هذا بحث الدكتور الطرهوني -حفظه الله- عن منهج ابن عجيبة في التفسير مستل من رسالته عن التفسير والمفسرين في غرب افريقيا...وهو بحث كامل وصلكم بهوامشه كاملة.
[align=center]تفسير ابن عجيبة الصوفي
من خلال كتابه البحر المديد
الدكتور الطرهوني.
***[/align]
مؤلف هذا التفسير هو أبو العباس أحمد بن محمد بن المهدي ابن عجيبة الأنجري الصوفي الفاسي ت 1224هـ من أهل المنطقة وتوفي ببلدته أنجرة ([1]).
التعريف بالتفسير :
وتفسيره هذا المسمى "البحر المديد في تفسير القرآن المجيد" من التفاسير المخطوطة وقد طبع قديما بدار الثناء للطباعة بمصر سنة 1373هـ جزء من أوله ينتهي عند قوله تعالى ]إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب[ ([2]) . والكتاب تحت الطبع الآن في دار الكتب المصرية . وقد اعتمدت في هذه الدراسة الجزء المطبوع .
المنهج العام للتفسير :
وتفسير البحر المديد تفسير صوفي إشاري لايغفل التفسير بالظاهر وطريقة مؤلفه فيه أنه يقسم السورة إلى مقاطع ثم يقوم بتفسير كل مقطع حسب مايقنضيه الظاهر ويتبع ذلك بالنفسير الإشاري .
وقد ذكرت في ترجمة المصنف السبب الباعث له على تأليف هذا التفسير ، ومما قاله في مقدمته :
...فإن علم تفسير القرآن من أجل العلوم ، وأفضل ما ينفق فيه نتائج الأفكار وقرائح الفهوم ولكن لايتقدم لهذا الخطر الكبير إلا العالم النحرير ، الذي رسخت أقدامه في العلوم الظاهره عربية وتصريفا ، ولغة وبيانا وفقها وحديثا وتاريخا يكون أخذ ذلك من أفواه الرجال ثم غاص في علوم التصوف ذوقًا وحالا ومقالا ، بصحبة أهل الأذواق من أهل الكمال ، وإلا فسكوته عن هذا الأمر العظيم أسلم ، واشتغاله بما يقدر عليه من علم الشريعة الظاهرة أتم ، واعلم أن القرآن العظيم له ظاهر لأهل الظاهر وباطن من لأهل الباطن ، وتفسير أهل الباطن لا يذوقه إلا أهل الباطن ، ولا يفهمه غيرهم ولا يذوقه سواهم ، ولا يصح ذكره إلا بعد تقدير الظاهر ثم يشير إلى علم الباطن بعبارة رقيقه وإشارة دقيقة ، فمن لم يبلغ فهمه لذوق تلك الأسرار ، فليسلم ولا يبادر بالإنكار ، فإن علم الأذواق من وراء طور العقول ، ولا يدرك بتواتر النقول . قال في لطائف المنن : اعلم أن تفسير هذه الطائفة – يعنى الصوفية – لكلام الله وكلام رسوله r بالمعاني الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جاءت الآية له عليه في حرف اللسان وثم أفهام باطنه تفهم من الآية والحديث لمن فتح الله قلبه . وقد جاء أنه عليه السلام قال : لكل آيه ظاهر وباطن ، وحد ومطلع – فلا يصدنك عن تلقى المعاني الغربية منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة : هذا إحالة لكلام الله عز وجل وكلام رسوله r فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لكلام الله لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا ، وهم لا يقولون ذلك ، بل يقرون الظواهر على ظواهرها ومراداتها وموضوعاتها ويفهمون عن الله ماأفهمهم .([3])
وهو ينقل في هذا التفسير عن أساتذة التصوف ومشاهيره مثل أبي العباس المرسي([4]) والقشيري ([5]) وأبي الحسن النوري ([6]) ، وابن الفارض ويقولt ([7]) ، والحلاج ويقول t ([8]) ، وأبي يزيد البسطامي ([9])، وشيخ المشايخ القطب الجيلاني ([10])، وأبي الحسن الشاذلي ([11])، ومحي الدين ابن عربي ([12])، والجنيد ([13])، وذي النون ([14])، وابن الفارض ([15]) ، ورابعة العدوية([16])، والحارث المحاسبي ([17])،ابن أبي مدين ([18])، صاحب الحكم العطائية ([19])، الششتري ([20]) ، وغيرهم .
ومن المصادر التي يحيل عليها من التفاسير تفسير الفاتحة الكبير له ([21]) وينقل عن الرازي ([22])، والبيضاوي ([23])والواحدي والإقليشي ([24]) وابن جزي ([25])، والمحشي الفاسي ([26]) ، والزمخشري ([27]) ، وابن عطية ([28])، والثعلبي ([29]) ، والسيوطي ([30]). كما ينقل عن الغزالي ([31])، وابن البنا ([32])، وغيرهما
المنهج التفصيلي للمؤلف :
أولا : أسماء السور وعدد الآيات والوقوف وبيان المناسبات :
يتعرض ابن عجيبة لعد الآي قوله : قال سيدنا علي كرم الله وجهه : أول سورة نزلت بالمدينة سورة البقرة ،وفيها ستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة ، ومائتان وستة وثمانون آية ، وقيل سبع وثمانون . ([33])
وقد ذكر أسماء الفاتحة وعدد الآيات عند الشافعي ومالك . وهو يحاول الربط بين الآيات بمناسبات مختصرة مثل قوله :
ولما أراد الله تعالى أن يتكلم على الحج قدم الكلام على الأحوال لأنها سبب في وجوبه والوصول إليه . ([34])
وقال : ولما أراد الحق تعالى أن يتكلم عن أحكام الحج قدم الكلام على الهلال لأنه معتبر في الحج أداء وقضاء ([35])
ثانيا : موقفه من العقيدة : هذا هو الباب الأساسي في زيغ هذا التفسير فانظر مثلا إلى قوله في حديثه عن الفاتحة :
حمد نفسه بنفسه ، ومجد نفسه بنفسه ، وعظم نفسه بنفسه ، ووحد نفسه بنفسه ، ولله در السعدوى حيث قال :
[poem=font="Traditional Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ما وحد الواحد من واحد= إذ كل من وحده جاحد
توحيد من ينطق عن نعته= عارية أبطلها الواحـد
توحيده إياه توحيـده= ونعت من ينعته لاحد [/poem]
فقال في تمجيد نفسه بنفسه مترجما نفسه بنفسه : ]الحمد لله رب العالمين[ ([36]).([37]) وهذا انحراف عقدي خطير إن لم يكن كفرا والعياذ بالله لأن "ما" النافية مع "من" تفيد الاستغراق وتنكير لفظة "واحد" تدل على شمول ذلك للرسل صلوات الله عليهم وهم قد وحدوا الله حق توحيده . أما توحيد هؤلاء فلاشك أن الرسل لم يوحدوا به الله لأنه عين الشرك وقد قال تعالى ] ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين[([38]) وقال تعالى عن رسله ] أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده[ ([39])
وقال أيضا مما يوحي بتأثره بوحدة الوجود وهو مايظهر كثيرا في كلامه وإن خالفه غيره :
لا عبرة بظواهر الأشياء وإنما العبرة بالسر المكنون وليس ذلك إلا بظهور الحق وارتفاع عطاياه ، وزوارل أستاره وخفاياه ، فإذا تحقق ذلك التجلى والظهور ، استولى على الأشياء الفناء والدثور ، وانقشعت الظلمات بإشراق النور ، فهناك يبدو عين اليقين ، ويحق الحق المبين ، وعند ذلك تبطل دعوى المدعين ، كما يفهم العامة بطلان ذلك يوم الدين ، حين يكون الملك لله رب العالمين . وليت شعرى أي وقت كان الملك لسواه حتى يقع التقييد ]الملك يومئذ لله[ ([40]) وقوله : ]والأمر يومئذ لله[ ([41]) لولا الدعاوي العريضة من القلوب المريضة .([42])
ويقول :الطريق المستقيم الذي أمرنا الحق بطلبه ، هو طريق الوصول إلى الحضرة ، التي هي العلم بالله على نعت الشهود والعيان ، وهو مقام التوحيد الخاص الذي هو أعلى درجات في التوحيد ، وليس فوقه إلا مقام توحيد الأنبياء والرسل ، ولابد فيه من تربية على يد شيخ كامل عارف بطريقة السير ، قد سلك المقامات تذوقا وكشفا ، وجاز مقام الفناء والبقاء ، وجمع بين الجذب والسلوك ، لأن الطريق عويص ، قليل خطاره ، كثير قطاعه ، وشيطان هذه الطريق فقيه بمقاماته ونوازله ، فلا بد فيه من دليل وإلا ضل سالكه عن سواء السبيل .([43])
أقول : والحمد لله الدليل هو كتاب الله وسنة رسوله r ، والصراط الذي أمرنا بطلبه هو صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، لا الأقطاب والأغواث والمجاذيب !!!
ويقول :ثم افتتح السورة برموز رمز بها بينه وبين حبيبه فقال : ]الم[ ([44]) وقد حارت العقول في رموز الحكماء ، فكيف بالأنبياء ؟ فكيف بالمرسلين ؟ فكيف بسيد المرسلين ؟ فكيف يطمع أحد في إدراك حقائق رموز رب العالمين ؟ قال الصديق رضي الله عنه: في كل كتاب سر وسر القرآن فواتح السور اهـ فمعرفة أسرار هذه الحروف لا يقف عليها إلا الصفوة من أكابر الأولياء ، وكل واحد يلمع له على قدر صفاء شربه .
قال : قلت : والأظهر أنه حروف تشير للعوالم الثلاثة : فالألف لوحدة الذات في عالم الجبروت ، واللام لظهور أسرارها في عالم الملكوت ، والميم لسريان أمدادها في عالم الرحموت ، والصاد لظهور تصرفها في عالم الملك وكل حرف من هذه الرموز يدل على ظهور أثر تصرف الذات في عالم الشهادة فالألف يشير إلى سريان الوحدة في مظاهر الكوان ، واللام يشير إلى فيضان أنوار الملكوت من بحر الجبروت ، والميم يشير والميم يشير إلى تصرف الملك في عالم الملك .
قال جعفر الصادق : لقد تجلى الله تعالى لخلقه في كلامه ولكن لا يشعرون . وقال أيضا وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا عليه ، فلما سرى عنه قيل له في ذلك فقال : مازلت أردد الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته اهـ فدرجات القراءة ثلاث : أدناها : أن يقرأ العبد كأنه يقرأ على الله تعالى واقفا بين يديه ، وهو ناظر له ومستمع منه فيكون حاله السؤال والتملق والتضرع والابتهال ، والثانية : أن يشهد بقلبه كأن الله تعالى يخاطبه بألفاظه ، ويناجيه بإنعامه وإحسانه ، فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم ، والثالثة : أن يرى في كلام المتكلم ، فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ، بل يكون فانيا عن نفسه ، غائبا في شهود ربه ، لم يبق له عن نفسه إخبار ، ولا مع الله غير قرار . فالأولى لأهل الفناء في الأفعال ، والثانية في أهل الفناء في الصفات ، والثالثة لأهل الفناء في الذات ، رضي الله تعالى عنهم ، وحشرنا على مناجيهم ، آمين .
[poem=font="Traditional Arabic,6,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
فلا ترضى بغير الله حبـا = وكن أبدا بعشق واشـتياق
ترى الأمر المغيب ذا عيان = وتحظى بالوصول وبالتلاقي [/poem]
يامن غرق في بحر الذات وتيار الصفات ، ذلك الكتاب الذي تسمعه من أنوار ملوكتنا وأسرار جبروتنا ، لا ريب فيه أنه من عندنا ، فلا تسمعه من غيرنا ]فإذا قرأناه فاتبع قرآنه[ ([45]) فهو هاد لشهود ذاتنا ، ومرشد للوصول إلى حضرتنا لمن اتقى شهود غيرنا ، وغرق في بحر وحدتنا .([46])
ويقول :وقيل لأبي الحسن النوري : ماهذه الأماكن والمخلوقات الظاهرة ؟ فقال : عز ظاهر، وملك قاهر ، ومخلوقات ظاهرة به ، وصادرة عنه ، لا هي متصلة به ، ولا منفصلة عنه ، فرغ من الأشياء ولم تفرغ منه ، لأنها تحتاج إليه وهو لا يحتاج إليها .
كيف تنكرون ظهور نور الحق في الأكوان وتبعدون عن حضرة الشهود والعيان ، وقد كنتم أمواتا بالغفلة وغم الحجاب ، فأحياكم باليقظة والإياب ، ثم يميتكم بالفناء عن شهود ماسواه ، ثم يحييكم بالرجوع إلى شهود أثره بالله ، ثم إليه ترجعون في كل شيء ، لشهود نوره في كل شيء ، وقبل كل شيء ، وبعد كل شيء ، وعند كل شيء ، كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان .
وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله تعالى يا عبدي إنما منحتك صفاتي لتعرفني بها فإن أدعيتها لنفسك سلبتك الولاية ولم أسلبك صفاتي ، يا عبدي أنت صفتي وأنا صفتك فارجع إلي أرجع إليك ، ياعبدي فيك للعلوم باب مفتاحه أنا ، وفيك للجهل باب مفتاحه أنت فاقصد أي البابين شئت … الخ .
ويقول : اعلم أن الروح القائمة بهذا الآدمي ، هي قطعة من الروح الأعظم ، التي هي المعاني القائمة بالأواني ، وهي آدم الأكبر ، والأب الأقدم ، وفي ذلك يقول ابن الفارض :
[align=center] وإني وإن كنت ابن آدم صورة = فلي فيه معنى شاهد بأبوتي [/align]
ويقول :وقال بعض العارفين : الحق تعالى منزه عن الأين والجهة والكيف والمادة والصورة ومع ذلك لا يخلو منه أين ولا مكان ولا كم ولا كيف ولا جسم ولا جوهر ولا عرض لأنه للطفة سار في كل شيء ، ولنوريته ظاهر في كل شيء ولإطلاقه وإحاطته متكيف بكل كيف غير متقيد بذلك فمن لم يعرف هذا ولم يذقه ولم يشهده فهو أعمى البصيرة ، محروم من مشاهدة الحق تعالى
وهذه الإشارات لا يفهمها إلا أهل الأذواق من أهل المعاني تذوق أسرارهم وتفهم إشاراتهم وإلا فحسبك أن تعتقد كمال التنزيه وبطلان التشبيه وتمسك بقوله تعالى : ]ليس كمثله شيء وهو السميع البصير[ ([47])وسلم للرجال في كل حال .
وأقول : الأولى أن يقول : وسلم للمحال بكل حال ، ومن هم هؤلاء الرجال ؟ وما الضابط الذي يضبط لنا من نسلم له ممن لا نسلم له ؟ أهو السير عريانا في الشوارع أمثال سيدهم إبراهيم العريان ؟([48]) أم إتيان الحمارة على قارعة الطريق بمرأى الناس أمثال سيدهم علي وحيش ؟([49])
ويقول :اعلم أن الأماكن والجهات وكل ماظهر من الكائنات قائمة بأنوار الصفات ممحوة بأحدية الذات كان الله محق الآثار بإجلاء الأنوار وامتحت الأنوار بأحدية الأسرار وانفرد بالوجود الواحد القهار ولله در القائل :
مذ عرفت الإله لم أر غيرا وكذا الغير عندنا ممنوع
فمن كحل عين بصيرته بإثمد الخاص لم يقع بصره إلا على الحق ولا يعرف إلا إياه ، ورأى الأشياء كلها قائمة بالله ، بل لا وجود لها مع الله ومن فتح الله سمع قلبه ، لم يسمع إلا من الحق ولا يسمع إلا به كما قال القائل :
[align=center] أنا بالله أنطق * ومن الله أسمع [/align]
وقال الجنيد t : لي أربعين سنة أناجي الحق ، والناس يرون أني أناجي الخلق فالخلق محذوفون عند أهل العلم بالتحقيق ، مثبتون عند أهل الجهل والتفريق يقولون: ]لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية[ ([50])مع أنه يكلمهم في كل وقت وساعة .
وينقل عن ابن عربي قوله :من رأي الخلق لا فعل لهم فقد فاز ومن رآهم لا صورة لهم فقد جاز ومن رآهم بين العدم فقد وصل ([51]) وانظر أيضا ([52])وقال : قال بعض العارفين : لو كلفت أن أرى غيره لم أستطع فإنه لا غير معه حتى أشهده . ([53])
ويقول في مقامات التوحيد التي ذكرها تحت قوله تعالى ]وإلهكم إله واحد[ ([54]) :
واعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على قدرته درجات ، الأولى توحيد العامة وهو الذي يعصم النفس والمال وينجو به من الخلود في النار وهو نفي الشركاء والأنداد والصاحبة والأولاد والأشباه والأضداد ، الثانية توحيد الخاصة وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده ويشاهد ذلك بطريق الكشف لا بطريق الاستدلال فإن ذلك حاصل لكل مؤمن وإنما مقام الخاصة يقين في القلب بعلم ضروري لا يحتاج إلى دليل وثمرة هذا العلم الانقطاع إلى الله والتوكل عليه وحده فلا يرجو إلا الله ولا يخاف أحدا سواه إذ ليس يرى فاعلا إلا الله فيطرح الأسباب وينبذ الأرباب الدرجة الثالثة ألا يرى في الوجود إلا الله ولا يشهد معه سواه ، فيغيب عن النظر إلى الأكوان في شهود المكون وهذا هو مقام الفناء فإن رد إلى شهود الأثر بالله سمى مقام البقاء . ([55])
ومما يلحظ في هذا التفسير استخدام اسم الحق لله سبحانه وتعالى عند الكلام على التفسير سواء في الظاهر وفي الباطن وأخشى أن يكون ذلك تأثرًا بالاتحادية الصوفية فإنهم يعتبرون أن كل ما في الوجود باطل والحق هو الله وحده ولم ألحظ استخدام هذا الاسم من أحد المفسرين المتقدمين . ([56])
وهو يقول بأن الإنسان خليفة لله في الأرض فيقول في قوله تعالى : ]إني جاعل في الأرض خليفة[ ([57]) : يخلفني في أرضي وتنفيذ أحكامي . ([58])
وانظر في وحدة الوجود ([59]) وذكره الشعر في ذلك . ([60])
ومن غلوه في طريقته يقول تحت قوله تعالى ]لتكونوا شهداء على الناس[ ([61]):ثم إن العلماء بأحكام الله ، إذا لم يحصل لهم الكشف عن ذات الله يكونون حجة على العامة يشهدون على الناس ، والأولياء يشهدون على العلماء فيزكون من يستحق التزكية ، ويردون من لا يستحقها لأن العارفين بالله عالمون بمقامات العلماء أهل الظاهر . لا يخفي عليهم شيء من أحوالهم ومقاماتهم بخلاف العلماء لا يعرفون مقامات الأولياء ولا يشمون لها رائحة كما قال القائل :
تركنا البحور الزاخرات وراءنا فمن أين يدري الناس أين توجهنا . ([62])
وله ردود سريعة على بعض الفرق ومن ذلك :
قوله في ]إياك نعبد وإياك نستعين[ ([63]) قال : قال ابن جزي: أي نطلب العون منك على العبادة وعلى جميع أمورنا فهذا دليل على بطلان قول القدرية والجبرية وأن الحق بين ذلك .([64])
ويقول : أما القرآن العظيم فلا بد من الإيمان أنه منزل على نبينا محمد r فمن اعتقد أنه منزل على غيره كالروافص فإنه كافر بالإجماع([65]) .
ثالثا : موقفه من تفسير القرآن بالقرآن :
ومن تفسيره القرآن بالقرآن وهو قليل قوله :
]فتلقى[ ([66]) أي أخذ ]آدم من ربه كلمات[ وهي ]ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفرلنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين[ ([67])
رابعا : موقفه من تفسير القرآن بالسنة :
وهو يذكر الأحاديث بكثرة إلا أنه لايعتني بصحة الحديث من عدمها ومن ذلك ذكره أحاديث كثيرة في التأمين ومن مصادره ابن ماجه وابن خزيمة وأبو داود ([68])
وقوله: وروى الترمذي الحكيم عن ابن عمر رضي الله عنهما يرفعه إلى رسول الله r قال : “أمتي كالمطر لا يدري أوله خير أم آخره” . ([69])
وفي قوله تعالى ] فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم[ ([70])قال : وقد كتب على اليهود القصاص وحده وعلى النصارى العفو مطلقا وخيركم أيها الأمة المحمدية بين أخذ الدية والقصاص فمن اعتدى بعد أخذ الدية وقتل فله عذاب أليم في الدنيا والآخرة في الدنيا بأن يقتل لا محالة لقوله عليه السلام : “لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية”([71]) .
ومن الأحاديث التي يذكرها بدون تخريج : “أولياء الله إذا رءوا ذكر الله” . ([72])
وانظر مثالا لحديث أخطأ فيه . ([73])
وانظر أمثلة أخرى للأحاديث ([74])
ومن الأحاديث الموضوعة التي ذكرها قوله :
وفي حديث طويل عن عائشة رضي الله عنها في قصة الحولاء امرأة من الأنصار قال لها رسول الله r : “مامن امرأة حملت من زوجها حين تحمل إلا لها من الأجر مثل القائم ليله الصائم نهاره والغازي في سبيل الله وما من امرأة يأتيها الطلق إلا كان لها بكل طلقة عتق نسمة وبكل رضعة عتق رقبة ، فإذا فطمت ولدها ناداها مناد من السماء قد كفيت العمل فيما مضى ، فاستأنفي العمل فيما بقي ” قالت عائشة رضي الله عنها : قد أعطى النساء خيرا كثيرا ، فمالكم يامعشر الرجال ، فضحك النبي r ثم قال : “مامن رجل مؤمن يأخذ بيد امرأته يراودها إلا كتب الله له حسنة، وإن عانقها فعشر حسنات ، وإن ضاجعها فعشرون حسنة ، وإن أتاها كان خيرا من الدنيا وما فيها ، فإذا قام ليغتسل لم يمس الماء شعرة من على جسده إلا محي عنه سيئة ، ويعطى له درجة ، ومايعطى بغسله خير من الدنيا وما فيها ، وإن الله تعالى يباهي الملائكة فيقول : انظروا إلى عبدي قام في ليلة قرة يغتسل من الجنابة يتيقن بأني ربه ، اشهدوا أني قد غفرت له”([75]) .
وقوله :روي عن علي كرم الله وجهه عن النبي r أنه قال : “عليكم بالعدس فإنه مبارك مقدس وإنه يرقق القلب ويكثر الدمعة ، وإنه بارك فيه سبعون نبيا آخرهم عيسى ابن مريم”([76]) .
وانظر أمثلة أخرى للأحاديث الضعيفة والموضوعة . ([77])
وربما ذكر لفظ الحديث ولا ينص على أنه حديث مثل قوله : فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي أمروا به وقالوا مكان حطة : حنطة حبة في شعرة . ([78])
وهو يذكر أسباب النزول بدون دقة ولا عزو في كثير من المواضع .([79])
ويتعرض لفضائل السور والآبات ومن ذلك قوله :
وقال رسول الله r : “إن لكل شيء سناما ، وإن سنام القرآن البقرة ، من قرأها في بيته نهارا لم يدخله شيطان ثلاثة أيام ، ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخله شيطان ثلاث ، وفيها سيدة القرآن وهي آية الكرسي” ([80]) وإنما كانت سنام القرآن أي ذروته لأنها اشتملت على جملة مافيه من أحوال الإيمان وفروع الإسلام .
وقال r : “أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول ، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى ، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة من تحت العرش” ([81]).
خامسا : موقفه من تفسير القرآن بأقوال السلف :
لا يتعرض ابن عجيبة لسوق الآثار إلا قليلا وفيها بواطيل مثل ماتقدم عن علي وأبي بكر وجعفر الصادق .
وقد نقل عن ابن عباس نقولا كثيرة منها قوله : ]إياك نعبد [ ([82])نعبدك ولا نعبد غيرك ([83])
وذكر آثارا عن علي ، والنخعي ،و الزهري ، وعائشة . ([84])
وعن الحسن ([85]) ، وابن زيد ([86]) ، ومالك ([87]) ، وعبد الواحد بن زياد ([88]) ومقاتل([89])
سادسا : موقفه من السيرة والتاريخ وذكر الغزوات :
نظرا لكون القسم المطبوع محدود لم أقف إلا على شيء يسير من تعرض المصنف للسيرة ومن ذلك ذكره لسرية عبد الله بن جحش في شهر جمادى وقتلهم لعمرو بن الحضرمي في أول يوم من رجب وماحصل بناء على ذلك تحت قوله تعالى ]يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه [ ([90]).
كما ذكر عن الواقدي قصة خروجه r إلى أحد وبعض الأحداث تحت قوله تعالى ] وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال [ ([91])، واسترسل في ذكر أحداث الغزوة في الآيات التالية .([92])
سابعا : موقفه من الإسرائيليات([93]) :
وابن عجيبة من المفسرين الذين يذكرون الإسرائليات بغير تمحيص ويتزيدون في ذكرها ومن ذلك :
ما نقله تحت قوله ] العالمين[ عن الفخر الرازي قال : روي أن بني آدم عشر الجن، وبنى آدم والجن عشرحيوانات البر ، وهؤلاء كلهم عشر الطيور وهؤلاء كلهم عشر حيوانات البحار ، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة الأرض الموكلين ببني آدم ، وهؤلاء عشر ملائكة السماء الدنيا ، وهؤلاء كلهم عشر ملائكة السماء الثانية ، ثم على هذا الترتيب إلى ملائكة السماء السابعة ، ثم الكل في مقابلة ملائكة الكرسي نزر قليل ، ثم هؤلاء عشر ملائكة السرادق الواحد في سرادقات العرش التي عددها مائة ألف ، طول كل سرادق وعرضه كذلك إذا قبلت السماوات والأرض وما فيها وما بينها يكون شيئا يسيرا ونزرا قليلا ، وما من موضع شير إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم وله زجل بالتسبيح والتهليل ، ثم هؤلاء في مقابلة الذين يحولون حول العرش كالقطرة من البحر ولا يعلم عددهم إلا الله تعالى .([94])
وقال وهب بن منبه t: قوائم العرش ثلاثمائة وست وستون قائمة ، وبين كل قائمة وقائمة ستون ألف صحراء ، وفي كل صحراء ستون ألف عالم ، وكل عالم قدر الثقلين . ([95])
وقد ذكر قصة هاروت وماروت وقال : ذكرها المنذري في شرب الخمر وقال في حديثها : رواه أحمد وابن حبان في صحيحه من طريق زهير بن محمد وقد قيل إن الصحيح وقفه على كعب وقال ابن حجر : قصة هاروت وماروت بسند حسن خلافا لمن زعم بطلانها كعياض ومن تبعه . ([96])
ثم قال فإن قلت : الملائكة معصومون فكيف يصح هذا مع هاروت وماروت قلنا : لما ركب الله فيما الشهوة انتسخا من حكم الملائكة لحكم البشرية ابتلاء من الله تعالى لهما فلم يبق لهما حكم الملائكة من العصمة . ([97])
وقال أيضا : والأسباط أولاد يعقوب عليه السلام وهم : روبين وشمعون ولاوى ويهودا ويشسوخور وزبزلزن وزوانا وأمهم ليا ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين . وولد له من سريتين تفثونا وكوذا وأوشير . قال ابن حجر اختلف في نبوتهم فقيل كانوا أنبياء وقيل لم يكن فيهم نبي وإنما المراد بالأسباط قبائل بني إسرائيل . فقد كان منهم من الأنبياء كثير وممن صرح بنفي تبوتهم عياض وجمهور المفسرين . انظر المحشي الفاسي .
وفي تفسير المبهمات يقول ]ولا تقربا هذه الشجرة[ ([98]) العنب أو التين أو الحنطة
ويقول : فدخل إبليس خفية أو في فم الحية . ([99])
ويقول : واسم فرعون الذي كان في زمن موسى مصعب بن ريان وقيل اسمه الوليد([100])
ثامنا : موقفه من اللغة :
أما معاني المفردات فهو يتعرض لها بدون عزو كلما بدأ تفسير أحد المقاطع مثل قوله :
اللقاء : المصادفة بلا قصد .
والخلو بالشيء أو معه : الإنفراد به
والشيطان : فيعال من شطن إذا بعد أو فعلان من شاط إذا بطل .
والاستهزاء بشيء : الاستخفاف بحقه
والعمه في البصيرة : كالعمى في البصر . ([101])
ويتعرض أيضا للغويات مثل اشتقاق اسم وتعلق الباء ومذهب البصريين والكوفيين.([102])
ومن ذلك أيضا كلامه عن أصل كلمة رب واشتقاقها . ([103])
وأحيانا يتعرض للإعراب مثل قوله] الحمد لله[ ([104]): قلت الحمد مبتدأ ولله خبر وأصله النصب وقرئ به ([105])
ويقول : ]سواء[ ([106])خبر مقدم . و ]ءأنذرتهم[ مبتدأ لسبقه بهمزة التسوية ، أي
الإنذار وعدمه سواء في حق هؤلاء الكفرة ، والجملة خبر إن و ]غشاوة[ ([107]) مبتدأ والجار قبله خبره ، والغشاوة ما يغشى الشيء ويغطيه كنى به عن تعاميهم عن الإيمان .
ويقول : ]استوقد[ ([108]) السين والتاء يحتمل أن يكون للطلب ، أو زائدة بمعنى أوقد ولما شرطية . وذهب جواب ، وإذا كان لفظ الموصول مفردا واقعا على جماعة يصح في الضمير مراعاة لفظه فيفرد ومعناه فجمع ، فأفرد في الآية أولا وأجمع ثانيا، ويقال : أضاء يضيء ، ضاء يضوء : ضوءا . ([109])
والصيب المطر فيفعل من صاب المطر إذا نزل ، وهو على حذف مضاف أي أو كذا صيب ، وأصله صيوب كسيد ، قلبت الواو ياء وأدغمت ، ولا يوجد هذا إلا في المعتل كهيب ولين وضيق وطيب بالتشديد .
وربما استدل عل وجوه الإعراب من ألفية ابن مالك .([110])
وهو يكثر من الاستدلال بالشعر وجله في الإشارات وقد تقدم طرف من ذلك وعندما استدل في التفسير الظاهر أتى بيتين صوفيين وهما قول الشاعر :
ياتائها في مهمه عن سـره انظر تجد فيك الوجود بأسره
أنت الكمال طريقة وحقيقة ياجامعا سر الإله بأســره ([111])
ومن الأشعار أيضًا في تفسيره للظاهر قوله :
فلا ترضى بغير الله حبـا وكن أبدا بعشـق واشتياق
ترى الأمر المغيب ذا عيان وتحظى بالوصول وبالتلاقي
وهي صوفيات أيضا ([112]) .
ومن استدلالاته القليلة بالشعر على المعاني([113]) قوله والفوم قيل الحنطة والأصح أنه الثوم قال الشاعر :
وأنتم أناس لئام الأصول طعامكم الفوم والحوقل ([114])
وهو يتعرض لأساليب البلاغة أحيانا وينبه على النكات التفسيرية ومن ذلك :
قوله : لم قدم الرحمن على الرحيم والقياس الترقي من الأدنى للأعلى ؟ فقال : لتقدم رحمة الدنيا ولأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره . ([115])
وقوله ]إياك نعبد وإياك نستعين[ ([116]) :
قال : وكرر الضمير ولم يقل إياك نعبد ونستعين 0لأن إظهاره أبلغ في إظهار الاعتماد على الله ، وأمدح ألا ترى أن قولك بك أنتصر وبك أحتمي وبك أنال مأربي ، أبلغ وأمدح من قولك بك أنتصر وأحتمى الخ . وقدم العبادة على الاستعانه لتوافق رءوس الآي ، وليعلم منه أن تقديم الوسيلة على طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة ، فإن من تلبى لخدمة الملك وشرع فيها بحسب وسعه ، ثم طلب منه الإعانة عليها أجيب إلى مطلبه ، بخلاف من كلفه الملك بخدمته فقال : أعطنى ما يعينني عليها ، فهو سوء أدب ، وأيضا من استحضر الأوصاف العظام ما أمكنه إلا المسارعة إلى الخضوع والعبادة وأيضا لما نسب المتكلم العبادة إلى نفسه ، أوهم ذلك تبجحا واعتدادا منه بما يصدر عنه فعقبه بقوله : وإياك نستعين دفعا لذلك التوهم.([117])
ومن كلامه عن الالتفات قوله :
ومن عادة العرب التفنن في الكلام والعدول عن أسلوب إلى آخر تطرية وتنشيطا للسامع ، فتعدل من الخطاب إلى الغيبة إلى التكلم قوله تعالى :]حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح[ ([118])ولم يقل بكم وقوله : ]أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد[ ([119]) أي ولم يقل فساقه ... ، والالتفات هنا في قوله إياك نعبد ولم يقل إياه نعبد لأن الظاهر من قبل الغيبة ، وحسنه أن الموصوف تعين وصار حاضرا.
وقال أيضا : فإن قلت : الريب في القرآن قد وقع من الكفار قطعا فكيف عبر بإن الدالة على الشك والتردد ؟
قلت : لما كان ريبهم واقعا في غي محله ، إذ لو تأملوا أدنى تأمل لزال ريبهم لوضوح الأمر وسطوع البرهان كان ريبهم كأنه مشكوك فيه ومتردد في وقوعه.([120])
تاسعا : موقفه من القراءات([121]) :
وهو يتعرض للقراءات وتوجيهها وربما ذكر القراءات الشاذة ومن ذلك :
قوله : وقرئ الحمد لله باتباع الدال للام وبالعكس([122]).
وقال : ]مالك[ قراءة الجماعة بغير ألف من الملك بالضم وقرأ عاصم والكساني بالألف من الملك بالكسر ثم أخذ يوجهها . ([123])
ومن ذلك قوله : وجبرئيل فيه ثمان لغات أربع قرئ بهن وهي : جبرئيل كسلسبيل، وجبرئل كجحمرش ، وجبريل بفتح الجيم بلا همز ، وجبريل بكسرها . وأربع شواذ جبرال وجبرائيل وجبرائل وجبرين بالنون . ([124])
وقوله : ]واتخذوا[ ([125]) على قراءة الأمر محكى بقول محذوف أي : وقلنا اتخذوا وعلى قراءة الماضي معطوف على جعلنا أي جعلناه مثابة واتخذه الناس مصلى .
]فإنما يقول له كن فيكون[ ([126])قال : وقرأ ابن عامر بنصب المضارع ولحنه بعضهم لأن المنصوب في جواب الأمر لا بد أن يصح جوابا لشرطه تقول اضرب زيدا فيستقيم أي إن تضربه يستقم ولا يصح أن تقول إن يكن يكن وقد يجاب لعله على المعنى والتقدير إن قلت كن يكن . ([127])
ويتعرض للرسم مثل قوله في بسم : حذفت الألف لكثرة الاستعمال ([128])
عاشرا : موقفه من الفقه والأصول :
وأما تعرضه للفقهيات فضئيل جدا وليس هناك نقول عن المذاهب واختلافات الفقهاء ومن ذلك :
كلامه عن البسملة ، وهل هي آية من كل سورة أم لا وحكمها في الصلاة .([129]) وقال ]وعلى الذين يطيقونه…[ ([130])
وعلى الذين يطيقونه بلا مشقة إن أرادوا أن يفطروا فدية …… وأن تصوموا أيها المطيقون للصيام خير لكم إن كنتم تعلمون مافي الصيام من الأسرار والخير المدرار ثم نسخ بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه ([131])
]ولتكبروا الله على ماهداكم[ ([132]) ووقت التكبير عند مالك من حيث يخرج إلى المصلى بعد الطلوع إلى مجيء الإمام إلى الصلاة . ([133])
وقال في تفسير قوله تعالى ]ولاتقاتلوهم عند المسجد الحرام[ ([134])ابتداءا ]حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم[ فيه ]فاقتلوهم[ فيه وفي غيره ]كذلك جزاء الكافرين[. ([135])
هكذا اقتصر في تفسير الآية مع مافيها من كلام كثير لأهل العلم .
وكذلك قال في قوله ]فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي[ ([136]) فإن أحصرتم ومنعتم من إتمامها فتحللوا منهما وعليكم مااستيسر من الهدي وذلك شاة ]ولا تحلقوا رؤوسكم[ أي لا تتحللوا ]حتى يبلغ الهدي محله[ أي حيث يحل ذبحه وهو محل الإحصار عند الشافعي فيذبح فيه بنية التحلل ويفرق ، ومنى أو مكة عند مالك فيرسله فإذا تحقق أنه وصل وذُبح حل وحلق . ([137])
وقوله تحت تفسير ]يسألونك عن الخمر والميسر[ ([138])والميسر قال ابن عباس والحسن : كل قمار ميسر من شطرنج ونرد ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب إذا كان بالفلوس وسمي ميسرا ليسر صاحبه بالمال الذي يأخذه وأما إذا كان بغير عوض إنما هو لعب فقط فلا بأس قاله ابن عرفة([139]).
ويقول :
يقول الحق جل جلاله : ياأيها المؤمنون ]كتب عليكم القصاص[ ([140])في شأن القتلى في العمد فاستسلموا للقصاص فالحر يقتل بالحر ولا يقتل بالعبد بل يغرم قيمته لسيده ودليله قوله عليه السلام : “لا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد ”والعبد يقتل بالعبد إن أراد سيد المقتول قتله فإن استحياه خير سيده بين إسلامه وفدائه بقيمة العبد وكذلك إن قتل الحر ، خير أولياؤه بين قتله أو استرقاقه فإن استحيوه خير سيده بين إسلامه وفدائه بدية الحر العمد والأنثى تقتل بالأنثى والذكر بالذكر يقتل بالأنثى وتخصيص الآية بالمساوي قال مالك : أحسن ماسمعت في هذه الآية أنه يراد بها الجنس أي جنس الحر والذكر والأنثى فيه سواء ، وأعاد ذكر الأنثى تأكيدا لرد ماكان يفعله الجاهلية من عدم القود فيها ثم قال الحق جل جلاله : ]فمن عفي له [ من دم ]أخيه شيء [ ولو قل فقد سقط القتل فالواجب اتباع القاتل بالدية بالمعروف من غير تعنيف ولا تعنيت وأداء من القاتل بإحسان من غير مطل ولا بخس ذلك الذي شرعت لكم من أمر العفو والدية تخفيف من ربكم ورحمة بكم.([141])
ومن دعوة أهل التصوف إلى ترك الجهاد وسائر العبادات يفيض علينا مفسرنا ببعض فيوضاته في تفسيره لقوله تعالى ]كتب عليكم القتال [ ([142])
فيصف القتال بأنه جهاد أصغر وأن مجاهدة النفس جهاد أكبر ويبين أن المراد هو تجلي الحق لهم وهذا هو ثمرة الجهاد الأكبر .
وبقول : أما الجهاد الأصغر فلا يحصل شيئا من هذا ، فلذلك كان مفضولا عند أهل الجهاد الأكبر فيتركونه لما هو أرجح منه كما قال الششتري t :
دع السيف والسبحة والسجاد واعقد سكيرة من خمرة الإفراد ([143])
وربما تعرض لشيء من الأصول ومن ذلك :
كلامة عن تأخير البيان عن وقت الحاجة والفرق بينه وبين تأخير البيان لوقت الحاجة . ([144])
وقال عند قوله تعالى ]وإذ قتلتم نفسا[ ([145])
واستدلت المالكية بالقصة على التدمية الحمراء وهي قبول قول القتيل قبل موته بأن فلانا قتله ، وفيه نظر لأن هذا حيي بعد موته فلا يتطرقه الكذب ، واستدلت أيضا على حرمان القاتل من الإرث ، وفيه نظر لأن هذه شريعة من قبلنا يطرقها النسخ لكن ثبت في الحديث أنه لا يرث . ([146])
ومن كلامه في النسخ قوله في آية الوصية :
وهذه الآية منسوخة في وصية الوالدين محكمة في الأقربين غير الوارثين ، فإذا كان
الوالدين غير وارثين كالكافرين أو العبدين فهي محكمة .([147])
وقوله :
والنسخ إنما يكون في الأوامر والنواهي دون الأخبار ، لأنه يكون كذبا ومعنى النسخ انتهاء العمل بذلك الحكم ، ونقل العباد من حكم إلى حكم لمصلحة فلم يلزم عليه البدء كما قالت اليهود – والنسخ عندنا ثلاثة أقسام : نسخ اللفظ والمعنى كما كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم ثم نسخ – ونسخ اللفظ دون المعنى كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وهو الرجم – ونسخ المعنى دون اللفظ كآية السيف بعد الأمر بالمهادنة مع الكفار ، والله تعالى أعلم .([148])
حادي عشر : موقفه من العلوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية :
لا يتعرض لشيء من ذلك سوى الفلسفة وهي فلسفة التصوف الكامنة في كلام ابن عربي وابن الفارض ونحوهما وقد قدمنا شيئا من ذلك عند الحديث عن موقف المصنف من العقيدة وسوف يأتي تكميل لنفس الموضوع في الفقرة التالية .
ثاني عشر : موقفه من المواعظ والآداب :
نظرا لكون الكتاب صوفي إشاري فإنه يتضمن شيئا من الزهديات والوعظ مع مايحمل في طياته من انحراف منهجي واضح ولذا فسوف أتكلم في هذه الفقرة عن صوفيات هذا التفسير ومظاهر انحرافه .
فمن الصوفبات التي أقحمها المصنف في تفسير الظاهر على الرغم من كون ذلك مخالفا لمنهجه الذي ذكره قوله :
] اهدنا الصراط المستقيم [ ([149]) فإن قلت : إذا كان العبد ذاهبا على هذا المنهاج المستقيم ، فكيف يطلب ماهو حاصل ؟ فالجواب : أنه طلب التثبت على ماهو حاصل ، والإرشاد إلى ماهو ليس بحاصل ، فأهل مقام الإسلام الذي هو حاصل ، يطليون الترقي إلى مقام الإيمان الذي ليس بحاصل ، على طريق الصوفية الذين يخصون العمل الظاهر بمقام الإسلام ، والعمل الباطن بمقام الإيمان ، وأهل الإيمان يطلبون الثبات على الإيمان الذي هو حاصل ، والترقي إلى مقام الإحسان الذي ليس بحاصل ، وأهل مقام الإحسان يطلبون الثبات على الإحسان والترقي إلى مالا نهاية له من كشوفات العرفان ]وفوق كل ذي علم عليم[ ([150])وقال الشيخ أبو العباس المرسي t : ]اهدنا الصراط المستقيم[ بالتثبت فيما هو حاصل والإرشاد بما ليس بحاصل . ثم قال : عموم المؤمنين يقولون اهدنا الصراط المستقيم أي بالتثبت فيما هو حاصل والإرشاد لما ليس بحاصل ، فإنه حصل لهم التوحيد ، وفاتهم درجات الصالحين والصالحون يقولون : ]اهدنا الصراط المستقيم[معناه نسألك التثبت فيما هو حاصل ، والإرشاد إلى ماليس بحاصل فإنهم حصل لهم الصلاح وفاتهم درجات الشهداء . والشهداء يقولون : ]اهدنا الصراط المستقيم[ أى بالتثبت فيما هو حاصل ، والإرشاد ماليس بحاصل ، فإنهم حصلت لهم الشهادة ، وفاتهم درجات الصديقين . والصديقون يقولون : ]اهدنا الصراط المستقيم[ أي بالتثبت فيما هو حاصل والإرشاد إلى ماليس بحاصل ، فإنهم حصل لهم درجات الصديقين ، وفاتهم درجات القطب . والقطب يقول :]اهدنا الصراط المستقيم[ بالتثبت فيما هو حاصل ، والإرشاد إلى ماليس بحاصل ، فإنه حصل له رتبة القطبانية وفاته علم ما إذا شاء الله أن يطلعه عليه .
وليت شعري في أي آية في كتاب الله ذكرت درجة القطب هذه أم في أي حدبث صحبح ؟ وليس بعد الصديقين إلا الأنبياء ، وهل كان أبو بكر قطبا أم كان عمر أم عثمان أم علي ؟ وهل أخفى ذلك عنا رسول الله r أم الصحابة رضي الله عنهم ؟
ويقول :
والشكر على ثلاث درجات : درجة العوام الشكر على النعم ودرجة الخواص الشكر على النعم والنقم وعلى كل حال ، ودرجة خواص الخواص أن يغيب عن رؤية النعم بمشاهدة المنعم . قال رجل لإبراهيم بن أدهم t : الفقراء إذا أعطوا شكروا ، وإذا منعوا صبروا ، فقال إبراهيم : هذه أخلاق الكلاب ولكن القوم إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا آثروا .
وماأدري أكلام هذا نقدمه أم كلام منزل الكتاب ؟ قال تعالى ] الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وأنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون [ ([151]) وقال : ] والصابرين على ماأصابهم[ ([152]) وقال : ] والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون[ ([153])وقال ]واصبر على ماأصابك إن ذلك من عزم الأمور[ ([154]) ولم يقل : شكروا ، والشاكرين ، واشكر !!
وماأدري أكلام هذا نقدمه أم كلام الذي أنزل عليه الكتاب من رب الأرباب ؟ يقول النبي r : “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له”.([155])
فهل هو مؤمن بنص حديث رسول الله r : أم كلب من الكلاب بنص ...؟
ولاشك أن هذا منهج سلوكي مصادم للفطرة ، فإن الذي يشكر على المصيبة إنسان غير سوي ، ويتضمن هذا الكلام نفي أصل العبادة وأمها وهو الدعاء لأن الذي يشكر على المصاب كيف يدعو برفعه ؟ وفي ذلك حط من شأن الأنبياء الذين جابهوا المصائب بالدعاء بكشفها لا بالشكر عليها ، وهذا التنطع معارضة للشريعة السمحة التي أعطت كل ذي حق حقه .
أما الإيثار فهو من دلائل الشكر على النعمة فليس ثمة تعارض أصلا .
وأما إشارياته فنتركها تتحدث عن نفسها وهي جلها منصبة على أهل خصوصية والمنكرين عليهم من أهل العلم أو العوام فهو يجعل فريق المؤمنين يراد به أهل الخصوصية وفريق الكافرين أو المنافقين يراد به أهل العلم أو عوام الناس . ([156])
وقد صرح بذلك في قوله :
اعلم أن قاعدة تفسير أهل الإشارة هي أن كل عقاب توجه لمن ترك طريق الإيمان وأنكر على أهله ، يتوجه مثله لمن ترك طريق مقام الإحسان وأنكر على أهله وكل وعيد توعد به أهل الكفر حسي بدني ، وعذاب أهل الحجاب معنوي قلبي ، فنقول فيمن رضي بعيبه ، وأقام على مرض قلبه ، وأنكر الأطباء ووجود أهل التربية : بئسما اشتروا به أنفسهم وهو كفرهم بما أنزل الله من الخصوصية على قلوب أوليائه بغيا وحسدا ، أو جهلا وسوء ظن أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، فباءوا بغضب الحجاب على غضب البعد والارتياب ، أو بغضب سقم القلوب ، على غضب الإصرار على المساويء والعيوب من لم يتغلغل في علمنا هذا مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر كما قال الشاذلي t ولا يصح يتغلغل فيه إلا بصحبة أهله وللكافرين بالخصوصية عذاب الطمع وسجن الأكوان وهما شجرتا الذل والهوان ، وإذا قيل لهم : آمنوا بما أنزل الله من أسرار الحقيقة وأنوار الطريقة ، قالوا : نؤمن بما أنزل علينا من ظواهر الشريعة ، ويكفرون بما وراءه من أسرار ككشف أسرار الذات ، وأنوار الصفات . ([157])
أقول : وقد شابه هؤلاء في منهجهم ذلك الرافضة الذين جعلوا كل آية ذم في أبي بكر وعمر والصحابة رضوان الله عليهم ، وكل آية ثناء في علي وآل البيت ، فبئس الشبيه وبئس المشبه به .
قال :
والأحسن أن يقال : ]غير المغضوب عليهم[ ([158]) هم الذين أوقف بهم عن السير أتباع الحظوظ والشهوات ، فأوقعتهم في مهاوي العصيان والمخالفات]ولا الضالين[ الذين حبسهم الجهل والتقليد ، فلم تنفذ بصائرهم إلى إخلاص التوحيد ، فنكصوا عن توحيد العيان إلى توحيد الدليل والبرهان ، وهو ضلال عند أهل الشهود والعيان ، ولو بلغ في الصلاح غاية .
وما أسوأ أحسنه !!
ويقول في قوله : ]سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون[ ([159]): فسبحان من حجب العالمين بصلاحهم عن مصلحهم ، وحجب العلماء بعلمهم عن معلومهم ، واختص قوما بنفوذ غرائبهم إلى مشاهدة ذات محبوبهم ، فهم في رياض ملوكته يتنزهون ، وفي بحار جبروته يسبحون ]لمثل هذا فليعمل العاملون[ ([160]) .
ويقول في قوله : ]وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون[ ([161]) وإذا قيل لمن يشتغل بالتعويق عن طريق الله ، والإنكار على أولياء الله : أقصر من هذا الإفساد ، وارجع عن هذا الغي والعناد ، فقد ظهرت معالم الإرشاد لأهل المحبة والوداد ، قال : إنما أنا مصلح ناصح ، وفي أحوالي كلها صالح ، يقول الحق جل جلاله : بل أفسدت قلوب عبادي . ورددتهم عن طريق محبتي وودادي ، وعوقتهم عن دخول حضرتي ، وحضرتهم شهود ذاتي وصفاتي ، سددت بأحبائي ، آيستهم من وجود التربية ، وتحكمت على القدرة الأزلية ، ولكنك لا تشعر بما أنت فيه من البلية ،ولقد صدق من سبقت له العناية ، وأتحف بالرعاية والهداية حيث يقول :
فهذه طريقة الإشراق كانت وتبقى ما الوجود باق
وأنكروه ملأ عـوام لم يفهموا مقصوده فهـاموا
فتب أيها المنكر قبل الفوات واطلب من يأخذ بيدك قبل الممات لئلا تلقي الله بقلب سقيم ، فتكون في الحضيض الأسفل من عذابه الأليم ، فسبب العذاب وجود الحجاب ، وإتمام النعم النظر لوجهه الكريم ، منحنا الله الحظ الأوفر في الدنيا والآخرة ، آمين .([162])
ويقول :
اعلم أن كثيرا من الناس يعتمدون على صحبة الأولياء ، ويطلقون عنان أنفسهم في المعاصي والشهوات ، ويقولون :سمعنا من سيدي فلان يقول : من رآنا لا تمسه النار ، وهذا غلط وغرور ، وقد قال عليه السلام لبنته : يافاطمة بنت محمد ، لا أغنى عنك من الله شيئا ، اشتري نفسك من الله ، وقال للذي قال : ادع الله أن أكون رفيقك في الجنة ، قال له : أعني على نفسك بكثرة السجود . نعم هذه المقالة إن صدرت من ولي متمكن مع الله فهي حق ، لكن بشرط العمل ممن رآه بالمأمورات ، وترك المحرمات ، فإن المأمول من فضل الله ببركة أوليائه ، أن يستقبل الله منه أحسن ما عمل ، ويتجاوز عن سيئاته ، فإن الولياء المتمكنين اتخذوا عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ، وهو أن من تعلق بهم وتمسك بالشريعة شفعوا فيه والغالب على من صحب الأولياء المتمكنين الحفظ وعدم الإصرار ، فمن كان كذلك لا تمسه النار ، وفي الحديث إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب – يعني يلهم التوبة سريعا كما قيل لأهل بدر : افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم . وقال في القصد : يبلغ الولي مبلغا يقال له : أصحبناك السلامة ، وأسقطنا عنك الملامة فاصنع ما شئت ، ومصداقه قوله تعالى في حق سليمان عليه السلام :]هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب[ ([163])هذا إن كان نبيا لأجل العصمة ، فمن كان من الأولياء في مقام الإمامة قسط من أجل الحفظ ، والله تعالى أعلم ، ولا يتخذ عند الله العهد إلا أهل الفناء والبقاء ، لأنهم بالله فيما يقولون ، فليس لهم عند نفسهم إخبار، ولا مع الله قرار . ([164])
وأقول : سبحان الله ! ما هذه الجرأة الوقحة التي توصل صاحبها إلى أن يقول : من رآنا لاتمسه النار .
ولا أظن رجلا صالحا فضلا عن ولي لله بقول : من رآني لاتمسه النار ، بل لايقول ذلك إلا فاسق جريء على ربه وقد وصف الله عباده الصالحين بقوله] إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون[ ([165]) ...إلى أن قال :]والذين يؤتون ماآتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون[ ([166]) وقال : ]فلايأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون[ ([167]) وكان أبو بكر الصديق سيد الأولياء والعارفين يقول : لو أن إحدى قدمي بالجنة والأخرى خارجها ماأمنت مكر الله . وكان سميه عمر يقول : لو نادى مناد يوم القيامة أن ادخلوا جميعا الجنة إلا واحدا لفرقت أن أكون هو . بل إن سيد الخلق r قال : “والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي”([168]) . وهو مصداق لقوله تعالى] وما أدري مايفعل بي ولا يكم[ ([169])
وقد غفل صاحبنا عن مصيبة وليه واشتغل بالمريد المسكين الملبس عليه .
وليت شعري من الذي يقول للولي : أصحبناك السلامة وأسقطنا عنك الملامة فاصنع ماشئت أهو رسول موحى إليه مثل الذي قال لأهل بدر ماقال ؟ أم أنه هو عين القائل لسليمان ]فامنن أو أمسك بغير حساب[ ([170]) وما أظن الذي قال للولي المزعوم ذلك إلا إبليس عليه لعنة الله .
ومن إشارته النادرة المقبولة لا لكونها تفسيرا إشاريا إنما لكونها يشملها عموم اللفظ قوله تحت آية ] أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم[ ([171]):
كل من أشار إلى مقام لم يبلغ قدمه إليه ، فهذا التوبيخ متوجه إليه وكل من ذكر غيره بعيب لم يتخلص منه ، قيل له : أتأمر الناس بالبر وتنسى نفسك خالية منه ، فلا يسلم من توبيخ هذه الآية إلا النادر في الصفاء والوفاء . قال البيضاوي : المراد بها حث الواعظ على تزكية النفس ، والإقبال عليها بالتكميل ليقوم فيقيم غيره ، لا منع الفاسق عن الوعظ ، فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر فانظر . وتأمل قول القائل :
ياأيــــــها الرجل المعلم غيره هلا لنفسـك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذى السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سـقيم
وأراك تلقح بالرشــــاد عقولنا نصحا وأنت من الرشاد عديم
ابدأ بنفســـك فإنهما عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتــدى بالقول منك وينفع التعليـم
لا تنه عن خلق وتأتي مثــــله عار عليك إذا فعلت عظيم ([172])
وأردف هذه الإشارة بإشارة أخرى وبدون تعليق إلا أن أقول : اشتهر عن هذه الطائفة قولهم : إذا رأيت شيخك على فاحشة فظن به خيرا ، وقد ذكر صاحب سلوة الأنفاس فيما ذكر من الكرامات أن فلانا من الأولياء كان يفعل في حمارة في الطريق فقيل له في ذلك فقال : أصلح السفينة ...ويسوق القصة التي تدلل على إصلاح سفينة معطلة في عرض البحر فجأة بعد أن أعيت أصحابها في نفس اللحظة الجنسية الشاذة .([173])
قال مفسرنا تحت قوله ]أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم[ ([174])بعد أن قرر عدم جواز حل المريد عقدته مع شيخه لينتقل إلى شيخ آخر : وصحب تلميذ شيخا فرآه يوما قد زنا بامرأة !! فلم يتغير من خدمته، ولا أخل في شيء من مرسومات شيخه، ولا ظهر منه نقص احترامه وقد عرف الشيخ أنه رآه فقال له يوما : يابني قد عرفت أنك رأيتني حين فسقت بتلك المرأة !! وكنت أنتظر فراقك عني من أجل ذلك فقال له التلميذ : ياسيدي إن الإنسان معرض لمجاري أقدار الله عليه ، وإني من الوقت الذي دخلت فيه إلى خدمتك ما خدمتك على أنك معصوم وإنما خدمتك على أنك عارف بكيفية السلوك عليه الذي هو طلبي وكونك تعصي شيء بينك وبين الله عز وجل لا يرجع شيء من ذلك علي ، فما وقع منك ياسيدي شيء يوجب نفاري وزوالي عنك وهذا هو عقدي فقال له الشيخ : هكذا وإلا فلا ، فربح ذلك التلميذ وجاء منه ماتقر به العين من حسن الحال وعلو المقام . ([175])
ومن الفوائد التي تضمنها التفسير وهي استطراد منه على كل حال قوله :
]وبشر الصابرين[ ([176]) قال ابن جزي: فائدة ورد ذكر الصبر في القرآن في أكثر من سبعين موضعا وذلك لعظم موقفه في الدين قال بعض العلماء كل الحسنات لها أجر معلوم إلا الصبر فإنه لا يحصر أجره لقوله تعالى : ]إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب[ ([177])وذكر الله للصابرين ثمان من الكرامات …فذكرها ([178]) .
-----------
([1])تقدمت ترجمته في أهل المنطقة برقم 38
([2])آل عمران :190
([3]) ص4-5
([4])ص12،14،23،53،91 .
([5])ص12،18، 36،75 ، 112،116 .
([6])ص38،41،54 .
([7])ص51 .
([8])ص53 .
([9])ص56 .
([10])ص56 .
([11])ص78 ،92،133 .
([12])ص85 .
([13])ص10،85 .
([14])ص90 .
([15])ص132 .
([16])ص133 .
([17])ص134 .
([18])18 ،175 .
([19])ص23 .
([20])ص137 .
([21])ص5،6 .
([22])ص8 .
([23])ص8،11، 97، 110 ، 115 ، 118، 137 .
([24])ص6
([25])ص7،،12،127 .
([26])ص112 .
([27])ص 152 .
([28])ص157، 177 .
([29])ص 152 .
([30])ص153.
([31])ص7 .
([32])ص68 .
([33])ص20 .
([34])ص154 .
([35])ص155 .
([36])الفاتحة :2
([37]) ص10
([38])الزمر :65-66
([39])الأنعام :90
([40])الحج :56
([41])الإنفطار :19
([42]) ص10
([43]) ص17
([44])البقرة :1
([45])القيامة :18
([46]) ص20،21،22،23
([47])الشورى :11
([48]) انظر ترجمته وماجاء فيها في الطبقات الكبرى ص595
([49]) انظر ترجمته وماجاء فيها في الطبقات الكبرى ص606-607
([50])البقرة :118
([51])ص100 .
([52])ص101 .
([53])ص156 .
([54])البقرة :163
([55])ص131 .
([56]) انظر كمثال : ص8 ،9، 12،13،28،29 .
([57])البقرة :30
([58])ص40 .
([59])ص97 .
([60])ص98
([61])البقرة :143
([62])ص116 .
([63])الفاتحة :4
([64])ص12 .
([65])ص24
([66])البقرة :37
([67])ص43 ، الأعراف :23
([68])ص19 .
([69])ص92 . والحديث أخرجه الترمذي (وهو غير الحكيم) – كتاب الأمثال 5/152 بنحوه عن أنس وقال : حسن غريب . وأما حديث ابن عمر فهو عند الطبراني وانظر (المقاصد الحسنة رقم997)
[70])البقرة :178
([71]) سبق تخريجه .
([72]) الحديث أخرجه الحكيم الترمذي عن أنس بلفظ : “أفضلكم الذين إذا …” وقال الألباني: ضعيف (ضعيف الجامع رقم1148) . وانظر أيضا ص65، 126 .
([73])انظر ص131 .
([74])ص70،81،83، 138 ، 142 ، 143، 179 .
[75]) أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات 2/270 ، وذكره السيوطي في اللآلئ المصنوعة 2/169
([76]) أخرجه السيوطي في اللآلئ المصنوعة 2/212 ونقل عن ابن المبارك قوله لما سئل عنه : لا ولا على لسان نبي واحد وإنه لمؤذ ينفخ .
([77])ص19، 32 ، 59 ، 120، 152 .
([78])ص56 .
([79])وانظر : ص 29،84 ، 89 ، 93،95 ، 138 ، 152 ، 153 ، 157،158 ، 179.
([80]) أخرجه ابن حبان 2/109 والعقيلي في الضعفاء 2/6 وله شواهد وقد صححه ابن حبان. وانظر موسوعة فضائل سور وآيات القرآن 1/106-109
([81])سبق تخريجه .
([82])الفاتحة :4
([83])ص10 ، وانظر أيضا ص 32 ،81 ، 107 ،137 .
([84])ص 146،147 .
([85])ص166 .
([86])ص96 .
([87])ص 108 .
([88])ص88 .
([89])ص 137 .
([90]) البقرة :217
([91]) آل عمران:121
([92]) ص322-325 ، 332-336،341-343
([93])وانظر في الإسرائيليات أيضا ص39، 112 .
([94])ص8 .
([95])ص9 .
([96])ص87 .
([97])ص88 .
([98])البقرة :35
([99])ص42 .
([100])ص50 .
([101])ص29 .
([102])ص6 .
([103])ص7 .
([104])الفاتحة :1
([105])ص6 .
([106])البقرة :6
([107])البقرة :7
([108])البقرة :17
([109])ص31 .
([110])انظر ص136 ، 140 .
([111])ص7 .
([112])ص23 .
([113])وفي استدلاله بالشعر على معاني الكلمات : انظر 135، 152 . وانظر أيضا في الشعر ص 17،34 ، 48 .
([114])ص58 .
([115])ص7 .
([116])الفاتحة :4
([117])ص10 .
([118])يونس :22
([119])فاطر :9
([120])ص12 .
([121])وانظر في القراءات أيضا ص104، 135 ، 137 ، 140 ، 148، 179 .
([122])ص6 .
([123])ص8 .
([124])ص83 .
([125])البقرة :125
([126])مريم :35
([127])ص99 .
([128])ص6 .
([129])ص5 .
([130])البقرة :184
([131])148-149 .
([132])البقرة :185
([133])149 .
([134]) البقرة :191
([135])ص158 .
([136])البقرة :196
([137])ص160 .
([138])البقرة :219
([139])ص179 .
([140]) البقرة :178
([141])ص145 .
([142])البقرة :216
([143])ص177 .
([144])ص 152 .
([145])البقرة :72
([146])ص64 .
([147])ص147 .
([148])ص91 .
([149])الفاتحة :6
([150])يوسف :76
([151])البقرة :156-157
([152])الحج :35
([153])البقرة :177
([154])لقمان :17
([155]) أخرجه مسلم – كتاب الزهد والرقائق – باب المؤمن أمره كله خير 4/2295 عن صهيب مرفوعا .
([156])انظر كمثال ص29،30،33،68،69،77،79،90، 120،172 .
([157])ص78 .
([158])الفاتحة :7
([159])البقرة :6
([160])الصافات :61
([161])البقرة :11
([162])ص27 .
([163])ص :39
([164])ص70 .
([165])المؤمنون :57
([166])المؤمنون :60
([167])الأعراف :99
([168]) أخرجه البخاري – كتاب مناقب الأنصار – باب مقدم النبي r وأصحابه المدينة 7/264 عن أم العلاء .
([169])الأحقاف :9
([170])ص :39
([171])البقرة :44
([172])ص47 .
([173]) ذكر الشعراني نحو هذه القصة بدون سفينة ثم قال : وقد أخبرت عنه سيدي محمد عنان رضي الله عنه فقال : هؤلاء يخيلون للناس هذه الأفعال وليس لها حقيقة . انظر الطبقات الكبرى ص607
([174])البقرة :100
([175])ص85 .
([176])البقرة :155
([177])الزمر :10
([178])ص127 .