سمير القدوري
New member
تاريخ نقد العهد القديم
من القرن 15 إلى القرن17
من القرن 15 إلى القرن17
ألقاها سمير القدوري بدار الحديث الحسنية بالرباط
يوم الأربعاء 20 أكتوبر 2010م
بنية المحاضرة
تمهيد:
- تعريف العهد القديم.
- ذكر بعض ما ألف في تاريخ نقد العهد القديم.
- معنى النقد الأعلى والنقد الأدنى.
القسم الأول من المحاضرة: كشف النصوص المابعد موسوية.
القسم الثاني من المحاضرة: رواد النقد في القرن 16) ومطلع القرن 17م:
كارلشتاد + ماسيوس + جورني + كورنيليوس ألابيد
القسم الثالث من المحاضرة: التأصيل لقواعد النقد الأعلى
توماس هوبز + سبينوزا + ريشار سيمون + يوحنا لوكلير.
التمهيد
المحور الأول
التعريف بكتب العهد القديم
"العهد القديم" مسمى أطلقه النصارى على الأسفار اليهودية, لتمييزها عن أسفارهم المقدسة المسماة بالعهد الجديد.
واليهوديطلقون على كتبهم لفظ المِقْرَا ويجعلونها ثلاثة أقسام هي: التوراة, والـ"نبيئيم“, والـ"كِتُبِيم".
القسم الأول = التوراة (خمسة أسفار):
1- التكوين.
2- الخروج.
3- اللاويون.
4- العدد.
5- التثنية.
القسم الثاني = النبيئيم يعني الأنبياء (وهم فئتان):
[1] الأنبياء الأولون وتشتمل على أسفار:
يوشع. والقضاة.وصمويل(1+2). والملوك(1+2).
[2] الأنبياء الآخرون (وهم درجتان):
[أ] الأنبياء الكبار وتشتمل على أسفار:
إشعياء,وإرمياء,وحزقيال.
[ب] الأنبياءالصغار اثنا عشر سفرا:
هوشع, ويوئيل, وعاموس, وعوبديا, ويونس, وميخا, وناحوم, وحبقوق, وصفنيا, وحجاي, وزكريا, وملاخي.
القسم الثالث = الكيتوبيم أي الكتب وبها أسفار:
المزامير. والأمثال. وأيوب. ونشيد الأنشاد. وراعوت. ومراثي إرميا. والجامعة. وإستير. ودانيال. وعزرا. ونحميا. وأخبار الأيام (1+2).
المحور الثاني
ذكر بعض ما كتب في تاريخ نقد العهد القديم
1) كتاب ”تاريخ الدراسة النقدية التاريخية للعهد القديم“
Hans–Joachim Kraus, Geschichte der historisch-kritischen Erforschung des Alten Testaments, Neukirchen 1982.
ألفه بالألمانية هانز جواكيم كراوس في مجلد من نحو600ص, طبع لأول مرة سنة 1956م ثم أعيد طبعه ثلاث مرات في الأقل.
2) كتاب ”الأسفار المقدسة والنقد العقلاني: تاريخ ورد اعتراضات غير المؤمنين على الكتب المقدسة“
تأليف فولكران فيغورو Fulcran Vigouroux وهو في خمسة أسفار ضخمة باللسان الفرنسي, أفرد السفرين الأولين منه لتاريخ النقد, وأفرد الباقي للرد على الاعتراضات الموجهة لكتب العهد القديم منذ القرون الأولى للمسيحية وإلى القرن 19م, طبع في باريس ما بين 1890-1886.
3) كتاب رتشارد إيليوت فريدمان: ”من ألف الكتاب المقدس“
Richard Elliot Friedman
Who Wrote the Bible
New York, 1987.
4) كتاب ”تاريخ نقد العهد القديم من أقدم العصور حتى العصرالحديث“
صدر بالعبرية تحت إشراف زالمان شازار, ثم ترجم الجزء الأول منه فقط للعربية على يد أحمد محمود هويدي, ونشره المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة, عام 2000م. وهي ترجمة شديدة السقم لغة وعلما لأنها حذفت جميع حواشي الكتاب ولائحة مصادره ومراجعه.
5) كتاب نويل مالكولم: ”أوجه هوبز“
Noel MALCOLM
Aspects of Hobbes,
Oxford, 2004.
قدم فيه عرضا تاريخيا لابأس به لحركة النقد الكتابي في أوروبا قبل وزمان توماس هوبز.
المحور الثالث من المحاضرة
التعريف بمفهوم النقد الكتابي بشقيه
النقد الأعلى.
والنقد الأدنى.
النقد الكتابي la Critique Biblique
النقد: ”هو التدقيق والتحقيق والتثبت في تصديق وتفسير ما يعرض
على نظر الباحث من مكتوب أو مسموع“.
وينقسم من جهة الكتاب المقدس إلى نقد العهد القديم ونقد العهد الجديد. ومن جهة المنهج إلى ضربين من النقد. النقد الأعلى والنقد الأدنى.
الضرب الأول: النقد الأعلى La Haute Critique
ويبحث في وجوه من المسائل
• الوجه الأول في السؤال من أين أتتأسفار الكتاب؟
• الوجه الثاني في السؤال عن هوية مؤلفيها؟
• الوجه الثالث في السؤال عن: متى؟ وأين جمعت تلكالأسفار؟ ولأي غرض؟ ومن جمعها؟
• الوجه الرابع في السؤال عن دخولها في الكتب المقدسة
الضرب الثاني: النقد الأدنى La basse Critique
• يتناول السؤال عن حال نص تلك الكتب:
• هل نقل إلينا نصها على الحال التي كان عليها في الأصول أم أنه اعترته الشوائب بعد طول الأمد, كالزيادة والنقصان, والتصحيف والتحريف؟
• وتقعيد الأصول العلمية لتحقيق النص وتحقيق الألفاظ.
La Critique textuelle ou La Critique verbale
والكلام في هذا الضرب الثاني محتاج لمحاضرة خاصة قصد استيفاء مسائله وأغراضه ومناهجه والحديث عن رجاله. لذلك أرجئت الحديث عنه إلى محاضرة أخرى.
القسم الأول من المحاضرة
كشف النصوص المابعد موسوية وقرع زناد النقد الأعلى
استخرجبعض حذاق أحبار الأندلس من الأسفار الخمسة نصوصا دالة على تدوينها بعد موسى بقرون, لكنهم طلبا للسلامة فضلوا القول بأنها ”نصوص ألحقت في التوراة بعد وفاة موسى.“
نذكر منهم:
1) الحبر الطبيب إسحاق بن يشوش الطليطلي ( - 1040م)وهو اكتشف فقرةمن سفر التكوين [ 36 : 31 – 39] نصها: "وهؤلاء هم الملوك الذين حكموا أرض أدوم قبل أن يُتَوَّجَ ملك في إسرائيل. إلخ..." فقال أن ذلك الكلام كتب بعد أن صار لبني إسرائيل ملوك [بعد وفاة موسى بقرون]. ثم قابل تلك الفقرة بسفر الملوك الأول [11: (14- 19)]ليبرهن أن ملوك الأدوميين المذكورين في التكوين عاصروا حكم يهوشفاط ملك يهوذا [الذي نصب ملكا نحو السنة 596 لوفاة موسى].
2) الحبر المفسر إبراهيم بن عزرا الغرناطي (1084- 1164م)نبه على عدة مواضع في التوراة وقال بأنه "علىمن عرف سرها ألا يبوح به".وهي المواضع التي صارت تعرف لدى النقاد بـ النصوص: المابعد موسوية postmosaicaيعني الملحقة بعد زمن موسى. نذكر منها:ما في نصي التكوين 12: 6و 13: 7(وكان الكنعانيون حينذاك يقطنون تلك الأرض).وما في التكوين 50: 10, العدد 22: 1, التثنية1: 1...5(عبر نهر الأردن).وما في التكوين 40: 15(أرض العبرانيين).وما في التثنية 3: 14 و 34: 6(إلى هذا اليوم).
3) ثم تلاهما ألفُونْسُ توستادو Alfonso Tostado (1400- 1455م):وهو أسقف مدينة آبلة. اعتنى بتأصيل القواعد التي بها تستخرج المواضع المابعد الموسوية Post-mosaica.
في صدر حاشيته على سفر التثنية سأل: "من صنف سفر التثنية؟ هل هو موسى, أم عزرا, أم يوشع بن نون؟ثم أجاب: "لقد شك جماعة من العلماء فيمن صنف ذلك السفر". ثم ساقتفسيره لتلك المواضع المابعد موسوية بقوله: "أنا لا أنكر أن موسى كتب ذلك السفر ... لكن بعد الخراب وحرق التوراة بأيدي البابليين, تولى عزرا النبي كاتب الشريعة, تقييد التوراة -حين فقدت- بوحي من روح القدس وزاد فيها تلك الأشياء وأمثالها."
لذلك عد توستادو من أهم الحلقات الواصلة بين أحبار الأندلس وبين النقاد المسيحيين.
القسم الثاني من المحاضرة
رواد النقد الأعلى في القرن 16ومطلع القرن 17م
1) أندريا بودنشتاين كارلشتاد (1486- 1541م)A. B. Karlstadt
• وهو قسيس ألماني رافق لوثر زمانا ثم فارقه وأسس طائفة جديدة تعرف بـ الأتقياء les Piétistes
• ومن آرائه النقدية التي وصلت إلينا:
• [1] بشأن الفصل من سفر التثنية [34: 5- 12] الذي يحكي تفاصيل وفاة موسى ودفنه. قال بأن موسى لم يكتبه.
• [2] قال بأن مؤلف الأسفار الخمسة لا يعرف ولن يعرف وليس لموسى في تلك الأسفار من نصيب إلا الشيء اليسير.
2) أندرياس ماسيوس (1514 – 1573م) Andreas Masius
• وهو قسيس كاثوليكي بلجيكي من أصل فلاماني تعلم العبرانية في Louvain ثم العربية في روما على يدي المستشرق غيوم بوستيل, ثم تعلم السريانية سنة 1553م على يدي موسى المارديني من بطاركة السريان بمدينة أنطاكية.فمن آرائه النقدية ما ورد في شرحه على سيرة يوشع بن نون(نشره باللسان اللاطيني عام 1573م). قال فيه: بأنه لا يظن أن موسى ألف الأسفار الخمسة التي بين أيدينا, وأن عزرا ورفقاؤه هم من جمع تلك الأسفار من وثائق حوليات كتاب الديوان لأمة العبرانيين.
3) نويل جورني Noël Journet (1554 – 1582م)
• وهو مدرس لغة فرنسية, انتمى للكنيسة الكالفينية لثلاث أو أربع سنين, كانت له دراية بالألمانية. ثم قضى بهولندة مدة من حياته وهناك تشرب نقد العهد القديم, فجهر ببعض ذلك, وألف فيه كتابين سرا, لكن خصومه الكالفينيين وشوا به إلى رجال محاكم التفتيش, فحكم عليه بالموت شنقا وحرقا سنة 1582م هو وكتبه على رؤوس الأشهاد في مدينة ميتز.
• وقد وصلنا من آرائه النقدية نحو 14 اعتراضا ورد بعضها في محاضر المحاكمة, وبعضها الآخر في الكتاب الذي ألفه القسيس يوحنا شسانيو Jean Chassanion راعي كنيسة ميتز Metz في الرد على جورني.
• بعض آراء نويل جورني النقدية:
• يعتقد جورني أن الأسفار الخمسة لم يكتبها موسى:
• لأنها تحكي وفاته ودفنه.(التثنية 34).
• ولأن سفر التثنية ألف في أرض كنعان, وموسى لم يدخلها قط. ( فقرة: ”عبر الأردن“ في التثنية4 : 47).
• ولأن سفر التكوين (35: 25) يطلق على بعض الأماكن أسماء لم تحملها إلا بعد وفاة موسى, كقرية أربع التي يسميها حبرون وإنما سماها بذلك كالب بن يوفنا بعد موت موسى (على ما في سفر يوشع بن نون 14: 13- 15و 15: 13).
4) كورنيليوس ألابيد (1567- 1637م) Cornélius a Lapide
وهو قسيس يسوعي بلجيكي أتم دراساته العليا في ألمانيا وفرنسا, ثم عين سنة 1596م مدرسا للفلسفة واللاهوت في بلجيكا, وفي السنة التي تلتها أعطى دروسا في العهد القديم واللغة العبرية. ثم استدعي للتدريس في روما سنة 1616م.وفي سنة 1623م طلب أن يعفى من مهامه للتفرغ لتحرير شرح تام للكتاب المقدس.
بعض آراء كورنيليوس النقدية
• في شرحه على التوراة قال بأن موسى كتب الأسفار الخمسة في صورة بسيطة فجعلها بمثابة يوميات أو حوليات, ثم رتبها يوشع بن نون وقسمها إلى كتب, ثم أضاف إليها وألحق بها جملا يسيرة.
• لكنه أثناء شرحه لسفر عزرا تمسك بالرأي القائل بأن عزرا الكاتب هو مصحح جميع العهد القديم, وأنه هو من أدرج عبارة ”إلى هذا اليوم“ حيثما وردت في الكتاب.
ولقد نال شرحه على التوراة شهرة واسعة لدى الكاثوليك والبروتستانت على السواء حتى أنه طبع عشر مرات ما بين 1617- 1661م فساهم في شهرة النصوص المابعد موسوية.
القسم الثالث من المحاضرة
التأصيل لقواعد النقد الأعلى في القرن 17م على يدي
توماس هوبز, وسبينوزا, وريشارد سيمون, ويوحنا لوكلير
1) توماس هوبز (1588- 1679م) فيلسوف بريطاني ألف سفرا ضخما في سياسة الدولة سماه كتاب ”المادة وشكل وسلطة الحكومتين الكنسية والمدنية“ ألفه بلسان الأنجليز وطبع سنة 1651م. والفصل 33 منه
سطر هوبز نتائج نقده الأعلى لجملة أسفار العهد القديم باتت أصولا نسج على منواله سبينوزا وغيره ممن أتى بعد هوبز, ونحن نوجز الأصول التي بنى عليها نقده على الصفة التى ترونها الآن:
• 1: ”لا أسلم إلا بلائحة كتب العهد القديم التي سلمت بصحتها كنيسة إنجلترا“ (غرضه بهذا الأصل التخلص من الأسفار الخفية المرفوضة).
• 2: ”ليس لدينا جواب جلي ولا شهادة تاريخية قاطعة على من هم مصنفو الأسفار المقدسة“.
• 3: ”الأسفار المقدسة التي سميت كتب فلان النبي, فذلك غير كاف ولا شاف للجزم بأنه مصنفها إذ لا برهان على أنها من تأليفه “.
• 4: ”إن لم يستطع العقل تحديد هوية مصنفي تلك الأسفار فلا غنى مع ذلك عن العقل لمعرفة متى كتب هذا السفر أو ذاك“.
• 5: ”النصوص المابعد موسوية ليست مجرد زيادات على الأصل الذي ألفه موسى, كما يدعي البعض, بل هي شواهد قاطعة على أن ”أسفار موسى“ كتبت بعد زمان,ه وأنه لم يؤلف جميع ما فيها بالصورة التي هي عليها اليوم“.
• 6: ”موسى لم يحرر بنفسه إلا طرفا يسيرا من تلك الأسفار, ولعله سفر الشريعة المضمن على ما يبدو في سفر التثنية (فصول من 11- 27).
• 7: ”سفر الشريعة ذاك قد فقد زمانا طويلا بعد موسى ثم وجده حلقيا الكاهن (سفر الملوك الثاني 22: 8) فأرسله إلى الملك اليهوذاني يوشيا بن آمون فقرأه الملك على رعيته وجدد لهم ميثاقاهم مع الرب (الملوك الثاني 23: 1- 3).
• 8: ”سفر يوشع بن نون كتب كذلك بعد زمانه على ما يستنبط من مواضع شتى في السفر نفسه“.
• 9: ” الطرق المأصلة من قبل سارية المفعول على سائر الأسفار“.
2) باروخ سبينوزا (1632- 1677م)Spinoza فيلسوف يهودي من أصل برتغالي ولد في هولندة
• ألف كتبا كثيرة منها الرسالة في اللاهوت والسياسة كتبها باللسان اللاطيني وطبعت عام 1670م. وقد شرح في الفصل الثامن وحتى الفصل العاشر منها التأصيل للنقد الأعلى.
فبرهن في الفصل الثامن على زيف نسبة الأحد عشر سفرا الأولى من العهد القديم لمن تنسب لهم في العادة مستندا إلى شواهد من داخل تلك الأسفار, فبدأ بالتوراة ثم ثنى بسفر يوشع وهكذا إلى أن وصل لسفري الملوك.
وفي الفصل التاسع منها بحث مسألة هل كان عزرا آخر من حرر تلك الأسفار؟ ثم أجاب بالنفي, وبين أن عزرا جامع لروايات وجدها عند كتاب متعددين حشرها في مجموع واحد بلا فحص ولا نقد ولا ترتيب.
ثم في الفصل العاشر منها طبق سبينوزا نفس المنهاج النقدي على بقية أسفار العهد القديم.
وأما مسألة نقل سبينوزا لما في كتاب توماس هوبز فلا شك فيها لمن عقد المقارنة بينهما ثم إن مؤرخي النقد الأروبيين بينوا أن كتاب هوبز المذكور نقل للسان الهولندي على يدي صديق حميم لسبينوزا وفي حياته.
وللحديث بقية إن شاء الله مع ما حققه القسيس الفرنسي رشارد سيمون في كتابه "التاريخ النقدي للعهد العتيق" ومنافسه السويسري يوحنا لوكلير في كتابه "آراء لبعض علماء هولندة في كتاب التاريخ النقدي للعهد العتيق للأب ريشارد سيمون".