وعليْكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
كأن من وراء السؤال من شككَ في حفظه القرآن بدليلٍ أو شبهةٍ. ومسايرة السائل لغير مقصدٍ واضح نافعٍ يقودُ إلى استجداء ما يثبتُ حفظ أعلامٍ آخرين للقرآن الكريم.
وعلى كل، وجدتُ ما فيه دليل أن ابن القيم يعيبُ على من لم ينتفع بالقرآن أو اشتغل بالعلوم الشرعية قبل حفظه:
"قال الإمام العلامة شمس الدين ابن القيم: ولقد أخبرني بعض أصحابنا عن بعض أتباع أتباع تلاميذ هؤلاء أنه رآه يشتغل في بعض كتبهم ولم يحفظ القرآن، فقال له: لو حفظت القرآن أولاً كان أولى، فقال: وهل في القرآن علمٌ! قال ابن القيم: وقال لي بعض أئمة هؤلاء: إنما نسمع الحديث لأجل البركة لا لنستفيد منه العلم لأن غيرنا قد كفانا هذه المؤونة فعمدنا على ما فهموه وقرروه. ولا شك أن من كان هذا مبلغه من العلم فهو كما قال القائل: نزلوا بمكة في قبائل هاشم ونزلت بالبطحاء أبعد منزل"[1].
وكيف لا يكونُ حافظًا لكتاب الله من قال فيه ابن رجب رحمه الله: "وتفقه في المذهبِ، وبرع وأفتى، ولازم الشيخ تقي الدين وأخذ عنه، وتفنَّن في علوم الإسلام، وكان عارفًا بالتفسير لا يجارى فيه، وبأصول الدين، وإليه فيهما المنتهى، والحديث معانيه وفقهه، ودقائق الاستنباط منه، لا يُلحق في ذلك، وبالفقه وأصوله وبالعربية، وله فيها اليَدُ الطولى، وتعلم الكلام والنَّحو وغير ذلك، وكان عالمًا بعلم السّلوك، وكلام أهل التّصوف وإشاراتهم ودقائقهم، له في كل فَنّ من هذه الفنون اليد الطولى. وكان رحمه الله ذا عبادة وتَهَجد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وَتَألُّه ولهج بالذّكر، وشغف بالمحبة، والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله والانكسار له، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علمًا، ولا أعْرَف بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أرَ في معناه مثله".
----
[1] الانتفاع بالقرآن، محمد بن قيم الجوزية، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت, ص 134.