ما حد استخدام العقل المجرد في التفسير

أبو مسفر

New member
إنضم
16/04/2003
المشاركات
2
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما أقرا آيات في كتاب الله ثم يظهر لي معنى من هذه الآية. هل أعده تفسيراً ؟ هذا إذا كنت عامياً ليس لدي علم ولا معرفة بأي شيء من تفسير القرآن ، ولكن لدي عقل راجح مثلاً.
ثم إذا كانت عندي معلومات عن القرآن ولكنها قاصرة هل أستخدم عقلي ؟ إذن هل العقل وحده ممكن أن يفسر به القرآن ؟

ثم ما هي المدرسة العقلية التي فسرت القرآن مع ذكر المآخذ عليها ؟
وتفسير الشعراوي فيأي خانة نضعه ؟
 
أخي الكريم في سؤالك عدد من النقاط أقسمها وأتحدث عنها على حدة :
الأولى : قولك : ((عندما أقرا آيات في كتاب الله ثم يظهر لي معنى من هذه الآية. هل أعده تفسيراً ؟ هذا إذا كنت عامياً ليس لدي علم ولا معرفة بأي شيء من تفسير القرآن ، ولكن لدي عقل راجح مثلاً)
أولاً : لا يمكن أن تمنع نفسك من بادي الرأي الذي يظهر لك أثناء قراءتك لكتاب الله سبحانه ، وهذا القدر لست مؤاخذًا به ، لأنه لا يمكنك الانفكاك عنه .
ثانيًا : أن تتبنَّى هذا الرأي دون أن ترجع إلى العلماء ليصحِّحوا لك ما ظهر لك من التفسير أو الاستنباط ، فالبِدار بالقول ببادي الرأي وتبنيه ونشره وحالك ـ كما قلت ـ: أنك عاميٌّ ليس لديك علم ولا معرفة ، فإن هذا من القول على الله بغير علم ، وهو من الكبائر التي نهى الله عنها في قوله : (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينَزِّل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) ( الأعراف : 33 ) . فانظر كيف قرن القول عليه بغير علم مع هذه الكبائر خصوصًا الشرك بالله .
ومن هذه الآية تعلم خطر القول على الله بغير علم ، وأنت قد نصصت على ذلك ، والعلم أصل أساس في القول بالرأي المحمود ، ولا يكفي في ذلك العقل ، لأن العقل غير المنضبط بالشرع لا يهدي للصواب دائمًا ، وإن وقع منه في بعض الأحيان .
وبمناسبة ذكر العلم والعقل ، ومن باب تمليح الكلام استطرد في ذكر مناظرة أقامها شاعر بين العلم والعقل فقال :
علم العليم وعقل العاقل اختلفا=من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا؟
فالعلم قال : أنا أحرزت غايته =والعقل قال : أنا الرحمن بي عُرِفا
فأفصح العلم إفصاحًا وقال له := بأيِّنا الله في فرقانه اتَّصفا؟
فبان للعقل أن العلم سيدُه = فقبَّل العقلُ رأس العلم وانصرفا

ثانيًا : قولك : ((ثم إذا كانت عندي معلومات عن القرآن ولكنها قاصرة هل أستخدم عقلي ؟ إذن هل العقل وحده ممكن أن يفسر به القرآن ؟))
فإن جواب سؤالك في سؤالك ، فما دمت تحكم بقصور معلوماتك ، فليس لك أن تفسر القرآن ، ثم هل أنت ملزم بأن تستخدم عقلك في التفسير وهذا حالك ؟
أرى أنك لست ملزمًا ، بل عليك الرجوع إلى أهل العلم ، والقراءة في كتب التفسير لتتبصر بما قاله أهله .
والعقل وحده لا يكفي في تفسير القرآن ، ولا يمكن أن يستقل به دون المصادر الأخرى التي يعتمد عليها من يريد أن يفسر القرآن برأيه .
وحال هذا كحال رجل يدِّعي الطبَّ ويداوي الناس ، فقد يصيب شيئًا ، لكن أخطاءه وطوامَّه أكثر من إصابته للحق .
وهذا إذا كان غير مرضيِّ في علوم البشر ، فما بالك بعلم يتعلق بالله سبحانه ؟ وهو بيان مراد الله بكلامه .

ثالثًا : قولك : ((ثم ما هي المدرسة العقلية التي فسرت القرآن مع ذكر المآخذ عليها ؟ ))

أطلق مصطلح المدرسة العقلية على مجموع المتكلمين الذين يستخدمون عقولهم دون الاعتماد على النصوص ، وقد صار يطلق على وجه الخصوص على المعتزلة قديمًا ، ثمَّ على محمد عبده ومن سار على نهجه حديثًا .
ونسبتهم إلى العقل اصطلاحٌ ، وإلا فالعقل الصحيح ليس معهم ، بل معهم العقل المجرَّدُ ، أو العقل المعتمد على مصادر غير إسلامية ، كالمنطق والفلسفة وأفكار الحضارة الغربية وغيرها .
والذي يُتعجَّب منه أن هؤلاء يُنسبون إلى العقل ، وكأن مقابليهم ليس لهم عقول ، ولكن الأمر ليس كذلك ، بل هؤلاء اعتمدوا على عرض الشريعة على عقولهم التي أصابها فساد إما من جهة الشبهات ، وإما من جهة الشهوات ، فصارت تسيِّر عقولهم في أمورهم الفكرية ، فردُّوا بعض نصوص الكتاب والسنة لهذا السبب .
ويمكن القول بأن العقل على مراتب :
الأول : استخدام العقل المجرد عن أي مصدر ، وغالبًا ما يكون ذلك عند فقدان النصِّ أو عند بادئ الرأي .
الثاني : الاعتماد على العقل المعتمد على مصادر فاسدة أو غير صحيحة ؛ كما وقع لكثير من المعتزلة ، وكذلك بعض المعاصرين الذين لا يرون حرمة النص القرآني ، ويتعاملون معه كأي نص عربي ، وهؤلاء عندهم مصدرهم ، لكنه مصدر مخالف للصواب ، وهذا أكثر من سابقه بكثير .
الثالث : الاعتماد على العقل المعتمد على مصادر الشريعة ، وهذا الذي ينتج الرأي المحمود الذي لا زال العلماء يتعاملون به إلى اليوم .
وإذا تأملت هذه القسمة علمت أن نسبتهم إلى العقل تحكُّمٌ ، فلو رٌبِط العقل بوصف زائد لكان أولى .
ولما كثر وصفهم بذلك جعلوا مقابلهم أهل النص والأثر ، وزعم من زعم أن هؤلاء لا يستعملون نقولهم ، وأنهم جمدوا مع النص ، وأنهم لا يقدمون لأمة جديدًا ، وهذا الزعم مخالف لواقع العلماء في الحكم على المستجدات ، وطريقة التعامل معها .
لكن هؤلاء يريدون الانفلات من النص دون رقيب ولا حسيب ، فينتسبون إلى العقل ، والعقل الصريح منهم براء .
وأحب أن أنوه هنا إنه قد سبق التعليق على مصطلح مدرسة الذي شاع استخدامه في الدراسات القرآنية ، ولعلي أذكر الرابط فأضعه لاحقًا من باب الفائدة .
ويمكن للسائل إن أراد أن يعرف المدرسة العقلية الحديثة ما لها وما عليها أن يرجع إلى كاب المدرسة العقلية الحديثة للأستاذ الدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي ، وهي في مجلدين ، وهناك دراسات أخرى في هذا الباب .
الرابع : قولك : ((وتفسير الشعراوي في أي خانة نضعه ؟ ))
أما تفسير الشعراوي فهو من التفاسير التي لقيت قبولاً عند العامة ، وذلك من منة الله سبحانه على هذا الرجل ، ويمكن أن نتلمس في طريقة درسه الإلقائي عوامل نجاحه في هذا الدرس ، ومنها :
1 ـ طريقة إلقائه للمعلومة ، وذلك باستخدام بعض العبارات التي يجذب بها الجمهور .
2 ـ السكتات التي يستخدمها في حديثه ، وطريقته فيها ، إذ فيها تنبيهات وجذب للانتباه .
3 ـ الأداء الحركي لأعضائه من اليد والجسم والعينين وغيرها ـ وذلك لمن يشاهده ، وهو بالمشاهدة أكثر تأثيرًا ـ وهذه لا تتأتى لكل أحد ، بل قد يستطيعها بعضهم لكنه يتركها خشية القالة .
4 ـ استفادته من المعلومات العامة المخزونة في ذاكرته في درسه في التفسير ، وغالبًا ما تكون هذه المعلومات من باب الملح واللطائف ، أو من باب بيان قضايا تتعلق بالشريعة لا التفسير ، وفيها من الجدَّة والطرافة ما فيها .
5 ـ النُّزول بالأسلوب التعبيري إلى الفهم العامي ، وذلك من السهل الممتنع الذي لا يستطيعه كل أحد ، كما أنه يستفيد من واقع الناس في عباراتهم ومعاشهم في تفسيره ، ويوظِّف هذا توظيفًا عجيبًا .
6 ـ استخدام أسلوب السؤال ، وبعض الأساليب الكلامية المشوقة التي تجعل السامع منجذبًا إليه .
وهناك غيرها ، وهذا ما خرج من عفو الخاطر ، وهو استطراد أريد أن افتح به بابًا انغلق ، كان قد سأل عنه الأخ الفاضل عبد الله بالقاسم ، ولعله أن يرجع بسؤاله عن الطريقة المثلى في إلقاء درس التفسير في هذا العصر .
أما تفسيره من جهة الرأي ، ففيه رأي واضحٌ ، وذلك ظاهر في استنباطاته وتفسيراته ، ومن تفسيراته التي ذكرها أن الإفساد الثاني لبني إسرائيل المذكور في سورة الإسراء هو ما نشاهده اليوم من إفساد بني إسرائيل .
ومنها تفسير الأوتاد بأنها الأهرامات .
ولكنه في عموم تفسيره لم يخرج عن تفسير المتقدمين عليه ، لكنه لما أوتي من حسن أسلوب يظن من ليس عنده علم أنه جاء بجديد ، وهو جديد على سامعه لكن ليس ابتكارًا حادثًا له .
وأذكر أن أحد الأقارب المعجبين بتفسيره يذكر ـ معجَبًا ـ ما فسر به التين والزيتون ويقول : من قال بهذا ؟ على سبيل الإعجاب وأنه من بنات أفكار الشيخ ، فذكرت له أن هذا محكي عن السلف ، لكن لجهله لا يعلم أن الشيخ مسبوق بهذا التفسير ، لكن الشيخ تميَّز بأسلوب عرضه لهذه المعلومة فحسب .
ويمكن القول بأن الرأي في تفسيره على أقسام :
الأول : رأي حادث في التفسير لم يسبق إليه ، وهذا قليل .
الثاني : اختيار قول في التفسير ، وهذه هي الطريقة الغالبة على تفسير المتأخرين .
الثالث : رأي في مسائل لا علاقة لها بالتفسير من المعارف المتعددة .
وعلى العموم فإن تفسيره مسموعًا نافع جدًّا ، لولا ما فيه من هنات في المعتقد يعرفها من يعرف عقيدة السلف ، والله يغفر لنا وله .
أما الآراء في العلم سواءً أكان تفسيرًا أو فقهًا أو غير ذلك ، فإن الأمر فيها واسع ما دامت في باب الاجتهاد المقبول ، والله أعلم .
 
عودة
أعلى