ما هي كتب ( معاني القرآن ) ؟

محمد العبادي

مشارك فعال
إنضم
30/09/2003
المشاركات
2,157
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
الخُبر
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
من أنواع التصنيف المتعلقة بالقرآن الكريم ما ظهر باسم (معاني القرآن)، وكثيرا ما يقع السؤال:

ما معنى مصطلح (معاني القرآن) ؟
وما غرض الكتب المؤلفة بهذا العنوان ؟
وهل تدخل في كتب التفسير أم أن بينهما فرقاً ؟
وغيرها من الأسئلة.

فهذه إلماحات يسيرة توضح معنى هذا المصطلح، وشيئا من تاريخ التأليف فيه، وتجيب عن بعض هذه التساؤلات، وأرجو أن نشترك جميعا في تتميمها لتكون مرجعا لمن أراد معرفة الموضوع، والله المستعان.
 
( 1 )

( 1 )

برز مصطلح " معاني القرآن" أول مرة كمشاركة من اللغويين في تفسير القرآن الكريم.
وأول كتاب نعلمه بهذا العنوان هو (معاني القرآن) لمحمد بن الحسن الرُّؤاسِيّ، النحوي، الكوفي، المتوفى قرابة سنة 170 ه (1) .
أما أول كتاب وصلنا بهذا العنوان فهو: (معاني القرآن) لأبي الحسن سعيد بن مَسعدة البلخي المعروف بالأخفش الأوسط(2)، وهو من كبار نحويي البصرة، وكتابه مطبوع متداول.

وبالنظر إلى محتوى هذه الكتب وتاريخ تأليفها والغرض منه نجد أنها قد كتبت استجابةً لما شاع في تلك الفترة من تأليف في (معاني الشعر) و(معاني الحديث والآثار)، فكان أن حدثوا وكتبوا في (معاني القرآن).
وكان انتشار العجمة وضعف العربية هو الدافع الأكبر لكتابة هذه الكتب، إذ زاد السؤال عن معاني القرآن والبحث في مشكله، وكانت الدعوات تتوالى لهؤلاء العلماء من أمير أو عالم أو تلاميذ يرومون بها تفسير القرآن الكريم وبيان معانيه، فيقوم العالم بتدوين كتاب ويمليه في مجالس.
وقد كان علماء النحو واللغة هم أصحاب هذه الطريقة في التأليف، وهي أول مشاركة لهم مباشرة ومستقلة في تفسير القرآن الكريم(3)، و كونهم من علماء اللغة قد أعطى هذا النوع من التأليف طابعه الخاص المختلف عن طابع المفسرين، كما سيأتي بيانه.

وبهذا يمكن أن نستنبط أن مضامين هذه الكتب ستكون لغوية بالدرجة الأولى، وسيبرز فيها المذهب النحوي والنَّفَس اللغوي لأصحابها(4).

أصل المعاني في اللغة
والمعاني في اللغة جمع (معنى) من عَنَى يعنِي، تقول: عَنَيت بالقول كذا ، أي أردت وقصدت. وتقول: عرفتُ ذلك في مَعنَى كلامه أي فحواه (5).
فالمعنى هو ما يظهر من اللفظ، أو من ظاهر اللفظ (6).
قال ابن فارس في الأصل الثالث من أصول (عنى): "ظُهُورُ شَيْءٍ وَبُرُوزُهُ...وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَعْنَى الشَّيْءِ...وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قِيَاسُ اللُّغَةِ أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْقَصْدُ الَّذِي يَبْرُزُ وَيَظْهَرُ فِي الشَّيْءِ إِذَا بُحِثَ عَنْهُ. يُقَالُ: هَذَا مَعْنَى الْكَلَامِ وَمَعْنَى الشِّعْرِ، أَيِ الَّذِي يَبْرُزُ مِنْ مَكْنُونِ مَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ".
وقالَ الراغبُ: "المَعْنَى إظْهارُ مَا تَضمَّنه اللّفْظُ. مِن قوْلِهم: عَنَتِ الأرضُ بالنَّباتِ: أَظْهَرَتْه حَسناً"

وعلى كلٍّ يقول الخليل: " مَعْنَى كلّ شيء: مِحْنَتُهُ وحالُه الذي يصير إليه أمره"(7).
وَفي تاج العروس: "مَعْناهُ وفَحْواهُ ومُقْتضاهُ ومَضْمونُه كُلُّه هُوَ مَا يدلُّ عَلَيْهِ اللّفْظ... وَقد اسْتَعْمل الناسُ قوْلَهم: هَذَا مَعْنَى كَلامِه وَشبهه، ويُرِيدُون هَذَا مَضْمونَهُ ودَلالَتَه".
وروى الأزهري عَن ثَعْلَب قال: "المَعْنى والتَّفسِير والتَّأْوِيل واحِدٌ"(8).

______​
(1) ويُذكر لأَبان بن تغلب الجريري القارئ النحوي اللغوي المتوفى سنة 141ه كتاب في هذا، غير أنه اختُلف في عنوانه كما هي العادة في الكتب المتقدمة، وإذا ثبت اسم كتابه فيمكن أن يكون أول كتاب، وسيأتي مزيد بيان آخر هذه الإلماحات. وينظر: التفسير اللغوي للقرآن الكريم (ص: 124،256).
والرُّؤاسيُّ هو أبو جعفر محمد بن الحسن بن أبي سارة، عالم أهل الكوفة، وأول من ألف بها كتابا في النحو، وإليه ترجع بداية ما سمي بالمذهب الكوفي.
(2) يدل على هذا قوله: "سألني –أي الكسائي- أن أؤلف له كتابا في معاني القرآن فألفته، فجعله إماما له وعمل عليه كتابا في المعاني، وعمل الفراء كتابه في المعاني عليهما"، وقد اختُلف في سنة وفاته، فقيل: سنة عشر ومئتين، وقيل خمس عشرة، وقيل إحدى وعشرين، وقال أبو العباس ثعلب: مات الأخفش بعد الفراء ومات الفراء سنة سبع ومائتين بعد دخول المأمون العراق بثلاث سنين.ينظر: أخبار النحويين البصريين (ص: 29، 40) نزهة الألباء (ص: 107-109) معجم الأدباء (3: 1374-1376).
ومما يذكر هنا قول أبي حاتم السجستاني: "أخذ الأخفش كتاب أبي عبيدة في القرآن فأسقط شيئا وزاد شيئا، وجعله لنفسه، وقال: الكتاب لمن أصلحه، وليس الكتاب لمن أفسده" ا.ه. وهو يعني كتاب (مجاز القرآن). لكن محقق معاني القرآن للأخفش د. عبدالودود الأمير نفى هذا في مقدمة تحقيقه فلتراجع، وهو أمر واضح، والدكتور مساعد الطيار يرى أن للأخفش كتابا آخر في غريب القرآن وأنه الذي عناه أبو حاتم في نقده، ينظر: التفسير اللغوي (ص: 305، 306) وهي مسألة تحتاج تحقق.
(3) أما مشاركتهم العامة وغير المباشرة في التفسير فظهرت من قديم في تصانيفهم المتنوعة ككتب النوادر والفروق والأضداد والمعاجم المتقدمة كالعين ...وغيرها، وذلك بتفسير اللفظة العربية وذكر الشاهد القرآني الدال عليها، أو تفسير اللفظة القرآنية في كتب المعاجم وذكر الشواهد العربية الدالة على معناها. ينظر: التفسير اللغوي للقرآن الكريم (ص: 114-122).
(4) ذكر الدكتور مساعد الطيار أن من أسباب تأليف كتب معاني القرآن هو أن هؤلاء العلماء أرادوا إبراز مذهبهم النحوي الذي ينتمون إليه. والذي يبدو أن هذا إنما هو أثر حتمي وطبيعي لتأليفهم، لا أنه سبب مقصود لهم حين أرادوا التأليف.
(5) الصحاح للجوهري (6: 2440)
(6) الكليات للكفوي (ص: 842)
(7) العين باب العين والنون و (واي) معهما.
(8) تهذيب اللغة (3: 135) وقد قال الراغب: "والمعنى يقارن التفسير، وإن كان بينهما فرق" المفردات (ص: 591)​
 
( 2 )

( 2 )

(معاني القرآن) كاصطلاح ومنهج تأليف

مما سبق نعلم أن علماء اللغة حين ألفوا في (معاني القرآن) لم يكونوا يقصدون إلا هذا المعنى، وهو تفسير القرآن وبيان مقاصده ودلالاته وإبراز مكنوناته وما تضمنته ألفاظه.
فمعاني القرآني على هذا تكون مصطلحاً مرادفاً أو مقارباً لمصطلح التفسير، لأن التعريف السابق يشترك فيه كل من كتب في تفسير القرآن الكريم.
ويبقى السؤال إذن:
ما الخصيصة أو الميزة التي انفردت بها كتب (معاني القرآن) عن باقي مؤلفات التفسير؟

إن تصنيف كتب (معاني القرآن) قد اكتنفته عوامل معينة جعلته ينحى منحى خاصا في تفسير القرآن تميز به عن باقي مؤلفات التفسير من حيث المنهج والمضمون، ولا بد من الوقوف مع هذه العوامل لتبين ما تميزت به هذه المصنفات.

1- الصنعة النحوية والإعرابية للمصنفين في معاني القرآن، و ظهور الخلاف بين البصريين والكوفيين.
لقد سبقت الإشارة إلى أن أول تصنيف في معاني القرآن قد كان في طبقة الخليل بن أحمد وأبي جعفر الرؤاسي، وهذه الطبقة هي التي شهدت بداية ما سمّي بعد ذلك بالمذهب الكوفي في مقابل المذهب البصري في النحو، إذ بدأت تتشكل ملامح التنافس بين علماء كلٍّ من هذين البلدين وإثبات التقدم العلمي لكلٍّ (1).
وقد ظهر أثر هذا الأمر جليا جدا في كتب معاني القرآن، إذ كثير من مباحث هذه الكتب يعود إلى الإعراب، سواء في هذا ما صنف في تلك الفترة وما تلتها من الفترات في طبقات التلاميذ وتلاميذ التلاميذ، وذلك أن من صنّف فيها هم أساطين النحو في زمانهم.
فالأخفش من كبار نحويي البصرة وعلمائها ، والكسائي والفراء من علماء الكوفة في النحو واللغة كذلك، ولذا كانت كتب معاني القرآن المنسوبة لكل منهم مشتملة على ما يدعم الآراء النحوية للمدرسة التي ينتسب إليها وما يقوِّيه من الأدلة والشواهد، وهكذا بقية علماء القرن الثالث الذين ألفوا في معاني القرآن.
وهذا ما يفسر كثرة المباحث النحوية والصرفية في كتبهم، وما اشتملت عليه من ذكر الخلاف والاستشهاد للمذهب النحوي فيها.
بيد أن هذا الأمر كان متفاوت الظهور في كتب (معاني القرآن)، فنجده أكثر ظهورا عند الأخفش، ثم الفراء، يليهما الزجاج، أما النحاس فقد أفرد الإعراب بكتاب مستقل.

2- التخصص اللغوي:
شهد القرنان الثاني والثالث الهجريين وضع أسس العلوم الإسلامية كافة بمختلف نواحيها، وكان علماء هذه الحقبة مشاركون في هذه العلوم، إلا أن النزعة العلمية تأخذ بكل مصنف إلى ما يتقنه من العلوم ويكثر من الكلام فيه حتى يشتهر به، وهذا ما كان من العلماء الذين صنفوا في (معاني القرآن) فأصحابها معدودون في علماء اللغة وجهابذتها، وكان لهذا أثره الكبير في أن تكون مضامين كلامهم وطريقتهم في إيراد المعاني على طريقة اللغويين في البحث والتفسير.
ويقصد بذلك أن كلامهم سيكون منصبّاً في الجانب الُّلغوي وحده من حيث بيان غريب الألفاظ، وعويص الأساليب والاستشهاد على ذلك بالشعر وكلام العرب.
بالإضافة إلى التركيز على أسلوب "التفسير اللفظي" للقرآن، وهو أن يكون اللفظ المفسِّر مطابقا للفظ المفسَّر.
وعليه فنادرا ما نجد عندهم بياناً لأسباب النزول أو قصص القرآن أو ذكراً لأقوال المفسرين، وإن جاء فإنه يجيء تبعاً لا أصالةً.
ويزداد هذا الأمر بيانا بالنقطة التالية.
______
(1) للاستزادة في تاريخ نشوء المذهبين وملابساته ينظر: نشأة النحو (ص: 40- 46)، من تاريخ النحو العربي (ص: 38- 44)
 
( 3 )

( 3 )

3- ظهور التفرقة بين اللغة والتفسير.
وهذه إحدى الظواهر التي شكَّلت فرقا جوهريا بين كتب التفسير وكتب معاني القرآن.
والمقصود بها هو اختلاف منهجية علماء معاني القرآن عن منهجية المفسرين السابقين في البحث القرآني، وطريقتهم في التعرض لمعنى الآية ومعالجة الأقوال السابقة في التفسير.
وبيان ذلك من خلال التالي:

أولاً: أن المفسرين لم يقتصروا على هذا التفسير اللغوي وحده، فمع أنهم كانوا يعتمدون على اللغة في بيان التفسير، وكان لهذا التفسير مكانته عندهم إلا أنهم لم يجعلوه الأصل الذي ينطلق منه البحث، بل يوردون معه التفسير بالقرآن وبالسنة، ويذكرون أسباب النزول، وما يحتف بالآية من مُخصِّصات وأحكام وغير ذلك من أنواع البيان المتعارف عليها في كتب التفسير، وعليه فمنطلق بحثهم هو بيان المعنى المراد قبل أي شيء وبكل ما يمكن أن يخدمه من علوم.
بينما نجد منطلق البحث في كتب معاني القرآن هو اللغة، فالبحث اللغوي هو السابق إلى ذهن أصحابها حين يفسرون القرآن، لأنه يرونه نصا عربيا، وأن الذين سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن الصحابةرضي الله عنهم لم يحتاجوا في فهمه إلى السؤال عن معانيه، لأنهم كانوا في غنى عن السؤال ما دام القرآن جاريا على سَنن العرب في أحاديثها ومحاوراتها، وما دام يحمل كل خصائص الكلام العربي من زيادة وحذف وإضمار واختصار وتقديم وتأخير، ومن هنا فسروا القرآن وعمدتهم الأولى هي الفقه بالعربية وأساليبها واستعمالاتها والنفاذ إلى خصائص التعبير فيها(1).
فكانوا يوردون ما يوضح المفردة أو الجملة القرآنية بكل ما يمكن أن يكون صالحا من المحتملات اللغوية مما يقتضيه اللسان العربي، دون اعتبار لما يحتف بالآية من أمور أخرى قد تخصص المعنى اللغوي، من أسباب النزول أو المأثور من السنة أو عن الصحابة والتابعين...أو غير ذلك.
ثانياً: أن المصنفين في معاني القرآن لا يكادون ينقلون شيئا عمن قبلهم في تفسير القرآن، حتى المتعلق منها بالتفسير اللغوي، فمعتمد الواحد منهم هو ما يعلمه ويحفظه من اللغة، وإذا نقل شيئا فإنه ينقله كأحد محتملات الآية اللغوية التي يقابل بها قولَه، وقد يردُّه ولا يعتد به.
ومن ذلك ما أورده النحاس عن الكسائي حين اعترض على ما قاله المفسرون واللغويون في معنى قوله تعالى: (أفلم ييأس اللذين آمنوا ألو يشاء الله لهدى الناس جميعا).
قال النحاس: "في هذه الآية اختلاف كثير...عن ابن عباس رضي الله عنها أنه قرأ: أفلم يتبين الذين آمنوا. وفي كتاب خارجة أن ابن عباس قرأ: أفلم يتبين للذين آمنوا وعن ابن عباس: أفلم ييأس الذين آمنوا أي: أفلم يعلم.
وأكثر أهل اللغة على هذا القول وممن قال به أبو عمرو بن العلاء وأبو عبيدة. قال سحيم بن وثيل:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني *** ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
ويروى إذ يأسرونني، فمعنى أفلم ييأس الذين آمنوا ألم يعلموا.
وفي الآية قول آخر، قال الكسائي: لا أعرف هذه اللغة ولا سمعت من يقول يئست بمعنى علمت ولكنه عندي من اليأس بعينه. والمعنى إن الكفار لما سألوا تسيير الجبال بالقرآن وتقطيع الأرض وتكليم الموتى اشرأب لذلك المؤمنون وطمعوا في أن يعطى الكفار ذلك فيؤمنوا فقال الله (أفلم ييأس الذين آمنوا) أي أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لعلمهم أن الله لو أراد أن يهديهم لهداهم كما تقول قد يئست من فلان أن يفلح والمعنى لعلمي به"(2).
فنلاحظ هنا عدم اعتداد الكسائي بما ورد في تفسير هذه المفردة، وجعله قولَه في مقابله.
ثالثاً: أن أصحاب هذه الكتب يفرقون بين ما يذكرونه من معاني القرآن وبين ما ينقلونه عن المفسرين، فنراهم حين يريدون نقل شيء عن السلف يقولون: "قال المفسرون" أو "جاء في التفسير" أو "وفي التأويل" أو "قال أهل التفسير" وهذه التفرقة تدل على أن معاني القرآن عندهم هي ما يؤخذ من طريق اللغة، وأن ما عند المفسرين إنما هو شيء آخر لا يمكن أخذه من هذه الطريق(3).

4- من العوامل التي كان لها أثر في تمييز كتب معاني القرآن عن غيرها من كتب التفسير هو أن هذه الكتب قد وُضعت –كما سبق- استجابة لطلب أو جوابا عن سؤال أو بحثا عن مشكل، ولذا فهي لم تقف مع كل الآيات، بل مع ما كان لا بد من الوقوف معه للأسباب السابقة، وهذا ما يجعلها تختلف عن كتب التفسير بمناهجها المختلفة التي تقف مع كل آية وتبيِّنها.

______
(1) مقدمة تحقيق مجاز القرآن (1: 16)
(2) معاني القرآن للنحاس (3: 497) بتصرف.
(3) التفسير اللغوي لقرآن الكريم (ص: 263، 269)
 
( 4 )

( 4 )

من هنا نصل إلى أن (معاني القرآن) وبحكم هذه العوامل التي اكتنفتها قد أصبح عَلَماً على نوع جديد من التأليف له معالمه الواضحة التي تميزه عن باقي كتب التفسير، ويمكن أن نلخصها بما يلي:

- النّفَس اللغوي في الطرح : منطلقاً ومضموناً.
- عدم التزام تفسير جميع الآيات.
- خلوها مما سوى التفسير اللغوي إلا ما ندر وجاء تبعاً.

ويمكن بعد هذا القول: إن معاني القرآن هي: (البيان اللغوي لما يُشكل من الألفاظ والأساليب القرآنية) (1).
فالبيان اللغوي يخرج أنواع البيان الأخرى المعتمدة على أسباب النزول والقصص القرآني والآثار النبوية وغيرها.
والتقييد بما يُشكل من الألفاظ والأساليب يخرج كتب التفسير التي تعرضت لكل آية وليس للمشكل منها فحسب.

______
(1) وضع المعاصرون تعريفات عديدة لمعاني القرآن لكن هذا التعريف هو الأدق دلالة، وهو مستفاد من تعريف الدكتور مساعد الطيار، ينظر: التفسير اللغوي (ص: 265) مع زيادة "ما يشكل" .
 
( 5 )

( 5 )

مصطلحات مقارِبة

عند الرجوع إلى كتب اللغويين المصنفة في التفسير بعد عصر أتباع التابعين -أي أواخر القرن الثاني وما بعده- نجد عددا من المصطلحات التي تكررت كثيرا.
من ذلك مصطلح (غريب القرآن) و(إعراب القرآن) و(مجاز القرآن) بالإضافة إلى (معاني القرآن).
والملاحظ هو أنه قد ينسب للمؤلف الواحد أكثر من عنوان، وهو كثير .
وكثيرا ما تكون هذه الأسماء عناوين لكتاب واحد.
فهل هناك فرق بين هذه التسميات؟
أم أنها أسماء لشيء واحد مشترك؟
ولماذا تعددت العناوين إذن؟

لقد تمت الإشارة في بداية الكلام إلى مشكلة اختلاف تسمية الكتب عند المتقدمين، والذي يظهر أنهم كانوا لا يولون هذا الأمر أهمية كبيرة، إذ كان التأليف في بداياته، وكان كثير من هذه الكتب أماليَ ومجالسَ دونها التلاميذ فلا يقع الاهتمام بوضع العنوان المناسب، وحتى لو كان مَن جَمَعَها هو من نسبت إليه فإنهم كانوا يهتمون بالمضامين أكثر من التسميات، وقد يضعون الكتاب ولا يضعون له عنواناً، ثم يسميه كلٌّ بحسب أوضح الجوانب التي تبيّنت له في الكتاب، كما هي العادة في بدايات أي أمر قبل تقنينه وضبطه.
ولذا لما تقدمت السنون جاء النحاس في القرن الرابع وكان أول من فرق بين المسميات، وظهرت عنده حدود المصطلحات، إذ كان له كتابان سمى الأول (معاني القرآن) والثاني (إعراب القرآن) وهذه أول تفرقة بين الإعراب ومعاني القرآن في العنوان والمضمون، ذلك أنه خص الأول بالتفسير اللغوي للقرآن الكريم، ولم يجعل فيه شيئا من إعراب القرآن الكريم بخلاف جميع كتب معاني القرآن التي سبقته حيث كان الإعراب يشكل نسبة كبيرة منها كما سبق. بينما جعل الكتاب الثاني مستقلا بالإعراب والأوجه النحوية والخلاف فيها كما يشير العنوان بكل وضوح.
والشاهد من هذا هو أن مصطلح (معاني القرآن) قد تشكل بعدد من الأشكال:
- فهو يطلق ويراد به مجموع ما يتعلق بالإعراب، وتفسير الغريب وبيان مشكل القرآن.
- ويطلق ويراد به ما دون الإعراب من تفسير للغريب وبيان للمشكل.
وكل هذا قد ظهر في كتب (معاني القرآن) المعروفة.

(مجاز القرآن لأبي عبيدة)
أما كتاب (مجاز القرآن) لأبي عبيدة فقد اختلف في تسميته، وذُكرت له أسماء عديدة، إذ سُمِّي بـ(غريب القرآن) و(معاني القرآن) بالإضافة إلى (مجاز القرآن) نظرا لكثرة استعماله لفظة "مجاز" في كتابه، وهي التسمية التي اعتمدت في طبع الكتاب مؤخرا.
وعلى كلٍّ فمشكلة التسمية يشترك فيها مع غيره من الكتب كما سبق، إلا أن المعاصرين قد اختلفوا في تصنيفه، فمنهم من يصنفه في كتب غريب القرآن ومنهم من يصنفه في كتب معاني القرآن(1).
وبالنظر إلى مضمون الكتاب نجده لم يخرج عن النهج الذي ساد في تلك الفترة من تأليف اللغويين في تفسير القرآن الكريم، فهو كتاب معانٍ وتفسير غريب، بالإضافة إلى النفس اللغوي والصفات الأخرى التي ذُكرت لكتب معاني القران وما بني عليها من تعريف.
فالكتاب على هذا داخل في حدود كتب (معاني القرآن) خصوصا وكون أحد العناوين المنسوبة له هو (معاني القرآن).
وحُجة من صنفه في كتب غريب القرآن هو قلة مباحث الإعراب، على خلاف ما هو سائد في كتب معاني القرآن التي تلته.
والحقيقة أن هذه المباحث النحوية والصرفية وذكر الخلاف فيها والاستشهاد عليها من لغة العرب إنما كان في الكتب التي جاءت بعد أبي عبيدة، حيث بدأ التنافس المذهبي بين أهل البصرة والكوفة، وكانت نتيجته ظهور هذه المباحث في كتب معاني القرآن كما سبق بيانه، أما أبو عبيدة فقد كان سابقا لهم، متحرراً من ربقة هذا التنافس، فلم يحتج لكثرة الكلام فيه ولم يدْعُهُ إليه ما دعاهم.
وعليه فقلة وجود هذه المباحث لا تخرجه عن كتب (معاني القرآن).
ويمكننا على ما سبق أن نميز ما يدخل في كتب معاني القرآن وما لا يدخل بالنظر إلى مضمون المصنَّف ومنهج التأليف فيه بغض النظر عن التسمية.
ففي مقابل كتاب (مجاز القرآن) لأبي عبيدة نجد كتاب (تأويل مشكل القرآن) لابن قتيبة مثلاً.
فهو كتاب قد صُنِّف في دفع بعض أثير من مشكل القرآن. إلا أننا نجده لم يلتزم فيه بترتيب السور، بالإضافة إلى اختلاف غرضه من تأليفه، وبعده عن النفس اللغوي، وهو ما يجعل تصنيفه في كتب معاني القرآن بعيدا.

والذي يهمنا في هذا المقام مما يخص الموضوع هو أن مصطلح (معاني القرآن) يُعدّ أوسع المصطلحات المذكورة من حيث الدلالة، ولذا أدخل فيه العلماء المتقدمون كل ما يخص الإعراب والغريب ومشكل القرآن الكريم.

______
(1) من الأول الدكتور مساعد الطيار في كتابه التفسير اللغوي، وقد تابع فيه السيوطي في الإتقان حيث جعله من كتب الغريب، ومن الثاني الدكتور ياسر محمد الحروب في رسالته: (المصنفات الأولى في معاني القرآن: أبو عبيدة والأخفش والفراء، والدراسات الصرفية، والنحوية).
 
عودة
أعلى