أبومجاهدالعبيدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,760
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
- الإقامة
- السعودية
- الموقع الالكتروني
- www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا هو الدرس الثاني من دروس علوم القرآن ، وسيكون في موضوع مهم من موضوعات هذا العلم ، وقد وقع أكثر من كتب فيه من المؤلفين في علوم القرآن في أخطاء وزلات ينبغي التنبه لها والحذر من الوقوع فيها .
وسيكون الحديث في هذا الموضوع في مسائل :
المسألة الأولى :في معنى النزول :
النزول في اللغة : النزول في الأصل انحطاط من علو ، ويطلق ويراد به الحلول ، كقوله تعالى : ( فإذا نزل بساحتهم ) أي : حلّ . يقال : نزل فلان بالمدينة : أي حل بها .
وأمّا معنى النزول في الشرع فهو نفس معناه في اللغة ، فالمراد الشرعي بكلمة "نزول" هو حقيقتها اللغوية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ليس في القرآن ولا في السنة لفظ "نزول" إلا وفيه معنى النزول المعروف ، وهذا هو اللائق به ، فإنه نزل بلغة العرب ، ولا تعرف العرب نزولاً إلا بهذا المعنى ، ولو أريد غير هذا لكان خطاباً بغير لغتها ، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان ، وهذا لا يجوز ....) اه من مجموع الفتاوي [ 12/257 ] .
إذا تقرر هذا تبين لنا خطأ من قال : إن المعنيين اللغويين للنزول لا يليقان بنزول القرآن على وجه الحقيقة لاقتضائهما الجسمية والمكانية والإنتقال ، فلا بد من حمل نزول القرآن على معنى مجازي ، وليكن هذا المعنى المجازي لإنزال القرآن هو الإعلام في جميع إطلاقاته ، إلى آخر ما ذكروه في هذا المعنى . [ذكر معنى هذا الكلام كثير ممن ألف في علوم القرآن وتكلم عن نزوله ، ومن أشهرهم الزرقاني في كتابه المعروف :مناهل العرفان 1/42-43 ، والشيخ محمد أبو شهبه في كتابه : المدخل لدراسة القرآن الكريم ص 44 ، 45 . ]
فهذا الكلام الذي ذكروه مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة ، ولا حاجة لتفسير النزول بمعان مجازية غير معروفة في الكلام العربي الذي نزل به القرآن .
فنزول القرآن نزول حقيقي ليس بمجاز ، ويدل على هذا بوضوح الآيات التي جاء فيها توكيد لفظ النزول بالمصدر ، كما في قوله تعالى : ( ونزّلناه تنزيلاً ) ، وقوله سبحانه : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً ) .
قال النحاس رحمه الله في إعراب القرآن 1/ 507 : ( وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازاً ) اه .
يمكن الرجوع إلى المراجع التالية لمن أراد الإستزادة :
1- كتاب القراءات وأثرها في التفسير والأحكام
2- كتاب الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية كلاهما للشيخ محمد بن عمر بازمول .
3- كتاب مناهل العرفان للزرقاني دراسة وتقويم للشيخ خالد بن عثمان السبت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية من مسائل نزول القرآن : كيف أنزل القرآن ؟
من المعلومات التي لا مجال للشك فيها في دين الإسلام أن القرآن الكريم لم ينزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جملة واحدة كما هو الشأن في الكتب السالفة كالتوراة والإنجيل ، وإنما نزل مفرقاً حسب الوقائع والأحداث منذ البعثة حتى آخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام . قال تعالى : (وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ) . وقال جلّ وعلا : ( وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً ) .
ولا يتعارض هذا مع الآيات التي صرح فيها بإنزال القرآن في شهر رمضان في الليلة المباركة التي هي ليلة القدر كما في قوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) ، وقوله سبحانه : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) ، وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) .
فالمراد بإنزال القرآن في الآيات الثلاث السابقة إما ابتداء نزوله كما ذهب إلى ذلك بعض علماء السلف ، وهو وجه محتمل . وأقوى منه أن المراد بالإنزال في هذه الآيات ما صح وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أنه نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا .
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) قال : نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا ، فكان الله تبارك وتعالى ينزّل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض ، قالوا : (لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ) .[ أثر صحيح أخرجه ابن جرير والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات وقال محققه عبدالله الحاشدي : إسناده صحيح ، وكذا صححه السيوطي في الإتقان ، وقد خرجه محمد بازمول بالتفصيل في كتاب القراءات وأثرها في الأحكام 1/ 35 ، وذكر أن إسناده صحيح ] .
تنبيه مهم : لا يفهم من أثر ابن عباس السابق ، وغيره من الآثار في هذا المعنى أن نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كان من السماء الدنيا بواسطة جبريل عليه السلام ، بل الصحيح أن نزول القرآن عليه صلى الله عليه وسلم كان من الله جل وعلا مباشرة بواسطة جبريل عليه السلام ، حيث تكلم الله بالقرآن ، وتلقاه منه جبريل ، ثم نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم فتلقاه منه ، كما دلت على ذلك الآيات التي فيها التصريح بأن القرآن نزل من الله إلى رسوله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ... وكذلك قد أخبر في غير موضع من القرآن أن القرآن نزل منه ، وأنه نزل به جبريل منه ، ... قال تعالى : ( أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ) ، وقال تعالى : ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ) .... فبين أن جبريل نزّله من الله لا من هواء ، ولا من لوح ، ولا من غير ذلك ..........
فقد بين الله في غير موضع أنه منزل من الله ، فمن قال إنه منزل من بعض المخلوقات كاللوح والهواء فهو مفتر على الله ، مكذب لكتاب الله ، متبع لغير سبيل المؤمنين .) انتهى المراد باختصار [ مجموع الفتاوي 12/ 519-520 ] .
وقد فهم هذا الفهم الباطل أكثر الكاتبين والمتكلمين في هذا الموضوع ، ثم انقسموا إلى قسمين :
القسم الأول : بعض أهل السنة الذين لا يشكون في نزول القرآن من الله تعالى بواسطة الأمين جبريل عليه السلام على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فأدى بهم هذا الفهم إلى إنكار الآثار الثابتة عن ابن عباس وغيره وتضعيفها .
ومن هذا القسم الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقاً ، فقد ألف رسالة لبيان بطلان القول بأن القرىن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا ، وبين أن هذا القول دسيسة اعتزالية لإنكار أن يكون الله تبارك وتعالى تكلم بالقرآن ؛ لأن المعتزلة عن الحق ينكرون إثبات صفة الكلام لله عز وجل . [ أشار إلى ذلك الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد في كتابه : تهذيب التفسير 1/ 409-410 ] .
ومنهم كذلك الشيخ محمد العثيمين رحمه الله ، حيث سأله سائل فقال : ينسب إليكم أنكم ضعفتم قول ابن عباس بأن القرآن أنزله الله في رمضان جملة واحدة إلى السماء الدنيا ، فهل هذا صحيح ؟ وهل من دليل على خلافه ؟ . فأجاب رحمه الله بقوله : ( نعم ، الأدلة على خلافه أن الله يتكلم بالقرآن حين إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم ......) إلخ كلامه من كتاب اللقاء الشهري مع فضيلة الشيخ مجمد بن صالح العثيمين رقم 3 ص 30 ، 31 .
والقسم الثاني : أثبت هذه الآثار ، وفهم منها أن للقرآن نزولين : أحدهما من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، والثاني : من السماء الدنيا إلى محمد صلى الله عليه وسلم منجماً مفرقاً بواسطة جبريل .
وأكثر المؤلفين في علوم القرآن من هذا القسم ، كالزركشي في البرهان ، وابن حجر ، والزرقاني في مناهل العرفان ، وغيرهم كثير .
والمتأمل في أقوال ابن عباس يجد أنها تدل على النزول الأول الذي ذكروه صراحة ، وأما النزول الثاني فإنها لا تدل عليه كما هو ظاهر لمن تأملها .
والخلاصة التي توصلت إليها بعد طول بحث وتأمل في أقوال العلماء في هذه المسألة أن للقرآن الكريم نزولين :
نزول من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، وكان هذا النزول في ليلة القدر التي هي الليلة المباركة من شهر رمضان كما تدل على ذلك الآيات الثلاث المذكورة سابقاً مع الآثار الثابتة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وهي صحيحة لا غبار عليها ، ولا يمكن دفعها . [ ولعل أحد الإخوة الذين لهم دراية بالتخريج ودراسة الأسانبد يفيدوننا بالتفصيل في ثبوت هذه الآثار عن ابن عباس . ]
والنزول الثاني نزول مباشر من الله تعالى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام .
فهذا الذي ينبغي أن يصار إليه ، أما أن يفهم من الآثار عن ابن عباس أن جبريل لم ينزل بالقرآن من الله تعالى ، وإنما نزل به من السماء الدنيا ، ثم يوصل هذا الفهم إلى القول بضعف هذه الآثار ، بل إلى إبطالها لمخالفتها القرآن كما ظنوا ، فهذا استعجال أدى إليه عدم فهم هذه الآثار على وجهها الصحيح .
وبقي بعض التنبيهات المتعلقة بهذا المبحث نرجئها إلى درس آخر ، والله أعلم .
تنبيه : للتوسع في هذا الموضوع ينظر كتاب الأستاذ الدكتور : محمد الشايع نزول القرآن الكريم ؛ فقد توسع في ذكر الأقوال في كيفية نزول القرأن
هذا هو الدرس الثاني من دروس علوم القرآن ، وسيكون في موضوع مهم من موضوعات هذا العلم ، وقد وقع أكثر من كتب فيه من المؤلفين في علوم القرآن في أخطاء وزلات ينبغي التنبه لها والحذر من الوقوع فيها .
وسيكون الحديث في هذا الموضوع في مسائل :
المسألة الأولى :في معنى النزول :
النزول في اللغة : النزول في الأصل انحطاط من علو ، ويطلق ويراد به الحلول ، كقوله تعالى : ( فإذا نزل بساحتهم ) أي : حلّ . يقال : نزل فلان بالمدينة : أي حل بها .
وأمّا معنى النزول في الشرع فهو نفس معناه في اللغة ، فالمراد الشرعي بكلمة "نزول" هو حقيقتها اللغوية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ليس في القرآن ولا في السنة لفظ "نزول" إلا وفيه معنى النزول المعروف ، وهذا هو اللائق به ، فإنه نزل بلغة العرب ، ولا تعرف العرب نزولاً إلا بهذا المعنى ، ولو أريد غير هذا لكان خطاباً بغير لغتها ، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان ، وهذا لا يجوز ....) اه من مجموع الفتاوي [ 12/257 ] .
إذا تقرر هذا تبين لنا خطأ من قال : إن المعنيين اللغويين للنزول لا يليقان بنزول القرآن على وجه الحقيقة لاقتضائهما الجسمية والمكانية والإنتقال ، فلا بد من حمل نزول القرآن على معنى مجازي ، وليكن هذا المعنى المجازي لإنزال القرآن هو الإعلام في جميع إطلاقاته ، إلى آخر ما ذكروه في هذا المعنى . [ذكر معنى هذا الكلام كثير ممن ألف في علوم القرآن وتكلم عن نزوله ، ومن أشهرهم الزرقاني في كتابه المعروف :مناهل العرفان 1/42-43 ، والشيخ محمد أبو شهبه في كتابه : المدخل لدراسة القرآن الكريم ص 44 ، 45 . ]
فهذا الكلام الذي ذكروه مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة ، ولا حاجة لتفسير النزول بمعان مجازية غير معروفة في الكلام العربي الذي نزل به القرآن .
فنزول القرآن نزول حقيقي ليس بمجاز ، ويدل على هذا بوضوح الآيات التي جاء فيها توكيد لفظ النزول بالمصدر ، كما في قوله تعالى : ( ونزّلناه تنزيلاً ) ، وقوله سبحانه : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً ) .
قال النحاس رحمه الله في إعراب القرآن 1/ 507 : ( وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازاً ) اه .
يمكن الرجوع إلى المراجع التالية لمن أراد الإستزادة :
1- كتاب القراءات وأثرها في التفسير والأحكام
2- كتاب الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية كلاهما للشيخ محمد بن عمر بازمول .
3- كتاب مناهل العرفان للزرقاني دراسة وتقويم للشيخ خالد بن عثمان السبت .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المسألة الثانية من مسائل نزول القرآن : كيف أنزل القرآن ؟
من المعلومات التي لا مجال للشك فيها في دين الإسلام أن القرآن الكريم لم ينزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جملة واحدة كما هو الشأن في الكتب السالفة كالتوراة والإنجيل ، وإنما نزل مفرقاً حسب الوقائع والأحداث منذ البعثة حتى آخر حياة النبي عليه الصلاة والسلام . قال تعالى : (وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ) . وقال جلّ وعلا : ( وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً ) .
ولا يتعارض هذا مع الآيات التي صرح فيها بإنزال القرآن في شهر رمضان في الليلة المباركة التي هي ليلة القدر كما في قوله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) ، وقوله سبحانه : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ) ، وقوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) .
فالمراد بإنزال القرآن في الآيات الثلاث السابقة إما ابتداء نزوله كما ذهب إلى ذلك بعض علماء السلف ، وهو وجه محتمل . وأقوى منه أن المراد بالإنزال في هذه الآيات ما صح وثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أنه نزول القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا .
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : قوله : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) قال : نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا ، فكان الله تبارك وتعالى ينزّل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض ، قالوا : (لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ) .[ أثر صحيح أخرجه ابن جرير والحاكم والبيهقي في الأسماء والصفات وقال محققه عبدالله الحاشدي : إسناده صحيح ، وكذا صححه السيوطي في الإتقان ، وقد خرجه محمد بازمول بالتفصيل في كتاب القراءات وأثرها في الأحكام 1/ 35 ، وذكر أن إسناده صحيح ] .
تنبيه مهم : لا يفهم من أثر ابن عباس السابق ، وغيره من الآثار في هذا المعنى أن نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كان من السماء الدنيا بواسطة جبريل عليه السلام ، بل الصحيح أن نزول القرآن عليه صلى الله عليه وسلم كان من الله جل وعلا مباشرة بواسطة جبريل عليه السلام ، حيث تكلم الله بالقرآن ، وتلقاه منه جبريل ، ثم نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم فتلقاه منه ، كما دلت على ذلك الآيات التي فيها التصريح بأن القرآن نزل من الله إلى رسوله . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ... وكذلك قد أخبر في غير موضع من القرآن أن القرآن نزل منه ، وأنه نزل به جبريل منه ، ... قال تعالى : ( أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ) ، وقال تعالى : ( قل نزله روح القدس من ربك بالحق ) .... فبين أن جبريل نزّله من الله لا من هواء ، ولا من لوح ، ولا من غير ذلك ..........
فقد بين الله في غير موضع أنه منزل من الله ، فمن قال إنه منزل من بعض المخلوقات كاللوح والهواء فهو مفتر على الله ، مكذب لكتاب الله ، متبع لغير سبيل المؤمنين .) انتهى المراد باختصار [ مجموع الفتاوي 12/ 519-520 ] .
وقد فهم هذا الفهم الباطل أكثر الكاتبين والمتكلمين في هذا الموضوع ، ثم انقسموا إلى قسمين :
القسم الأول : بعض أهل السنة الذين لا يشكون في نزول القرآن من الله تعالى بواسطة الأمين جبريل عليه السلام على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فأدى بهم هذا الفهم إلى إنكار الآثار الثابتة عن ابن عباس وغيره وتضعيفها .
ومن هذا القسم الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقاً ، فقد ألف رسالة لبيان بطلان القول بأن القرىن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا ، وبين أن هذا القول دسيسة اعتزالية لإنكار أن يكون الله تبارك وتعالى تكلم بالقرآن ؛ لأن المعتزلة عن الحق ينكرون إثبات صفة الكلام لله عز وجل . [ أشار إلى ذلك الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد في كتابه : تهذيب التفسير 1/ 409-410 ] .
ومنهم كذلك الشيخ محمد العثيمين رحمه الله ، حيث سأله سائل فقال : ينسب إليكم أنكم ضعفتم قول ابن عباس بأن القرآن أنزله الله في رمضان جملة واحدة إلى السماء الدنيا ، فهل هذا صحيح ؟ وهل من دليل على خلافه ؟ . فأجاب رحمه الله بقوله : ( نعم ، الأدلة على خلافه أن الله يتكلم بالقرآن حين إنزاله على محمد صلى الله عليه وسلم ......) إلخ كلامه من كتاب اللقاء الشهري مع فضيلة الشيخ مجمد بن صالح العثيمين رقم 3 ص 30 ، 31 .
والقسم الثاني : أثبت هذه الآثار ، وفهم منها أن للقرآن نزولين : أحدهما من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، والثاني : من السماء الدنيا إلى محمد صلى الله عليه وسلم منجماً مفرقاً بواسطة جبريل .
وأكثر المؤلفين في علوم القرآن من هذا القسم ، كالزركشي في البرهان ، وابن حجر ، والزرقاني في مناهل العرفان ، وغيرهم كثير .
والمتأمل في أقوال ابن عباس يجد أنها تدل على النزول الأول الذي ذكروه صراحة ، وأما النزول الثاني فإنها لا تدل عليه كما هو ظاهر لمن تأملها .
والخلاصة التي توصلت إليها بعد طول بحث وتأمل في أقوال العلماء في هذه المسألة أن للقرآن الكريم نزولين :
نزول من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، وكان هذا النزول في ليلة القدر التي هي الليلة المباركة من شهر رمضان كما تدل على ذلك الآيات الثلاث المذكورة سابقاً مع الآثار الثابتة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وهي صحيحة لا غبار عليها ، ولا يمكن دفعها . [ ولعل أحد الإخوة الذين لهم دراية بالتخريج ودراسة الأسانبد يفيدوننا بالتفصيل في ثبوت هذه الآثار عن ابن عباس . ]
والنزول الثاني نزول مباشر من الله تعالى إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام .
فهذا الذي ينبغي أن يصار إليه ، أما أن يفهم من الآثار عن ابن عباس أن جبريل لم ينزل بالقرآن من الله تعالى ، وإنما نزل به من السماء الدنيا ، ثم يوصل هذا الفهم إلى القول بضعف هذه الآثار ، بل إلى إبطالها لمخالفتها القرآن كما ظنوا ، فهذا استعجال أدى إليه عدم فهم هذه الآثار على وجهها الصحيح .
وبقي بعض التنبيهات المتعلقة بهذا المبحث نرجئها إلى درس آخر ، والله أعلم .
تنبيه : للتوسع في هذا الموضوع ينظر كتاب الأستاذ الدكتور : محمد الشايع نزول القرآن الكريم ؛ فقد توسع في ذكر الأقوال في كيفية نزول القرأن