محاضرات الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب ( الحقيقة والأثر والمنهج ورد....

ابن العربي

New member
إنضم
05/02/2004
المشاركات
58
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
بسم الله الرحمن الرحيم

محاضرات الملتقى الأول لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ( الحقيقة والأثر والمنهج ورد الافتراءات ) وهي عبارة عن ثلاث عشر محاضرة سجلت على أشرطة ونحن هنا نقوم بتفريغ تلك الأشرطة رجاء الانتفاع بها من قبل الخاصة والعامة .

المحاضرة الأولى :" الإمام محمد بن عبدالوهاب حياته وآثاره "
ألقاها فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء .

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأولين والآخرين وإمام المتقين محمد بن عبدالله فصلوات الله وسلامه عليه أبداً دائماً إلى يوم الدين وعلى آله وصحابته أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فنشكر الله جل وعلا أن هيئا هذا الوقف وقف السلام رجالاً سعو جهدهم في إيجاد هذا الوقف وفي بناء هذا المسجد قبل كل شيء ثم وجود هذا الوقف النافع فهذا المسجد الذي أقيم على هذا المستوى وسعى في القيام فيه رجالاً أحسبهم ولا أزكي على الله أحداً ذو إخلاص وحرص على الخير حسب ما علمنا وتعاملنا معهم فلقد قاموا مشكورين بناء هذا المسجد وبالسعي في تشييده والسهر في ذلك حتى خرج هذا المسجد بهذا المستوى الجيد من غير إسراف ومجاوزة ولكنه شيد على طريقة متواضعة نافعة جمعت بين بناء المسجد وهذا الوقف العظيم ونسأل الله للقائمين عليه والساعين في ذلك المثوبة من رب العالمين وليبشروا بالخير فإن الله جل وعلا يثيب العبد على كل عمل صالح يعمله إذا أخلص نيته لله فالساعي في الخير بنفسه بماله بقلمه كل أولئك شركاء في الأجر وفضل الله واسع ومن بنا لله مسجداً بنا الله له مثله في الجنة وإني لأرجو للساعين والقائمين على هذا المثوبة من رب العالمين وأن لا يحرمهم الأجر والثواب وأن يجزي من بذل خيراً خير إنه على كل شيء قدير .

أخواني الأفاضل :
موضوع هذه الليلة افتتاح الملتقى الأول للتعريف بدعوة الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وقبل ابتداءه في هذا نعلم أن الله جل وعلا فضل أمة محمداً صلى الله عليه وسلم فجعلها خير الأمم وأفضل الأمم" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " فبين الله لهذه الأمة مكانتها ومنزلتها وخصوصيتها وهي أنها خير أمة أخرجت للناس فالأمة المحمدية خير الناس للناس إذ هي أمة لها القيادة والسيادة ولها المكانة الرفيعة دينها أكمل الأديان كتابها خير الكتب نبيها أفضل الأنبياء والمرسلين شريعتها أتم الشرائع وأكملها "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " أمة مرحومة وأمة لا يزال الخير فيها باقياً وأمة هي خاتم الأمم وأمة سيضل دينها باقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .

وفي الحديث " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله "
أمة لا تجتمع على ضلالة أمة الخير فيها لا يزال مستمراً كلما ضعف هيئا الله لها من أبنائها من ينهض بها ومن يعيدها إلى الطريق المستقيم ويهديها سواء السبيل .

أيها الأخوة الأفاضل :

بعث الله أنبياءه ورسله مبشرين ومنذرين بعدما بدأ الشرك في قوم نوح وحدث ما حدث بعث الله نوحاً عليه السلام ثم تتابعت الرسل كل رسول يمضي يعقبه رسول بعده " ثم أرسلنا رسلنا تترى " هؤلاء الرسل مهمتهم البشارة والنذارة" رسلاً مبشرين ومنذرين " ومهمتهم إقامة حجة الله على العباد لتنقطع الحجة لألا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل هؤلاء الرسل صفوة الخلق وخيرة الخلق وأفضل الخلق كلفوا بحمل الرسالة فحملوها وأدوا الأمانة ونصحوا لأممهم بذلوا جهدهم في سبيل هداية أممهم فهدى الله من شاء وأضل من شاء ما من نبي بعث إلا وله أعداء يخاصمونه ويجادلونه ويكذبونه ويقابلون دعوته بالتكذيب والإنكار " وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون "

تلك العداوة للرسل ليست لهوان الرسل على الله ولكن تلك العداوة للرسل فيها فائدة كبرى وهي :
1/ عظيم ثواب الرسل بصبرهم وثباتهم

2/ ليتميز الحق من الباطل فإذا وجد الأعداء والخصوم والمناوءون وجد في مقابلهم من يدافع عن الحق ويناظل عن الحق والهدى رسل الله تفاوتوا في كثرة الأتباع فمن رسل الله من يأتي ليس معه أحد ومنهم من يأتي ومعه الرجل والرجلان وليس ذلك لقصور في بيان الرسل ولكن الله يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله .

تتابعت الرسالات وعمت جميع الخلائق " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وهم متفقون على أن التوحيد أول مبدأ رسالتهم " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " والرسل متفاوتون في الفضل فأولي العزم أفضلهم " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات " فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتمهم سيد الأولين والآخرين أولئك أولي العزم " فاصبر كما صبر أولي العزم من الرسل " وتميز الخليلان إبراهيم و محمد بأنهما أفضل أولي العزم ثم اختار الله سيد الأولين والآخرين ليكون أفضل الجميع وسيد الجميع وإمام الجميع " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " حقاً إنه سيدهم وإمامهم وأنه الشاهد على الأمم أن الرسل قد بلغتهم رسالات ربهم ختمت أنبياء بني إسرائيل بعيسى ابن مريم وقد بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم لقرب عهده به " إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " رفع الله عيسى إلى السماء واندرست بطول الزمن الملة الحنفية اندرست بطول العهد فما بين محمداً وعيسى زهاء ستة قرون لم يكن فيها نبي وإنما بقايا على الملل السابقة بقايا من اتباع عيسى والمتمسك بشريعته يقلون وينفذون حتى وجد زمن لم يبقى على الأرض من يعرف الحق أحداً
فأظلمت الأرض بالجهالات والضلالات وأظلمت بالطغيان والفساد " "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس " فرحم الله الخليقة بهذا النبي الكريم محمد بن عبدالله هذا النبي من ولد إسماعيل بن إبراهيم " إن الله اصطفى إسماعيل واصطفى من إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فأنا خيركم حسباً ونسباً "

أشرقت الأرض بعد ظلماتها واستنارت واهتدت بعد الغواية بإطلالة مبعث محمداً صلى الله عليه وسلم بعث هذا النبي الكريم كما قلنا على حين فترة من الرسل واندراس من العلم واختار الله له بلده مكة شرفها الله التي ولد فيها وأسلافه إلى إسماعيل كلهم فيها وترعرع فيها ونشأ فيها وعاش بين أهلها لمدة أربعين عاماً " الله أعلم حيث يجعل رسالته " فاختاره الله لأن يكون النبي الخاتم للأنبياء والرسالات بعثه بما بعث به إخوانه الأنبياء والمرسلين ليدعوا إلى توحيد الله ليدعو إلى إخلاص الدين لله بعثه في زمن كانت الأرض تعج بملل متطاحنة وآراء متباينة وملل مختلفة يهودية ونصرانية ومجوسية ووثنية هذه أصول الملل ويدخل تحتها أنواع ابتدأ النبي الكريم دعوته بمكة يدعو العرب عشيرته بني عمه أقاربه رحمه يدعوهم إلى لا إله إلا الله .ليقولوها ويعملوا بمقتضاها وينصروها ويؤيدوها ويحملوا لوائها فلما ابتدأ الدعوة قوبل بالتكذيب والإنكار وعورضت دعوته وأوذي اتباعه وجرى ما جرى وهو صابر محتسب يدعو إلى الله سراً وجهاراً وليلاً ونهاراً يعرض نفسه على أندية العرب وملتقيا تهم وفي مواسمهم يدعوهم إلى الله ويتلو عليهم القرآن فمن مستجيب وهم قليل ومن صاد ومن متوقف ومن ومن ولكن واصل دعوته وهاجر إلى المدينة وفرضت الفرائض وأوجبت الواجبات ودخل الناس في دين الله أفواجاً فما توفى صلى الله عليه وسلم إلا وجزيرة العرب قد انقادت لدعوته واستجابت لطريقته ودخلوا في دين الله أفواجاً فأقر الله عينه وشرح صدره فصلوات الله وسلامه عليه .

توفي صلى الله عليه وسلم وقد ترك أمته على المحجة البيضاء والطريقة الواضحة الجلية ليلها كنهارها أنحرف من أنحرف من العرب وارتد من ارتد من العرب وكاد الإسلام أن يذهب وكاد دولة الإسلام أن تقيض وكاد، وكاد ولكن ثبت الله قلوب أصحابه الكرام ولا سيما الصديق رضي الله عنه فظهر من قوة إيمانه ويقينه وقوة غيرته على دين الله ما تحققت به معجزة النبي حيث أشار بخلافته وأومأ أو نص على خلافته فقام بالمهمة خير قيام إلى أن رد العرب إلى حضيرة الإسلام وقضا على مدعي النبوة وعلى كل معارض ومجادل فعاد الناس إلى حضيرة الإسلام ثم انطلقت تلك الجحافل المؤمنة شرقاً وغرباً تفتح القلوب والبلاد وتنير الطريق وتهدي العباد وتخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والهدى مضى على ذلك حقبة من الزمن ولكن من حكمة الله أن يكون بين الحق وبين الباطل نزال وجدال وأن الحق لا يمكن أ ينفرد وحده بل لا بد من الباطل يقارنه ليظهر الحق من الباطل " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" فالحق لا بد أن يقارنه باطل حكمة الله " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين " .

بدأت تلك الظاهرة متمثلة في فرقة الخوارج الذين خرجوا في أواخر عهد عثمان فقالوا في عثمان بآرائهم الباطلة وأفها مهم الخاطئة ما قالوا إلى أن قتل الخليفة ظلماً وعدواناً فسل السيف على أهل الإسلام وعاث المسلمون في دمائهم وخرجت الخوارج على علي لتكفر علي والصحابة وتدعي أنهم كفار فارقوا الشرع وعصوا الرب وهكذا إلى أن قاتلهم الصحابة ولكن بقاياهم لا يزالون يتواجدون ثم خرجت فرق شتى وضلالات متباينة كلها شذت عن منهج الله القويم وعن طريق المستقيم ونبينا قد قال لنا :" إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله " لكن لما فرطت الأمة في هذا الاعتصام بكتاب الله وبدأ الضعف حصلت تلك المبادئ والبدع والآراء المتباينة الضالة والنبي أخبرنا " أن خير القرون قرنه ثم الذين يلونه ثم الذين يلونه فما مضى القرن الثالث إلا وقد لوث العالم الإسلامي ببدع وأفكار غريبة وآراء باطلة هدامة وفدت إليها من أفكار غير المسلمين ومن تراث اليونان وغيرهم من فلاسفة وغيرهم وما زال هذا الباطل ينمو حتى حورب أصل الإسلام وشيد البناء على القبور وطيف بها كما يطاف بالبيت العتيق وحصل على الإسلام من النكسات ومن الآلام ما الله به عليم وتتابعة الفتن والمحن على هذه الأمة ولكن مع كثرة الفتن والمحن فالشرع لا يزال قائماً لأن الله ضمن لهذا الدين البقاء والقرآن لا يزال محفوظاً والسنة لا تزال محفوظة " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " وفي كل قرن يهيئ الله لهذه الأمة من يجدد لها معالم دينها ومن يردها إلى الصواب ومن يهديها إلى الطريق المستقيم فما موقف أئمة الإسلام وعلماء الصحابة ثم التابعون وتابعيهم وما موقف الإمام أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة والبخاري ومسلم وأبو خزيمة وغيرهم من أئمة الإسلام وما مواقف من جاء بعدهم ومن سار على نهجهم من علماء الأمة في شرق الأرض وغربها يناضلون عنها هذه الشريعة ويدافعون عنها ويوضحون الحجة ويدحضون بالحق الباطل " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " .

وجاءت حروب التتار وكم قتل من المسلمين من قتل ودمر من مساجدهم وأتلف من تراثهم ما أتلف ومع هذا فقد عادت الأمة بعد جراحها قوية ....

وجاءت الحروب الصليبية إلى غير ذلك مما توالت على الأمة من محن وفتن ومع هذا كله فشرع الله لا يزال عزيزاً باقياً مهما حاول الأعداء القضاء عليه " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون " فشت البدع في الأمة بدع الشرك وتعظيم القبور والطواف بها والذبح إلى أهلها والاستغاثة بهم والالتجاء إليهم وضعف التمسك بالدين وعادت بعض دول الإسلام إلى مشابهة الجاهلية في عدم وجود الحق وعدم من يقوم لهذا الدين بالدعوة والتوحيد .

أما جزيرة العرب ماعدا الحرمين وخاصة نجد فقد عادت في القرون المتأخرة في جهالة وبعد عن الخير فليس فيها مطامع لأحد صحراء قاحلة لا يأتيها إلا أفذاذ من الناس هاربين ولاجئين إليها عندما تضيق بهم الأمور في بلادهم كانت نجد في غاية من ..... والقلة والضعف منذ حرب اليمامة في عهد الصديق ونجد أخبارها طويت أو ضعفت وقلت .

وفي مطلع القرن الحادي عشر وفق الله بفضله رجلاً من أبناء هذا البلد هداه الله للطريق المستقيم ومن عليه بفهم كتاب الله وبفهم سنة محمداً صلى الله عليه وسلم وفهم ما عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان وخيار هذه الأمة فقرأ كتاب الله وفهمه وقرأ سنة رسول الله وألم وتتلمذ على علماء عصره ...... الرأي والعلم في الاحساء والبصرة والمدينة ومكة وفي بلده يتلقى العلم ويتلقى التحصيل وقد فتح الله على قلبه فقارن بين واقع مجتمعه ومادل الكتاب والسنة عليه فرأى أن هذا المجتمع مجتمع يعيش على أمور تخالف شرع الله لا سيما في أصل الدين وأساسه فأرتد أن يدعو قومه إلى الله وأراد أن يبين منهج الله وأراد أن يكشف لهم الحقيقة ويريهم المنهج القويم ويدلهم على كتاب ربهم وسنة نبيهم وهدي أئمة الهدى من الصحابة ومن سار على نهجهم لكن القوم قد أشربوا الباطل ونشئوا وهرموا عليه فعندما ابتدأ الدعوة إلى الله قوبل بالإنكار وقوبل بالتكذيب وقوبل بالعداء وقيل له جئت الناس بما لا يعرفه آبائهم وقيل له إنك أتيت بمذهب خامساً زائد على المذاهب الأربعة وقيل، وقيل لكنه لم يلتفت لتلك الأمور بل شد المئزر وقام لله قيام صدق وإخلاص وعلم الله ذلك منه فوفقه وأعانه .وكان يعرض دعوته لمن يثق به ممن يرجوا أن ينصرها ويؤيدها ولكن الله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم فعندما ضاقت بالشيخ الحيل وضاقت به الأرض بما رحبت ولم يجد ناصراً ولا مؤيداً لجاء إلى الله وفوض أمره إلى الله واستعان بمن هو على كل شيء قدير .

فسخر الله له وهيئا الله له إمام من أئمة المسلمين وفرداً من أفذاذ ذلك الزمان ألا وهو الإمام محمد بن سعود بن مقرن آل سعود فقبل هذه الدعوة واقتنع بها وارتضاها واطمئن إليها وشرح الله صدره لها فآوى الشيخ وأيده ونصره ودافع عنه واتخذه أمام له يقتدي به ويتأسى به ويسمع ويطيع لتوجيهاته لأنه يراها حقاً وهدى وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء فهذا الإمام رحمه الله لما بين له الحق شرح الله صدره لقبوله واطمئن لذلك وعاهد الشيخ على القيام بالدعوة إلى الله ونشر هذه الدعوة في هذا البلد وما جاورها عسى الله أن يجعل فيها خيراً وعسى الله أن يوفق لقبولها فقام الإمامان بهذا الواجب لكنهم فوجئوا بالعداء من قومهم ولا سيما بعض المنتسبين إلى العلم الذين يرون أن في انضوائهم تحت هذه الدعوة سلباً لصلاحياتهم وإذهاباً لمكانتهم وتحولهم من أمة متبوعة إلى أناس تابعين عند ذلك أوضح الشيخ طريقته بالتدريس والكتابة للعلماء والمسؤولين في كل قطر يعرض عليهم منهجه ودعوته وأنه لم يأتي الناس بأمر غريب ولكن جاء بكتاب الله وبسنة رسوله ويطلب من كل من وقف أن يبدي اعتراضه أو يوضح منهجه أو يقدح في هذا المنهج الذي جاء به حتى يتبين هل قدحه مبني على حق أم منطلق من هوى وتعصب بغيض هذه الدعوة مضت في سبيلها محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب جاهدا في الله وسارا يدعوان كل من حولهم إلى الانضواء تحت هذه الدعوة وسماع الحق والعمل به وقبوله ولاطمئنان إليه فيستجيب من يستجيب وينأ من ينأ ولكن بطول الزمن ولله الحمد وصبر أولئك مكن الله لهذه الدعوة فوضح أمرها واستبان للناس منهجها واستفاد منها من في هذه البلد ومن غيرها من العالم الإسلامي وعرفوا أنها دعوة صالحة ومنهج إسلامي كتاب وسنة وما أجمع عليه سلف هذه الأمة .

أيها الأخوة
لكل داع إلى الله عدو حتى يكون هذا العدو سبباً في انتشار هذا الحق ووضوح هذا السبيل وأعداء الشيخ قالوا عنه ما قالوا وافتروا عليه من الأباطيل ما افتروا ولكن ولله الحمد ذهبت تلك الأباطيل ووضح الحق واستبان الهدى " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا"

كانت نجد والجزيرة متفرقة في ولايتها فجمعهم الله على إمام واحد وكان الفقر سائد فأغناهم الله وكان الجهل متمكناً فعلمهم الله وكانت العصبية رافعة لوائها فأزالها الله بهذه الدعوة الصالحة التي جمعت القلوب على الخير والهدى والعلم النافع والاتحاد على الكتاب والسنة والأخوة الإيمانية الصادقة القائمة على هذا المنهج العظيم دعوة أصلحت القلوب والبلاد دعوة جلبت الخير والرغد ودعوة بصرت من العمى وهدت من الجهل إذ هي دعوة سارت في منهجها على منهج محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم لم تكن هذه الدعوة من تلقاء الشيخ من فكره ورأيه ولا من كتاب قلده ولكنها دعوة من كتاب وسنة وهو لا يدعي لنفسه العصمة ولكن يدعو من خالفه إلى أن يقول فيما قال أي كلمة ولهذا يخاطب بعض من يناوئه قائلاً : وإني أشهد الله وملائكته ومن حضرني من عباده المؤمنين أنكم لو قلتم في شيء مما قلته أنه مخالف للكتاب والسنة لكنت أول الناس رجوعاً عنه ولكني ولله الحمد على طريق مستقيم ملة إبراهيم حنيفاً وما أنا من المشركين " .

لقد تنوع خصومه في عيبه وفي ذمه وفي القدح في دعوته بأمور عظيمة وشبه باطلة .
أما هذه الدعوة الصالحة فقد قامت على أمور :
على توضيح الدين للأمة وهداية الناس إلى طريق الله المستقيم كانوا يعبدون الأشجار والأحجار ويطوفون بالقبور ويحكم فيهم الكهان والمشعوذون والسحرة والطغاة فأبدل الله ذلك بدين الإسلام بوضوح الشريعة فاعتنقوها عن إيمان وقناعة .

كان الشرك ظاهراً والتوحيد خفياً إلا عند نزر من الناس فجاءت هذه الدعوة لترفع لواء التوحيد لا إله إلا الله لتوضيحها وبيانها وبيان شروطها وأركانها حتى تكون العبادة لله خالصة كان الناس يخضعون للأعراف الجاهلية والقوانين الظالمة فجاءت هذه الدعوة لتقول للناس مرجعكم فيما تنازعتم فيه كتاب الله وسنة رسوله " وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً "

خالفتمونا في أنكم قلتم الأولياء يعظمون وتطلب الشفاعة منهم وإلى غير ذلك . ونحن نقول أولياء الله حقاً هم المتقون والشفاعة ملك لله لا تطلب من غيره وإنما تطلب منه جل وعلا " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه قل لله الشفاعة جميعاً "

تنازعتم في أعراف الجاهلية وأحكامها الباطلة ونحن نقول ردو التنازع إلى الكتاب والسنة ليحكم فيكم كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم

دعوة جاءت لتقول للناس أيها الناس اتبعوا الكتاب والسنة ودعوا التعصب الباطل الذي حقيقته قبول الآراء بلا دليل والجمود على آراء الناس بلا حجة فكتاب الله واضح المعالم وسنة رسول الله بينة فاعملوا بها ودعوا التعصب للمشائخ وأرباب الطرق وسيروا على المنهج القويم .

جاءت هذه الدعوة لتقول للناس الاجتهاد لم يغلق بابه وكل مسلم يجتهد في البحث عن الحق من مصادره الأساسية وأما أن نتمسك بعادة وتقليد لا أساس لها فذاك عين الباطل .

جاءت هذه الدعوة لتقول للناس انظروا إلى ما دل الكتاب والسنة عليه وما أجمع عليه سلف الأمة فإن الله يقول :" ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا "
فنحن ندعوكم إلى ما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين أجمعوا على أن العبادة بكل أنواعها حق لله أجمعوا على أن من ذبح أو دعا غير الله فإنه بهذا قد أتى كفراً وضلالاً أجمعوا على وجوب اتباع الرسول والإيمان به وتحكيم سنته وتقديمها على كل الآراء والأقوال .

أجمعوا على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف أجمعوا على أن مرجع الناس الكتاب والسنة ليس لهم مرجع سواه .
جاءت هذه الدعوة لتقول لهم أيضاً يا أيها الناس دعوا تعظيم أرباب الطرق وعظموا الرسول واتباع الرسول عظموا رسول الله بأي شيء باتباع سنته بتحكيم شريعته بطاعة الله " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله "

جاءت لتهذب العقيدة وتنقيها من أدران الشرك وأنواع البدع حتى عاد هذا المجتمع في زمن شابه به أيام محمد بن عبد الله من حيث التمسك والعمل والقيام بالواجب فالحمد لله رب العالمين إن خصوم هذه الدعوة أرادوا تشويهها ونقلوها إلى غيرهم بصورة مشوهة كاذبة فمما قالوا : إن أرباب هذه الدعوة حكموا على الناس بالكفر وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب كفر عموم الأمة وحكم عليها بالكفر والخلود في النار " كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا " والشيخ قد تبرأ منها ولم يأتي ليكفر الناس جاء ليدعوا الناس ويهديهم إلى سواء السبيل ولم يقل للناس بأنهم كفار وهو لا يكفر إلا من كفر الله ورسوله ممن عرف الحق فحاد عنه كبراً وعناداً .

قالوا إن ابن عبد الوهاب كفر من لم يستجب له وزعم أن المسلمين الذين لم يخضعوا لدعوته كفار وقد رد هذا القول وتبرأ منه وقال " سبحانك هذا بهتان عظيم " .

قالوا عن الشيخ إن مذهبه مذهب الخوارج لماذا ؟ قالوا إنه يحكم على من عبد القبور وطاف بها بأنه حلال الدم ..... والشيخ برئ من مذهب الخوارج كله الشيخ برئ من مذهب الخوارج وبرئ من كل المذاهب الضالة وهو على منهج مستقيم يدعو إلى الله على علم وبصيرة
قالوا عن الدعوة أيضاً إنها مذهب خامس والشيخ يتبرأ ويقول نحن في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل إلا أن يتبين دليل يخالف ذلك المنهج .
قالوا إن الشيخ ابن عبد الوهاب لا يصلي على النبي والشيخ يرى أن الصلاة على النبي في الصلاة ركن من أركانها .

قالوا إنهم يقولون اللهم صلي على محمد يقصد نفسه محمد وكل هذا من الاغاليط والأكاذيب .
قالوا إنه يقول لو أتستطيع أن أهدم قبر النبي لفعلت .
وقالوا إنه يقول العصا التي أحملها أحب إلي من محمد .
وقالوا عنه ما قالوا وأنه يكفر أهل القبلة وأنه وأنه
وكل هذه آراء باطلة وأكاذيب وتشويه للحقيقة لكن مع مرور الزمن استبان لكل ذي لب سليم أن هذه الدعوة دعوة صادقة خالصة وأن مناوئيها قد افتروا الكذب والله جل وعلا حكيم عليم في ذلك .

أيها الأخوة هذه الدعوة دعوة إلى الخير وكل ما نعيشه في هذا البلد وآثار ذلك الأمن والرغد إنما هي من آثار تلك الدعوة الصالحة رحم الله من دعا ومن أعان ومن نصر ومن أيد ووفق الله البقية للخير ووفق الله ولاة أمرنا للخير والصلاح وجعلهم أئمة هدى وحماة لهذه العقيدة والمدافعين عنها .
أيها الأخوة تعلمون رحمكم الله أن هذا البلد اليوم يعاني حملات ضالة شرسة قائمة على الحقد والكراهية لهذا الدين وأهله إعلام جائر وقنوات مفسدة ضالة ووسائل إعلام منحرفة لا يهمها سوى الكذب والأباطيل وتشويه الحقيقة وتناسي الفضائل علينا جميعاً أن نتمسك بدين الله وأن نعتصم بحبل الله جميعاً وأن نتآمر بالمعروف ونتناها عن المنكر فيما بيننا وأن نحفظ شبابنا ونسعى في جمع كلمتهم ونسعى في تحذيرهم من دعاة السوء من دعاة الفتنة من الدعاة الذين يحبون أن يضلوا هذه الأمة بعد هداها وأن يفرقوها بعد اجتماعها وأن يلقوا بينهم العداوة والبغضاء حسداً لما رأوا في هذا البلد من النعمة والفضل

نحن محسودون على ديننا الذي جمع الله به قلوبنا إذ القلوب لا تجتمع إلا على هذا الدين نحن محسودون على أمننا الذي نعيشه والعالم في اضطراب وقلق وانقسامات سياسية وتناحر حزبية ونحن نعيش في هذا البلد في أمن واستقرار محسودون على رغد العيش الذي تفضل الله به علينا وعلى هذه القيادة التي نرجو من الله أن يأخذ بناصيتها إلى ما فيه الخير والصلاح للأمة في حاضرها ومستقبلها .

يا شباب الإسلام تمسكوا بدينكم وحافظوا على إسلامكم وحذروا دعاة الضلال وحذروا دعاة الفتنة وحذروا ممن يريدون أن يلقوا في قلوبكم بشر أو يحدثوا في قلوبكم شر أو يكرهوا إليكم بلادكم ودينكم أو يسخروكم لتنفيذ باطلهم وأغراضهم الدنيئة فتمسكوا بهذا الدين وتمسكوا به لعلكم تفلحون
أسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويجمع قلوب المسلمين على طاعته ويولي عليهم خيارهم وأن يصلح ولاة أمرنا وأن يرزقهم الاستقامة على الهدى وأن يعيذنا وإياهم من نزغات الشيطان

وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله وعلى آله وصحبه . ( 1 )


-------------------------------
(1) النقاط التي في النص كلمات لم تكن واضحة في الشريط .
 
جزاكم الله خيراً على هذا العمل ، وما رأيكم لو قمتم بالاختيار والانتقاء لما ترونه مناسباً منها ، فأخشى أن يطول عليكم الأمر. أسأل الله لكم العون والسداد.
 
أنظر أيضا هذا الرابط وأدخل في :
المؤتمر العلمي الأول .
كان موضوعه القاضي عبد الوهاب فهناك تجدون مواضيع المحاضرات
التي حسب علمي لم تنشر بعد.

موراني
 
عودة
أعلى