نادر جون رحيموف
New member
- إنضم
- 29/10/2010
- المشاركات
- 3
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد :
أثناء زيارتى للأردن قبل أسبوع,لفت إنتباهي عنوان في واجهة إحدى المكتبات نظراً لاهتمامي بتفاسير القرآن الكريم,وكان هذا العنوان:"تفاسير صوفية غير منشورة",جمع و تحقيق و تعليق الدكتور مختار الفجّاري,
أستاذ تعليم عالي-أستاذ الحضارة بجامعة 7 نوفمبر بقرطاج,المعهد العالي للغات بتونس.
ولمّا كنت معجباً بما يصدره من حين لآخر عدد من أساتذة الجامعة التونسيّة من دراسات و بحوث جدّية,فقد بادرت بإقتناء الكتاب,و لكنني عند قراءته أصبتُ بخيبة أمل كبيرة هذه المرّة و قد رأيت من الواجب عليّ تنبيه القارئ و إشراكه في ما حصل لي من ملاحظات قسمتها إلى ملاحظات شكلية و أخرى في العمق.
الملاحظات الشكلية.
هل من الأخلاق العلمية السطو على جهود الغير؟!
أكد صاحب الكتاب في عنوانه أنه تفاسير صوفية غير منشورة,قام هو بجمعها و تحقيقها,و لكنّ الكتاب يضم في الواقع ثلاثة نصوص:إثنان منها سبق تحقيقها و نشرها,و الثالث فيه نظر.
أما النصّان الأولان فسماهما:أ)تفسير الحلاج
ب)تفسير الجنيد
و الحقيقة أن المادة المضمّنة في هذين التفسيرين منسوخة عن العمل الذي قام به المستشرق لويس ماسينيون في تحقيقه المنشور بخطّ يده ل"حقائق التفسير"للسلمي و "عرائس البيان" لروزبهان البقلي,و كذلك كتاب "زيادات حقائق التفسير" للسلمي أيضاً و الذي حققه و نشره المستشرق جيرارد بورنق.مع العلم أيضاً,أن "حقائق التفسير" سبق تحقيقه و نشره ثانية من قبل سيّد عمران.وهي كلها أعمال معروفة و يتضح جيّداً أن الفجّاري,قد اطلع عليها بل و يعترف هو نفسه,في عمله هذا,بإعتماده إعتماداً مطلقاً,فلماذا و الحال هذه إذأً يدعي في غلاف كتابه أنها غير منشورة؟!و لماذا ينتحل فضل تحقيقها,سالباً أصحاب الفضل الحقيقيين ثمرة جهدهم؟!ألا يتعارض ذلك مع واجب الأمانة العلمية المفروض على كل باحث أكاديمي؟!
أما النص الثالث و الذي فيه نظر,فهو كما سماه "صاحب"الكتاب:"كتاب مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل من أنفاس الشيخ الإمام العالم الأوحد العارف المكاشف تاج العارفين و لسان المحققين:فخرالدين عبدالله أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الحرالّي."
و هو عندنا محل نظر,لأننا أحسسنا إحساساً,و إن كان لا يرقى إلى اليقين,بأن الفجّاري لم يعد مباشرة إلى نص المخطوط,و بدا لنا من خلال عديد القرائن أن نسبة الجمع و التحقيق إليه قد لا تكون مسلمة,و إن كنا في الحقيقة لا نعرف حاليا المصدر الأصلي المحتمل,و لكن ما نحن متيقنون منه وم أن العمل الذي قدمه الفجّاري في "كتابه" هذا لا تتوفر فيه أدنى الشروط العلمية لفعل التحقيق,إضافة إلى ما تضمنه التقديم الذي مهد به لهذا "الكتاب",من أخطاء عجيبة أحيانا.و قد رفعنا عبارة كتاب بين ظفرين,لأنها لا تعني هنا كتابا بالمعنى الإصطلاحي الشايع الذي فهمه الفجّاري ,و إنما تعني "رسالة",كما نقول:"إذا جاءك كتابي هذا" أي رسالتي أو مكتوبي,و حجم هذا "الكتاب" يدل على ذلك,إذ رغم محاولة الفجّاري لتطويله بالإكثار من المساحات الفارغة,حتى أن عدداً من الصفحات لا تحمل كل منها إلا بضعة أسطر,فإنه إجمالا و بعد حذف تلك الفراغات لا يكاد يتجاوز عشرة صفحات من الحجم المتوسط.
هذا من حيث التجاوزات الشكلية أما من حيث الأخطاء و التجاوزات في المحتوى فسوف نجمل بعضها في العنوان التالي:
هل أصبح الإدعاء عندنا علما؟!
بعد إنتحال الفجّاري جهد غيره و نسبته إلى نفسه و خاصة جهد المستشرق لويس ماسينيون المعروف بحبه الشديد للحلاج و اهتمامه بالتصوف الإسلامي عموما,صدق نفسه و توهم فعلا أنه بذلك أصبح صاحب مدرسة الحقيقة بصدق,لذلك,لم أقرأ في عمل الفجّاري هذا ,أصدق من إعترافه قائلا:"أما المرحلة الثالثة فهي التي ندعي إنجازها هنا"(ص2) لأن قول المؤلف إنه يمثل " النمو الطبيعي" لمحاولات ماسينيون و تلميذه بول نويا, بل إنه مصوب أخطائهما,و لم يجد الزمان بعدهما إلا به هو ليدرس التصوف الإسلامي و يجمع و يحقق نصوصه,إن قواه هذا ليس إلا مجرد إدعاء, لأنه يجهل أو يتجاهل كما هائلا من الدراسات العلمية الجادة حول التصوف الإسلامي,حفلت بها المكتبات العامة و المكتبات الجامعية في العديد من البلدان العربية بما فيها تونس.
و لكن هذا الإدعاء يهون أمام إدعاء آخر أعظم,يزعم فيه الفجّاري,و أرجو أن يكون ذلك منه سوء تعبير, أن القرآن الكريم نص إفتراضيّ أي موضوع للشك مثله مثل الشعر الجاهلي و خطب الكهان,و ذلك في قوله حرفياً:"إن منطلقنا في الكتابين الأولين نصوص إفتراضية لأنها دونت لاحقا و خضعت للإكراهات نفسها التي خضعت لها خطاباتنا الشفوية القديمة مثل الشعر الجاهلي و الخطابة و القرآن"(ص1).
فإذا تجاوزنا على مخض هذا الإدعاء الخطير بكل ما يترتب عنه من نتائج دينية و معرفية, لا نريد التوقف عندها لأن القرآن الكريم منزه عن كل ريب, فإن ما سماه الفجّاري تحقيقا لا يخضع لأبسط قواعد التحقيق, و هي :
1-أن لا يكون النص محققاًمن قبل, و قد راينا عكس ذلك أن المؤلف إنما أعاد نشر نصوص محققة و منشورة, و غاية ما فعله أنه, و دون العودة إلى المخطوط الأصلي,إكتفى بالترجيح التخميني لأحد التحقيقين السابقين إذا إختلف في بعض العبارات, و حتى في هذا فقد وقع في خطاء الفهم أحياناً مثل ما ورد في تفسير الحلاج لقوله تعالى ( في سورة الحاقة):" فلا أقسم بما تبصرون و ما لا تبصرون" قال الحلاج-حسب تحقيق سيد عمران-:"... وما أظهر الله من صفات و أراهم من صنعه و أبدى لهم من عمله في جنب ما إختزن عنهم إلا كذرة في جميع الدنيا و الآخرة و لو أظهر الله من حقائق ما إختزن لذابت الخلائق عن آخرهم فضلا عن جملها", و لكن الفجّاري خطّأ المحقق في عبارة جَملها, و عوضها بعبارة " حَملها", و هي عبارة لا معنى لها في هذا السياق, و الصواب ما أورده المحقق أي جَملها ( بالجيم لا بالحاء) بمعنى فضلاً عن جمعها و إجمالها: ما ظهر منها و ما خفي.
2-التعريف بالمخطوط المحقق و مختلف نسخه و تاريخ نسخه و مكانه و خطه و التعريف كذلك بصاحبه و بناسخه, و هو ما غاب تماماً في هذا التحقيق المزعوم سواء في تفاسير الحلاج و الجنيد أم في كتاب الحرالّية "مفتاح الباب" الذي لم نعرف من الفجّاري من يكون هذا الشخص,من أي بلد من بلدان الأندلس هو, على من درس من المشايخ و ما هي مكانته في عالم التصوف و إن كانت له مؤلفات أخرى و اكتفى بالتعريف العام "هو علم من أعلام الصوفية بالأندلس." و قد لاحظ أن الهمزة في هذا النص كثيراً ما ترد مخففة أو مليّنة, و نسب ذلك دون حجة إلى الناسخ, مع العلم أن الميل إلى اللهجات الدارجة كان من الميزات التي وسمت الكتابة الأدبية و غيرها في الأندلس خلال هذه المرحلة المتأخرة أي بداية من القرن السابع الهجري.
و الغريب أن المحقق, و هو يحاول وصف المخطوط,لا يذكر نوعية الخط, و يبدو أنه لا يميز بين نظم الخط العربي المختلفة, و اكتفى بتأكيد غريب و عام جداً يكاد لا يعني شيئا و هو أنه يوجد " شبه جزئي بين هذا الخط و بين بعض القرائن الأسلوبية في مقدمة إبن خلدون مثلا"(هامش ص8) و للقارئ أن يتساءل كيف تجوز المقارنة بين خطّ ما و هو شكل في رسم الحروف و بين الخصائص الأسلوبية في مقدمة إبن خلدون و هي سمات فنية تهم المعنى و البلاغة؟! مع ضرورة التنبيه إلى كثرة الأخطاء اللغوية و أخطاء الطباعة.
3- الكسل الذهني و سوء الفهم: يوفر لنا عمل الفجّاري مثالاً صريحاً للكسل الذهني الذي يعتري بعض مثقفينا و كتّابنا, عندما يحاولون الحصول على "أمجاد" رخيصة, لا يقدمون لنيلها إلاّ مجهوداً أدنى لا يكاد يذكر.إن تقديم الفجّاري للنصوص التي أعاد نشرها لا تتجاوز ثلاث و عشرين صفحة, على الإجمال, و لكن إذا حذفنا منها الشواهد المطولة و التي تستغرق ثلثي الصفحة أحياناً, لا يبقى منها إلا بضع صفحات أغلب ما تضمنته هو سلخ لجمل النصوص المقدمة و إعادة صياغتها بتحريرات خفيفة.وعندما غامر "المؤلف" في حالات قليلة بتقديم إجتهاد شخصي في فهم بعض الفقرات و التعابير وقع في أخطاء عجيبة و لعل أغربها, إلى حد الدفع إلى الضحك, فهمه لحديث الحرالّي عن "أسنان الجسم و القلب" و هويقصد بعبارة أسنان جمع "سنّ" أي العمر,فقال " إن أسنان الجسم أرابيع و أسنان القلب أسابيع" بمعنى أن عمر البدن ينقسم إلى أربع مراحل هي:الطفولة و الشباب و الكهولة و الشيخوخة,و قياسا على ذلك جعل للقلب سبع مراحل من العمر,و لكن الفجّاري فهم الأسنان بإعتبارها أسنان الفم فقال:" و لما كان عمر الإنسان مرتبطا بعدد الأسنان فقد جعل للقلب أيضاً أسنانًا على المجاز"(ص13). و الغريب كيف يمكن لشخص بمثل هذه المحدودية في الفهم, أن يزعم لنفسه إنجاز مشروع علميّ يقوم على دراسة التفسير الصوفي القائم أصلاً على الرمزية و الإشارة و التأويل؟!
4-الأمانة العلمية: تعتبر الأمانة العلمية أول شروط البحث الأكاديمي و لم يخالفها الفجّاري فقط من خلال نسبته أعمال غيره و ادعاء السبق فيما لا سبق له فيه, و إنما تعدى ذلك الى إنتحال صفة.
اقد إستفزتني كل تلك التجاوزات في كتاب الفجّاري فاتصلت بصديق لي مدرس في جامعة 7 نوفمبر بقرطاج بتونس أستوضحه الأمر عن المؤلف, فعلمت منه ما زادني اسفاّ, علمت أن الفجّاري الذي ألحق إسمه في غلاف الكتاب بصفة " أستاذ تعليم عالي" هو في الحقيقة أستاذ مساعد. و هو يشتغل حالياً في جامعة طيبة بالمدينة المنورة برتبة أستاذ مساعد متعاقد و لم يرتق أبداً لا إلى رتبة محاضر (مشارك) و لا رتبة أستاذ, بعد أن خاب في إجتياز إختبار التأهيل الجامعي,و قد بررت اللجنة العلمية قرارها بضعف ملفه العلمي.و هو ما يؤكده كتابه هذا الذي بين أيدينا.
و لكن لا يسعنا, و نحن نختم هذه الملاحظات, إلا أن نتوجه باللوم إلى الناشر و هو دار " عالم الكتب الحديث" بالأردن,لأنه لم يتثبت في مصداقية ما ينشر حتى و إن حاول تبرئة نفسه مسبقا بالقول في الغلاف الداخلي:"يتحمل المؤلف كامل المسؤولية القانونية عن محتوى مصنفه", و لكن من يتحمل المسؤولية الأخلاقية؟!
عماد علي حسين.