سبب هذه الاية مشهور، وهو من الأمثلة على فائدة معرفة الاسباب وانها معينة على معرفة المعنى وازالة الاشكال.
وهو فيما قال ابن عباس والبراء وأنس: أنه لما نزل تحريم الخمر، قال قوم من الصحابة: يا رسول الله، كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر، أشفق قوم وتخيلوا نقص من مات على هذه المذمات، ونحو هذا من القول؟ فنزلت هذه الآية. فأعلم تعالى عباده أن الذم والجناح إنما يلحق من جهة المعاصي، وأولئك الذين ماتوا قبل التحريم لم يعصوا في ارتكاب محرم بعد بل كانت هذه الأشياء مكروهة لم ينص عليها بتحريم. وقد تأول هذه الآية قدامة بن مظعون الجمحي من الصحابة لما اراد عمر حده بقوله: لو شربت كما يقولون لم يكن لك أن تحدني، قال عمر لم؟ قال: لأن الله تعالى يقول: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح الآية، فقال له عمر: أخطأت التأويل، إنك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم عليك.
وينظر الكتب في اسباب النزول كالواحدي والعجاب لابن حجر ولباب النقول للسيوطي.
كنت قد طرحت سؤالا بخصوص إنكار النسخ في القرآن وكان ذلك ضمن مشاركة بعنوان مطارحات في القرآن الكريم والسؤال ما حكم شارب الخمر بعد العشاء؟ من خلال قوله تعالي{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} ولم أتلقي ردا من أحد رغم أنني لم أهاجم أحدا علي فكره وبعد فوجئت بسلسلة للإخوة لإبطال دعاوي النسخ في القرآن وذكروا براءة الآية من النسخ بحجة أن السكر يبطل الصلاة للآن والآية لم تحمل معني الإباحة في غير وقت الصلاة وأن الخمر حرام أصلا في الشرأئع الأخري وتم رد أقوال السلف والخلف غيرة علي كتاب الله عز وجلوالحق أنكم زهلتم عن قوله تعالي{ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وسبب نزولها وإليكم سبب النزول كما ذكر في حديث ابن عباس ؛ فيرويه ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه عن
سعيد بن جبير عنه قال :
نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار ، شربوا حتى إذا نهلوا ؛ عبث
بعضهم ببعض ، فلما صحوا ؛ جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته ،
فيقول : قد فعل بي هذا أخي- وكانوا إخوةً ليس بينهم ضغائن-! والله ! لو كان
بي رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا ! فوقعت في قلوبهم الضغائن، فأنزل الله عز
وجل: " إنما الخمر والميسر" إلى قوله : "فهل أنتم منتهون" .
فقال ناس : هي رجس ، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر ، وفلان قتل يوم أحد؟! فأنزل الله عز وجل : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات" .
أخرجه النسائي في «الكبرى» (11151) ، والحاكم (2/ 141- 142)، والبيهقي
(8/ 285- 288) ، والطبراني في «الكبير» (12/ 56 ـ 57/12459) .
وصححه الحاكم ، وقال الذهبي في «تلخيصه» :
«قلت : على شرط مسلم» .
وقال الهيثمي (7/18) :
«رواه الطبراني ، ورجاله رجال (الصحيح)» .
قلت: وهو كما قالا ؛ لكن في ربيعة بن كلثوم بن جبر وأبيه كلام يسير لا ينزل به حديثهما عن مرتبة الحسن . وصححه الحافظ في «الفتح ( السلسلة الصحيحة للألباني))» والأحاديث كثيرة يمكن الرجوع إليها في أسباب النزول ومما سبق يثبت بالدليل القاطع أن من الصحابة من كان يشرب الخمر حتي نزول آية التحريم وبالقطع بعد نزول قوله تعالي{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي} وذلك فهما منهم إباحة شرب الخمر في غير وقت الصلاة ولا يعقل أن يكونوا شربوها عصيانا و منهم من شهد بدر ومنهم من شهد احد وقد برأتهم الآية (93 )من سورة المائدة وعلى هذا تكون الآية (43) من سورة النساء حملت معنى إباحة شرب الخمر في غير وقت الصلاة و تم نسخ الحكم منها بموجب آية التحريم وبهذا يثبت النسخ من الآية (43) من سورة النساء بالآية(90 ) من سورة المائدة وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم الحد في شارب الخمر بعدها وكذلك فعل الصحابة رضوان الله عليهم ولا يمكن العودة إلى الحكم الأول بأي حال من الأحوال لعدم وجود قرينة في هذا الامر هذا والله اعلم