العتب هو الموجدة في النفس
وإليكم هذه الدرر النفيسة جدا عثرت عليها لابن قيم الجوزية
قال الإمام ابن القيم :
وأما استعتبت فهو للطلب , أي طلب الإعتاب, فهو لطلب مصدر الرباعي الذي هو أعتب أي أزال عتبه , لا لطلب الثلاثي الذي هو العتب
فقوله تبارك وتعالى : { وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين } أي إن يطلبوا إعتابنا وإزالة عتبنا عليهم
ويقال : عتب عليه إذا أعرض عنه وغضب عليه .
ثم يقال استعتب السيد عبده : أي طلب منه أن يزيل عتب نفسه عنه بعوده إلى رضاه , فأعتبه عبده : أي أزال عتبه بطاعته .
ويقال : استعتب العبد سيده : أي طلب منه أن يزيل غضبه وعتبه عنه , فأعتبه سيده : أي فأزال عتب نفسه عنه.
وعلى هذا فقوله تبارك وتعالى : { وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين } أي إن يطلبوا إعتابنا , وهو إزالة عتبنا عليهم . فماهم من المزال عنهم , لأن الآخرة لا تقال فيها عثراتهم , و لا تقبل فيها توبتهم .
وقوله تبارك وتعالى : { ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون } أي لا يطلب منهم إعتابنا , وإعتابه تعالى إزالة عتبة بالتوبة والعمل الصالح , فلا يطلب منهم يوم القيامة أن يعتبوا ربهم فيزيلوا عتبه بطاعته واتباع رسله
وكذلك قوله : { فيومئذ لاينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون }
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الطائف : {لك العتبى } هو اسم من الإعتاب لا من العتب , أي أنت المطلوب إعتابه , ولك علي أن أعتبك وأرضيك بطاعتك فافعل ما ترضى به عني وما يزول به عتبك علي, فالعتب منه على عبده والعتبي والإعتاب له من عبده
فههنا أربعة أمور:
الأول: العتب وهو من الله تعالى , فإن العبد لا يعتب على ربه , فإنه المحسن العادل فلا يتصور أن يعتب عليه عبده إلا والعبد ظالم ومن ظن من المفسرين خلاف ذلك غلط أقبح غلط .
الثاني: الإعتاب وهو من الله ومن العبد باعتبارين , فإعتاب الله عبده إزالة عتب نفسه عن عبده وإعتاب العبد ربه إزالة عتب الله عليه والعبد لا قدرة له على ذلك إلا بتعاطي الأسباب التي يزول بها عتب الله تعالى عليه.الثالث: استعتابوهو من الله أيضا ومن العبد بالاعتبارين , فالله تعالى يستعتب عباده أي يطلب منهم أن يعتبوه ويزيلوا عتبة عليهم ومنه قول ابن مسعود وقد وقعت الزلزلة بالكوفة إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه والعبد يستعتب ربه أي يطلب منه إزالة عتبه.
الرابع: العتبي وهي اسم الإعتاب
فاشدد يديك بهذا الفضل الذي يعصمك من تخبيط كثير من المفسدين لهذه المواضع
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: { لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل له فأما محسن فلعله أن يزداد وإما مسيء فلعله أن يستعتب } أي يطلب من ربه إعتابه إياه بتوفيقه للتوبة وقبولها منه فيزول عتبه عليه
والاستعتاب نظير الاسترضاء وهو طلب الرضى وفي الأثر{ إن العبد ليسترضي ربه فيرضى عنه } و { إن الله ليسترضي فيرضى }
لكن الاسترضاء فوق الاستعتاب , فإنه طلب رضوان الله تعالى , والاستعتاب طلب إزالة غضبه وعتبه , وهما متلازمان . انتهى من بدائع الفوائد لابن القيم
..............................................................................................................................
قلت : ومن الأمثلة ماجاء في الأثر : { ولا بعد الموت من مستعتب } بضم الميم لأن الأخرة دار جزاء كما سلف في كلام ابن القيم
وقال أبو ذؤيب الهذلي : ( والدهر ليس بمعتب من يجزع ) يحث على الصبر و أن الدهر لن يسترضي من يتألم علانية
وقال بشر بن أبي خازم
غضبت تميم أن تقتل عامر *** يوم النسار فأعتبوا بالصيلم
يقول متهكما غضب بنو تميم لأجل بني عامر , فاسترضيناهم بالقتل
قلت : وفي لسان العرب :
قال الأَزهري : لومُك الرجلَ على إِساءة كانت له إِليك فاسْتَعْتَبْتَه منها , وكلُّ واحد من اللفظين يَخْلُصُ للعاتِب فإِذا اشتركا في ذلك وذَكَّرَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه ما فَرَطَ منه إِليه من الإِساءة فهو العِتابُ والمُعاتَبة
فأَمَّا الإِعْتابُ والعُتْبَى فهو رُجوعُ المَعْتُوب عليه إِلى ما يُرْضِي العاتِبَ
والاسْتِعْتابُ طَلَبُك إِلى المُسِيءِ الرُّجُوعَ عن إِساءَته