ما وجه فساد المعنى عند النحويين بالقول بالإستثناء في قوله تعالى : ( إلا الله ) ؟

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
ما وجه فساد المعنى عند النحويين في القول بالإستثناء في قوله تعالى :
( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ).
 
قال أبوجعفر النحاس :
{لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا..} [22] التقدير عند سيبويه والكسائي "غَيرُ ٱللَّهُ" فلَمّا جُعِلَتْ إِلاّ في موضع غيرٍ أُعرِبَ الاسم الذي بَعدَها بإعراب غيرٍ، كما قال: وكلُّ أخٍ مُفارِقُهُ أَخوهُ * لَعَمْرُ أبِيكَ إلاّ الفَرقَدَانِ وحكى سيبويه لو كان معنا رجلٌ إلاّ زيدٌ لَهلكنَا، وقال الفراء: إِلا ههنا في موضع سِوَى، والمعنى لو كان فيهما آلهةٌ سِوَى الله لَفسَدَ أهلهما، وقال غيره: أي لو كان فيهما الهان لفسد التدبير؛ لأن أحدهما إِذا أراد شيئاً وأراد الآخر ضدّه كانَ أحدُهما عاجزاً.



 
وجاء في الدر المصون :
قوله: {إِلاَّ ٱللَّهُ}: "إلاَّ" هنا صفةٌ للنكرة قبلها بمعنى "غَيْر". والإِعرابُ فيها متعذَّر، فَجُعِل على ما بعدها. وللوصفِ بها شروطٌ منها: تنكيرُ الموصوفِ، أو قُرْبُه من النكرة بأَنْ يكونَ معرفاً بأل الجنسية. ومنها أَنْ يكونَ جمعاً صريحاً كالآية، أو ما في قوةِ الجمعِ كقوله:
3334ـ لو كان غيري سُلَيْمى اليومَ غيَّره * وَقْعُ الحوادِثِ إلاَّ الصارمُ الذَّكَرُ
فـ"إلاَّ الصارِمُ" صفةُ لغيري لأنه في معنى الجمع. ومنها أَنْ لا يُحْذَفَ موصوفُها عكسَ "غير". وقد أَتْقَنَّا هذا كلَّه في "إِيضاحِ السبيل إلى شرح التسهيل" فعليك به. وأنشد سيبويهِ على ذلك قولَ الشاعر:
3335ـ وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أخُوه * لَعَمْرُ أبيكَ إلاَّ الفرقدانِ
أي: وكلُّ أخٍ غيرُ الفرقدين مفارِقُه أخوه. وقد وقع الوصفُ بـ إلاَّ كما وقع الاستثناء بـ"غير"، والأصلُ في "إلاَّ" الاستثناءُ وفي "غير" الصفةُ. ومن مُلَحِ كلامِ أبي القاسم الزمخشري: "واعلم أنَّ "إلاَّ" وغير يَتَقَارضان".
ولا يجوزُ أَنْ ترتفعَ الجلالةُ على البدل مِنْ "آلهة" لفسادِ المعنى. قال الزمخشري: "فإن قلت: ما مَنَعك من الرفع على البدل؟ قلت: لأنَّ "لو" بمنزلةِ "إنْ" في أنَّ الكلامَ معها موجَبٌ، والبدلُ لا يَِسُوغ إلاَّ في الكلام غيرِ الموجبِ كقوله تعالىٰ: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتُكَ} [هود: 81] وذلك لأنَّ أعمَّ العامِّ يَصِحُّ نفيُه ولا يَصِحُّ إيجابُه". فجعل المانعَ صناعياً مستنداً إلى ما ذُكِر مِنْ عدم صحةِ إيجاب أعمِّ العام.
وأحسنُ مِنْ هذا ما ذكره أبو البقاء مِنْ جهة المعنىٰ فقال: "ولا يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً، لأنَّ المعنىٰ يصيرُ إلى قولك: لو كان فيهما اللهُ لَفَسَدَتا، ألا ترىٰ أنَّك لو قلت: "ما/ جاءني قومُك إلاَّ زيدٌ" على البدلِ لكان المعنىٰ: جاءني زيدٌ وحدَه. ثم ذكر الوجه الذي رَدَّ به الزمخشريُّ فقال: "وقيل: يمتنعُ البدلُ لأنَّ قبلها إيجاباً". ومنع أبو البقاء النصبَ على الاستثناء لوجهين، أحدُهما: أنه فاسدٌ في المعنىٰ، وذلك أنك إذا قلتَ: "لو جاءني القومُ إلاَّ زيداً لقتلتُهم" كان معناه: أنَّ القَتْلَ امتنع لكونِ زيدٍ مع القوم. فلو نُصِبَتْ في الآية لكان المعنىٰ: إنَّ فسادَ السماواتِ والأرض امتنع لوجود الله تعالى مع الآلهة. وفي ذلك إثباتُ إلهٍ مع الله. وإذا رُفِعَتْ على الوصفِ لا يلزمُ مثلُ ذلك؛ لأنَّ المعنىٰ: لو كان فيهما غيرُ اللهِ لفسدتا. والوجهُ الثاني: أنَّ آلهة هنا نكرةٌ، والجمعُ إذا كان نكرةً لم يُسْتثنَ منه عند جماعةٍ من المحققين؛ إذ لا عمومَ له بحيث يدخلُ فيه المستثنىٰ لولا الاستثناءُ".
وهذا الوجهُ الذي منعاه ـ أعني الزمخشري وأبا البقاء ـ قد أجازه أبو العباس المبرد وغيره: أمَّا المبردُ فإنه قال: "جاز البدلُ لأنَّ ما بعد "لو" غيرُ موجَبٍ في المعنىٰ. والبدلُ في غير الواجبِ أحسنُ من الوصفِ. وفي هذه نظرٌ من جهة ما ذكره أبو البقاء من فسادِ المعنىٰ.
وقال ابنُ الضائعِ تابعاً للمبرد: لا يَصِحُّ المعنى عندي إلاَّ أن تكون "إلاَّ" في معنى "غير" التي يُراد بها البدلُ أي: لو كان فيهما آلهةٌ عِوَضَ واحدٍ أي بدل الواحد الذي هو الله لفسدتا. وهذا المعنى أرادَ سيبويه في المسألةِ التي جاء بها توطئةً.
وقال الشَّلَوْبين في مسألةِ سيبويه "لو كان معنا رجلٌ إلاَّ زيدٌ لَغُلِبْنا": إنَّ المعنى: لو كانَ معنا رجلٌ مكانَ زيد لَغُلبنا، فـ"إلاَّ" بمعنى "غير" التي بمعنى مكان. وهذا أيضاً جنوحٌ من أبي عليّ إلى البدلِ. وما ذكره ابنُ الضائع من المعنى المتقدمِ مُسَوِّغٌ للبدل. وهو جوابٌ عَمَّا أَفْسَد به أبو البقاء وجهَ البدل، إذ معناه واضحٌ، ولكنه قريبٌ من تفسير المعنى لا من تفسيرِ الإِعراب.
 
قال أبوزهرة :
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) (لَوْ) كما قلنا حرف امتناع لامتناع، أي امتنع الفساد في الكون لامتناع أن يكون فيهما غير الله، فهو يسير في نظام لَا يتخلف، فالنجوم في مساراتها، والشمس والقمر يجريان بحسبان، والليل والنهار يتعاقبان من غير تخلف.
و (إِلَّا) هنا للوصف بمعنى " غير "؛ لأن الاستثناء في المستغرق يجب أن يكون المستثنى مستغرقا في المستثنى منه، ولا يمكن ذلك للغيرية المطلقة بين الاثنين، فلا ارتباط حتى يجعل أحدهما مستثنى من الآخر، فما قبلها لَا يشمل ما بعدها بأي نوع من الشمول، والاستثناء المنقطع فيه نوع قرب وشمول بين المستثنى والمستثنى منه من وجه، والدليل مع أنه لَا استثناء رفع لفظ الجلالة، إذ لو كان منقطعا لكان منصوبا، فدل على أنه لَا استثناء قط، وعلى ذلك تكون " لا " وصفا بمعنى " غير ".
والمعنى أنه امتنع التالي في هذه الشرطية، وهو الفساد، وإذا بطل التالي لأنه يخالف الحس، والوجود كله قائم شاهد بالصلاح، فالسماء والأرض كل قائم به الصلاح بدل الفساد، فالسماء بأبراجها وكواكبها ونجومها، والشمس، سائرة في أبراجها ومساراتها بانتظام، والشمس والقمر كل في فلك يسبحون مما يدل على أن مدبرا للكون يدبره وينظمه، ولا يمكن أن يكون كل ذلك بالمصادفة، والمصادفة لا يفرضها إلا إذا ثبت أنه ليس ثمة موجد منشئ، وذلك باطل، وإن إثبات، الوحدانية بهذا الدليل العقلي الذي جاء به القرآن هو أقوى دليل جاء به المتكلمون لإثبات الوحدانية، وهو الذي يسمى عندنا بدليل التمانع، وقبل أن نقرره كما جاء في القرآن نقول: إن ذكر الآلهة لذكرها من قبل في قوله تعالى: (أَم اتَّخَذُوا آلِهَة) في الآية السابقة، فليس الدليل لمنع آلهة مع الله، بل هو لمنع أي إله مع الله تعالى العلي القدير.
وما يقرره علماء الكلام مقتبسين من استدلال القرآن أنهم يقولون: لو كان فيهما إلهان لتعارضت إرادتهما، فإن نفذت إرادة أحدهما دون الآخر، وتوالى ذلك فهو الإله دون الثاني، وإن توافقت إرادتهما على الدوام فهو إله واحد.
، والاتفاق على الدوام غير ممكن لأن كل واحد منهما له إرادة مستقلة عن إرادة الآخر، فإن لم تخالف في كل أمر بالتخالف لَا محالة ثابت في بعض الأمور، وفوق ذلك عند التوافق، فهو يؤدي إلى أن يكون العقل الواحد يتوارد عليه فاعلان، وذلك مستحيل، إذن فلابد من فرض التخالف، والتخالف يؤدي إلى تحقق أمرينمتضادين، وذلك محال فما أدى إليه محال أيضا، وإن نفذت الإرادتان بعد التسليم بذلك المحال، فسد الوجود، وهو الصلاح كله، وإذا بطل الفساد بطل ما أدى إليه، فكان الله واحدا أحدا فردا صمدا، وقد قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ ربِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي يترتب على بطلان التعدد أن يكون الله تعالى هو وحده الواحد، فتنزيها له وتقديسا عما يصفون من الإشراك به، وقد وصف الله تعالى ذاته بقوله: رَبِّ الْعَرْشِ) أي أن العرش له وحده لَا شريك له.
 
قال الإيجي :
“(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) أي: غير الله، صفة لا بدل لفساد المعنى واللفظ، قال صاحب المغني: إذا اختلف الموصوف والصفة إفرادًا أو غيره، فالوصف للتأكيد لا للتخصيص، كما قالوا: عندي عشرة إلا درهمًا، لزم عليه تسعة، ولو قال: إلا درهم بالرفع فقد أقر له بعشرة، فمعنى الآية: لو كان الإله غير واحد ألبتَّة، والصفة تأكيد، لأن كل متعدد غير واحد ألبتَّة، (لفَسَدَتَا) لأن الملك يفسد بتدبير مالكين لما يحدث، بينهما من الاختلاف والتمانع عادة،”
قال الغزنوي في حاشيته :
أما فساد المعنى فلأن المراد نفي التعدد مطلقا ولو كان مستثنى لكان المعنى لو كان فيهما الآلهة المستثنى منهم الله لفسدتا ، فلو كان الله فيهم لم يفسدوا ، وأما فساد اللفظ فلأن المستثنى يجب أن يكون داخلا البتة في المستثنى منه لو لم يؤت بالمستثنى ، والله لا يكون داخلا في آلهة ( منه ).
وقال : أما نقله عن صاحب المغني فإن هذا النقل إشارة إلى دفع إشكال على ماقررناه من أنه صفة وهو أن حقيقة معناه حينئذ : لو كان فيهما من الإله متعدد غير واحد ولا شك لأحد أن المتعدد غير الواحد فالصفة حشو منه ، قال القارئ وأما قول التفتازاني في الآية حجة إفناعية فالمحققون كالغزالي وابن الهمام ماقنعوا بالإقناعية ، بل جعلوها من الحقائق القطعية ، بل قيل يكفر قائلها .
 
ولأحمد الأهدلي الملقب بشميلة مبحث في معنى (إلا الله) حيث جاء في كتابه البرهان في إعراب آيات القرآن :
(إلا) اسم بمعنى غير صفة ل ( آلهة) ، والإعراب : فيها متعذر فظهر على مابعدها وهو الجلالة ، ولا يجوز أن تكون استثنائية لأن مفهوم الاستثناء هنا فاسد ، إذ حاصله أنه لو كان فيهما آلهة لم يستثن الله منهم ( لم تفسدا) وليس كذلك بل متى تعدد الإله لزم الفساد مطلقا ، وعبارة الكرخي قوله : أي الجلال غيره أشار به إلى أن ( إلا) صفة للنكرة قبلها بمعنى غير والإعراب فيها متعذر ، فجعل على (ما) بعدها .
وللوصف بها شروط منها : تنكير الموصوف إو قربه من النكرة بأن يكون معرفا بأل الجنسية ، ومنها : أن يكون جمعا صريحا كالآية أو مافي قوة الجمع ، ومنها: أن لا يحذف موصوفها عكس غير وقد وقع الوصف بإلا كما وقع الاستثناء بغير ، والأصل في إلا الاستثناء ، وفي غير الصفة ، ولا يجوز أن ترتفع الجلالة على البدل من آلهة لفساد المعنى ..
 
عودة
أعلى