مما يفيد كثيرا في فهم القران معرفة أساليب العرب في كلامها,
وقد سألت الشيخ مساعد الطيار- عبر الجوال- عن كتب تفيد القارئ في معرفة أساليب العرب المعينة على فهم القران فنصحني بعدة كتب منها كتاب الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس,
لذا أردت تلخيص أهم ما ورد فيها واقتصرت على ما ذكره مما له علاقة بموضوعنا وهو أساليب العرب المعينة على فهم القران,
والهدف أيها الأحبة هو التالي:
•ربط هذه الأساليب بأمثلة قرآنية على الوجه الصحيح فأرجو من القراء إضافة أمثلة على ما ذكره ابن فارس
•اقتصرت في ذكر الأساليب التي فسر أو بين بها ابن فارس أساليب القران لذا ستجد على كل ما أبقيت من الأبواب مثالا من القران ذكره ابن فارس, وهدفي من عرضها هو معرفة هل ما ذكره ابن فارس صحيح أم لا؟ فإذا وجد أحد القراء خطأ ما من كلام ابن فارس فسأكون شاكرا لو أتحفنا بانتقاداته
•طبعا لن نستعرض جميع الكتاب في هذه المشاركة لكن سأحاول اختصار أهم ما ذكر عبر سلسلة قد تبلغ أربع مشاركات وهذه الأولى:
قال ابن فارس :بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبه نستعين، وصلّى الله تعالى عَلَى محمد وآله.
قال الشيخُ أبو الحسينِ أحمدُ بنُ فارِسَ أدام الله تأييده:
هَذَا الكتاب "الصاحبي" فِي فقه اللغةِ العربيةِ وسننِ العربِ فِي كلامها. وإنَّما عَنْوَنْتُه بهذا الاسم لأنّي لما أَلَّفْتُه أَوْدعْتُه خزانةَ الصَّاحبِ الجليل ......
حتى قال:
باب الأسماء التي تسمى بِهَا الأشخاص عَلَى المُجاوَرَة والسَّبب
قال علماؤنا: العرب تسمّي الشيءَ باسم الشيءِ إِذَا كَانَ مجاوراً لَهُ أَوْ كَانَ منه بسبب. وذلك قولهم "التيمُّم" لَمَسْح الوجه من الصعيد، وإنما التيمّم الطلب والقصد. يقال" تيمّمتك وتأممتك أي تعمّدتك.
ومن ذَلِكَ تسميتهم السحاب "سماءً" والمطر "سماء" وتجاوزوا ذلك إِلَى أن سموا النبتَ سماءً. قال شاعرهم:
إِذَا نَزَل السماءُ(أي المطر) بأرض قوم
وذكر ناس أنّ من هَذَا الباب قوله جلّ ثناؤه "أنزلَ لكُمْ من الأنعام ثمانية أزواج" يعني خلق. وإنما جاز أن يقول أنزل لأن الأنعام لا تقوم إِلاَّ بالنبات والنبات لا يقوم إِلاَّ بالماء، والله جلّ ثناؤه ينزل الماء من السماء. قال: ومثله "قَدْ أنزلنا عليكم لِباساً" وهو جلّ ثناؤه إنما أنْزَلَ الماء، لكن اللباس من القطن، والقطن لا يكون إِلاَّ بالماء. قال: ومنه جلّ ثناؤه "وليَسْتَعْففِ الَّذِين لا يجدون نكاحاً" إنما أراد والله أعلم - الشيء يُنْكَحُ بِهِ من مَهْر ونَفقة، ولا بد للمتزوج بِهِ منه.
باب الباء
الباء الواقعة موقع "عن" مثل قولهم: "سألت بِهِ" إنما أردت عنه ومنه "سَأَلَ سائِلٌ بعذابٍ واقع". ومنه: وسائِلة بثعلبةَ بنِ سير
والباء الواقعة موقع "من" - فِي قوله جل ثناؤه "عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عبادُ الله" أراد منها. و:
شَرِبَتْ بماء الدُّحْرَضَيْنِ.
وباء المصاحبة - "دخل فلان بثيابه وسيفه" وقوله عزّ وجلّ "وَقَدْ دخلوا بالكفر" ومنه "ذهبت بِهِ" لأنك تكون مصاحباً لَهُ.
قال صاحب هذه المشاركة: :(وقد جاء عن أبي جحيفة في الصحيح( فخرج بلال بوضوء فمن ناضح ونائل)ونقول هذا بالعامية فنقول دخلت بالقهوة على الضيوف ونقصد بهاذ دخلت ومعي القهوة)
وباء السبب - قوله جلّ ثناؤه "والذين هم بِهِ مشركون" أي من أجله. فأما قوله جلّ وعزّ "وكانوا بشركائهم كافرين" فمحتمل أن يكونوا كفروا بِهَا وتبرأوا منها. ويجوز أن تكون باء السبب ، كَأَنَّه قال: "وكانوا من أجل شركائهم كافرين".
والباء الدالّة عن نفس المُخبّر عنه والظاهر أنها لغيره - قولك: "لقيت بفلان كريماً" إنما أردته هو نفسه. ومنه قوله:
وَلَمْ يَشْهَدِ الْهَيْجَا بأَلْوَثَ مُعْصِم.
أراد نفسه.
باب الفاء
وتكون الفاء جواباً للشرط. تقول: "إن تَأتني فحسَنٌ جميل" ومنه قوله جلّ ثناؤه: "والذين كفروا فتعساً لهم" دخلتِ الفاء لأنه جعل الكفر شريطة كَأَنَّه قال: ومن كفر فتعساً لَهُ.
باب الكاف
وتكون الكاف زائدة كقوله: "لَيْسَ كمثله شيء".
قلت:في هذا خلاف والذي رجحه العثيمين أنها ليست زائدة
باب اللام
ومن اللامات لام العاقبة. قوله جل ثناؤه: "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحَزَناً" وَفِي أشعار العرب ذَلِكَ كثير:
جاءت لتُطعمَه لحما ويَفْجَعَـهـا بابنٍ فقد أطعمت لحماً وَقَدْ فجعا
وهي لَمْ تجيء لذلك، كما أنهم لَمْ يلتقطوه لذلك، لكن صارت العاقبة ذَلِكَ.
ومن الباب قوله جلّ ثناؤه: "ربَّنا لِيَضلُّوا عن سَبِيلِكَ" أي: أتيتَهم زينةَ الحياة فأصارهم ذَلِكَ أن ضلُّوا. وكذلك قوله جلّ ثناؤه: "فَتَنَّا بعضهم ببعض ليقولوا..." هي لام العاقبة.
وتكون زائدة. "هم لِرَبّهم يَرْهَبُون" و "للرُّؤْيا تَعْبُرون".
باب الواو
وتكون الواو مُضْمَرَة فِي مثل قوله جلّ ثناؤه: "ولا عَلَى الذينَ إِذَا مَا أتَوْكَ لِتَحْمِلهم قلت: لا أجِدُ مَا أَحْملُكم عَلَيْهِ تولوْا" التأويل: ولا عَلَى الذين - إِذَا مَا أَتوك لتحملهم وقلت: لا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ - تولوا. فجواب الكلام الأول تولّوا.
وتكون بمعنى "رُبّ". نحو "وَقَاتِم الأعْماقِ...".
وتكون بمعنى "مَعَ" كقولهم "اسْتَوى الماءُ والْخشَبة" أي مع الخشبة وأهل البصرة يقولون فِي قوله جلّ ثناؤه: "فأجْمعوا أمْرَكم وشُركاءَكم" معناها مع شركائكم. كما يقال "لو تُركت الناقة وفَصيلها" أي مع فصيلها.
وقال آخرون: أجْمِعوا أمركم وادعوا شركاءكم، اعتباراً بقوله جلّ وعزّ "وادعوا من استطعتم".
وتكون صِلةً زائدةً كقوله جلّ وعزّ "إِلاَّ ولَهَا كتابَ معلوم" المعنى إِلاَّ لَهَا.
وتكون بمعنى "إِذ" كقوله جلّ وعزَ: "وطائفةٌ قَدْ أهَمَّتْهُم" يريد إذ طائفة. وتقول "جيئت وزيدٌ راكب" أي إذ زيد.
وقال قوم: للواو معنيان: معنى اجتماع ومعنى تفرُّق نحو "قام زيد وعمرو". وإن كَانَتْ الواو فِي معنى اجتماع لَمْ تُبَل بأيّهما بَدأتَ. وإن كَانَتْ فِي معنى تَفَرُّق فعمرو قائم بعد زيد.
وذهب آخرون إِلَى أن الواو لا تكون إِلاَّ للجمع. قالوا: إِذَا قلت: "قام زيد وعمرو" جاز أن يكون الأمر وقع منهما جميعاً معاً فِي وقت واحد وجاز أن يكون الأول تقدم الثاني، ونكتة بابِها أنَّها للجمع.
وتكون الواو عَطْفاُ بالبناء عَلَى كلام يُتَوَهَّم، وذلك قولك - إِذَا قال القائل "رأيتُ زيدا عند عمرو" - قلتَ أنتَ "أَوْ هو ممن يُجالسه?".
قال البصريون: معناهُ كَأَنَّ قائلاً قال: "هو ممن يجالسه" فقلتَ أنت "أوَ هو كذاك?".
وَفِي القرآن "أوَ أمِنَ أهلُ القُرى?"
وكذلك قوله جلّ ثناؤه: "إِنَّا لَمَبْعوثُون، أوَ آباؤنا الأولون?" فليس بأو إنما هي واو عطف دخل عَلَيْهَا ألف الاستفهام كأنه لما قيل لهم "إنكم مبعوثون وآباؤكم" استفهموا عنهم.
وتكون الواو مُقحَمةً كقوله جلَّ ثناؤه: "فاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنثْ" أراد - والله أعلم - فاضرب بِهِ لا تحنث، جزماً عَلَى جواب الأمر، وَقَدْ تكون نهياً والأول أجود. وكذلك "مكنّا ليوسُفَ فِي الأرض ولِنُعلّمِهُ" أراد "لنعلمه" وَقَدْ قيل: "ولنعلمه فعلنا ذَلِكَ". وكذلك "وحِفْظاً من كل شيطان" أي "وحفظاً فعلنا ذَلِكَ". وقوله:
فَلمَّا أجَزْنا ساحة الحيِّ وانْتَحى
قيل: هي مُقْحَمة. وقيل: معناه أجزنا وانتحى.
ثُمَّ
ثُمَّ - يكون لِتَراخي الثاني عن الأول: "جاء زيد ثُمَّ عمرو".
وتكوم "ثُمَّ" بمعنى "واو عطف" قال الله جلّ ذِكرهُ: "فإلينا مرْجِعُهم ثُمَّ الله شهيد عَلَى مَا يفعلون" أي وهو شهيد.
وتكون بمعنى التعجّب كقوله جلّ ثناؤه: "ثُمَّ يَطْمَعُ أنْ أزيد" و "ثُمَّ الذين كفروا بربهم يعدلون" وأنشد قطرب أن "ثُمَّ" بمعنى "الواو":
سألت ربيعةَ مَن خَيرُها أباً ثُمَّ أمّاً فقالت لِمَـهْ
ومنه قوله جلّ ثناؤه: "ثُمَّ إنّ علينا بَيانُهُ" فأمّا قوله جلّ وعزّ: "ولقد خلقناكم ثُمَّ صوَّرناكم" فقال قوم معناها: "وصوّرناكم" وقال آخرون: المعنى "ابتدأنا خلقكم" لأنه جلّ ثناؤه ابتدأ خلق آدم عَلَيْهِ السلام من تُراب، ثُمَّ صَوَّره. وابتدأ خلق الإنسان من نُطْفَة ثُمَّ صَوَّره. قالوا: ف "ثُمَّ" علي بابها. قال الله جلّ ثناؤه: "يُوَلُّوكم الأدبار ثُمَّ لا يُنصَرون".
وزعم ناس أن "ثُمَّ" تكون زائدة. قال الله جلّ ثناؤه: "وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُوا، حَتَّى إِذَا ضاقت عليهم الأرضُ بما رَحُبتْ -" إِلَى قوله جلّ ثناؤه - "ثُمَّ تاب عليهم" معناه: "حَتَّى إذا ضاقت عليهم الأرض تاب عليهم" وقوله جل ثناؤه: "خلقكم من طين ثُمَّ قضى أجلاً" وَقَدْ كَانَ قضى الأجل، فمعناه: "أُخْبِرُكم أنّي خليقتُه من طين، ثُمَّ أخبركم أنّي قضَيتُ الأجَل" كما تقول: "كلمتك اليومَ ثُمَّ قَدْ كلمتُك أمسِ" أي إني أخبرك بذاك ثُمَّ أُخبركَ بهذا.
وهذا يكونُ فِي الجُملِ، فأما فِي عطف الاسم عَلَى الاسم، والفعل عَلَى الفعل فلا يكون إِلاَّ مرتّباً أحدُهما بعد الآخر.
ثَمَّ
و"ثمَّ" بمعنى "هُنالك" قال الله جلّ ثناؤه: "وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيماً وملكاً كبيراً".
وقرئتْ: "فإلينا مرجعهم ثَمَّ اللهُ شهِيدٌ" أي: هنالك الله شهيد.
كأين
كأين تكون بمعنى "كم" قال الله جل ثناؤه: "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله" وفيها لغتان: كأين بالهمز والتشديد وكأين بالتخفيف وقد قرئ بهما جميعا قال الشاعر:
وكأين أرينا الموت من ذي تحية إذا ما ازددنا أو أصر لمـأتـم
وسمعت بعض أهل العربية يقول: ما أعلم كلمة يثبت فيها التنوين خطأ غير هذه.
وقد سألت الشيخ مساعد الطيار- عبر الجوال- عن كتب تفيد القارئ في معرفة أساليب العرب المعينة على فهم القران فنصحني بعدة كتب منها كتاب الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس,
لذا أردت تلخيص أهم ما ورد فيها واقتصرت على ما ذكره مما له علاقة بموضوعنا وهو أساليب العرب المعينة على فهم القران,
والهدف أيها الأحبة هو التالي:
•ربط هذه الأساليب بأمثلة قرآنية على الوجه الصحيح فأرجو من القراء إضافة أمثلة على ما ذكره ابن فارس
•اقتصرت في ذكر الأساليب التي فسر أو بين بها ابن فارس أساليب القران لذا ستجد على كل ما أبقيت من الأبواب مثالا من القران ذكره ابن فارس, وهدفي من عرضها هو معرفة هل ما ذكره ابن فارس صحيح أم لا؟ فإذا وجد أحد القراء خطأ ما من كلام ابن فارس فسأكون شاكرا لو أتحفنا بانتقاداته
•طبعا لن نستعرض جميع الكتاب في هذه المشاركة لكن سأحاول اختصار أهم ما ذكر عبر سلسلة قد تبلغ أربع مشاركات وهذه الأولى:
قال ابن فارس :بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبه نستعين، وصلّى الله تعالى عَلَى محمد وآله.
قال الشيخُ أبو الحسينِ أحمدُ بنُ فارِسَ أدام الله تأييده:
هَذَا الكتاب "الصاحبي" فِي فقه اللغةِ العربيةِ وسننِ العربِ فِي كلامها. وإنَّما عَنْوَنْتُه بهذا الاسم لأنّي لما أَلَّفْتُه أَوْدعْتُه خزانةَ الصَّاحبِ الجليل ......
حتى قال:
باب الأسماء التي تسمى بِهَا الأشخاص عَلَى المُجاوَرَة والسَّبب
قال علماؤنا: العرب تسمّي الشيءَ باسم الشيءِ إِذَا كَانَ مجاوراً لَهُ أَوْ كَانَ منه بسبب. وذلك قولهم "التيمُّم" لَمَسْح الوجه من الصعيد، وإنما التيمّم الطلب والقصد. يقال" تيمّمتك وتأممتك أي تعمّدتك.
ومن ذَلِكَ تسميتهم السحاب "سماءً" والمطر "سماء" وتجاوزوا ذلك إِلَى أن سموا النبتَ سماءً. قال شاعرهم:
إِذَا نَزَل السماءُ(أي المطر) بأرض قوم
وذكر ناس أنّ من هَذَا الباب قوله جلّ ثناؤه "أنزلَ لكُمْ من الأنعام ثمانية أزواج" يعني خلق. وإنما جاز أن يقول أنزل لأن الأنعام لا تقوم إِلاَّ بالنبات والنبات لا يقوم إِلاَّ بالماء، والله جلّ ثناؤه ينزل الماء من السماء. قال: ومثله "قَدْ أنزلنا عليكم لِباساً" وهو جلّ ثناؤه إنما أنْزَلَ الماء، لكن اللباس من القطن، والقطن لا يكون إِلاَّ بالماء. قال: ومنه جلّ ثناؤه "وليَسْتَعْففِ الَّذِين لا يجدون نكاحاً" إنما أراد والله أعلم - الشيء يُنْكَحُ بِهِ من مَهْر ونَفقة، ولا بد للمتزوج بِهِ منه.
باب الباء
الباء الواقعة موقع "عن" مثل قولهم: "سألت بِهِ" إنما أردت عنه ومنه "سَأَلَ سائِلٌ بعذابٍ واقع". ومنه: وسائِلة بثعلبةَ بنِ سير
والباء الواقعة موقع "من" - فِي قوله جل ثناؤه "عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عبادُ الله" أراد منها. و:
شَرِبَتْ بماء الدُّحْرَضَيْنِ.
وباء المصاحبة - "دخل فلان بثيابه وسيفه" وقوله عزّ وجلّ "وَقَدْ دخلوا بالكفر" ومنه "ذهبت بِهِ" لأنك تكون مصاحباً لَهُ.
قال صاحب هذه المشاركة: :(وقد جاء عن أبي جحيفة في الصحيح( فخرج بلال بوضوء فمن ناضح ونائل)ونقول هذا بالعامية فنقول دخلت بالقهوة على الضيوف ونقصد بهاذ دخلت ومعي القهوة)
وباء السبب - قوله جلّ ثناؤه "والذين هم بِهِ مشركون" أي من أجله. فأما قوله جلّ وعزّ "وكانوا بشركائهم كافرين" فمحتمل أن يكونوا كفروا بِهَا وتبرأوا منها. ويجوز أن تكون باء السبب ، كَأَنَّه قال: "وكانوا من أجل شركائهم كافرين".
والباء الدالّة عن نفس المُخبّر عنه والظاهر أنها لغيره - قولك: "لقيت بفلان كريماً" إنما أردته هو نفسه. ومنه قوله:
وَلَمْ يَشْهَدِ الْهَيْجَا بأَلْوَثَ مُعْصِم.
أراد نفسه.
باب الفاء
وتكون الفاء جواباً للشرط. تقول: "إن تَأتني فحسَنٌ جميل" ومنه قوله جلّ ثناؤه: "والذين كفروا فتعساً لهم" دخلتِ الفاء لأنه جعل الكفر شريطة كَأَنَّه قال: ومن كفر فتعساً لَهُ.
باب الكاف
وتكون الكاف زائدة كقوله: "لَيْسَ كمثله شيء".
قلت:في هذا خلاف والذي رجحه العثيمين أنها ليست زائدة
باب اللام
ومن اللامات لام العاقبة. قوله جل ثناؤه: "فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحَزَناً" وَفِي أشعار العرب ذَلِكَ كثير:
جاءت لتُطعمَه لحما ويَفْجَعَـهـا بابنٍ فقد أطعمت لحماً وَقَدْ فجعا
وهي لَمْ تجيء لذلك، كما أنهم لَمْ يلتقطوه لذلك، لكن صارت العاقبة ذَلِكَ.
ومن الباب قوله جلّ ثناؤه: "ربَّنا لِيَضلُّوا عن سَبِيلِكَ" أي: أتيتَهم زينةَ الحياة فأصارهم ذَلِكَ أن ضلُّوا. وكذلك قوله جلّ ثناؤه: "فَتَنَّا بعضهم ببعض ليقولوا..." هي لام العاقبة.
وتكون زائدة. "هم لِرَبّهم يَرْهَبُون" و "للرُّؤْيا تَعْبُرون".
باب الواو
وتكون الواو مُضْمَرَة فِي مثل قوله جلّ ثناؤه: "ولا عَلَى الذينَ إِذَا مَا أتَوْكَ لِتَحْمِلهم قلت: لا أجِدُ مَا أَحْملُكم عَلَيْهِ تولوْا" التأويل: ولا عَلَى الذين - إِذَا مَا أَتوك لتحملهم وقلت: لا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ - تولوا. فجواب الكلام الأول تولّوا.
وتكون بمعنى "رُبّ". نحو "وَقَاتِم الأعْماقِ...".
وتكون بمعنى "مَعَ" كقولهم "اسْتَوى الماءُ والْخشَبة" أي مع الخشبة وأهل البصرة يقولون فِي قوله جلّ ثناؤه: "فأجْمعوا أمْرَكم وشُركاءَكم" معناها مع شركائكم. كما يقال "لو تُركت الناقة وفَصيلها" أي مع فصيلها.
وقال آخرون: أجْمِعوا أمركم وادعوا شركاءكم، اعتباراً بقوله جلّ وعزّ "وادعوا من استطعتم".
وتكون صِلةً زائدةً كقوله جلّ وعزّ "إِلاَّ ولَهَا كتابَ معلوم" المعنى إِلاَّ لَهَا.
وتكون بمعنى "إِذ" كقوله جلّ وعزَ: "وطائفةٌ قَدْ أهَمَّتْهُم" يريد إذ طائفة. وتقول "جيئت وزيدٌ راكب" أي إذ زيد.
وقال قوم: للواو معنيان: معنى اجتماع ومعنى تفرُّق نحو "قام زيد وعمرو". وإن كَانَتْ الواو فِي معنى اجتماع لَمْ تُبَل بأيّهما بَدأتَ. وإن كَانَتْ فِي معنى تَفَرُّق فعمرو قائم بعد زيد.
وذهب آخرون إِلَى أن الواو لا تكون إِلاَّ للجمع. قالوا: إِذَا قلت: "قام زيد وعمرو" جاز أن يكون الأمر وقع منهما جميعاً معاً فِي وقت واحد وجاز أن يكون الأول تقدم الثاني، ونكتة بابِها أنَّها للجمع.
وتكون الواو عَطْفاُ بالبناء عَلَى كلام يُتَوَهَّم، وذلك قولك - إِذَا قال القائل "رأيتُ زيدا عند عمرو" - قلتَ أنتَ "أَوْ هو ممن يُجالسه?".
قال البصريون: معناهُ كَأَنَّ قائلاً قال: "هو ممن يجالسه" فقلتَ أنت "أوَ هو كذاك?".
وَفِي القرآن "أوَ أمِنَ أهلُ القُرى?"
وكذلك قوله جلّ ثناؤه: "إِنَّا لَمَبْعوثُون، أوَ آباؤنا الأولون?" فليس بأو إنما هي واو عطف دخل عَلَيْهَا ألف الاستفهام كأنه لما قيل لهم "إنكم مبعوثون وآباؤكم" استفهموا عنهم.
وتكون الواو مُقحَمةً كقوله جلَّ ثناؤه: "فاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنثْ" أراد - والله أعلم - فاضرب بِهِ لا تحنث، جزماً عَلَى جواب الأمر، وَقَدْ تكون نهياً والأول أجود. وكذلك "مكنّا ليوسُفَ فِي الأرض ولِنُعلّمِهُ" أراد "لنعلمه" وَقَدْ قيل: "ولنعلمه فعلنا ذَلِكَ". وكذلك "وحِفْظاً من كل شيطان" أي "وحفظاً فعلنا ذَلِكَ". وقوله:
فَلمَّا أجَزْنا ساحة الحيِّ وانْتَحى
قيل: هي مُقْحَمة. وقيل: معناه أجزنا وانتحى.
ثُمَّ
ثُمَّ - يكون لِتَراخي الثاني عن الأول: "جاء زيد ثُمَّ عمرو".
وتكوم "ثُمَّ" بمعنى "واو عطف" قال الله جلّ ذِكرهُ: "فإلينا مرْجِعُهم ثُمَّ الله شهيد عَلَى مَا يفعلون" أي وهو شهيد.
وتكون بمعنى التعجّب كقوله جلّ ثناؤه: "ثُمَّ يَطْمَعُ أنْ أزيد" و "ثُمَّ الذين كفروا بربهم يعدلون" وأنشد قطرب أن "ثُمَّ" بمعنى "الواو":
سألت ربيعةَ مَن خَيرُها أباً ثُمَّ أمّاً فقالت لِمَـهْ
ومنه قوله جلّ ثناؤه: "ثُمَّ إنّ علينا بَيانُهُ" فأمّا قوله جلّ وعزّ: "ولقد خلقناكم ثُمَّ صوَّرناكم" فقال قوم معناها: "وصوّرناكم" وقال آخرون: المعنى "ابتدأنا خلقكم" لأنه جلّ ثناؤه ابتدأ خلق آدم عَلَيْهِ السلام من تُراب، ثُمَّ صَوَّره. وابتدأ خلق الإنسان من نُطْفَة ثُمَّ صَوَّره. قالوا: ف "ثُمَّ" علي بابها. قال الله جلّ ثناؤه: "يُوَلُّوكم الأدبار ثُمَّ لا يُنصَرون".
وزعم ناس أن "ثُمَّ" تكون زائدة. قال الله جلّ ثناؤه: "وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُوا، حَتَّى إِذَا ضاقت عليهم الأرضُ بما رَحُبتْ -" إِلَى قوله جلّ ثناؤه - "ثُمَّ تاب عليهم" معناه: "حَتَّى إذا ضاقت عليهم الأرض تاب عليهم" وقوله جل ثناؤه: "خلقكم من طين ثُمَّ قضى أجلاً" وَقَدْ كَانَ قضى الأجل، فمعناه: "أُخْبِرُكم أنّي خليقتُه من طين، ثُمَّ أخبركم أنّي قضَيتُ الأجَل" كما تقول: "كلمتك اليومَ ثُمَّ قَدْ كلمتُك أمسِ" أي إني أخبرك بذاك ثُمَّ أُخبركَ بهذا.
وهذا يكونُ فِي الجُملِ، فأما فِي عطف الاسم عَلَى الاسم، والفعل عَلَى الفعل فلا يكون إِلاَّ مرتّباً أحدُهما بعد الآخر.
ثَمَّ
و"ثمَّ" بمعنى "هُنالك" قال الله جلّ ثناؤه: "وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيماً وملكاً كبيراً".
وقرئتْ: "فإلينا مرجعهم ثَمَّ اللهُ شهِيدٌ" أي: هنالك الله شهيد.
كأين
كأين تكون بمعنى "كم" قال الله جل ثناؤه: "وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله" وفيها لغتان: كأين بالهمز والتشديد وكأين بالتخفيف وقد قرئ بهما جميعا قال الشاعر:
وكأين أرينا الموت من ذي تحية إذا ما ازددنا أو أصر لمـأتـم
وسمعت بعض أهل العربية يقول: ما أعلم كلمة يثبت فيها التنوين خطأ غير هذه.