ما لا يعرفه الكثيرون عن ابن حزم رحمه الله ...

إنضم
04/02/2006
المشاركات
389
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
العمر
57
الإقامة
مصر
الموقع الالكتروني
www.aldahereyah.net
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وحده...اللهم صل على محمد وعلى آله وبعد..
انتشر على لسان الكثيرين التحذير من لسان الإمام ابن حزم رحمه الله .. وأنه وسيف الحجاج شقيقان ...وأن ابن حزم يضلل من يخالفه ويجعله مبتدعا وكاذبا على الله ومشرعا في دين الله ما لم يشرعه الله ! .... قال الكثيرون ومنهم الذهبي (وكان ابن حزم كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه ومازالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم فطردوه عن بلاده حتى كانت وفاته في قرية له في شعبان من هذه السنة (ذكره الذهبي فى شذرات الذهب )......
إلخ .
فالإمام رحمه الله تعالى لم يطعن في إمام من أئمة الاجتهاد الأربعة أو غيرهم ..ومن ادعى غير هذا فليذكر المكان الذي طعن به في أحد من هؤلاء لنراه ونكشف ما فيه إن كان حقاً هو طعن وشتم وسب أو غيره ..وهناك فرق بين أن أصف القول بأنه باطل أو فاسد أو جنون أو هوى ..وبين أن أصف قائله بذلك ..ومن أدرك هذا ارتاح وأمن من هذه التهمة الباطلة ..
قد يلزم أن يكون هذا القائل مُواقع لذلك الوصف الذي وصفنا به القول ..لكن هذا إن لم يتقدم قولنا في الثناء على قائله ومدحه وعده من أئمة الدين والهدى ..وقد تقدم كلام الإمام فيهم بكلام نفيس غاية في الإنصاف والإحسان والبر ..
وإنما الإمام يتكلم مع خصومه الذين قلدوا هؤلاء الأئمة ..وأبطلوا النصوص الشرعية وكانت حجته أنها مخالفة لإمامهم الذي يقلدونه في دينهم ..فاشتد ذلك على الإمام ودافع عن النصوص وأبطل وشنّع على كل من رد النصوص الصحيحة لأجل نصرة قول إمامه ..
وكل ما يتكلم به الإمام في كتبه متجه إلى القول نفسه ولا علاقة له بالقائل ..خاصة إن كان من أئمة الاجتهاد الذين أثنى عليهم في أكثر من رسالة وموضع وأعلى من شأنهم ..(وسيأتى الكلام عن ذلك بعد قليل)....
وحتى من عاصره وشدد معه القول فعندما شنّع عليهم لترك النصوص لنصرة قول الإمام فلم يسمهم باسمهم في كل ما رد به ..
ولما أتى إلى خصم من خصومه وهو الباجي المالكي أثنى عليه وأنصفه ولم يعيبه في دينه ولا خلقه ..
وكان إذا أراد التشنيع على باطل أو بدعة لم يذكر الأشخاص بأسمائهم في كتبه إلا من اشتهر قوله بباطل أو بدعة ..كالأصم والنظام ومن كان من أمثالهما ..وإن أصرينا على أنه طعن في أحدهم – وهذا لا أجده على كثرة ما تتبعت كتب الإمام - ..
فمن يعترض بهذا يقول ..كلام الأقران في بعضهم ليس بحجة ..فنبطل كلامه في ذلك الشخص مما هو في دينه أو عقله أو غيره ..
وننظر في قول ذلك القائل إن كان صحيحاً أو باطلاً ..فلا يعني إن نفينا تلك التهمة أن نوافق القائل بما جاء به ..
وقد حطّ الثوري على أئمة في الدين فما أنقصهم ذلك ..وحطّ كذلك غيره على أئمة فما عرّاهم من العلم ولا أفسد قولهم ..
فالعبرة بالقول وموافقته للحق اليقيني ..ونسأل من يتجاوز حد الإنصاف ههنا ..إذا كان الإمام يعني بتوهين القول والطعن به ..صاحبه الذي تكلم به ..فلماذا سماهم أئمة هدى ودين وكتب فيهم رسالة خاصة .. ؟! (ستأتى بعد قليل) .
وقد أدرجها البعض في كتابه الإحكام في أصول الأحكام ..
وإن كان الإمام ابن حزم قال كلمة فنحملها على الخطأ بلا تعمد ذلك ..
لما قدّمه من الثناء عليهم والانتساب إليهم ..وإن كان هذا حاكماً على منهج ما لكان الذي سب وشتم الإمام صراحاً بكتابه ناقضاً لمذهبه ..انظر كتاب السيف المجلى في الرد على المحلى للحنفي الهندي ..ولدي نسخة منه وفيه الطعن الصريح والشتم والسب ..
هل نقول أن مذهب أهل الرأي باطل لأجل هذه .. ؟!
حتما لا نقول ..بل نقول أننا نرى بطلانه من وجه آخر وليس هذا وجهه ..
وكذلك يقول أهل الرأي عن منهج أهل الظاهر ..وإلا تحكموا وتلاعبوا في الحقائق ..وقد يذكر هذه الفرية بعض الحاقدين على الإمام أو الجاهلين بهذه الحوادث ..لأجل نقضه لأصولهم وفروعهم ببرهان وقوة لم يألفوها ..
حتى أن بعض مقلدي مالك يقول لأصحابه لا تناقشوا أهل الظاهر .. !وهو أحد هؤلاء الذين كذب على الإمام ابن حزم أو نقل له خبراً مكذوباً ..فقال به وصدع ونشره في كتبه ..
وقد تصدى له العلامة ابن عقيل الظاهري ..جزاه الله عنا وعن أهل الظاهر خير الجزاء ..وقد كان الإمام في زمن تقليد ، ويندر وجود من عاصره وخرج عن هذه الرتبة ..فكلامه في المحلى وغيره لمن عاصروه من أهل التقليد الذين قلما يقرأ أحدهم في كتب السنة ويفرق بين الصحيح والضعيف من الأثر فنافروه لأجل تلك الفضيلة التي عجزوا عن إبطالها ..
ولا حاجة لأهل الظاهر إلى القول أن الإمام كان شديد الغضب وكانت به علة تجعله يكون متسرعاً لضيق في صدره ..
فكلام مثل هذا لا يقول به المنصف ..فالإمام كتب كتبه ولم يكتب في منتديات حوار .. !وكتب كتبه وراجعها واستدرك عليها ..فهل يعقل أن يجد ما يطعن به بإمام من أئمة الهدى ثم لا يغيره .. ؟!فلماذا وجدنا في كتبه التي بين أيدينا قوله : ( ثم استدركنا ، وكنا نقول كذا ، وإلى آخره من هذه النصوص المشعرة بتغيير بعد تدوين ) .. وهناك نماذج عن هذه الأمور من كلام الإمام ..
وأدع الإمام يحكي بنفسه عن هذا ..وقد كذب عليه شخص بعينه خفى عن الإمام أول الأمر ثم عرفه ..ورغم ذلك رد الكذب وشنع عليه ولم يذكره باسمه .
والأنموذج الأول ..
يقول الإمام ابن حزم الظاهري في جواب عن رسالة أتته فيها تعنيف ..
قال الخصم ..(( وهو – أي الإمام ابن حزم – ضعيف الرواية عارٍ من الشيوخ ، وإنما هي كتب حسنها وأتقنها وضبطها ، فمنها مروي مما قد رواها على شيخ أو شيخين لا أكثر ، ومنها كتب مشهورة ثابتة بيده صحيحة مثل المسانيد والمصنفات والصحيح كمسلم والبخاري ، لا يمترى في شيء منها ، ومنها ما قد خفي على المحتج لعدم الراوي لها وقلة استعمالها أو لطروئها وحدوثها في بلدتنا لم يروها علماء بلدنا ، ولا شغلوا بها ، ولا سمعوا بها فيما مضى عمن مضى ، فنافروها ولم يقبلوا عليها ، فهم لا مكذبون لها ولا عاملون بها ، ثم إنهم رأوا فيها تغليب أحاديث قد تُركت وسكت عنها الصحابة والتابعون والعلماء الماضون ، ومخالفة أحكام قد حكم بها السلف الصالح وقضوا بها واستمر الحكم عليها )) ..
فقال الإمام مجيباً ..
(( هذا كلام مخلط في غاية التناقض ، أما قولهم عنا بضعف الرواية والتعري من الشيوخ : فلو كان لهم عقول لأضربوا عن هذا ؛ لأنهم ليسوا من أهل الرواية فيعرفوا قويها من ضعيفها ، ولا اشتغلوا بها قط ساعة من الدهر ، وما يعرفون إلا المدونة على تصحيفهم لها ، وما عرفوا قط من الصحابة رضي الله عنهم رجلاً ولا من التابعين عشرة رجال ، ولا يفرقون بين تابع وصاحب سوى من ذكرنا ، فلا حياء يمنعهم من أن يتعرضوا للكلام في الرواية ، وأكثر المتكلمين في هذا الباب لا يقيمون الهجاء ، ولا يعرفون ما حديث مسند من حديث مرسل ، ولا ثقة من ضعيف ، ولا حديث النبي صلى الله عليه وسلم من كعب الأحبار ، وما منهم أحد يمزج له حديث موضوع مع صحيح فيميزه ، ثم يقولون : عار من الشيوخ ، وهم ما كان لهم شيخ قط – أي في الحديث - ، ولا عمروا لمجلس حديث ، ولا اشتغلوا بتفنيده ، وإنما كان عندهم عبد الملك بن سليمان الخولاني ، فكان شيخاً صالحاً لم يكن أيضاً مكثراً من الرواية ، كان ربما ألم به بعضهم إلمام من لا يدري ما يطلب ، يخرجون من عنده كما دخلوا ، لم يعتدوا قط عنه بكلمة ، ولا اهتبلوا بما يروي بلفظه ، وإنما يقعدون عنده قعود راحة ، إذا لم يكن عليهم شغل ، ثم لم يلبث هؤلاء الخشارة أن نقضوا كذبهم خذلاناً من الله تعالى ، فشهدوا لنا بأنها كتب أتقناها وضبطناها ، منها مروي رويناه عن شيخ وشيخين ، ومنها كتب مشهورة ثابتة بأيدينا مثل المسانيد والمصنفات ، لا يمترون فيها ، وهذا ضد ما حكموا من تعرّينا من الشوخ وضعف الرواية ، فهم لا يدرون ما يقولون ، ولا يبالون بالكذب والفضيجة ، لكنا والله نصفهم بما هم أهله من أنهم ما ضبطوا قط كلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن صاحب ولا عن تابع ، ولا يحسنون قراءة حديث لو وضع بأيديهم ، ولا يفرقون بين جابر بن عبد الله وجابر بن زيد وجابر بن يزيد ، ولا يفرقون بين رأي ورواية ، وأما أن من كتبنا ما خفي على المحتج لعدم الرواي لها وقلة استعمالها فما خفاء العلم على الحمير حجة على أهل العلم ، ولا قلة طلبهم لرواية السنن دليلاً على عدم الراوي ، بل الرواة ولله الحمد موجودون ، فمن أراد الله تعالى به خيراً وفّقه لطلب ما يقرب منه ، ولم يشغله عما يعينه ما لا يعينه وما لا يغني عنه من الله شيئاً ، وكذلك ليس قلة استعمالهم لتلك الكتب عيباً على الكتب ، وإنما العيب في ذلك على من ضيعها ، وحظ نفسه ضيّع لو عقل ، وأما ما ذكروه من طروئها في بلدهم ، فما بلدهم حجة على أهل العلم ، ولكن هكذا يكون إزراء السُكارى على الأصحاء ، واعتراض أهل النقص على أهل الفضل ، والعجب كله قولهم : ( علماء بلدنا ) ، وهذه والله صفة معدومة في بلدهم جملة ، فما يحسنون ولله الحمد لا رأياً ولا حديثاً ولا علماً من العلوم إلا الشاذ منهم النادر ممن هو عندهم مغموز عليه ، (والجاهلون لأهل العلم أعداء ) ومن جهل شيئاً عاداه ، والعجب أيضاً عيبهم كتب العلم بأنهم لم يُسْمع ذكرها عندهم ولا سمعوا بها فيما مضى ، فنافروها ولم يقبلوا عليها ، إن هذا لعجب ، فإذا نافرت كتب العلم هذه الطبقة المجهولة الجاهلة فكان ماذا ؟ لقد أذكرني هذا الجنون ما حكام الأصمعي : فإنه ذكر أنه مر بكناسين على حش ، أحدهما يكيل والثاني يستقي ، والأعلى يقول للأسفل : إن المأموم سقط من عيني مذ قتل أخاه ! فما سقوط هذه الكتب عند هؤلاء الجهال إلا كسقوط المأمون من عين الكناس ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وقولهم أنهم رأوا فيها تغليب أحاديث قد تركت ، فليت شعري من تركها ؟ لئن كان تركها تارك لقد أخذ بها من هو فوقه أو مثله ، وما ضر الحديث الصحيح من تركه ، بل تاركه هو المحروم حظ الأخذ به ، فإما مخطئ مأجور في اجتهاده ، وإما عاص لله تعالى في تقليده في ترك السنة ، وأما قولهم : وسكت عنها الصحابة والتابعون والعلماء الماضون : فقد كذبوا على الصحابة والتابعين ، وعلى العلماء الماضين ، ونسبوا إليهم الباطل ، وكيف سكتوا وهم رووها ونقلوها وأقاموا بها الحجة على من بعدهم كالذي يلزمهم ، أما قولهم : ومخالفة أحكام قد حكم بها السلف الصالح ما خالفوا قط حكماً صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان واحد منهم أو اثنان خالفوا بعض ذلك فقد وافقه عير المخالف ممن هو ربما فوق المخالف له أو مثله ، والحجة كلها هي القرآن والسنة ، لا ترك تارك ولا أخذ آخذ ، والحق حق أخذ به أو ترك ، والباطل باطل أخذ به أو ترك ، وما عدا هذا فهذر وهذيان ، وبالله تعالى التوفيق ، وما نعلق أشد خلافاً لما حكم به الصحابة والتابعون منهم ، كم قصة في الموطأ خاصة لأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وغيرهم رضي الله عنهم خالفوهم ، فمن السلف الصالح إلا هؤلاء لو عقلوا ! ، ونعوذ بالله من الخلان والجبن )) .. رسائل ابن حزم 3/82-83
رد الإمام الكذب والافتراء بالحق والصواب وشنع عليهم لأجل تعمد الكذب هذا ولم يسم الكاتب هذا الذي كتب كتاباً أو رسالة ونشرها ..فمن يقول أنه طعن في أحد صراحة فليذكر هذا القول ..
وأما التشنيع في القول نفسه فهذا ما يقوم به خصوم الإمام ابن حزم الظاهري أيضاً ..أما فرية أن الحكام آذوه لأجل لسانه ففسادها ليس بكلامي أنا ..وإنما بكلام الإمام ابن حزم الظاهري ..
وهو هنا يبطل كل ما قاله من بعده أو من عاصره ليخوف الناظر من منهج أهل الظاهر ..وقد حفظت لنا رسالته هذه هذا المعنى ..وقد قال رحمه الله ..
(( إلى هنا انتهى ما رسموا من السخف ، وقد أوضحنا أنه كله عائد عليهم ، وهم قوم كادونا من طريق المغالبة وإثارة العامة ، فأركس الله تعالى جدودهم ، وأضرع خدودهم ، وله الحمد كثيراً ، وخابوا في ذلك فعادوا إلى المطالبة عند السلطان ، وكتبوا الكتب الكاذبة ، فخيّب الله سعيهم ، وأبطل بغيهم ، وله الشكر واصباً ، وخسئوا في ذلك فعادوا إلى المطالبة عند أمثالهم ، فكتبوا الكتب السخيفة إلى مثل ابن زياد بداينة ، وعبد الحق بصقلية ، فأضاع الله كيدهم ، وفلّ أَيْدَهُم ، وله المن كثيراً والفضل ، فخزوا في ذلك ، ولم يبق لهم وجه إلا مثل هذه السخافة ، فرموا سهمهم الضعيف ، فأظهر الله في ذلك عوارهم ، وأبدى عارهم ، وهو أهل الطول والمنة علينا أبداً ، فعاد جدهم حسيراً ، وحدهم كسيراً ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ))
بهذه الشهادة يعرف من ينصف نفسه وغيره كيف كادوا لهذا الإمام لأجل أنه أعلن أن الشرع في كتابه وسنته هو المرجوع إليه وهو الحق الذي لا يجوز غيره ..وبهذه الشهادة يبطل كل كلام قاله ممن تكلم في ترجمة له وفاته قول الإمام في نفس ما يتكلمون عنه ..
وأرادوا جعله عارياً من العلم والفضل والأدب والخلق بهذه الكذبة المفتراة ..
ويزيد بعضهم أن كتب الإمام حرقت ونحو هذه الجمل للإيهام بشدة ذلك الأمر ..وقد بين الإمام بلسان نفسه كذب كل هذا ..
وسواء حرقت بعض كتبه أو كل كتبه المطبوعة في السوق فلا يعني أن الناس كلهم حرقوا كتبه ..ولا يعني أنهم حرقوا ما كان عنده وعند كل أحد في بيته من كتبه ..فلا يعدو الإحراق الذي يذكرونه حرق كتب أو بعضها في السوق من بعضهم ..فكل من حرقها حرقها تقليداً وكيداً ككيد النساء أو جهلاً ..
وما ضر علم حرق كتب حملته ..وكما حرقوا بعض كتب الإمام أتى زمان بعده حرق فيه الحاكم كتب المذاهب ..فحرقة بحرقة ..
والله سبحانه هو الديان ..فهل يقولون أن هذا التحريق لكتبهم كان يدل على فساد ما فيها .. ؟!
فإن قالوا كذلك أبطلوا هذه الفرية ..ولله تعالى الحمد وله المنة ..
أما طرده من بلده لأجل القول بالظاهر فلا يصح هذا ..
وإنما كان خروج الإمام عن بلده لأجل أمر سياسي وليس هذا ..
عندما أخذ الحكم من كان الإمام ضده ويخالفه في مسألة الحكم ..فخرج إلى بلدة أخرى يحكمها من يعرفه الإمام لئلا يأخذه هذا الحاكم بالباطل ..وقد أثبت هو في كتابه طوق الحمامة بعض هذه الأحداث وفي غيره ..
وكذلك كان قد سجنه أحدهم لأجل أمر سياسي لا علاقة له بمنهجه الظاهري ..
ولا يثبت هذا عنه أصلاً ..إنما هي حكايات تروى عند بعض المتأخرين من الإخباريين ولا يصح منها شيء ..فقد أبطل الإمام بكلامه السابق أن يكون ابن عباد وغيره قد آذوه لأجل قوله بالظاهر ..ولو كان هذا النص عن الإمام مالك أو الشافعي أو أحمد لما رضي مقلدوه أن نقول عليه بقول الإخباريين وقد وجد نص كلامه في نفس الحادثة ..
وهذا يستحلون التشنيع به على الإمام ولا يستحلون التشنيع به إن كان عن إمام يقلدوه ..فالحق والإنصاف أن نأخذ قول صاحب العلاقة في كلامنا ..لا أن نهمل كلامهم ونأتي بكلام مفسر أو مؤرخ أو أصولي في صاحب ذلك القول ..فما عدا ذلك تناقض وقول بالباطل والكذب ..
فإن جهل أحدهم هذا النص وغيره مما كتبه الإمام في هذه الحوادث فعذره أنه جاهل بهذه الحادثة ..
أما الذي يعلم فيردد هذه الكذبة فهو كذاب مفتر ..نسأل الله السلامة والعفو والعافية ..
الأنموذج الثاني ..
وهو في الرسالة الثانية التي عنّف فيها كاتبها على الإمام كذلك حملت بين حروفها الكذب والتشنيع ..
ويظهر من خلال النصوص أن الإمام عرف كاتبها وكاتب التي نقلت منها لكنه رحمه الله لم يسم أحدهما باسمه ..
وهذه من فضائله ..
وقد قال له خصمه في الرسالة الثانية ..
(( أرجو أن يريح الله منك العباد والبلاد )) ..فقال الإمام رحمه الله ..
(( فإنما يريح الله من الكافر العاند عن كلام الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، أما المؤمن فمستريح ، وما أقول لك إلا كما قال جرير :
تمنى رجال أن أموت ، وإن أمت * * * فتلك طريق لست فيها وحدي ..
لعل الذي يبغي وفاتي ويرتجي * * * بها قبل موتي أن يكون هو الردي ..
والله لئن مت ما أسد قبوركم ، ولا أوفر عليكم رزقاً ، ولأردن على رب رحيم ، وشفيع مقبول ، لأني كنت تبع كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، لا أتخذ دونهما وليجة ، لكن إن مت أنت ، فتقدم والله على رب خالفت كتابه ، وعلى نبي اطرحت أوامره ظهرياً ، وأطعت غيره دونه ، فأعدّ للمسألة جواباً ، وللبلاء جلباباً ، وسترد فتعلم ، ولا عليك إن مت عاجلاً أو تأخر موتي ، فلقد أبقى الله تعالى لك ولأمثالك مما أعانني الله ووفقني له حزناً طويلاً ، وخزياً جزيلاً ، وكسراً لكل رأي وقياس ، ونصراً للسنة مؤزراً ، ولينصرن الله من ينصره ، فهل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ؟!
وبعد ، فلتطب نفسك بعد أن تذيقها برد اليأس ، على أن تعارض بهوس ما في تلك الرسالة الحق الواضح ، وكيف تعارض نص القرآن والسنة ؟ هيهات من ذلك ، فاقصر هو أروح لك ، وأجمل بك إن شاء الله تعالى ، والسلام على من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته ، عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على سيدنا محمد وآله ، وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل . ))
انتهت رسالته الثانية وهي في رسائل ابن حزم 3/127-128
وهذه الفرية التي ادعوها أنه كان كثير الوقيعة في الأئمة ..ليس هذا إلا للتنفير من قوله ..
فيتوهم القارئ لكلامهم أن هذا الرجل يطعن في أئمة الدين فلا بد أن يكون جاهلاً أو داعياً إلى باطل أو بدعة ..
فيجتنب قوله ولا يلتفت إلى حجته ..
وقد كشف الله هذه الكذبة وعرّاها بكلام الإمام نفسه ..
واستمر من يعمل بالظاهر قرناً بعد قرن ..
خفي علينا أمره أو ظهر فلا فرق ..
فالله تعالى وحده الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..
وهو الهادي والعاصم من القول في دينه بالرأي المجرد والظن ونسبة ذلك الظن إلى الدين .. ..
وبالله تعالى التوفيق ..والحمد لله رب العالمين ..
 
نعوده إلى كلامه عن أئمة الاجتهاد وإنصافهم رحمهم الله جميعاً :
ابن حزم أول من تكلم عن أسباب اختلاف الفقهاء (بعد عصر ظهور الأئمة أصحاب المذاهب المتبوعة كمالك والشافعى وأحمد وداود) ...وبين أن أكبر سبب لذلك هو تفاوتهم في جمع ومعرفة الحديث .. وأنه لا يظن بأحدهم تعمد مخالفة الحديث الصحيح أو تفضيل الرأي عليه ....وقد سبق في ذلك علماء القرن السابع كابن تيمية فى رسالته (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وابن القيم في بعض كتبه ...رحم الله الجميع...
راجع الرسالة الباهرة وحملها من الرابط http://www.aldahereyah.net/books/open.php?cat=1&book=21
ويقول في الإحكام وهو يتكلم عن أسباب اختلاف الفقهاء
فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الائمة في صدر هذه الامة فإن قيل: فعلى أي وجه ترك هو ومن قبله كثيرا من الاحاديث ؟ قيل له وبالله التوفيق: وقد بينا هذا فيما خلا، ولكن نأتي بفصول تقتضي تكرار ما قد ذكر فلا بد من تكراره، وذلك أن مالكا وغيره بشر ينسى كما ينسى سائر الناس، وقد تجد الرجل يحفظ الحديث ولا يحضره ذكره حتى يفتي بخلافه، وقد يعرض هذا في آي القرآن، وقد أمر عمر على المنبر بألا يزاد في مهور النساء على عدد ذكره، فذكرته امرأة بقول الله تعالى: وآتيتم احداهن قنطارا فترك قوله وقال: كل أحد أفقه منك يا عمر، وقال: امرأة أصابت وأمير المؤمنين أخطأ، وأمر برجم امرأة ولدت لستة أشهر، فذكره علي بقول الله تعالى وحمهله وقصاله ثلاثون شهرا مع قوله تعالى: * (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين فرجع عن الامر برجمها.
وهم أن يسطو بعيينة بن حصن، إذ قال له: يا عمر ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل.
فذكره الحر بن قيس بن حصن بن حذيفة بقول الله تعالى: واعرض عن الجاهلين وقال له: يا أمير المؤمنين هذا من الجاهلين فأمسك عمر.
وقال يوم مات رسول الله (ص): والله ما مات رسول الله (ص) ولا يموت حتى يكون آخرنا، أو كلاما هذا معناه، حتى قرئت عليه: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * فسقط السيف من يده وخر إلى الارض.
وقال: كأني والله لم أكن قرأتها قط.
فإذا أمكن هذا في القرآن، فهو في الحديث أمكن، وقد ينساه البتة، وقد لا ينساه بل يذكره، ولكن يتأول فيه تأويلا فيظن فيه خصوما أو نسخا أو معنى ما، وكل هذا لا يجوز اتباعه إلا بنص أو إجماع، لانه رأي من رأى ذلك، ولا يحل تقليد أحد ولا قبول رأيه.
وقد علم كل أحد أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا حوالي رسول الله (ص) بالمدينة مجتمعين، وكانوا ذوي معايش يطلبونها، وفي ضنك من القوت شديد - قد جاء ذلك منصوصا - وأن النبي (ص) وأبا بكر وعمر أخرجهم الجوع من بيوتهم، فكانوا من متحرف في الاسواق، ومن قائم على نخلة، ويحضر رسول الله (ص) في كل وقت منهم الطائفة إذا وجدوا أدنى فراغ مما هم بسبيله، هذما لا يستطيع أحد أن ينكره وقد ذكر ذلك أبو هريرة فقال: إن إخواني من المهاجر كان يشغلهم الصفق بالاسواق، وإن إخواني من الانصار كان يشغلهم القيام على نخلهم، وكنت امرأ مسكينا أصحب رسول الله (ص) على مل ء بطني، وقد أقر بذلك عمر فقال: فاتني مثل هذا من حديث رسول الله (ص)، ألهاني الصفق في الاسواق، ذكر ذلك في حديث استئذان أبي موسى فكان رسول الله (ص) يسأل عن المسألة، ويحكم بالحكم، ويأمر بالشئ ويفعل الشئ، فيعيه من حضره ويغيب بمن غاب عنه.
فلما مات النبي (ص) وولي أبو بكر رضي الله عنه، فمن حينئذ تفرق الصحابة للجهاد، إلى مسيلمة وإلى أهل الردة، وإلى الشام والعراق، وبقي بعضهم بالمدينة مع أبي بكر رضي الله عنه.
فكان إذا جاءت القضية ليس عنده فيها عن النبي (ص) أمر، سأل من بحضرته من الصحابة عن ذلك فإن وجد عندهم رجع إليه وإلا اجتهد في الحكم، ليس عليه غير ذلك، فلما ولي عمر رضي الله عنه فتحت الامصار، وزاد تفرق الصحابة في الاقطار، فكانت الحكومة
تنزل في المدينة أو في غيرها من البلاد، فإن كان عند الصحابة الحاضرين لها في ذلك عن النبي (ص) أثر، حكم به، وإلا اجتهد أمير تلك المدينة في ذلك، وقد يكون في تلك القضية حكم عن النبي (ص) موجود عند صاحب آخر، في بلد آخر.
وقد حضر المديني ما لم يحضر المصري، وحضر المصري ما لم يحضر الشامي، وحضر الشامي ما لم يحضر البصري، وحضر البصري ما لم يحضر الكوفي، وحضر الكوفي ما لم يحضر المديني، كل هذا موجود في الآثار وفي ضرورة العلم بما قدمنا من مغيب بعضهم عن مجلس النبي (ص) في بعض الاوقات وحضور غيره، ثم مغيب الذي حضر أمس وحضور الذي غاب فيدري كل واحد منهم ما حضر، ويفوته ما غاب عنه.
وهذا معلوم ببديهة العقل.
وقد كان علم التيمم عند عمار وغيره.
وجهله عمر وابن مسعود فقالا: لا يتيمم الجنب، ولو لم يجد الماء شهرين وكان حكم المسح عند علي وحذيفة رضي الله عنهما وغيرهم، وجهلته عائشة وابن عمر وأبو هريرة، وهم مدنيون.
وكان توريث بنت الابن مع البنت عند ابن مسعود، وجهله أبو موسى، وكان حكم الاستئذان عند أبي موسى، وعند أبي سعيد وجهله عمر.
وكان حكم الاذن للحائض في أن تنفر قبل أن تطوف، عند ابن عباس وأم سليم، وجهله عمر وزيد بن ثابت، وكان حكم تحريم المتعة والحمر الاهلية عند علي وغيره، وجهله ابن عباس.
وكان حكم الصرف عند عمر وأبي سعيد وغيرهما وجهله طلحة وابن عباس وابن عمر، وكان حكم إجلاء أهل الذمة من بلاد العرب، عند ابن عباس وعمر فنسيه عمر سنين فتركهم حتى ذكر فذكر، فأجلاهم.
وكان علم الكلالة عند بعضهم، ولم يعلمه عمر، وكان النهي عن بيع الخمر عند عمر وجهله سمرة.
وكان حكم الجدة عند المغيرة ومحمد بن مسلمة وجهله أبو بكر وعمر.
وكان حكم أخذ الجزية من المجوس، وألا يقدم على بلد فيه الطاعون، عند عبد الرحمن بن عوف، وجهله عمر وأبو عبيدة وجمهور الصحابة رضوان الله عنهم وكان حكم ميراث الجد عند معقل بن سنان، وجهله عمر.
ومثل هذا كثير جدا، فمضى الصحابة على ما ذكرنا، ثم خلف بعدهم التابعون الآخذون عنهم، وكل طبقة من التابعين في البلاد التي ذكرنا فإذا تفقهوا مع من كان عندهم من الصحابة، وكانوا لا يتعدون فتاويهم، لا تقليدا لهم، ولكن لانهم إنما أخذوا ورووا عنهم، إلا اليسير مما بلغهم عن غير من كان في بلادهم من الصحابة رضي الله عنهم، كاتباع أهل المدينة في الاكثر فتاوى ابن عمر، واتباع أهل الكوفة في الاكثر فتاوى ابن مسعود واتباع أهل مكة في الاكثر فتاوى ابن عباس.
ثم أتى بعد التابعين فقهاء الامصار: كأبي حنيفة، وسفيان، وابن أبي ليلى بالكوفة، وابن جريج بمكة، ومالك وابن الماجشون بالمدينة، وعثمان البتي وسوار بالبصرة، والاوزاعي بالشام، والليث بمصر، فجروا على تلك الطريقة من أخذ كل واحد منهم عن التابعين من أهل بلده فيما كان عندهم، واجتهادهم فيما لم يجدوا عندهم، وهو موجود عند غيرهم، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وكل ما ذكرنا مأجور على ما أصاب فيه حكم النبي (ص) أجرين ومأجور فيما خفي عنه منه أجرا واحدا، وقد يبلغ الرجل مما ذكرنا حديثان ظاهرهما التعارض، فيميل إلى أحدهما دون الثاني بضرب من الترجيحات التي صححنا أو أبطلنا قبل هذا في هذا الباب ويميل غيره إلى الحديث الذي ترك هذا بضرب من تلك الترجيحات كما روي عن عثمان في الجمع بين الاختين، حرمتهما آية، وأحلتهما آية، وكما مال ابن عمر إلى تحريم نساء أهل الكتاب جملة بقوله: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن قال ولا أعلم شركا أعظم من قول المرأة: إ ن عيسى ربها.
وغلب ذلك على الاباحة المنصوصة في الآية الاخرى، وكما جعل ابن عباس عدة الحامل آخر الاجلين من وضع الحمل، أو تمام أربعة أشهر وعشر، وكما تأول بعض الصحابة في الحمر الاهلية أنها إنما حرمت لانها لم تخمس، وتأول آخر منهم أنها حرمت لانها حمولة الناس، وتأول آخر منهم أنها حرمت لانها كانت تأكل العذرة، وقال بعضهم: بل حرمت لعينها، وكما تأول قدامة في شرب الخمر، قول الله تعالى: * (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا فعلى هذه الوجوه ترك مالك ومن كان قبله ما تركوا من الاحاديث والآيات، وعلى هذه الوجوه خالفهم نظراؤهم، فأخذ هؤلاء ما ترك أولئك، وأخذ أولئك ما ترك هؤلاء، فهي وجوه عشرة كما ذكرنا:
أحدها: ألا يبلغ العالم الخبر فيفتي فيه بنص آخر بلغه، كما قال عمر في خبر الاستئذان: خفي علي هذا من رسول الله (ص) ألهاني الصفق بالاسواق.
وقد أوردناه بإسناده من طريق البخاري في غير هذا المكان.
وثانيها: أن يقع في نفسه أن راوي الخبر لم يحفظ، وأنه وهم كفعل عمر في خبر فاطمة بنت قيس، وكفعل عائشة في خبر الميت يعذب ببكاء أهله، وهذا ظن لا معنى له، إن أطلق بطلت الاخبار كلها وإن خص به مكان دون مكان كان تحكما بالباطل.
وثالثها: أن يقع في نفسه أنه منسوخ كما ظن ابن عمر في آية نكاح الكتابيات.
ورابعها: أن يغلب نصا على نص بأنه أحوط وهذا لا معنى له، إذ لا يوجبه قرآن ولا سنة.
وخامسها: أن يغلب نصا على نص لكثرة العاملين به أو لجلالتهم، وهذا لا معنى له لما قد أفدناه قبلا في ترجيح الاخبار.
وسادسها: أن يغلب نصا لم يصح على نص صحيح، وهو لا يعلم بفساد الذي غلب.
وسابعها: أن يخصص عموما بظنه.
وثامنها: أن يأخذ بعموم لم يجب الاخذ به، ويترك الذي يثبت تخصيصه.
وتاسعها: أن يتأول في الخبر غير ظاهره بغير برهان لعله ظنها بغير برهان.
وعاشرها: أن يترك نصا صحيحا لقول صاحب بلغه، فيظن أنه لم يترك ذلك النص إلا لعلم كان عنده.
فهذه ظنون توجب الاختلاف الذي سبق في علم الله عز وجل، أنه سيكون، ونسأل الله تعالى التثبيت على الحق بمنه آمين.))
 
** أمر آخر نسيت أن أقوله وهو أن فى هذه الرسالة (الرسالة الباهرة) يظهر الكلام عن الترمذى وجامعه ويتأكد لك أن ابن حزم أدرك الكتاب عكس ما هو شائع ...
 
عودة
أعلى