التكرار فنّ قولي من الأساليب المعروفة عند العرب، بل هو من محاسن الفصاحة، ولكن ألا ترون تسمية أخرى بديلاً عما في القرآن الكريم من تكرار؛ لأنه للوهلة الأولى، يتبادر معنى التكرار المذموم للسامع .
وأقترح أن يسمى تكرار القرآن سواء للكلمة أو القصة أو الآية باسم الثني: وتعني الأَمر يعاد مرتين أو أَن يفعل الشيءَ مرتين.كما في لسان العرب.
وقال ابن قتيبة رحمه الله:
إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن نجومًا في ثلاث وعشرين سنة.. وكانت وفود العرب ترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام، فيقرئهم المسلمون شيئًا من القرآن، فيكون ذلك كافيًا لهم، وكان يبعث إلى القبائل المتفرّقة بالسور المختلفة، فلو لم تكن الأنباء والقصص مثنّاة ومكرّرة لوقعت قصة موسى إلى قوم، وقصة عيسى إلى قوم، وقصة نوح إلى قوم، وقصة لوط إلى قوم. فأراد الله بلطفه ورحمته، أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها في كل سمع، ويثبتها في كل قلب، ويزيد الحاضرين في الإفهام والتحذير. اهـ ابن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، ص232.
فما رأيكم أيها الفضلاء ؟
واستأنست في هذا الاقتراح على أقوال المفسرين وإليكم ما قالوه :
ـ (
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني) ( سورة الزمر : 23 ) {
مَّثَانِيَ }: جمع مثنى، أي: مكرر، ومردد، لما ثنى من قصصه، وأنبائه، وأحكامه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، ووعظه. وقيل: لأنه يثنّى في التلاوة، ويُكرر مرة بعد أخرى.اهـ البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لابن عجيبة ت 1224
ـ(
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) وقوله تعالى: {
مَّثَانِيَ } صفة أخرى لكتاباً أو حال أخرى منه، وهو جمع مثنى بضم الميم وفتح النون المشددة على خلاف القياس إذ قياسه مثنيات بمعنى مردد ومكرر لما كرر وثنى من أحكامه ومواعظه وقصصه، وقيل: لأنه يثني في التلاوة.
وجوز أن يكون جمع مثنى بالفتح مخففاً من التثنية بمعنى التكرير والإعادة كما كان قوله تعالى: {
ثُمَّ ارجع البصر كَرَّتَيْنِ }[الملك: 4] بمعنى كرة بعد كرة وكذلك لبيك وسعديك، والمراد أنه جمع لمعنى التكرير والإعادة كما ثنى ما ذكر لذلك لكن استعمال المثنى في هذا المعنى أكثر لأنه أول مراتب التكرار، ويحتمل أن يراد أن مثنى بمعنى التكرير والإعادة كما أن صريح المثنى كذلك في نحو كرتين ثم جمع للمبالغة، وقيل: جمع مثنية لاشتماله آياته على الثناء على الله تعالى أو لأنها تثني ببلاغتها وإعجازها على المتكلم بها. اهـ روح المعاني للآلوسي
ـ (
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني)
الصفة الرابعة: كونه مثاني، ومثاني: جمع مُثَنَّى بضم الميم وبتشديد النون جمعاً على غير قياس، أو اسم جمع. ويجوز كونه جمع مَثْنى بفتح الميم وتخفيف النون وهو اسم لِجعل المعدود أزواجاً اثنين، اثنين، وكلا الاحتمالين يطلق على معنى التكرير.
كُنِّي عن معنى التكرير بمادة التثنية لأن التثنية أول مراتب التكرير، كما كُني بصيغة التثنية عن التكرير في قوله تعالى:
{
ثم ارجع البصر كرتين }[الملك: 4]، وقول العرب: لَبَّيْك وسَعْديك، أي إجابات كثيرة ومساعدات كثيرة.
وقد تقدم بيان معنى {
مثاني } في قوله تعالى:{
ولقد آتيناك سبعاً من المثاني }في سورة [الحجر: 87]،
فالقرآن مثاني لأنه مكرر الأغراض.
وهذا يتضمن امتناناً على الأمة بأن أغراض كتابها مكررة فيه لتكون مقاصده أرسخ في نفوسها، وليسمعها من فاته سماع أمثالها من قبلُ.اهـ التحرير والتنويرلابن عاشور
ـ (
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) ويجوز أن يكون {
مَّثَانِيَ } بياناً لكونه متشابهاً؛ لأن القصص المكررة لا تكون إلاّ متشابهة.
والمثاني: جمع مثنى بمعنى مردّد مكرّر، ولما ثنى من قصصه وأنبائه، وأحكامه، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، ومواعظه. وقيل: لأنه يثنى في التلاوة، فلا يمل كما جاء في وصفه لا يتفه ولا يتشان ولا يخلق على كثرة الرّد. ويجوز أن يكون جمع مثنى مفعل، من التثنية بمعنى التكرير، والإعادة كما كان قوله تعالى: {
ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْن }[الملك: 4] بمعنى كرّة بعد كرّة، وكذلك: لبيك و سعديك، وحنانيك.
فإن قلت: كيف وصف الواحد بالجمع؟
قلت: إنما صحّ ذلك لأنّ الكتاب جملة ذات تفاصيل، وتفاصيل الشيء هي جملته لا غير، ألا تراك تقول: القرآن أسباع وأخماس، وسور وآيات، وكذلك تقول: أقاصيص وأحكام ومواعظ مكررات، ونظيره قولك: الإنسان عظام وعروق وأعصاب، ألا أنك تركت الموصوف إلى الصفة؛ وأصله: كتاباً متشابهاً فصولاً مثاني. ويجوز أن يكون كقولك: برمة أعشار، وثوب أخلاق. ويجوز أن لا يكون مثاني صفة، ويكون منتصباً على التمييز من متشابهاً، كما تقول: رأيت رجلاً حسناً شمائل، والمعنى: متشابهة مثانية.
فإن قلت: ما فائدة التثنية والتكرير؟
قلت: النفوس أنفر شيء من حديث الوعظ والنصيحة، فما لم يكرر عليها عوداً عن بدء، لم يرسخ فيها ولم يعمل عمله، ومن ثم كانت عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكرر عليهم ما كان يعظ به وينصح ثلاث مرات وسبعاً ليركزه في قلوبهم ويغرسه في صدورهم.اهـ الكشاف للزمخشري
ـ {
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآن العظيم} ( سورة الحجر : 87 ) و {
المثاني} من
التثنية وهي التكرير؛ لأن الفاتحة مما تكرر قراءتها في الصلاة وغيرها، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله، الواحدة مثناة أو مثنية صفة للآية. وأمّا السور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك، ولما فيها من الثناء، كأنها تثني على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى.اهـ اهـ الكشاف للزمخشري.
أرد فأكرر بأن الاقتراح هو :
تسمية (
مثناة أو مثاني القرآن الكريم ) بديلاً عن قولنا : ( التكرار في القرآن الكريم ) سواء في الكلمات أو الآيات أو القصص ؛ لأنه للوهلة الأولى، يتبادر معنى التكرار المذموم للسامع ؟؟
فما رأي الأساتذة الكرام ؟؟