بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما
بارك الله فيكم جميعاً على هذا الحوار المفيد .
سؤال أخي عمارة شندول يقصد من ورائه الحصول على إجابة تفيده بأن مكان تدل على أن لكل آية في القرآن موضعاً ومكانا محدداً حتى يقوي هذا ما يذهب إليه في ما يسميه هو وأستاذه الأستاذ عبدالله جلغوم بالإعجاز العددي في القرآن، والذي لا زلتُ أنتظر منهم دراسة تؤصل هذا العلم ولم أجد بعدُ . فأما أن لكل آية في القرآن مكاناً وموضعاً محدداً فهذا لا شك عندنا فيه ، وترتيب الآيات في السور توقيفي بالإجماع ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأمر كتاب الوحي بوضع الآيات في مواضعها المحددة، وهذه مسألة مفروغ منها في كتب علوم القرآن ، ولم يخالف في ذلك أحدٌ . ولكن الآية التي معنا لا تدل على هذا كما ذهب إليه المفسرون وكما ذكر بعض كلامهم أخي عبدالعزيز الداخل وكلامه لا مزيد عليه لمن يفهم كلام المفسرين ويفهم اللغة العربية .
وأخي عمارة - فيما يظهر لي من موضوعاته - يحب أن يتعلم ، وهو مأجور في ذلك إن شاء الله ، ولكن ليته يسلم لأهل التخصص فيما يقولون ويستفيد ، فيبدو أنه في التفسير مثلي في الرياضيات التي هو متخصص فيها برتبة أستاذ مشارك ، ونحن في التفسير مثله في الرياضيات ، وما لم يحترم أحدنا تخصص الآخر فلا فائدة من العلم والانقطاع له ، فكل أحدٌ يفتي نفسه بنفسه في كل فن دون الدخول في حوارات علمية .
أخي الحبيب،
سمعت مرة محاضرة للاستاذ أحمد نوفل قال فيها : إن السؤال أكبر ابواب العلم.. وأنا يغبطني الفصل كثير الأسئلة لا الفصل الخامد الذي يقبل كل شيء كالآلة..
وأنا أسألك : مالذي يدعوني إلى سؤالكم لو كنت أريد أن أركب رأسي في مثل هذه الأمور ؟
إنما جئتكم متعلما فلا تصدوني..
صحيح أني مختص في أحد فروع الرياضيات.. لكن مالذي يمنعني أن أتعلم غيرها ؟
أليس هذا أمر علماء المسلمين ؟
اذكر عالما واحدا من علماء المسلمين في القرون الأولى لم يكن له باع في كل شيء ؟
فلماذا لا نكون كذلك ؟
إن كانت غلقت أبواب الدين عنا طوال هذه الفترة.. وبقينا نتعلم مما يتيسر لنا الحصول عليه من الكتب.. فكيف تصدوننا وقد وجدنا الشيوخ نتعلم من أفواههم حتى عبر هذا الملتقى مادام لم يتيسر بعد أن نسير إليهم ؟
أما سؤال العلماء في اختصاصاتهم وما غيب عنا.. فهذا واقع ولا شيء فيه.. فقد سأل موسى عليه السلام سيدنا الخضر فيما لا علم له به البتة.. فأحسن صحبته..
وسأل سيدنا ابراهيم ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ؟ فما عتب عليه..
فكيف تعتبون علي أن سألتكم ؟
وقد سألت عن الاستشهاد بالشعر :
هل يستوجب أن نقيد معنى من المعاني بمعنى وارد في بعض كلام العرب ؟
فلم أجد جوابا..
وسألت عن كلام المفسرين :
ماذا يعني مجاهد بقوله : رفعناها وأنزلنا غيرها ؟
وما معنى قول ابن قتيبة والزجاج والنحاس وأبي الليث السمرقندي ؟..
وما معنى كلام أبي السعود ؟..
وسألت عن تركيب الآية :
لماذا قال تعالى : آية مكان آية.. ولم يقل آية بآية ؟..
وكان سؤالي من البداية :
ما الذي يمنع أن يكون من بعض المراد أن يكون لكل آية مكان وموضع في القرآن ؟
ولم أجد جوابا.. بل لعلك ترجع فمن قائل يقول : إنك تخبط خبط عشواء.. إلى منكر علي سؤالي.. وأنت اتهمتني أني أريد أن أنتصر لشيء في نفسي..
أما أنا فأقول إنما أريد أن أثبت ما أرى إن كان حقا أو أعتزله إن كان باطلا..
والواضح مما كتبت سيدي أن لكل آية موضع في القرآن لا ينكر ذلك أحد.. سواء كان ذلك من معاني هذه الآية أو غيرها..
ولي سؤال الآن بعد الأسئلة التي قدمتها :
مادام لكل آية موضع توقيفي فهل يكون ذلك الموضع معجز ؟ أم أنه بإمكاننا أن نركب الآيات تركيبا مكانيا أحسن منه ؟
أما عن التسليم فأنا أسلم لكل من قال قال الله قال رسوله.. أما ما اجتهد فيه فلا يصح التسليم له إلا أن يقنعني..
أما احترام الاختصاص.. فأرى أن منه التكامل في الاختصاص.. بأن يتعلم المختصون من بعضهم.. فإنه من المعلوم أن المختص قد أخذ اللب فيما هو مختص فيه..
هذا وإن تجاوزت حدي في شيء فمعذرة..
يغفر الله لي ولكم
عمارة سعد شندول