متفرقات وفوائد متعلقة بالتفسير من دروس الأكاديمية الإسلامية

سلسبيل

New member
إنضم
18/06/2004
المشاركات
188
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الكويت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مجموعة متفرقات وفوائد متعلقة بالتفسير انتقيتها من دروس التفسير وغيرها من المواد الأخرى في الأكاديمية الإسلامية المفتوحة وقد أوجزت في بعضها كلام الشيخ أوقدمت ما تأخر منه أو أضفت للتوضيح بعض الكلمات ثم انتقيت كذلك بعضا من أسئلة الطلاب

[line]

قال تعالى ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ .
نعم الله - سبحانه وتعالى - عظيمة، وأعظمها على الإطلاق نعمة تنزيل الكتاب؛ فتنزيل الكتاب نعمة عظيمة جداً، يجب علينا أن نكثر من حمد الله - تبارك وتعالى -علينا، ولذلك حين ترى الله - سبحانه وتعالى - يمنُّ على عباده بنعمه، ويذكرهم بها، تراه يستفتح بذكر نعمة تنزيل الكتاب، في سورة الرحمن وهي سورة النعم، ذكّر الله - تبارك وتعالى - فيها الثقلين بآلائه وإنعامه، استفتح الله - تبارك وتعالى - بذكر نعمة التنزيل نعمة القرآن فقال - عزّ وجلّ - ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ فقدم ذكر نعمة القرآن قبل نعمة الخلق؛ لأن الإنسان بلا قرآن لا قيمة له ولا وزن له، وإنما بالقرآن يرتفع قدر الإنسان، ويرتفع ذكره، ويكون له الذكر الحسن في الدنيا، والجزاء الحسن في الآخرة، ولذلك قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿ وَإِنَّهُ ﴾ أي القرآن ﴿ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾[الزخرف:44] .
وقال لمن أنزل عليهم ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾[الانبياء:10] .


﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ المراد بالعبد محمد - صلى الله عليه وسلم - وإضافة الاسم عبد إلى ضمير الله - عزّ وجلّ - ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾ فيها من التكريم والتشريف للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما فيها، والعبودية لقب عظيم جداً لقب الله - سبحانه وتعالى - به نبيه - صلى الله عليه وسلم - في المقامات العظيمة الشريفة، لقبه به في مقام التنزيل فقال ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ
﴾ ولقبه به في مقام الدعوة فقال ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾ [الجـن:19] .

ولقبه به في مقام الإسراء فقال ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ .

ولقبه به في مقام التحدي فقال: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾[البقرة:23] فالعبودية لله شرف عظيم جداًَ للعبد؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب هذا اللقب، ويحب أن ينادى به، وكان يقول: ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله )وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول ( أيها الناس،ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله - تبارك وتعالى - إن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيا).

*﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ والله - سبحانه وتعالى - حين أنزل على عبده محمد - صلى الله عليه وسلم - الكتاب إنما أنعم على
البشرية كلها بهذا الكتاب، فلماذا خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر في الحمد
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ ولم يقل: الحمد لله الذي أنزل الكتاب، وإن كان نزول الكتاب نعمة على الإنسانية كلها؟

إنما خص النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذكر؛ لأن نعمة الله عليه في اصطفائه واجتبائه لتنزيل الكتاب عليه أعظم من نعمة التنزيل على غيره، الكتاب نُزِّل على الناس كلهم، ولكنه هو الذي تلقاه، وأوحاه الله - تبارك وتعالى - إليه، فكانت نعمة الله على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في التنزيل أعظم من نعمة من نُزل عليهم الكتاب .

*﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ﴾ الكتاب هكذا معرف، وكأن هذا القرآن من العربية بمكان بحيث إذا قيل الكتاب انصرف الذهن إلى هذا القرآن الذي أنزله الله - تبارك وتعالى - على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم فهو كتاب معلوم، وكتاب معهود، وكتاب معروف، بحيث إذا قيل الكتاب علم السامع أن المراد به القرآن المجيد.


*﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا* قَيِّماً ﴾
وصف الله تعالى الكتاب بوصفين: لم يجعل له عوجا، والوصف الثاني: قيما قال بعض العلماء: هذا الوصف الثاني قيم مستفاد من الوصف الأول وهو نفي العوج، لما نفى عنه العوج أفاد أنه قيم، لكن الله - سبحانه وتعالى - صرح بالوصف الثاني، قيما ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾ لماذا جمع بين الوصف بالقيم ومع نفي العوج ؟

قال العلماء: قد ترى الشيء فتظنه مستقيماً، فإذا دققت فيه النظر اطلعت فيه على عوج؛ فأراد
الله - سبحانه وتعالى - حين نفى العوج عن كتابه أن يقول: إنكم مهما دققتم النظر، وأعدتم النظر وكررتم النظر في هذا الكتاب، فستجدوه على هذه الاستقامة، ولن تجدوا فيه عوجاً أبداً؛ لأنه كلام الله رب العالمين، وليس كلام البشر المخلوقين؛ ولذلك الله - سبحانه وتعالى - لفت أنظارنا إلى إحكام خلقه في السماوات والأرض فقال ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ
كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ ﴾[الملك:3-4] فلعله فاتك في المرة الأولى ما تجده في المرة الثانية، النتيجة مع تكرار النظر إلى السماوات للحصول فيها على أي خلل ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، وكذلك مهما قرأ أهل اللغة وأهل البلاغة القرآن الكريم لن يجدوا فيه عوجاً أبداً، لأن الله قال ﴿ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ﴾.
ولذلك قال الله - تبارك وتعالى - في سورة طه ﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ﴾ فأراد الله - سبحانه وتعالى
أن يستدلوا على إحكام التنزيل بإحكام الخلق، قال: هذه السماوات أمامكم مرفوعة، وهذه
الأرض تحتكم موضوعة، انظروا هل تجدوا فيها من خلل ؟ لن تجدوا في السماوات والأرض أي خلل، فهو خَلْقُ الله المحكم، وكذلك القرآن تنزيل الله المحكم؛ ولذلك قال تعالى ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لدن حكيم خبير َ".

*قال تعالى " لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ"
وقال تعالى " ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾
الفرق بين الإنذار الأول، والإنذار الثاني، أن الإنذار الأول عام لينذر جميع الكافرين بأساً شديداً من عند الله - عزّ وجلّ -وأما الإنذار الثاني: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾فهذا خاص بالذين زعموا أن الله اتخذ ولدا .


*قال تعالى في بيان حكمة الخلق، الإيجاد ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ .
وقد تكرر ذكر هذه الحكمة من الخلق والإيجاد، في موضوعين آخرين غير هذا الموضع .

في سورة الملك قال الله - تبارك وتعالى - ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[الملك:1-2] .

وفى سورة هود قال تعالى ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾[هود:7] .

وهنا في سورة الكهف قال تعالى ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ .

فنص الله - تبارك وتعالى - في المواضع الثلاث على أن حكمة الخلق والإيجاد، ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ .

ولم يقل ربنا - سبحانه وتعالى - لنبلوهم أيهم أكثر عملا ، وإنما قال ﴿ لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ لأن الإسلام لا يهتم بالكم، وإنما يهتم الإسلام بالكيف.

*﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلً﴾ .
لما زين الله - تبارك وتعالى - الأرض بما عليها من زينة لا شك أن النفوس تعلقت بها وأن الأنظار انصرفت إليها فأراد الله - سبحانه وتعالى - أن يحذر عباده من التعلق بالدنيا، والركون إليها والحرص على زينتها، فقال - عزّ وجلّ - ﴿ وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً ﴾ .


*في الحديث عن أصحاب الكهف بدأ بمجمل، ثم أتي على المجمل بعد ذلك بالتفصيل، وهذه سنة الله - تبارك وتعالى - في القرآن الكريم، يذكر المجمل ثم يأتي بعد ذلك بالتفصيل، كذلك فعل الله - تبارك وتعالى - في القرآن كله، فاستفتحه بسورة الفاتحة وجعلها مجملة لما تضمنه القرآن الكريم كله، ثم جاء القرآن الكريم كله يفصل ما أجمله الله - تبارك وتعالى - في سورة الفاتحة، كذلك لما أراد الله - تبارك وتعالى - أن يقص علينا نبأ أصحاب الكهف، بدأ بمجمل فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ولكل من يصلح للخطاب ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ﴾[ الكهف:9-12] هذا هو المجمل ثم أخذ في التفصيل فقال ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ ثم قص الله - تبارك وتعالى - علينا من نبأهم ما قص في هذه السورة الكريمة المباركة

* ذكر كثير من المفسرين في تفسير هذه القصة
-قصة أصحاب الكهف- روايات طويلة وأخباراً كثيرة، لا تصح أبدا، ضربنا عن ذكرها صفحا؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - أغنانا عن هذه الروايات الباطلة، والقصص الواهية بقوله ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ﴾ فماذا تبتغي بعد هذا الحق الذي قصه الله - تبارك وتعالى - عليك، والله - سبحانه وتعالى - لا يتتبع الاحداث فيسردها حدثاً، ولا يتتبع الوقائع فيسردها واقعة واقعة، وإنما الله - تبارك وتعالى - سنته في القصص القرآني أن يقص علينا ما فيه العبرة، والعظة والدرس، ولذلك سيأتي معنا في السورة الكريمة في قصة ذو القرنين ﴿ وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً ﴾ [الكهف:83] سأتلوا عليكم من نبأ ذي القرنين ما فيه ذكرى وعبرة وعظة ودرس، وما ليس فيه عبرة ولا فائدة ولا منفعة لن أقصه عليكم ولن أذكره لكم، إذاً من هم أصحاب الكهف؟ كم كان عددهم؟ وكيف كان لون كلبهم؟ وما كان اسم كلبهم؟ وأين كانوا يعيشون؟ وفى أي زمان كانوا يعيشون؟ وهل كانوا قبل موسى عليه السلام أم بعده ؟ كل هذا سكت الله - تبارك وتعالى - عنه؛ لأنه لا فائدة في تعيينه، ولا في ذكره، فلنسكت عما سكت الله - تبارك وتعالى - عنه .


*(إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾
أشار(الله تعالى ) لنا بهذا اللفظ إلى قلة عدد أصحاب الكهف أنهم كانوا دون العشرة جمع قلة فتية دون العشرة ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ وفى ذكرهم بالفتوة والشباب والقوة والصحة، ما يفيد الشباب إلى أنه يجب عليهم أن يعتبروا بقصة هؤلاء الفتية، وأن يعتبروا بها وأن يحرصوا على اغتنام شبابهم، وأن يقدموا لدينهم ما يستطعيون في وقت شبابهم، فإن الشباب هو أجمل سن العمر، الشباب هو زمن العطاء، وزمن البذل، والجهد والتضحية في وقت الشباب

*﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
فلما آمنوا زادهم الله هدى، فالإيمان سبب من أسباب الزيادة في الإيمان، والهدى سبب من أسباب الزيادة في الهدى . قال تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾[يونس:9] الباء الداخلة على إيمانهم باء السببية ﴿ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ فلما تقبل دعوة الرسل وتؤمن بالله - عزّ وجلّ - يزيدك الله إيماناً، ولما تتبع الهدى الذي جاء به الرسل يزيدك الله هدى ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ﴾ ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً ﴾[محمد:17] .


*إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾ . فذكر هؤلاء الفتية في قولهم هذا توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية؛ لأن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية .
فإقرارك بتوحيد الربوبية يلزمك بالإقرار بتوحيد الألوهية؛ لذلك كثيراً ما يلزم الله - تبارك وتعالى - على مشركي العرب بتوحيد الألوهية بإقرارهم بتوحيد الربوبية .
فكما (أنه لا ند له في الربوبية فيجب أن تعلموا أنه لا ند له في الألوهية، فرب العالمين يجب أن يكون إله العالمين فلا إله إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله .


أسئلة ::::::
- هل قوله تعالى ﴿ أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ ﴾ فيه دليل على إثبات العلو لله - عزّ وجلّ - لأن العلو لا يكون إلا من فوق إلى تحت ؟

لا شك في ذلك -وجزاه الله خيراً على سلامة عقيدته وصحة معتقده، أن الله - سبحانه
وتعالى - في السماء فوق العرش استوى، بائن من خلقه، فهكذا النزول لا يكون إلا من
أعلى لأسفل .

-حلّ( الله تعالى ) للشباب والفتيات مشكلة الفراغ بآية واحدة من كتابه وهي قوله تعالى ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴾[الشرح:7] فقال العلماء إذا فرغت من العبادة فانصب في عمل الدنيا وإذا فرغت من عمل الدنيا فانصب في العبادة.

-ما الحكمة من إيراد قصة أهل الكهف مجملة في البداية ثم فصلها؟
هذا من باب التشويق والترغيب بدلاً من أن تعطي المستمع الشيء دفعة واحدة تشوقه وترغبه وتعطيه مجملاً فيشتاق بسماع هذا المجمل إلى تفصيله، فإذا جاء التفصيل أقبل عليه وحرص على الانتفاع به .

-سؤال أهل الكهف بينهم لا يدل على تغير أشكالهم ، حيث كان السؤال كم لبثنا ولم تتغير أشكالهم، أوضح لنا؟

نحن أشرنا إلى أن الله - سبحانه وتعالى - حفظهم فلم يتغيروا بأي شيء ولذلك قال ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً ﴾[الكهف:9] .

قلنا أنك حين تسمع نفراً ناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا، ثم قاموا ولم يتغير شكلهم تتعجب تقول سبحان الله، كيف ينامون هذا الزمن الطويل ويقومون ولم تبلى ثيابهم ولم تتعفن أجسادهم
نقول هذا شيء عجيب نعم، لكن في خلق الله ما هو أعجب من ذلك ﴿ أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾[الغاشية:17] إلى آخر ما ذكرنا .
[line]

* ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾
﴿ وَمَا يَعْبُدُونَ ﴾ معطوف على الضمير المفعول في قولهم ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ اعتزلتم معبوداتهم التي يعبدونها إلا الله - سبحانه وتعالى - مما يدل على أن قومهم كانوا يعبدون الله ولكن كانوا به مشركين، يعبدون معه غيره، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله - تبارك وتعالى - فلما تبرأ الفتية الذين آمنوا بربهم من قومهم ومما يعبدون أثبتوا ولاءهم لله - سبحانه وتعالى - وحده ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ أي إلا الله أي اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فهو وليكم وإلهكم الحق الذي تعبدونه، وقد
كان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقرأها وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله ،
وهذه القراءة كالتفسير للآية ، وهذه ليست من القراءات الثابتة التي وجه من وجوه القراءات
الصحيحة، ولكن هذه القراءة كتفسير ابن مسعود لقولهم " إلا الله " وهذا اللفظ وهو من
دون الله، قد صرح به الخليل إبراهيم - عليه السلام - لأبيه حين قال له، ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً ﴿48﴾ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا
يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً ﴾[مريم: 48-49].

أسئلة :::::::
-السلام عليكم ، عندي سؤالين ، السؤال الأول: في قول الله - سبحانه وتعالى - ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ هل يمكن أن يكون المعني هم لا يعبدون إلا الله جملة اعتراضية ، السؤال الثاني: في مسألة نوم أصحاب الكهف وهم مفتوحي الأعين ما الحكمة منها ؟

لا هذه ليست جملة اعتراضية ولكنها من ضمن كلام أهل الكهف
[line]

*﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾
فالله سبحانه حكى الثلاثة أقوال وأشار إلى الباطل منها والراجح، فوصف رأيين بقوله رجما بالغيب ، وسبعة ثامنهم كلبهم ولم يقل في ذلك رجما بالغيب، فكان ذلك إشارة إلى صحة
هذا القول، وأن عدة أصحاب الكهف كانوا سبعة وثامنهم كلبهم ومع ذلك يقول الله تعالى
لرسوله صلى الله عليه وسلم ﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾ مع أن الله تعالى أشار إلى القول الراجح في عدتهم إلا أنه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يفوض الأمر في علم عدتهم إلى الله تبارك وتعالى﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾ فيستفيد من هذا أنك إذا رجحت بين الآراء بلا حجة ولا برهان وإنما بالاجتهاد والاستنباط فيجب عليك أن تقول في قولك الله أعلم لأنك رجحت بناء على الظن لا على اليقين، فإذا رجحت بغير دليل تقول هذا هو الراجح والله أعلم

*﴿ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ﴾، والأمر بالتلاوة يأتي بمعنى الأمر بالقراءة ويأتي بمعنى الأمر بالاتباع، ، أما الأمر بالقراءة التلاوة التي هي قراءة فمنه قوله ربنا عز وجل آمرا رسوله أن يقول ﴿ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ ﴾ [النمل:91،92]، فالتلاوة هنا معناها القراءة،· ﴿ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [النمل: 92]،

-وتأتي التلاوة بمعنى الاتباع، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ [فاطر: 29]، فالتلاوة هنا معناها الاتباع والعمل بما في هذا الكتاب، ولذلك لما ذكر التلاوة ذكر أهم الأعمال الصالحة وهي الصلاة وإيتاء الزكاة، فالتلاوة تأتي بمعنى القراءة وتأتي بمعني الاتباع.
أسئلة ::::::
السؤال الثاني: أن يخبرنا الشيخ عن صحة هذه الرواية، من فوائد سورة الكهف يحكى أن
أحد العلماء كان يحث ابنه ويوصيه على قراءة القرآن منذ أن كان صغيرا وكان يعلمه حفظ
القرآن وطريقة تجويده، وفي يوم من الأيام دعا العالم ابنه وقال له سأخبرك بسر من أسرار سورة الكهف، إنها آيات إذا قرأتها قبل نومك فإنها توقظك عند أذان الفجر، شرط أن تغمض عينيك وتقرأ هذه الآيات وبعد ذلك تنام، استغرب الابن قول أبيه مع أنه لا غريب في القرآن، قرر الولد تجربة وصية أبيه، وعندما حل الظلام وحان وقت النوم قرأالولد تلك الآيات وبالفعل استيقظ عند أذان الفجر، فما كان من الابن إلا أن شكر والده وشكر ربه على هذه النعمة وهذه الآيات هي: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ﴿107﴾ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴿108﴾ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَالْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴿109﴾ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿110﴾﴾.

-هكذا سمعنا هذه الرواية، ولم نقرأها في كتب ولكن سمعناها، وهي لا أصل لها ولا تصح
والتعبد بالقرآن الكريم لا يكون إلا بتوقيف من الرسول - صلى الله عليه وسلم - والأدعية والأذكار والسور والآيات التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأها ورغب في قرأتها عند النوم صحيحة ثابتة معلومة، ولم نقرأ في صحيح السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم – رغب في قراءة خواتيم سورة الكهف عند النوم.


-سؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل قول عسى في اللفظ القرآني يفيد التحقيق؟

هي - إن شاء الله تعالى- من الله موجبة كما يقول المفسرون، ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾[التوبة:18].

عسى في اللغة للترجي، لكن المفسرين قالوا: هي من الله إن شاء الله موجبة ولكن الله أتى بها حتى يقطع الإنسان نظره عن عمله ولا يتكل عليه يعني مع عملك الصالح عسى أن تكون من المفلحين وعسى أن تكون من المهتدين، حتى يكون الطمع في رحمة الله لا اتكالا على العلم؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم – قال (لن يدخل أحدكم عمله الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل).

( جميع المتفرقات السابقة من تفسير سورة الكهف من الدرس الأول إلى الخامس للشيخ د.عبد العظيم بدوي)

يتبع إن شاء الله تعالى
 
* ﴿ كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ﴾
جاء الله -تبارك وتعالى- بحرف الفاء الذي يفيد الترتيب مع التعقيب الذي يخالف ثم، فإن ثم تفيد الترتيب مع التراخي، أما الفاء تفيد الترتيب مع التعقيب. ليفيد سرعة الفناء وسرعة الزوال.

* ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ لماذا شبه الله تعالى الحياة الدنيا بالماء؟
ذكر العلماء والمفسرون ومنهم القرطبي -رحمه الله- في تفسيره، لماذا شبهت الدنيا بالماء قالوا: هناك وجوه شبه كثيرة.
أولاً: لأن الماء لا يستقر في مكان، وكذلك الدنيا لا تستقر عند إنسان.
ثانياً: الماء لا يثبت على حال، وكذلك الدنيا، دوام الحال من المحال.
ثالثاً: من دخل الماء ابتل، وكذلك من دخل الدنيا لم يخرج منها سالما.
وأخيراً: الماء إذا كان بقدر نفع، وإذا زاد عن قدره ضر.

*﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ الباقيات الصالحات يجب إبقائها على إطلاقها وعمومها، كما أطلقها ربنا -سبحانه وتعالى-، لا يجوز تخصيص الباقيات الصالحات بأنها نوع من العبادة ولا الذكر.
أسئلة :::
-السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أريد أن أسأل عن أشياء أولها: الأولى في جواز الدعاء على الظالم، هل ﴿ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ﴿39﴾ فَعَسَى رَبِّي﴾ هل هذا جواب شرط وفيه صيغة دعاء لفظ ﴿ فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ﴾ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهي عن الدعاء على الكافرين ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾.
نعم، قلنا يجوز الدعاء على الظالم الطاغي الذي طغى بنعمة الله -عز وجل- وأساء بها إلى خلقه الله -سبحانه وتعالى- يجوز الدعاء عليه بزوال نعمته لعله يرجع إلى الله -تعالى- كما حدث مع ذلك الغني الكافر لما زالت النعمة ندم واستعتب وتمنى أن لم يكن أشرك بربه أحدا، وقد قلنا أن الله -سبحانه وتعالى- حكى عن موسى - عليه السلام - وهارون أنهما دعوا على فرعون وملأه بزوال النعمة، وأما قول الله -تعالى- للنبي - صلى الله عليه وسلم - ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾، ونهي الله تعالى عن الدعاء عن الكافرين فهذه واقعة عين، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل خير أصحابه، كانوا يسمون بالقراء إلى جماعة من العرب يدعونهم إلى الإيمان فغاروا عليهم وقتلوهم فلم يتركوا منهم شيئا، فقنت النبي - صلى الله عليه وسلم -عليهم شهرا يدعوعليهم، وبعد شهر قال له الله -تعالى:- ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴿128﴾ ﴾ والقول بالجواز لا يستلزم الاستحباب فضلا عن الفرضية إنما هذا جواز، جواز الدعاء على الظالم نفسه بنعمة ما أن تزول لعله أن يتوب إلى الله؛ لأن الغنى أطغاه فلعله إذا زالت النعمة أن يرجع إلى الله - سبحانه وتعالى.
-السؤال الثالث: كان عن حديث الباقيات الصالحات، الأثر الوارد فيه أخرجه الشيخ أحمد شاكر في المسند بإسناد صحيح عن معنى الباقيات الصالحات

إذا صح حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الباقيات الصالحات: هي سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فليس هذا الحديث وإن صح يفيد الحصر كما قلت وإنما اللفظ عام، كل الأعمال الصالحة هي الباقيات الصالحات.

-كيف نحسن التوفيق بين قوله تعالى: ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴿46﴾ ﴾ وبين قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْس نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]؟

لو أذن لنا أن نقول: بقول بعض السلف أن ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ أن نصيبك من الدنيا هو ما ينفعك في الآخرة، وليس على ظاهره أنه حظوظك من الدنيا وشهواتك، لكن لو نزلنا نقول: احرص على ما ينفعك ولا تنس نصيبك من الدنيا، فالدعوة إلى الزهد والدعوة إلى إيثار الآخرة، ليست معناها دعوة إلى ترك الدنيا بالكلية والإعراض عنها.

-هل المقصود بالبنين الأولاد والبنات؟
لا، البنين المعلوم أن البنين هم الذكور وإنما خص الله -سبحانه وتعالى- اللفظ بالبنين؛ لأنه معلوم طبيعة الناس في حب الذكور من الجنسين، فالمال والبنون المراد بالبنين الذكور من الأولاد.
- هل هناك تعارض بين ما ذكرتم من شريف علمكم من أن إبليس جن، وبين قول الله - عزّ وجلّ - في سورة البقرة ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ )
ليس هناك تعارض إنما هنا زيادة في الكهف فصل في القضية ﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ ﴾[الكهف: 50] (أي ) لم يكن من الملائكة لاختلاف الأصلين كما ذكرنا حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار ) فهو عالم آخر غير عالم الملائكة، وغير عالم الإنس .
[line]
* ﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا ﴾. الكهف
*﴿ وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً ﴾[الاسراء:94]. يقول العلماء : المانع من الإيمان نوعان:
مانع عادي، ومانع حقيقي، المانع العادي: هو المذكور في سورة الإسراء فهذا مانع منع الناس من الإيمان ولكنه ، إذا زال دخل الناس في الإيمان فهذه شبهة عرضت للناس كلهم، أما المانع الحقيقي الذي منع الناس من الإيمان: فهو المذكور في سورة الكهف وهو أنه حقت عليهم كلمة العذاب، والذين حقت عليهم كلمة العذاب لا يمكن أن يؤمنوا أبداً كما قال تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُون ﴿96﴾ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾[يونس:96-97].
فلا يؤمنون إلا أن تأتيهم سنة الأولين: أي يأخذهم الله بعذاب في الدنيا كما أخذ الذين من قلبهم، أو يأتيهم عذاب يوم القيامة قبلاً، أو مواجهة ومباشرة .
وإذا آتاهم عذاب الدنيا آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم، وإذا آتاهم عذاب الآخرة آمنوا ولا ينفعهم أيضا إيمانهم، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴿84﴾ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ﴾[غافر:84-85].

* ما ذكره الحافظ ابن حجر -رحمه الله- من فوائد ، في شرح قصة موسى والخضرعليهما السلام :
-استحباب الحرص على الازدياد من العلم.
-استحباب لقاء المشايخ، والخروج للقاء العلماء، وطلب العلم على أيديهم، فإن لطلب العلم طريقين: الطريق الأول: الأخذ من الكتب وهذا ليس نافعاً إلا بشروط ذكرها الإمام الشاطبي -رحمه الله- في مقدمة من المقدمات التي كتبها في كتابه الموافقات، وأما الطريق الثاني: فهو طريق المشافهة، وهذا هو أنفع الطرق في طلب العلم، طريق المشافهة: أن تأخذ العلم من أفواه المشايح.
قالوا: لأن الله - تبارك وتعالى - جعل بين العالم والطالب خاصية في سرعة الفهم.
-وإطلاق اسم الفتى على التابع أن يقال للخادم فتى واستخدام الحر، الحر ضد العبد، والعبد: هو الرقيق المملوك، فيجوز استخدام الحر فضلاً عن استخدام الرقيق، وطواعية
الخادم لمخدومه: أن الخادم يطيع مخدومه، وينفذ أوامره.
- عذر الناس؛ لأن الفتى نسي أن يخبر موسى بما فعله الحوت، فعذره موسى -عليه السلام لأن هذا شأن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- بالنسبة لما مضى، ما كانوا يعنفون ولا يوبخون وإنما كانوايقولون: قدر الله وما شاء فعل .
-وفيه قبول الهدية من غير المسلم،فيجوز للمسلم أن يقبل الهدية من الكافر، والشاهد عليها أن أصحاب السفينة كانوا كافرين، ولما رأوا الخضر العبد الصالح حملوه بلا أجرة، وأقرهم الخضر على ذلك، ولم يلح عليهم في قبول الأجرة، ففيه جواز قبول الهدية من غير المسلم .

*﴿ فَانْطَلَقَا حَتّىَ إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نّكْراً )
قال ابن بطال: قول الخضر: وأما الغلام فكان كافراً هو باعتبار ما يؤول إليه أمره: أن لو عاش حتى يبلغ؛ لأن الغلام صبي صغير لم يبلغ الحلم بعد، إذًا هو على إسلامه إسلام الفطره ، ولكن كان كافراً هذا باعتبار ما سيؤول إليه أمره لو طالت حياته، واستحباب مثل هذا القتل أن يقتل غلام مخافة أن يكبر فيكفر، لا يعلم ذلك إلا الله - سبحانه وتعالى - ولله أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده .

ويحتمل أن يكون جواز تكليف الصبي المميز كان مشروعاً في شريعة من قبلنا، أي كان في شريعة من قبلنا يكلف الغلام ويجري عليه القلم، ويؤاخذ بأفعاله بالتمييز، يكون في سن سبع سنين أو ثمان سنين، أما في شريعتنا فقد رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم .

-قال: وفيه جواز الإخبار بالتعب، ويلحق به الألم من مرض ونحوه، موسى قال: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا، نحن تعبنا جداً من هذا السفر، ففي هذا جواز الإخبار بالتعب, ويلحق به الألم من مرض ونحوه، شريطة إذا كان هذا الإخبار على غير سخط القدر.
-وفيه أن المتوجه إلى ربه يعان فلا يسرع إليه النصب والجوع، بخلاف المتوجه إلى غيره، كما في قصة موسى في توجهه لميقات ربه، وذلك في طاعة ربه، فلم ينقل عنه أنه تعب، ولا طلب غداءً، ولا رافق أحدا، وأما في توجهه إلى مدين فكان في حاجة نفسه فأصابه الجوع، وفى توجهه إلى الخضر، كان لحالة نفسه أيضاً فتعب وجاع، فكلما كان خروج الإنسان في سبيل الله، وابتغاء مرضات الله؛ يسر الله عليه الطريق، وهون عليه السفر، ولم يجد منه النصب، قال بعض العلماء: ولعل هذا التيسير لطالب العلم إنما هو بسبب وضع الملائكة أجنحتها كما في الحديث ( وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يصنع ) فهذا مما يستفاد من قول موسى لفتاه ﴿ لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا ﴾ فاسم الإشارة يعود على السفر القريب بعدما نام عند الصخرة بمجمع البحرين، وجاوزها وجد التعب والنصب بعد تجاوزه .

- وفيه جواز طلب القوت، وطلب الضيافة؛ لأن موسى والخضرعرضا على أهل القرية أن يطعماهم، -وفيه قيام العذر بالمرة الواحدة، وقيام الحجة بالثانية ؛ لأن موسى لما اعتذر عن أول مرة قبل الخضر عذره، وفى المرة الثانية قامت عليه الحجة.
-وفيه حسن الأدب مع الله، وألا يضاف إلى الله ما يستهجن لفظه، وإن كان الكل بتقدير الله وخلقه، والدليل على ذلك أن الخضر قال عن السفينة: ﴿ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ فنسب العيب إليه، وقال عن الجدار ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ ﴾ ومنه قول الخليل إبراهيم -عليه السلام- ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴿78﴾ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴿79﴾ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80)


-قال العلماء في طلب موسى – عليه السلام – من الغلام ﴿ آَتِنَا غَدَاءَنَا ﴾ في ذلك تواضع موسى – عليه السلام – حيث لم يقل: للفتى آتني غدائي فيستفاد من ذلك: أنه ينبغي لمن وَّسع الله تعالى عليه واتخذ الخادم في الحضر أو في السفر أنْ يُكرم هذا الخادم وأن يحسن صحبته وأن يطعمه مما يأكل وأن يكسوه مما يكسى

*هل كان الخضر نبياً يوحى إليه، أم كان ولياً ؟

الراجح من أقوال العلماء أن العبد الصالح هو الخَضِر – عليه السلام – كان نبياً ولم يكن ولياً فقط لماذا ؟

أولاً : لأن موسى – عليه السلام – جاء ليتعلم منه. موسى – عليه السلام – وهو كليم
الله ومن أولى العزم من الرسل الخمسة المعروفين ، وما كان لنبي أن يتعلم من ولي، لأن النبى أفضل من الولي ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء .

2 - أن الله - سبحانه وتعالى – قال ﴿ آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾ والمراد بالرحمة النبوة فإن الله - سبحانه وتعالى – سمى النبوة بالرحمة في مواضع من كتابه فقال في حق النبي – صلى الله عليه وسلم – ﴿وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴿31﴾ فقال الله تعالى منكراً عليهم ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾
(وقال تعالى أيضا ) ﴿ أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا ﴾ قال الله تعالى ﴿ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ﴿8﴾ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ﴾[صّ:8-9].
فهنا الله تعالى قال ﴿ آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا ﴾ المراد بالرحمة هنا النبوة .

3- قوله تعالى ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ والعلم اللدني الذي يؤخذ من الله - سبحانه وتعالى – بلا اكتساب من الإنسان هذا لا يكون إلا للأنبياء، لا يكون أبداً لبشر - من غير أنبياء- أن يمسي جاهلاً، ويصبح عالماً لا يمكن أبداً.
كما قال الله تعالى لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم – ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾[النساء:113] حيث علمك ما لم تكن تعلم .

4- أيضا مما يستدل على نبوة الخضر، قوله عن الغلام الذي قلته ﴿ وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ﴾ [الكهف:80].

فهذا الغلام لم يبلغ الحُلُمَ بعد قتله الخضرُ، من أين لهذا العبد الصالح أنه علم أن هذا الغلام لو كبر يكفر بالله ويخشى على والديه منه أن يكفرا ؟هذا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله - عزّ وجلّ – ﴿ قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [النمل:65].
لكن الله تعالى قال ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ﴾[الجـن:26] ثم استثنى فقال ﴿ إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾[الجـن:27].
فكون الخضر علم أن هذا الغلام لو كبر يكفر بالله - عزّ وجلّ – هذا من علم الغيب الذي أطلعه الله عليه والله لا يطلع على الغيب أوليائه، إنما يطلع على الغيب من ارتضى من رسول كما قال الله - سبحانه وتعالى .
5- ثم إن الخضر – عليه السلام – صرح في نهاية القصة بقوله ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾[الكهف: 82] إذا كان الأمر ممن ؟ من الله - سبحانه وتعالى – لأنه لا يجوز عقلاً ولا شرعاً لأي بشر- مهما كان- أن يلقى غلاماً في الطريق فيقتله فإذا سُئلَ لما قتلته ؟ يقول لقد علمت أنه لو كبر لكفر بالله - عزّ وجلّ – فأنا قتلته قبل أن يكفر هذا لا يجوز لأحد فعله إلا أن يكون رسولاً من الله يوحي الله - تبارك وتعالى – إليه .
فهذه أدلة تدل على أن الخضر كان نبياً من أنبياء الله ولم يكن مجرد ولي .

* هل ما زال الخضر حياً أم مات ؟

الراجح أيضاً من أقوال العلماء أن الخضر – عليه السلام – قد مات وأنه مات قبل بعثة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – والدليل على أنه مات، قول الله لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم – ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴿34﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾[الانبياء:34-35] .
فقوله ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ ﴾ نكرة في سياق النفي والنكرة في سياق النفي ، فتعم كل بشر كان قبل النبي – صلى الله عليه وسلم – والخضر بشر ممن كان قبل النبي –صلى الله عليه وسلم – والله لم يجعل الخلد لنبيه فمعنى ذلك أن الخضر مات، كما يموت البشر .

دليل ثاني : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – في يوم( اللهم إن تَهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلن تعبد في الأرض ). فلو كان الخضر حياً لكان يعبد الله. والنبي - صلى الله عليه وسلم ثالثاً : من الأدلة التى يستدل على وفاة الخضر – عليه السلام – أن النبي –صلى الله عليه وسلم – صلى بأصحابه العشاء ذات ليلة متأخراً ثم قال لهم ( أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه على رأس مائة سنة سنة لا يبقى ممن هوعلى ظهرها أحد ) .

رابعا : من الأدلة التي يستدل بها على وفاة الخضر أن الخضر كما دللنا كان نبياً، وقد أخذ الله تعالى من النبين ميثاقهم إذا جاءهم رسول من الله - عزّ وجلّ – أن يؤمنوا به ويتبعوه، فلو كان الخضر حياً إلى بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم – للزمه أن يأتيه، ويبايعه على الإسلام، ويتبعه عليه، ويقاتل معه أعداء الله، ولم يثبت أبداً أن الخضر أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – وبايعه على الإسلام واتبعه عليه فمعنى ذلك: أن الخضر كان قد مات قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – .

*﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَه﴾[الكهف: من الآية77].
قال المفسرون كيف أقامه هل هدمه ثم بناه قالوا لا إنما أشار إليه بيده هكذا أن اثبت مكانك فثبت الجدار مكانه بعد أن أراد أن ينقض أشار إليه الخضر بيده هكذا أن مكانك فثبت مكانه وهذه معجزة للخضر ولا نقول كرامة لأننا اتفقنا على أن الخضر عليه السلام كان نبيا والمعجزات تختص بالأنبياء أما الكرامات فتختص بالأولياء كونه يرى جدار يريد أن يقع فيشير إليه أن اثبت مكانك فيسمع الجدار كلامه ويثبت مكانه هذه معجزة للخضر عليه السلام

أسئلة ::::
سؤال: الحديث الذي ورد فيه المسيح الدجال وبقاؤه حياً في الجزيرة هل يتنافى مع ما ذكره الشيخ في بقائه حياً ؟ دل حديث الجساسة وغيره على أن المسيح الدجال مقيد بسلاسل في جزيرة إلى أن يأذن الله له بالخروج، فهنا تأتي شبهة. نحن استدللنا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم – (أرأيتم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهرها أحد ) فهنا كان المسيح الدجال موجوداً في هذه الليلة وهو موجود إلى أن يخرج فهنا يقول العلماء في هذا الحديث أنه من العام المخصوص، خرج المسيح الدجال من هذا العام بالأحاديث الصحيحة الثابتة، ولم يخرج الخضر لأنه لم يأتي أحاديث صحيحة تدل على حياته – عليه السلام - .

-سؤال : إرادة الجدار هل تدل على وجود المجاز في القرآن وما الأحكام المترتبة على ذلك؟ أجاب فضيلة الشيخ :
لا نحن فسرنا الإرادة على ظاهرها حتى نهرب من المجاز ومن أراد أن يقف على هذه الحقيقة فليراجع تفسير أضواء البيان للشيخ الشنقيطي رحمة الله عليه فله كلام طيب جدا في مسألة المجاز هذه فنحن فسرنا الإرادة على حقيقتها حتى نهرب من القول ووجود المجاز في القرآن الكريم
-هل يجوز أن نعبر بالعلم اللدني هذا أو لا؟
العلم اللدني خاص بالأنبياء لا يكون لغيرهم. الله تعالى يوحي إلى أنبياءه، معنى العلم اللدني يعني من لدن الله عن طريق الوحي إلى رسل الله هذا العلم من الله مباشرة بالوحي لا يكون إلا للأنبياء.
[line]

* هل كان ذو القرنين نبيا أم ملكا صالحا ؟
ذهب البعض إلى أن ذا القرنين كان نبياً ومما استدلوا به على نبوته قول الله - تبارك
وتعالى – ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾[الكهف:84].
قالوا والتمكين يكون للدين ويكون في الدنيا. وأجلُّ نعم الله - سبحانه وتعالى –الدينية هي النبوة فقوله تعالى ﴿ إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ﴾ يدل على نبوته وكذلك استدلوا على نبوته بقول الله - تبارك وتعالى - ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً ﴾[الكهف:86] قالوا: الله - سبحانه وتعالى – كلمه قال ﴿ قُلْنَا يَا ذَاالْقَرْنَيْنِ ﴾ فهذا الكلام من الله له يدل على نبوته.
والحقيقة أن هذه الأقوال ليست في القوة كالأدلة التي استدللنا بها على نبوة الخضر – عليه السلام -
أما الدليل الأول: وهو التمكين في الأرض، فالتمكين في الأرض لا يكون للأنبياء وحدهم بل يكون للأنبياء وأتباعهم من عباد الله المؤمنين الصالحين ولذلك قال الله تعالى ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾[النور:55].

وأما الدليل الثاني: وهو قول الله - تبارك وتعالى – له ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ﴾ فإن هذا القول لا يستلزم أن يكون الكلام مخاطبةً من الله - تعالى - لذي القرنين وإنما يحتمل أن يكون هذا القول من الله لذي القرنين عن طريق نبي ذلك الزمان الذي كان يعيش فيه ذو القرنين، كما قال الله - تبارك وتعالى – عن بني إسرائيل: ﴿ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ﴾[النساء:154]. ولم يقل أحد: إن هذا القول من الله - تبارك وتعالى – لبني إسرائيل كان مواجهة من الله لهم، وإنما هذا القول قاله الله - تبارك وتعالى – لبني إسرائيل عن طريق موسى- كليمه ورسوله – عليه الصلاة والسلام - .

ثم إن أعلى ما يمكن أن يقال في قوله تعالى ﴿ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ ﴾ إن لم يكن بواسطة نبي ذلك الزمان، فإنه يكون بواسطة الإلهام، ألهمه الله - تبارك وتعالى –هذا القول . والإلهام لا ينتهض أن يكون دليلاً لمن ألهم هذا القول؛ فإن الله - سبحانه وتعالى – سمى الإلهام الذي ألهمه أم موسى وحياً ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي ﴾ [القصص:7].
فهذا الوحي لم يكن وحي نبوة وإنما كان وحي إلهام ومع ذلك لم يقل أحد من الناس إن أم
موسى كانت نبية فالراجح من أقوال المفسرين: أن ذا القرنين لم يكن نبياً ولكن كان ملكاً صالحاً من أولياء الله الصالحين .

* ﴿ وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴿88 ﴾
انتبه هنا للتقديم والتأخير في الجزائين، لما ذكر ذو القرنين الجزاء الأول جزاء من كفر وظلم نفسه بالكفر بدأ بعذابه هو وأخر ذكر عذاب الآخرة، ولما ذكر جزاء من آمن وعمل صالحاً قدم ذكر جزاء الآخرة وأخر ذكر جزاء نفسه هو ﴿ قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ﴿87 ﴾

فبدأ ذو القرنين في ذكر الجزاء للظالمين بالعذاب الأدنى وأخر العذاب الأكبر وأما في جزاء المؤمنين الصالحين الذين قبلوا الدعوة واتبعوه على الإيمان بالله، وأسلموا معه لله - عزّ وجلّ – فبدأ بذكر الجزاء الأعظم جزاء الآخرة وأخر جزاءه هو .

* قال ﴿ وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ﴿88 ﴾
وفى هذا الجواب من الملك الصالح - ذي القرنين - رضي الله عنه – تعليم للملوك إذا فتحوا البلاد أن يحترموا أهلها وأن ينصفوهم من أنفسهم وألا يسعوا في الأرض فساداً بالقتل والنهب والسلب وانتهاك الأعراض، كما قالت ملكة بلقيس ﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ وأقرها الله - عزّ وجلّ – على ذلك الوصف فقال ﴿ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [النمل:34].

*﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ﴾ [الكهف:78] بالتاء قبل الطاء ، فلما نبأه بتأويل ما لم يستطع عليه صبرا قال: ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ﴾[الكهف:82] بدون تاء .
الفرق بين اللفظين: أن التاء قبل الطاء فيها ثقل في النطق يقابل ثقل الجهل الذي كان يعاني منه موسى – عليه السلام – لأنه كان جاهلاً بالأحوال التي دعت الخضر إلى فعل ما فعل فلما علمه زال الجهل وذهب هذا الثقل الذي كان على عاتقه فقال ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً ﴾ وهنا يقول: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴿97 ﴾ لأنهم إن يأتوا بسلم ،فييضعونه على الجدار وينزلون من الناحية الثانية ، هذا أسهل من أن ينقبوا؛ لأن النقب يحتاج إلى عمل دؤوب وشغل كثير لكنَّ الارتقاء بالسلم أسهل قال: ﴿ فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ﴾.

أسئلة :::::
-قال الله - عزّ وجلّ – في كتابه الكريم على لسان ذي القرنين ﴿ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً ﴾ وقال الله - عزّ وجلّ – في كتابه الكريم ﴿ لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ فهل هذا العذاب يقصد أما من ظلم أي أما من كفر بالله ولم يتبع الدعوة فهل هذا العذاب كان فيه شريعة من قبلنا؟ وكيف كان العذاب ؟
كان في شريعة من قبلنا لا يقبل إما الإسلام وإما القتل وسيكون ذلك أيضاًَ في آخر زماننا في شريعتنا أيضاً كما سينزل عيسى بن مريم – عليه السلام – لا يقبل إلا الإسلام أو القتل لكن في عهد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم – كان إما الإسلام وإما الجزية فإن أبوا الإثنين فالقتل .
[line]
* مكان وجود السد :
*قد كثرت الأسئلة في الدرس السابق عن مكان وجودهم ومكان هذا السد وكيف لا يعرفه
الناس الآن مع أن العالم كله أصبح كالقرية الواحدة بوسائل الاتصالات الحديثة ووسائل
الاستطلاعات الحديثة والأقمار الصناعية ونحو ذلك نقول :

أولا : هذا كلام الله عز وجل أخبرنا عن وجودهم وراء السد ومن أصدق من الله قيلا ، ومن أصدق من الله حديثا فنحن كمؤمنين بهذا القرآن أنه كلام الله عز وجل نؤمن بأن يأجوج ومأجوج وراء السد كما أخبرنا الله وإن لم نطلع عليهم وإن لم نعرف أين يقع هذا السد.
ثانيا : أنه ليس كل موجود يرى ، فأقرب شيء إليك عقلك فهل ترى عقلك لا تراه ولا تستطيع أن تجزم بأنك غير عاقل فأنت تجزم بوجود عقلك وتزعم أنك عاقل ومع ذلك أنت لم ترى عقلك .
ثالثا : هناك عوالم من عوالم الغيب آمنا بوجودها لإخبار الله تبارك وتعالي لنا بوجودها ونحن لم نرها ، أليس الملائكة موجودين ، أليس الجن موجودين ، فلماذا نقول أن الجن غير موجودين لأننا لا نراهم ، الجن موجودون ونحن لا نراه والملائكة موجودون ونحن لا نراهم
رابعا : أن بني إسرائيل لما استعصوا على موسى عليه السلام وأبوا أن يدخلوا الأرض المقدسة قال الله تعالي (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ)(المائدة: من الآية26)
فكانوا في صحراء سيناء تائهين في الأرض لا يهتدون سبيلا للخروج للعودة إلي مصر ولا لدخول فلسطين ومع ذلك كانت الرحلات التجارية والقوافل السفرية مستمرة السير لم يطلع الناس على بنى إسرائيل ولم يطلع بنوا إسرائيل على الناس حتى انتهى الأجل وهو ( أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ)(المائدة: من الآية26)فمكنهم الله تعالي من الاهتداء إلي الطريق ودخول الأرض المقدسة ، كذلك ياجوج ومأجوج رحم الله تعالي الناس بحبسهم وراء السد ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ ( أي جعل السد ) دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّ)(الكهف:98)

*(أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ)(الكهف: من الآية102) أوجه لتفسير هذه الآية :
1- أفحسب الذين جعلوا مع الله إله أخر ، أفحسب الذين عبدوا الملائكة من دون الله ، أوعبدوا المسيح بن مريم من دون الله أو عبدوا أولياء الله الصالحين من دون الله ، أنهم بعبادتهم إياهم يرضون عنهم ويتولونهم من دون الله ، كلا ، كلا (كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّ) (مريم:82)

2- وقال بعض المفسرين (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ)(الكهف: 102)ثم لا أعاقبهم على ذلك ولا أعذبهم .
3- وقال بعض المفسرين : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ)(الكهف: 102)وأن ذلك نافعهم يوم القيامة .

أسئلة :::
-المفسرين المعاصرين يقولون في قول الله سبحانه وتعالي " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج " كلمة فتحت لا تحتمل لغة أن يكون من سيفتح هو السد جاء في الحديث الشريف أن الرسول صلى الله عليه وسلم استبقظ من نومه فزعا وقال ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من رمي يأجوج ومأجوج إلي أخر الحديث وهذا يشير إلي تزامن بدايات انهيار السد مع بداية مرحلة العالمية واختلاط الأمم التي جاء الإسلام ليحققها ولا شك أن كلمة يختلط لا تفي هنا بالغرض بل يموج لأن الاختلاط لا يدل على الكثرة الهائلة وكل ذلك بعض إيحاءات كلمة يموج أما كلمة تركنا في قوله تعالي (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ)(الكهف: من الآية99) فتوحي بالمنع السابق تستمر مرحلة موج الأمم في بعضها إلي يوم القيامة (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْع) (الكهف:99)
ولكن هذا الموج لا يذهب بخصوصيات الأمم وتميزها بدليل أن يأجوج ومأجوج الذين أفسدوا في مرحلة تبلور شخصيات وخصوصيات الأمم سيعاودون الكرة فيكون الوقت الذي تقترب فيه وظيفة الدين الدنيوية من نهايتها تقترب نهاية وظيفة العرب أيضا ، فما نصيحتكم لنا لمثل هذه التفسيرات ؟

أجاب فضيلة الشيخ :
إحذروا مثل هذه التفسيرات فهذا تحريف للكلم عن مواضعه كما حرفوا الدجال وكما حرفوا
بعض أمارات الساعة الثابتة في القرآن والسنة فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه فيجب
على المسلم أن يكون حذرا من مثل هذه التفسيرات ، النصوص باقية على ظواهرها ولا يجوز تأويلها بغير تأويل السلف لها ، السلف كانوا أعلم وعلمهم كان أحكم .
 
* ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ﴾ [مريم:2]
-ذكر مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا ذكر ، "ذكر " مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا ذكر رحمة ربك عبده زكريا ، قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسيره وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره هذا زكر ربك عبده زكريا برحمتى ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيا)َّ
-المراد بالرحمة هنا قبول الدعاء وإجابة السؤال
* ﴿ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي﴾فإذا كان الضعف الداخلي بدأ يبقي الضعف الظاهري أولي ثم أظهر عجزه وضعفه الظاهر ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبا ﴾
* ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا ﴾5﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فزكريا عليه إنما أراد يرثني في النبوة ويقوم في بني إسرائيل مقام الأنبياء يأمر
بالمعروف وينهي عن المنكر﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾[مريم: من الآية6] تؤكد لك ما ذكرته من أن المرادميراث النبوة لا ميراث المال لأن يعقوب هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام أبوا يوسف عليه السلام ، وكم بين زكريا عليه السلام وبين يعقوب وزكريا يقول ﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ﴾ فليس يحيى من ورثة يعقوب في الدنيا .

*(إِنْ كُنْتَ تَقِياّ ﴾ جملة شرطية جواب الشرط محذوف بعدها وليس هذا الشرط متعلقا بالاستعاذة ﴿ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ ﴾[مريم: من الآية18] هذه جملة تامة انتهت ، وأما قولها ﴿إِنْ كُنْتَ تَقِياّ )فليس شرطا للاستعاذة لا وإنما هي تقول له ﴿إِنْ كُنْتَ تَقِياّ ﴾ فارجع عما جئت له ولا تمسني بسوء فعلمت عليها السلام أن التقي ذو نُهية ، فالتقوى تحول بين الإنسان وبين الوقوع في الحرام

*﴿فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ﴾ بشرت بالولد بعد البشارة حملته فانتبذت به فأجاءها المخاض ذهب بعض المفسرين إلي أن ولادة عيسى عليه السلام لم تكن كشأن ولادة سائر النساء لم يكن الحمل تسعة أشهر ولم تكن ولادة طبيعية ولكن ما إن بشرت حتى نفخ جبريل في درعها فذهبت النفخة إلي محل الولادة فكانت سببا للحمل فحملته فانتبذت فأجائها المخاض ، مستدلين بأن الفاء العاطفة تفيد التعقيب في الترتيب بلا فاصل زمني والراجح أن الفاء هنا وفي بعض المواضع لا تفيد التعقيب في الترتيب فقد سبق معنا في سورة الكهف قول ربنا عز وجل ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ﴾ [الكهف:45] ومعلوم أن بين نزول الماء من السماء على البذرة وبين خروج البذرة من الأرض زمن ، وبين استواء العود على سوقه وحمله للحب زمن وبين حصاده زمن لكن جاء الترتيب بالفاء هنا لم تفد التعقيب ، فكذلك الأمر في فاء الترتيب هنا لم تفد التعقيب وإنما الله سبحانه وتعالي قضى أن يكون الحمل حملا طبيعيا تسعة أشهر كما تحمل النساء بأولادهن ، ولو كان الحمل مرة واحدة حملت فولدت لكانت هذه معجزة كبيرة خارقة للعادة فكانت أولى أن يصرح الله تبارك وتعالي بها في القرآن الكريم ، فلما لم يصرح الله تبارك وتعالي بأن حمل عيسى لم يكن على خلاف العادة حملن الحمل على ما جرت به عادة النساء .

*﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ﴾- بكسر الميم في مِن وبكسر التاء في تحتِها على إن "من" حرف جر و"تحتها" مجرور وفي قراءة " فناداها مَن تحتَها " -بفتح الميم على إنها اسم موصول وفتح التاء في تحتها على أنها ظرف مكان ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَ ) على القراءتين من تحتها ومن تحتها اختلف المفسرون في المنادي ، من الذي نادى مريم عليها السلام ذهب بعض المفسرين أن المنادي هو جبريل عليه السلام وهذا قول مرجوح ، والراجح أن الذي ناداها هو ابنها عيسى عليه السلام يدل على رجحان كون المنادي عيسى عليه السلام أن جبريل لم يذكر أو لم يرد له ذكر في هذا الخروج الثاني ، جاء ذكر جبريل في الخروج ﴿ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّ ﴾[مريم: من الآية17]لكن في الخروج الثاني ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيا ّ ﴾ [مريم:22] لم يرد ذكر لجبريل هنا ثم إن الضمائر كلها في هذا السياق تعود على عيسى ﴿فحملته ﴾ عيسى ﴿ فَانْتَبَذَتْ بِهِ ﴾[مريم: من الآية22]عيسى ﴿فَنَادَاهَ ﴾[مريم: من الآية24] عيسى عليه السلام فالراجح أن الذي نادى مريم بعد وضعها هو ابنها عيسى ، ناداها ساعة ولادته ليطمئنها أولا لأنه قال لها كما سمعنا ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِياّ ﴾[مريم: من الآية26 ، فكانت الحكمة تقتضي أن تسمع كلام المولود أولا حتى تكون على يقين تام أنها إذا أشارت إليه ليكلمهم تكون على يقين أنه قادر على كلامهم ، فأنطق الله تعالي عيسى ساعة ولادته ﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي ﴾

- سؤال :: هل يجوز تمني الموت عند نزول الفتنة كما قالت مريم عليها السلام ؟

أجاب فضيلة الشيخ :
لا في شريعتهم ليس في شريعتنا قال: النبي صلى الله عليه وسلم "لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد فاعلا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي ".
[line]
* ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ )ظن بعض الناس أن هارون المذكور في قصة ولادة مريم لعيسى هو أخو موسى عليهما السلام ، فظنوا أن مريم أخت هارون يعني أخت موسى ، وبين موسى وعيسى عليهما السلام مئات السنين ، فإذن ليس هارون المذكور في هذه القصة هو أخا موسى عليهما السلام ، ولكنَّ القوم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم ، وكان هارون هذا رجلاً صالحاً في بني إسرائيل ، وكانوا يشبهون به غيره في الصلاح والبر والتقوى .
، والعرب تطلق لفظ الأخ على النظير والشبيه فيقولون فلان ليس له أخ في صنعته يعني
، والله تبارك وتعالي أطلق الأخوة على النظير والشبيه فقال سبحانه وتعالي ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾[الاسراء: من الآية27].
﴿وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ﴾[الزخرف: من الآية48]

*﴿ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّا )قال ذلك وهو لم يؤتي بعد الكتاب ولم ينبىء لكن لما كان تنبيهه أمرا محققا وتنزيل الكتاب عليه أمرا محققا عبر عنه بلفظ الماضي وكأنه حصل لأن كل ما يخبر الله به أنه سيكون فلابد أن يكون كما أخبر الله فإذا عبر عنه بالماضي فالمراد إفادة تحقق هذا الذي أخبر الله عنه كما قال الله تعالي ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ) و ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾
* وانتبه لهذه اللفتة الزكية من عيسى عليه السلام حين يقول لبني إسرائيل ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّ ﴾ [مريم:33]
فأنا ولدت كما ولدتم وسأموت كما تموتون وسأبعث يوم القيامة حيا كما يبعث الله تبارك وتعالي جميع الناس يوم القيامة أحياء ، فليس لي من الأمر شيء وإنما أنا كما قلت لكم ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ﴾[مريم: من الآية30]

*هذه الآيات من أول قوله ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ [:34] ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ] [:35]
هاتان الآيتان كالجملة المعترضة في كلام عيسى بن مريم عليه السلام لأن قوله تعالي بعد ذلك ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ﴾ هذا من تمام كلام عيسى بن مريم عليه السلام ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَياّ ﴾ [مريم:33]


* قال تعالي ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ﴾[ الآية37]
ولم يقل فويل لهم ، ولم يقل فويل للأحزاب وإنما قال ﴿ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُو ﴾ [مريم: من الآية37] أي من الأحزاب لأن هناك حزبا آمن بعيسى بن مريم أنه عبد الله ورسوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾[مريم: من الآية37]
* ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيا ّ ﴾
انتبه من هذا الترتيب في وصف الخليل إبراهيم عليه السلام ﴿إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّا ﴾ وقد قلنا إن الصديقية مرتبة دون مرتبة النبوة ، فالله تبارك وتعالي استعمل أسلوب الارتقاء في المدح من الأدنى إلي الأعلى .

*﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ ﴾ تكررت منه عدو مرات ، انتبه لهذه اللفظة ﴿ يَا أَبَتِ ﴾[مريم: من الآية42] التاء في كلمة يا أبت التاء عوض عن ياء الإضافة ، ﴿ يَا أَبَتِ ) كلمة أب ثم اتصلت بها التاء ، تقدير كلام يا أبي لكن لفظة ﴿ يَا أَبَتِ فيها من الحنان والعطف والرفق واللين والرقة ما فيها .
* قال أهل السنة في هذه الآية دلالة على أن الله سميع بصير لأن إبراهيم عليه السلام أنكر على أبيه عبادة ما لا يسمع ولا يبصر فلم يرد آزر على ولده الإنكار ، ، ولم يقل له ما الفرق بيني وبينك أنا أعبد ما لا يسمع ولا يبصر وأنت كذلك تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ، لم يرد آزر على ابنه الإنكار لأنه كان يعلم أن الله سميع بصير .
قال أهل السنة فكان آزر مع كفره أعلم بالله وأسمائه وصفاته من المعطلة الذين عطلوا صفات الله تبارك وتعالي .
*يتلطف إبراهيم عليه السلام في دعوة أبيه ويرفق به فلا يغلو في مدح نفسه ولا يفرط في حق أبيه ، فلا ينسب لنفسه العلم ولا ينسب إلي أبيه الجهل إنما قال : ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ ) وإن كان قد آتاك شيء من العلم وإن كنت على حظ من العلم إلا أنني آتاني من الله تبارك وتعالي علم ليس عندك .

*العاصي لا يكون إلا جاهلا كما قال الله تعالي ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾[النساء: 17] فكل من عصي الله فهو جاهل وإن كان عالما ، العالم إذا عصي الله لم ينفعه علمه فهو جاهل فالعاصي لا يطاع والجاهل لا يطاع ، ولذلك قال الله تبارك وتعالي لموسى وهارون عليه السلام وقد دعوا على فرعون ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ وقال الله تعالي لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثـية:18] وقال له في سورة الكهف كما سبق معنا ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطا ﴾

*﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِياّ ﴾
وعده أن يستغفر الله له فاستغفر له في حياته ، فلما مات على كفره وشركه وظهرت عداوته لله تبارك وتعالي تبرأ ابنه إبراهيم منه ولم يستغفر له . فلا يجوز لأحد أن يستغفر لأبية المشرك أو لأمه المشركة محتجا باستغفار إبراهيم لأبيه فإن الله قال ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُإِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ﴾ [التوبة:114]

* ﴿وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّ ﴾[مريم: من الآية48]

انتبه في هذا الكلام تلميح لهم يقول أنا أدعو ربي ولن أكون بدعاء ربي شقيا وأنتم عبدتم غير الله ودعوتم غير الله فستكون عبادتكم لغير الله سببا لشقائكم في الدنيا وفي الآخرة ، هذا معني الكلام ولكن الخليل إبراهيم عليه السلام يستعمل التلميح محل التصريح ، ويستعمل التعريض محل المواجهة كما فعل موسى وهارون عليهما السلام حين أتيا فرعون: ﴿وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ [طـه:47]﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [طـه:48]
انتبه وتعلم هذا الأسلوب في الدعوة لا تواجه الناس بإنذار وبالترهيب والتخويف ، استخدم مع الناس دائما التلميح ما دام يغني عن التصريح .

* ﴿عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّ ﴾[مريم: من الآية48] وهذا منه هضم لنفسه وتفويض لربه سبحانه وتعالي لأنه يعلم أنه لا يجب على الله لأحد شيء .
* ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّا﴾ [مريم:53]
وكانت هذه الهبة هبة النبوة لهارون بناء على سؤال موسى وشفاعته عند ربه لأخيه ، ولذلك قال بعض السلف ما من شفاعة شفعها أحد لأحد مثل شفاعة موسى لهارون ، وقال بعضهم ما نفع أخ أخاه مثل ما نفع موسى أخاه هارون ذلك أن الله سبحانه وتعالي نبأ هارون إكراما لأخيه موسى
* ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ﴾ ، قال العلماء إفراد الشيء عن جنسه بالذكر إنما يكون من باب التكريم ، فالله سبحانه وتعالي ذكر إسحاق ويعقوب في سياق واحد ثم أخر ذكر إسماعيل وذكره وحده من باب التكريم والتشريف له .

*﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ )
﴾[مريم: من الآية54] والصدق صفة من الصفات الواجبة للأنبياء والمرسلين أجمعين فلا يكون النبي إلا صادقا ، إلا أن الله تبارك وتعالي خص إسماعيل عليه السلام بذكر صدقه لأنه عليه السلام بلغ في الصدق مرتبة عالية حيث إنه عليه السلام وعد أباه أن يسلم له نفسه ليذبحه طاعة لله تبارك وتعالي ، ثم التزم كلمته وصدق في وعده ووفى بعهده لأبيه .

* بطلان قصة ترد في كتب التفسير :
وترد هذه الصة عند تفسير قوله تعالى : ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [التوبة:75] ﴿فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [التوبة:76] ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ ﴾ [التوبة:77] هناك قصة وهي ما سموها بقصة حمامة المسجد ونسبوها إلي ثعلبة بن أبي حاطب الأنصاري رضي الله عنه وقالوا إن ثعلبة كان فقيرا ( ثم لما آتاه الله من فضله حتى ترك صلاة الجماعة ومنع الزكاة فنزلت فيه هذه الآيات ثم ندم وأتى يعرض زكاته على النبي فلم يقبلها منه وكذلك لم يقبلها منه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام )
هذه القصة باطلة سندا ومتنا ، هذه القصة أولا نسبت إلي ثعلبه بن أبي حاطب الأنصاري ، وهو من أفاضل الصحابة شهد بدرا واستشهد في أحد فكيف ينسب إليه هذا الفعل الذي لا يليق به رضي الله عنه ، ثم إن القصة جعلت هذا الرجل عاش بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام لكنه مات شهيدا في غزوة أحد رضي الله عنه ، ثم إن الله سبحانه وتعالي قال لنبيه عليه الصلاة والسلام ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾[الأنفال:38] الكافر الأصلي الله يناديهم إلي الإسلام ويعدهم أن يغفر لهم ما قد سلف فكيف بالمسلم لو ارتد ثم تاب وعاد إلي دينه هو أولى بقبوله وأولى بتوبة الله تبارك وتعالي عليه .
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الزكاة من أعطاها مأتجرا فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا يعني من أعطاها مأتجرا فله اجرها ومن منعها فإنا آخذوها وسنعاقبه بعد أخذها بأخذ نصف ماله عقوبة على منعه الزكاة ، فإذا كان هذا فكيف يترك النبي عليه الصلاة والسلام ثعلبه بن حاطب ولا يأخذ منه الزكاة قهرا ، فهذه القصة التي وردت في تفسير آيات باطلة سندا ومنتا ، لكنها في المنافقين ومنهم أي ومن المنافقين ، والشاهد أن خلف الوعد وعدم الوفاء بالعهد من شيم المنافقين .

*أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾[المائدة: من الآية105]
أي إذا كنتم مهتدين في أنفسكم ودعوتم غيركم إلي الهدى فضلوا لا يضركم من ضر ما دمتم أنتم دعوتموهم إلي الهدى ، هذا هو معني الآية ، ومن الخطأ أن يظن أن معني الآية أنه يكفي أن تكون مهتديا في نفسك ولا يضرك ضلال غيرك وإن لم تدعه إلي الهدى . لا إذا كنت مهتديا في نفسك ورأيت الضالين ولم تدعهم إلي الهدى ضرك ضلالهم .

*﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ﴾ [مريم:58]
ويأتي بالإشارة اسم الإشارة الذي يدل على البعد أولئك ليفيد ارتفاع شأنهم وعلو مكانتهم عند ربهم عز وجل وصلي الله وسلم عليهم أجمعين ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ ِ ﴾ [مريم:58]
* فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ ﴾ [مريم:59]
والمراد بإضاعة الصلاة هنا ليس تركها بالكلية ولكن التهاون بها وإخراجها عن وقتها ( فويل للمصلين ،الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون:5] فهم يصلون لا يتركون الصلاة أبدا ، ولكن يسهون عن الصلاة أحيانا فلو كانوا تاركيها بالكلية ما سماهم مصلين إنما قال ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ أما الذين إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ، والذين لا يسجدون أبدا وهم قادرون على السجود فأولئك مأواهم سقر ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴾ [المدثر:27]
سؤال ::::
-هل يشترط لسجود التلاوة الطهارة واستقبال القبلة ، وإذا لم يسجد القارئ هل يسجد المستمع أم لابد من سجود؟
سجود التلاوة ليس صلاة لأن جزء الصلاة لا يسمى صلاة ، هذه سجدة هي جزء من الصلاة لكن لا تسمى صلاة .
الصلاة اصطلاحا عند الفقهاء : لا يطلق لفظ الصلاة على أقل من ركعة ، ركعة الوتر هذا أقل ما يطلق عليه لفظ الصلاة من أول الله أكبر والقراءة والركوع والرفع منه والسجدتين وما يقال بينهما والتشهد هذا ركعة فهذا ما يسمى صلاة ، جزء الصلاة لا يسمى صلاة ، جزء الصلاة خارج الصلاة لا يسمي صلاة فسجدة التلاوة ليست صلاة فلذلك لا يشترط لها ما يشترط للصلاة من الطهارة واستقبال القبلة ونحو ذلك ، إنما تجزأ بطهارة وبغير طهارة وإلي القبلة وإلي غير القبلة .

*﴿ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ﴾. للمفسرين في هذه الآية قولان :
لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ القول الأول الله سبحانه وتعالى يعلم ما بين أيدينا من المستقبل ويعلم ما وراءنا من الماضي ويعلم ما بين ذلك من الحاضر الله سبحانه وتعالى أحاط علما بنا من كل ناحية ﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا ﴾ من المستقبل ﴿ وَمَا خَلْفَنَا ﴾ من الماضي ﴿ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ من الحاضر كما قال تعالى ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ﴾ [طه: 110]. والقول الثاني ﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ أن لله تبارك وتعالى ملك السماوات والأرض وما بينهما لأن الله تبارك وتعالى قال في آية أخرى ﴿ أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ﴾ [سبأ: 9]. فقوله تعالى ﴿ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ أي لله ملك السماوات والأرض وما بينهما كما قال تعالى ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) ﴾ [طه: 5، 6]. وكما قال تعالى ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾

* ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِياًّ ﴾· نفى الله تبارك وتعالى عن نفسه النسيان في حين أنه قال في آية أخرى ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67] وقال تعالى ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ المُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ﴾ [السجدة:12- 14] فنسب الله تبارك وتعالى النسيان إليهما ونفاه في الآية الأخرى ولإزالة هذا التعارض الظاهر بين الآيات نقول: النسيان المنفي عن الله تبارك وتعالى هو الذي ضد الذكر فالله تعالى لا ينسى شيئا ولا يغفل عن شيء وأما قوله تعالى ﴿ إِنَّا نَسِينَاكُمْ ﴾ النسيان هنا معناه الترك والترك مستلزم النسيان لأنك إذا نسيت شيئا تركته والمقصود به الطرد من رحمه الله عز وجل فلما طردتهم من رحمته صاروا كأنهم منسيون .

* ﴿ويقول الإنسان أأذا ما مت لسوف أخرج حيا ﴾المراد بالإنسان الكافر الذي ينكر البعث .

-أدلة البعث والرجوع إلى الله للحساب :
-أن البعث أسهل على الله وأهون من النشأة الأولى ﴿ أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ﴾ أفلا يستدل بالنشأة الأولى على النشأة الثانية كما قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وهذا مثل ضربه الله للناس لعلهم يعقلون وإلا فليس على الله شيء أهون وشيء هين وشيء صعب وشيء أصعب كلا ﴿ إِنَّمَا
أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82
- والدليل الثاني أن الله تبارك وتعالى خلق السماوات والأرض وهما أشد خلقا من الإنسان كما قال تعالى ﴿ لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [غافر: 57]. وقال تعالى ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ ﴾. الجواب السماء فالله ﴿ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) ﴾
-دليل ثالث يستدل به على إمكان البعث وهو أنك أيها الإنسان تموت وتحيا في اليوم الواحد مرة أو مرتين الله سبحانه وتعالى سمى النوم وفاة وسمى اليقظة بعد النوم بعثا فقال عز وجل ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾ [الأنعام: 60].
-دليل رابع على إمكان البعث هو أن الله سبحانه وتعالى يحيي الأرض الميتة بالماء ينزل عليها كما قال تعالى ﴿ مِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المُوتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39]. فكما يحيي الله تبارك وتعالى الأرض الميتة بالماء ينزل عليها من السماء كذلك يحيي الله تبارك وتعالى الموتى يوم القيامة فهذه أربع براهين يستدل بها على أن الله يحيي الموتى ويبعث من القبور

* ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ﴾ فأقسم الله تبارك وتعالى بربوبيته وأضافها إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم تكريما له وتشريفا ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ ﴾ فخبر الله صدق بغير يمين فكيف إذا أكده باليمين ومع ذلك أقسم ربنا على البعث وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربوبية ربه على البعث أيضا قال تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ [يونس: 53]. وقال تعالى ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ [سبأ: 3]. وقال تعالى ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ﴾ [التغابن: 7]. فأقسم الله تبارك وتعالى بربوبيته على أن البعث حق .

*(وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾ ما معنى ورود النار ورود النار معناه دخولها ورود النار معناه دخولها وورود النار غير ورود الماء الله تبارك وتعالى قال في سورة القصص حكاية عن موسى عليه السلام ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ﴾ [القصص: 23]. ورود الماء شيء وورود النار شيء آخر ورود الماء معروف ورد فلان البئر انتهى إلى شفا البئر فأدلى دلوه واستقى الماء الذي يريد أن يستقي الماء من البئر لا يدخل في البئر ولا ينزل فيه لكن ورود النار ما جاء في القرآن الكريم إلا بمعنى الدخول من ذلك قوله تعالى عن فرعون وملأه ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ ﴾ [هود: 98]. الورود هنا معناه الدخول كما تقدم فرعون أمام ملأه في الدنيا فاقتحم بهم في البحر فتبعوه فأغرقوا أجمعون كذلك يوم القيامة يتقدمهم فيردهم النار يدخل هو أمامهم ويدخلون وراءه ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ ﴾. وقال تعالى لكفار قريش عبدة الأصنام والأوثان ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) ﴾ [الأنبياء: 98، 99]. فالورود هنا معناه الدخول ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾. يعني داخلون لو كان هؤلاء الحجارة والأصنام التي عبدتوها من دون الله لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها أي ما دخلوها وكل فيها خالدون فكل ورود للنار في القرآن فمعناه الدخول إذن فقوله تعالى هنا ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا ﴾. أي داخلها وفي السياق نفسه ما يدل على أن الدخول الورود معناه الدخول وهو قوله تعالى ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ ﴾. فالكل ورد البر والفاجر والمسلم والكافر والظالم والعادل الكل ورد ثم يقول تعالى ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا ﴾. فنخرجهم من النار ﴿ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ ﴾. فكلهم كانوا فيها لكن الله ينجي المتقين ﴿ وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ ﴾
. لكن يردها الناس كلهم فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت في الدنيا على إبراهيم الخليل بردا وسلام
فعلى قدر صالح عمل الإنسان الوارد تكون سرعة خروجه من النار وعدم مس النار له وعدم إيذائها له وكلما كثرت ذنوب الإنسان والعياذ بالله كلما ذاق حر النار وأذاه لهيبها ومنهم من يكردس فيها فيعذب ثم يخرج بعد ذلك برحمة الله وشفاعة الشافعين أما الظالمون الكافرون فهم فيها خالدين أبدا وما هم منها بمخرجين .

*(وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾. ويزيد الله الذين اهتدوا واتبعوا رسوله صلى الله عليه وسلم على ما جاء به من عند الله لما اهتدوا بقول الدعوة لما اهتدوا بقبول الإيمان واتباع القرآن يزيد الله الذين اهتدوا هدى فالهداية تزيد وتنقص ولذلك أمرنا الله تبارك وتعالى أن نسأله في كل ركعة من ركعات الصلاة الزيادة من الهداية ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ﴾. قال بعض المفسرين في قوله تعالى في الفاتحة ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ﴾ قالوا الذين يصلون مهتدون فمعنى سؤالهم الهداية الثبات على ما هداهم الله إليه اهدنا أي ثبتنا على ما هديتنا إليه وهذا قول مرجوح والراجح أن سؤال الهداية هو طلب الزيادة منها ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ ﴾ أي زدنا يا رب هدى لأن ما فات الإنسان من الهداية أضعاف أضعاف ما حصله ما حصلته من الهداية جزء يسير وفاتك منه أو منها الكثير والكثير فأنت بحاجة إلى المزيد من الهداية .
أسئلة :
-هل الورود هو دخول النار بالفعل أم المرور على الصراط؟.

الصراط هو في وسط جهنم وهو الطريق إلى الجنة إذا أذن الله تبارك وتعالى لأهل الجنة في دخولها فالطريق إلى الجنة هو الصراط في وسط جهنم وليس فوقها كالجسر المعلق لا إنما هو في وسط جهنم فالكل يدخل أهل النار يدخلون حتى يمكثوا فيها وأهل الجنة يدخلون حتى يعبروها ويكون العبور على ما ذكرنا منهم السالم ومنهم المخدوش السالم ومنهم المكدس على وجهه في النار كما جاء في صفة الورود وصفة الصراط يوم القيامة.

(جميع المتفرقات السابقة من شرح د/ عبد العظيم بدوي في التفسير لسورتي الكهف ومريم )
 
عودة
أعلى