ما قيل في التناسب بين فاتحة المصحف وخاتمته

إنضم
26/11/2007
المشاركات
429
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=center]التناسب بين فاتحة المصحف وخاتمته [/align]

هذا مبحث لطيف في بابه حريٌّ أن يحتفى به، ولعله يكون فاتحة للطائف من العلم مخبوءة في صدور الذين أوتوا العلم فيبدونها على منهاج التدبر القويم المتحلي بالنظر الثاقب والفهم الصائب المتخلي عن التكلف المذموم والتعسف المشؤوم.
فكم من كلمة أثارت فكرة، وفكرة أورثت تفكراً، وتفكر أحدث تذكراً، وتذكر أثمر خشية ويقيناً وإخباتاً وتسليماً
سيذكر من يخشى، وإنما يتذكر من ينيب، وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

قالَ عَطِيَّةُ مُحَمَّد سَالِم (ت: 1420هـ): (وإذا كانَ الشيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَد نَبَّهَ على مُراعاةِ خاتِمَةِ الْمُصْحَفِ، فإنا لو رَجَعْنا إلى أوَّلِ الْمُصْحَفِ وآخِرِه لوَجَدْنَا رَبْطاً بَدِيعاً؛ إذ تلك الصفاتُ الثلاثُ في سُورَةِ الناسِ مَوجودةٌ في سُورَةِ الفاتِحَةِ، فاتَّفَقَتِ الخاتِمَةُ معَ الفاتِحَةِ في هذا المعنى العظيمِ؛ إذ في الفاتِحَةِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} و(مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، فجاءَتْ صِفةُ
الرُّبوبيَّةِ والْمُلْكِ والأُلُوهِيَّةِ في لَفْظِ الْجَلالةِ.
وتكونُ الخاتِمَةُ الشريفةُ مِن بابِ عَوْدٍ على بَدْءٍ، وأنَّ القرآنَ كلَّه فيما بينَ ذلك شرْحٌ وبيانٌ لتقديرِ هذا المعنى الكبيرِ.
وسيأتي لذلك زيادةُ إيضاحٍ في النهايةِ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى). [تتمة أضواء البيان: 9/358-359]
وقالَ أيضاً: (أمَّا الوِجهتانِ اللتانِ نَوَّهْنَا عنهما، فالأُولَى بينَ السورتيْنِ، وهي مما أَوْرَدَهُ أبو حَيَّانَ؛ إذ في سُورَةِ الفلَقِ قالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] ورَبُّ الفَلَقِ تُعَادِلُ قولَه: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]؛ لأنه ما مِن مَوجودٍ في هذا الكونِ إلاَّ وهو مَفلوقٌ عن غيرِه.
ففي الزرْعِ: {فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} [الأنعام: 95].
وفي الزمنِ: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} [الأنعام: 96].
وفي الحيوانات: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [النساء: 1].
وفي الْجَماداتِ يُشِيرُ إليه قَوْلُهُ تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: 30-31].
فرَبُّ الفلَقِ تُعَادِلُ ربَّ العالَمِينَ، فقابَلَها في الاستعاذةِ بعُمومِ الْمُستعاذِ منه مِن شَرِّ ما خَلَقَ.
ثم جاءَ ذِكْرُ الْخَاصِّ بعْدَ العامِّ للاهتمامِ به، وهو مِن شَرِّ غاسِقٍ إذا وَقَبَ والنفَّاثاتِ في العُقَدِ وحاسِدٍ إذا حَسَدَ.
فالمُستعاذُ به صِفَةٌ واحدةٌ، والْمُستعاذُ منه عُمومُ ما خَلَقَ جُملةً وتَفصيلاً، بينَما في السُّورَةِ الثانيةِ جاءَ بالْمُستعاذِ به ثلاثَ صفاتٍ، هي صِفاتُ العَظَمَةِ للهِ تعالى: الربُّ والْمَلِكُ والإلهُ.
فقابَلَ الْمُستعاذَ منه، وهو شيءٌ واحدٌ فقط، وهو الوَسواسُ الْخَنَّاسُ، وهذا يَدُلُّ على شِدَّةِ خُطورةِ الْمُستعاذِ منه.
وهو كذلك؛ لأننا لو نَظَرْنَا في واقِعِ الأمْرِ لوَجَدْنَا مَبْعَثَ كلِّ فِتنةٍ ومُنْطَلَقَ كُلِّ شَرٍّ عاجِلاً أو آجِلاً لوَجَدْنَاهُ بسَبَبِ الوَسواسِ الْخَنَّاسِ، وهو مُرْتَبِطٌ بتاريخِ وُجودِ الإنسانِ.
وأوَّلُ جِنايةٍ وَقَعَتْ على الإنسانِ الأَوَّلِ، إنما هي مِن هذا الوَسواسِ الْخَنَّاسِ، وذلك أنَّ اللَّهَ تعالى لَمَّا كَرَّمَ آدَمَ فخَلَقَه بيَدِهِ وأَسْجَدَ الملائكةَ له وأَسْكَنَه الْجَنَّةَ هو وزَوْجُه لا يَجُوعُ فيها ولا يَعْرَى ولا يَظْمَأُ فيها ولا يَضْحَى، يَأكلانِ منها رَغَداً حيثُ ما شاءَا إلاَّ مِن الشجرةِ الْمَمنوعةِ، فوَسْوَسَ إليهما الشيطانُ حتَّى أَكلاَ مِنها ودَلاَّهُمَا بغُرورٍ، حتى أُهْبِطُوا منها جميعاً بعضُهم لبعْضٍ عَدُوٌّ.
وبَعْدَ سُكْنَاهُما الأَرْضَ أَتَى ابْنَيْهِمَا قابيلُ وهابيلُ فلاَحَقَهُما أيضاً بالوَسوسةِ، حتَّى طَوَّعَتْ نفْسُ أحَدِهما قَتْلَ أخِيهِ فأَصْبَحَ مِن النادمينَ.
وهكذا بسَائِرِ الإنسانِ في حياتِه بالوَسوسةِ حتى يُرْبِكَه في الدنيا، ويُهْلِكَهُ في الآخِرَةِ، ولقدِ اتَّخَذَ مِن المرأةِ جِسْراً لكلِّ ما يُريدُ، وها هو يُعِيدُ الكَرَّةَ في نَزْعِ اللِّبَاسِ عن أبَوَيْنَا في الْجَنَّةِ، فيَنْتَزِعُه عنهما في ظِلِّ بيتِ اللَّهِ الحرامِ في طوافِهم قَبْلَ البَعْثَةِ، ولا يَزالُ يُغْوِيهِ، وعن طريقِ المرأةِ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ؛ ليُخْرِجَه عن الاستقامةِ كما أَخْرَجَ أَبَوَيْهِ مِن الْجَنَّةِ.
ولا يَزالُ يُجْلِبُ على الإنسانِ بِخَيْلِه ورَجِلِه بارًّا بقَسَمِه بينَ يَدَيِ اللَّهِ بعِزَّتِه ليُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.
وإنَّ أَخْطَرَ أبوابِ الفَسادِ في الْمُجْتَمَعَاتِ لَهِيَ عن المالِ أوالدَّمِ أو العِرْضِ، كما في الحديثِ في حَجَّةِ الوَداعِ: ((أَلاَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ؛ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا)) إلى آخِرِه.
وهل وُجِدَتْ جِنايةٌ على واحِدٍ منها، إلاَّ مِن تَأثيرِ الوَسواسِ الْخَنَّاسِ؟ اللَّهُمَّ لا.
وهكذا في الآخِرَةِ.
وقد بَيَّنَ تعالَى الموْقِفَ جَلِيًّا في مَقالةِ الشيطانِ البليغةِ الصريحةِ: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22] الآيةَ.
ولقَدْ عَلِمَ عَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ أنَّ أَخْطَرَ سِلاحٍ على الإنسانِ هو الشَّكُّ، ولا طَريقَ إليه إلاَّ بالوَسوسةِ، فأَخَذَ عن إبليسَ مُهِمَّتَه ورَاحَ يُوَسْوِسُ للمسْلِمِينَ في دِينِهم وفي دُنْيَاهُم، ويُشَكِّكُهم في قُدْرَتِهم على الحياةِ الكريمةِ مُسْتَقِلِّينَ عنه، ويُشَكِّكُهم في قُدرتِهم على التَّقَدُّمِ والاستقلالِ الحقيقيِّ، بل وفي استطاعتِهم على الإبداعِ والاختراعِ؛ ليَظَلُّوا في فَلَكِه ودائرةِ نُفُوذِه، فيَبْقَى المسلِمُونَ يَدُورُونَ في حَلْقَةٍ مُفْرَغَةٍ يُقَدِّمُونَ رِجْلاً ويُؤَخِّرُونَ أُخْرَى.
والْمُتَشَكِّكُ في نتيجةِ عَمَلٍ لا يُقْدِمُ عليه أبَداً، بل ما يَبْنِيهِ اليومَ يَهْدِمُه غداً، وقد أَعْلَنَ عن هذه النتيجةِ الخطيرةِ رَئيسُ مؤتَمَرِ الْمُسْتَشْرِقينَ في الشرْقِ الأوسَطِ منذُ أكثَرَ مِن ثلاثينَ عاماً، حينَما انْعَقَدَ المؤتمرُ في بيروتَ لعَرْضِ نتائجِ أعمالِهم ودِراسةِ أساليبِ تَبشيرِهم.
فتَشَكَّى الْمُؤْتَمِرُونَ مِن أنَّ لهم زُهاءَ أربعينَ سَنَةً مِن عَمَلِهم الْمُتَوَاصِلِ لم يَستطيعوا أنْ يُنَصِّرُوا مُسْلِماً واحداً، فقالَ رئيسُ الْمُؤْتَمَرِ: إذا لم نَسْتَطِعْ أنْ نُنَصِّرَ مُسْلِماً، ولكن استَطَعْنَا أنْ نُوجِدَ ذَبْذَبَةً في الرأيِ فقد نَجَحْنَا في عَمَلِنا.
وهكذا مَنْهَجُ العدُوِّ؛ تَشكيكٌ في قضايا الإسلامِ ليُوجِدَ ذَبذبةً في عَقيدةِ الْمُسْلِمينَ، فعنْ طريقِ الْمِيراثِ تارَةً، وعن طريقِ تَعَدُّدِ الزوجاتِ أُخْرَى، وعن دوافعِ القتالِ، وعن استرقاقِ الرَّقِيقِ، وعن وعن.
حتى وُجِدَ مِن أبناءِ الْمُسْلِمينَ مَن يَتَخَطَّى حُدودَ الشكِّ إلى التصديقِ، وأَخَذَ يَدْعُو إلى ما يَدْعُو إليه العَدُوُّ، وما ذاك كُلُّه إلاَّ حَصَادُ ونتائجُ الوَسواسِ الْخَنَّاسِ.
فلا غَرْوَ إذنْ أنْ تُجْمَعَ الصفاتُ الْجَليلةُ الثلاثُ: ربُّ الناسِ، مَلِكُ الناسِ، إِلَهُ الناسِ.
هذه وِجهةُ النظَرِ الأُولَى بينَ سُورَتَيِ الفَلَقِ والناسِ.
أمَّا الوِجهةُ الثانيةُ وهي بينَ سُورَةِ الناسِ ونَسَقِ الْمُصْحَفِ الشريفِ بقَوْلِه تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ (1) الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 1-7].
وفي هذه البدايةِ الكريمةِ بَثُّ الطُّمأنينةِ في القلْبِ الْمُعَبَّرِ عنها بالْحَمْدِ؛ عُنوانِ الرِّضَا والسعادةِ والإقرارِ للهِ بالرُّبوبيَّةِ، ثم الإيمانِ بالبعْثِ والإقرارِ للهِ بِمِلْكِ يومِ الدِّينِ، ثم الالتزامِ بالعِبادةِ للهِ وَحْدَه والالتجاءِ إليه مُستعيناً به، مُستهدياً الصراطَ المستقيمَ، سائلاً صُحْبَةَ الذين أَنْعَمَ عليهم.
ثم يأتي بعدَها مباشَرَةً في أوَّلِ سُورَةِ البَقرةِ: {ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]؛ أي: إنَّ الْهُدَى الذي تَنْشُدُه إلى الصراطِ المستقيمِ فهو في هذا الكتابِ لا رَيْبَ فيه، ثم بَيَّنَ الْمُتَّقِينَ الذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عليهم بقولِه: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 3-4].
ومَرَّةً أُخْرَى للتأكيدِ أولئكَ لا سِوَاهُم على هُدًى مِن رَبِّكَ وأولئكَ هم الْمُفْلِحُونَ.
ثم تَتَرَسَّلُ السُّورَةُ في تقسيمِ الناسِ إلى الأقسامِ الثلاثةِ: مؤمنينَ وكافرينَ ومُذَبْذَبِينَ بينَ بينَ، وهم الْمُنافِقونَ.
ثم يأتي النداءُ الصريحُ، وهو أوَّلُ نداءٍ في الْمُصْحَفِ لعُمومِ الناسِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] ويُقيمُ البراهينَ على استحقاقِه للعِبادةِ، وعلى إمكانِ البَعْثِ بقولِه: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21-22].
وبعدَ تقريرِ الأصْلِ، وهي العقيدةُ، تَمْضِي السُّورَةُ في ذِكْرِ فُروعِ الإسلامِ، فتَشْتَمِلُ على أركانِ الإسلامِ كلِّها وعلى كثيرٍ مِن مَسائلِ الْمُعَامَلاتِ والْجِهادِ، وقَلَّ بابٌ مِن أبوابِ الفِقْهِ إلاَّ وله ذِكْرٌ في هذه السُّورَةِ، ويأتي ما بعدَها مُبَيِّناً لِمَا أُجْمِلَ فيها أو لِمَا يُذْكَرُ ضِمْنَها، وهكذا حتى يَنْتَهِيَ القرآنُ بكَمَالِ الشريعةِ وتَمَامِ الدِّينِ.
ولِمَا جاءَ في وَصْفِ الْمُتَّقِينَ الْمُهْتَدِينَ في أوَّلِ الْمُصْحَفِ أنهم يُؤْمِنُونَ بالغَيْبِ، ومنه الإيمانُ باليومِ الآخِرِ وما فيه مِن حِسابٍ وعِقابٍ وثوابٍ، أمورُ الغَيْبِ تَستلزِمُ اليَقينَ لتَرَتُّبِ الجزاءِ عليه ثَواباً أو عِقَاباً.
والثوابُ والعقابُ هما نَتيجةُ الفِعْلِ والترْكِ.
والفعْلُ والتَّرْكُ: هما مَنَاطُ التكليفِ؛ لأنَّ الإنسانَ يَمْتَثِلُ الأمْرَ رَجاءَ الثوابِ، ويَكُفُّ عن مُتَعَلِّقِ النهْيِ مَخَافَةَ العِقابِ.
فلَكَأَنَّ نَسَقَ الْمُصْحَفِ الشريفِ يُشيرُ إلى ضَرورةِ ما يَجِبُ الانتباهُ إليه، مِن أنَّ القرآنَ بَدَأَ بالْحَمْدِ ثَناءً على اللَّهِ بما أَنْعَمَ على الإنسانِ بإنزالِه، وإرسالِ الرسولِ صاحبِه به، ثم نَقَلَه مِن عالَمِ الدنيا إلى عالَمِ الآخِرَةِ، وهو الأَعْظَمُ قَدْراً وخَطَراً، ثم رَسَمَ له الطريقَ الذي سَلَكَه الْمُهْتَدُونَ أهْلُ الإنعامِ والرِّضَا، ثم أَوْقَفَه عليه ليَسْلُكَ سبيلَهم.
وهكذا إلى أنْ جاءَ به بعْدَ كمالِ البيانِ والإرشادِ والْهِدايةِ، جاءَ به إلى نِهايةِ هذا الصراطِ المستقيمِ، فاسْتَوْقَفَهُ ليقولَ له: إذا اطْمَأْنَنْتَ لهذا الدِّينِ، وآمَنْتَ باللَّهِ ربِّ العالَمِينَ، واعْتَقَدْتَ مَجِيءَ يَوْمِ الدِّينِ، وعَرَفْتَ طريقَ الْمُهْتَدينَ، ورأيتَ أقسامَ الناسِ الثلاثَةَ: مُؤمنينَ وكافرينَ ومُنافقينَ، ونِهايةَ كلٍّ منهم، فالْزَمْ هذا الكتابَ وسِرْ على هذا الصراطِ، ورَافِقْ أهلَ الإنعامِ، وجانِبِ المغضوبَ عليهم والضالِّينَ، واحْذَرْ مِن مَسْلَكِ المنافقينَ الْمُتَشَكِّكِينَ، وحاذِرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِن مُوجِبِ ذلك كلِّه، وهو الوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ، أنْ يُشَكِّكَ في مُتَعَلَّقَاتِ الإيمانِ أو في استواءِ طَرِيقِكَ واستقامتِه، أو في عِصْمَةِ كتابِكَ وكمالِه، وكُنْ على يَقينٍ مِمَّا أنتَ عليه، ولا تَنْسَ خَطَرَه على أبَوَيْكَ مِن قَبْلُ، إذ هما في الْجَنَّةِ دارِ السلامِ ولم يَسْلَمَا منه ودَلاَّهما بغُرُورٍ، فحاذِرْ منه ولُذْ بِي كلَّمَا ألَمَّ بكَ أو مَسَّكَ طائفٌ منه، وكُنْ كسَلَفِكَ الصالِحِ إذا مَسَّهُمْ طائفٌ مِن الشيطانِ تَذَكَّرُوا فإذا هُمْ مُبْصِرونَ.
وقد عَلِمْتَ عَداوتَه لكَ مِن بَعْدُ، وعداوتُه ناشئةٌ عن الْحَسَدِ.
ولَكَأنَّ ارتباطَ السورتيْنِ لَيُشِيرُ إلى مَنْشَأِ تلكَ العَداوةِ وارتباطِها بِهَا التحذيرِ؛ إذ في الأُولَى: ومِن شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَدَ، فحَسَدَ الشيطانُ آدَمَ على إكرامِ اللَّهِ إيَّاه كما أَسْلَفْنَا.
والعدُوُّ الحاسِدُ لا يُرْضِيهِ إلاَّ زَوَالُ النِّعمةِ عن المحسودِ، ولَئِنْ كانَتْ توبةُ آدَمَ هي سَبيلَ نَجَاتِه؛ كما في قَوْلِه تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37].
فنجاتُكَ أيضاً في كَلِمَاتٍ تَستعِيذُ بها مِن عَدُوِّكَ برَبِّ الناسِ مَلِكِ الناسِ إلهِ الناسِ؛ لأنَّ الربَّ هو الذي يَرْحَمُ عِبادَه، ومَلِكَ الناسِ هو الذي يَحْمِيهِم ويَحْفَظُهم ويَحْرُسُهم، وإِلَهَ الناسِ الذي يَتَأَلَّهُونَ إليه ويَتَضَرَّعُونَ ويَلُوذُونَ به سُبحانَه). [تتمة أضواء البيان: 9/364-368]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِِقَاعِيُّ (ت: 885هـ) في تفسير سورة الناس: (مَقْصُودُهَا الاعتصامُ بالإِلَهِ الحقِّ مِنْ شَرِّ الخلقِ الباطنِ، وَاسْمُهَا دالٌّ على ذلكَ؛ لأنَّ الإِنسانَ مَطْبُوعٌ على الشَّرِّ، وَأَكْثَرُ شَرِّهِ بالمَكْرِ وَالخِدَاعِ، وَأَحْسَنُ مِنْ هذا أنَّها للاستعاذةِ مِنَ الشَّرِّ البَاطِنِ المَأْنُوسِ بهِ المُسْتَرْوَحِ إِليهِ، فَإِنَّ الوسوسةَ لا تَكُونُ إِلاَّ بِمَا يُشْتَهَى، وَالناسُ مُشْتَقٌّ مِنَ الأَنَسِ فَإِنَّ أَصْلَهُ أُنَاسٌ، وَهوَ أيضاً اضْطِرَابُ الباطنِ المُشِيرُ إِليهِ الاشتقاقُ مِنَ النَّوْسِ.
فَطَابَقَ حينئذٍ الاسمُ المُسَمَّى، وَمَقْصُودُ هذهِ السورةِ مَعْلُولٌ لمقصودِ الفاتحةِ الذي هوَ المُرَاقَبَةُ، وَهيَ شَامِلَةٌ لجميعِ عُلُومِ القرآنِ التي هيَ مُصَادَقَةُ اللَّهِ وَمُعَادَاةُ الشيطانِ بِبَرَاعَةِ الختامِ وَفَذْلَكَةِ النِّظَامِ، كَمَا أنَّ الفاتحةَ شَامِلَةٌ لذلكَ؛ لأنَّها بَرَاعَةُ الاستهلالِ وَرِعَايَةُ الجلالِ وَالجمالِ، فقد اتَّصَلَ الآخرُ بالأوَّلِ اتِّصَالَ العِلَّةِ بالمعلولِ وَالدليلِ بالمدلولِ وَالمثلِ بالمَمْثُولِ، وَاللَّهُ المَسْؤُولُ في تَيْسِيرِ السُّؤْلِ وَتَحْقِيقِ المَأْمُولِ، فإِنَّهُ الجَوَادُ ذو الطَّوْلِ، وَبهِ يُسْتَعَانُ، وَعليهِ التُّكْلانُ). [نظم الدرر: 8/611]
 
ولعلها الحكمة الإلهية أن يتم تخزين أسرار ترتيب سور القرآن وآياته في هاتين السورتين . وهذا - باعتقادي - وجه من وجوه إعجاز القرآن ؛ لأن ذلك يعني أن القرآن قد اخبر عن أسرار ترتيبه قبل ان يكتمل نزوله .. ولعل تضارب الآراء في مسألة ترتيب سور القرآن ، والاختلاف في عدد آياته تبعا للروايات قد حال دون اكتشاف تلك الحقيقة ..
فالاختلاف في آية البسملة - مثلا - قد حال دون اكتشاف أروع واعظم أسرار
الترتيب القرآني المخزن في هذه الآية ..
كذلك الحال في سورة الفاتحة ..
كذلك الحال في سورة الناس . إن مجيء سورة الناس آخرسور القرآن مؤلفة من 6 آيات هو معجزة قرآنية ..
 
كذلك الحال في سورة الناس . إن مجيء سورة الناس آخرسور القرآن مؤلفة من 6 آيات هو معجزة قرآنية ..

أولاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرجو أن تكون بصحة وعافية.

ثانياً:
ما هو وجه الإعجاز في كون سورة الناس مؤلفة من 6 آيات؟
 
أولاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأرجو أن تكون بصحة وعافية.

ثانياً:
ما هو وجه الإعجاز في كون سورة الناس مؤلفة من 6 آيات؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . الحمد لله .

1- ذكرت سابقا أنه قد تم تخزين إشارات واضحة إلى محاور النظام العددي في القرآن في سورتي الفاتحة والناس ، وهي أربعة أعداد : 19 و 13 و 7 و 6 .
19 : عدد حروف الآية الأولى
13 : عدد حروف الآية الأخيرة
7 : عدد آيات السورة الأولى
6 : عدد آيات السورة الأخيرة
ومن هنا نفهم الحكمة من مجيء سورة الناس مؤلفة من 6 آيات ، ومجيء الآية السادسة فيها مؤلفة من 13 حرفا .
( حول هذه العلاقة يدور كتابي المخطوط - النظام العددي في القرآن - 425
صفحة ) .

2- أساس هذه المحاور الأربعة هو العدد 114 العدد الذي اختاره الله عددا لسور كتابه الكريم .

3- ترتبط سورة الناس بعدد آياتها المحدد بـ 6 ، بعلاقات عددية - كثيرة متشابكة متصلة - محكمة مع سور القرآن ، وآياته ..
يمكن إفراد تلك العلاقات بكتاب مستقل ..

4 - الآية الأخيرة في سورة الناس تمثل نظاما عدديا في القرآن . كما أن الآية الأولى تمثل نظاما عدديا آخر . ( بما يكفي من الأدلة والبراهين ) .

5- فيما يلي مثال واضح - بعيدا عن التفاصيل - على الحكمة من مجيء سورة الناس مؤلفة من 6 آيات :

سور النصف الثاني من القرآن هي السور من المجادلة - إلى سورة الناس ( 58 - 114 ) .
هذه الحقيقة لا مجال للتشكيك فيها او الجدال حولها ..

1- أول هذه السور هي سورة المجادلة المؤلفة من 22 آية ، وآخرها سورة الناس المؤلفة من 6 آيات ..
لاحظ العددين 6 و 22 .. ما السر في هذين العددين ؟
2- عدد الأعداد ابتداء من العدد 6 وانتهاء بالعدد 22 هو 17 .
3-مجموع العددين 6 و 22 هو 28 .
4- هذه الملاحظة توجهنا إلى أين ؟ أليس القرآن يدعونا إلى التدبر والتفكير ؟ وكيف نعرف إن لم نتدبر ونفكر ؟

إذا تدبرنا ترتيب سور النصف الثاني من القرآن ، نلاحظ أن سورة الطارق هي السورة التي تتوسط سور النصف الثاني من القرآن ، أي أن عدد السور قبلها 28 ( 6+22 ) وأن عدد السور بعدها 28 ( 6+22 ) وانها السورة الوحيدة المؤلفة من 17 آية .. أي عدد الأعداد ابتداء من العدد 6 وانتهاء بالعدد 22 ..

5- ما مدى صحة هذا التحليل ؟
إذا أحصينا أعداد الآيات في جميع سور النصف الثاني من القرآن ، فنتائج الإحصاءات ستكون :
المجموعة الأولى :
عدد السور السابقة لسورة الطارق ترتيبا 28 سورة ، وباعتبار أعداد الآيات فهي :
1- 22 سورة عدد الآيات في كل منها يزيد على 17 آية .
2- 6 سور عدد الآيات في كل منها أقل من 17 آية .
لاأظن أن دلالات هذا الإحصاء صعبة التدبر والفهم ..
أعداد الآيات في هذه السور محددة وفق نظام واضح ، وقد تمت الإشارة إليه في سورتي المجادلة والناس ..

المجموعة الثانية :
عدد السور التالية لسورة الطارق في ترتيب المصحف 28 سورة ( 6 + 22 ) وهي :
1- 22 سورة عدد الآيات في كل منها أقل من 17 آية .
2- 6 سور عدد الآيات في كل منها أكثر من 17 .
هذه الحقيقة تؤكد السابقة . وتقوم دليلا على صحتها .

من الواضح أن أعداد الآيات في سور النصف الثاني محسوبة سورة سورة وآية آية ، وأنها جميعا تخضع لنظام محوره العددان 6 و 22 ، وقد تمت الإشارة إليهما في أول وآخر سور النصف الثاني من القرآن ( المجادلة والناس ) ..

وفي وسعنا القول : ليست مصادفة أن يكون عدد آيات سورة المجادلة 22 ، هذا العدد دون سواه .. وليست مصادفة أن يكون عدد الآيات في سورة الناس 6 آيات ..
لقد جاءت هاتان السورتان من هذين العددين ، تنبيها للمتدبرين .. لكأنهما تبوحان بأعداد الآيات في جميع سور النصف الثاني من القرآن .. وتقيمان الدليل على صحة أعداد الآيات في تلك السور ..

بعد إقامة هذا الدليل ، لا حجة لمن يزعم أن ترتيب سور القرآن اجتهادي ....... إن عليه ان يعود إلى الصواب ، وإلى الحق ، هذا إذا كان الحق هدفه الأول .
وإن كان يصر على رأيه ، فليفسر لنا هذا الإحكام في ترتيب هذه السور وأعداد آياتها .. علما أن لدينا المزيد من الأدلة . ( هذه العلاقة هي واحدة من العلاقات العددية المحكمة الرابطة بين سور النصف الثاني من القرآن . ويبدو لنا - كبشر - أن ترتيب هذه السور وأعداد آياتها قد جاء هكذا لإثبات ان عدد آيات سورة الطارق 17 . فإذا تناولنا ترتيب هذه السورة من زاوية أخرى نلاحظ نظاما عدديا جاء لإثبات أن عدد آيات سورة الهمزة هو 9 .. وهكذا ، ... وهذا رد على من يزعم أن ما يتم اكتشافه هو مما يقع في متناول البشر .. الذين يزعمون ذلك لا صلة لهم بترتيب القرآن ، ويحسبون أنهم المدافعون عنه وهم المفترون عليه . )

الأخ الفاضل محب القرآن :
هذا مثال واحد ، وفيه الكفاية .. وأرجو أن يكون واضحا . وأؤكد ثانية أن في ترتيب كل سورة في القرآن دليلا على إعجاز الترتيب القرآني .. ليس هذا كلاما إنشائيا ولا حماسيا وإنما هي الحقيقة . وإذا كانت هذه الحقيقة تهم احدا ، فعليه المبادرة للبحث عنها والتعاون معنا .
 
الأخ الفاضل محب القرآن :
يهمني أن تبدي رأيك في المثال الذي ذكرته لك .. بصدق وصراحة . أترى فيه ما أرى ؟
 
الأخ الفاضل محب القرآن :
يهمني أن تبدي رأيك في المثال الذي ذكرته لك .. بصدق وصراحة . أترى فيه ما أرى ؟

الأخ الفاضل عبد الله جلغوم

أنت تعرف من تعليقاتي السابقة أنني أتحفظ على قضية الإعجاز العددي في القرآن ، لا لأني أنفي أن يكون هناك إعجازاً عددياً في القرآن ـ لأن النفي يحتاج إلى دليل وكذلك الإثبات يحتاج إلى دليل ـ لكن لم أرى فيما طرح في هذا الباب شيئاً مقنعاً ، وهذا قد يكون راجع إلى قصور في فهمي أنا.

أما ما كتبته أنت فمن البداية كنت أرى فيه ما يستحق التوقف عنده ، وسبق وأن قلت لك إذا كنت واثقا مما تكتب فامض ولا تلتفت.

وأما المثال الذي ذكرته فهو جدير بالتأمل ،ولكني لا أستطيع أن أعطيك فيه حكما جازما ، ولعل نظرتي المسبقة وشبه مستقرة في عدم جدوى الكتابة في هذا المضمار حالت بيني وبين إدراك ما في كتابتك من أوجه الصحة.

ولكني أعدك أني إذا توصلت إلى شيء ما بخصوص ما تكتب إيجابا أو سلباً فلن أتردد في إطلاعك عليه .

أرجو لك السداد والتوفيق فيما تكتب.
 
ومن أوجه التناسب بين سورتي الفاتحة والناس :

علاقات محورها الرقم 7 :
1- تتألف سورة الفاتحة من 7 آيات ، وسورة الناس من 6 آيات . المجموع 13 .
إذا استثنيا العدد 13 من عدد آيات القرآن البالغة 6236 آية ، فالباقي هو 6223 ، عدد من مضاعفات الرقم 49 ، فهو يساوي 127 × 49 . ( كما أنه يساوي 127 × 7 × 7 ) .
2- عدد كلمات سورة الفاتحة 29 ، وعدد كلمات سورة الناس 20 . المجموع 49 ( 7 × 7 ) .
3- مجموع أرقام الآيات السبع في سورة الفاتحة 28 ( 1+2+3+4+5+6+7=28 ) ، ومجموع أرقام الآيات الست في سورة الناس هو 21 ( 1+2+3+4+5+6=21 ) . هذا يعني أن مجموع أرقام الآيات في السورتين هو 49 ، أي مماثلا لمجموع كلماتهما .
4- رقم الآية الأولى في القرآن( البسملة ) هو 1 ، ورقم الآية الأخيرة هو 6 ( سورة الناس ) . المجموع 7 .
عدد كلمات الآية الأولى هو 4 ، وعدد كلمات الآية الأخيرة هو 3 ، المجموع 7 .
.. ما ذكرناه حتى الآن يمثل أبسط العلاقات بين السورتين .. ويبقى ما هو أكبر :
ما هو النظام العددي المخزن في الآية الأولى البسملة ؟
ما هو النظام العددي المخزن في الآية الأخيرة ( 6 سورة الناس ) ؟
ما هو النظام العددي المخزن في الآيتين ؟
ما هو النظام العددي المخزن في السورتين ؟
 
أحيي الأخوين الفاضلين - بارك الله فيهما
وأنا من المتحفظين على ما يسمى بالإعجاز العددي لعدم وضوح أصوله وقواعده وما يمكن أن يميز به بين الاجتهاد المقبول والتكلف والتمحل غير المقبول
ولم أجد إجابة شافية للمتحمسين للإعجاز العددي على عدد من المسائل الأصول التي ينبني عليها صحة القول بالأمثلة التي يوردونها من عدمه
وآمل - إن كان ولا بد من توجههم هذا - أن يكثفوا من دراستهم للمسائل الأصول التي هي أسس تقوم عليها تلك الدراسات
ومن أهم هذه الأصول:
1) الموقف الصحيح من اختلاف العدد ، فههنا مثلاً سورة الناس سبع آيات في العدد المكي والشامي ، وست آيات فيما سواهما؛ فهل ستتأثر تلك الدراسات بهذا الخلاف أم إنه خلاف لا يؤثر ، والأمر انتقائي فحسب.
2) الموقف من اختلاف القراءات.
3) المنهج الصحيح في العد، والفرقان بين المنهج الصحيح المعتبر وغيره.
4) القواعد التي يميز بها القارئ بين الاجتهادات المقبولة وغير المقبولة.
5) توافق النظائر ، وهي مسألة مهمة ، لأن المسائل التفصيلية التي تندرج تحت مسائل عامة ينبغي أن يكون للنظير فيها حكم نظيره لئلا يقع الباحث في تهمة التحكم والانتقاء المجرد المبني على توافق النتائج سلفاً
فمثلاً من خلال المثال المذكور آنفاً في سورة الطارق وهو عرض عجيب فعلاً يدل على كثرة عنايتك بهذا الجانب لكن هل يمكن القول بنظيره في سور النصف الأول حتى لا يكون الاختيار مبنياً على الانتقائية المجردة؟
 
أحيي الأخوين الفاضلين - بارك الله فيهما
وأنا من المتحفظين على ما يسمى بالإعجاز العددي لعدم وضوح أصوله وقواعده وما يمكن أن يميز به بين الاجتهاد المقبول والتكلف والتمحل غير المقبول ...............
فمثلاً من خلال المثال المذكور آنفاً في سورة الطارق وهو عرض عجيب فعلاً يدل على كثرة عنايتك بهذا الجانب لكن هل يمكن القول بنظيره في سور النصف الأول حتى لا يكون الاختيار مبنياً على الانتقائية المجردة؟

الأخ الفاضل :
بالنسبة للشق الأول : يتم تحقيق ذلك من خلال عمل مؤسسي ، وجهود فريق من العاملين ، وهو ليس بالأمر الصعب ..
بالنسبة للشق الثاني :
الجواب نعم . سورة العنكبوت هي السورة التي تتوسط سور النصف الأول من القرآن ، وتختزن مفتاح الترتيب في هذه المجموعة من السور ، مع مراعاة أن سورة العنكبوت هي إحدى سور الفواتح ، وبذلك فهي مختلفة عن سورة الطارق ، وهذا ينعكس على نظام الترتيب المخزن في السورة . حيث سيكون باتجاهين .
 
ومن غريب ما قرأت في هذا الموضوع ما ذكره أبو الثناء الآلوسي في تفسيره بقوله: (ثم إنه قيلَ: إنَّ حُروفَ هذه السورةِ غيرَ الْمُكَرَّرِ اثنان وعشرون حَرْفًا، وكذا حروفُ الفاتحةِ، وذلك بعددِ السنينَ التي أُنْزِلَ فيها القرآنُ فلْيُرَاجَعْ.
وبعدَ أن يُوجَدَ الأمرُ كما ذُكِرَ لا يَخْفَى كونُ سِنِي النزولِ اثنتَيْن وعشرينَ سنةً قولاً لبعضِهم، والمشهورُ أنها ثلاثٌ وعشرون ا. هـ.

ومثلُ هذا الرمزِ ما قيلَ: إنَّ أوَّلَ حُروفِه الباءُ وآخرَها السينُ، فكأنه قيلَ بس أي حَسْبَ، ففيه إشارةٌ إلى أنه كافٍ عمَّا سِواهُ، ورُمِزَ إلى قولِه تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقد نَظَمَ ذلك بعضُ الفُرْسِ فقالَ:

[poem= font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
أوَّلُ وآخِرُ قرآنٍ زجه با آمد وسين = يعني اندرد وجهان رهبر ما قرآن بس[/poem]
ومثلُه مِن الرموزِ كثيرٌ.
لكن قيلَ: لا يَنبغِي أن يُقالَ: إنَّ مُرادَ اللهِ عزَّ وجلَّ في هذه السورةِ إلى الاستعانةِ به تعالى شأنُه كما أَرْشَدَ جَلَّ وعلا إليها في الفاتحةِ، بل لا يَبْعُدُ أن يكونَ مُرادُه تعالى على القولِ بأنَّ ترتيبَ السوَرِ بوَحْيِه سُبحانَه مِن خَتْمِ كتابِه الكريمِ بالاستعاذةِ به تعالى مِن شَرِّ الوَسواسِ الإشارةَ كما في الفاتحةِ إلى جلالةِ شأنِ التقوى والرمزِ إلى أنها مِلاكُ الأمرِ كلِّه وبها يَحْصُلُ حُسْنُ الخاتِمَةِ، فسُبحانَه مِن مَلِكٍ جَليلٍ ما أَجَلَّ كَلِمَتَه، وللهِ دَرُّ التنزيلِ ما أَحْسَنَ فاتحتَه وخاتمتَه). [روح المعاني: 29/287-288]

وهذا يصلح مثالاً لما يؤول إليه التكلف
 
عودة
أعلى