ضيف الله الشمراني
ملتقى القراءات والتجويد
بسم1
تنبع أهمية اللغة العربية من كونها لغة القرآن الكريم الذي تكفّل الله سبحانه بحفظه، فحفظ القرآن يلزم منه حفظ هذه اللغة العظيمة، ولا يوجد في أي لغة أخرى من الميزات والخصائص ما يوجد في هذه اللغة؛ (ولذلك خصّ الله سبحانه اللسان العربي بالبيان؛ فسائر اللغات قاصرة عنه، وواقفة دونه، فإن قال قائل: فقد يقع البيان بغير اللسان العربي؛ لأن كل من أفهم بكلام على شرط لغته فقد بيّن، قيل له: إن كنتَ تريد أن المتكلم بغير اللغة العربية قد يُعرب عن تفسه حتى يفهم السامع مراده، فهذا أخس مراتب البيان؛ لأن الأبكم قد يدل بإشارات وحركات له على أكثر مراده ثم لا يُسمى متكلماً، فضلاً عن أن يُسمى بيناً أو بليغاً. وإن أردتَ أن سائر اللغات تبين إبانة اللغة العربية فهذا غلط؛ لأنا لو احتجنا أن نعبر عن السيف وأوصافه باللغة الفارسية لما أمكننا ذلك إلا باسم واحد، ونحن نذكر للسيف بالعربية صفات كثيرة) قاله ابن فارس في كتابه الصاحبي.ويذكر شيخ الإسلام ابن تيميّة -رحمه الله- أن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.
ولا ريب أن اللغة العربية صالحة لكل زمان ومكان، فهو أوسع اللغات، وأقدرها على مواجهة الواقع بظروفه وتحدياته ومتغيراته ومخترعاته، لكن ذلك لا يمكن مالم يتصدّ العارفون بها لذلك، ويهبوا هبة رجل واحد ليحموا جنابها الشريف من تدنيس اللحون الخفية والجليّة.
وقد قامت المجامع اللغوية في مصر والشام والعراق وغيرها بجهد مشكور، وعمل مبرور في سبيل معالجة النوازل اللغوية على وجه الخصوص، غير أن الخرق اتسع على الراقع، فلم يكن بدّ من أن يجتهد كل بما يقدر عليه سواء بتصنيف الكتب والرسائل، أو كتابة المقالات، أو إنشاء المواقع الإلكترونية، وما إلى ذلك.
وأحسب أن من أبرز من ساهم في سبيل الرقي بهذه اللغة الجميلة، وتصحيح أخطاء الناطقين فضيلة الشيخ العلامة الدكتور عبد العزيز بن علي الحربي -حفظه الله- أستاذ القراءات والتفسير بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهو عالم متفنن، أولى اللغة عناية خاصة فدرس متونها على العلماء الأفذاذ مثل الشيخ اللغوي البحر أحمدُّ الشنقيطي -رحمه الله-، وكتب المؤلفات في علوم اللغة عامة، ففي النحو شرَح الآجرومية والألفية، وفي الصرف كتب القرعبلانة، وفي البلاغة صنف الميسر، وفي اللغة ألف مفاتح المقصورة، وفي التصحيح اللغوي رقم لحن القول، وغير ذلك.
والشيخ الحربي ينصح طالب العلم أن يضرب في علم النحو والصرف ودلالة الألفاظ ومعانيها بسهم وافر، ويعلل ذلك بأن من لا معرفة له بعلم اللغة لا ثقة بعلمه، ويؤكد بأنه لا يعرف في التاريخ مجتهداً لم يتضلع في علوم اللغة.
وقد أحبّ الشيخ الحربي المساهمة في خدمة اللغة العربية بإنشاء مجمع لغوي على الشبكة الإلكترونية، وكتب في ذلك مقالاً إليكموه:
لم تزل اللّغة العربية ولا تزالُ وستظلُّ قائمةً على أصولها خالدة باقيةً ببقاء القرآن المنزل بلسانٍ عربي مبين، على قلب النبيّ صلى الله عليه وسلم معجزةً ومنهجًا، الذي عهد الله إلى نفسه بحفظه، ولم يستحفظه أحدًا من خلقه .. فالقرآن الكريم هو الضامن لبقاء العربية وهو حافظها وكالئها، وكلّما عُني أهل الإسلام بتدبر القرآن وآياته اتّسعت بحار اللّغة وظهر الكامن من جوهرها، وخرج منها لؤلؤها ومرجانها، وكلّما عُني حذاق الغوّاصين بأعماق العربية ازدادت معرفتهم بكلام ربّهم ورأوا فيه آيات لم يعرفوها من قبل، وإن كانت تتلى عليهم ويتلونها آناء اللّيل والنهار. ألا فليعلم من أراد أن يعلم أنّ من قدم بين يدي هذه اللّغة علمًا ينتفع به أو عملاً صالحًا يدعو إليه، أو صَدَفةً (بالفاء) جارية يخرجها من بحرها العذب، فإنّما يخدم بما فعل كلام ربّه الأعلى، الذي هو ذكر لنا، أي: شرفٌ لنا، وبه نبلغ السماءَ مجدُنا وجدودنا، وإنا لنرجو مظهرًا فوق ذلك، جوار رَضوان لا جوارَ مالك.
ولطلاب المعرفة، وعُشَّاق العربيّة، ومحبِّي لغة القرآن أقدّم (مجمع اللّغة العربية على الشبكة العالمية) ليكون جامعًا لروّاد فضائها، والعاملين بحكمها وقضائها الماضين كابن مضائها، على سَننها ومضائها. وإني لأدعو من يجيب إلى النداء، وأحس من نفسه قدرة على المشاركة بالنهوض بلغة الضاد، والذّود عن حياضها أن يمدّ يده بقلمه، وأن يشاركنا برأيه وكلِمه، وأن يُمدّنا بمعرفته، وعلمه وخبرته، وإني لأعلم أن في الدّارسين في بلادنا وفي غيرها من هو خيرٌ مني وأقدر، وأقوم قولاً، وأكثر طولاً، وأفرغ سَبحًا، وأضوء صبحًا، ولكن ماذا يصنع من يرى القادرَ الهمام، عاجزًا عن التمام، غافلاً عمّا يعمل الظالمون بهذه اللّغة الخالدة، التي لم تزل وليدة وهي والدة.
وقد أعدّ موقعه في الشبكة بهذا الرّمز (www.m-a-arabia.com)، وسيكون انطلاقه بعون الله وتوفيقه قريبًا بعد جمع أعضائه واجتماعهم، والله وليّ التوفيق.