ما يحتج به من الأحاديث والآثار في التفسير

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
10
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
شاع بين بعض أهل العلم وطلبته أن الروايات في التفسير لا يجري عليها ما يجري على الحديث من التصحيح والتضعيف ... هكذا مطلقًا ، واتخذه البعض مذهبًا يدافع عنه ، ويرفض ما عداه ، بل ويزعم أن هذا هو مذهب المفسرين من أهل الحديث ، كابن جرير وابن كثير وغيرهم ؛ وقصر بعضهم هذا على غير الحديث النبوي ، لا على الآثار عن الصحابة والتابعين .
ولما كان هذا المذهب بهذا الإطلاق ليس صوابًا ، كان لا بد من بيان مذهب المحققين من أهل العلم في هذه المسألة ؛ وبالله التوفيق .

فمن المعلوم أنه لا يحتج في أحاديث الأعمال إلا بما هو صحيح أو حسن ، فلا يحتج بالضعيف ولا بالموضوع في الأحكام العملية التكليفية ؛ وقد تساهل البعض في إيراد ما هو ضعيف مقدمًا إياه على الرأي ، وتساهل آخرون في ذلك لقلة بضاعتهم بعلم الحديث .
وذهب بعض العلماء إلى التساهل في إيراد الضعيف في فضائل الأعمال بشروط ذكروها ، ولم يقبل هذا بعضهم ؛ واجتهد المحققون في ردِّ الأحاديث الضعيفة وتنقية كتب الفقه منها ، ولا تجد في مسائل الخلاف – غالبًا - عند التنازع إلا ردَّ المخالف بقوله : الحديث ضعيف ، وهذا كثير في كتب الخلاف ، ومطولات الفقه .
والسؤال : هل سحب أهل الحديث ذلك على التفسير ؟ فقبلوا النقول دون البحث في صحتها ، أم أنهم أجروا قواعد مصطلح الحديث على تلك النقول ، فقبلوا منها وردُّوا ؟
والذي يظهر بعد البحث أن المحدثين أجروا قواعد التحديث على الروايات في التفسير ، وأنهم قبلوا الروايات التي خالفت لاعتبارات أخرى ؛ وأن القول بالتشدد في هذا ؛ بمعنى أنه تُجرى قواعد التحديث على جميع المرويات .. ليس صوابًا ، وكذلك القول بتساهلهم في إمرارها مطلقًا ... ليس صوابًا ؛ وسيظهر ذلك جليًّا في هذه الرسالة .
روى أحمد والترمذي وحسنه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ : " اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ، وَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ "[SUP] [1] [/SUP]، وحسنه ابن حجر في ( العجاب ) ثم قال : أورد الواحدي هذا الحديث مستدلا به على ما قال في صدر كتابه : لا يحل القول في سبب نزول القرآن إلا بالرواية والسماع .. إلى آخره ؛ ثم قال : وكان السلف الماضون في أبعد غاية احتراز عن القول في نزول الآية ، ثم ساق عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني ، أنه سأله عن آية من القرآن ، فقال : اتق الله ، وقل سدادًا ، فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن ؛ وسنده صحيح ... قال ( أي الواحدي ) : وأما اليوم ، فكل أحد يخترع للآية سببًا ، و يختلق إفكًا وكذبًا .. إلى أن قال : فذلك الذي حداني إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب ، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول القرآن ، ليعرفوا الصدق ، ويستغنوا به عن التمويه والكذب ، ويَجُّدوا في حفظه ، بعد السماع والطلب[SUP] [2] [/SUP]. انتهى كلامه .
ولما وقفت على هذه الخطبة لخطابها ، وسعيت إلى الوصول لألج من أبوابها ، فوجدته - رحمه الله - قد وقع فيما عاب ، من إيراد كثير من ذلك بغير إسناد ، مع تصريحه بالمنع إلا فيما كان بالرواية والسماع ؛ ثم فيما أورده بالرواية والسماع ما لا يثبت ، لوهاء بعض رواته ، ثم ما اقتضاه كلامه أن الممنوع أن يساق الخبر من غير رواية ، دون سياق برواية أو سماع ، لا يكون فيه ذلك ؛ ليس بمسلَّم طردًا ، ولا عكسًا ، بل المحذور أن يكون الخبر من رواية من لا يوثق به ، سواء ساق المصنف سنده به أم لم يسقه ؛ فكم من سند موصول برواية كذاب ، أو متروك ، أو فاحش الغلط ، وكم من خبر يذكر بغير سند ، وينبه على أنه من تصنيف فلان - مثلا - بسند قوي ؛ أفيرتاب من له معرفة أن الاعتماد على الثاني هو الذي يتعين قبوله ، أو يشك عالم أن الاعتماد على الأول هو الذي يتعين اجتنابه ؟
ثم إن ظاهر كلامه أنه استوعب ما تصدى له ، وقد فاته من ذلك شيء كثير ؛ فلما رأيت الناس عكفوا على كتابه ، وسلموا له الاستبداد بهذا الفن من فحوى خطابه ، تتبعت - مع تلخيص كلامه - ما فاته محذوف الأسانيد غالبًا ، لكن مع بيان حال ذلك الحديث من الصحة ، والحسن ، والضعف ، والوهاء ، قصد النصح للمسلمين ، وذبًّا عن حديث سيد المرسلين ، ولا سيما فيما يتعلق بالكتاب المبين[SUP] [3] [/SUP].
ففي كلام الحافظ ابن حجر بيان واضح على أن أهل الحديث لم يمروا روايات التفسير على علتها ، بل تتبعوا ما ورد فيها ، وحكموا عليها بالقبول والرد .
بل وكلام الواحدي - وإن لم يلتزمه - فيه الدلالة على ذلك .


[1] أحمد : 1 / 323 ، والترمذى ( 2951 ) ، وحسنه .
[2] انظر ( أسباب النزول ) للواحدي ، ص 4 ، 5 .
[3] انظر ( العجاب في بيان الأسباب ) : 1 / 199 - 201 .
 
عودة
أعلى