمد بن محمد مخلوف التونسي – المطبعة السلفية ومكتبتها – القاهرة – 1349هـ.
- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب – تأليف: ابن هشام (جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف) – مصر – 1303هـ.
- النهر الماد من البحر - تأليف: أبي حيان (أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي) - بهامش البحر المحيط.
- نيل الابتهاج بتطريز الديباج – تأليف: التنبكتي (أحمد بابا) – إشراف وتقديم: عبد الحميد عبد الله الهرامة – منشورات كلية الدعوة الإسلامية – طرابلس – الجماهيرية الليبية.
الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
تمهيد:
منذ ألَّف أبو حيان أثير الدين محمد بن يوسف الأندلسي (654هـ - 745هـ) تفسيره العظيم: "البحر المحيط"، وهذا التفسير طلبة الطلاب والعلماء، خصوصا في مباحثه النحوية واللغوية والبلاغية التي أهلته لاحتلال الصدارة بين التفاسير اللغوية. ومن مظاهر الاهتمام بهذه المباحث اللغوية أن تلاميذ أبي حيان ومعاصريه بدؤوا في حياته يفردون هذه المباحث في كتب مستقلة ويعلقون عليها موافقين أو مخالفين؛ فجرد ثلاثة من أصحاب أبي حيان، المباحث النحوية من "البحر المحيط"؛ كأنما استشعروا أن أبا حيان إنما أبدع في هذا الجانب، وأما في مباحثه الأخرى فهو كسائر المفسرين. ولن نستغرب هذا إذا تذكرنا أن أبا حيان - حسب عبارة الصفدي (في ترجمته في أعيان العصر وأعوان النصر) -: "كان أمير المؤمنين في النحو" "وعلى الجملة فكان إمام النحاة في عصره شرقا وغربا، وفريد هذا الفن الفذ بعدا وقربا، (..) خدم هذا العلم مدة تقارب الثمانين، وسلك من غرائبه وغوامضه طرقا متشعبة الأفانين". وإذا كان أبو حيان في "البحر المحيط" قد أكثر من مناقشة أبي البقاء العكبري وابن عطية والزمخشري، فإن أصحاب أبي حيان قد اتبعوا المنهج نفسه مع شيخهم، فناقشوه كما ناقش هو سلفه من المعربين.
مختصرات "البحر المحيط":
1 - النهر الماد من البحر:
لأبي حيان نفسه، لكنه خالف سائر المختصرين في أنه لم يقتصر في هذا الاختصار على المباحث النحوية، لكنه مع ذلك أشار إلى أنه يوليها اهتماما خاصا، كما يقول في مقدمته عن منهجه (النهر الماد من البحر: 1/4 – 12): "وبعد فإني لما صنفت كتابي الكبير، المسمى بـ"البحر المحيط" في علم التفسير، عجز عن قطعه لطوله السابح، وتفلت له عن اقتناصه البارح منه والسانح، فأجريت منه نهرا تجري عيونه، وتلتقي بأبكاره فيه عونه، لينشط الكسلان في اجتلاء جماله، ويرتوي الظمآن بارتشاف زلاله، وربما نشأ في هذا النهر، ما لم يكن في البحر، وذلك لتجدد نظر المستخرج للآليه، المبتهج بالفكرة في معانيه ومعاليه، وما أخليته من أكثر ما تضمنه البحر من نقوده، بل اقتصرت على يواقيت عقوده، ونكبت فيه عن ذكر ما في البحر من أقوال اضطربت بها لججه، وإعراب متكلف تقاصرت عنه حججه، وتفكيك أجزاء يخرج بها الكلام عن براعته، ويتجرد من فاخر بلاغته ونصاعته، وهذا النهر مده من بحر ليس له جزر، فيعسر ورده على من حظه من النحو نزر، لأن إدراك عويص المعاني، مرتب على تقدم معرفة المباني".
2 - الدر اللقيط من البحر المحيط:
للإمام أبي محمد تاج الدين أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي الحنفي النحوي (682 – 749هـ)، وهو من أصحاب أبي حيان، وقد ألف هذا الكتاب في حياة أبي حيان. يقول في مقدمته عن منهجه (الدر اللقيط: 1/ 4 - 11): "وبعد فهذا كتاب يشتمل على ذكر ما في كتاب شيخنا الأستاذ العالم الحافظ أبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي الأندلسي نزيل القاهرة، أيده الله، في تفسير القرآن المسمى بـ"البحر المحيط"، من الكلام مع الإمام العلامة جار الله أبي القاسم محمود بن عمر بن محمود الزمخشري، والقاضي المفسر العالم أبي محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عطية المحاربي، رحمهم الله، والرد عليهما في ما ذكراه في كتابيهما في التفسير، والتنبيه على خطئهما في الأحكام الإعرابية، وتقرير ذلك أحسن تقرير، جردته منه لنفسي، وجعلته عمدة عند الوحشة لأنسي، إذ كان نخبة ما فيه، وزبدة ما يتضمنه من المعاني الشريفة ويحويه، وإن كانت فرائده تزهو على الزهر، وفوائده تزيد على عدد نقط القطر، وربما ذكرت فيه من فوائد الكتاب المذكور غير ذلك من ما يعم به النفع ويثلج الصدر". وإن كان ابن مكتوم قد يخرج عن "البحر المحيط" ويأتي بزيادات من عنده، كما يقول الصفدي (في ترجمة ابن مكتوم من أعيان العصر وأعوان النصر): "وملكت بخطه "الدر اللقيط من البحر المحيط" وهو في مجلدين، التقطه من تفسير شيخنا أثير الدين، وتكلم هو في بعض الأماكن وليس بكثر بعض شيء، فجاء كتابا جيدا".
3 - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون:
للإمام شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بالسمين، (ت: 756هـ) وهو من أصحاب أبي حيان، وقد ألف هذا الكتاب في حياة أبي حيان أيضا، وقد تأثر فيه تأثرا بالغا بشيخه (انظر: الدر المصون (الدراسة) 1/79 - 80)، حتى قطع بعضهم بأن "الدر" هو تلخيص لـ"لبحر" مع زيادات، كما يقول التنبكتي (نيل الابتهاج: 43): "وتأليفه في إعراب القرآن في أربعة أسفار كبار لخصه من تفسير أبي حيان وزاده أشياء"، ويقول الإمام محمد الأمير (حاشية الأمير على المغني: 2/42): "أي: لخص كل منهما إعرابا [يعني: من "البحر المحيط"]، وهما الصفاقسي وشهاب الدين الحلبي المعروف بالسمين". ومن الدليل على أن "الدر" هو اختصار لـ"لبحر" أن السمين تبع أبا حيان في سهوه في مسألة "زبرا". كما سيأتي. لكن السمين لم يقتصر على الاختصار وإنما أكثر من مناقشة أبي حيان (انظر: الدر المصون (الدراسة): 1/81 - 96)، كما يقول ابن حجر (في ترجمة السمين في الدرر الكامنة: 1/55): "وله تفسير القرآن في عشرين مجلدة رأيته بخطه، والإعراب سماه: "الدر المصون"، في ثلاثة أسفار بخطه، صنفه في حياة شيخه وناقشه فيه مناقشات كثيرة، غالبها جيدة".
ولم يذكر محققو "البحر المحيط" (ط. دار الكتب العلمية: 1/93) "الدر المصون" بين اختصارات "البحر المحيط".
4 – إعراب القرآن الكريم:
للإمام برهان الدين إبراهيم بن محمد القيسي الصفاقسي (ت: 742هـ): وهو من أصحاب أبي حيان، وقد ألف هذا الكتاب في حياة أبي حيان أيضا، وهو أكثر اختصارا من "الدر المصون" (انظر: نيل الابتهاج: 43). ويتميز هذا الكتاب عن المختصرين السابقين بأن الإمام أبا حيان لم يرض عنه، بل انتقده انتقادا لاذعا، كما يروي الإمام أبو زكرياء السراج في فهرسه، عن الإمام منديل بن أبي عبد الله محمد بن آجروم الصنهاجي، أنه لقي أبا حيان فأملى عليه ما يلي: (نيل الابتهاج: 613 - 614): "يعلم واقفه أن شخصا يسمى إبراهيم الصفاقسي، وقف على نسخة سقيمة غاية [كذا] الرداءة والتصحيف والتحريف من كتابي "البحر المحيط"؛ فنقل منه مسائل في كتب [كذا] جمعه من الإعراب، وغيَّرَه، وزاد من كلام أبي البقاء، وإنما ذكر كلامي ليروج به كتابه، وأنا بريء من عهدة ما نقل عني؛ إذ لم ينقل كلامي بلفظه ولم ينتقه، وليس بأهل لفهم كلامي لضعفه جدا في العربية، مشتغل [كذا] بفروع مذهب مالك وشيء من أصول الفقه، مع صغر السن وعدم الأصيل [كذا] ومنشإ يعرفه من يعرفه، وقد عاتبته على ذلك".
وقد نقل الإمام ابن غازي كلام أبي حيان بالمعنى وجعل راويه هو أبا عبد الله بن آجروم لا ولده منديل، كما يقول: (نيل الابتهاج: 42 – 43): "ولما حج الأستاذ الأكبر أبو عبد الله بن آجروم الفاسي استجاز أبا حيان فأجازه، وكان من من أدرج في إجازته تعريفا لأهل الغرب، وقال: "إن فتى يقال له إبراهيم الصفاقسي لا يحسن النظر في العربية، وإنما يحسن شيئا من فقه مذهب مالك، قد تسور على ديواني "البحر المحيط"؛ فسلخ ما فيه من الإعراب بغير إذني وقولني فيه ما أقل، فإني بريء منه. أو ما هذا معناه".
وقد علق التنبكتي على خلط ابن غازي بين منديل وأبيه هنا بقوله (نيل الابتهاج: 614): "قلت: وتقدمت هذه الحكاية في ترجمة الصفاقسي عن أبي المترجم به هنا، وما هنا هو الصواب".
ثم علق ابن غازي على انتقاد أبي حيان لاختصار الصفاقسي لـ"لبحر المحيط"، بأن المغاربة لم يقتنعوا به، بل تقبلوا اختصار الصفاقسي بقبول حسن (نيل الابتهاج: 614): "ومع هذا فقد أعطاه الغرب [كذا] الأذن الصماء، وأكبوا على تصنيف الصفاقسي:
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا=ما لم يروا عنده آثار إحسان".
ويقول ابن غازي أيضا في كتابه: "المطلب الكلي في محادثة الإمام القلي" (نيل الابتهاج: 42): "ولقد كان شيخنا شيخ الجماعة الإمام الأستاذ أبو عبد الله الكبير يثني كثيرا على فهم الصفاقسي ويراه مصيبا في أكثر تعقباته وانتقاداته لأبي حيان". ويقول ابن مرزوق في الثناء على هذا الكتاب (نيل الابتهاج: 42): "سمعت من لفظه كتابه الذي أعرب فيه وأغرب في إعراب القرآن، وتحدث فيه مع شيخنا أبي حيان في أبحاثه". ويقول ابن فرحون في الثناء عليه (الديباج المذهب: 92): "وهو من أجل كتب الأعاريب وأكثرها فائدة".
ولم يذكر محققو "البحر المحيط" (ط. الكتب العلمية: 1/93) اختصار الصفاقسي بين اختصارات "البحر المحيط".
5 – المحاكمات أبي حيان والزمخشري:
للإمام أبي زكرياء يحيى بن محمد بن محمد بن عبد الله، الشاوي الملياني الجزائري (1030 - 1096هـ) نزيل مصر، يقول في مقدمته عن منهجه: "وبعد: فالكتاب قصدت فيه جمع اعتراضات الإمام ذي البيان، المشتهر بأبي حيان، على ابن عطية ومحمود الزمخشري، والتكلم معه بما يظهر للقريب والبعيد، وأسأل الله في ذلك التسديد". (انظر: الأعلام للزركلي: 8/169، والبحر المحيط ط. دار الكتب العلمية (الدراسة): 1/93).
وهكذا لم تقتصر الاختصارات النحوية لـ"لبحر المحيط" على تلاميذ أبي حيان؛ فهذا أحد المتأخرين يختصره اختصارا نحويا أيضا.
مختصران يتبعان أبا حيان في سهوه:
قال الإمام ابن هشام (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب: 2/48): "وحصل للإمام فخر الدين في تفسير هذه الآية [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم] سهو؛ فإنه سأل: "ما الحكمة في تقديم "من دونكم" على "بطانة"؟ وأجاب بأن محط النهي هو "من دونكم" لا "بطانة"؛ فلذلك قدم الأهم. وليست التلاوة كما ذكر. ونظير هذا أن أبا حيان فسر في سورة الأنبياء كلمة "زبرا" بعد قوله تعالى: "وتقطعوا أمرهم بينهم"، وإنما هي في سورة المؤمنون، وترك تفسيرها هناك. وتبعه على هذا السهو رجلان لخصا من تفسيره إعرابا".
فمن هما هذان الرجلان اللذان اختصرا "البحر المحيط" وتبعا أبا حيان على هذا السهو؟
أبهم ابن هشام الرجلين، ولم يشأ أن يحددهما لنا؛ فأثار ذلك إشكالا لدى طلاب العلم والشيوخ؛ قال الإمام التنبكتي (نيل الابتهاج: 43): "وذكر الشيخ أبو عبد الله الرصاع التونسي في كلامه على آيات المغني أن الطلبة كثيرا ما يسألون عن ثاني الرجلين المذكورين، وأنه سأل عنه بعض شيوخه فلم يجبه".
واختلفت الآراء في تحديد المقصود بهذين الرجلين. مع ملاحظة أن ابن هشام نفسه (ت: 761هـ) من أصحاب أبي حيان أيضا، فهو لا شك يعني بالرجلين بعض زملائه أصحاب أبي حيان.
فالإمام ابن فرحون – وقد عاش في عصر أبي حيان وأصحابه (ت: 799هـ) - يرى أن إبراهيم الصفاقسي لم ينفرد بتأليف "إعراب القرآن"، بل شاركه في تأليفه أخوه القاضي شمس الدين محمد؛ وعليه فيكون الكتاب من تأليف شخصين، كما يقول ابن فرحون (الديباج المذهب: 92): "ومن تآليفهما "إعراب القرآن الكريم" وهو من أجل كتب الأعاريب وأكثرها فائدة جرده من "البحر المحيط". وتبعه محمد بن محمد مخلوف الذي يقول عن مؤلفات الصفاقسي (شجرة النور الزكية: 209): "وإعراب القرآن مشهور له وأخيه الشمس محمد".
فإذا كان "إعراب القرآن الكريم" من تأليف الأخوين الصفاقسيين، صح أن يكونا هما المقصودين بـ"الرجلين" في كلام ابن هشام. وهذا الرأي هو ما أخذ به الإمام ابن غازي؛ فهو يوافق ابن فرحون في نسبة الكتاب إلى الرجلين، بل صرح بأنهما هما المقصودان بكلام ابن هشام، كما يقول في كتابه: "المطلب الكلي في محادثة الإمام القلي" (نيل الابتهاج: 42): "وقد كان له أخ نبيل شاركه في تصنيف كتابه المجيد المذكور، كما نبه عليه صاحب "المغني" حيث نكت عليهما في إعراب "زبرا" في غير محله تبعا لأبي حيان".
لكن الإمام التنبكتي لم يوافقهم على هذا الرأي، بل رأى أن "إعراب القرآن الكريم" هو من تأليف إبراهيم وحده، ورأى أن السبب في نسبة الكتاب إلى الأخوين الصفاقسيين هو الفهم الخاطئ لكلام ابن هشام في "المغني"؛ بل الرجل الآخر الذي قصده ابن هشام هو السمين الحلبي، وعزا التنبكتي ذلك إلى هامش نسخة عتيقة من "المغني"، كما يقول ردا على رأي ابن فرحون وابن غازي (نيل الابتهاج: 43): "وليس ذلك بمعتمد، وقد تقدم من كلام ابن مرزوق وتلميذه ومن كلام الحافظ ابن حجر أن برهان الدين هو مؤلف "الإعراب". وإنما ثاني الرجلين الذي عناه ابن هشام: الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد الدائم الحلبي المصري الشافعي الشهير بالسمين، أحد أكابر أصحاب أبي حيان، وتأليفه في إعراب القرآن في أربعة أسفار كبار لخصه من تفسير أبي حيان وزاده أشياء سماه "المصون" (..) فالرجلان اللذان عنى ابن هشام هما الصفاقسي والسمين، وكذلك رأيت اسمهما مقيدا على نسخة عتيقة من "المغني" بخط عتيق، والله أعلم". ونرى الموقف نفسه عند الإمام محمد الأمير؛ فقد نص على أن الرجل الآخر هو السمين الحلبي، كما يقول (حاشية الأمير على المغني: 2/42): "أي: لخص كل منهما إعرابا، وهما الصفاقسي وشهاب الدين الحلبي المعروف بالسمين".
ومن ما يدل على صواب ما قاله التنبكتي أن السمين قد وقع في هذا السهو تقليدا لأبي حيان، كما قال التنبكتي؛ فقد أعرب السمين "زبرا" في سورة الأنبياء، بل يفهم من كلامه أنه ينتقد أبا البقاء على ذكرها في سورة المؤمنين لا في سورة الأنبياء!! كما يقول (الدر المصون: 10/329): "نقله أبو البقاء في سورة المؤمنين. (..) ولم يتعرض له أبو البقاء في هذه السورة وتعرض له في المؤمنين"!!
أما "الدر اللقيط" فليس هو المقصود بلا شك؛ لأنه لم يتعرض للمسألة (6/336). (وانظر البحر المحيط (ط. دار السعادة): 6/338).
المراجع:
- الأعلام - تأليف: الزركلي (خير الدين) – دار العلم للملايين – بيروت – ط 11.
- أعيان العصر وأعوان النصر – تأليف: الصفدي (أبي الصفاء صلاح الدين خليل بن أيبك).
- البحر المحيط – تأليف: أبي حيان (أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي) - مطبعة السعادة بمصر – ط 1 – 1328هـ.
- البحر المحيط - تأليف: أبي حيان (أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي) – دراسة وتحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض. شارك في تحقيقه: د. زكريا عبد المجيد المنوفي، ود. أحمد النجولي الجمل – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان – ط 1 – 1413هـ/1993م.
- حاشية الأمير على مغني اللبيب – تأليف: الأمير (محمد الأمير السنباوي المالكي) – بهامش مغني اللبيب.
- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة – تأليف ابن حجر العسقلاني (شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي) – تحقيق: محمد سيد جاد الحق – دار الكتب الحديثة / مطبعة المدني – مصر – 1966م.
- الدر اللقيط من البحر المحيط – تأليف: ابن مكتوم القيسي (أبي محمد تاج الدين أحمد بن عبد القادر الحنفي النحوي) - بهامش البحر المحيط.
- الدر المصون في علوم الكتاب المكنون – تأليف: السمين الحلبي (شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدائم) – تحقيق: د. أحمد محمد الخراط – دار القلم – دمشق.
- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب – تأليف: ابن فرحون (قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن علي بن فرحون المالكي المدني) – مطبعة السعادة – مصر - ط. 1 – 1329هـ.
- شجرة النور الزكية في طبقات المالكية – تأليف: محمد بن محمد مخلوف التونسي – المطبعة السلفية ومكتبتها – القاهرة – 1349هـ.
- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب – تأليف: ابن هشام (جمال الدين أبي محمد عبد الله بن يوسف) – مصر – 1303هـ.
- النهر الماد من البحر - تأليف: أبي حيان (أثير الدين محمد بن يوسف الغرناطي) - بهامش البحر المحيط.
- نيل الابتهاج بتطريز الديباج – تأليف: التنبكتي (أحمد بابا) – إشراف وتقديم: عبد الحميد عبد الله الهرامة – منشورات كلية الدعوة الإسلامية – طرابلس – الجماهيرية الليبية.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: