قال تعالى ((قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)) (12) الاعراف
ذكر بعض المفسرين أن حرف النفي (لا) في قوله تعالى ((ألَّا)) زائدة، وأن الأصل ((ما منعك أن تسجد)).
في الحقيقة أنا لم أقنع بهذا الكلام، فيبقى السؤال قائماً على هذا التوجيه: لماذا زيدت (لا) هنا؟ وقد رد العلامة ابن عاشور على هذا القول .. هذا على القول بوجود الزائد في القرآن الكريم وفي المسألة خلاف معروف..
وأتمنى على الإخوة الأعضاء إفادتي في تفسير قوله تعالى ((ما منعك ألَّا تسجد)) وبيان معنى حرف النفي (لا) هنا،، أو إرشادي إلى مصادر نافعة في هذا المجال
وجزيتم خيراً
المراد: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك. بدليل قوله في القصة عينها في سورة «ص»: {قَالَ يا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ}. فحذف لفظة «لا» في «ص» مع ثبوتها في «الأعراف» والمعنى واحد. فدل ذلك على أنها مزيدة للتوكيد.
وقد يكون سؤالك ما دلالة استعمال (لا) في هذا الموضوع مع أن الفعل منع يفيد الامتناع عن الفعل ؟ وما دلالة عدم استعمالها في الموضع الثاني وهو سورة ص؟
وفي الحقيقة لا مندوحة من اعتبارها زائدةً في آية الأعراف لأن الفعل منع يفيد النفي وهو يسد عن استعمال لا. ولو لم تكن زائدةً لكان الفعل -حاشا لله- غير دقيق التوظيف. ولكان الفعل (حَمَلَكَ) أو (دَعَاكَ) أولى منه. لأن نفي النفي إثبات. ويبقى السؤال من جهة أسلوبية وهو: ما فائدة زيادة لا في هذا الموضع؟ الجواب هو التوكيد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد ، أول ما يجب الإشارة إليه في هذه المسألة هو أن نشير إلى القاعدة التفسيرية والتي مفادها : (لا توجد مفردة زائدة في القرآن ، سواء كانت اسما أو فعلا أو حرفا ) فمن قال بالزائد في القرآن فقد أخطأ ، فالقرآن كالكون سواء بسواء : فهذا كتاب مقروء وذاك كتاب منظور . {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ }[الملك:3]. فإذا رجعنا إلى المثال الذي نحن بصدده ، نجد ما يلي : يقول تعالى : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }[الأعراف:12] وهذا التعبير القرآن نجد مثيله في سورة طه : [قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا{92} أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي{93}] وهذا التعبير يخالف التعبير الذي جاء في سورة ص : {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }[ص:75] التحليل : ما منعك ألا تسجد = ما منعك أن [ لا تسجد ] ..................= ما منعك حتى [ لا تسجد ] ..................= ما منعك إلى أن [ لا تسجد ] ..................= ما منعك كي [ لا تسجد ] ( المساواة التي نشير إليها هي مساواة لتقريب المعنى فقط ) وكلها تعابير متقاربة تؤكد على أن المفردة القرآنية (أن) تعتبر مؤشرا دلاليا في تغيير المعنى . وأن المعنى الموافق للسياق ، الذي تحمله الآية 12 من سورة الأعراف يشير إلى التعليل . يقول الراغب الأصفهاني عن الحرف (حتى) : " ويدخل على الفعل المضارع فينصب ويرفع ، وفي كلّ واحد وجهان : فأحد وجهي النصب : إلى أن. والثاني : كي. " ويقول ابن هشام في مغني اللبيب : " " حَتَّى : حرف يَأْتِي لأحد ثَلَاثَة معَان انْتِهَاء الْغَايَة وَهُوَ الْغَالِب وَالتَّعْلِيل وَبِمَعْنى إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا أقلهَا وَقل من يذكرهُ ." فما علاقة التعليل بالمفردة القرآنية ( أن ) في هذا التعبير القرآني ؟ والله أعلم وأحكم
شكرا للأخ عبد الكريم
وفقا لرأي خلاصة الأمر ترجع إلى أن نتأول الكلام وتأوله موقوف على ثلاثة اختيارات:
- فأما أن نتأول دلالة الفعل منع فيصبح بمعنى دعا أو حمل وهذا مستبعد
-وأما أن نتأول دلالة (أن) وهو وارد
-وأما أن نتأول زيادة أداة النفي (لا) خصوصا وأن لها شواهد شعرية
وقد ذهب أكثر المفسرين إلى انها زائدة بدليل غيابها عن آية ص
الفاضل يحيى بن يعيش أولا ًََ: عندما نحلل الأسلوب القرآني ، فهذا يكون ضمن المعجم القرآني لا غير . وهذا هو منهجنا الذي نسير عليه . تقول الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ في كتابها (التفسير البياني للقرآن الكريم ) مقدمة الجزء الثاني : "والأمر كذلك فيما يهدي إليه الاستقراء من وجوه بيانية وظواهر أسلوبية ، نقدمها منه دون أن نخشى فيها مخالفة لبعض قواعد النحويين وأحكام البلاغيين . لأن الأصل أن تُعرض قواعدهم وأحكامهم على البيان الأعلى ، لا أن نعرض القرآن عليها ونخضعه لها . ويبدو أننا في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في قواعد النحو المدرسية وأحكام الصنعة البلاغية ، في ضوء ما هدى إليه التدبر الاستقرائي لكتاب العربية الأكبر ، في بيانه المعجز " ثانياًَ : أما قولك : "وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أنها [لا] زائدة بدليل غيابها عن آية ص " فهذا كلام لا يستقيم ، إذا قارنا بين الأسلوبين معاً في سورة الأعراف وسورة ص : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }[الأعراف:12] {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }[ص:75] الاستفهام الأول المذكور في سورة الأعراف استفهام مضمونه : علة المنع من السجود في الوقت الذي أمره الله بذلك : { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}، فكانت العلة مذكورة في هذا الجواب : {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ، فعلة عدم سجوده هو التكبر . ( الله أمر إبليس بالسجود ولم يسجد) بينما الاستفهام الثاني المذكور في سورة ص استفهام عن المانع من السجود بتعيين أحد السببين المذكورين : ( التكبر أو العلو ) : {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }[ص:75] فكان الجواب حسب المطلوب : {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }[ص76] . فالمانع له من السجود هو التكبر .
السلام عليكم ورحمة الله. لاح لي معنى لطيف في ذكر "لا" في موضع وعدم ذكرها في آخر، من خلال مقارنة نظم الآيتين.
الآية الأولى المتضمنة ل"لا": يقول فيها تعالى : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }[الأعراف:12]
وبين فيها أن قول الله عز وجل لإبليس ينتهي عند أمرتك. ليبتدئ بعده كلام إبليس اللعين، ووقعت في هذا النظم، كلمة "لا" موقعها، ذلك أن أمر الله العلي، لا ينبغي للمكلف أن يقابله بالنفي وعدم الالتزام، وأقوى ما يمثل عدم اللالتزام هو لفظة "لا".
ولما كان المقصود في الآية هو إظهار قبح فعلة إبليس، وما كان منه من عدم السجود، وقعت "لا" موقعها، وهي تختزل في مضمونها في -هذا السياق-كل معاني الجرأة على الله ومعارضته، وكل معاني الفجور والإلحاد. فمن هنا كان معنى التقبيح والإنكار على إبليس حاصلا بذكر "لا" المتقدمة، فتكون واقعة في مقابل قوله عز وجل: "إذ أمرتك"، فقال له اللعين "لا". كأن نظم الآية يستحضر في هذا المقام قول اللعين: لا أسجد. والغرض منها هو ذكر هذه الجرأة على أمر الله، وكيف جابه اللعين أمر الله العلي وقابله بعدم الإلتزام. وهذا غاية في الكفر لا مزيد عليها.
أما الآية الثانية وهي: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }[ص:75]
فسياقها مختلف، مباين للأولى، من جهة كون الحديث فيها قد امتد ليشمل ذكر العلة في عدم السجود،
فكأن الموضع الأول في ذكر عدم السجود بحد ذاته، وتقبيح هذا الرد من إبليس اللعين، وإنكار هذا الفعل منه، وهو الذي يناسبه لفظة "لا"
والموضع الثاني في غرض آخر وهو ذكر العلة المانعة من السجود. والله أعلم.
حالة إبليس عندما عصى ربه : علة المنع من السجود : التكبر المانع من السجود : التكبر التقرير : العلة والمانع شيء واحد ، إبليس كان عازما على المعصية : {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ }[الحجر:31]
أشكر جميع الإخوة الذين شاركوا في هذا الموضوع .. وأسأل الله تعالى أن يجازيهم خير الجزاء .. وقد فتحت لي إجاباتهم أبواباً في فهم الآية،، وأرجو من الإخوة أن يقرؤوا ما كتبه العلامة ابن عاشور ويعطوا آراءهم فيما اختاره في تفسير آية ((ألَّا تسجد))
أرى أنه لابد أولاً من توجيه أسلوب الآية لغةً.. ثم بعد ذلك نحاول التعرف على بلاغة هذا الأسلوب..
ذكر ابن عاشور في تفسيره أن الفعل (مَنَعَ) ضُمِّن معنى الفعل (حَمَلَ) أو (دَعَى)، وعلى هذا يكون توجيه الآية: ما منعك من السجود وحملك على أن لا تسجد.. ويبقى أن نسأل: لماذا استعمل هذا الأسلوب؟ وأرى أن الأخ الفاضل عدنان أجانة قد أبدع في الجواب عن هذا التساؤل من خلال المقارنة بين الآيتين الكريمتين..
أقول: انظروا أيها الإخوة ما أحلى مذاكرة العلم،، وكيف أنها توصل إلى نتائج طيبة بإذن الله وفضله
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه : الفاضل الدكتور ياسر النعيمي ، جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم
وبعد ، فقبل أن نواصل هذه المذاكرة ، نرجع إلى ما قاله ابن عاشور في الآية :{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }[الأعراف:12]. " و { مَا } للاستفهام، وهو استفهام ظاهره حقيقي، ومشوب بتوبيخ، والمقصود من الاستفهام إظهار مقصد إبليس للملائكة. و { منعك } معناه صدّك وكفّك عن السجود فكان مقتضى الظاهر أن يقال: ما منعك أن تسجد لأنّه إنّما كفّ عن السّجود لا عن نفي السجود فقد قال تعالى في الآية الأخرى : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي }[ص: 75]، فلذلك كان ذكر (لا) هنا على خلاف مقتضى الظاهر، فقيل هي مزيدة للتّأكيد، ولا تفيد نفياً ، لأنّ الحرف المزيد للتّأكيد لا يفيد معنى غيرَ التّأكيد. و(لاَ) من جملة الحروف التي يؤكّد بها الكلام " تعقيـــب : 1 ـ نحن متفقون معه على أن الاستفهام حقيقي ومشوب بتوبيخ ، أما المقصود من الاستفهام فهو إظهار مقصد إبليس للملائكة وكذلك لكل الثقلين من الجن والإنس ، فالقرآن جاء خطابا للإنس والجن ، فهو بيان للناس . 2 ـ إذا سار التحليل باستخدام المنطق الأرسطي على شكل : النفي ونفي النفي = إثبات ، سوف لا نحصل على الهدف المنشود . وذلك لسببين : أ ـ التحليل الجزئي الذي لا يتماشى مع اللسان العربي بقوله : " و{ منعك } معناه صدّك وكفّك عن السجود فكان مقتضى الظاهر أن يقال: ما منعك أن تسجد لأنّه إنّما كفّ عن السّجود لا عن نفي السجود" في حين أن العربي عندما يقول : ( ما منعك ألا تطيل النظر في آيات الله ) فهو تعبير صحيح فصيح . ب ـ تجاهل الأسلوب القرآني : ففي النسق القرآني داخل المعجم القرآني ، يوجد هذا الأسلوب : يقول تعالى : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }[الأعراف:12] ويقول تعالى في سورة طه : [قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا{92} أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي{93}] فهو تعبير قرآني بلسان عربي مبين . 3 ـ عندما تكون أدوات التحليل غير لائقة تأتي النتيجة كذلك . يقول ابن عاشور في تفسير الآيتين 92 و 93 من سورة طه : " والتقدير: ما منَعك أن تتبعني واضطرّك إلى أنْ لا تتبعني ، فيكون في الكلام شِبه احتباك. والمقصود تأكيدُ وتشديدُ التوبيخ بإنكار أن يكون لهارونَ مانع حينئذ من اللحاق بموسى ومقتض لعدم اللحاق بموسى ، كما يقال: وُجد السبب وانتفَى المانع. " السؤال المطروح : أين يوجد الاحتباك ؟ فأقول : الاحتباك يوجد في ذهن المحلل الذي تسلح بأدوات غير مناسبة لهذا التحليل .
والله أعلم وأحكم مع فائق التقدير والاحترام أخوكم : عبد الكريم عزيز
أخي الكريم عبدالكريم عزيز: أشكرك على مداخلتك الطيبة .. لكن أرى أنك فهمت الاحتباك في كلام ابن عاشور على غير وجهه؛ فإن ابن عاشور استعمل الاحتباك بمعناه البلاغي، حيث إن الاحتباك عند البلاغيين هو: ((أن يجتمع في الكلام متقابلان فيُحذف من واحد منهما مقابله لدلالة الآخر عليه)) ويُسمى أيضاً (الحذف المقابلي).
وابن عاشور يرى أنه يوجد متقابلان في الآية الكريمة (وهما الفعلان: "مَنَعَ" و"حَمَلَ") فحُذف أحدهما وهو الفعل "حمل" وأُبقي مُتَعَلَّقه وهو ((ألَّا تسجد)) في حين ذُكر الفعل "منع" وحُذف متعلَّقُهُ وهو ((أن تسجد))، وسبب الحذف هو وجود ما يدل على المحذوف في الكلام.. أو بعبارة أخرى: سبب الحذف أن الكلام مفهوم
وتقبَّل أخي العزيز شكري وتقديري لتفاعلك الطيب مع الموضوع
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه الفاضل الدكتور ياسر النعيمي : لقد ذكرتُ سابقا أن الاحتباك موجود في ذهن المحلل ( بغض النظرعمّن يكون هذا المحلل) ، لأن المحلل في ذهنه أن هناك احتباكاً . ووجهة نظري أن الأسلوب لا احتباك فيه . فهذا واضح . ولا أدعي أن هذا هو الصواب ، بقدر ما أقول إنها وجهة نظر . وأجد أن هذا المنهج في التعامل يكون أدعى للأخذ و الرد ، والاحتكاك بالآخرين ، مما يجعلني أتمتع بلذة المذاكرة مع الفضيلات والفضلاء رواد هذا (الملتقى/الجامعة) الذي أعتبر نفسي أحد الطلاب في رحابه . نسأل الله أن يكون قصدنا خالصا لوجهه . وأن يزيدنا علماً وأن ينفعنا بما علّمنا ، آمين .
الآن نرجع إلى متابعة المذاكرة : 1 ـ يوجد في القرآن الكريم نسقان جاءا بنفس الأسلوب : الأسلوب الأول : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }[الأعراف:12] الأسلوب الثاني : في سورة طه : [قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا{92} أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي{93}] منهجياً سأبدأ بالأسلوب الثاني . لماذا ؟ لأنه بين إنسان وإنسان : موسى وهارون . فموسى عندما ترك أخاه هارون ليخلفه في بني إسرائيل ، يعلم علم اليقين أن لا أحد يستطيع أن يمنع هارون من تلك المهمة . فالمنع الخارجي معدوم إطلاقا . لكن لمّا رجع إلى قومه وجدهم ضلوا باتباع العجل . وهارون لم يفعل شيئا بل ظل منتظرا رجوع موسى عليه السلام . فأراد أن يعرف المانع الداخلي الذي منع هارون من الاتباع : [قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَإِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا{92} أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي{93}] [قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ (...) أَلَّا تَتَّبِعَنِ (...)] يريد أن يعلم المانع الداخلي لأخيه الذي جعله يقوم بهذا السلوك . فهو ينتظر الجواب الذي لا يعلمه : {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي }[طه:94] ، فهنا صرح هارون بمكنونه الداخلي الذي منعه من اتباع موسى . وهذا بخلاف : الجملة : (ما منعك أن تتبعني)، التي تبحث عن المانع الخارجي . وهذا غير وارد في قصة موسى مع أخيه . ملاحظة : بهذا التحليل لا يوجد في الجملة القرآنية تداخل يؤدي إلى "شبه احتباك" كما ذكر العلامة ابن عاشور رحمه الله . 2 ـ الأسلوب الأول المتعلق بإبليس : جاء على نسقين مختلفين في سورتين مختلفتين : سورة الأعراف وسورة طه . والأسلوبان كلاهما : استفهام إلهي لإبليس . أ ـ في سورة الأعراف ، الله الذي يعلم كل شيء ، يريد أن يبين للملائكة والجن والإنس مقصود إبليس من عدم السجود ، لأنهم لا يعلمون الغيب . لأن المانع داخلي لا يعلمه أحد إلا الله : {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّتَسْجُدَإِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }[الأعراف:12] فعندما { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} ، تبين لنا القصد الداخلي لهذا السلوك . بينما : في سورة طه : {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }[ص:75] ، يكون الاستفهام عن المانع الخارجي المباشر من بين أحد هذين المانعين : الاستكبار أو العلو . وهما ظاهران في النص . وأن أحدهما سيكون المانع لإبليس من السجود ، وهو الاستكبار . والله أعلم وأحكم مع فائق التقدير والاحترام أخوك : عبد الكريم عزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
الأخ يحى من قال أن أكثر المفسرين على القول بالزيادة؟وقد رد الزيادة في هذه الآية الطبري والرازي .. واختار ابن جريرأن " منعك " تضمن معنى فعل آخر تقديره:ما أحوجك وألزمك واضطرك أن لاتسجد إذ أمرتك .. وحسن هذا القول ابن كثير..
وأنا أبحث حالياً في هذه المسألة ووجدت قولين في"العلة في دخول"لا"في قوله: "ألا تسجد".
القول الأول:وهو المشهور أن (لا) صلة زائدة، والتقدير:ما منعك أن تسجد؟
القول الثاني:
أن(لا )هنا أصلية غير زائدة ، و في ذلك عدة أوجه، منها:
الوجه الأول:
أن المنعَ هاهنا بمعنى القولِ.وتأويلُ الكلامِ: مَنْ قال لك: لا تسجُدْ إذ أمرتُك بالسجودِ ؟
وقد رد ابن جرير هذا الوجه؛ معللا ذلك بقوله:" إن المنعَ وإن كان قد يكونُ قولاً وفعلاً، فليس المعروفَ في الناسِ استعمالُ المنعِ في الأمر بترك شيءٍ...". أود تعليق من الأفاضل والفضليات على رد ابن جرير لهذا الوجه...
الوجه الثاني:
أن في الكلامِ محذوفًا قد كفى دليلُ الظاهرِ منه، وهو أن معناه: ما مَنَعك من السجودِ فأحْوجَك ألاتسجدَ؟ فتَرَك ذكَرَ"أحْوجك"، استغناءً بمعرفة السامعين.وهو اختيار" الطبري. وغيرها من الأوجه... وقد رجحت القول بأن "لا" هنا أصلية غير زائدة..وأستندت على تضعيف الطبري والرازي زيادتها-وهذا ما تميل إليه النفس-...
أما ماذكر من إفادتها التوكيد فقد رده الدكتور تاج في سلسلة مقالاته التي نشرها في مجلة الأزهر.. وقد عقد الكرماني موازنة بين هذه الآية التي فيها"لا" وآية ص بدون "لا" وآية الحجر ..- فليراجع لمن طلب مصادر نافعة في هذا المجال-
الأخ عدنان هل ما لاح لك من معنى لطيف في ذكر "لا" في موضع وعدم ذكرها في آخر، من خلال مقارنة نظم الآيتين. اجتهادا؟لأني أريد توثيقه...
قال محمد إسماعيل عتوك :"فقوله تعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ ﴾(ص: 75) ؟ هو مطالبة لإبليس- لعنه الله- ببيان المانع الذي منعه من السجود . فلما لم يجد المانع الذي منعه من السجود ، طولب أن يبين الدافع الذي تولد في نفسه ، وحمله على ترك السجود ، فقال سبحانه وتعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ﴾(الأعراف: 12) ؟ فلما اضطرب ، وتلجلج في الكشف عن هذا الذي ضل عنه ، وهو يحاول الإمساك به ، لم يجد إلا أن يقول في يأس :﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾(الأعراف: 12) . فلما شوهد على هذه الحالة ، قال الله تعالى له :﴿ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾(الحجر: 32) . أي : أي شيء لك في ترك السجود مع الساجدين ؟ وهكذا يؤخذ إبليس بمخانقه ، ويُسقَط في يده ، فينهار ويهوي ، ثم يتخبط في هذا الهذيان المحموم ، وقد عرف ألا نجاة له ، وأنه من الهالكين لا محالة .. ومثل ذلك قول موسى-عليه السلام- لأخيه هارون :﴿ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ ﴾(طه:92-93) . أي : ما حملك على أن لا تتبعني . أو ما دعاك إلى ترك اتباعي .
وبهذا الذي ذكرناه يتبين لكل عاقل منصف أن كل ما قيل في ( لا ) هذه ، إنما هو مجرد كلام ، لا فائدة فيه ، ولا جدوى منه ؛ لأنه لا يفسر أسلوبًا ، ولا يوضح معنى ، إضافة إلى ما فيه من تكلف وتمحل قد وصل ببعضهم إلى حد الهذيان ، ولم يعلموا أن الحكم على كلمة من كتاب الله تعالى بالزيادة إنما هو حكم ظالم جائر ، وهو مما يجفوه حِسُّ العربية المُرْهَف ، ولا يُلطِّف من هذه الجفوة أبدًا تعليلهم لهذه الزيادة بأن الغرض منها التوكيد ؛ لأنه مجرد ادعاء لا دليل عليه ، وتبرير لا يغني من الحق شيئًا .. أقول قولي هذا وأستغفر الله ، وأعوذ به من جهل الجاهلين ، والحمد لله رب العالمين !
موقع أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم .. أود من الأخوة مناقشة الأوجه التي ذكرها من يذهب إلى أصالة الحرف؟
الأخ عبد الكريم قولك:" التحليل الجزئي الذي لا يتماشى مع اللسان العربي بقوله : " و منعك معناه صدّك وكفّك عن السجود فكان مقتضى الظاهر أن يقال: ما منعك أن تسجد لأنّه إنّما كفّ عن السّجود لا عن نفي السجود"في حين أن العربي عندما يقول : ( ما منعك ألا تطيل النظر في آيات الله ) فهو تعبير صحيح فصيح " قد ذكر ابن جرير هذا الإشكال وأجاب عليه وكأنه يشير إلى ماذكره ابن عاشور من أن ذِكْرُ (لَا) هُنَا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لمن يظن ذلك...
قال ابن جرير:"فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَخْبِرْنَا عَنْ إِبْلِيسَ، أَلْحَقَتْهُ الْمَلَامَةُ عَلَى السُّجُودِ أَمْ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ؟ فَإِنْ تَكُنْ لَحِقَتْهُ الْمَلَامَةُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ، فَكَيْفَ قِيلَ لَهُ: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف: 12] ، والنكير إذا كان على ترك السجود فإنما يقال : مامنعك أن تسجد. وَإِنْ كَانَ النَّكِيرُ عَلَى السُّجُودِ، فَذَلِكَ خِلَافُ مَا جَاءَ بِهِ التَّنْزِيلُ فِي سَائِرِ الْقُرْآنِ، وَخِلَافُ مَا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ.
هذا والله تعالى أعلم..
الموضوع طرح قبل فترة ؛وهذه فرصة مواتية للمراجعة والمدارسة..