ما صحة هذا التفسير؟

إنضم
18/04/2003
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

أحد الإخوة في مجلس علم قال:

سيدنا عيسى يعلم علم اليقين ان الله لا يغفر لمن مات على الشرك فهو لم يطلب دلك من ربه على سبيل الطمع فى المغفرة لهم ولكنه يريد ان يظهر طلاقة قدرة الله فى العداب والمغفرة فهو القادر على كل شىء
المقام مقام تقديس وليس مقام طلب او دعاء ولدلك ختمت الاية فانك انت العزيز الحكيم فلو كان مقام طلب او دعاء لقال الغفور الرحيم ولكنه مقام إجلال..

هل هذا ورد في أحدالتفاسير المعتبر بها؟ وجزاكم الله خيراً
 
أخي الكريم ابن رجب السلفي وفقه الله
أشكرك على انضمامك إلينا وأسأل الله لك النفع والتوفيق ، وأما ما سألت عنه من تفسير هذه الآية الكريمة فأقول :
نعم وردت الإشارة إلى هذا التفسير في العديد من كتب التفسير ، والذي يحضرني منها الآن :
1- قال ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية :( هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل. فإنه الفعال لما يشاء.(لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون).
ويتضمن التبرؤ من النصارى الذين كذبوا على الله ورسوله. وجعلوا لله ندا وصاحبة وولدا ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا. أ.هـ.
أي : إن تعذبهم فإنك تعذب عبادك ، ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل بملكه.
وفيه تنبيه على أنهم استحقوا ذلك لأنهم عبادك ، وقد عبدوا غيرك. وإن تغفر لهم فلا عجز ولا استقباح. لأنك القادر القوي على الثواب والعقاب ، الذي لايثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب.
فإن المغفرة مستحسنة لكل مجرم. فإن عذبتَ فعدلٌ ، وإن غفرت ففضلٌ.
وعدم غفران الشرك هو مقتضى الوعيد ، فلا امتناع فيه لذاته ، ليمتنع الترديد والتعليق بحرف (إن). ويمكن مراجعة تفسير البيضاوي حول هذه النقطة.
وهذا يعني أن المغفرة وإن كانت قطعية الانتفاء بحسب الوجود ، لكنها لما كانت بحسب العقل ، تحتمل الوقوع وعدمه ، استعمل فيها حرف (إن) فسقط ما يتوهم أن تعذيبهم ، مع أنه قطعي الوجود ، كيف استعمل فيه (إن). وإن كما تعلم هي أم أدوات الشرط.
وعدم وقوع العفو بحكم النص والإجماع.
والمعروف عند المعتزلة ولا سيما جمهور البصريين منهم أنهم يرون أن غفران الشرك جائزٌ عقلاً ؛ لأن العقاب للمشرك حق لله تعالى.
2- وقال القاسمي رحمه الله في تفسيره (محاسن التأويل) وهو نص فيما سألتَ عنه – وفقك الله : وبالجملة فليس قوله تعالى:(إن تغفر لهم) تعريضاً بسؤاله العفو عنهم. وإنما هو لإظهار قدرته على ما يريد ، وعلى مقتضى حكمه وحكمته.
ولذا قال :(إنك أنت العزيز الحكيم) تنبيهاً على أنه لا امتناع لأحد عن عزته ، فلا اعتراض في حكمه وحكمته.
3- وقال الرازي في تفسيره عند هذه الآية : قال قومٌ : لو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم ، أشعر ذلك بكونه شفيعاً لهم. فلما قال : فإنك أنت العزيز الحكيم ، دل ذلك على أن غرضه تفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى ، وترك التعرض لهذا الباب من جميع الوجوه.

4- وأختم بما نقله القاسمي عن صاحب (العناية) ملخصاً حول هذه الآية قال : إن ما ظنه بعضهم من أن مقتضى الظاهر (الغفور الرحيم) بدل (العزيز الحكيم ) كما وقع في مصحف عبدالله بن مسعود – فقد غاب عنه سر المقام ؛ لأنه ظن تعلقه بالشرط الثاني فقط ، لكونه جوابه. وليس كما توهم ، بل هو متعلق بهما.
ومن له الفعل والترك عزيز حكيم. فهذا أنسب وأدق وأليق بالمقام.
أو هو متعلق بالثاني ، وإنه احتراس ؛ لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز ينافي القدرة ، أو لإهمال ينافي الحكمة ، فبين أن ثوابه ، وعقابه مع القدرة التامة والحكمة البالغة.

وهذه الآية لها شأن عظيم ، ونبأ عجيب . وقد ورد عن أبي ذر رضي الله عنه فيما أخرجه الإمام أحمد قال:(صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة. فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها :(إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فلما أصبح قلت: يا رسول الله ! لم تزل تقرأ هذه الآية حتى أصبحت. تركع بها ، وتسجد بها ؟
قال : إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي ، فأعطانيها ، وهي نائلة – إن شاء الله – لمن لا يشرك بالله شيئاً). وأخرجه النسائي أيضاً.
وأختم بحديث عبدالله بن عمرو بن العاص في صحيح مسلم :(أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم :(رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني..) الآية. وقول عيسى :(إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي !! وبكى.
فقال الله تعالى : يا جبريل ! اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فاسأله : ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال – وهو أعلم.
فقال الله : يا جبريل ! اذهب إلى محمد ، فقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك).
اللهم إنا نسألك المغفرة والعفو عن الذنوب ، ونستجير بك من عذاب النار يا أكرم الأكرمين ، هذا ما تيسر جواباً لهذا السؤال ، ومن وجد غير ذلك فليذكره ، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، والله أعلم.
 
الكلام المسؤول عنه قريب مما ذكره ابن القيم في مدارج السالكين في كلامه عن منزلة الأدب ، فقد ذكر أمثلة من أدب الأنبياء مع ربهم ، وقال في هذا السياق :

( ثم قال [ يقصد عيسى كما أخبر الله عنه ] : (وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) ولم يقل: الغفور الرحيم وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى. فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم، والأمر بهم إلى النار. فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة. بل مقام براءة منهم. فلو قال: فإنك أنت الغفور الرحيم لأشعر باستعطافه ربه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم. فالمقام مقام موافقة للرب في غضبه على من غضب الرب عليهم. فعدل عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزة والحكمة، المتضمنتين لكمال القدرة وكمال العلم.
والمعنى: إن غفرت لهم فمغفرتك تكون عن كمال القدرة والعلم. ليست عن عجز عن الانتقام منهم، ولا عن خفاء عليك بمقدار جرائمهم، وهذا لأن العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه. ولجهله بمقدار إساءته إليه. والكمال: هو مغفرة القادر العالم. وهو العزيز الحكيم. وكان ذكر هاتين الصفتين في هذا المقام عين الأدب في الخطاب. ) انتهى المراد نقله .
 
عودة
أعلى