مختارات من " شرحُ منظومة قلائد العقيان بنظم مسائل الإيمان " للشيخ عصام البشير.

إنضم
20/02/2012
المشاركات
102
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
محافظة / اربد .. قرية/ بيت راس
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على أشرفِ خلق الله، محمد وآلهِ وصحبهِ ومن والاه، ومن تبعهم بإحسان إلى يومِ نلقاهُ.
وبعد.
فهذه مختاراتٌ من كتاب "
شرح منظومة قلائد العقيان بنظم مسائل الإيمان " نظم وشرح الشيخ الدكتور عصام البشير المراكشي – حفظه الله - وقد قال:
(وقد راعيتُ فيه الاختصار الشديد مع الإحاطة بكل جوانب الموضوع، ولمّ شمله، وأما الاختصار فلأنني لو بسطت الكلام في هذا المباحث المعروضة لجاء الكتاب فيه عدة مجلدات، مع أن المقصود إنما هو تقديم متنٍ مختصر مشروحٍ ومعد للحفظ والتدريس، وأما الإحاطة فلأن هذه المنظومة تشتمل على كل المباحث النافعة في موضوع الإيمان ولا تغفل شيئًا مما يحتاج إليه المسلم في هذا الباب بل إنّ فيها إشاراتٍ مفيدة في كافّة أبواب العقيدة، بحيث يمكن أن تدرس العقيدة كلها من خلال هذه المنظومة إذا راعى المدرّس التفصيل اللازم في مواضع التفصيل، والإجمال في مواضع الإجمال).
وقد سبقَ هذا الشرح تلخيصي لكتاب "
الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل " للشيخ محمود آل خضير، لذا تركتُ أكثر ما في الكتاب في الباب الأول من مبحث " الإيمان " للتشابه بنيهما، وتركت الباب الأخير وهو " نواقض الإيمان " لمخص الكتاب المقبِل- إن شاء الله - وهو "نواقضُ الإيمانِ القولية والعملية " للشيخ عبد العزيز آل عبد اللطيف، لطلب بعض الأخوة أن لا أكرر أي مبحثٍ لخص في كتابٍ آخر.
ويجدُر التنبيه بأهمية حفظ منظومة "
قلائد العقيان بنظم مسائل الإيمان " لطلبة العلم، لكونها على بحرِ الرجز، وسلاسة لفظها، وسهولة سبكها، وجزى الله مؤلف الكتاب ومن هداني إليه ومن أعارني نسختَه حتى أنهي هذا الملخص كل خير.
وقد قسم المؤلف هذا الكتاب عدة أقسام:
الباب الأول: حقيقة الإيمان، ويتضمن تعريف الإيمان لغة، وشرعا، وقول القلب، وقول اللسان، وأعمال القلب، وأعمال الجوارح، وأقوال أهل البدع في حقيقة الإيمان.
الباب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه، ويتضمن أدلة الزيادة والنقصان، وأوجه الزيادة والنقصان، وأقوال المخالفين.
الباب الثالث: الكفر وضوابط التكفير، ويتضمن الكفر لغة واصطلاحا، وقاعدة تكفير المعين، وموانع التكفير، وقواعد في التكفير.
الباب الرابع: نواقض الإيمان في الربوبية، والأسماء والصفات، والألوهية، والنبوات والمغيبات وأمور أخرى.
(ص 43) أقوال أهلِ البدع في حقيقةِ الإيمان.
قال الناظم :
ليس كما زعمت الخوارج ** ** فقولهم عن الصواب خارجُ
وما لمذنبٍ من المـآلِ ** ** وافقهم فيه ذوو اعتـــــزالِ

الشرح:
مذهب الخوارج: يعد من أقدم البدع العقدية، إن لم أقدمها مطلقا، وقد صحت الأحاديث النبوية في الخوارج من أوجه متعددة وطرق كثيرة جدا، ومذهبهم أن الإيمان شامل للإقرار اللساني والتصديق القلبي وجميع أنواع الطاعات صغيرة أو كبيرة، فالإيمان عندهم هو مجموع هذه الأشياء، وترك خصلة كفر، فمرتكب الكبير خارج من الدين بالكلية.
مذهبُ المعتزلة : وهم متفقون على أصول خمسة : العدل ويتصلون به إلى نفي القدر، التوحيد ومعناه نفي الصفات، الوعد والوعيد، وثمرتُه إنكار الشفاعة وكون عصاة الموحدين في المشيئة، المنزلة بين المنزلتين وذاك حكم مرتكب الكبيرة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متوصلين به إلى الخروج على الحكام المسلمين بالقتال إذا جاروا.
وعقيدتهم في الإيمان: العاصي ليس مؤمنا ولا كافرا، بل نسميه فاسقا، يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر وهذه المنزلة بين المنزلتين، ولكنهم قضوا بتخليدهم في النار أبدا كالخوارج (فوافقوهم مآلا، وخالفوهم مقالا، وكان الكل مخطئين ضلالا).
(ص47-51) طوائف المرجئة.
طوائف المرجئة كثيرة جدا، وأصولها ترجع إلى ثلاثة أقوال في تعريف الإيمان، وهي المذكورة في النظم:
هذا وقد قال البعض في الإيمان ** ** بأنه التصديق بالجنان
والبعض زاد النطق باللـسان ** ** كما اكتفى به أولو الخذلانِ
وهذه الأقوال في التدقـيق ** ** بعيدةٌ عن منهجِ التحقيق
قد فرقوا شرائع الإيمان ** ** فخالفوا طريقة الرحمنِ
تجمعهم عقيدة الإرجاء ** ** ومنهج الفتون والأهواءِ
القول الأول: الإيمان يكون بالقلب واللسان معا دون غيرهما من الجوارح، وأشهر من يُنسب إليه : أبو حنيفة وأصحابه، الملقبون عند أئمة السلف بـ " مرجئة الفقهاء " واختلفوا في الذي يقوم بالقلب هل هو المعرفة أم التصديق؟ على قولين اثنينـ وهل يكفي في المعرفة القلبية الاعتقاد الجازم أم لا بد من العلم الصادر عن الاستدلال؟ أشهرها الأول.
القول الثاني: الإيمانُ محصور القلب، وهم نوعان: أحدهما يقول بأن الإيمان عبارة عن معرفة الله، فمن عرفه بقلبه ثم جحده لسانه ومات قبل أن يقرّ به فهو مؤمن، وهو قول جهم بن صفوان، وأبي الحسن الصالحي أحد رؤساء القدرية.
والثاني أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب،
وهو مذهب أبي منصور الماتريدي واستقر عليه عامة متكلمي الأشاعرة المتأخرين.
القول الثالث: الإيمان هو الإقرار باللسان، ومنهم من جعل المعرفة في القلب شرطا في كون الإقرار اللساني إيمانا، وهو قول غيلان الدمشقي والفضل الرقاشي، والكرّامية لم يشترطوه فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملون الإيمان، ولكن يقولون بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم الله به.
والرد على هذه الطوائف والأقوال:
الدليل الأول: ما قاله شيخ الإسلام في بلوغ التواتر عند السلف الصالح أن المراد بالإيمان معناه الأصلي الشرعي.
الدليل الثاني: أنّ الله تعالى كلما ذكر الإيمان في القرآنِ أضافَه إلى القلب، (أولئك كتبَ في قلوبهم الإيمان) (وقلبُه مطمئنٌّ بالإيمان) وهذه النصوص لا تنفي كون الأعمال جزءًا من مسمى الإيمان، بل " غاية ما فيها بيانُ أن إيمان القلب هو الأصل والأساس لإيمان الجوارح ".
الدليل الثالث: جاء الإيمان مقرونًا بالعمل الصالح في غير موضع من الكتاب نحو (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فدلّ التغاير بين مفهوميْهَا، وذكر صاحب كتاب " ظاهرة الإرجاء " أن أعمال الجوارح في الأصل ليست من الإيمان، بل الإيمان أصلهُ ما في قلبه، والأعمال لازمة له، لا تنفك عنه، ثم أدخلها الشارع فيه، فأصبح اسمُ الإيمان شاملا لها على الحقيقة شرعا.
الدليل الرابع: نصوص الكتاب وأصول الشرع قد دلّت على أن الإيمان لا ينتفي عن الذي يترك بعض الأعمال، وهذا يدل –بزعمهم- على أن الأعمال ليست جزءًا من مسمى الإيمان أو ركنا فيه، إذ الشيء يرتفع بارتفاع ركنه كما هو معلوم، والحق: أن هذا الدليل إنما يجاب به عن بدعة الخوارج والمعتزلة، لا على مذهب أهلِ السنة القائلين بأن جنسَ العمل ركن في الإيمان، بخلاف آحاده، وقد سبق التفصيل في هذا.
(ص67) تعريف الكفر لغةً واصطلاحا.
في اللغةِ الكفر لسترٍ راجعٌ ** ** فالليل كافرٌ كذاك الزارعُ
وفي اصطلاحٍ ناقض الإيمان ** ** في القلب والأعضاء واللسانِ
الشرح: الكفر لغةً: الستر والتغطية، ومن الأمثلة (الليل) فإنه يسمى كافرًا لأنه يغطي كل شيء، والزارع هو الفلاح وفي جواز تسمية زارع خلافٌ، والصحيح الجواز، سمي كافرا لستره الحب وتغطيته إياه بالتراب،واصطلاحًا: (الكفر عدم الإيمان باتفاق المسلمين سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئًا ولم يتكلم به) المجموع (20/86).
والكفر الذي هو نقيض الإيمان لا يخرج عن أمورٍ أربعة:
(1) التكذيب أو الشك الذي يناقض تصديق القلب.
(2) عمل قلبي كفري يناقض عملا من أعمال القلوب الإيمان، مثل البغض الذي يناقض المحبة.
(3) قول لساني كفري يناقض شهادة أن لا إله إلا الله، أو الامتناع عن النطق بالشهادتين لغير عذر شرعي.
(4) عمل ظاهر من أعمال الجوارح مثل التولي عن طاعة الله وطاعة رسول صلى الله عليه وسلم، أو التشريع من دون الله، أو ترك الصلاة على الصحيح.
(ص73) فليس محصورًا في الاعتقادِ ** ** وهل ترى خبيئة الفؤادِ؟
من حصر الكفر في الاعتقاد القلبي، كما هو مذهب طوائف المرجئة، يلزمه أن لا يكفر أحدا إلا بعد اطلاعه على باطنِ قلبه وتحققه من وجود الاعتقاد الكفري فيه، وأدلة اعتبار الظاهر في الحكم بالكفر، وعدم حصره في الاعتقاد.
-حديث (
أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)
-قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد في القتال (أ
شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟) .
-قوله صلى الله عليه وسلم (إني لم أمور أن أنقبَ عن قلوبِ الناس ولا أشقّ بطونهم).
(ص75) الأعمال المحرمة في الشرع على قسمين:
القسم الأول: ذنوب مكفرة لذاتها، بقطع النظر عما يقوم قلبه، فهو بفعلها كافر ولو ادعى أنه لم يستحلها بقلبه، والأدلة:
(1) قوله تعالى (يحلفون باللهِ ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) فحكم بكفرهم بمجرد القول.
(2) قوله تعالى (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أباللهِ وآياته ورسوله كنتم تستهزوءن * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) قال شيخ الإسلام (فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوضُ ونلعبُ).
(3) الإجماع على التكفير بمجرد سب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قاله إسحاق بن راهويه.
أشكلت هذه الأدلة على المرجئة القائلين بأن الإيمان هو التصديق، إذ الكفر لا يكون بمجرد العمل دون اعتقادٍ قلبي،
فانقسموا إلى ثلاث طوائف:
الأولى: مرجئة الفقهاء والأشاعرة = قالوا: هذه الأفعال التي حكم الشارع بكفر أصحابها، ليست كفرًا في ذاتها، ولكن هي دليل وعلامة على انتفاءِ التصديقِ من القلب، وهذا من التلفيق المبتدع حتى لا يخالفوا الإجماع، فمحل النزاع بيننا وبينهم = هل الكفر لذاتِ القول أو العمل، أم بسبب انتفاء تصديق القلب؟
الثانية: الجهمية، قالوا: من نص الشارع على كفره فهو في كافر في الظاهر، ويجوز أن يكون مؤمنا في الباطن، وهم في الحقيقة راجعون إلى الصنفِ الأول.
الصنف الثالث: غلاةُ المرجئة، وقد التزموا عدم تكفير من الشارع على كفره بقول أو فعل مكفر إلا أن يصرح بالجحد أو الاستحلال القلبي، وهذا مذهب في غايةِ الفساد والبطلان، بل نُقل إجماع علماء السلف على تكفيرِ من يقول بذلك من المرجئة.
(ص85) والأول الأصلُ لدى الإطلاقِ ** ** كما تقرر لدى الحذّاقِ
الكفر الأكبر هو الأصل في الكتاب والسنة وفي كلام السلف والأئمة حين الإطلاق، للدليل اللغوي بالاستقراء، والدليل الشرعي من حديث "
أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفر " قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك قالت ما رأيتُ منك خيرًا قط.
فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد هو كفر النهمة وكفر الإحسان، ولم ينكر فهمهم في معنى الكفر الأكبر.
وهنا قاعدة مهمة : إذا ورد الكفر في نصوصِ الكتابِ والسنة معرفا بدخول " أل " عليه، فإنه لا يراد به إلا الكفر الأكبر المخلد في النار، وأما إن ورد منكرًا فإنه محتمل لمعنيي الكفر.
يتبع ..
 
تكميل الكتاب ...

تكميل الكتاب ...

(ص90-97) موانع التكفير:
مثلُ ثبوت خطأ اللسـان ** ** أو التأول مع الـبـرهـانِ
وهو الـذي قواعـد الكـلام ** ** تسيـغه وشــرعه الإسلام
كما أتى الأثـر عن قدامه ** ** في ظـنّه الشربَ بلا ملامه
ليس كتـأويـلات أهل الزندقة ** ** كـقـول إبليس ومن قد وافقه
ومن يكن حديث عهدٍ بالهدى ** ** أو عن بلاد شرعنا قد بعدا
يعذرْ بجهله فلا ملاما ** ** وإن أتى الدواهي العظاما
وشرطُه عجز عن التعلم ** ** إذ كل قادر ملوم، فافهمِ
الشرح:
المانع الأول = الخطأ وعدم القصد إلى الفعل، كأن يسبق لسانه إلى كلمة كفر لم يقصد النطق بها، ولا كان متعمدا لذلك (وليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم وكان الله غفورًا رحيمًا) ولحديث " اللهم أنت عبدي وأنا ربك – أخطأ من شدة الفرح -.
المانع الثاني = التأول، وهو الخطأ في فهم دلالةِ النص الشرعي بإنزال بعض النصوص في غير محلها، أو إخراجها عن مدلولاتها الصحيحة التي تشهد لها النصوص الأخرى وقواعد اللغة والشرع، والدليل(أن قدامة وطائفة معه شربوا الخمر وتأولوا قوله تعالى – ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات-) وأرسل عمر لقدامة (أخطأت استك الحفرة، أما إنك لم لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشربِ الخمر) ثم إن الصحابة أجمعوا أن هؤلاء المستحلين لو أصروا على الاستحلال بعد إقامة الحجة عليهم، لوجب إقامة الحد.
تنبيه: هذا التأويل لا يكون مانعًا من التكفير إلا إن كان سائغًا ومقبولا في الجملة، وذلك أن تجيزه قواعد اللسان العربيـ وبأن يكون له وجه معتبر في قواعد الشرع، يقول الحافظ ابنُ حجر (قال العلماء: كل متأول معذور بتأويله ليس بآثم، إذا كان تأويله سائغا في لسان العرب، وكان له وجهٌ في العلم) فتح الباري (12/376).
لذا أجمعَ أهل العلم على تكفير الباطنية ومن نحا نحوهم من الروافض وغلاة الصوفية والقرامطة وأهل الإلحاد والزندقة، مع أنه لا تخلو طائفة من تأويلات للنصوص الشرعية، ولكنها تأويلات باطلة غير مقبولة.
المانع الثالث: الجهل = والعذر بالجهل من المسائل الخطيرة، التي كثر حولها القيل والقال، فدليل اعتبار العذر بالجهل:
(1) حديث أبي هريرة مرفوعا (ذورا نصفي في البر ونصفي في البحر ) قال شيخ الإسلام : وكنت دائمًا أذكر هذا الحديث، فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقدَ أنه لا يعاد، وهذا كفرٌ باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم لذلك، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له.
(2) حديث أبي واقد الليثي (ذات أنواط) فلم يكفرهم الرسول عليه الصلاة والسلام لحداثة عهدهم بالكفر وجهلهم بأصول دين الإسلام.
(3) حديث حذيفة بن اليمان مرفوعا (يدرس الإسلام) قال ابن تيمية (وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم عليه الحجة ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف – حديث حذيفة السابق -.
بعض الحالات التي يعذر فيها بالجهل:
الضابطُ في جميعها هو عدم التمكن من العلم، ومن الحالات التي يعذر فيها أصحابها بالجهل:

(1) حداثة العهد بالكفر، كما في جاء في حديث ذات أنواط السابق، يقول شيخ الإسلام (لكن من الناس من يكون جاهلا ببعض هذه الأحكام جهلا يعذر، فلا يحكم بكفره أحد حتى تقوم عليه الجحة من جهة بلاغ الرسالة، كما قال تعالى (لئلّا يكون للناس على اللهِ حجةٌ بعد الرسل) ولهذا لو أسلم رجل، ولم يعلم أن الصلاةَ واجبةٌ عليه، أو لم يعلم أن الخمر حرام، لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا، بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية) مجموع الفتاوى (11/406).
(2) أن ينشأ في منطقة نائبة، أو بادية بعيدة، لا تشتهر فيها شرائع الإسلام ولا تظهر فيها أصوله.
(3) أن يكون مصابا بعاهة بدنية تعوقه عن تعلم أصول الدين وشرائعه، ويستأنس لهذا بحديث الأربعة الذين يحتجون يوم القيامة (رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة) رجاله رجال الصحيح.
(4) اندراس العلم وذهابه، فيعذر العبد بما لم يبلغه من الدين، كما جاء في حديث حذيفة.
(ص99) اتفق أهل السنة على أن الحجة الرسالة لا تقوم إلا ببلوغ الخطاب الشرعي السمعي عن طريق المرسلين.
(ص100) صفة إقامة الحجة الرسالية: أمر يختلف بحسب الأحوال والأشخاص والأمكنة والأزمنة، والضابط: بلوغ الحجة للمكلف على وجه يمكنه به فهمها، وأن تكون الحجة بينة واضحة قاطعة للشبهة.
(ص102) هل تقوم الحجة بمجرد العقل؟
هذه المسألة مشهورة بـ " التحسين والتقبيح العقليين " وهي من المباحث العظيمة التي اشتد الخلاف حولها أولا بين المعتزلة والأشاعرة، ومجمل الخلاف: هل العقل صالح لإدراك الحكم؟ وهل إدراك العقل للحكم –على فرضه- مناط للتكليف؟ حاصل الخلاف في النقطة الأولى يرجع إلى أقوال ثلاثة:
(1) المعتزلة : المصلحة الغالبة أو المحضة حسنة، والمفسدة الغالبة أو المحضة قبيح، ويترتب على إدراك الحسن والقبح في الفعل عن طريق العقل إدراك حكم الله تعالى فيه.
(2) الأشاعرة – نظار المجبرة –: ليس في الفعل قبح ذاتي ولا حسن ذاتي، وإنما نأخذ صفة الحسن والقبح بعد حكم الشارع السبيل الوحيد لإدراك الحكم.
(3) الماتريدية: يوجد في الفعل حسن أو قبح ذاتيان، وقد يدركه العقل استقلالا عن الشارع، وهو مذهب أهل السنة، كما نقله عنهم شيخ الإسلام وابن القيم.
وأما النقطة الثانية فمذهب المعتزلة أن الإدراك العقلي مناط التكليف، والثاني قول أهل السنة أن العقل يستقل بإدراك الحسن والقبح ولكن لا حساب ولا عقاب قبل ورود الشرع، ويترتب على الخلاف الخلافُ في أهل الفترات ومن في حكمهم، أو حال غياب المجتهدين – على القول بجوازه -.
(ص103) هل تقوم الحجة بالفطرة أو الميثاق؟
الفطرة: ما يولد عليه الإنسان (ما من مولود يولد إلا على الفطرة) والذي عليه عامة السلف أن الفطرة التي يولد عليها الإنسان هي دين الإسلام، والدليل (خلقتُ عبادي كلهم حنفاء).
الميثاق: فهو (وإذ أخذَ ربُّك من بني آدمَ من ظهورِهم ذرّيتَهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربّكم قالوا بلى شهدْنَا أن تقولوا يومَ القيامةِ إنا كنَّا عن هذا غَافلين) ولا يصلح أي منهما لأن يكون حجة مستقلة على العباد، والدليل:
(واللهُ أخرجكم من بطونِ أمهاتكم لا تعلمونَ شيئًا) (وكذلكَ أوحيْنَا إليك روحًا من أمْرِنا ما كنتَ تدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ) (وما كنَّا معذّبين حتى نبعثَ رسولا).
(ص105) هل يعتبر العذر بالجهل في أصلِ التوحيد؟
الجواب: نعم، والدليل ما سبق من حديث " ذات أنواط " وحديث " من شك في قدرة الله " وحديث حذيفة في " اندراس العلم وأهله ".
(ص107) قال الناظم:
وهذا منْ موانـعِ التكفـيرِ ** ** أن يُكره العـبدُ على المحذورِ
فائدة: يفصل بين أن يكون الفعل المكرَه عليه متعلقًا بحقوقِ العباد، فالأصل أنَّه مكلف؛ لأن حقوقَ العباد مبنية على المشاحّة، وهذا مثلُ الإكراهِ في القتل، أو متعلقًا بحقوقِ اللهِ عزوجل، فالأصل أنه غير مكلف؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة، وهو مثل الإكراه على النطقِ بكلمةِ الكفر.
حدُّ الإكراه يختلف الحكم فيه باختلاف النظر في ثلاثةِ أمور، وهي:
(1) حال المكرَه (2) حال المكرِه (3) الأمر الذي وقع عليها الإكراه.
أما حالُ المكرَه فلأنّ الناسَ يختلفون في قدرَات تحمّلهم، وفي مكانتِهم من المجتمع، وحين سئل الإمام أحمد عن العالم هل له أن يأخذ بالتقية؟ أجاب " إذا أجابَ العالم تقية، والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق؟ ".
قال شيخ الإسلام (تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكرَه عليه، فليس المعتبر في كلمات الكفر كالإكراهِ المعتبر في الهبةِ ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أنَّ الإكراه على الكفرِ لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب أو قيد، ولا يكون الكلام إكراها، وقد نُص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها أو مسكنها فلها أن ترجع على أنها لا تهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها، فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراها، ومثل هذا لا يكون إكراها على الكفر، فإن الأسير إذا خشي الكفار أن لا يزوجوه أو يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر ) الفتاوى الكبرى (5/490).
ومما ينبغي الإشارة إليه أن الأخذ بالعزيمة والصبر على التعذيب أو القتل أولى من الترخص وإجابة داعية الإكراه.
وأما شروط العذر بالإكراه، فقد ذكرها الحافظ في الفتح:
(1) أن يكون فاعلُه قادرًا على إيقاع ما يهدد به والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار.
(2) أن يغلب على ظنه إنه إذا امتنع أوقع به ذلك.
(3) أن يكون ما هدده به فوريا، فلو قال: إن لم تفعل ضربتك غدا لا يعد مكرها، إلا إن جرت العادة أنه لا يخلف.
(4) أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره كم أكرِه على الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع، ويقول: أنزلت، فيتمادى حتى ينزل.
(ص110) قال الناظمُ:
من يقصدُ الكفرَ يُكفر به ** ** حتى وإن لم يقصدِ الكفرَ بهِ.
الفرق بين القصد وأن يكون شرطا في التكفير، والقصد ليس شرطًا في التكفير.
الأول: أن يقصدَ الإنسان إلى الفعل ويتعمده، ولا يكون مخطئا فيه، فهذا القصد لا شك في كفرِ صاحبه.
الثاني: أن يقصد الإنسان الكفر بفعله الذي تعمده، فهذا القصد ليس شرطًا لتكفير صاحبه، ولا يمنع انتفائه من المؤاخذة بالفعل المكفر، إذ لو اشترطناه لكان سببًا في إغلاقِ باب التكفير.
قال الحافظ ابنُ حجر رحمهُ الله في شرحِ حديث المارقة (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية = وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار دينًا على دينِ الإسلام).
(ص115) قال الناظم :
ويحرمُ التكفير بالمـآلِ ** ** كذا الذي بلازمِ الأقوالِ
كذاكّ تكفيرٌ بفعٍل محتمل ** ** غيرِ صريح في المراد لا يُحل
الشرح:
ذكرت في هذين البيتين ثلاث مسائل متعلقة بموضوع التكفير، وهي: التكفير بالمآل، والتكفير بلازم القول، والتكفير بالفعل المحتمل.
الأولى: التكفيرُ بالمآل = هو التكفير بما يؤول إليه اللفظ، وما يرجع إليه القول، ومعنى ذلك أن يقولَ قولًا يؤدي –عن طريق مجموعة من الوسائط الاستدلالية- إلى ما هو كفرٌ صريح، فهذا القول لا يجوز تكفيره، إذا كان لا يقول بما يؤدي إليه قوله، وهذا حالُ كثير من أهل البدع والأهواء، ولا ينبغي أن يقع حوله أدنى خلاف.
الثانية: التكفير بلازم القول، معنى اللازم ما يمتنع انفكاكُه عن الشيء، واللازم البين هو الذي يكفي تصوره مع تصور ملزومه في جزمِ العقلِ باللزومِ بينهما، وأما غير البين فهو الذي يفتقر جزم الذهن باللزوم بينهما إلى وسط.
ولا شكّ أن التكفير بلازم القول نوعٌ من الافتراء، وإن كان بعض الأصوليين يرجح أن لازمَ المذهبِ مذهبٌ، ولشيخِ الإسلامِ تفصيلٌ طيبٌ:
الحالة الأولى: أن يكون اللازمُ حقّا، فهذا يجبُ عليه التزامه، ولا مانع من إضافته إليه إذا عُلم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه.
الحالة الثانية: أن يكون اللازمُ باطلًا ويلتزمه، فهو يعد قولًا له.
الحالة الثالثة: أن يكون باطلا، فإذا ذكر له منع التلازمَ بينه وبينَ قولِه، فهذا لا تجوز إضافته إليه؛ لأنه يكون كذبًا عليه.
الحالة الرابعة: أن يكون اللازم الباطلُ مسكوتًا عنه، فحكمُه أن لا ينسب إلى القائل لتطرق الاحتمال إلى إمكانية التزامه هذا القول.
الثالثة: التكفير بالفعلِ المتحمل.
الأفعال المحتملة هي التي ليست صريحة في دلالتها على الكفر، ودخول الاحتمال فيها يسقط الاستدلال بها على كفرِ صاحبها، ومن هذه الأفعال ما ذكره البخاري في صحيحه (باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله) فمن فعل ذلك فلا يكفر حتى يُنظر في مقصوده ويسأل عن نيته، وهذه أظهر المرجحات وأحوطها، ومن المرجحات التي تعين المراد من العمل العمل – إلى جانب تبين القصد – النظر في القرائن الحالية أو اللفظية، فإن كان متهما بالإلحاد والزندقة كان مرجحا قويا لكونه أراد فعل الكفر، وإن كان من أهل الصلاح والتقوى ترجح عدم إرادته الكفر.
(ص119) قال الناظم:
ورغمَ ما قلتُ من التحذير ** ** لا ينبغي الوقوف في التكفير
إذا بَـدا الكفر جليـًا وظهرْ ** ** من لمْ يكفَّر كافرًا فقد كفرْ
من لم يكفر الكافر كفر، ويستثنى من هذه القاعدة أمور عدة:
(1) أن يكون الشخص جاهلا بحالِ الكافر، بأن لا يعرف شيئًا من حالِه مطلقًا، أو يعرفه ولكن لا يعرف عنه وقوعه في أحد نواقض الإيمان.
(2) أن يتوقف المجتهد عن تكفير شخص معين لاعتقاد انتفاءِ شرطٍ في حقه أو قيامِ مانع من الموانع المعتبرة.
(3) أن يكون الفعل أو القول مختلفًا فيه بين علماءِ الأمة، مثل الخلاف في تارك الصلاة.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أخوكم ومحبكم/ أبو الهُمام البرقاوي

2012/4/14م 1433/5/22هـ
ملاحظة: اطلع الشيخ عصام البشير على الشرح، وأجازَ نشره.
 
عودة
أعلى