وروى سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَمَن يَقْتُلْ مَؤْمِناً مُّتَعمِدّاً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ… " الآية، فقيل له: وإن تاب وآمن وعمل صالحاً. قال وأنَّى له التوبة. قال زيد بن ثابت. فنزلت الشديدة بعد الهدنة بستة أشهر، يعني قوله تعالى: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا } بعد قوله:
{ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهَ إِلاَّ بِالْحَقِّ }
[الفرقان: 68].))
والمعتزلة لا يتركون آية النساء تمر دون تعليق منهم يظهر عقيدتهم بتخليد صاحب الكبيرة ولم ينهج فيها نهجهم
# وجاء فيه أيضا في تفسير آية الفرقان 68 ( وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهَ إِلاَّ بِالْحَقِّ )
({ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ } فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المضاعفة عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، قاله قتادة.
الثاني: أنها الجمع بين عقوبات الكبائر المجتمعة.
الثالث: أنها استدامة العذاب بالخلود.
{ وَيَخْلُدْ فِيهِ } أي يخلد في العذاب بالشرك.
{ مُهَاناً } بالعقوبة.
{ إِلاَّ مَن تَابَ } يعني من الزنى.
{ وَءَامَنَ } يعني من الشرك
. { وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } يعني بعد السيئات.
)--وهو ليس يشبه توجيه المعتزلة للآية في شيء--بل أن كلامه هذا فيه ما يخالفهم إذ قال"( وَيَخْلُدْ فِيهِ } أي يخلد في العذاب بالشرك."
# ورد في بداية كتابه " الأحكام السلطانية " ما يلي
((الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم. واختلف في وجوبها هل وجبت بالعقل أو بالشرع؟ فقالت طائفة وجبت بالعقل لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم، ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين وهمجاً مضاعين، وقد قال الأفوه الأودي وهو شاعر جاهلي من البسيط: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهـالـهـم سـادوا
وقالت طائفة أخرى: بل وجبت بالشرع دون العقل، لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوناً في العقل أن لا يرد التعبد بها، فلم يكن العقل موجباً لها، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم والتقاطع. ويأخذ بمقتضى العدل التناصف والتواصل، فيتدبر بعقل لا بعقل غيره، ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين، قال الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".
ففرض علينا طاعة أولي الأمر فينا وهم الأئمة المتأمرون علينا. وروى هشام بن عروة عن أبي طالع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره، ويليكم الفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم".
فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو أهلها سقط فرضها على الكفاية. وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان: أحدهما أهل الاختيار حتى يختاروا إماماً للأمة، والثاني أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة، وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم،))
وهو نص يدل دلالة واضحة على أنه ليس من المعتزلة لأن من أساسيات الإعتزال تحكيم العقل في أحكام الشرع فالحسن والقبح لديهم بالعقل--وهو هنا أثبت وجوب الإمامة بالشرع
جاء في كتاب : القول المختصر المبين في مناهج المفسرين للنجدي : ( عقيدته : مؤول أشعري ، شحن كتابه بالتأويل ، ويختار في بعض المواضع من كتابه قول المعتزلة ، وما بنوه على أصولهم الفاسدة ، ويوافقهم في القدر ؛ ولذا قال عنه الذهبي في " الميزان ": صدوق في نفسه ، لكنه معتزلي ) انتهى ص12
وللتأكد من ذلك يمكنك مراسلة الأستاذ الدكتور محمد الشايع ، فهو من حقق كتابه في رسالته للدكتوراه .
أيضاً ذكره المغراوي في كتابه (المفسرون بين التأويل والإثبات) 2/810 . حيث نقل أقواله في تفسير الآيات التي هي مظنة معرفة مذهبه العقدي. ولا سيما قول الذهبي في سير أعلام النبلاء 18/67
سئل الشيخ العلامة صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عن عقيدة الماوردي كما في (الفرق بين كتب الحديث وكتب الفقه) : ما هي عقيدة الماوردي، وما رأيكم في كتابه " الأحكام السلطانية"؟
الجواب / الماوردي أشعري، واتهم بالاعتزال، وهو صاحب تفسير
النكت والعيون، طبع في الكويت ثم طبع في غيرها، واتهم بالاعتزال في
مسائل وفي الجملة هو أشعري المذهب. وكتابه الأحكام السلطانية من جهة
الإمامة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير دقيق، غير موافق
لتفاصيل مذاهب السلف.
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]أطلقَ ابنُ الصلاح (ت643هـ) تُهمةَ الاعتزال على الماورديِّ (ت450هـ)، وتَحاملَ على تفسيره فَعدَّهُ عظيمَ الضَّررِ ، فقال:«هذا الماورديُّ – عفا الله عنه – يُتَّهمُ بالاعتزال ، وقد كنتُ لا أتحققُ ذلك عليه ، وأَتأولُ له ، وأعتذرُ عنه في كونه يوردُ في الآيات التي يَختلفُ فيها أهلُ التفسير تفسيرَ أهلِ السنة ، وتفسيرَ المعتزلة ، غير متعرضٍ لبيانِ ما هو الحقُّ منها ، وأقولُ : لعلَّ قصدهُ إيراد كل ما قيل من حقٍ أو باطل ، ولهذا يورد من أقوال المشبِّهة أشياء مثل هذا الإيراد ، حتى وجدته يختارُ في بعض المواضع قولَ المعتزلةِ ، وما بَنَوه على أصولهم الفاسدة ، ومن ذلك مصيرهُ في الأعرافِ إلى أَنَّ الله لا يشاءُ عبادة الأوثان ... وقال في قوله تعالى:﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن﴾ [الأنعام 112]. وجهان في ﴿جعلنا﴾ :
أحدهما : معناه حكمنا بأَنَّهم أعداء.
والثاني : تركناهم على العداوةِ فلم نَمنعهم منها. وتفسيرهُ عظيمُ الضَّررِ ؛ لكونهِ مشحوناً بتأويلات أهلِ الباطل ، تلبيساً وتدسيساً على وجهٍ لا يفطن له غيرُ أهل العلم والتحقيق ، مع أَنَّهُ تأليفُ رجلٍ لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة ، بل يَجتهدُ في كتمان موافقتهم فيما هو لهم فيه موافق. ثُمَّ هو ليس معتزلياً مطلقاً فإنه لا يوافقهم في جَميع أصولهم ، مثل خلق القرآن كما دلَّ عليه تفسيره في قوله تعالى :﴿ما يأَتيهمْ مِنْ ذِكْرٍ مِن رَبِّهم مُحدَثٍ﴾[الأنبياء 2] وغير ذلك. ويوافقهم في القَدَرِ ، وهي البليَّةُ التي غلبت على البصريين وعِيبوا بِها قديماً». أهـ.(1)
مناقشة قول ابن الصلاح :
هذا ما قاله تقي الدين بن الصلاح عن الماوردي وتفسيره ، وهو أقدم مَنْ صَرَّح باتِّهامِ الماوردي بالاعتزال – على ما نعلم – مع أنَّ بينهما نحو مائتي سنة ، وقد جاء في عنوان نسخةِ الجامع الكبير في صنعاء من تفسير الماوردي التصريحُ باعتزاله حيث قال:«... الشافعي مذهباً المعتزليُّ - على الأَصحِّ - معتقداً...) وهي مقولةُ أحدِ النساخِ ، ثُمَّ إنَّ مَنْ جاء بعد ابن الصلاح نَقلَ عنه كلامه ونسبه إليه ، تَخلصاً مِن تبعته لعدمِ تَحققهِ لا تهامه. فهذا ياقوت الحمويُّ ، يقول من غير جَزمٍ :«... وكان عالماً بارعاً متفنناً شافعياً في الفروع ، ومعتزلياً في الأصول على ما بلغني ، والله أعلم».(2)
ويقول الداوودي في طبقاته :«..وذكره ابن الصلاح في طبقاته ، واتهمه بالاعتزال في بعض المسائل بِحَسَبِ ما فهمه عنه في تفسيره في موافقة المعتزلة فيها ، ولا يوافقهم في جميع أصولهم ، ومما خالفهم فيه أَنَّ الجنَّة مَخلوقةٌ ، نعم يوافقهم في القول بالقَدَرِ ، وهي بلية غلبت على البصريين».(3)
وقد أوضح ابن الصلاح منشأَ اتهامه بالاعتزال وأَنَّه ذِكْرُهُ لبعض أقوالهم دونَ اعتراضٍ عليها ، وقد أَخَذَ مِن هذا أَنَّهُ يَختارها. والمعتزلةُ لا يطلقون صفةَ الاعتزال إلا على من وافقهم في أصولهم الخمسة المعروفة ، وأَمَّا من لا يوافقهم إِلاَّ في بعضها فليس معتزلياً ، ومن ذلك قول أبي الحسين الخياط – أحد كبار المعتزلة في القرن الثالث – في كتابه الانتصار:«وليس يستحق أحدٌ منهم اسمَ الاعتزال حتى يَجمعَ القولَ بالأصول الخمسة : التوحيد ، والعدل ، والوعد والوعيد ، والمَنْزلة بين المَنْزلتين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا كَمُلَت في الإنسان هذه الخصالُ الخمسُ فهو معتزلي».(4)
وإذا عُدنا إلى كلام ابن الصلاح المتقدم وجدناه نفسَه قد صرَّح بأَنَّه ليس معتزلياً مطلقاً ، وأنه وافقهم في شيء وخالفهم في أشياء حيث يقول (... ثم هو ليس معتزلياً مطلقاً فإنه لا يوافقهم في جَميع أصولهم مثل خلق القرآن كما دل عليه تفسيره في قوله عز وجل:«ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث». وغير ذلك ويوافقهم في القدر ، وهي البلية التي غلبت على البصريين وعيبوا بها قديماً». فمِن كلامه ما هو مُسَلَّمٌ مقبولٌ ، ومنه ما هو تَحاملٌ ومبالغةٌ ، فهو مردود.
فَنُسَلِّمُ له قوله عنه إِنَّه كان ( يورد في تفسيره في الآيات التي يختلف فيها أهل التفسير ، تفسير أهل السنة ، وتفسير المعتزلة غير متعرض لبيان ما هو الحق منها». فالماوردي يعنى بعرض الأقوال في المسألة ، ويجتهد في نسبة كل قول إلى قائله من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في -الكثير الغالب ، وربما ترك نسبة بعضها. ومن الشطط أَن نُحمِّلَه تَبِعةَ كلِّ قولٍ قيل في المسألة ، وبخاصةٍ حين يسنده إلى قائله ، وقد أوضح في مقدمته أنه أراد من تفسيره أن يكون (... جامعاً بين أقاويل السلف والخلف ، وموضحاً عن المؤتلف والمختلف...)
وقد فهم ابن الصلاح هذا حين قال :«لعل قصده إيراد كل ما قيل من حق أو باطل». غير أنه لم يعذره ، ولم يرض بما ذهب إليه.
نعم ، كان الأكمل أن يتعقب الأقوال بالتوجيه لها ، والترجيح بينها ، وقد فعل ذلك حيناً ، وتركه حيناً آخر.
أما قول ابن الصلاح :« حتى وجدته يختار في بعض المواضع قول المعتزلة ، وما بنوه على أصولهم الفاسدة ، ومن ذلك مصيره في الأعراف إلى أن الله لا لا يشاء عبادة الأوثان... وقال في قوله تعالى:﴿وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن﴾ [الأنعام 112]. وجهان في ﴿جعلنا﴾ :
أحدهما : معناه حكمنا بأنهم أعداء.
والثاني : تركناهم على العداوة فلم نمنعهم منها».
فصحيحٌ أَنَّه ذَكَرَ أقوال المعتزلة ، لكنَّ دلالةَ ذلك على اعتقادهِ بِها غيرُ قطعيةٍ ، فهو لم يزد على أَنْ عَرَضَ القولَ وتَرَكه ولَم يُرجحه بشيء. وقد صرَّح في مقدمته – كما تقدمت الإشارة إلى ذلك –بأنه يريد أن يكون (جامعاً لأقوال السلف والخلف ، وموضحاً عن المؤتلف والمختلف) وباستعراض تفسيره نجده يذكر القول لا لصحته ، واعتقاده به ، وإنما لأنه قد قيل. فربما تعقبه وربما تركه ، ولقد كان الأولى في حقه أن لا يعرضه ويتركه ، بل يتعقبه بإيضاح وتوجيه ، أو على الأقل ينسبه لمن قاله به ، حتى يسلم من تبعته.
أما قول ابن الصلاح:« وتفسيرهُ عظيمُ الضَّرَرِ(5) لكونهِ مشحوناً بتأويلات أهل الباطل ، تلبيساً وتدسيساً على وجهٍ لا يفطن له غير أهل العلم والتحقيق ، مع أنه تأليف رجل لا يتظاهر بالانتساب إلى المعتزلة ، بل يجتهد في كتمان موافقتهم فيما هو لهم فيه موافق». فهو قول مردودٌ وغُيرُ مُسلَّمٍ ، وفيه تَحاملٌ ظاهرٌ على الماوردي ، وعدمُ إنصافٍ لَهُ ، ذلك أنَّ تفسيْرَهُ مليئٌ بتأويلات السَّلَفِ من الصحابة والتابعين ، ومشاهير علماء المسلمين ، منسوبةً لَهم بأسمائهم ، مع ما نقله بِجانبِ ذلك من تأويلات الخَلَفِ ، ومن بينها بعض تأويلات المعتزلة ، والتي أراد من ذكرها بيان ما قيل في الآية من حق وباطل، ومن راجح ومرجوح. وهو في الغالب حين يذكر أقوال المعتزلة ينسبها إلى من قال بها من علمائهم كأبي علي الجُبَّائي ، والأصمِّ ، وعلي بن عيسى الرمانيِّ ، وأبي مسلمٍ محمد بن بَحرٍ الأصفهانيِّ ، والذي كثيراًً ما ينقلُ آرائه ويتعقبها بالنَّقدِ والردِّ ، فلا لوم عليه بعد ذلك ، إذا حكى أقوالَ المعتزلة مادام قد نَسبها.
فكيف يصحُّ من ابن الصلاح بعدَ هذا أن يصرفَ النظرَ عن كل ذلك ، ويتصيَّد ما قد يكون ذكره الماوردي من أقوالهم التي أغفل نسبتها ليجعل منها دليلا على أنه معتزلي(6) أرد الإضرار بعقائد السَّوادِ من الناس فقصد بذلك التدليس والتلبيس ! فرحم الله ابن الصلاح فلقد فاته الإنصاف. مناقشة قول الدكتور عدنان زرزور :
أما الدكتور عدنان زرزور فقد ذهب بعيداً حين عدَّ تفسير الماوردي -أيا ماكان الأمر- من تفاسير المعتزلة ، وأَنَّهُ وُضِعَ على أصولهم ، ومنهجهم في التفسير ونقل منه نصاً رآهُ دليلا على ماذهب إليه. فقال في كتابه(الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن): (والناظر في هذا التفسير قد لايقف فيه سريعاً على أَثرٍ واضحٍ لمذهب المصنِّفِ الذي كان لا يُجاهرُ بالاعتزال فيما يبدو، ولكنه كان ينتصر فيه لمذهب المعتزلة على التحقيق ، مرة بالإشارة العابرة ، وأخرى بوضع القارئ أمام وجوه كثيرة في تفسير الآية الواحدة. يوردها موجزةً ملخصةً وليس من بينها ما يناقض مذهب المعتزلة بحالٍ.
قال في قوله تعالى : (هدى للمتقين) وفي المتقين ثلاثة تأويلات:
أحدهما: الذين اتقوا ما حرم الله عليهم ، وأدوا ما افترض عليهم ، وهذا قول الحسن البصري.
والثاني:أنهم الذين يحذرون من الله العقوبة، ويرجون رحمته. وهذا قول ابن عباس .
والثالث:أنهم الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق. وهذا فاسد لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق ، وإنما خص به المتقين وإن كان هدى لجميع الناس لانهم آمنوا به، وصدقوا بما فيه...
ثم قال الدكتور عدنان:«وأيا ما كان الأمر فإن الماوردي وضع تفسيره على أصول المعتزلة ومنهجهم في التفسير ، سواءً أخالفهم في بعض المسائل أم لا ، وسواء أجاهر بالاعتزال أم لا ، وإن كنا لا ندري ما هو حد الجهر عند ابن الصلاح».(7)
فهذا الحكم الجازم من الدكتور الفاضل عدنان زرزور لا يخلو من تسرع ، فإن ابن الصلاح - وهو أول من اتهمه بالاعتزال - لم يصل إلى هذا الحد ، ولم يجزم بمثل هذا الحكم. وقد عَقَّبَ الدكتور عبدالله الوهيبي على عبارةِ الدكتور عدنان زرزور تلك فقال:«وهذا حُكمٌ يعوزهُ التحقيق ، فلو أَنَّ الباحث تصفح هذا التفسير وقرأ فيه لتبين له أنه تسرع في الحكم عليه ، ورجع عن قوله :«فإن الماوردي وضع تفسيره على أصول المعتزلة ، ومنهجهم في التفسير) لأن قوله هذا يعني أن الماوردي يقول بجميع أصول المعتزلة ، وهذا قول لا دليل عليه ، ومخالف لما في تفسير الماوردي. ولو صح ما قال ، لم يقل ابن الصلاح:« هو ليس معتزلياً مطلقاً فإنه لا يوافقهم في جميع أصولهم ، مثل خلق القرآن كما دل عليه تفسيره في قوله تعالى :﴿ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث﴾[الأنبياء 2] وغير ذلك. ويوافقهم في القدر...) فكان الأولى بالباحث أن يكون منصفاً في حكمه ، متحققاً من قوله بقراءة قسم من هذا التفسير يكفي للحكم عليه ، أما إصدار الحكم بناء على قراءة المقدمة وتفسير آيتين من سورة البقرة لا يكفي ، وليس في هاتين الآيتين ما يدل على حكمه». وللطبري عبارة شبيهة بعبارة الماوردي وما عدَّه أحدٌ من المعتزلة.(8)
والسبكي الذي نقل قول ابن الصلاح في الماوردي عقَّب عليه فقال:«والصحيحُ أَنَّه ليس معتزلياً ، ولكنه يقول بالقَدَرِ فقط».(9)
وابن حجر تعقب عبارة الذهبي عن الماوردي بأنه (صدوق في نفسه ، لكنه معتزلي)(10) ، فيقول:«ولا ينبغي أن يطلق عليه اسم الاعتزال) ثم قال :«والمسائل التي وافق عليها المعتزلة معروفة ، منها مسألة وجوب الأحكام والعمل بها هل هي مستفادة من الشرع أو العقل ؟ كان يذهب إلى أنها مستفادة من العقل ، ومسائل أخرى توجد في تفسيره وغيره منها أنه قال في تفسير سورة الأعراف : لا يشاء عبادة الأوثان ، وافق اجتهاده فيها مقالات المعتزلة».(11)
وهذا تلميذه الخطيب البغدادي يقول عنه :«كتبت عنه ، وكان ثقةً».(12)
ويقول ابن الجوزي :«وكان ثقة صالحاً».(13)
فلو كان معتزلياً لنبهوا على ذلك ، فالخطيب تلميذه فهو أقرب إليه ، وأعرف به . والمعتزلة لا يَعدُّونَ المرءَ معتزلياً حتى يقول بأصولهم الخمسة كاملة وإلا فإنه لا يستحق هذا الاسم في نظرهم. كما تقدم نقل قول أبي الحسين الخياط في ذلك.وهناك أمثلة متعددة خالف فيها الماوردي المعتزلة تقدم بعضها.
ولعل من أدلة عدم اعتزاله علاقته بالخليفة القادر بالله ، ووجه ذلك أن القادر كان من علماء الشافعية ، وقد ألف كتاباً في الأصول ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث ، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبدالعزيز وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن ، وكان ذلك الكتابُ يُقرأُ في كُلِّ جُمعةٍ في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي وبحضرة الناس.(14) فإذا كان هذا هو رأي الخليفة القادر بالله في المعتزلة وموقفه منهم ، فبعيد أن يقرب الماوردي منه وهو كذلك ، وبعيد أن يجهل عقيدته. ثم هو معلوم عنه من سيرته شجاعته ، وجرأته في الحق ، يشهد لذلك موقفه من تلقيب جلال الدولة بملك الملوك ، ومعارضته لذلك. فما الذي يجعله إذا كان معتزلياً لا يتظاهر بالانتساب إليهم ، ويخفى أمره بل يجتهد في كتمان ذلك ؟ ثم ما الذي يجعل القول باعتزاله يتأخر نحو مائتي سنة إلى أن جاء ابن الصلاح فأعلن ذلك ؟
على أن المرء وهو ينفي عن الماوردي تهمة الاعتزال ، وأنه وضع تفسيره على مذهب المعتزلة ، وأصولهم ، لا ينفي ذكره لأقوالهم في تفسيره عند تأويل بعض الآيات ، ونقله عن بعض علمائهم ، كالرماني ، والجبائي ، والأصم ، وابن بحر ، وتركه لبعضها دون نسبة أو تعقيب ، وهو ما دفع ابن الصلاح لاتهامه بالاعتزال ، وأن هذا مما يؤخذ عليه . غير أن وجود بعض الأقوال الاعتزالية في تفسيره شيء والقول باعتقاده بها وترجيحه لها ، وكونه معتزلياً بنى تفسيره على أصولهم شيء آخر لا يسلم. ولعل أقرب ما يقال عن الماوردي في هذه المسألة ما قاله ابن حجر من أن :«له مسائل وافق اجتهاده فيها مقالات المعتزلة ، ولا ينبغي أن يطلق عليه اسم الاعتزال».(15) والله أعلم.
[line] الحواشي :
(1) طبقات الشافعية للسبكي 5/270
(2) معجم الأدباء 15/53
(3) طبقات المفسرين 1/414
(4) الانتصار لأبي الحسين الخياط 126-127
(5) ذكر ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية 172 مثل هذه العبارة عن تفسير ابن عطية
(6) انظر:العز بن عبدالسلام ، حياته وآثاره ومنهجه في التفسير للدكتور عبدالله الوهيبي 190 ، وأدب القاضي الماوردي بتحقيق محي هلال السرحان1/34
(7) انظر: الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن 143-146
(8) انظر: العز بن عبدالسلام حياته وآثاره ومنهجه في التفسير للدكتور عبدالله الوهيبي 192 ، تفسير الطبري 1/234
(9) طبقات الشافعية 5/270
(10) ميزان الاعتدال 3/155
(11) لسان الميزان لابن حجر 4/260
(12) تاريخ بغداد 12/102
(13) المنتظم 8/200
(14) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي 412
(15) انظر: لسان الميزان 4/206
باقة تحية وثناء مكللة بالشكر والدعاء للأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن الشايع على هذه الأجابة المحققة ، أسأل الله الكريم أن ينفع بكم وبعلمكم وأن يبارك لكم في عملكم.