"ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِن قَلبَينِ في جَوفِه"

إنضم
20/02/2013
المشاركات
30
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
العمر
36
الإقامة
السعودية
ذكر الإمام الذهبي في طبقاته في ترجمة الإمام السخاوي تلميذ الإمام الشاطبي خبرا عن إقرائه فقال:
قال القاضي في "وفيات الأعيان": رأيته مرارا راكبا بهيمة إلى الجبل وحوله اثنان وثلاثة يقرءون عليه، دفعة واحدة في أماكن من القرآن مختلفة، وهو يرد على الجميع.
قلت: ما أعلم أحدا من المقرئين ترخص في إقراء اثنين فصاعدا، إلا الشيخ علم الدين، وفي النفس من صحة تحمل الرواية على هذا الفعل شيء، فإن الله تعالى ما جعل لرجل من قلبين في جوفه.
ولا ريب في أن ذلك أيضا خلاف السنة، لأن الله تعالى يقول: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] .
وإذا كان هذا يقرأ في سورة، وهذا في سورة، وهذا في سورة، في آن واحد، ففيه مفاسد، أحدها زوال بهجة القرآن عند السامعين، وثانيها أن كل واحد يشوش على الآخر، مع كونه مأمورا بالإنصات.
وثالثها: أن القارئ منهم لا يجوز له أن يقول قرأت القرآن كله، على الشيخ وهو يسمع، ويعي ما أتلوه عليه، كما لا يسوغ للشيخ أن يقول لكل فرد منهم: قرأ علي فلان القرآن جميعه، وأنا أسمع قراءته وما هذا في قوة البشر.
قالت عائشة -رضي الله عنها، سبحان من وسع سمعه الأصوات، وإنما يصحح التحمل إجازة الشيخ للتلميذ، ولكن تصير الرواية بالقراءة إجازة، لا سماعا من كل وجه. معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار (ص: 341)
ثم عقب الإمام ابن الجزري على كلام الإمام الذهبي بقوله:
قلت: بل في النفس مما قاله الذهبي شيء ألم يسمع وهو يرد على الجميع مع أن السخاوي لا نشك في ولايته وقد أخبرني جماعة من الشيوخ الذي أدركتهم عن شيوخهم أن بعض الجن كان يقرأ عليه وقضيته التي حكاها العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري في تاريخه مع تلميذه في حق جاريته معروفة ذكرتُها في الطبقات الكبرى تدل على مقداره. غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 570)

وللأسف أصبح في الوقت الراهن بعض القراء يظن نفسه كالإمام السخاوي, فتراه يقرئ طالبين أو ثلاثة دفعة واحدة وعلى سبيل الإجازة, فترى العجب! فلا يكاد يرد على الطالب إلا إذا توقف أو أُغلق عليه, لأن باله مشغول بأحدهما لاهٍ عن الآخر قطعا, وقد يقع الطالب في أخطاء كثيرة أثناء القراءة من غير أن يلحظ الشيخ ذلك, ثم يكتب الشيخ في الإجازة وقد قرأ عليّ الطالب فلان ختمة كاملة برواية كذا حرفا حرفا مع مراعاة الأحكام المعتبرة _والله المستعان_, ولا شك أن هذا يعد من التساهل في تعليم كتاب الله ومنح الإجازة من غير وفاء بشروطها, وقبل ذلك فيه مصادمة لفطرة الله التي فطر الناس عليها.

ولذلك كيف ينظر إلى مثل هذه الحالة من الإقراء وما يترتب عليها من إجازة وربما يَحمِلُ الطالب معه بعض الأخطاء بدون تصحيح ويتصدر للتعليم على علته.
 
كنت قد انشغلت بالتفكير بهذا الأمر منذ مدة، وقد هالني أمر بعض الناس في زماننا ممن يظن في نفسه أن له سلفا في فعله وهو الإمام السخاوي وأن فعل السخاوي رحمه الله يُجَوز له هذا، فقلت سبحان الله، بقي علم الإمام السخاوي في كتبه كشرح القصيد وشرح العقيلة وما إلى ذلك وقل انتشار إسناده جدا بل كاد ينقطع إلا من إجازة عامة أو ما شابه، بالرغم من أنه تلميذ الشاطبي المقدم وناشر قصيدته الغراء وإمام الدنيا في زمانه، إلا أن حكمة الله تعالى في هذا الأمر عجيبة جديرة بالتأمل والتدبر..
 
عودة
أعلى