السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤال إلى أهل القرآن والتفسير .
ما هو القول الفصل في من هم الصابئون ؟ (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .. سورة البقرة 62
الأخ الكريم عصام،
إليك هذا الاقتباس من مقال للشيخ بسام جرار يجيب عن سؤالك:
" يزيد عدد الصابئة في العالم اليوم على مائة ألف نسمة، يعيش معظمهم في العراق. وهم يؤمنون بأربعة أنبياء؛ أولهم آدم وآخرهم يحيى، عليهم السلام. وقد اختلف العلماء في معنى (الصابئة)، وربما يكون من الأصوب أن نَرجع إلى لغتهم المسمّاة المندائيّة، حيث تلفظ الغين همزة، فبدل أن يقولوا (صبغ) نجدهم يقولون صبأ. فالصابئة هم إذن الصابغة، وسمّوا بذلك لأنّ مِن أهم طقوسهم الدينية الاصطباغ بالماء، أي التعميد بالمفهوم النصراني".
رأي ابن عاشور في ديانة الصابئة:
"والأظهر عندي أن أصل كلمة الصابي أو الصابئة أوما تفرع منها هو لفظ قديم من لغة عربية أو سامية قديمة هي لغة عرب ما بين النهرين من العراق وفي «دائرة المعارف الإسلامية» أن اسم الصابئة مأخوذ من أصل عبري هو ( ص ب ع ) أي غطس عرفت به طائفة ( المنديا ) وهي طائفة يهودية نصرانية في العراق يقومون بالتعميد كالنصارى .
ويقال الصابئون بصيغة جمع صابىء والصابئة على أنه وصف لمقدر أي الأمة الصابئة وهم المتدينون بدين الصابئة ولا يعرف لهذا الدّين إلا اسم الصابئة على تقدير مضاف أي دين الصابئة إضافةً إلى وصف أتباعه ويقال دين الصابئة . وهذا الدين دين قديم ظهر في بلاد الكلدان في العراق وانتشر معظم أتباعه فيما بين الخابور ودجلة وفيما بين الخابور والفرات فكانوا في البطائح وكَسْكَر في سواد واسط وفي حَرَّان من بلاد الجزيرة .
وكان أهل هذا الدين نَبَطاً في بلاد العراق فلما ظهر الفرس على إقليم العراق أزالوا مملكة الصابئين ومنعوهم من عبادة الأصنام فلم يجسروا بعد على عبادة أوثانهم . وكذلك منع الروم أهلَ الشام والجزيرة من الصابئين فلما تنصر قسطنطين حملهم بالسيف على التنصر فبطلت عبادة الأوثان منهم من ذلك الوقت وتظاهروا بالنصرانية فلما ظهر الإسلام على بلادهم اعتبروا في جملة النصارى وقد كانت صابئة بلاد كَسْكَر والبَطَائح معتبرين صنفاً من النصارى ينتمون إلى النبيء يحيى بن زكرياء ومع ذلك لهم كتب يزعمون أن الله أنزلها على شيث بن آدم ويسمونه ( أغاثاديمون ) ، والنصارى يسمونهم يُوحَنَّاسِية ( نسبة إلى يوحنا وهو يحيى ) .
وجامع أصل هذا الدين هو عبادة الكواكب السيارة والقمر وبعض النجوم مثل نجم القطب الشمالي وهم يؤمنون بخالق العالم وأنه واحد حكيم مقدس عن سمات الحوادث غير أنهم قالوا : إن البشر عاجزون عن الوصول إلى جلال الخالق فلزم التقرب إليه بواسطة مخلوقات مقربين لديه وهي الأرواح المجردات الطاهرة المقدسة وزعموا أن هذه الأرواح ساكنة في الكواكب وأنها تنزل إلى النفوس الإنسانية وتتصل بها بمقدار ما تقترب نفوس البشر من طبيعة الروحانيات فعبدوا الكواكب بقصد الاتجاه إلى رُوحانياتها ولأجل نزول تلك الروحانيات على النفوس البشرية يتعين تزكية النفس بتطهيرها من آثار القوى الشهوانية والغضبية بقدر الإمكان والإقبال على العبادة بالتضرع إلى الأرواح وبتطهير الجسم والصيام والصدقة والطيب وألزموا أنفسهم فضائل النفس الأربع الأصلية ( وهي العفة والعدالة والحكمة والشجاعة ) والأخذَ بالفضائل الجزئية ( المتشعبة عن الفضائل الأربع وهي الأعمال الصالحة ) وتجنب الرذائل الجزئية ( وهي أضداد الفضائل وهي الأعمال السيئة ) . التحرير والتنوير " ج1-ص: 400
اختار شيخ الإسلام القول بأن المراد بهم في الآية :(62) من سورة البقرة الصابئون الحنفاء فقال : ( وهم الصابئون الحنفاء كالذين كانوا من العرب وغيرهم على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق قبل التبديل والنسخ .) ( )
وقد اختار شيخ الإسلام هذا القول بعد دراسة مطولة تحدث فيها عن الصابئة ، وقام بدراسة نادرة عن أنواعهم وعقائدهم كل ذلك ليبين المراد بهم في الآية .
فقد بيّن أن الصابئة نوعان صابئة حنفاء موحدون وصابئة مشركون وبيّن أن الحنفاء منهم كانوا قبل اليهود والنصارى ، وأن منهم الذين كانوا يتبعون ملة إبراهيم إمام الحنفاء ، وبيّن أن الصابئين ابتدعوا بعد ذلك الشرك فصاروا مشركين ، وأن من أولئك المشركين الفلاسفةُ المشركون ، وأمّا قدماء الفلاسفة الذين كانوا يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئاً ويؤمنون بأن الله محدث لهذا العالم ويقرون بمعاد الأبدان ، فأولئك من الصابئين القدماء الحنفاء .وبيّن أن من الصابئة من دخل في دين أهل الكتاب ،وأن من أولئك هيلانة الحرّانية الفندقانية التي كانت قد تنصرت على يد قسيس حرّان والتي هواها ملك الروم أبو قسطنطين ، فتزوجها، فولدت له قسطنطين ، فنصرت ابنها قسطنطين . وهو الذي أظهر دين النصارى ، وبنى القسطنطينية ، وفي زمنه ابتدع النصارى بدعاً في دينهم . وبيّن شيخ الإسلام أن الصابئة الحنفاء كانوا بمنـزلة من كان متبعاً لشريعة التوراة والإنجيل قبل النسخ والتبديل من اليهود والنصارى .كما تحدث شيخ الإسلام عن الصابئة الحرّانيـين الذين أدركهم الإسلام ، وذكر أنهم مشركون يعبدون الكواكب ، ولا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم ، وبيّن أنهم إن أظهروا الإيمان بالنبيين فهو من جنس إيمان الفلاسفة بالنبيين .وذكر أن لهم نبياً على أصلهم يقال له «البابا» وأن له مصحفاً يذكر فيه كثيراً من الأخبار المستقبلة ، ويذكر أن سيدته يعني روحانية الزهرة أخبرته بذلك . وبين شيخ الإسلام أنه اطلع على هذا المصـحف هو وغيره.( )
وله أدلة أخرى يبحث ينظر مظانها
وقد استدل شيخ الإسلام_أيضاً _ بأقوال كبار مفسري السلف ومن له خبرة بأخبار الأمم المتقدمة بسبب علاقة هذه المسألة بالتاريخ ؛فقد استدل بقول وهب بن منبه( ) الذي رواه ابن أبي حاتم ، أنه سُئل عن الصابئين فقال : الذي يعرف الله وحده وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفراً. وذكّر شيخ الإسلام بأن وهب من أعلم الناس بأخبار الأمم المتقدمة ، كما استدل بقول مجاهد عنهم : بأنهم قوم [ من] ( ) المجوس واليهود والنصارى ليس لهم دين . وبيّن شيخ الإسلام أن مراد مجاهد : أنهم ليس لهم شريعة مأخوذة عن نبي . ولم يرد أنهم كفار ؛ فإن الله قد أثنى على بعضهم . واستدل بقول عبد الرحمن بن زيد:هم قوم يقولون لا إله إلا الله فقط، وليس لهم كتاب ولا نبي.( )
انظر : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (3/123) ،وانظر : الفتاوى،ط.ابن قاسم(5/21)، و ط . العبيكان (5/18) ، الرد على المنطقيين (288، 455).الرد على المنطقيين ( 288_289، 454_457، 480_481)
هذه جملة من أقوال أهل العلم قديما وحديثا توضح حقيقة الصابئة كنت كتبتها في كتابي التعليق على الرحيق المختوم أرجو أن يكون فيها الفائدة والنفع . قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله- في التفسير- بعد أن ذكر الخلاف الوارد في حقيقة الصابئة-(1/290) ط.دار طيبة، الإصدار الثاني تحقيق سامي السلامة : (...وأظهر الأقوال- والله أعلم- قول مجاهد ومتابعيه، ووهب بن منبه: أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي، أي: أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك. وقال بعض العلماء: الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم ) .
فقد جاء في تفسيرالقرطبي في تفسير سورة البقرة الآية (62) : (اختلف السلف في الصابئين، فقال قوم: هم منأهل الكتاب، ولا بأس بذبائحهم ومناكحة نسائهم. وقال آخرون: هم قوم يشبه دينهم دين النصارى؛ إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام. وقال آخرون: هم قوم تركب دينهم من اليهودية والمجوسية لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم. وقيل: هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرؤون الزبور،ويصلون الخمس، ثم قال: والذي تحصل من مذهبهم أنهم موحدون معتقدون تأثيرالنجوم...... ولهذا أفتى أهل العلم بكفرهم ).
وفي الموسوعة الميسرة: أن طائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم، والتي تعتبر يحيى نبياًلها هي طائفة المندائية، ويقدسون الكواكب والنجوم. ومن معالم دينهم الاتجاه نحوالقطب الشمالي، وكذلك التعميد في المياه الجارية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الرد على المنطقيين ط6 (ص454 وما بعدها): ( إن الصابئة نوعان: صابئةحنفاء، وصابئة مشركون، فالحنفاء بمنزلة من كان متبعاً لشريعة التوراة والانجيل قبل النسخ والتحريف والتبديل، وهؤلاء حمدهم الله تعالى وأثنى عليهم. وأما الصابئة المشركون: فهم قوم يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور، ويصلون، فهم يعبدون الروحانيات العلوية ) .
قال ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة الناشر: دار الكتب العلمية بيروت – لبنان الطبعة الثانية 1423 هـ - 2002م ( الصابئة أمة كبيرة فيهم السعيد والشقي وهي إحدى الأمم المنقسمة إلى مؤمن وكافر فإن الأمم قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- نوعان: نوع كفار أشقياء كلهم ليس فيهم سعيد كعبدة الأوثان والمجوس، ونوع منقسمون إلى سعيد وشقي وهم اليهود والنصارى والصابئة. وقد ذكر الله سبحانه النوعين في كتابه فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}( البقرة:62) وقال:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ( المائدة:69). وقال في سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج:17) فلم يقل ها هنا: من آمن منهم بالله واليوم الآخر لأنه ذكر معهم المجوس والذين أشركوا فذكر ست أمم منهم اثنتان شقيتان وأربع منهم منقسمة إلى شقي وسعيد وحيث وعد أهل الإيمان والعمل الصالح منهم بالأجر ذكرهم أربع أمم ليس إلا. ففي آية الفصل بين الأمم أدخل معهم الأمتين وفي آية الوعد بالجزاء لم يدخلها معهم فعلم أن الصابئين فيهم المؤمن والكافر والشقي والسعيد وهذه أمة قديمة قبل اليهود والنصارى وهم أنواع: صابئة حنفاء وصابئة مشركون. وكانت حران دار مملكة هؤلاء قبل المسيح ولهم كتب وتآليف وعلوم وكان في بغداد منهم طائفة كبيرة منهم إبراهيم بن هلال الصابئ صاحب الرسائل وكان على دينهم ويصوم رمضان مع المسلمين وأكثرهم فلاسفة ولهم مقالات مشهورة ذكرها أصحاب المقالات....)
وبهذا يتحصل عندنا أن الصابئة عدة مذاهب وفرق - فمنهم من يعتبرون أنفسهم أتباعاً لنوح عليه السلام، - ومنهم من يزعم أنه يتبع يحيى بن زكريا، - ومنهم من لفق له مذهبا من بين اليهودية والنصرانية، - ومنهم من لفق له مذهبا من بين اليهودية والمجوسية.. )
قال الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان في موقعه الإلكتروني: ( فالخلاصة أن الصابئة فرقة موجودة الآن وهي كافرة مرتدة، ومنها فرقة موحدة في أصولها. والموجودة الآن وثنية، ولا تعامل معاملة أهل الكتاب من حيث جواز الزواج من نسائهم المحصنات، أو أكل ذبائحهم . والله أعلم ) .
انظر : الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة .