متى يلجأ إلى القول بتعدد القصة ؟

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
متى يلجأ إلى القول بتعدد القصة ؟

هذا سؤال يلاحظه الباحث في الحديث والتفسير ،وذلك أن كثيراً من الشراح ومثلهم المفسرين يجعل هذا الجواب (مخرج طوارئ) ،كلما أعياه الجمع أو أشكلت عليه بعض الألفاظ أو سياق القصة لجأ إليه .
وهذا يحدث عند المفسرين في تعدد سبب النزول .
ولعل من أغرب الأمثلة في هذا الموضوع : القول بتعدد قصة المعراج !!! .
ولعلي أشارك في البداية ،راجياً أن يتتابع الإخوة فيها لإثراء هذا الموضوع المهم بمشاركاتهم :

1 ـ قبل اللجوء إلى هذا (المخرج) لا بد من جمع الطرق ،وتحرير المحفوظ من الشاذ ،والمقبول من المردود ،والمعروف من المنكر ،وهذا بجمع الطرق ،والنظر في القرائن التي تحتف بكل قصة .
نعم ! قد يتسامح البعض في إيراد السبب (سبب النزول ) ولو ضعف سنده ،إذا لا كان يخالف سياق الآية ،وهذا قد يكون مقبولاً ،ولكن ما العمل إذا تعددت أسباب النزول لآية واحدة ؟
هذا ما يحتاج إلى جواب ،فهل يشاركني إخوتي في إثراء هذا الموضوع ؟

2 ـ 000000000000000

3 ـ 0000000000000000
 
أخي وصديقي الشيخ / عمر المقبل حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبعد
كم سررت حينما رأيت اسمك في هذا الملتقى المتميز ، وحياك الله بين إخوانك مفيدا ومستفيدا ، وأرجو أن تتواصل في المنتدى بحيويتك ونشاطك التي أعرفك بها .
أما ماأثرته من مسألة : ما العمل إذا تعددت أسباب النزول لآية واحدة ؟ ونزولا عند طلبك بالمشاركة ؛ أقول وبالله التوفيق :

يطالع القارئ في كتب التفسير ذكر عدة أسباب مختلفة في نزول الآية الواحدة، وفي مثل هذا لا يخلو أن يكون الأمر كما يلي:
1. إذا تعددت الروايات وكانت صيغها غير صريحة للسببية فلا تعارض بينها ففي هذه الحالة تكون هذه الأقوال تفسيراً للآية وليست لسبب النزول. إلا إذا دلت قرينة على أحد الأسباب فنحمله سبباً للنزول.

2. إذا تعددت روايتان أو أكثر وكانت إحداهما صريحة والأخرى غير صريحة فالمعتمد هو الرواية الصريحة.
مثال ذلك: ما أخرجه ابن جرير( ) عن نافع قال قرأت ذات يوم: ]نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ[ (البقرة:223) فقال ابن عمر: أتدري فيم نزلت؟ قلت: لا، قال: "نزلت في إتيان النساء في أدبارهن". فهذه صيغة غير صريحة السببية.
وأخرج البخاري ومسلم عن جابر قال: "كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها جاء الولد أحولاً فنزلت: ]نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ..[( ).
فنأخذ رواية جابر لكونها نصاً في ذلك. ورواية ابن عمر تحمل على بيان معنى الآية استنباطاً من معناها.

3. إذا تعددت الروايات وكانت جميعها نصاً في السببية وكان إسناد أحدها صحيحاً والآخر غير صحيح فالمعتمد الرواية الصحيحة.
مثال ذلك: ما أخرج البخاري ومسلم( ) وغيرهما عن جندب بن سفيان الهذلي قال: اشتكى النبي r فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله عز وجل: ]وَالضُّحَى(1)وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(2)مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى[ (الضحى:1-3).
وأخرج الطبراني( ) عن أم حفص عن أمها وكانت خادم النبي r أن جرواً (كلب صغير) دخل بيت النبي r فدخل تحت السرير فمات تحته فلبث النبي r أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال: يا خولة ما حدث في بيت رسول الله؟ جبريل لا يأتيني، فقلت في نفسي: لو هيئت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي r ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله:] وَالضُّحَى..[.
يقول ابن حجر : قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب وفي إسناده من لا يعرف. فالمعتمد ما في الصحيحين. فالراجح هو القول الأول.

4. إذا تعددت الروايات وكانت صيغها صريحة في السببية وإسنادها صحيحاً حاولنا الجمع بينها فتكون الآية قد نزلت بعد السببين أو الأسباب لتقارب الزمن بينها فنعمل إذاً بجمع الروايات لكونها صحيحة.
مثال ذلك: آيات اللعان: ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ[ (النور:6).
روى البخاري( ) عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي r بشريك بن سحماء فقال النبي r: "البينة أو حد في ظهرك"، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي r يقول: "البينة وإلا حد في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه: ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ..[ فقرأ حتى بلغ: ]إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ[.
وأخرج الشيخان( ) عن سهل بن سعد قال: جاء عويمر العجلاني إلى عاصم بن عدي فقال: سل رسول الله r عن رجل وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فيقتل به أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله r: "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله r فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً" الحديث.
وعلق الشيخ الجديع( ) على هذين الحديثين الصحيحين فقال: "فهذا وشبهه ليس من التعارض، إنما هو من نزول الآية أو الآيات لأكثر من سبب، ربما توافق السببان وقتاً فنزلت الآية فيهما، وربما تكرر نزول الآية عند تكرر الوقعة المقتضية لها، ولا يمنع من ذلك كونها موجودة عند رسول الله r، فالنزول الأول تناول الحدث الأول مع الإعلام للنبي r بما تضمنته الآية من عموم الحكم لنظائر تلك الوقعة وأشباهها، والنزول الثاني ليعرف أن الحدث الجديد مراد بتلك الآية على سبيل القطع واليقين، إذ كل آية تنزل لسبب فإن إرادة السبب بها قطعية، بخلاف ما يخضع لتصرفات الحاكم واجتهاده، فإن تنزيله الآية على وقعة أو حدث فإنما يقع على سبيل الظن لا القطع، وهذه فائدة جليلة في مثل هذه الصورة من أسباب النزول".

5. إذا كانت الروايتان صحيحتين وصريحتين في السببية ولم يمكن الجمع بينهما لجأنا إلى أحد أوجه الترجيح بين الروايتين كأن يكون الراوي حاضراً القصة، أو تكون إحدى الروايتين أصح من الأخرى فتقدم الرواية الراجحة إما أن تكون مروية في الصحيحين مثلاً أو سند إحداهما أوثق من الأخرى وأقوى ونحو ذلك.
مثال: أخرج الشيخان( ) عن ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبي r بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لو سألتموه فقالوا حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال: ]قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا[ (الإسراء:85).
وأخرج الترمذي( ) عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل فقالوا سلوه عن الروح فسألوه فنزلت الآية.
إذاً تترجح الرواية الأولى بما يلي: أولاً: أن ابن مسعود حضر القصة خلاف ابن عباس. ثانياً: أن رواية ابن مسعود أصح من رواية ابن عباس لأنها رويت في الصحيحين. ويشكل على رواية ابن مسعود أن سورة الإسراء مكية واليهود كانوا بالمدينة وهذا ما يؤيد رواية ابن عباس.
ولكن يجاب عن هذا إن كون السورة مكية لا يمنع أن تكون آية منها أو آيات نزلت بالمدينة والحديث المذكور يدل على أن آية الروح مدنية وهذا أولى من حمل الآية على تعدد نزولها.

6. إذا لم يمكن الجمع لتباعد الزمن ولم يمكن الترجيح بأن كانت كلها متساوية في الصحة، فيحمل على تعدد النزول فتكون الآية نزلت عدة مرات.
مثاله: ما رواه أبو هريرة أن النبي r وقف على حمزة حين استشهد في أحد وقد مثل به فقال: لأمثلن بسبعين منهم مكانك، فنزل جبريل بخواتيم سورة النحل: ]وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ..[ (النحل:126)( ).
الرواية الثانية: أخرج الترمذي( ) عن أبي بن كعب قال: "لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل لله: ]وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ..[.
الرواية الأولى تفيد أن الآية نزلت يوم أحد في السنة الثالثة للهجرة والرواية الثانية تفيد أنها نزلت يوم الفتح في السنة الثامنة للهجرة وبينهما حوالي خمس سنوات فيبعد نزول الآيات عقب هاتين الحادثتين لتباعد الزمن. فحينئذ نقول بتعدد نزول هذه الآية مرة يوم أحد ومرة يوم الفتح( ).

[
 
أثابك الله أخي الكريم ابا عبدالعزيز ،ما زلت مفيداً كما عرفتك .
لكن مما أشكل المبحث رقم (6) يحتاج إلى إعادة نظر وتأمل أكثر ،وبالتتبع هل توجد أمثلة كثيرة حتى نحتاج لها .
في تقديري أنه لا بد من وجود قرائن ترجح أحد الحديثين على الآخر ـ حتى ولو كانا في الظاهر نظيفي الإسناد ـ .

بقي أن أقول هذا الرابط فيه ما يفيد حول المثال الذي ذكرتموه في المبحث رقم (4) :
بحث في اعلال ذكر هلال في حديث اللعان لفضيلة الشيخ عادل الزرقي - ملتقى أهل الحديث .
 
بارك الله فيك أخي أبا مجاهد ،ونفع بك
 
عودة
أعلى