السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مجموعة متفرقات وفوائد متعلقة بالتفسير انتقيتها من دروس التفسير وغيرها من المواد الأخرى في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وقد أوجزت في بعضها كلام الشيخ أوقدمت ما تأخر منه أو أضفت للتوضيح بعض الكلمات ثم انتقيت كذلك بعضا من أسئلة الطلاب
[line]
قال تعالى ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ .
نعم الله - سبحانه وتعالى - عظيمة، وأعظمها على الإطلاق نعمة تنزيل الكتاب؛ فتنزيل الكتاب نعمة عظيمة جداً، يجب علينا أن نكثر من حمد الله - تبارك وتعالى -علينا، ولذلك حين ترى الله - سبحانه وتعالى - يمنُّ على عباده بنعمه، ويذكرهم بها، تراه يستفتح بذكر نعمة تنزيل الكتاب، في سورة الرحمن وهي سورة النعم، ذكّر الله - تبارك وتعالى - فيها الثقلين بآلائه وإنعامه، استفتح الله - تبارك وتعالى - بذكر نعمة التنزيل نعمة القرآن فقال - عزّ وجلّ - ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ فقدم ذكر نعمة القرآن قبل نعمة الخلق؛ لأن الإنسان بلا قرآن لا قيمة له ولا وزن له، وإنما بالقرآن يرتفع قدر الإنسان، ويرتفع ذكره، ويكون له الذكر الحسن في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، ولذلك قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي القرآن ﴿ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾[الزخرف:44] .
وقال لمن أنزل عليهم ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾[الانبياء:10] .
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ المراد بالعبد محمد - صلى الله عليه وسلم - وإضافة الاسم عبد إلى ضمير الله - عزّ وجلّ - ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ فيها من التكريم والتشريف للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما فيها، والعبودية لقب عظيم جداً لقب الله - سبحانه وتعالى - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في المقامات العظيمة الشريفة، لقبه به في مقام التنزيل فقال ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ
﴾ ولقبه به في مقام الدعوة فقال ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾ [الجـن:19] .
ولقبه به في مقام الإسراء فقال ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ .
ولقبه به في مقام التحدي فقال: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾[البقرة:23] فالعبودية لله شرف عظيم جداًَ للعبد؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب هذا اللقب، ويحب أن ينادى به، وكان يقول: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله )وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول ( أيها الناس،ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - تبارك وتعالى - إن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيا).
*﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ والله - سبحانه وتعالى - حين أنزل على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - الكتاب إنما أنعم على
البشرية كلها بهذا الكتاب، فلماذا خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر في الحمد
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ ولم يقل: الحمد لله الذي أنزل الكتاب، وإن كان نزول الكتاب نعمة على الإنسانية كلها؟
إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر؛ لأن نعمة الله عليه في اصطفائه واجتبائه لتنزيل الكتاب عليه أعظم من نعمة التنزيل على غيره، الكتاب نُزِّل على الناس كلهم، ولكنه هو الذي تلقاه، وأوحاه الله - تبارك وتعالى - إليه، فكانت نعمة الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في التنزيل أعظم من نعمة من نُزل عليهم الكتاب .
*﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ الكتاب هكذا معرف، وكأن هذا القرآن من العربية بمكان بحيث إذا قيل الكتاب انصرف الذهن إلى هذا القرآن الذي أنزله الله - تبارك وتعالى - على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم فهو كتاب معلوم، وكتاب معهود، وكتاب معروف، بحيث إذا قيل الكتاب علم السامع أن المراد به القرآن المجيد.
*﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا* قَيِّماً ﴾
وصف الله تعالى الكتاب بوصفين: لم يجعل له عوجا، والوصف الثاني: قيما قال بعض العلماء: هذا الوصف الثاني قيم مستفاد من الوصف الأول وهو نفي العوج، لما نفى عنه العوج أفاد أنه قيم، لكن الله - سبحانه وتعالى - صرح بالوصف الثاني، قيما ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾ لماذا جمع بين الوصف بالقيم ومع نفي العوج ؟
قال العلماء: قد ترى الشيء فتظنه مستقيماً، فإذا دققت فيه النظر اطلعت فيه على عوج؛ فأراد
الله - سبحانه وتعالى - حين نفى العوج عن كتابه أن يقول: إنكم مهما دققتم النظر، وأعدتم النظر وكررتم النظر في هذا الكتاب، فستجدوه على هذه الاستقامة، ولن تجدوا فيه عوجاً أبداً؛ لأنه كلام الله رب العالمين، وليس كلام البشر المخلوقين؛ ولذلك الله - سبحانه وتعالى - لفت أنظارنا إلى إحكام خلقه في السماوات والأرض فقال ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ
كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ ﴾[الملك:3-4] فلعله فاتك في المرة الأولى ما تجده في المرة الثانية، النتيجة مع تكرار النظر إلى السماوات للحصول فيها على أي خلل ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، وكذلك مهما قرأ أهل اللغة وأهل البلاغة القرآن الكريم لن يجدوا فيه عوجاً أبداً، لأن الله قال ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾.
ولذلك قال الله - تبارك وتعالى - في سورة طه ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾ فأراد الله - سبحانه وتعالى
أن يستدلوا على إحكام التنزيل بإحكام الخلق، قال: هذه السماوات أمامكم مرفوعة، وهذه
الأرض تحتكم موضوعة، انظروا هل تجدوا فيها من خلل ؟ لن تجدوا في السماوات والأرض أي خلل، فهو خَلْقُ الله المحكم، وكذلك القرآن تنزيل الله المحكم؛ ولذلك قال تعالى ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لدن حكيم خبير َ".
*قال تعالى " لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ"
وقال تعالى " ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾
الفرق بين الإنذار الأول، والإنذار الثاني، أن الإنذار الأول عام لينذر جميع الكافرين بأساً شديداً من عند الله - عزّ وجلّ -وأما الإنذار الثاني: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾فهذا خاص بالذين زعموا أن الله اتخذ ولدا .
*قال تعالى في بيان حكمة الخلق، الإيجاد ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ .
وقد تكرر ذكر هذه الحكمة من الخلق والإيجاد، في موضوعين آخرين غير هذا الموضع .
في سورة الملك قال الله - تبارك وتعالى - ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[الملك:1-2] .
وفى سورة هود قال تعالى ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[هود:7] .
وهنا في سورة الكهف قال تعالى ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ .
فنص الله - تبارك وتعالى - في المواضع الثلاث على أن حكمة الخلق والإيجاد، ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ .
ولم يقل ربنا - سبحانه وتعالى - لنبلوهم أيهم أكثر عملا ، وإنما قال ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ لأن الإسلام لا يهتم بالكم، وإنما يهتم الإسلام بالكيف.
*﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ .
لما زين الله - تبارك وتعالى - الأرض بما عليها من زينة لا شك أن النفوس تعلقت بها وأن الأنظار انصرفت إليها فأراد الله - سبحانه وتعالى - أن يحذر عباده من التعلق بالدنيا، والركون إليها والحرص على زينتها، فقال - عزّ وجلّ - ﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ .
*في الحديث عن أصحاب الكهف بدأ بمجمل، ثم أتي على المجمل بعد ذلك بالتفصيل، وهذه سنة الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم، يذكر المجمل ثم يأتي بعد ذلك بالتفصيل، كذلك فعل الله - تبارك وتعالى - في القرآن كله، فاستفتحه بسورة الفاتحة وجعلها مجملة لما تضمنه القرآن الكريم كله، ثم جاء القرآن الكريم كله يفصل ما أجمله الله - تبارك وتعالى - في سورة الفاتحة، كذلك لما أراد الله - تبارك وتعالى - أن يقص علينا نبأ أصحاب الكهف، بدأ بمجمل فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ولكل من يصلح للخطاب ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴾[ الكهف:9-12] هذا هو المجمل ثم أخذ في التفصيل فقال ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ ثم قص الله - تبارك وتعالى - علينا من نبأهم ما قص في هذه السورة الكريمة المباركة
* ذكر كثير من المفسرين في تفسير هذه القصة
-قصة أصحاب الكهف- روايات طويلة وأخباراً كثيرة، لا تصح أبدا، ضربنا عن ذكرها صفحا؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - أغنانا عن هذه الروايات الباطلة، والقصص الواهية بقوله ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ فماذا تبتغي بعد هذا الحق الذي قصه الله - تبارك وتعالى - عليك، والله - سبحانه وتعالى - لا يتتبع الاحداث فيسردها حدثاً، ولا يتتبع الوقائع فيسردها واقعة واقعة، وإنما الله - تبارك وتعالى - سنته في القصص القرآني أن يقص علينا ما فيه العبرة، والعظة والدرس، ولذلك سيأتي معنا في السورة الكريمة في قصة ذو القرنين ﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ﴾ [الكهف:83] سأتلوا عليكم من نبأ ذي القرنين ما فيه ذكرى وعبرة وعظة ودرس، وما ليس فيه عبرة ولا فائدة ولا منفعة لن أقصه عليكم ولن أذكره لكم، إذاً من هم أصحاب الكهف؟ كم كان عددهم؟ وكيف كان لون كلبهم؟ وما كان اسم كلبهم؟ وأين كانوا يعيشون؟ وفى أي زمان كانوا يعيشون؟ وهل كانوا قبل موسى عليه السلام أم بعده ؟ كل هذا سكت الله - تبارك وتعالى - عنه؛ لأنه لا فائدة في تعيينه، ولا في ذكره، فلنسكت عما سكت الله - تبارك وتعالى - عنه .
*(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾
أشار(الله تعالى ) لنا بهذا اللفظ إلى قلة عدد أصحاب الكهف أنهم كانوا دون العشرة جمع قلة فتية دون العشرة ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ وفى ذكرهم بالفتوة والشباب والقوة والصحة، ما يفيد الشباب إلى أنه يجب عليهم أن يعتبروا بقصة هؤلاء الفتية، وأن يعتبروا بها وأن يحرصوا على اغتنام شبابهم، وأن يقدموا لدينهم ما يستطعيون في وقت شبابهم، فإن الشباب هو أجمل سن العمر، الشباب هو زمن العطاء، وزمن البذل، والجهد والتضحية في وقت الشباب
*﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
فلما آمنوا زادهم الله هدى، فالإيمان سبب من أسباب الزيادة في الإيمان، والهدى سبب من أسباب الزيادة في الهدى . قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾[يونس:9] الباء الداخلة على إيمانهم باء السببية ﴿ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ فلما تقبل دعوة الرسل وتؤمن بالله - عزّ وجلّ - يزيدك الله إيماناً، ولما تتبع الهدى الذي جاء به الرسل يزيدك الله هدى ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً ﴾[محمد:17] .
*إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ . فذكر هؤلاء الفتية في قولهم هذا توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية .
فإقرارك بتوحيد الربوبية يلزمك بالإقرار بتوحيد الألوهية؛ لذلك كثيراً ما يلزم الله - تبارك وتعالى - على مشركي العرب بتوحيد الألوهية بإقرارهم بتوحيد الربوبية .
فكما (أنه لا ند له في الربوبية فيجب أن تعلموا أنه لا ند له في الألوهية، فرب العالمين يجب أن يكون إله العالمين فلا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله .
أسئلة ::::::
- هل قوله تعالى ﴿ أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ فيه دليل على إثبات العلو لله - عزّ وجلّ - لأن العلو لا يكون إلا من فوق إلى تحت ؟
لا شك في ذلك -وجزاه الله خيراً على سلامة عقيدته وصحة معتقده، أن الله - سبحانه
وتعالى - في السماء فوق العرش استوى، بائن من خلقه، فهكذا النزول لا يكون إلا من
أعلى لأسفل .
-حلّ( الله تعالى ) للشباب والفتيات مشكلة الفراغ بآية واحدة من كتابه وهي قوله تعالى ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾[الشرح:7] فقال العلماء إذا فرغت من العبادة فانصب في عمل الدنيا وإذا فرغت من عمل الدنيا فانصب في العبادة.
-ما الحكمة من إيراد قصة أهل الكهف مجملة في البداية ثم فصلها؟
هذا من باب التشويق والترغيب بدلاً من أن تعطي المستمع الشيء دفعة واحدة تشوقه وترغبه وتعطيه مجملاً فيشتاق بسماع هذا المجمل إلى تفصيله، فإذا جاء التفصيل أقبل عليه وحرص على الانتفاع به .
-سؤال أهل الكهف بينهم لا يدل على تغير أشكالهم ، حيث كان السؤال كم لبثنا ولم تتغير أشكالهم، أوضح لنا؟
نحن أشرنا إلى أن الله - سبحانه وتعالى - حفظهم فلم يتغيروا بأي شيء ولذلك قال ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ﴾[الكهف:9] .
قلنا أنك حين تسمع نفراً ناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، ثم قاموا ولم يتغير شكلهم تتعجب تقول سبحان الله، كيف ينامون هذا الزمن الطويل ويقومون ولم تبلى ثيابهم ولم تتعفن أجسادهم
نقول هذا شيء عجيب نعم، لكن في خلق الله ما هو أعجب من ذلك ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾[الغاشية:17] إلى آخر ما ذكرنا .
[line]
* ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾
﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ ﴾ معطوف على الضمير المفعول في قولهم ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ اعتزلتم معبوداتهم التي يعبدونها إلا الله - سبحانه وتعالى - مما يدل على أن قومهم كانوا يعبدون الله ولكن كانوا به مشركين، يعبدون معه غيره، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله - تبارك وتعالى - فلما تبرأ الفتية الذين آمنوا بربهم من قومهم ومما يعبدون أثبتوا ولاءهم لله - سبحانه وتعالى - وحده ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ أي إلا الله أي اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فهو وليكم وإلهكم الحق الذي تعبدونه، وقد
كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقرأها وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله ،
وهذه القراءة كالتفسير للآية ، وهذه ليست من القراءات الثابتة التي وجه من وجوه القراءات
الصحيحة، ولكن هذه القراءة كتفسير ابن مسعود لقولهم " إلا الله " وهذا اللفظ وهو من
دون الله، قد صرح به الخليل إبراهيم - عليه السلام - لأبيه حين قال له، ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً ﴿48﴾ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا
يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً ﴾[مريم: 48-49].
أسئلة :::::::
-السلام عليكم ، عندي سؤالين ، السؤال الأول: في قول الله - سبحانه وتعالى - ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ هل يمكن أن يكون المعني هم لا يعبدون إلا الله جملة اعتراضية ، السؤال الثاني: في مسألة نوم أصحاب الكهف وهم مفتوحي الأعين ما الحكمة منها ؟
لا هذه ليست جملة اعتراضية ولكنها من ضمن كلام أهل الكهف
[line]
*﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾
فالله سبحانه حكى الثلاثة أقوال وأشار إلى الباطل منها والراجح، فوصف رأيين بقوله رجما بالغيب ، وسبعة ثامنهم كلبهم ولم يقل في ذلك رجما بالغيب، فكان ذلك إشارة إلى صحة
هذا القول، وأن عدة أصحاب الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ومع ذلك يقول الله تعالى
لرسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾ مع أن الله تعالى أشار إلى القول الراجح في عدتهم إلا أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يفوض الأمر في علم عدتهم إلى الله تبارك وتعالى﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾ فيستفيد من هذا أنك إذا رجحت بين الآراء بلا حجة ولا برهان وإنما بالاجتهاد والاستنباط فيجب عليك أن تقول في قولك الله أعلم لأنك رجحت بناء على الظن لا على اليقين، فإذا رجحت بغير دليل تقول هذا هو الراجح والله أعلم
*﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾، والأمر بالتلاوة يأتي بمعنى الأمر بالقراءة ويأتي بمعنى الأمر بالاتباع، ، أما الأمر بالقراءة التلاوة التي هي قراءة فمنه قوله ربنا عز وجل آمرا رسوله أن يقول ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ ﴾ [النمل:91،92]، فالتلاوة هنا معناها القراءة،· ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل: 92]،
-وتأتي التلاوة بمعنى الاتباع، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ [فاطر: 29]، فالتلاوة هنا معناها الاتباع والعمل بما في هذا الكتاب، ولذلك لما ذكر التلاوة ذكر أهم الأعمال الصالحة وهي الصلاة وإيتاء الزكاة، فالتلاوة تأتي بمعنى القراءة وتأتي بمعني الاتباع.
أسئلة ::::::
السؤال الثاني: أن يخبرنا الشيخ عن صحة هذه الرواية، من فوائد سورة الكهف يحكى أن
أحد العلماء كان يحث ابنه ويوصيه على قراءة القرآن منذ أن كان صغيرا وكان يعلمه حفظ
القرآن وطريقة تجويده، وفي يوم من الأيام دعا العالم ابنه وقال له سأخبرك بسر من أسرار سورة الكهف، إنها آيات إذا قرأتها قبل نومك فإنها توقظك عند أذان الفجر، شرط أن تغمض عينيك وتقرأ هذه الآيات وبعد ذلك تنام، استغرب الابن قول أبيه مع أنه لا غريب في القرآن، قرر الولد تجربة وصية أبيه، وعندما حل الظلام وحان وقت النوم قرأالولد تلك الآيات وبالفعل استيقظ عند أذان الفجر، فما كان من الابن إلا أن شكر والده وشكر ربه على هذه النعمة وهذه الآيات هي: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴿107﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴿108﴾ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَالْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴿109﴾ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿110﴾﴾.
-هكذا سمعنا هذه الرواية، ولم نقرأها في كتب ولكن سمعناها، وهي لا أصل لها ولا تصح
والتعبد بالقرآن الكريم لا يكون إلا بتوقيف من الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأدعية والأذكار والسور والآيات التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأها ورغب في قرأتها عند النوم صحيحة ثابتة معلومة، ولم نقرأ في صحيح السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم – رغب في قراءة خواتيم سورة الكهف عند النوم.
-سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل قول عسى في اللفظ القرآني يفيد التحقيق؟
هي - إن شاء الله تعالى- من الله موجبة كما يقول المفسرون، ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾[التوبة:18].
عسى في اللغة للترجي، لكن المفسرين قالوا: هي من الله إن شاء الله موجبة ولكن الله أتى بها حتى يقطع الإنسان نظره عن عمله ولا يتكل عليه يعني مع عملك الصالح عسى أن تكون من المفلحين وعسى أن تكون من المهتدين، حتى يكون الطمع في رحمة الله لا اتكالا على العلم؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال (لن يدخل أحدكم عمله الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل).
( جميع المتفرقات السابقة من تفسير سورة الكهف من الدرس الأول إلى الخامس للشيخ د.عبد العظيم بدوي)
يتبع إن شاء الله تعالى
هذه مجموعة متفرقات وفوائد متعلقة بالتفسير انتقيتها من دروس التفسير وغيرها من المواد الأخرى في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وقد أوجزت في بعضها كلام الشيخ أوقدمت ما تأخر منه أو أضفت للتوضيح بعض الكلمات ثم انتقيت كذلك بعضا من أسئلة الطلاب
[line]
قال تعالى ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ .
نعم الله - سبحانه وتعالى - عظيمة، وأعظمها على الإطلاق نعمة تنزيل الكتاب؛ فتنزيل الكتاب نعمة عظيمة جداً، يجب علينا أن نكثر من حمد الله - تبارك وتعالى -علينا، ولذلك حين ترى الله - سبحانه وتعالى - يمنُّ على عباده بنعمه، ويذكرهم بها، تراه يستفتح بذكر نعمة تنزيل الكتاب، في سورة الرحمن وهي سورة النعم، ذكّر الله - تبارك وتعالى - فيها الثقلين بآلائه وإنعامه، استفتح الله - تبارك وتعالى - بذكر نعمة التنزيل نعمة القرآن فقال - عزّ وجلّ - ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ فقدم ذكر نعمة القرآن قبل نعمة الخلق؛ لأن الإنسان بلا قرآن لا قيمة له ولا وزن له، وإنما بالقرآن يرتفع قدر الإنسان، ويرتفع ذكره، ويكون له الذكر الحسن في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، ولذلك قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي القرآن ﴿ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾[الزخرف:44] .
وقال لمن أنزل عليهم ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾[الانبياء:10] .
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ المراد بالعبد محمد - صلى الله عليه وسلم - وإضافة الاسم عبد إلى ضمير الله - عزّ وجلّ - ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ فيها من التكريم والتشريف للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما فيها، والعبودية لقب عظيم جداً لقب الله - سبحانه وتعالى - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في المقامات العظيمة الشريفة، لقبه به في مقام التنزيل فقال ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ
﴾ ولقبه به في مقام الدعوة فقال ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾ [الجـن:19] .
ولقبه به في مقام الإسراء فقال ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ .
ولقبه به في مقام التحدي فقال: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾[البقرة:23] فالعبودية لله شرف عظيم جداًَ للعبد؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب هذا اللقب، ويحب أن ينادى به، وكان يقول: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله )وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول ( أيها الناس،ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - تبارك وتعالى - إن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيا).
*﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ والله - سبحانه وتعالى - حين أنزل على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - الكتاب إنما أنعم على
البشرية كلها بهذا الكتاب، فلماذا خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر في الحمد
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ ولم يقل: الحمد لله الذي أنزل الكتاب، وإن كان نزول الكتاب نعمة على الإنسانية كلها؟
إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر؛ لأن نعمة الله عليه في اصطفائه واجتبائه لتنزيل الكتاب عليه أعظم من نعمة التنزيل على غيره، الكتاب نُزِّل على الناس كلهم، ولكنه هو الذي تلقاه، وأوحاه الله - تبارك وتعالى - إليه، فكانت نعمة الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في التنزيل أعظم من نعمة من نُزل عليهم الكتاب .
*﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ الكتاب هكذا معرف، وكأن هذا القرآن من العربية بمكان بحيث إذا قيل الكتاب انصرف الذهن إلى هذا القرآن الذي أنزله الله - تبارك وتعالى - على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم فهو كتاب معلوم، وكتاب معهود، وكتاب معروف، بحيث إذا قيل الكتاب علم السامع أن المراد به القرآن المجيد.
*﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا* قَيِّماً ﴾
وصف الله تعالى الكتاب بوصفين: لم يجعل له عوجا، والوصف الثاني: قيما قال بعض العلماء: هذا الوصف الثاني قيم مستفاد من الوصف الأول وهو نفي العوج، لما نفى عنه العوج أفاد أنه قيم، لكن الله - سبحانه وتعالى - صرح بالوصف الثاني، قيما ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾ لماذا جمع بين الوصف بالقيم ومع نفي العوج ؟
قال العلماء: قد ترى الشيء فتظنه مستقيماً، فإذا دققت فيه النظر اطلعت فيه على عوج؛ فأراد
الله - سبحانه وتعالى - حين نفى العوج عن كتابه أن يقول: إنكم مهما دققتم النظر، وأعدتم النظر وكررتم النظر في هذا الكتاب، فستجدوه على هذه الاستقامة، ولن تجدوا فيه عوجاً أبداً؛ لأنه كلام الله رب العالمين، وليس كلام البشر المخلوقين؛ ولذلك الله - سبحانه وتعالى - لفت أنظارنا إلى إحكام خلقه في السماوات والأرض فقال ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ
كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ ﴾[الملك:3-4] فلعله فاتك في المرة الأولى ما تجده في المرة الثانية، النتيجة مع تكرار النظر إلى السماوات للحصول فيها على أي خلل ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، وكذلك مهما قرأ أهل اللغة وأهل البلاغة القرآن الكريم لن يجدوا فيه عوجاً أبداً، لأن الله قال ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾.
ولذلك قال الله - تبارك وتعالى - في سورة طه ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾ فأراد الله - سبحانه وتعالى
أن يستدلوا على إحكام التنزيل بإحكام الخلق، قال: هذه السماوات أمامكم مرفوعة، وهذه
الأرض تحتكم موضوعة، انظروا هل تجدوا فيها من خلل ؟ لن تجدوا في السماوات والأرض أي خلل، فهو خَلْقُ الله المحكم، وكذلك القرآن تنزيل الله المحكم؛ ولذلك قال تعالى ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لدن حكيم خبير َ".
*قال تعالى " لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ"
وقال تعالى " ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾
الفرق بين الإنذار الأول، والإنذار الثاني، أن الإنذار الأول عام لينذر جميع الكافرين بأساً شديداً من عند الله - عزّ وجلّ -وأما الإنذار الثاني: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾فهذا خاص بالذين زعموا أن الله اتخذ ولدا .
*قال تعالى في بيان حكمة الخلق، الإيجاد ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ .
وقد تكرر ذكر هذه الحكمة من الخلق والإيجاد، في موضوعين آخرين غير هذا الموضع .
في سورة الملك قال الله - تبارك وتعالى - ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[الملك:1-2] .
وفى سورة هود قال تعالى ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[هود:7] .
وهنا في سورة الكهف قال تعالى ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ .
فنص الله - تبارك وتعالى - في المواضع الثلاث على أن حكمة الخلق والإيجاد، ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ .
ولم يقل ربنا - سبحانه وتعالى - لنبلوهم أيهم أكثر عملا ، وإنما قال ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ لأن الإسلام لا يهتم بالكم، وإنما يهتم الإسلام بالكيف.
*﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ .
لما زين الله - تبارك وتعالى - الأرض بما عليها من زينة لا شك أن النفوس تعلقت بها وأن الأنظار انصرفت إليها فأراد الله - سبحانه وتعالى - أن يحذر عباده من التعلق بالدنيا، والركون إليها والحرص على زينتها، فقال - عزّ وجلّ - ﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ .
*في الحديث عن أصحاب الكهف بدأ بمجمل، ثم أتي على المجمل بعد ذلك بالتفصيل، وهذه سنة الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم، يذكر المجمل ثم يأتي بعد ذلك بالتفصيل، كذلك فعل الله - تبارك وتعالى - في القرآن كله، فاستفتحه بسورة الفاتحة وجعلها مجملة لما تضمنه القرآن الكريم كله، ثم جاء القرآن الكريم كله يفصل ما أجمله الله - تبارك وتعالى - في سورة الفاتحة، كذلك لما أراد الله - تبارك وتعالى - أن يقص علينا نبأ أصحاب الكهف، بدأ بمجمل فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ولكل من يصلح للخطاب ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴾[ الكهف:9-12] هذا هو المجمل ثم أخذ في التفصيل فقال ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ ثم قص الله - تبارك وتعالى - علينا من نبأهم ما قص في هذه السورة الكريمة المباركة
* ذكر كثير من المفسرين في تفسير هذه القصة
-قصة أصحاب الكهف- روايات طويلة وأخباراً كثيرة، لا تصح أبدا، ضربنا عن ذكرها صفحا؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - أغنانا عن هذه الروايات الباطلة، والقصص الواهية بقوله ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ فماذا تبتغي بعد هذا الحق الذي قصه الله - تبارك وتعالى - عليك، والله - سبحانه وتعالى - لا يتتبع الاحداث فيسردها حدثاً، ولا يتتبع الوقائع فيسردها واقعة واقعة، وإنما الله - تبارك وتعالى - سنته في القصص القرآني أن يقص علينا ما فيه العبرة، والعظة والدرس، ولذلك سيأتي معنا في السورة الكريمة في قصة ذو القرنين ﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ﴾ [الكهف:83] سأتلوا عليكم من نبأ ذي القرنين ما فيه ذكرى وعبرة وعظة ودرس، وما ليس فيه عبرة ولا فائدة ولا منفعة لن أقصه عليكم ولن أذكره لكم، إذاً من هم أصحاب الكهف؟ كم كان عددهم؟ وكيف كان لون كلبهم؟ وما كان اسم كلبهم؟ وأين كانوا يعيشون؟ وفى أي زمان كانوا يعيشون؟ وهل كانوا قبل موسى عليه السلام أم بعده ؟ كل هذا سكت الله - تبارك وتعالى - عنه؛ لأنه لا فائدة في تعيينه، ولا في ذكره، فلنسكت عما سكت الله - تبارك وتعالى - عنه .
*(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾
أشار(الله تعالى ) لنا بهذا اللفظ إلى قلة عدد أصحاب الكهف أنهم كانوا دون العشرة جمع قلة فتية دون العشرة ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ وفى ذكرهم بالفتوة والشباب والقوة والصحة، ما يفيد الشباب إلى أنه يجب عليهم أن يعتبروا بقصة هؤلاء الفتية، وأن يعتبروا بها وأن يحرصوا على اغتنام شبابهم، وأن يقدموا لدينهم ما يستطعيون في وقت شبابهم، فإن الشباب هو أجمل سن العمر، الشباب هو زمن العطاء، وزمن البذل، والجهد والتضحية في وقت الشباب
*﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
فلما آمنوا زادهم الله هدى، فالإيمان سبب من أسباب الزيادة في الإيمان، والهدى سبب من أسباب الزيادة في الهدى . قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾[يونس:9] الباء الداخلة على إيمانهم باء السببية ﴿ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ فلما تقبل دعوة الرسل وتؤمن بالله - عزّ وجلّ - يزيدك الله إيماناً، ولما تتبع الهدى الذي جاء به الرسل يزيدك الله هدى ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً ﴾[محمد:17] .
*إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ . فذكر هؤلاء الفتية في قولهم هذا توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية .
فإقرارك بتوحيد الربوبية يلزمك بالإقرار بتوحيد الألوهية؛ لذلك كثيراً ما يلزم الله - تبارك وتعالى - على مشركي العرب بتوحيد الألوهية بإقرارهم بتوحيد الربوبية .
فكما (أنه لا ند له في الربوبية فيجب أن تعلموا أنه لا ند له في الألوهية، فرب العالمين يجب أن يكون إله العالمين فلا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله .
أسئلة ::::::
- هل قوله تعالى ﴿ أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ فيه دليل على إثبات العلو لله - عزّ وجلّ - لأن العلو لا يكون إلا من فوق إلى تحت ؟
لا شك في ذلك -وجزاه الله خيراً على سلامة عقيدته وصحة معتقده، أن الله - سبحانه
وتعالى - في السماء فوق العرش استوى، بائن من خلقه، فهكذا النزول لا يكون إلا من
أعلى لأسفل .
-حلّ( الله تعالى ) للشباب والفتيات مشكلة الفراغ بآية واحدة من كتابه وهي قوله تعالى ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾[الشرح:7] فقال العلماء إذا فرغت من العبادة فانصب في عمل الدنيا وإذا فرغت من عمل الدنيا فانصب في العبادة.
-ما الحكمة من إيراد قصة أهل الكهف مجملة في البداية ثم فصلها؟
هذا من باب التشويق والترغيب بدلاً من أن تعطي المستمع الشيء دفعة واحدة تشوقه وترغبه وتعطيه مجملاً فيشتاق بسماع هذا المجمل إلى تفصيله، فإذا جاء التفصيل أقبل عليه وحرص على الانتفاع به .
-سؤال أهل الكهف بينهم لا يدل على تغير أشكالهم ، حيث كان السؤال كم لبثنا ولم تتغير أشكالهم، أوضح لنا؟
نحن أشرنا إلى أن الله - سبحانه وتعالى - حفظهم فلم يتغيروا بأي شيء ولذلك قال ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ﴾[الكهف:9] .
قلنا أنك حين تسمع نفراً ناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، ثم قاموا ولم يتغير شكلهم تتعجب تقول سبحان الله، كيف ينامون هذا الزمن الطويل ويقومون ولم تبلى ثيابهم ولم تتعفن أجسادهم
نقول هذا شيء عجيب نعم، لكن في خلق الله ما هو أعجب من ذلك ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾[الغاشية:17] إلى آخر ما ذكرنا .
[line]
* ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾
﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ ﴾ معطوف على الضمير المفعول في قولهم ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ اعتزلتم معبوداتهم التي يعبدونها إلا الله - سبحانه وتعالى - مما يدل على أن قومهم كانوا يعبدون الله ولكن كانوا به مشركين، يعبدون معه غيره، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله - تبارك وتعالى - فلما تبرأ الفتية الذين آمنوا بربهم من قومهم ومما يعبدون أثبتوا ولاءهم لله - سبحانه وتعالى - وحده ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ أي إلا الله أي اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فهو وليكم وإلهكم الحق الذي تعبدونه، وقد
كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقرأها وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله ،
وهذه القراءة كالتفسير للآية ، وهذه ليست من القراءات الثابتة التي وجه من وجوه القراءات
الصحيحة، ولكن هذه القراءة كتفسير ابن مسعود لقولهم " إلا الله " وهذا اللفظ وهو من
دون الله، قد صرح به الخليل إبراهيم - عليه السلام - لأبيه حين قال له، ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً ﴿48﴾ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا
يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً ﴾[مريم: 48-49].
أسئلة :::::::
-السلام عليكم ، عندي سؤالين ، السؤال الأول: في قول الله - سبحانه وتعالى - ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ هل يمكن أن يكون المعني هم لا يعبدون إلا الله جملة اعتراضية ، السؤال الثاني: في مسألة نوم أصحاب الكهف وهم مفتوحي الأعين ما الحكمة منها ؟
لا هذه ليست جملة اعتراضية ولكنها من ضمن كلام أهل الكهف
[line]
*﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾
فالله سبحانه حكى الثلاثة أقوال وأشار إلى الباطل منها والراجح، فوصف رأيين بقوله رجما بالغيب ، وسبعة ثامنهم كلبهم ولم يقل في ذلك رجما بالغيب، فكان ذلك إشارة إلى صحة
هذا القول، وأن عدة أصحاب الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ومع ذلك يقول الله تعالى
لرسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾ مع أن الله تعالى أشار إلى القول الراجح في عدتهم إلا أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يفوض الأمر في علم عدتهم إلى الله تبارك وتعالى﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾ فيستفيد من هذا أنك إذا رجحت بين الآراء بلا حجة ولا برهان وإنما بالاجتهاد والاستنباط فيجب عليك أن تقول في قولك الله أعلم لأنك رجحت بناء على الظن لا على اليقين، فإذا رجحت بغير دليل تقول هذا هو الراجح والله أعلم
*﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾، والأمر بالتلاوة يأتي بمعنى الأمر بالقراءة ويأتي بمعنى الأمر بالاتباع، ، أما الأمر بالقراءة التلاوة التي هي قراءة فمنه قوله ربنا عز وجل آمرا رسوله أن يقول ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ ﴾ [النمل:91،92]، فالتلاوة هنا معناها القراءة،· ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل: 92]،
-وتأتي التلاوة بمعنى الاتباع، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ [فاطر: 29]، فالتلاوة هنا معناها الاتباع والعمل بما في هذا الكتاب، ولذلك لما ذكر التلاوة ذكر أهم الأعمال الصالحة وهي الصلاة وإيتاء الزكاة، فالتلاوة تأتي بمعنى القراءة وتأتي بمعني الاتباع.
أسئلة ::::::
السؤال الثاني: أن يخبرنا الشيخ عن صحة هذه الرواية، من فوائد سورة الكهف يحكى أن
أحد العلماء كان يحث ابنه ويوصيه على قراءة القرآن منذ أن كان صغيرا وكان يعلمه حفظ
القرآن وطريقة تجويده، وفي يوم من الأيام دعا العالم ابنه وقال له سأخبرك بسر من أسرار سورة الكهف، إنها آيات إذا قرأتها قبل نومك فإنها توقظك عند أذان الفجر، شرط أن تغمض عينيك وتقرأ هذه الآيات وبعد ذلك تنام، استغرب الابن قول أبيه مع أنه لا غريب في القرآن، قرر الولد تجربة وصية أبيه، وعندما حل الظلام وحان وقت النوم قرأالولد تلك الآيات وبالفعل استيقظ عند أذان الفجر، فما كان من الابن إلا أن شكر والده وشكر ربه على هذه النعمة وهذه الآيات هي: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴿107﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴿108﴾ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَالْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴿109﴾ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿110﴾﴾.
-هكذا سمعنا هذه الرواية، ولم نقرأها في كتب ولكن سمعناها، وهي لا أصل لها ولا تصح
والتعبد بالقرآن الكريم لا يكون إلا بتوقيف من الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأدعية والأذكار والسور والآيات التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأها ورغب في قرأتها عند النوم صحيحة ثابتة معلومة، ولم نقرأ في صحيح السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم – رغب في قراءة خواتيم سورة الكهف عند النوم.
-سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل قول عسى في اللفظ القرآني يفيد التحقيق؟
هي - إن شاء الله تعالى- من الله موجبة كما يقول المفسرون، ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾[التوبة:18].
عسى في اللغة للترجي، لكن المفسرين قالوا: هي من الله إن شاء الله موجبة ولكن الله أتى بها حتى يقطع الإنسان نظره عن عمله ولا يتكل عليه يعني مع عملك الصالح عسى أن تكون من المفلحين وعسى أن تكون من المهتدين، حتى يكون الطمع في رحمة الله لا اتكالا على العلم؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال (لن يدخل أحدكم عمله الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل).
( جميع المتفرقات السابقة من تفسير سورة الكهف من الدرس الأول إلى الخامس للشيخ د.عبد العظيم بدوي)
يتبع إن شاء الله تعالى