ما النجاة ؟

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
ما النجاة ؟​
اعلم أن خطر اللسان عظيم ، ولا نجاة من خطره إلا بالسكوت عن آفاته ؛ روى أحمد والترمذي عَنْ عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : " أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ "[SUP] ( [1] ) [/SUP].
وفي صحيح البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ "[SUP] ( [2] ) [/SUP].
وروى أحمد والبخاري في ( الأدب المفرد ) وابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يَلِجُ النَّاسُ بِهِ النَّارَ ، فَقَالَ : " الْأَجْوَفَانِ : الْفَمُ ، وَالْفَرْجُ " ، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يَلِجُ بِهِ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " حُسْنُ الْخُلُقِ "[SUP] ( [3] ) [/SUP].
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم : وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ : عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ "[SUP] ( [4] ) [/SUP].
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ "[SUP] ( [5] ) [/SUP].
وفي مسند أحمد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ؛ وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ "[SUP] ( [6] ) [/SUP].
وفي موطأ مالك عَنْ أَسْلَمَ مولى عمر أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ – رضي الله عنهما - وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَهْ ، غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَََََ[SUP] ( [7] ) [/SUP]. و( مَهْ ) ، أي : اكفف عما تفعله .
ورواه أبو يعلى والبيهقي في ( شعب الإيمان ) ، والضياء في ( المختارة ) من طريق أخرى عن عَنْ أَسْلَمَ أن عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر و هو يمد لسانه قال : ما تصنع يا خليفة رسول الله ؟ قال : إن هذا الذي أوردني الموارد ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليسَ شيءٌ منَ الجسدِ إلا وهُوَ يَشكُو ذَِرَبَ اللسانِ ، عَلَى حِدَّتِهِ "[SUP] ( [8] ) [/SUP]؛ وِذَرَب اللسان ( بفتح الذال المعجمة والراء جميعًا ) : هو حدته وشره وفحشه .
وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عَنْ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيُّ عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ تعالى مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، يَكْتُبُ اللهُ تعالى لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؛ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تعالى مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، يَكْتُبُ اللهُ تعالى بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " فَكَانَ عَلْقَمَةُ يَقُولُ : كَمْ مِنْ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ[SUP] ( [9] )[/SUP] .
والأحاديث في بيان خطورة اللسان كثيرة ، والكلمة إذا خرجت لا ترجع ، وهي لك أو عليك ؛ وقد أحسن من قال :
يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه ... وليس يموتُ المرء من عثرة الرِّجل
فعثرتُهُ من فِيهِ ترمي برأسه ... وعثرتُهُ بالرِّجل تبرا على مهل​
وقال رجل لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أوصني ؛ قال : عليك بالصمت إلا في حق ؛ فإنك به تغلب الشيطان[SUP] ( [10] ) [/SUP].
قال ابن القيم – رحمه الله : وأما اللفظات فحفظها بأن لا يخرج لفظه ضائعة ، بل لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه ، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر : هل فيها ربح أو فائدة ، أم لا ؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها ، وإن كان فيها ربح نظر هل تفوته بها كلمة هي أربح منها ، فلا يضيعها بهذه ؛ وإذا أردت أن تستدل على ما في القلوب فاستدل عليه بحركة اللسان ؛ فإنه يطلعك على ما في القلب ، شاء صاحبه أم أبى ؛ قال يحيى بن معاذ : القلوب كالقدور تغلي بما فيها ، وألسنتها مغارفها ، فانتظر الرجل حتى يتكلم فإن لسانه يغترف لك ما في قلبه : حلو وحامض ، وعذب وأجاج .. وغير ذلك ، ويُبِينُ لك طعم قلبه اغتراف لسانه [SUP] ( [11] ) [/SUP]؛ أي : كما تطعم بلسانك فتذوق ما في قلبه من لسانه ، كما تذوق ما في القدر بلسانك ؛ وفى حديث أنس المرفوع : " لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ " ، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل النار ، فقال : " الْفَمُ ، وَالْفَرْجُ " ؛ وقد سأل معاذ النبي عن العمل يدخله الجنة ويباعده من النار فأخبره برأسه وعموده وذروة سنامه ، ثم قال : " أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ " قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ، وَقَالَ : " كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ - أَوْ قَالَ : عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ " .
ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ومن النظر المحرم وغير ذلك ، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى يُرى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقى لها بالا ، يزل بالكلمة الواحدة بين المشرق والمغرب ، وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ، ولا يبالى ما يقول ؛ وإذا أردت أن تعرف ذلك فانظر إلى ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ " أَنَّ رَجُلاً قَالَ : وَاللَّهِ ، لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ "[SUP] ( [12] ) [/SUP]؛ فهذا العابد الذي قد عبد الله ما شاء أن يعبده أحبطت هذه الكلمة الواحدة عمله كله ؛ وفى حديث أبي هريرة رضي الله عنه نحو ذلك ، ثم قال أبو هريرة : تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته [SUP]( [13] ) [/SUP]؛ وفى صحيح البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا ، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ؛ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا ، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ "[SUP] ( [14] ) [/SUP]. وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا ، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ "[SUP] ( [15] ) [/SUP]- ثم ذكر أحاديث مما تقدم وغيرها - ثم قال : وقد كان بعض السلف يحاسب أحدهم نفسه في قوله : يوم حار ، ويوم بارد ؛ ولقد رُؤي بعض الأكابر من أهل العلم في النوم بعد موته ، فسئل عن حاله ، فقال : أنا موقوف على كلمة قلتها ، قلت : ما أحوج الناس إلى غيث ! فقيل لي : وما يدريك ؟ أنا أعلم بمصلحة عبادي ؛ وقال بعض الصحابة لخادمه يومًا : هات لي السفرة نعبث بها ؛ ثم قال : استغفر الله ، ما أتكلم بكلمة إلا وأنا أخطمها وأزمها ، إلا هذه الكلمة خرجت مني بغير خطام ولا زمام [SUP]([/SUP] [16] [SUP])[/SUP] ، أو كما قال .
وأيسر حركات الجوارح حركة اللسان ، وهى أضرها على العبد ، واختلف السلف والخلف هل يكتب جميع ما يلفظ به ، أو الخير والشر فقط ؟ على قولين ؛ أظهرهما الأول وقال بعض السلف : كل كلام بن آدم عليه لا له ، إلا ما كان من ذكر الله وما والاه ؛ وكان الصديق t يمسك بلسانه ويقول : هذا أوردني الموارد ؛ والكلام أسيرك ، فإذا خرج من فيك صرت أسيره ؛ والله عند لسان كل قائل ؛ و] مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ [ ق : 18 ][SUP] ( [17] ) [/SUP].
فحفظ اللسان من أعظم أسباب النجاة ، فلينتبه العاقل لكلماته قبل أن تخرج من فيه ، والله المستعان .


[1] - أحمد : 5 / 259 ، والترمذي ( 2406 ) وحسنه .

[2] - البخاري ( 6109 ، 6422 ) .

[3] - أحمد : 2 / 392 ، 442 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 289 ) ، والتِّرمِذي ( 2004 ) وصححه ، وابن ماجة ( 4246 ) ، وابن حبان ( 476 ) ، والحاكم ( 7919 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .

[4] - رواه أحمد : 5 / 231 ، والترمذي ( 2616 ) وصححه ، وتقدم تخريجه .

[5] - البخاري ( 6112 ) ، ومسلم ( 2988 ) .

[6] - رواه أحمد : 3 / 198 ، ورواه ابن أبي الدنيا في ( الصمت ) رقم 9 ، وحسنه الألباني في الصحيحة ( 2841 ) .

[7] - الموطأ : 2 / 988 ( 1788 ) .

[8] - أبو يعلى ( 5 ) ، والبيهقي في الشعب ( 4947 ) ، والضياء في المختارة ( 3 ) ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب ( 2873 ) .

[9] - أحمد : 3 / 469 ، والترمذي ( 2319 ) وصححه ، والنسائي في الكبرى كما في التحفة : 2 / 103 ( 2028 ) ، وابن ماجة ( 3969 ) ؛ ورواه ابن حبان ( 287 ) ، والحاكم : 1 / 45 ، 46 ، وصححه ووافقه الذهبي .

[10] - رواه ابن أبي الدنيا في الصمت ( 91 ) .

[11] - رواه أبو نعيم في ( حلية الأولياء ) : 10 / 62 .

[12] - مسلم ( 2621 ) .

[13] - أخرجه أحمد : 2 / 323 ، 362 ، وأبو داود ( 4901 ) ، وصححه الألباني .

[14] - البخاري ( 6113 ) ، تنبيه : قال ابن القيم ها هنا : وفي الصحيحين ، وأورد الحديث بلفظ البخاري ، ثم قال وعند مسلم : "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها ، يهوي بها في النار أبعد مما بين المغرب والمشرق " وهو في الصحيحين .

[15] - البخاري ( 6112 ) ، ومسلم ( 2988 ) .

[16] - القائل هو شداد بن أوس رضي الله عنه ، رواه أحمد : 4 / 123 ، والحاكم ( 1872 ) ، وصححه على شرط مسلم ، بنحو ما ذكره .

[17] - انظر الجواب الكافي ، ص : 110 – 112 ، باختصار وتصرف .
 
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيكم شيخنا العزيز و احسن اليك و جزاك الفردوس و جعلنا ممن نضمن لنبينا صلى الله عليه وسلم من يصون لسانه و فرجه و يجعلنا للمتقين اماما
 
عودة
أعلى