ما نزل من القرآن.. تصحيحا لما فهم من الصحابة على غير المراد

إنضم
19/07/2003
المشاركات
268
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد:

من المعلوم أن آيات القرآن الكريم من جهة النزول ينقسم إلى قسمين

1. مانزل ابتداء.

2. مانزل لسبب. [ كما نقل السيوطي رحمه الله في الإتقان]

ومن المعلوم أن هذه الأسباب تتنوع وتختلف باختلاف الحوادث.

ومن خلال قراءة في تفاسير بعض الآيات وقفت على بعض الأمثلة في أسباب النزول يجمعها رابط واحد, فأحببت أن

أذكرهاهنا, من باب مدارسة العلم. وقد وضعت لها عنوانا آمل أن أكون قد وفقت فيه.

فأقول -مستعينا بالله- : إن من أسباب النزول: مانزل من القرآن تصحيحا لما فُهِم من الآية على غير المراد من بعض من شاهدوا التنزيل.

فقد كانت الآية تنزل فيفهم منها بعض الصحابة فهما لا تشمله الآية فتنزل آية أو جزء آية تزيل الإشكال, وتبين المعنى الصحيح.

ومن هذه النماذج ما يلي:

1. قوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ..) الآية

قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: لما أنزل الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ }

قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو أفضل الأموال، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند

أحد، فكيف للناس ؟ ! فأنزل الله بعد ذلك: { لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ } [النور: 61] الآية، [وكذا قال قتادة بن دعامة] . (تفسير ابن كثير 2/ 268).

2. في قوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)

قال الطبري رحمه الله: حدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا أبو غسان قال،

حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد، قال: نزلت هذه الآية:"وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيضُ من الخيط الأسود"

فلم ينزل"من الفجر" قال: فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيطَ الأسود والخيط الأبيض،

فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبَّين له. فأنزل الله بعد ذلك:"من الفجر" فعلموا إنما يعني بذلك الليلَ والنهارَ .[الطبري 3 /513].

3. قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان)

قال الطبري رحمه الله: حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا وكيع,وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي عن إسرائيل،

عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما نزل تحريم الخمر قالوا: يا رسول الله، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر؟

فنزلت:"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح"، الآية.

4. في قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ...) الآية.

قال الطبري رحمه الله حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: ثنا أبو ثابت بن ثابت قيس بن الشماس، قال: ثني عمي

إسماعيل بن محمد بن ثابت بن شماس، عن أبيه، قال: لما نزلت هذه الآية( لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ )

قال: قعد ثابت في الطريق يبكي، قال: فمرّ به عاصم بن عديّ من بني العَجلان، فقال: ما يُبكيك يا ثابت؟ قال: لهذه الآية

أتخوّف أن تكون نزلت فيّ، وأنا صيت رفيع الصوت قال: فمضى عاصم بن عديّ إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم

قال: وغلبه البكاء، قال: فأتى امرأته جميلة ابنة عبد الله بن أَبيّ ابن سلول، فقال لها: إذا دخلتُ بيت فرسي

فشدّي على الضبة بمسمار، فضربته بمسمار حتى إذا خرج عطفه وقال: لا أخرج حتى يتوفاني الله، أو يرضى عني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم

قال: وأتى عاصم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فأخبره خبره، فقال: اذْهَبْ فادْعُهُ لي، فجاء عاصم إلى المكان، فلم يجده

فجاء إلى أهله، فوجده في بيت الفرس، فقال له: إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يدعوك، فقال: اكسر الضَّبة

قال: فخرجا فأتيا نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ما يُبكِيكَ يا ثابِتُ ؟

فقال: أنا صيت، وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ( لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ )

فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أما تَرْضَى أنْ تَعيش حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الجَنَّةَ ؟

فقال: رضيت ببُشرى الله ورسوله، لا أرفع صوتي أبدا على رسول الله،

فأنزل الله( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى )... الآية.


فهذه النماذج تبين أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا من الآية غير مرادها فأنزل الله تعالى آية أخرى

تبين المعنى الصحيح أو تزيل اللبس والإشكال..

لكن .. حتى تكتمل الفائدة وتتحرر المسألة لدي بعض الأسئلة أرجو من المشايخ والأعضاء الكرام التفضل بالإجابة عليها.

أولا: هل قول الراوي في هذه الآثار (فنزلت) يعد تعبيرا صريحا في سبب النزول؟

ثانيا: هل هذه النماذج تنطبق على العنوان المذكور؟

ثالثا: هل توجد نماذج أخرى في القرآن في مثل هذا النوع؟

رابعا: إذا جمعت مثل هذه الآثار .. ما هي الفوائد التي يمكن أن نستفيد منها في التفسير وعلوم القرآن؟

في انتظار أجوبتكم وآرائكم...

للفائدة: فإن الآثار والأحاديث التي نقلتها صحيحة بإذن الله صححها الشيخ أحمد شاكر وبعضها في الصحيحين.
 
أخي أبي عبدالرحمن المدني وفقك الله لما فيه رضاه ..
فعن قول الراوي (..فنزلت..) يحتمل أن يكون أن يكون المراد أن قول الصحابة كذا وكذا هو سبب نزول ما بعدها , ويحتمل أن يكون المراد أن الصحابة استعجلوا فهم الآية قبل أن ينزل الإستثناء أو البيان لما أُجملَ إلى غير ذلك فلم يكونوا بقولهم كذا وكذا سبب لنزول الآية , والله أعلم .
والذي يظهر والله أعلم صحة النماذج المذكورة تطبيقاً على العنوان .
وأما عن نماذج أُخر .. فقد جاء في صحيح مسلم قال حدثني محمد بن منهال الضرير وأمية بن بسطام العيشي واللفظ لأمية قالا حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح وهو ابن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير قال فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله عز وجل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال نعم ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال نعم ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به قال نعم واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال نعم .
ولعل هذا الأمر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على احتمال أن أنهم فهموا فهماً خاطًأ وإنما الأمر هنا أمر نسخٍ , ولكن كان لأمر الصحابة شأن في هذا وعليه فلعله يكون أنموذجاً صحيحاً .. والله أعلم
 
ومن الكتب التي فيها نماذج من تصحيح ما فهم على غير المراد على وجه العموم كتاب: (استدراكات السلف في التفسير في القرون الثلاثة الأولى : دراسة نقدية مقارنة) لأخينا الشيخ نايف الزهراني وفقه الله
 
عودة
أعلى