السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،
أصل الشبهة هو أن قوم موسى كانوا خارجين هاربين من مصر و أن فرعون أراد أن يستفزهم (أي يخرجهم حسب كلام المفسرين) من أرض مصر ، فكيف يكون هذا ؟ كيف يخرجهم و هم أصلاً خارجين ؟
هذه هي الشبهة ببساطة و الرد هو أن الاستفزاز ليس معنى مطابقًا للاخراج ، فهو لا يدل على الاخراج عمومًا بل على كيفية معينة لهذا الاخراج .
و انسحاب بني إسرائيل من أرض مصر كان انسحابًا تكتيكيًا و من لديه خلفية عن العلوم العسكرية يعلم جيدًا أن أكبر خسائر الجيوش المنهزمة تكون أثناء الفرار لأن القوات المنتصرة ساعتها تركب ظهور و أعناق الهاربين و تمزقهم تمزيقًا و تلحق بهم خسائر جسيمة و هو المعروف بمطاردة فلول الهاربين ، لهذا وجب أن يكون الانسحاب بالنسبة للفارين الهاربين مدروسًا و منظمًا .
لهذا السبب خرج فرعون بقواته ليحبط هذا الخروج المدروس لبني إسرائيل و أراد ان يكون خروجهم على نحو هروب الجيوش المنهزمة أمام المنتصرين الذين يمزقون ظهورهم و أعناقهم أثناء الفرار .
و هذا هو معنى الاستفزاز : أي خروجهم بهذه الكيفية المعينة و ليست الكيفية الرزينة المدروسة التي رسمها موسى لقومه .
و هذا دافع لنا لنتأمل و نتفكر في الانتقاء البديع للكلمات في القرآن العظيم ، و أرجو أن يفهم القاريء براعة اختيار كلمة (يستفزهم) في هذا السياق ، و هي كلمة بديعة تدل على الاخراج بكيفية معينة لا يمكن التعبير عنها إلا بهذه الكلمة الرائعة .
و تأمل قول الألوسي رحمه الله في روح المعاني :
(( فأراد فرعون أن يستفزهم أي موسى وقومه وأصل الاستفزاز الإزعاج وكنى به عن إخراجهم من الأرض أي أرض مصر التي هم فيها أو من جميع الأرض ويلزم إخراجهم من ذلك قتلهم واستئصالهم وهو المراد .. { فأغرقناه ومن معه جميعا } أي فعكسنا عليه مكره حيث أراد ذلك لهم دونه فكان له دونهم فاستفز بالإغراق هو وقومه وهذا التعكيس أظهر من الشمس على الثاني وظاهر على الأول لأنه أراد إخراجه من مصر فأخرج هو أشد الإخراج بالإهلاك والزيادة لا تضر في التعكيس بل تؤيده )) روح المعاني ج15 ص186 .. و سبحان العزيز الجبار !
http://www.aljame3.com/forums/index.php?showtopic=6755