ما وجها المشابهة والمخالفة المرادان بالتمثيل المذكورفي الآية:(من ما ملكت أيمانكم من شركاء)

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
ماهو وجه المشابهة ووجه المخالفة المرادان بالتمثيل المذكور في الآية: { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ؟
 
التمثيل تصوير وبيان للمعنى بشيء محسوس ، فنجد تشبيه المملوك بالشريك الحر ، فلايتصرف أحدهم في ماله إلا من بعد إذن ومشورة شريكه ، ووجه الشبه هو المعنى المستخلص من هذا التشبيه وهو الشعور الذي يجده أحدهم في نفسه من الانفة والاباء والترفع عن مثل هذه الشراكة .

فكانت صورة لإظهار سفه عقولهم وعظم ضلالهم ، فكيف تصفوا الله تعالى بما تكرهون (شراكة المملوك) وقوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ ) ، وتجعلوا له الشركاء الذين هم عباد الله ، فكأنه لايتصرف في ملكه إلا من بعد إذنهم .. هذا والعياذ بالله من أغلظ الشرك .

والله اعلم
 
قال الرازي رحمه الله:
لما بين الإعادة والقدرة عليها بالمثل بعد الدليلين بين الوحدانية أيضاً بالمثل بعد الدليل، ومعناه أن يكون له مملوك لا يكون شريكاً له في ماله ولا يكون له حرمة مثل حرمة سيده فكيف يجوز أن يكون عباد الله شركاء له وكيف يجوز أن يكون لهم عظمة مثل عظمة الله تعالى حتى يعبدوا، وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: ينبغي أن يكون بين المثل والممثل به مشابهة ما، ثم إن كان بينهما مخالفة فقد يكون مؤكداً لمعنى المثل وقد يكون موهناً له وههنا وجه المشابهة معلوم، وأما المخالفة فموجودة أيضاً وهي مؤكدة وذلك من وجوه أحدها: قوله: { مّنْ أَنفُسِكُمْ } يعني ضرب لكم مثلاً من أنفسكم مع حقارتها ونقصانها وعجزها، وقاس نفسه عليكم مع عظمها وكمالها وقدرتها وثانيها: قوله: { مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } يعني عبدكم لكم عليهم ملك اليد وهو طاريء قابل للنقل والزوال، أما النقل فبالبيع وغيره والزوال بالعتق ومملوك الله لا خروج له من ملك الله بوجه من الوجوه، فإذا لم يجز أن يكون مملوك يمينكم شريكاً لكم مع أنه يجوز أن يصير مثلكم من جميع الوجوه، بل هو في الحال مثلكم في الآدمية حتى أنكم ليس لكم تصرف في روحه وآدميته بقتل وقطع وليس لكم منعهم من العبادة وقضاء الحاجة، فكيف يجوز أن يكون مملوك الله الذي هو مملوكه من جميع الوجوه شريكاً له وثالثها: قوله: { مّن شُرَكَاء فِيمَا رَزَقْنَـٰكُمْ } يعني الذي لكم هو في الحقيقة ليس لكم بل هو من الله ومن رزقه والذي من الله فهو في الحقيقة له فإذا لم يجز أن يكون لكم شريك في مالكم من حيث الاسم، فكيف يجوز أن يكون له شريك فيما له من حيث الحقيقة وقوله: { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء } أي هل أنتم ومماليككم في شيء مما تملكون سواء ليس كذلك فلا يكون لله شريك في شيء مما يملكه، لكن كل شيء فهو لله فما تدعون إلهيته لا يملك شيئاً أصلاً ولا مثقال ذرة من خردل فلا يعبد لعظمته ولا لمنفعة تصل إليكم منه، وأما قولكم هؤلاء شفعاؤنا فليس كذلك، لأن المملوك هل له عندكم حرمة كحرمة الأحرار وإذا لم يكن للملوك مع مساواته إياكم في الحقيقة والصفة عندكم حرمة، فكيف يكون حال المماليك الذين لا مساواة بينهم وبين المالك بوجه من الوجوه وإلى هذا أشار بقوله: { تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ }.

المسألة الثانية: بهذا نفى جميع وجوه حسن العبادة عن الغير لأن الأغيار إذا لم يصلحوا للشركة فليس لهم ملك ولا ملك، فلا عظمة لهم حتى يعبدوا لعظمتهم ولا يرتجى منهم منفعة لعدم ملكهم حتى يعبدوا لنفع وليس لهم قوة وقدرة لأنهم عبيد والعبد المملوك لا يقدر على شيء فلا تخافوهم كما تخافون أنفسكم، فكيف تخافونهم خوفاً أكثر من خوفكم بعضاً من بعض حتى تعبدوهم للخوف.

ثم قال تعالى: { كَذَلِكَ نُفَصّلُ ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي نبينها بالدلائل والبراهين القطعية والأمثلة والمحاكيات الإقناعية لقوم يعقلون، يعني لا يخفى الأمر بعد ذلك إلا على من لا يكون له عقل.
 
قال السمين الحلبي رحمه الله:
قوله: { هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ }: " مِنْ شركاء " مبتدأٌ، و " مِنْ " مزيدةٌ فيه لوجودِ شرطَيْ الزيادة. وفي خبره وجهان، أحدهما: الجارُّ الأولُ وهو " لكم " و { مِّن مَّا مَلَكَتْ }: يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ " شركاءَ " لأنه في الأصل نعتُ نكرةٍ، قُدِّم عليها. والعاملُ فيه العاملُ في هذا الجارِّ الواقع خبراً. والخبرُ مقدرٌ بعد المبتدأ، و { فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } متعلِّقٌ بشركاء. [وما في " ممَّا " بمعنى النوع] تقديرُ ذلك كلِّه: هل شركاءُ فيما رَزَقْناكم كائنون مِن النوع الذي مَلَكَتْه أَيْمانُكم مستقِرُّون لكم. فكائنون هو الوصفُ المتعلِّقُ به " ممَّا مَلَكَتْ " ولَمَّا تقدَّم صار حالاً، و " مستقرُّون " هو الخبرُ الذي تعلَّق به " لكم ".

والثاني: أنَّ الخبرَ " مِمَّا مَلَكَتْ " و " لكم " متعلِّقٌ بما تَعَلَق به الخبرُ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ مِنْ " شركاء " أو بنفس " شركاء " كقولك: " لك في الدنيا مُحِبٌّ " فـ " لك " متعلقٌ بـ مُحِبّ. و " في الدنيا " هو الخبرُ.

قوله: { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } هذه الجملةُ جوابُ الاستفهامِ الذي بمعنى النفي، و " فيه " متعلِّقٌ بـ " سَواء ".

قوله: " تَخافونهم " فيه وجهان، أحدهما: أنها خبرٌ ثانٍ لـ أنتم. تقديرُه: فأنتم مُسْتَوُوْن معهم فيما رَزَقْناكم، خائفوهم كخَوْفِ بعضِكم بعضاً أيها السادة. والمرادُ نَفْيُ الأشياء الثلاثة أعني الشِّرْكةَ والاستواءَ مع العبيد وخوفَهم إياهم. وليس المرادُ ثبوتَ الشركة ونَفْيَ الاستواءِ والخوفِ، كما هو أحدُ الوجهين في قولك: " ما تأتينا فتحدِّثَنا " بمعنى: ما تأتينا مُحدِّثاً بل تأتينا ولا تحدثنا، بل المرادُ نفيُ الجميع كما تقدَّم.

وقال أبو البقاء: { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } الجملةُ في موضع نصبٍ على جوابِ الاستفهامِ أي: " هل لكم فَتَسْتَوُوا " انتهى. وفيه نظرٌ؛ كيف جَعَل جملةً اسمية حالَّةً محلَّ جملةٍ فعلية، ويَحْكمُ على موضع الاسمية بالنصب بإضمارِ ناصبٍ؟ هذا ما لا يجوزُ ولو أنه فَسَّر المعنى وقال: إنَّ الفعلَ لو حَلَّ بعدَ الفاءِ لكان منصوباً بإضمار " أن " لكان صحيحاً. ولا بُدَّ أَنْ يُبَيَّنَ أيضاً أنَّ النصبَ على المعنى الذي قَدَّمْتُه مِنْ نَفْيِ الأشياءِ الثلاثة.

والوجه الثاني: أنَّ " تخافونهم " في محلِّ نصبٍ على الحال من ضمير الفاعل/ في " سَواء " أي: فتساوَوْا خائِفاً بعضُكم بعضاً مشاركتَه له في المال. أي: إذا لم تَرْضَوا أن يشارِكَكم عبيدُكم في المال فكيف تُشرِكون بالله مَنْ هو مصنوعٌ له؟ قاله أبو البقاء.

وقال الرازي معنى حسناً، وهو: " أنَّ بين المَثَلِ والمُمَثَّلِ به مشابهةً ومخالفةً.
 
عودة
أعلى